فتن الملك.. الجار الذي لا يؤتمن !

بقلم  زهرالدين سماتي – صحيفة الخبر

من خلال المطالبة بحق تقرير المصير”للشعب القبائلي “عن طريق الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك التي قامت بتوزيع وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز ، وصلت الرباط لتوها إلى مستوى جديد لا يطاق في علاقاتها تجاه جارتها الجزائر.

 يكشف المغرب النقاب عن التورط المباشر للمخزن في تمويل حركة “الماك” الانفصالية “. إن المغرب الذي صوت ضد استقلال فلسطين ، بينما يترأس لجنة القدس، يريد أن يدفع ، من خلال هذا النوع من الإستفزاز الخطير بالتواطؤ وتنسيق محكم  مع اللوبي الصهيوني ،الجزائريين إلى الانتفاض ضد بعضهم البعض ، وهي محاولة فاشلة لخلق تطلعات قومية مصطنعة فشلت فرنسا الاستعمارية في زرعها بين الجزائريين طيلة 130 سنة من الإستعمار.

يجب البحث عن مثل هكذا خرجات للمخزن بعيدا عن “حبه” للقبائل وميولاته المازوشية لفكرة “تقرير المصير”حيث يمكن لجميع المراقبين تخمين الخلفية المرتبطة بالمسألة الصحراوية، بالفعل اشتدت معاناة المغرب في الأسابيع الأخيرة، بفعل العزلة الدولية التي فرضتها عليه أزمته الأخيرة مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى عودة ملف حقوق الإنسان بقوة مما جعل الديبلوماسية المغربية تفقد صوابها كما لا يمكن قراءة الوضعية في الأراضي المحتلة بعيدا عن النزاع العسكري  الحاصل حاليا، والذي انطلق منذ شهر أكتوبر الماضي، حيث تستمر قوات الجيش الصحراوي في دك قواعد المغرب على طول جدار العار.

 ولا يجب أن ننسى  صور الأطفال الرضع اللذين ألقى بهم الملك في البحر كوقود لنيران ابتزاز لإسبانيا وهو أكبر دليل على أن حياة الناس ومصائرهم لا تعني  لنظام المخزن أي شيء حتى أن الاتحاد الأوروبي عبر بشدة عن امتعاضه من تعامل الملك المغربي محمد السادس من قضية المهاجرين غير الشرعيين. ولا يخفى على أحد أن السبب الرئيس للأزمة هو استقبال إسبانيا للرئيس الصحراوي ابراهيم غالي للعلاج. وفي هذا السياق كشف استطلاع للرأي قام به معهد “ديم” الاسباني أن 89 بالمائة من الاسبان لا يثقون في النظام المغربي ويعتبرونه ” شريكا غير مخلص وغير موثوق”، فيما يعتبر 55 بالمائة منهم أن سلطات بلادهم لم تتفاعل مع أزمة المغرب كما ينبغي.

 كما أدت الصدمة الناجمة عن جائحة “كوفيد 19 إلى إغراق الاقتصاد المغربي في ركود عميق – الأول منذ عام 1995. وانكمش الإنتاج بنسبة 15 ٪ في الربع الثاني من عام 2020 مع تسجيل انخفاض حاد في الصادرات مع تسجيل تراجع رهيب في العائدات. فتفاقمت الصدمة الاقتصادية والإجتماعية خاصة بالنظر إلى الأداء الضعيف للقطاع الزراعي بسبب الوباء والجفاف في آن واحد. وهذا ما يفسر توجه المخزن نحو خلق “بلبلة” جديدة مع الجارة الجزائر لإلهاء الشعب المغربي الذي أثقلت كاهله الأزمة الاقتصادية. وهو طبعا خيار غير مجدي.

عندما نرجع للعلاقات المشبوهة بين المخزن و حركة “الماك” الإنفصالية، فإننا نكشف في برقية ويكيليكس نشرت في 30 أوت 2011 عن اجتماع دار في 19 أوت 2005 في تطوان ، بين محمد السادس ، ملك المغرب والسيناتور الأمريكي ريتشارد غرين لوغار المسؤول عن العلاقات الدولية في وزارة الخارجية ، وكشفت البرقية أن  ملك المغرب “اقترح إجراء استفتاء على الحكم الذاتي للقبائل”. و ها هي نوايا “الماك” تظهر للعلن بتواطؤ من المخزن واللوبي الصهيوني المتحكم في كل زمامه وفي هذا السياق  وصل زعيم حركة “الماك” الإنفصالية من أجل الحكم الذاتي يوم 20 ماي 2012 إلى القدس في زيارة منظمة وسرية تامة لتجنب إثارة غضب الجزائر. وتم تنظيم هذه الزيارة على نحو خبيث من قبل “جاك كوبفر” ، المسؤول عن العلاقات الخارجية لحزب الليكود – حزب بنيامين نتنياهو – لكنه معروف بأنه قريب من اليمين الإسرائيلي المتطرف. وتم استغلال هذه الزيارة لبحث كل سبل الدعم المادي والإستخباراتي الصهيوني للحركة  في منطقة القبائل.

 وكان زعيم حركة “الماك” قد تلقى عدة دعوات سرية وعلنية من قبل المخزن لزيارة المغرب .ففي عام 2011 ، شارك مهني في مهرجان “تويزا” و من جهته ، أعرب زعيم الحركة الإنفصالية عن دعمه لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتسوية نزاع الصحراء. وهو ما يفسر نية المخزن في الإستثمار في هذه “الحركة” لتزعج جارتها الجزائر رغم خطورة مثل هذه المناورات الدنيئة على سيادة ووحدة التراب الوطني.

وجاء رد فعل الجزائر شديد اللهجة حيث اعتبر البيان الصادر عن وزارة الخارجية أن”التصريح الدبلوماسي المغربي المجازف وغير المسؤول والمناور، يعد جزءا من محاولة قصيرة النظر واختزالية وغير مجدية تهدف إلى خلق خلط مشين بين مسألة تصفية استعمار معترف بها على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي وبين ما هو مؤامرة تحاك ضد وحدة الأمة الجزائرية”. كما اعتبر البيان إن” هذا التصريح يتعارض بصفة مباشرة مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتلهم العلاقات الجزائرية المغربية، فضلا عن كونه يتعارض بصفة صارخة مع القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي”. ولا شك أن ردة فعل الجزائر لن تتوقف عند حدود هذا البيان. وفي النهاية أصبحنا في الجزائر ننتظر الأسوأ من هذا الجار الذي لا يؤتمن.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14657

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *