قراءة تحليلية في استراتيجية دونالد ترامب: وثيقة الأمن القومي الأمريكي 2017 نموذجا

إعداد من طرفي يحيى سعيد قاعود و عــلا عامر الجعب

 مركز التخطيط الفلسطيني

تقديم……………………………………………………………………………………… 5
مقدمة……………………………………………………………………………………. 7
summary……………………………………………………………………………. 12
مدخل…………………………………………………………………………………….. 15
المحور الأول

 الإستراتيجية والسياسة الخارجية

أولاً: الإستراتيجية والسياسة الخارجية……………………………………………… 19
ثانيًا: تاريخ الإستراتيجية الأمريكية………………………………………………… 26
ثالثًا: دونالد ترامب في البيت الأبيض…………………………………………….. 30
المحور الثاني

 وثيقة ترامب للأمن القومي الأمريكي

أولاً: وثيقة ترامب للأمن القومي الأمريكي……………………………………….. 37
ثانياً: الإستراتيجية في السياق الإقليمي…………………………………………… 54
ثالثاً: إستراتيجية ترامب بين التأييد والمعارضة…………………………………. 73
المحور الثالث

 الثابت والمتغير في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

أولاً: استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي (2016-1991) ……………….. 78
ثانياً: ترامب وتغير النظام العالمي………………………………………………… 91
ثالثاً: دونالد ترامب والقومية الجديدة New Nationalism………………… 94
 

المحور الرابع

 السياسة الخارجية لدونالد ترامب في ضوء الإستراتيجية الجديدة  

أولاً: السياسة الخارجية لدونالد ترامب…………………………………………….. 105
ثانيًا: السمات العامة لسياسة ترامب الخارجية………………………………….. 115
ثالثاً: السياسة الترامبية بعد السنة الأولى من الحكم……………………………. 126
المحور الخامس

 الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية

أولًا: المنطقة العربية في الاستراتيجية الأمريكية……………………………….. 133
ثانيًا: القضية الفلسطينية في الاستراتيجية الأمريكية…………………………… 138
خاتمة الدراسة…………………………………………………………………………. 146
الملاحق
ملحق رقم (1) أرشيف استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي، من ريغان إلى ترامب…….. 149
ملحق رقم (2) أهم قرارات وتصريحات دونالد ترامب اتجاه القضية الفلسطيني………….. 151
المراجع والمصادر ……………………………………………………………………. 153

تقديم

أ. جمال البابا*

يصدر مركز التخطيط الفلسطيني هذه الدراسة الشاملة ضمن سلسلة قراءات استراتيجية التي تعنى بقضايا استراتيجية على تماس مباشر بالقضية الفلسطينية، بهدف تحقيق فهم معمق لانعكاس السياسة الأمريكية واستراتيجيتها الجديدة على القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بهدف وضع رؤية وطنية للتصدي لمحاولات النيل من مشروعنا الوطني.

مثل وصول دونالد ترامب إلى رأس الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ظاهرة جديرة بالدراسة من خلال تنامي وصعود اليمين الشعبوي، خلافاً للنخب السياسية التقليدية في الولايات المتحدة، الأمر الذي أخضع استراتيجية ترامب للأمن القومي لنقاش عميق لدى الأكاديميين والسياسيين لفهم توجهات الولايات المتحدة الداخلية والخارجية.

في كلمته حول استراتيجيته الجديدة، حدد ترامب ثلاثة تهديدات رئيسية تواجه الولايات المتحدة وهي طموحات روسيا والصين، الدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية، الجماعات الإرهابية الجهادية الهادفة إلى العمل النشط ضد الولايات المتحدة. رغم ذلك فإن استراتيجية الولايات المتحدة للعام 2017م لا تهتدي فقط بعقلية ترامب، في كثير من مفاصلها، لكنها أيضاً تستند إلى إستراتيجيات سابقة لها عمادها وهو إخضاع العالم وتسخيره لصالح الولايات المتحدة.

فيما يتعلق بالشرق الأوسط وضمن مبدأ الاستراتيجية في سياق إقليمي تؤكد الاستراتيجية الجديدة على أن الولايات المتحدة تبحث عن شرق أوسط لا تهيمن عليه قوى معادية لها، شرق أوسط يسهم في سوق طاقة عالمي مستقر، وألا يكون مرتعاً للإرهابيين الجهاديين، مع أن العديد من التقارير والمعلومات الاستخباراتية تؤكد أن الجماعات الجهادية بشكلها الحالي هي صناعة أمريكية، تم تدشينها في أفغانستان لمواجهة الغزو الروسي في حينه، ولا يخفى على أحد موقف الإدارة الحالية الحازم ضد أيه محاولات لإلحاق الضرر بإسرائيل على الساحة الدولية، وفي مجلس الأمن الدولي بصفتها الحليف الاستراتيجي والابن المدلل.

على صعيد القضية الفلسطينية، فإن الإستراتيجية الأمريكية غيبت الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولم تتطرق إلى أسس أو رؤية لحل الصراع سوى جمله واحدة “نحن ملتزمون بالمساعدة على تيسير إبرام اتفاق سلام شامل يقبله الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء”، ومن خلال متابعة تصريحات أركان الإدارة الأمريكية الحالية يمكن التقاط إشارتان مهمتان فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، الأولى، إن إسرائيل ليست السبب وراء الاضطرابات الإقليمية، وإنما هي الجماعات الإرهابية وإيران، أما الثانية، تتمثل في تبني بطريقة أو بأخرى وجهة النظر الإسرائيلية من خلال تأكيد الإدارة الأمريكية بأنها ستساعد على التوصل إلى تسوية سياسية بين الطرفين، لكن على أساس قبول الطرفين، وهذا يؤكد على أن الرؤية الإسرائيلية هي التي ستتصدر المشهد، وبعد قراءة معمقة لمواقف الإدارة الأمريكية الحالية من القضية الفلسطينية أصبح من شبه المؤكد أن القيادة الفلسطينية ذاهبه إلى صدام مع هذه الإدارة سواء على صعيد المسيرة السلمية والمفاوضات أو في أروقة الأمم المتحدة التي ستشهد مواقف أمريكية داعمة لإسرائيل وبصورة غير مسبوقة.

يأتي هذا الجهد المميز استكمالاً لورشة العمل التي عقدت في مركز التخطيط مطلع العام الحالي 2018م والتي شارك فيها لفيف من المهتمين وذوي الاختصاص، وهنا لابد من التأكيد أن الباحثان، يحيى قاعود، وعُلا الجعب، قد بذلا مجهوداً وافراً في تحليلهم لمضمون وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2017م، حيث قدموا بين أيدينا كتاباً قيماً يمثل إضافة نوعية للمكتبة العربية، لكم منا أسرة مركز التخطيط الفلسطيني كل تقدير واعتزاز.

مقدمة

 د. وجيه أبو ظريفة

 تعتبر دراسات الأمن القومي واحدة من أهم قضايا البحث والدراسة في العصر الحالي لما تمثله من أهمية على مستوى الأفراد والجماعات والدول، خاصة مع ازدياد مخاطر وتحديات تفرضها الوقائع الجديدة الناتجة عن الاختلال في معايير التوازن في التحالفات والصراعات الدولية.

رغم أن مفهوم الأمن القومي مازال يشكل مشكلة حقيقية للدارسين والباحثين، كونه مفهوم يحمل كثير من الدلالات صعبة التحديد ومتعددة المضامين، والقابلة لعدد كبير من التفسيرات، إلا أن كثير من الاجتهادات بدأت تحاول وضع مقاربات لـ نظرية الأمن القومي، خاصة مع زيادة التحديات التي تواجه الدول وبأشكال متعددة ومتنوعة. لقد أصبحت دراسات الأمن القومي تحاول أن تجيب على السؤال الأهم وهو: كيف يمكن لجميع المركبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية أن تتلاءم معاً؟ من أجل الخروج بمخرجات تتوافق مع تحقيق أعلى مستويات الحماية لمصالح الدولة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من النتائج على كافة المستويات بما يحقق الأمن والاستقرار وتحسين جودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ قوة الدولة بما يجعل منها قوه مؤثر على مستويات متعددة إقليمية ودولية.

إن وضع استراتيجيات الأمن القومي للدول يعتمد على قدره المخططين وصناع القرار في مراعاة كافة المتغيرات والثوابت المحلية والاقليمية والدولية، وتقديم مقاييس واضحة للعلاقة بين كافة هذه المتغيرات. فلا يمكن إغفال حقائق الجغرافيا، ولا الإرث التاريخي والديني والقدرات الاقتصادية والثبات الاجتماعي وقوة النظام السياسي والقوة العسكرية والبشرية. وأيضاً حجم الثروة والقدرة على حمايتها واستغلالها، وكثير من المدخلات التي يقوم المخطط لاستراتيجية الأمن القومي بدمجها معاً من أجل قياس تأثير كل منها على مخرجات استراتيجية الأمن القومي.

اختلف المنظرون والأكاديميون على خاصية الأمن القومي، وبالتالي على أهدافه وأدوات تحقيقه وكيفية التعبير عنه سياسياً وأيدولوجياً، ولكن الجميع اتفق على أن الأمن القومي هو قدرة الدولة على إدارة المخاطر والتحديات التي تواجهها، وحجم القدرات التي تملكها، بهدف تحسين قدرات الدولة الداخلية وقدرتها على التأثير الخارجي وتوسيع دائرة نفوذها وخلق معايير جديدة للاصطفاف السياسي الدولي، بهدف تعظيم المردود الخارجي على الوضع الداخلي للبلد.

تطور مفهوم الأمن القومي من مجرد حماية الدولة لبقائها أو لحدودها الجغرافية، إلى مفهوم أوسع، يشمل حماية كيان الدولة وقيم المجتمع ورفاهيته واستثماراته الاقتصادية والاجتماعية، وطريقة العيش التي يفضلها. وبالتالي باتت استراتيجية الأمن القومي تشمل جوانب متعددة، تهدف جميعها إلى إيجاد حالة من الاستقرار تؤدي إلى تحقيق النمو وتطوير المجتمع وضمان التنمية وحماية النظام السياسي والاجتماعي والقيمي وصيانة حالة التوازن المجتمعي بين مكونات الدولة، وأيضاً حماية حدود الدولة وتطوير نفوذها الاقليمي والدولي.

ازدادت أهمية وجود استراتيجيات للأمن القومي في الحقبة الحالية بسبب الكثير من التحديات التي أصبحت تواجه الدولة، خاصة مع ازدياد التحولات في مفاهيم الأمن القومي وتطورها إلى سياسات عدائية ذات طابع حمائي، خاصة لما رافق ذلك من ازدياد حدة العنف الدولي وانتشار الارهاب والتطرف وعدم الاستقرار وسهولة انتقال العنف من دوائر ضيقة إلى دوائر أكثر اتساع، قد تشمل العالم بأكمله اضافة للاختلالات في العلاقات الدولية وإدارة الموارد مما يقلص القدرة على تعايش المصالح وتقليص مناطق النفوذ. وبالتالي ارتفاع وتيرة التنافس الدولي مما قد يؤدي إلى صدامات لم تكن واردة سابقاً في النظام الدولي والنظم الإقليمية.

إن استراتيجية الأمن القومي تجميع شامل للعناصر التي تشكل الاحتياجات الضرورية للدولة متضمنة الحماية الذاتية، والاستقلال الوطني، وحماية الحدود من أي تهديدات خارجية، والحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه، وتحقيق أعلى دراجات الرفاهية الاقتصادية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، والقدرة على البقاء ضمن مجتمع موحد يحتكم للقوانين السارية وتضمن انسيابية النظام السياسي والتداول السلمي للسلطة لحماية الجبهة الداخلية من أي اختراقات أو قلاقل تؤدي إلى التأثير على مكانة الدولة في النظام الاقليمي والدولي.

شكلت الولايات المتحدة حالة خاصة من رؤيتها للأمن القومي الأمريكي ومكانته في نظام الأمن الدولي، وبالتالي وضعت كافة استراتيجيات الأمن القومي الأمريكية ضمن محددات خاصة بها، فهي تنظر إلى نفسها كقائد للعالم الجديد، والذي يقع تحت دائرة النفوذ الأمريكي، وتغطيه القدرات الأمريكية سواء القدرات العسكرية أو القدرات الاقتصادية أو حتى قدرات القوة الناعمة من أعلام وفنون وسينما، وغيرها من القدرات المساهمة في خلق حالة من النفوذ للولايات المتحدة الأمريكية في العالم.

تريد الولايات المتحدة أن تقود العالم من خلال قوتها وقدرتها، فهي مازالت تمتلك أقوى اقتصاديات العالم، والأكثر قدره على خلق فرص العمل وإعطاء مساحة للاستثمار الجديد، وربما الأكثر قدرة على الاختراع والابداع والتطور التكنولوجي والعلمي، وهي تمتلك أكبر القدرات العسكرية التي لا منافس لها في العالم، خاصة مع حجم الانتشار الدولي للجيوش الأمريكية، وحجم التأثير على صناعة القرار في العالم وسيطرتها على مراكز الثروات الطبيعة وطرق التجارة العالمية.

تمتلك الولايات المتحدة منظومة من الشراكات الدولية والتحالفات الأهم في العالم ولا يمكن لهذه التحالفات أن تنهار بسهولة، بل تعمل الولايات المتحدة عبر استراتيجياتها إلى زيادة الشراكات والتحالفات لتمتد إلى مناطق جديدة، كي لا تترك أية فراغات في الساحة الدولية قد يأتي الغير للاستثمار فيها خاصة روسيا والصين.

استطاعت الولايات المتحدة أن تحافظ على الاستقرار الداخلي، وتجاوز الأزمات الكبرى مثل أزمة الرهن العقاري، وأزمة الركود الاقتصادي، وأزمة البنوك، واستطاعت أن تضع التصورات لكيفية حل الاشكالات بما يعني أن استراتيجيات الأمن القومي الامريكي هي استراتيجيات فاعلة ومهمة لها.

منذ أن أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن البنود الأساسية من النسخة المحدثة لاستراتيجية الأمن القومي لإدارته، وضع محددا أساسيا بنيت عليه هذه الاستراتيجية وهو أن الولايات المتحدة تدخل مرحلة ذات طبيعة صراعية، وفي مناحي متعددة، وقال ترامب: “إن العالم يشهد الآن مواجهات عسكرية واقتصادية وسياسية وأننا دخلنا عصراً جديداً من التنافس”. وبالتالي اهتمت إدارته بصياغة سياسات وخطط وبرامج تتعاطى مع هذا الاقتراب الذي تبنته، وربما هذا ما جعل إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2018 تأخذ أكبر مدى من الاهتمام الدولي بشكل لم يسبق له مثيل منذ الاستراتيجية الأولى للأمن القومي التي أعلنت 1987م.

برز اهتمام جلي في منطقة الشرق الأوسط عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، لما تحمل هذه الرؤية من مخاطر حقيقية على مستقبل الشعب والقضية الفلسطينية. بادر مركز التخطيط الفلسطيني كمؤسسة رائدة في مجال الفكر والتخطيط التي تتبع مباشرة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الدعوة لحوار حقيقي جدي شارك فيه مجموعة كبيرة من الباحثين والأكاديميين والسياسيين، لمناقشة الاستراتيجية الجديدة، ومدى تأثيرها على القضية الفلسطينية، ومستقبل عملية التسوية التي كانت ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية. وقدم الباحثان المتميزان الأستاذة علا الجعب، والأستاذ يحيي قاعود، أوراقاً هامة تحدثت عن تفاصيل هذه الاستراتيجية، ومدى تأثيرها على الوضع الفلسطيني وخلصت ورشة العمل والحوار العميق إلى أن استراتيجية الأمن القومي التي تجاهلت في نصها فلسطين وقضيتها تؤسس لعلاقة جديدة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل تقوم على تبني المواقف الإسرائيلية فيما يتعلق بالصراع والتسوية، وربما أكثر من اي إدارة سابقة لوجود تطابق فكري وأيديولوجي بين اليمين الحاكم في إسرائيل واليمين الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية.

أثبتت الأشهر التي تلت طرح هذه الاستراتيجية وما تبعها من سياسات وإجراءات للإدارة الأمريكية صدق ما ذهبت إليه ندوة مركز التخطيط في 28 يناير/ كانون ثاني 2018م، حول السياسة الأمريكية الجديدة لإدارة ترامب، وأن هذه الإدارة أكثر خطورة على القضية الفلسطينية، وأن نقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل وتقليص التمويل للأونروا، بهدف القضاء على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتجاوز قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق باعتبار الاستيطان غير معيق للعملية السلمية والمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتوفير الحماية لإسرائيل بالفيتو في مجلس الأمن الدولي. مما أدى إلى خروج الإدارة الامريكية من كونها وسيطا في مفاوضات التسوية، إلى اعتبارها طرفا في الصراع يصطف إلى جانب إسرائيل، مما أدى إلى قطع العلاقات الفلسطينية الامريكية. وبالتالي إفشال أية محاولات للعودة إلى المفاوضات، أو اعادة إحياء عملية السلام من جديد والتي كانت قائمة أصلاً وفقا للشروط الأمريكية للإدارات السابقة، والتي تمردت عليها ادارة ترامب والتي تحاول أن تسوق ما تسميه صفقة القرن، الهادفة إلى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية مما سيزيد من حجم العداء الفلسطيني والعربي وحتى الدولي للإدارة الامريكية وسياساتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. مما يهدد بإدخال المنطقة وربما العالم إلى دائرة جديدة من العنف والتطرف وسيدفع العالم بأكمله ثمنا لهذه السياسة الامريكية الهوجاء.

من هنا تكمن أهمية هذا الكتاب الذي يناقش إستراتيجيات الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة إستراتيجية دونالد ترامب بشكل مستفيض وموسع، استكمالاً لورشة العمل التي عقدت في مركز التخطيط بداية العام. ويلقي الضوء على عوامل تشكل هذه الإستراتيجية وكيف ستنظر إلى العالم وكيف تعامل الإدارة الأمريكية معها، ويستفيض البحث في دراسة حجم تأثير هذه الإستراتيجية على القضايا المحورية والرئيسية في العالم وخاصة القضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط.

Table of Contents

مدخل

إن الثابت والمتغير في السياسة، محور الدراسات الفلسفية والسياسية في الجامعات، ومراكز التفكير الإستراتيجي، الهدف منها هو معرفة القضايا الثابتة التي لا يطرأ عليها تغيير، والقضايا التي من الممكن أن تتغير وفقًا للظروف الدولية. فلا يمكن للدول أن تبقى على سياسة واحدة مع الأحداث والمتغيرات الدولية، فقد تتغير مساراتها وتوجهاتها بحسب تلك المتغيرات. وقد تتبدل المصالح وتتغير التحالفات، بهدف تحقيق المصلحة الوطنية العليا إن كانت دولًا كبرى أم صغرى. وعندما نبحث في الإستراتيجية الأمريكية للأمن القومي نجدها تخضع لنفس المعادلات السياسة، فالثابت في السياسة هو المتغير.

إن إستراتيجيات الأمن القومي الأمريكي محط اهتمام الدول والباحثين ووسائل الإعلام، لما للولايات المتحدة الأمريكية من دور كبير في النظام السياسي العالمي بشكل عام، ولأهمية الإستراتيجية والسياسة الخارجية الساعية لتنفيذها بشكل خاص. حيث تعد السياسة الخارجية الأمريكية من بين الموضوعات الأكثر جدلًا واهتمامًا على المستوى الدولي، ويعود السبب في ذلك إلى عدة عوامل تتداخل فيما بينها على المستوى الأمريكي الداخلي، لضمان نفوذ وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي.

تبحث هذه الدراسة في إستراتيجية دونالد ترامب Donald Trump-الرئيس الخامس والأربعون- للأمن القومي الأمريكي التي عقد لها مؤتمرًا صحفيًا يوم الإثنين 19 ديسمبر 2017م. وتضمنت الكثير من التناقضات والاختلافات، وكذلك التوافقات مع استراتيجيات سابقة، وبالتالي، وثيقة ترامب عكست شخصيته منذ توليه منصب الرئاسة.

 إن خطابات ترامب السياسية، وتصريحات مستشاريه ومعاونيه، لم تنفك أبداً عن الحديث بتغيير نهج السياسة الأمريكية السابقة، بهدف استعادة الولايات المتحدة على حد قولهم، فقد ذكر ترامب في خطاباته أكثر من مرة ضعف الرؤساء السابقين بالمحافظة على دور الولايات المتحدة وتفوقها. لهذا نحن بحاجة لوضع تلك التنظيرات أمام الواقع، كي نستطيع معرفة مدى التغيير، وما هو الجديد الذي حملته الإستراتيجية على صعيد الفكر والممارسة. وتتمثل إشكالية الدارسة بالسؤال الرئيس التالي: ما هي مضامين إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة؟ وإلى أي مدى سوف تنعكس في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية؟

تنطوي الدراسة على تحقيق ثلاثة أهدف رئيسية: أولًا، التعرف على الأفكار والمفاهيم الواردة في وثيقة الأمن القومي الأمريكي 2017م، والرؤية الجديدة لدونالد ترامب في السياسة الأمريكية. ثانيًا، معرفة الثابت والمتغير في الاستراتيجيات الأمريكية في ظل تغيرات النظام الدولي. ثالثًا، محاولة فهم السياسة الخارجية الأمريكية في ضوء وثيقة الأمن القومي الأمريكي -ترامب تجاه العالم بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص. وتأتي أهمية الدراسة، من أهمية التغيرات التي أحدثها دونالد ترامب وإدارته الجديدة بعد وصوله لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، فنظرة الرئيس وإدارته مغايرة لأسلافه دوليًا وإقليميًا وداخليًا.

تفترض الدراسة “أن الرؤية الفكرية والسياسية لدونالد ترامب وإدارته سوف تكون مغايرة للرؤية الفكرية والسياسية للإدارات السابقة”. وللتحقق من فرضية الدارسة، وظفت منهج تحليل المضمون، بهدف قراءة وتحليل مضمون وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وكذلك مناقشة وتحليل أهم المتغيرات على مستوى الفكر والسياسة الأمريكية، وتأثيراتها على دول العالم، خاصة المنطقة العربية والقضية الفلسطينية. وكذلك وظفت الدراسة، منهج تحليل النظم، لكونه منهجًا متعدد المداخل ويسمح بالتحليل الحركي للتفاعلات بين مدخلات النظام بعضها ببعض، وبين مخرجاته ومؤسسات النظام نفسه وقيادته وبين المدخلات والمخرجات، مما يساعد على فهم عميق للظاهرة موضوع التحليل. وذلك من أجل الوصول إلى نتائج منطقة.

إزاء ما تقدم، ووفقًا لمتطلبات السؤال الرئيس وفرضية الدراسة، تم تقسيمها إلى المحاور الخمسة التالية:

المحور الأول: الإستراتيجية والسياسة الخارجية الأمريكية.

المحور الثاني: وثيقة ترامب للأمن القومي الأمريكي.

المحور الثالث: الثابت والمتغير في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة.

المحور الرابع: السياسة الخارجية لدونالد ترامب في ضوء الإستراتيجية الجديدة.

المحور الخامس: الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية .

 

المحور الأول: الإستراتيجية والسياسة الخارجية

ليس بوسعنا الحديث عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، دون العودة لمفهوم الإستراتيجية وتطوراته، والسياسة الخارجية وتوجهاتها، ودراسة العلاقة بينهما؛ كي نستطيع تحليل الإستراتيجية الأمريكية الجديدة وسياستها الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، رأينا من الضروري تتبع تاريخ الاستراتيجيات الأمريكية وتوسعها، فإن دراسة أي ظاهرة تستدعى النظر في الاعتبارات الفكرية والمعرفية لموضوع الظاهرة، الذي لا يقل أهمية عن التحليل والتفسير لها.

مثَّل وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ظاهرة جديرة بالدراسة في ظل تنامي وصعود اليمين الشعبوي في العالم الغربي، خلافًا للنخب السياسية التقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي كانت إستراتيجيته للأمن القومي محل جدل ونقاش عميق لدى الأكاديميين والسياسيين، لفهم توجهاته الداخلية والخارجية، والكشف عن طبيعة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول العالم

أولاً: الإستراتيجية والسياسة الخارجية

“إن الأكثر تميزًا من القادة بيننا هم هؤلاء الأكثر حكمةً والأكثر استشرافًا ورؤية.”

الاستراتيجي الصيني Sun Zi

إن السياسة الخارجية والاستراتيجية بينهما روابط متداخلة، وغالبًا ما يساء فهم العلاقة بينهما، والغرض منهما، ويساء استخدامهما في بيئة الأمن القومي. وعلى رغم توافر علاقة تراتبية هرمية بين السياسة الخارجية والاستراتيجية، فلا يوجد شروط نظرية تقول إنه يتعين على السياسة أن تكون مترافقة مع إستراتيجية داعمة([1]). بموجب التغيرات العالمية المستمرة، قد تتغير الأهداف الإستراتيجية بتغير الظروف، وكذلك قد تتغير السياسية الخارجية بوجود الإستراتيجية القائمة، إذا ما تغيرت البيئة العالمية. حتى نتمكن من شرح هذه الفكرة، علينا أولًا، قراءة تاريخ الإستراتيجية، ومن ثم تحليل علاقة الإستراتيجية بالسياسة الخارجية.

تعني الإستراتيجية من الناحية اللغوية، خطة العمل. تنوعت تعريفات الإستراتيجية، بحسب الحقب الزمنية والطبيعة الفكرية لخبراء الإستراتيجية، على مر العصور. يرجع استخدام مصطلح الإستراتيجية إلى الإغريق، حيث تُميّز حياتهم الحرب والقتال، وهذه الكلمة من حيث المضمون، كانت تشير عندهم “فن القائد”، وهي تعني عندهم أيضًا “فن الأشياء العامة”([2]). كانت الإستراتيجية تُعنى بالحرب والتأهب للحرب ثم إدارة الحرب، وهي في أضيق تعريف لها فن القيادة العسكرية، وفن إدارة وتوجيه المعارك والحملات الحربية، وتختلف الإستراتيجية عن التكتيك الذي هو فن استخدام الجنود في المعركة، كما يختلف عزف الفرق الموسيقية “الأوركسترا” عن عزف كل من الآلات الفردية التي تجيء مكونة للمجموعة كلها ([3]). إن المفهوم البسيط للاستراتيجية يعني استخدام القوة العسكرية لبلوغ الأهداف السياسية. أي الخطط للعمليات العسكرية في الحروب. غير أن الإستراتيجية تطورت فهي تمتاز بالتطور والدينامية، حيث انتقلت الإستراتيجية من المجال العسكري لتشمل كافة مجالات السياسة بشكل عام.

تعني الإستراتيجية في عالمنا المعاصر، بأنها حساب الأهداف والمفاهيم والموارد ضمن حدود مقبولة للمخاطرة، لخلق نتائج ذات مزايا، أفضل مما كان يمكن أن تكون عليه الأمور، لو تركت للمصادفة، أو تحت أيدي أطراف أخرى. ويُعرّف أندريه بوفر  André Bearer الإستراتيجية، على أنها تنسيق واستعمال القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعسكرية، ضمن مخطط منظم، وهادف إلى تحقيق المصلحة القومية. أخرجَ بوفر الإستراتيجية من صيغتها العسكرية، ليضعها في إطارها الشمولي، فالإستراتيجية القومية تتفرع منها الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. ويُعتبر بوفر أول من أخرج الإستراتيجية من إطارها الخاص (العسكري)، إلى إطارها العام (الشمولي)، وهذا يعكس إدراك استباقي لمستقبل الإستراتيجية ([4]).

تُعرَّف الإستراتيجية رسميًا في المنشورات المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، بأنها فكرة أو مجموعة أفكار حكيمة، من أجل توظيف أدوات القوة الوطنية، بطريقة منظمة ومتكاملة، لتحقيق أهداف معينة في مسرح العمليات وأهداف وطنية. ويمكن فهم الإستراتيجية بطريقة أفضل على أنها “فن” و”علم” تطوير، واستخدام القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية-السيكولوجية والعسكرية للدولة المعنية، بصورة منسجمة مع توجيهات السياسة المعتمدة، لخلق تأثيرات ومجموعة ظروف تحمي المصالح القومية وتعززها مقابل الدول الأخرى([5]). ويعرفها إدوارد ميد إيرال Edward Mead Earle بأنها “فن السيطرة على كل موارد الأمة بما فيها القوات المسلحة، ثم استخدام هذا كله إلى غاية ما يمكن، وفي أكمل صور الاستخدام”([6]). ويذهب إدوارد لوتاك Edward Luttwak أبعد من ذلك في تحديد مفهوم الإستراتيجية الكبرى، حيث عرفها قائلًا: “الإستراتيجية أحد أبعاد الصراع بين الدول الذي يدور فيه الصراع العسكري على أرضية أوسع، تتكون من السياسة المحلية والدبلوماسية الدولية والنشاط الاقتصادي”([7]).

 يُعرّف علاء أبو عامر الإستراتيجية في إطار العلاقات الدولية بمعناها الشامل: “قيادة مجمل العمليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية، وفق تصور محدد للمصلحة الوطنية”([8]). ويعرفها هاري آر ياغر Harry R. Yarger بأنها: “عملية فكرية منضبطة، ذات مخرجات وغايات وطرائق ووسائل محددة بوضوح، وهي تخدم الهدف السياسي الوطني، وتخدم السياسة في إطار التقلبات والتعقيدات والهواجس، وفي ظروف غموض البيئة الإستراتيجية، وهي تخضع لمنطق النظريات الإستراتيجية، ولعملية فكرية محددة”([9]).

بدأت الإستراتيجيات كمظهر لفن السياسية الخارجية، تعني العمليات العسكرية في كلياتها أثناء الحرب. والإستراتيجية Strategy، والدبلوماسية Diplomatic، وجهان متكاملان لفن السياسة، ويُنظّر لهما محمد طه بدوي، وليلي مرسي “في نظرية وحدة السياسة الخارجية” ليستا إلا الوجهين المتكاملين لفن واحد وهو فن السياسة([10]). الإستراتيجية تعني في قاموس العلوم السياسية “خطة عمل لدحر عدو، أو لتحقيق هدف ما، وتشير الإستراتيجية إلى خطة شاملة، أو للأمد الطويل تتألف من سلسلة من الحركات من أجل هدف عام، في حين تتألف التعبئة من حركة أو طور محدود من الخطوات صوب أهداف وسطية، في إطار خطة إستراتيجية كبيرة”([11]). وبذلك، تستند السياسة الخارجية في تحركها الموجه، على إستراتيجية تنهض بمهمة استيعاب وتطويع القدرات الحقيقية المادية والمعنوية في البلاد؛ لتحقيق وإنجاز تلك القيم والأهداف والمصالح العليا، بكلفة وزمن وخسائر أقل، وبنتائج مضمونة افتراضًا([12]).

إن التفكير الاستراتيجي Strategic Thinking في معناه الجوهري، يعني القدرة على تطبيق نظرية الإستراتيجية في العالم الواقعي، ثم صياغة إستراتيجية تخدم بنجاح مصالح محددة للدولة المعنية، من دون تحمل مخاطر يمكن تفاديها. أي أن التفكير الاستراتيجي يسبق الإستراتيجية، ويأتي بعد التفكير، وضع الخطط الملائمة في الإستراتيجية-التخطيط الإستراتيجي([13]). والتخطيط الاستراتيجي Planning Strategic مهمته الأساسية في الإستراتيجية، وضع بدائل ومسارات لتحقيق الأهداف الوطنية العليا. وإذا أردنا فهم الأداء الاستراتيجي الأمريكي([14])، يتوجب فهم مضامين الرؤية الفكرية والفلسفية، التي مثلت القاعدة أو الأرضية الفكرية، التي يرتكز عليها مجمل الأداء الاستراتيجي([15]). وهذا يعني أن الإستراتيجية تبدأ بعملية التفكير، ومن ثم التخطيط، الذي يسبق وضع الإستراتيجية. فالتخطيط الاستراتيجي يشكل الخطوة التحضيرية لإنتاج إستراتيجية أمن قومي، في ظل البيئة الدولية المصاحبة لهذه الرؤية، التي يعتمد عليها واضعي الخطط الإستراتيجية. بمعنى آخر، التفكير الاستراتيجي يتشكل من الخلفية الفكرية والفلسفية، للرئيس الأمريكي وإدارته، تجاه الدولة والبيئة الدولية، والتي تنعكس بالتخطيط للبدائل والمسارات التي تتضمنها الإستراتيجية.

يمكننا القول بأن الأهداف العليا التي تتضمنها الإستراتيجية، تتطلب حركة نشطة لتحقيق الأهداف العليا، وإن قسمتها لأهداف مرحلية، من أجل الوصول للهدف المنشود. وتقوم بتلك الحركة النشطة السياسة الخارجية للدولة، حيث أن المحرك الكامن خلف السياسة الخارجية، هو الأهداف والتطلعات لدولة ما. ورغم كثرة الدراسات التي تتناول التخطيط الاستراتيجي على مستوى المؤسسات والشركات، والمنظمات الربحية والعامة، إلا أن الدراسات التي تعالج قضية التخطيط الاستراتيجي على مستوى الدولة، أو ما يسمى بالتخطيط الاستراتيجي القومي قليلة، لكون هذا النوع من الدراسات بشقيه “المؤسساتي”، و”القومي”، نشأ وترعرع في البيئة الأمريكية، في بداية القرن العشرين إلى اليوم([16]).

يبدأ برنامج السياسة الخارجية، بالتوجه لوحدة الدولة في النسق العالمي، ويقصد بالتوجه، الطابع العام، والخصائص الأساسية لسياسة الوحدة الدولية، عبر فترة زمنية طويلة نسبيًا([17]). ومن أمثلة توجهات السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الواقعة ما بين 1919م-1941م، وابتداءً من أوائل الأربعينيات -بعد الحرب العالمية الثانية- سيطر توجه التدخل في شؤون الدول الأخرى. في حال إقرار أو تغيير العلاقات الدولية الراهنة، يمكن التمييز بين نوعين لتوجه السياسة الخارجية، الأول محاولة إقرار النمط الراهن للعلاقات الدولية، أما الثاني، توجه سياسة خارجية فحواها محاولة تغيير هذا النمط نحو نموذج مثالي متصور([18]). ومن الجدير ذكره، كان توجه السياسة الخارجية الأمريكية في النظام الدولي الجديد -ما بعد الحرب الباردة- هو المحافظة على النظام القائم-آحادي القطبية.

من خلال ما سبق، فإن السياسة الخارجية الأمريكية، هي وحدة كلية غير متجزئة، فالأفعال السياسية الخارجية، ناتجة عن عملية سياسية داخلية متكاملة، تبدأ عند لحظة التفكير بقرار سياسي محدد، وتنتهي إلى الحالة التي يتم فيها إخراج هذا القرار، وترجمته إلى تصرف وسلوك ظاهر، وهي تعبّر عن سياسة الدولة العليا، وعلى هذا الأساس فهي حركة عملية متكاملة، مكونة من مجموع الأفعال التي تسعى إلى تحقيق أهداف مترابطة بالإستراتيجية العليا للدولة([19]). والسؤال المطروح الآن: هل تغيير النظام الدولي القائم بعد عودة روسيا الاتحادية، وقوة الصين الاقتصادية عالميًا، سيؤدى إلى تغير في إستراتيجية الولايات المتحدة وتوجهاتها العالمية؟ هذا ما سنجيب عنه في محور لاحق من الدراسة.

فضلًا عما تقدم، نستطيع القول: إن السياسة الخارجية لأي دولة، تعمل وفق إستراتيجية أمن قومي علمية؛ لتعبئة كافة الإمكانيات والطاقات المتاحة في الدولة، بما يخدم تحقيق أهدافها وتطلعاتها المستقبلية.

ثانيًا: تاريخ الإستراتيجية الأمريكية

مرَّ التفكير الاستراتيجي الأمريكي بمحطات ومراحل تراكم عن طريق مساره الطويل، بدءًا من ظروف النشأة الأولى وقيام الثورة الأمريكية، وصولاً إلى تحقيق الهيمنة العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ونَهلَ التفكير الاستراتيجي الأمريكي من البراغماتية، أفكاره ونظرياته وآليات رسمه للأهداف، ونهلَ من مقولة ميكافللي “الغاية تبرر الوسيلة”، التنوع الكبير في الوسائل وأساليب الأداء، التي رفد بها الإستراتيجية الأمريكية، ومن نظرية النشوء والارتقاء “البقاء للأصلح” المبرر والشعار لهذا الفكر([20]).

يُفرِّق الخبراء في الشأن الأمريكي، بين المسار التاريخي الأمريكي قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها. فمنذ الحرب الأهلية الأمريكية، في الثلث الأخير من القرن الـ 18، كانت الاستراتيجيات الأمريكية عسكرية بالأساس. وكانت هذه الإستراتيجيات لا تصنعها الأمة ككل، وإنما يصنعها أصحاب المصالح في خدمة التوسع الأمريكي من الداخل، إلى الخارج. وكان الرئيس الأمريكي مدعومًا بأصحاب المصالح -يطرح رؤية هي أقرب إلى الإستراتيجية العسكرية المباشرة، أكثر منها إستراتيجية شاملة للأمن القومي. في ضوء ذلك عرفنا مبدأ جيمس مونرو عام 1823م([21])، وكذلك مبدأ العصا الغليظة([22]) الذي وضعه تيودور روزفلت مطلع القرن العشرين([23]).

بعد الأزمة الاقتصادية العظمى 1929م، شهدت الولايات المتحدة تحولًا داخليًا، تجلى في حضور فاعل للشرائح الاجتماعية الوسطى، التي انتقدت السياسات الداخلية والخارجية، مما أدى إلى خلخلة احتكار أصحاب المصالح، التي تُشكل السياسة القومية الأمريكية من قبل القوى والشرائح الوسطى في المجتمع الأمريكي، الأمر الذي أدى بالنهاية، إلى إصدار قانون الأمن القومي الأمريكي عام 1947م في عهد ترومان  Harry Truma(الرئيس الثالث والثلاثون 1945-1953)([24]). يُعد الرئيس السابق ترومان نقطة فاصلة في تاريخ إصدار استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي. فمنذ الحرب الأهلية الأمريكية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كانت الاستراتيجيات الأمريكية عسكرية بالأساس، ولا تصنعها الأمة الأمريكية ككل، وإنما يصنعها أصحاب المصالح. وكان الرئيس الأمريكي مدعومًا بأصحاب المصالح، يطرح رؤية هي أقرب إلى الإستراتيجية العسكرية، أكثر منها إستراتيجية شاملة للأمن القومي. فقد اعتمدت الإستراتيجية الأمريكية منذ وَضعها جورج كينان عام 1947م، على “نظرية الاحتواء([25])“، وبذلك يكون كينان أول من وضع أسس علمية للإستراتيجية الأمريكية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية([26]) بعد إجراء إصلاحات واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية، صدر قانونGoldwater-Nichols Act  لعام 1986م، الذي يكلف الرئيس أن يقدم تقريرًا سنويًا إلى الكونغرس، حول إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة([27]).

كُتبت أول إستراتيجية للأمن القومي الأمريكي، بعد إصدار قانون جولد ووتر-نيكولاس Goldwater-Nichols Act، في عهد الرئيس السابق رونالد ريغان Ronald Reagan عام 1987م (الرئيس الأربعين للولايات المتحدة 1981-1989). ولا تُختزل الإستراتيجية في الإدارة الأمريكية فقط، حتى وإن كانت الإدارة من يضعها ويخطط لها، فهي مرتبطة بكل مؤسسات الدولة الأمريكية وموظفيها، فبعد الموافقة على الإستراتيجية من الكونغرس، ستجد المؤسسات الأمريكية وموظفيها في أماكن تطبيق الإستراتيجية، وهنا يكون لديهم مساحة أكبر للتصرف وحرية الحركة ضمن الخطة الإستراتيجية الموضوعة. ولم يُحيّد القانون الأمريكي عن هذا المسار، بل أوضحه بشكل جلى في القانون السابق. وعليه، نستطيع القول إن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي تعني رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للأوضاع الداخلية والدولية، في فترة زمنية محددة.

منذ عام 1986م، أعدَّ الرؤساء السابقين وإداراتهم، ستة عشر وثيقة إستراتيجية للأمن القومي الأمريكي، بهدف تبيان وشرح رؤية وإستراتيجية الرئيس وإدارته، لمكانة الولايات المتحدة وإشكالياتها الداخلية في النظام السياسي العالمي، وكي تعمل كافة مؤسسات الدولة لتحقيق هذه الإستراتيجية. وبالتالي، فمن الطبيعي أن يكون هناك ثوابت في الإستراتيجية الأمريكية إلى حد ما، ومتغيرات وفقًا للتغيرات والتحولات في النظام السياسي العالمي. وقد أصدر الرئيس دونالد ترامب وثيقته للأمن القومي الأمريكي السابعة عشرة في تاريخ الولايات المتحدة، وفي هذه الدراسة سنقوم بتحليل وثيقة دونالد ترامب بشكل مفصل في المحاور اللاحقة.

ثالثًا: دونالد ترامب في البيت الأبيض

“سأترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة، وسوف نجعل بلادنا عظيمة مرة أخرى. سوف نستعيد بلادنا. لن نخسرها ثانية”

من خطاب إعلان ترشح ترامب

منذ أن أعلن ترامب ترشحه للانتخابات، عرّف عنه خطابه المختلف والمتناقض. فكتبت الصحافة، وعرضت القنوات الفضائية الكثير من المعلومات عن دونالد ترامب. ولد دونالد ترامب لعائلة ثرية جدًا في نيويورك، بتاريخ 14 حزيران 1946م، فقد كان والده فرد ترامب Fred C. Trump، من الرأسماليين الذين يعملون في العقارات. ودرس دونالد تراب في الأكاديمية العسكرية-نيويورك، وهو بالتأكيد عاش أسلوب حياة صارم في الأكاديمية، ومختلف عما هو عليه الحال في الجامعات.

خاض ترامب غمار دنيا الأعمال بمفرده عام 1983م، حيث بدأ بتشييد ناطحات السحاب، وشيّد أول ناطحة سحاب أسماها “برج ترامب”، قبل أن يبدأ بتشييد أبراج أخرى وتحمل كلها اسمه. ترامب بدأ يلقبه الأمريكيون “الدونالد”، وأصبحت تسريحة شعره رمزًا للنجاح في الأعمال خلال الثمانينات. وكان ترامب يحب الظهور الإعلامي وعالم المشاهير، وقدّم لمدة 12 عامًا برنامج تلفزيون “الواقع” “The Apprentice” ([28]). إن شخصية ترامب متعددة، فهو دائمًا على صفحات صحف الشائعات، ويحمل اسما تحول إلى علامة تجارية في أنحاء العالم، لم يكن معروفًا عنه أنه رجل سياسة.

في لعبة الانتخابات الأمريكية، دعم ترامب المتناقض الحزب الجمهوري حيناً، والديمقراطي حيناً آخر، ومثل نفسه مستقلاً. ومن المفارقات العجيبة أنه قدم مساعدة لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كانت المساعدات عبارة عن استمرار أعماله، فقد تبرع للرئيس جيمي كارتر، وفي نفس الوقت ساعد منافسه دونالد ريغان([29]). لم يخفي الأمر في حملته الانتخابية حينما تحدث عن دعم الحملات الانتخابية، وأكد على ثرائه، وعدم حاجته للمساعدة المالية في حملته الانتخابية.

بعد نجاحه في عالم الأعمال، ألف دونالد ترامب العديد من الكتب، وكان أشهرها. كتاب “فن الصفقة” “The Art of the Deal” عام 1987م، الذي نقل فكرته إلى عالم السياسة. وكذلك كتابه “فكر كبطل” “Think Like a Champion” الذي أصدره عام 2009م. عندما تحدث في كتابه عن الانتخابات الأمريكية وباراك أوباما بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية عام 2008م، قال ترامب استضافني برنامج تلفزيوني “Inside City Hall” ليحاورني عن الانتخابات والحزب الجمهوري. وقد وردت رؤيته عن الرئاسة الأمريكية آنذاك قائلًا: “كان جون ماكين John McCain، في وضع شبه مستحيل، وقد كان بوش غير كفؤ، الحزب الجمهوري سيجد صعوبة ما لم يتمكن من إرجاع آيزنهاور”([30]). هو مولع بالشخصية العسكرية للرئيس السابق عن الحزب الجمهوري آيزنهاور Eisenhower (الرئيس الرابع والثلاثين 1953-1969)، قبل أن تعجبه سياساته الاستعمارية والتوسعية، فقد درس آيزنهاور في الأكاديمية العسكرية في الولايات المتحدة، كما فعل ترامب. وهذا ما نلمحه في إدارته، حيث أن غالبية معاونيه ومستشاريه أصولهم عسكرية.

يقول القس آل شاربتون Reverend Al Sharpton: “على مر السنوات أجريت العديد من اللقاءات مع ترامب. هو يتباهى بالثراء، فهو ليس فقط جزء من أصحاب الدم الأزرق (العائلات الثرية)، بل اقتحمهم، بنفوذه وشهرته، وأراد أن يهزأ بهم، ويعيد تصميم خط الأفق بشكل ترامب”([31]). أي أن ترامب عاش حياته كرجل أعمال، في صراع مع نفسه ومع الآخرين، من أجل القوة والنفوذ والثراء. لم يتسنى لدونالد ترامب أن يعمل في أي منصب سياسي أو حكومي رسمي، قبل ترشحه للانتخابات، وإنما كان رأسمالي ناجحًا.

كانت خطابات ترامب في حملته الانتخابية، تداعب مشاعر الجماهير الذي تسمع له، يختار جمله بعناية، فهي الجمل التي يحب أن يسمعها الجمهور. فالخطابات يمكننا تصنيفها إلى خطابات قومية- شعبوية، فهو يدرك ومستشاري حملته الانتخابية البيئة الداخلية للولايات المتحدة، وما يحتاجه الجمهور، بعد أن فقد الثقة بكل النخب السياسية الأمريكية التقليدية. ويرصد مايكل وولف Michel Wolef في كتابة “نار وغضب” حملة ترامب الانتخابية، حيث كان فريقه المسؤول عن حملته، لا يثق بالنجاح، وقد صرح ترامب لفريقه الانتخابي “سأخرج من هذه الحملة بصورة أقوى وفرص لا تحصى”، إن التغيرات الدراماتيكية لمرشحي الرئاسة المنافسين وللمجتمع الأمريكي كانت لصالح ترامب، وبالرغم من ذلك، قال ترامب “يمكنني أن أكون أشهر رجل في العالم”([32]). في النهاية فاز ترامب في سباق الرئاسة.

 شكّل فوز ترامب -على حد تعبير زياد حافظ- زلزالًا هزّ مرتكزات العمل السياسي في الولايات المتحدة، بعدما تحدثت النخب المتحكمة بحتمية فوز هيلاري كلنتون، حيث جاءت النتائج لتؤكد عدة حقائق، أهمها، استمرار تدني مستوى المرشحين وعدم اكتراثهم لهموم المواطنين، وهو ما أثار نقمة الجمهور الأمريكي، وقد ركز ترامب في حملته الانتخابية على رموز الأحزاب التقليدية، فكانت بمثابة ثورة شخص، استطاع أن يعبّر عن غضب القاعدة([33]). فيما يصف المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي Noam Chomsky ما حدث في الانتخابات الأمريكية، بأنه دعم حماسي غير متوقع لدونالد ترامب، كان مدفوعًا باعتقاد أنه يمثل التغيير، بينما اعتُبرت هيلاري كلنتون المرشح الذي سيديم محنتهم. “التغيير” الذي يرجح أن يُحدثه ترامب سيكون، ضارًا أو أسوأ من ذلك، لكن يمكن تفهّم حقيقة أن العواقب ليست واضحة في عيون أشخاص معزولين، في مجتمع مفتت، يفتقر إلى أنواع من جمعيات، مثل نقابات يمكنها تثقيفهم وتنظيمهم. إنه فارق دقيق بين اليأس الذي نعيشه اليوم، والمواقف المفعمة بالأمل عمومًا، لكثير من العمال الذين رزحوا تحت الضغوط الاقتصادية للكساد الكبير، والأشد وطأة في ثلاثينيات القرن الماضي([34]). إن هزيمة مرشحة الرئاسة هيلاري كلنتون، ليست هزيمة لترشيح امرأة أو الحزب الديمقراطي فحسب، بل للنخب الحزبية التقليدية المتحكمة بالحزبين. خصوصًا أن ترامب اعتمد على شعبية شخصية للخطاب المباشر، واللاذع، متحديًا المؤسسة التقليدية برمتها، بما فيها الحزب الجمهوري. لكن فوز ترامب سيكرّس الحزب الجمهوري كقائد للبلاد بلا منازع، فهو يمتلك أغلبية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، والأغلبية مكفولة له في المحكمة العليا. فقد أعادت هذه الهيمنة إلى الأذهان، فترة عاشها الحزب الجمهوري، خلال رئاستي رونالد ريغان وجورج بوش الأب([35]).

أكدت دراسة Jonathan Rothwell وPablo Diego-Rosell، أن نجاح سياسة ترامب في المجتمع الأمريكي، تكمن في اختلاف رؤيته وسياسته، عن سياسات رؤساء الحزب الجمهوري السابقين. فقد تبنى ترامب القومية والفكر الشعبوي، وأيّده المجتمع الأمريكي، بسبب الأوضاع الاقتصادية، والواردات الأجنبية التي تحميها الاتفاقيات التجارية، وكذلك العمالة المهاجرة للولايات المتحدة، وخطابات ترامب الشعبوية، التي استهدفت الأقليات الاجتماعية([36]). ومن جانب آخر، خسائر المجتمع الأمريكي، نتيجة الحروب الخارجية. ففي دراسة أخرى للمجتمع الأمريكي لـ Douglas Kriner وFrancis Shen، أكدت أن حالة الحرب المستمرة منذ خمسة عشر عامًا، خسرت خلالها آلاف الجنود ما بين قتلى وجرحى، الأمريكيون لم يلاحظوا هذه الخسارة، فالعدد الأكبر من المواطنين ليس لهم صلة مباشرة في الحرب. في حملته الانتخابية وخطاباته الشعبوية، تحدث ترامب لهذا الجزء المنسي من الشعب الأمريكي. معتمدًا على نهج إدارة التكاليف البشرية للحرب الخارجية. وتقدير ترامب لعائلات القتلى والجرحى، والبيئة التي يتعايشون فيها، أدت بالنهاية إلى تأييد سياساته الجديدة([37]). وبالرغم من ذلك، تشير إحصاءات مؤسسة غالوب Gallup للاستشارات الإدارية والموارد البشرية والبحوث الإحصائية لعام 2016م، أن المجتمع الأمريكي فقد الثقة في المؤسسات السياسية الأمريكية.

هناك اعتباران رئيسيان لفوز دونالد ترامب في الرئاسة الأمريكية. الأول داخلي، حيث مثّل ترامب الحزب الجمهوري والرؤية الجديدة للأزمات الامريكية الداخلية، وآليات معالجتها. أما الثاني خارجي، حيث أن اليمين الشعبوي، بعد أزمات العالم الغربي، أصبح ذو قوة ونفوذ ونجاح في البرلمانات الأوروبية، بسبب خطابه الشعبوي الجديد، الذي يطرب الجماهير ويطمئنها بحل كافة المشاكل الاجتماعية، لا سيما الاقتصادية، فالانتخابات الأمريكية التمهيدية، مثّلت تراجع واضح للنخب السياسة الأمريكية في كلا الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي، ونجاح ترامب الذي لم يشغل أي منصب سياسي من قبل.

إن الاهتمام بالانتخابات الأمريكية والرئيس الأمريكي الجديد، تكمن في تأثير الرئيس الجديد في النظام الدولي وعلاقات الولايات المتحدة الدولية، كون الولايات المتحدة دولة عظمى تتعاطى مع تغيرات النظام الدولي؛ للحفاظ على مكانتها، وبالتالي تنعكس هذه التغيرات في إستراتيجية الرئيس الجديدة وسياسته الخارجية. ولعل الاهتمام الزائد في إستراتيجية ترامب، يكمن في شخصيته المتناقضة، التي انعكست في سياسته على المستوى الداخلي والدولي.

فيما سبق، أوضحنا تاريخ الإستراتيجية الأمريكية، والهدف منها. فقد شملت إستراتيجية دونالد ترامب كافة الجوانب الأساسية للإستراتيجية، من وضع تصورات للقضايا الداخلية والخارجية، والحروب التقليدية والإلكترونية، والتحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي، ومشاركة الولايات المتحدة في معالجة الأزمات الدولية والإقليمية، وتحديد مجالات الدفاع والسياسة للولايات المتحدة. إن أهمية دراسة وثيقة إستراتيجية دونالد ترامب للأمن القومي، تكمن في فهم الرئيس وإدارته وتوجه السياسية الخارجية في عهده. فالإستراتيجية تعنى بالقضايا الداخلية والدولية، كما وأن هناك ارتباط كبير بين الإستراتيجية، وتوجه السياسة الخارجية لدى الأمريكان بشكل عام.

المحور الثاني: وثيقة ترامب للأمن القومي الأمريكي

منذ نهاية الحرب الباردة، وما قبلها. لم يُثر أي رئيس أمريكي إن كان جمهوريًا أم ديمقراطيًا تحولات جذرية على المستويين الداخلي والخارجي، كما فعل دونالد ترامب. فقد كان اختلاف الرؤساء السابقين في الأسلوب، لا في الموضوع.

أحدث دونالد ترامب تحولات جذرية في الفكر والسياسة الأمريكية، منذ وصوله إلى سدة الحكم وإصدار إستراتيجيته للأمن القومي الأمريكي، فقد جاءت وثيقة ترامب قبل موعدها بشهر، تحمل التناقض والاختلاف، وبالرغم من ذلك فهي شاملة تبحث في كل الموضوعات التي تهم الشأن الأمريكي داخليًا وخارجيًا، متضمنة رؤية التيار اليميني في الولايات المتحدة، الذي أيد الإستراتيجية ودعم تطبيقها.

أولاً: وثيقة ترامب للأمن القومي الأمريكي

“مع كل قرار أو تصرف، نحن نضع أمريكا أولًا. في الوقت الراهن نعمل على إعادة بناء أمتنا، إضافة إلى مكانتنا في العالم، لقد تحركنا وبصورة سريعة لمواجهة التحديات، وبشكل مباشر عدنا لنستثمر في ميزانية الدفاع بما يقارب أكثر من 700 مليار دولار للسنة المقبلة، نحن نتطلع إلى قوة مميزة، ستقود إلى سلام طويل خارق للعادة”                                              

خطاب ترامب – الإعلان عن الإستراتيجية

جاءت إستراتيجية ترامب قبل موعدها بشهر، خلافًا للرؤساء السابقين. إن الرئيس ترامب وإدارته أحرزوا انجازًا بإصدار وثيقة الأمن القومي في عامها الأول، فقد كان نشر إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي في سنوات حكم بيل كلنتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، يتأخر، بسبب الأحداث العالمية التي تنعكس في مسودات الإستراتيجية؛ كي تتماشى مع السياسات الفعلية. فقد انعكست أزمة الصومال في إستراتيجية بيل كلنتون، وأحداث 11 سبتمبر 2001م في إستراتيجية جورج بوش الابن. وعند باراك أوباما الأزمة المالية العالمية 2008م. أما ترامب لم يتلقَ أي صدمة خارجية، لذلك لم يتأخر في إصدارها. وهي المرة الأولى التي يعرض بها الرئيس خطابًا كبيرًا، لبداية تنفيذ الإستراتيجية في يومها الأول، ففي السابق كان المستشارون للأمن القومي يعلنون عنها. ومن جانب آخر قدّم فريق ترامب الذي أنتج وثيقة، هي الأكبر حجمًا من الاستراتيجيات السابقة، وهم: ماكماستر H. R. McMaster الذي أشرف على الإستراتيجية، ودينا باول Dina Powell، ونادية شادلو Nadia Schadlow، ومركز سيث Seth Center([38]). وهذا ما جعل الوثيقة محل اهتمام كبير من الدول والسياسيين. ومن الجدير ذكره، أن التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة الأمريكية، يستند على المؤسسات الفكرية الرسمية، المرتبطة بالإدارة الأمريكية، وكذلك مراكز الفكر والأبحاث Think Tanks، والمفكرين وأطروحاتهم الفكرية وآرائهم تجاه النظام الدولي القائم والمستقبلي.

رغم التناقضات التي وردت في الوثيقة، التي سنبينها لاحقًا، إلا أن الكثير من الكتاب والسياسيين اعتبروا التناقضات والاختلافات تعبّر عن شخصية ترامب، وآخرون اعتبروا التناقضات التي وردت ما بين خطاب إعلانه للوثيقة وما ورد فيها، دليلًا على عدم علمه لما تحمله الوثيقة من مضامين. وفي هذا يقول علي الجرباوي: “يجدر الاعتراف أن فريق الإعداد نجح بتمّيز في طرح رؤية متماسكة لإستراتيجية أمن قومي أمريكي، إذا ما أُخذ بالاعتبار أن المنطلق كان يتطلب الاستناد إلى أفكار ترامب المشتتة والمتشعبة، وحتى المتضاربة، في رؤيته للعالم ومرتكزات السياسة الدولية التي تتحكم فيه. لقد قام هذا الفريق، وبصورة لافتة، بلملمه هذه الأفكار وتشذيبها وصقلها، وأضاف عليها، وأخرج الناتج في وثيقة منظمة ومتسقة”([39]). ليست المسألة بالإخراج أو حجم المعلومات والمرتكزات الواردة في وثيقة ترامب، فمن الدلالات التي ترافق مفهوم الإستراتيجية، التوافق أو التلاؤم، فالإستراتيجية ليست شكلًا بسيطًا. وفي اللغة الدارجة، عندما نقول عن شيء أنه استراتيجي، فهذا يعني أنه مهم. وكذلك ترافق مفهوم الفعل الاستراتيجي “المستقبلية”، حيث أن الإستراتيجية تنقل نظرنا إلى أبعد من اللحظة التي تعيشها أو الحاضرة([40]). حجم الإستراتيجية كبير مقارنة بأحجام الاستراتيجيات السابقة، فباراك أوباما لم تتجاوز استراتيجيته الخمسة عشر صفحة. إلا أنه قد يكون هناك ملحقًا سريًا للإستراتيجية الأمريكية. وبعد هذا كله، علينا أخذ الوثيقة على محمل الجد، فهي تعبّر عن الرؤية الإستراتيجية للإدارة الأمريكية للعالم، ولدور الولايات المتحدة فيه. وهذا ما حملته وثيقة الإستراتيجية في صفحاتها. حيث جمعت الوثيقة في مرتكزاتها الأربعة، وسياقها الإقليمي، ما بين السياسات الخارجية والداخلية، تحت الشعار الذي بدأت وانتهت به “أمريكا أولًا”.

في البداية، علينا مراجعة ما تعنيه “أمريكا أولًا” تاريخيًا، كي يتسنى لنا معرفه ما هو مفهوم شعار “أمريكا أولًا” لدى ترامب؟ وكيف يمكن بناء سياسة خارجية، وفقًا لاستراتيجيته في النظام الدولي، وقيادة الولايات المتحدة للعالم الحر “الدول الليبرالية” فيه؟ وهل حقًا تعني هذه العبارة “الولايات المتحدة الأمريكية فقط”، أم أنها تعني الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل المنفعة المتبادلة، ما بين الغرب والنظام الدولي؟

ظهر تعبير “أمريكا أولًا” لأول مرة، بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1945م. فقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين رزوفلت Franklin Roosevelt (الرئيس الثاني والثلاثين 1933-1945)، بداية الحرب حيادية الولايات المتحدة. ونظمت بعض الشخصيات العامة في الولايات المتحدة، حركة “أمريكا أولًا”، الذين مثلوا صوت الولايات المتحدة الأمريكية الانعزالي([41])، والداعي لتجنب دخول الحرب، كان محركها الطيار شالرز ليندبيرغ Charles Lindbergh، ومن أشهر الشخصيات الداعمة لحركة “أمريكا أولًا”، سفير الولايات المتحدة السابق في بريطانيا جوزيف كنيدي Joseph Kennedy، وصانع السيارات الأمريكية هنري فورد Henry Ford. أي تاريخ الشعار يعني الانعزالية، وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى. غير أن ترامب في كان مفهومه مختلفًا لـ “أمريكا أولًا”، حيث استخدمه لما يحمله من فكر شعبوي، يريد إرضاء الجماهير الأمريكية ومنتخبيه بكلمات وشعارات رنانة، وكذلك سياسته الخارجية الأولى في أول سنة له في الحكم، أوضحت أن الشعار يعني به “أمريكا أولًا وأخيرًا”، وكذلك أوضحت سياساته الخارجية مع الغرب، والدول الكبرى، والمؤسسات الدولية، أنه وضع الولايات المتحدة في اتجاه، والعالم أجمع في اتجاه آخر.

تقوم إستراتيجية ترامب على أربعة ركائز رئيسة، وعنوان رئيس يبحث علاقات الولايات المتحدة في السياق الدولي، شعارها الذي بدأت وانتهت به “أمريكا أولًا”. وفي هذا المحور تتناول الدراسة في محورها الأول، إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لدونالد ترامب، على أربعة ركائز رئيسية. فيما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية، في السياق الدولي عنونتها الوثيقة بالإستراتيجية في السياق الإقليمي.

الأولى: حماية الشعب الأمريكي، الأوطان، طريقة الحياة الأمريكية

PILLAR I: Protect the American People, The Homeland, And the American Way Life

بحثت الركيزة الأولى أربعة موضوعات رئيسية، وهي:

  • حماية الشعب الأمريكي وحدوده:

“هذه الإستراتيجية الأمنية الوطنية تبدأ بالتصميم على حماية الشعب الأمريكي وطريقة الحياة الأمريكية والمصالح الأمريكية”([42]). وأمن الحدود الأمريكية، يأتي من خلال “الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة التهديدات البيولوجية والأوبئة، وتعزيز مراقبة الحدود وسياسة الهجرة للولايات المتحدة”([43]).

أدركت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة فوائد العالم المترابط، حيث تدفق المعلومات والتجارة بحُرية. غير أن التعامل مع العالم، لا يعني أن تتخلى الولايات المتحدة عن حقوقها وواجباتها، كدولة ذات سيادة، أو أن تنال من أمنها. ويفرض الانفتاح أيضًا تكاليف عالية، لأن الخصوم يستغلون نظامنا الحر والديموقراطي للإضرار بالولايات المتحدة([44]).

تسعى الإستراتيجية الجديدة إلى تعزيز السيطرة على الحدود ومراقبتها: “تعزيز الرقابة على حدودنا ونظام الهجرة أمر أساسي للأمن الوطني والازدهار الاقتصادي وسيادة القانون”. وتعتبر الإستراتيجية أن الإرهابيين وتجار المخدرات والعصابات الإجرامية، تستغل الحدود المليئة بالثغرات، وتهدد أمن الولايات المتحدة وسلامتها العامة، لذلك؛ ترى أن بناء جدار المكسيك هو الحل الأمثل لحماية الحدود: “سوف نعمل على تأمين حدودنا من خلال بناء جدار الحدود، واستخدام الدفاعات متعددة الطبقات والتكنولوجيا المتقدمة، وتوظيف المزيد من الموظفين، وغيرها من التدابير”. وفيما يخص الهجرة للولايات المتحدة، ترفض الإستراتيجية الاستيعاب الطبيعي -الممتد من العائلة- للمهاجرين في الولايات المتحدة: “سنصلح أيضًا نظامنا الحالي للهجرة، الذي يتنافى مع المصلحة الوطنية للأمن القومي، ويسمح بالدخول العشوائي لسلسلة الهجرة الممتدة من الأسرة”([45]).

  • متابعة التهديدات الخارجية من مصادرها وهزيمة الجماعات الإرهابية وتفكيكها:

تذكر الوثيقة في هذا الجانب، الدول التي تهدد أمن الولايات المتحدة، وكذلك الجماعات الإرهابية، ثم تفصل آلية مواجهتها. وتبدأ بذكر الدول التي تشكل تهديد أمني لها “تسعى كوريا الشمالية لامتلاك القدرة على قتل الملايين من الأمريكيين بالأسلحة النووية. وكذلك إيران تدعم الجماعات الإرهابية، وتدعو علنًا إلى تدميرنا. والمنظمات الإرهابية الجهادية مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، عازمة على مواجهة الولايات المتحدة، التي تحرض/تحث على الكراهية”([46]).

التهديدات الرئيسية عبر الوطنية التي يوجهها الأمريكيون هي من الإرهابيين الجهاديين والمنظمات الإجرامية. ورغم اختلاف أهدافها كما تطرح الوثيقة، فإنها تمثل التحديات التالية: أولاً، يستغلون مجتمعنا المتفتح. ثانياً، تعمل الجماعات الإرهابية في كثير من الأحيان في الكونفدراليات فضفاضة والتتكيف بسرعة. ثالثاً، تعتمد على الاتصالات المشفرة والشبكة المظلمة للتهرب من الكشف وتنفذ عملياتها. رابعاً، تزدهر في ظل ظروف ضعف الدولة، وتعجل بكسر القواعد لإيجاد ملاذات لتخطيط وشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها. خامساً، بعضها محمية وتدعمها الدول([47]). أما عن آليات مواجهة التهديدات فذكرت الوثيقة:

تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية محليا ومع الشركاء الأجانب، وستقوم القوات العسكرية الأمريكية ووكالات التشغيل الأخرى باتخاذ إجراءات مباشرة ضد الشبكات الإرهابية وملاحقتهم، بغض النظر عن مكان وجودهم. هذا بالإضافة إلى متابعة الحملات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية-داعش، وتمكين الشركاء في المنطقة من القضاء عليهم([48]).

  • إبقاء الولايات المتحدة آمنة في عصر الانترنت:

تتحدث وثيقة الأمن القومي الأمريكي، عن حماية الولايات المتحدة من الحرب الإلكترونية. لتحسين الأمن الأمريكي، ستقدم الإستراتيجية تحسينات في ستة مجالات: “لتحسين الأمن في بنيتنا التحتية الحيوية، سنقيم المخاطر في ستة مجالات رئيسية: الأمن الوطني، والطاقة، والأعمال المصرفية والمالية، والصحة والسلامة، والاتصالات، والنقل”([49]). فيما يتعلق بالأمن الإلكتروني: “سوف نتحرك، حيث الهجمات الإلكترونية، يمكن أن يكون لها عواقب كارثية أو متتالية، وإعطاء الأولوية لجهودنا الحمائية، والقدرات، والدفاعات وفقًا لذلك”([50]). وفيما يتعلق بمواجهة التهديدات الإلكترونية داخليًا: “ستفرض الولايات المتحدة عواقب سريعة ومكلفة على الحكومات الأجنبية، والمجرمين، والجهات الفاعلة الأخرى، التي تضطلع بأنشطة إلكترونية خبيثة”. أما مواجهة التهديدات الخارجية: “سنعمل مع الحلفاء والأصدقاء؛ لتوسيع وعينا بالأنشطة الخبيثة”([51])، ومن أجل تحسين تبادل المعلومات مع الدول الصديقة: “ستعمل الحكومة الأمريكية مع شركائنا الأساسيين في البنية التحتية؛ لتقييم احتياجاتهم المعلوماتية، والحد من الحواجز التي تعترض تبادل المعلومات، مثل مستويات السرعة والتصنيف”([52]).

في هذا الجانب، لم تتحدث الإستراتيجية فقط عن مواجهة مخاطر الحرب الإلكترونية، وإنما تبحث عن تحديث شبكاتها الإلكترونية، حيث ورد في الإستراتيجية الأمريكية، أن الحكومة سوف تعمل على بناء شبكات حكومية، يمكن حمايتها والدفاع عنها: “سوف نستخدم أحدث القدرات التجارية، والخدمات المشتركة، وأفضل الممارسات لتحديث تكنولوجيا المعلومات الاتحادية لدينا، سنحسن قدرتنا على توفير الاتصالات والخدمات، دون انقطاع وبأمان، في جميع الظروف”([53]).

  • تعزيز القدرة على الصمود:

تسعى الإستراتيجية الأمريكية في هذا الجانب، تعزيز القدرة الأمريكية على الصمود. وهي تقر عدم مقدرة الإدارة الأمريكية معالجة كافة التحديات والتهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، إن كانت الكوارث الطبيعية، أو الاقتصادية: “على الرغم من الجهود التي نبذلها، لا يمكن لحكومتنا أن تمنع جميع الأخطار التي يتعرض لها الشعب الأمريكي. ومع ذلك، يمكننا أن نساعد الأمريكيين على الصمود في وجه الشدائد”([54]). ميزت الإستراتيجية بين نوعين من التحديات، التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز صمود الأمريكيين في مواجهتها: “تشمل المرونة، القدرة على الصمود والتعافي السريع من الهجمات المتعمدة، والحوادث، والكوارث الطبيعية، فضلًا عن الضغوط غير التقليدية والصدمات والتهديدات، التي يتعرض لها اقتصادنا ونظامنا الديمقراطي”([55]).

ترى الإستراتيجية الجديدة، أن آليات المعالجة للكوارث الطبيعية، تبدأ بضرورة عمل الوكالات الاتحادية والحكومة، بوظائف أساسية تساعد على ضمان الاستقرار. أما معالجتها للتحديات الاقتصادية والنظام الديمقراطي الأمريكي، توجه الإستراتيجية المجتمع الأمريكي للاستثمارات الواعية، القادرة على التكيف، بهدف حماية الأجيال المقبلة. وفيما يخص التحدي الخارجي للنظام الديمقراطي، تعود الإستراتيجية مرة أخرى لروسيا الاتحادية، التي تسعى لتقويض شرعية النظم الديمقراطية: “تستخدم جهات فاعلة -مثل روسيا- أدوات إعلامية في محاولة لتقويض شرعية الديمقراطيات”([56]). وتوجه الإستراتيجية القطاعين العام والخاص ووسائل الإعلام، لمواجهة التحدي الخارجي للنظام الديمقراطي: “يجب على القطاعين العام والخاص، الاعتراف بذلك، والعمل معًا للدفاع عن طريقتنا في الحياة، ولا يمكن السماح لأي تهديد خارجي بأن يهز التزامنا المشترك بقيمنا، أو أن يقوض نظام حكومتنا، أو أن يقسم أُمتنا”([57]).

الثانية: تعزيز رخاء الولايات المتحدة الأمريكية

PILLAR II: Promote American Prosperity

اشتملت الركيزة الثانية من إستراتيجية ترامب على ثلاثة عناصر رئيسية، وهي:

  • تعزيز العلاقات الاقتصادية الحرة والعادلة والمتبادلة:

يجب علينا إعادة بناء قوتنا الاقتصادية، واستعادة الثقة في النموذج الاقتصادي الأمريكي. على مدى عقود، انتقلت المصانع الأمريكية والشركات والوظائف إلى الخارج. اليوم، الأمن والازدهار الأمريكيان، يواجهان تحديًا جرّاء المنافسة الاقتصادية العالمية، التي تلعب دورًا كبيرًا في سياق استراتيجي أوسع([58]).

تنتقد وثيقة ترامب استراتيجيات أسلافه، التي اعتمدت على تبني “النظام الليبرالي الديمقراطي” عالميًا: “ساعدت الولايات المتحدة على توسيع النظام التجاري الاقتصادي الليبرالي ليشمل البلدان التي لم تشاطر قيمنا، على أمل أن تحرر هذه الدول ممارساتها الاقتصادية والسياسية، وأن توفر للولايات المتحدة فوائد متناسبة”([59]). وأكدت الوثيقة على تعزيز الاقتصاد الأمريكي، الذي سيحقق السلام العالمي: “إن إعادة بناء القوة الاقتصادية في الداخل، والحفاظ على نظام اقتصادي دولي منصف ومتبادل، سيعزز أمتنا، وينهض بالرخاء والسلام في العالم”([60]). واعتبرت الوثيقة، أن مهمة تعزيز الاقتصاد الأمريكي، مناطة بالإدارة الأمريكية الجديدة: “الإدارة مكرسة لتجديد الاقتصاد الأمريكي، وإطلاق العنان لإمكانات جميع الأمريكيين، واستعادة الثقة في نظام السوق الحرة”([61]).

  • تعزيز وحماية قاعدة الابتكارات الأمنية الأمريكية:

تقر وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة أن الاعمال التجارية والتنظيمية والابتكارية الأمريكية تعاني من مخاطر السرقة، وتؤكد أن الولايات المتحدة أمة تعمل بجد على عكس بلدان أخرى تحصل على الابتكارات دون صناعتها، “ليس كل بلد يتشاطر معنا هذه الخصائص. بدلاً من ذلك، يسرق البعض أو يكتسب بصورة غير مشروعة الملكية الفكرية التي اكتسبها الأمريكان، وتعوض ضعفها البنيوي في الابتكارات”. وتركز الاستراتيجية بشكل أساسي على الصين في سرقة الابتكارات “كل عام، منافس مثل الصين تسرق ملكية فكرية أمريكية قيمتها مئات المليارات”([62]).

أمام هذه التحديات، تقر الوثيقة بأن الإدارة الأمريكية ستطور القدرة والتكامل والرصد لفهم أفضل للآثار الأمنية الوطنية والاتجاهات الصناعية غير العادلة والأعمال التي يقوم بها منافسيها. وستعمل الإدارة على تخفيض الاستلاء غير المشروع على تكنولوجيا القطاعين العام والخاص، والمعارف التقنية الأمريكية من قبل المنافسة الأجنبية المعادية. وكذلك، ستشدد الإدارة على إجراءات دخول الولايات المتحدة، لهواه جمع المعلومات غير التقليدية، وذلك للحد من سرقة الابتكارات. بالإضافة إلى فرض قيود على الطلاب الأجانب لضمان عدم نقل الملكية الفكرية للمنافسين.

  • الهيمنة على الطاقة:

تؤكد وثيقة الأمن القومي الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون المهين على الطاقة، وهذه الهيمنة تكفل التنوع في الحصول على الطاقة، وتسلم بأهمية الإشراف البيئي. فيما تنظر إلى أن الوصول للمصادر المحلية على الطاقة النظيفة وميسورة التكلفة يدعم الولايات المتحدة وقوتها لعقود قادمة.

تحث الوثيقة الاقتصاد الأمريكي على استغلال الموارد المحلية وكفاءة الطاقة، بهدف تعزيز القدرة التنافسية للصناعات الأمريكية.  وتؤكد على تحسين التكنولوجيا الأمريكية في مجال الطاقة. بما في ذلك، التكنولوجيات النووية، والمفاعلات النووية، والبطاريات الأفضل، والحوسبة المتقدمة، وتكنولوجيات التقاط الكربون. وستواصل الولايات المتحدة الريادة في تكنولوجيات الطاقة الابتكارية والفعالة([63]).

الثالثة: الحفاظ على السلام من خلال القوة

PILLAR III: Preserve Peace through Strength

تبحث إستراتيجية ترامب على القوة في النظام السياسي الدولي، وتدّعي أن الحفاظ على السلام، لا يأتي إلا من خلال القوة. وقد اشتملت الركيزة الثالثة على عدة عناصر، أهمها:

  • تجديد المزايا التنافسية الأمريكية:

الاستمرارية المركزية في التاريخ الإنساني، هي المنافسة على السلطة والنفوذ في النظام الدولي، والفترة الزمنية الحالية ليست مختلفة([64]). ووفق هذه المعادلة، تحدد إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، ثلاثة منافسين لها في النظام الدولي: “يتنافس ثلاثة من المتنافسين الرئيسيين الولايات المتحدة –القوى الرجعية؛ الصين وروسيا، والدول المارقة؛ إيران وكوريا الشمالية، ومنظمات التهديد عبر الحدود الوطنية، خاصة جماعة الجهاديين الإرهابيين– على الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها”([65]). وتؤكد الوثيقة عزم روسيا والصين، على منافسة الفكر الليبرالي الأمريكي في النظام الدولي: “ترغب الصين وروسيا في تشكيل عالم، يناقض القيم والمصالح الأمريكية”([66]).

تطرح وثيقة الأمن القومي الجديدة، مناطق المنافسة والنفوذ مع روسيا والصين: “تسعى الصين إلى إزاحة الولايات المتحدة، في منطقة الهند والمحيط الهادئ، وتوسيع نطاق النموذج الاقتصادي الذي تقوده، وإعادة ترتيب المنطقة لصالحها. وتسعى روسيا إلى استعادة مركز قوتها العظمى، وإنشاء مجالات نفوذ بالقرب من حدودها. إن نوايا الدولتين ليست ثابتة بالضرورة”([67]). ورغم وضع روسيا والصين في قائمة المنافسين، إلا أن الوثيقة تطرح إمكانية التعاون مع روسيا والصين، في قضايا مشتركة: “تقف الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد للتعاون، عبر المجالات ذات الاهتمام المشترك مع كلا البلدين”([68]).

  • تجديد القدرات العسكرية الأمريكية:

في تناقض واضح، ما بين التنافس الاقتصادي والتهديد العسكري، تعتبر إستراتيجية ترامب أن روسيا مهدد وُجودي على أمنها: “تستثمر روسيا في القدرات العسكرية الجديدة، بما في ذلك النظم النووية، التي لا تزال أهم تهديد وجودي للولايات المتحدة، وفي زعزعة استقرار القدرات الإلكترونية”([69]). وتعمل الإستراتيجية الجديدة، على تجديد القدرات العسكرية، وقاعدة الدفاع الصناعية، والأسلحة بكافة أنواعها، بما فيها الأسلحة النووية، والفضاء الرقمي-الإلكتروني: “يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على قيادتنا، وحرية العمل في الفضاء”([70]). ولتحقيق هذا الغرض: “سيقوم مجلس الفضاء الوطني، الذي أعيد إنشاؤه حديثًا، والذي يرأسه نائب الرئيس، باستعراض الأهداف الفضائية طويلة المدى للأمريكيتين، ووضع إستراتيجية، تدمج جميع قطاعات الفضاء؛ لدعم الابتكار والقيادة الأمريكية في الفضاء”([71]).

  • تعزيز الاستخبارات العسكرية:

إن قدرة الولايات المتحدة، على تحديد التحولات الجيوستراتيجية والإقليمية، والاستجابة لها، ولتداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، تتطلب من المخابرات الأمريكية، أن تجمع المعلومات وتحللها وتميزها وتنفذها.

في هذه الحقبة، التي تسودها المعلومات، يجب على دوائر الاستخبارات، أن تتابع باستمرار الاستخبارات الإستراتيجية؛ لاستباق التحولات الجيوستراتيجية، فضلًا عن الاستخبارات قصيرة الأجل، بحيث تتمكن الولايات المتحدة، من الاستجابة لأعمال واستفزازات المنافس. إن قدرة الولايات المتحدة على تحديث قواتنا العسكرية؛ لتجاوز خصومنا، تتطلب دعمًا استخباراتيًا.

هناك حاجة إلى المعلومات الاستخبارية؛ لفهم واستباق المذهب الخارجي، والمفاجأة العملياتية، وضمان عدم المساس بقدرات الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فان جميع نظم الأسلحة الحديثة تقريبًا، تعتمد على البيانات المستمدة من الاستخبارات العلمية والتقنية.

تطرح الإستراتيجية، الخطوات الواجب اتباعها لتحسين قدرة الاستخبارات: “ستقوم الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء، باستخدام بيئة المصادر، المفتوحة الغنية بالمعلومات؛ لإنكار قدرة الجهات الفاعلة الحكومية، وغير الحكومية، على مهاجمة مواطنينا، والقيام بأنشطة استخبارية هجومية”. وذلك بهدف” “منع سرقة المعلومات الحساسة، وزيادة فهمنا للأولويات السياسية والاقتصادية لخصومنا، وتحسين قدرتنا على كشف وهزيمة محاولاتهم، من خلال التجسس الاقتصادي لحاجاتهم، والتنافس بفاعلية أكبر جيوسياسًا”([72]).

  • تعزيز الدبلوماسية الأمريكية التنافسية والاقتصادية والفن، التي تخدم المصالح الأمريكية:

تنظر الإستراتيجية الجديدة للدبلوماسية بأنها المسار التكميلي للقدرة العسكرية: “لا غنى عن الدبلوماسية؛ لتحديد وتنفيذ الحلول للصراعات في المناطق غير المستقرة في العالم، التي لا تدخل فيها القوات العسكرية”([73]). وتطرح الوثيقة العمل التقليدي للدبلوماسية، إلا أنها توضح أهميتها بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة في معالجة قضايا معينة: “تساعد على تحفيز الحلفاء على العمل، وحشد الموارد الجماعية للأمم والمنظمات ذات التفكير المماثل؛ لمعالجة المشاكل المشتركة”([74]).

الرابعة: التأثير الأمريكي المتقدم

PILLAR IV: Advance American Influence 

تتحدث الركيزة الرابعة في إستراتيجية ترامب، عن الشركاء وليس الحلفاء، وتعمل على تقوية الشركاء؛ من أجل تحقيق أمنها ومصالحها، فيما تبحث الإستراتيجية أيضًا في تحقيق أفضل النتائج، في اللقاءات والمؤتمرات متعددة الأطراف، وأخيرًا، تناقش هذه الإستراتيجية القيم الأمريكية والمحافظة عليها” “إن سياستنا الأمريكية الأولى، تحتفل بنفوذ أمريكا في العالم باعتبارها قوة إيجابية، يمكن أن تساعد على تهيئة الظروف للسلام والازدهار، ولتنمية المجتمعات الناجحة”([75]).

حددت الإستراتيجية الجديدة، الشركاء الذين قد تعمل معهم الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب: “الولايات المتحدة توفر الشراكة لمن يشاطروننا تطلعاتنا إلى الحرية والازدهار”([76]). وعن آليات العمل مع الشركاء: “تمثل الولايات المتحدة مع الحلفاء والشركاء، أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم يجب على الولايات المتحدة أن تتنافس على العلاقات الإيجابية في جميع أنحاء العالم، الصين وروسيا، تستهدف استثماراتها في العالم النامي؛ لتوسيع النفوذ، والحصول على مزايا تنافسية، ضد الولايات المتحدة”([77]). تضمنت الركيزة الرابعة أربعة عناصر، حاورت من خلالها التأثير الأمريكي المتقدم، وتشجيع شركاء الولايات المتحدة لتحقيق نتائج أفضل، والقيم الأمريكية.

  • التأثير الأمريكي المتقدم:

عظمت الوثيقة دور الولايات المتحدة في مساعدة الدول حتى أصبحت ناجحة. وذكرت الوثيقة بخطة انتعاش الدول الغربية- مارشال، فضلاً عن إدماج دول أوروبا الوسطى والشرقية في المؤسسات الغربية، التي ساعدت على انتشار القيم الأمريكية، وفتح أسواق جديدة([78]). وقد حانت نقطة النهاية الطبيعية الخاصة ببرنامج المساعدات الخارجية. “اليوم، يجب على الولايات المتحدة أن تتنافس على أقامه علاقات إيجابية في جميع انحاء العالم. حيث تهدف الصين وروسيا من استثماراتهما في العالم النامي لتوسيع النفوذ والحصول على مزايا تنافسيه ضد الولايات المتحدة([79]).

  • تشجيع الشركاء الطموحين:

تشجع الوثيقة في هذا الجانب الشركات الأمريكية التي ترغب بالعمل في العالم النامي اقتصادياً وتجارياً. وتحدد الوثيقة البلدان التي تحفز العمل بها “سوف نختار البلدان التي هي ملتزمة بالإصلاح، ثم نراقب ونقيم مشاريعهم”([80]).

  • تحقيق نتائج أفضل في المنتديات متعددة الأطراف:

ركزت الاستراتيجية في هذا الجانب على المصالح الأمريكية في الاتفاقات متعددة الجنسيات، بهدف ضمان التفوق الأمريكي، ومن الملاحظ عدم ذكرها لـ اتفاقات التجارة الدولية أو المنتديات الدولية، “يجب على الولايات المتحدة قيادة الترتيبات الدولية متعددة الجنسيات التي تؤثر على المصالح الأمريكية… القطب الشمالي، الفضاء الخارجي، المجال الرقمي، حرية الوصول للبحار”([81]).

  • القيم الأمريكية:

تمجد الوثيقة المسار التاريخي الاستثنائي للولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً للهيمنة العالمية، وتعتبر قوة الفكر الأمريكي هو الذي أوصلها لهذه النتيجة. تذكر بإعلان الاستقلال الأمريكي، وميثاق الحقوق. وتأكد بأن الولايات المتحدة سوف تبقى منارة للحرية.

ثانياً: الإستراتيجية في السياق الإقليمي

The Strategy in a Regional Context

تناولت الإستراتيجية الأمريكية علاقات الولايات المتحدة الأمريكية، في السياق الدولي، من حيث بدأت، فقد أعادت طرح شعار “أمريكا أولًا”.

تتناول الإستراتيجية، التحديات الرئيسية للولايات المتحدة في العالم، وعلى رأسها الصين وروسيا، كقوتين منافستين لأميركا، والدول التي تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، بالإضافة إلى تهديد الجماعات الإرهابية.

المحيط الهندي الهادئ Indo-Pacific:

كان واضحًا في الاستراتيجيات الأمريكية، تنافس الولايات المتحدة والصين في المحيط الهادئ، منذ عقود. لذلك بَنَتْ إستراتيجية ترامب رؤيتها لمنطقة المحيط الهادئ، على أساس مواجهة النفوذ الصيني، وزيادة التعاون الاقتصادي في منطقة المحيط، فهي من أكثر المناطق العالمية سكانًا، وأكثرها تغيرًا من الناحية الاقتصادية.

تؤكد إستراتيجية ترامب على خطورة الدور الصيني في منطقة المحيط الهادئ، على كافة المستويات. فعلى المستوى السياسي: “تجري في منطقه الهند-المحيط الهادئ، منافسة جغرافية بين الرؤى الحرة والقمعية للنظام العالمي”.([82]) أما على المستوى الاقتصادي والعسكري: “الصين تستخدم الإغراءات والعقوبات الاقتصادية، وكذلك تهديدات عسكرية؛ لإقناع الدول الأخرى برئاستها السياسية”([83]). تطرح الإستراتيجية التطلعات الصينية للسيادة على منطقة المحيط الهادئ بشكل صريح” “تقدم الصين طموحاتها باعتبارها مفيدة للجانبين، ولكن الهيمنة الصينية تخاطر بالانتقاص من سيادة العديد من الدول في منطقه الهند والمحيط الهادئ”([84]). وتمايز الإستراتيجية بين السيادة الأمريكية والصينية: “تدعو الدول في جميع أنحاء المنطقة إلى استمرار القيادة الأمريكية، في استجابة جماعية، تدعم نظامًا إقليميًا يحترم السيادة والاستقلال”([85]).

فيما يخص شمال شرق آسيا-كوريا الشمالية، اعتبرت الإستراتيجية الأمريكية كوريا الشمالية مهددًا رئيسيًا لأمنها القومي، وشرحت آليات التقدم الكوري في مجالي الأسلحة النووية والإلكترونية: “يسرع النظام الكوري الشمالي في برامجه الخاصة بالفضاء الكتروني، والأسلحة النووية، والصواريخ الباليستية ballistic”([86]). ولم تكتفِ الإستراتيجية باعتبار كوريا الشمالية مهددًا لأمنها القومي فقط، بل اعتبرتها مهددًا دوليًا، بهدف كسب الدعم الدولي؛ لفرض مزيد من العقوبات على كوريا، وهذا ما فعلته إدارة ترامب في مجلس الأمن للأمم المتحدة” “تشكل مواصلة كوريا الشمالية لهذه الأسلحة تهديدات عالمية، تتطلب استجابة عالمية”.

ترصد الإستراتيجية قوة وتطلع دولتي اليابان والهند، كقوى عالمية تتطلع لدور عالمي، وتسعى الإستراتيجية للشراكة مع تلك الدول؛ لمجابهة التنافس الصيني: “نحن نرحب بالدور القيادي القوي، الذي تضطلع به حليفتنا اليابان، وندعمه”. وفيما يخص الهند: “نرحب ببروز الهند كقوة عالمية رائدة وشريك استراتيجي ودفاعي قوي([87]).”

الإجراءات ذات الأولوية في المحيط الهندي الهادئ (ماذا علينا أن نفعل؟)([88]):

أولًا: سياسيًا

  • إن رؤيتنا للهند-المحيط الهادئ. لا تستثني أي أمة.
  • سنضاعف التزامنا بالتحالفات والشراكات القائمة، مع توسيع وتعميق العلاقات مع الشركاء الجدد، الذين يحترمون السيادة والتجارة العادلة والمتبادلة، وسيادة القانون.
  • سنعزز التزامنا بحرية البحار، والحل السلمي للمنازعات الإقليمية والبحرية، وفقًا للقانون الدولي.
  • سنعمل مع الحلفاء والشركاء؛ لتحقيق نزع السلاح النووي الكامل، والقابل للتحقق، والذي لا رجعة فيه، في شبه الجزيرة الكورية، والحفاظ على عدم انتشار السلاح النووي في شمال شرق آسيا.

ثانيًا: الاقتصاد

  • ستشجع الولايات المتحدة التعاون الإقليمي؛ من أجل الحفاظ على حرية التنقل المفتوحة، والممارسات الشفافة لتمويل الهياكل الأساسية.
  • سنتابع الاتفاقات التجارية الثنائية، على أساس الانصاف والمعاملة بالمثل.
  • سنسعى للحصول على فرص متساوية وموثوق بها للصادرات الأمريكية.
  • سنعمل مع الشركاء؛ لبناء شبكة من الدول المكرسة للأسواق الحرة، والمحمية من القوى التي من شأنها أن تخرب سيادتها.
  • سنعزز التعاون مع الحلفاء بشأن البنية التحتية عالية الجودة.
  • سنعمل على دعم الدول الشريكة الهشة، في منطقة جزر المحيط الهادئ؛ للحد من تعرضها للتقلبات الاقتصادية والكوارث الطبيعية.

ثالثًا: الأمن

  • سنحافظ على وجود عسكري متقدم، قادر على ردع أي خصم، ودحره إذا لزم الأمر.
  • سنعزز علاقاتنا العسكرية طويلة الأمد، ونشجع على إقامة شبكة دفاعية قوية مع حلفائنا وشركاءنا. على سبيل المثال، سنتعاون على الدفاع الصاروخي مع اليابان وكوريا الجنوبية؛ للتحرك نحو القدرة الدفاعية في المنطقة. وما زلنا على استعداد للرد بقوة الإفراط في العدوان على كوريا الشمالية، سنحسن الخيارات المتاحة؛ لفرض نزع السلاح النووي.
  • سنحسن التعاون في مجال إنفاذ القانون والدفاع والاستخبارات، مع شركاء جنوب شرق آسيا؛ لمواجهة التهديد الإرهابي المتزايد.
  • سنحافظ على علاقاتنا القوية مع تايوان، وفقًا لسياسة “صين واحدة”، بما في ذلك التزاماتنا بموجب قانون العلاقات التايوانية، بتوفير الاحتياجات الدفاعية المشروعة لتايوان، وردع الإكراه.
  • سنوسع تعاوننا الدفاعي والأمني مع الهند، الشريك الدفاعي الرئيس للولايات المتحدة، وندعم العلاقات المتنامية للهند، في جميع أنحاء المنطقة.
  • سنعيد تنشيط تحالفاتنا مع الفلبين وتايلند، ونعزز شراكاتنا مع سنغافورة وفيتنام وإندونيسيا وماليزيا وغيرها، بهدف تقوية الشراكة البحرية التعاونية.

أوروبا Europe:

تتحدث إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، عن تاريخ العلاقات الأمريكية-الأوروبية، ودور الولايات المتحدة في مساندة أوروبا، والدفاع عنها: “إن أوروبا القوية والحرة، لها أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة. ونحن ملتزمون معًا بالتزامن المشترك، بمبادئ الديمقراطية والحرية الفردية، وسيادة القانون. ونحن عملنا من أجل إعادة بناء أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وإنشاء المؤسسات التي أنتجت الاستقرار والثروة، على جانبي المحيط الأطلسي”([89]).

فيما يخص العلاقات الأمريكية-الأوروبية في عام 2018م، تبين الإستراتيجية الأمريكية المخاطر والتهديدات الجديدة، التي تواجه أوروبا. حيث حددت وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التهديدات الجديدة التي تواجه أوروبا بما يأتي:

أولًا: روسيا الاتحادية: “تُعد أوروبا واحدة من أكثر المناطق ازدهارًا في العالم، وأكثر شركائنا التجاريين أهمية، وعلى الرغم من أن خطر الشيوعية السوفياتية قد ذهب، فالتهديدات الجديدة فحص لإرادتنا. تستخدم روسيا تدابير تخريبية لإضعاف مصداقية التزام أميركا بأوروبا، وتقويض الوحدة عبر الأطلسي، وإضعاف المؤسسات والحكومات الأوروبية. وقد برهنت روسيا، بغزوها لجورجيا وأوكرانيا، على استعدادها لانتهاك سيادة دول المنطقة، وتواصل روسيا تخويف جيرانها بسلوك تهديدي، مثل المواقف النووية ونشر القدرات الهجومية إلى الأمام.”

ثانيًا: الصين: “تكتسب الصين موطئ قدم استراتيجي في أوروبا، من خلال توسيع ممارساتها التجارية غير العادلة، والاستثمار في الصناعات الرئيسية، والتكنولوجيات الحساسة، والبنية التحتية.”

ثالثًا: التطرف الإسلامي: “تواجه أوروبا تهديدات من المتطرفين الإسلاميين العاتين.”

رابعًا: إيران وكوريا الشمالية، حذرت الإستراتيجية الأمريكية من تهديدات إيران وكوريا الشمالية لأوروبا، خاصة الصواريخ الباليستية الإيرانية، والسلاح النووي الكوري.

الإجراءات الأمريكية ذات الأولوية في أوروبا (ماذا علينا أن نفعل؟)([90]):

تتحدث الوثيقة بأنها ستعمق التعاون مع الشركاء الأوروبيين، ومكافحة التهديدات التي تواجهها أوروبا: “ستعمق الولايات المتحدة التعاون مع حلفائنا وشركاءنا الأوروبيين، لمواجهة القوى التي تهدد بتقويض قيمنا المشتركة ومصالحنا الأمنية ورؤيتنا المشتركة، وستعمل الولايات المتحدة وأوروبا معًا لمكافحة التخريب والعدوان الروسي، والتهديدات التي تشكلها كوريا الشمالية وإيران”. وفيما يخص العلاقات الاقتصادية الأمريكية-الأوروبية، ميّزت الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا التي انسحبت من الاتحاد: “ستعمل الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، وعلى صعيد ثنائي مع بريطانيا ودول أخرى، لضمان الممارسات التجارية العادلة والمتبادلة، وإزالة الحواجز التي تعترض النمو”.

غيبت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا، خاصة درع الحماية والدفاع “حلف الشمال الأطلسي-الناتو”. ولم تتحدث عن قوة هذا التحالف أو تطوير الناتو، بل حملت ضعف الدفاع المشترك للدول الأوروبية الأعضاء، لعدم دفع المستحقات المالية، وزيادة الإنفاق العسكري الدفاعي: “الولايات المتحدة تفي بمسؤولياتنا الدفاعية، وتتوقع من الآخرين، أن يفعلوا الشيء نفسه، ونتوقع من حلفائنا الأوروبيين زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي لسنة 2024م، مع تخصيص 20%، من هذا الإنفاق لزيادة القدرات العسكرية”. وفيما يخص دول شرق أوروبا-الجناح الشرقي للناتو: “سنستمر في تعزيز الردع والدفاع، وسنعمل على تحفيز حلفاء الخطوط الأمامية والشركاء، في الجهود الرامية إلى الدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل”.

أعادت الإستراتيجية الأمريكية التركيز على التهديدات الإيرانية، المتوقعة من الصواريخ الباليستية، التي قد تهدد أوروبا: “سنعمل مع الناتو لتحسين قدراته المتكاملة، في مجال الدفاع الجوي والصاروخي لمواجهة التهديدات الحالية والمتوقعة من الصواريخ الباليستية، ولا سيما من إيران”. وكذلك تناولت الإستراتيجية الأمريكية، أهمية التعاون مع دول أوروبا في مجال مكافحة الإرهاب والحرب الإلكترونية: “سنزيد التعاون في مجال مكافحه الإرهاب وأمن الفضاء الإلكتروني”.

الشرق الأوسط Middle East:

تشير إستراتيجية ترامب، إلى الإشكاليات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، وحددتها بإيران والمنظمات الجهادية. وعليه، حددت الإستراتيجية ثلاثة تهديدات مركزية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وهي: المنظمات الإرهابية وتصدير الإرهاب، التوسع الإيراني، وعدم الاستقرار الاقتصادي: “منذ سنوات، المشاكل المترابطة-المتزامنة للتوسع الإيراني، وأيدولوجيا الجهاديين، والركود الاجتماعي والاقتصادي، والتناحرات الإقليمية، هزّتْ الشرق الأوسط، فهو ليس ملاذًا آمنًا وحسب، بل أرضًا خصبة للإرهابيين الجهاديين، الذين لا تسيطر عليهم أي سلطة. يجب أن نكون واقعيين إزاء توقعاتنا بالنسبة للمنطقة، دون أن نسمح للتشاؤم بأن يحجب اهتمامنا، أو رؤيتنا للشرق الأوسط الحديث. ولا تزال المنطقة موطنًا لأخطر المنظمات الإرهابية في العالم، ويشترك تنظيم داعش والقاعدة بشأن عدم الاستقرار، وتصدير الجهاد العنيف“([91]).

تنتقد إستراتيجية ترامب، اتفاقية الطاقة النووية مع إيران عام 2015م، وتؤكد أنها الدولة الأخطر على أمنها، وأمن الشرق الأوسط: “استغلت إيران -الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب في العالم- عدم الاستقرار؛ لتوسيع نفوذها من خلال الشركاء والوكلاء، وانتشار الأسلحة والتمويل، وهي تواصل تطوير القذائف الباليستية، والقدرات الاستخباراتية الأكثر قدرة، وتضطلع بأنشطة إلكترونية معادية. وقد استمرت هذه الأنشطة دون هوادة منذ الصفقة النووية 2015م”([92]). ولمواجهة التحديات والنهوض بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، عرضت الوثيقة آليات المواجهة: “يعمل بعض شركائنا معنا؛ لنبذ الأيدولوجيات الراديكالية، ويدعو القادة الرئيسيون إلى نبذ التطرف والعنف الإسلاميين”([93]). إن آليات المواجهة في وثيقة الأمن القومي الأمريكي، هي مسارات وتوجهات، وليست خطط تنفيذية، وهذا يعني أن الشراكة والتعاون، يتطلب إعداد خطط تنفيذية بين الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها في المنطقة العربية، لا سيما إسرائيل: “بتنشيط الشراكات مع الدول التي تفكر في الإصلاح، وتشجيع التعاون بين الشركاء في المنطقة، يمكن للولايات المتحدة أن تعزز الاستقرار، وتوازن القوى الذي يخدم المصالح الأمريكية”([94]). أي أن الاستقرار في المنطقة، مرهون في القوة الأمريكية، التي ستعمل من أجل إعادة توازن القوى، والمقابل هو خدمة ودعم المصالح الأمريكية من قبل الدول الشريكة. وترى الإستراتيجية بأن الاستقرار السياسي في المنطقة، يخمد الصراعات الطائفية: “من شأن تشجيع الاستقرار السياسي، والرخاء المستدام، الحد من الظروف التي تغذي الطائفية”([95]).

بالإضافة إلى ذلك، تتبنى الإستراتيجية الرؤية الإسرائيلية في المنطقة العربية وتوجهاتها السياسية، ضمن آليات مواجهة إيران والجماعات الإرهابية([96]): “على مدى أجيال يُفهم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على أنه المهيج الرئيسي لمنع السلام والازدهار في المنطقة. اليوم، التهديدات من قبل الجماعات الإرهابية، والتهديد الذي تشكله إيران، تخلق إدراكًا بأن اسرائيل ليست سبب في المشاكل في المنطقة”([97]). وبالتالي، لا تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بوابة الحل في المنطقة العربية.

تقود الولايات المتحدة، التعاون والشراكة مع الدول العربية لمحاربة الإرهاب، الذي يهدد أمن الدول العربية وإسرائيل: “وجدت الدول العربية بصورة متزايدة مصلحة مشتركة مع إسرائيل، في مواجهة التهديدات المشتركة”([98]). وتسعى إدارة ترامب إلى تنفيذ الرؤية الإسرائيلية وهي، إقامة سلام إقليمي واستبعاد القضية الفلسطينية. وكخطوة أولى، التعاون والشراكة الأمنية ما بين إسرائيل والدول العربية؛ لمواجهة التحديات بقيادة الولايات المتحدة، ومن ثم تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول العربية وإسرائيل: “اليوم، لدى الولايات المتحدة فرصة سانحة لحث المزيد من التعاون الاقتصادي والسياسي، الذي من شأنه أن يوسع الرخاء لأولئك الذين يريدون الشراكة معنا”([99]). إن معادلة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، تقوم على اعتبار الأنظمة العربية الداعمة لتوجهها، هي دول شريكة، أما الدول التي تعارض توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، دول راديكالية.

على خلاف الاستراتيجيات الأمريكية السابقة، منذ بيل كلنتون إلى أوباما، غيبتْ الإستراتيجية الأمريكية الجديدة القضية الفلسطينية، ولم تذكرها إلا في جملة واحدة: “نحن ملتزمون بالمساعدة على تيسير إبرام اتفاق سلام شامل، يقبله الاسرائيليون والفلسطينيون، على حدٍ سواء”([100]). التي تؤكد توجهات ترامب في عامة الأول، الذي تبنى خيارًا جديدًا لإنهاء السلام، مخالفًا للموقف الأمريكي الرسمي “حل الدولتين”، وهو قبول الإسرائيليين والفلسطينيين باتفاق سلام، في ظل الإجراءات الإسرائيلية على أرض الواقع، وقراراه “القدس عاصمة لإسرائيل”.

الإجراءات ذات الأولوية في الشرق الأوسط (ماذا علينا أن نفعل)([101]):

حددت إستراتيجية الأمن القومي، الإجراءات ذات الأولوية في الشرق الأوسط، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.

أولًا: سياسيًا

  • سنعزز الشراكات، للمساعدة على النهوض بالأمن، من خلال الاستقرار، وسنشجع الاصلاحات التدريجية، كلما كان ذلك ممكنًا.
  • سندعم الجهود الرامية، إلى التصدي للأيدولوجيات العنيفة، وزيادة احترام كرامة الأفراد.
  • ما زلنا ملتزمين بمساعدة شركائنا، على تحقيق منطقة مستقرة ومزدهرة، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي القوي والمتكامل.
  • سنعزز شراكتنا الإستراتيجية طويلة الأجل مع العراق كدولة مستقلة.
  • سنسعى إلى تسوية الحرب الأهلية السورية، وتمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم، وإعادة بناء حياتهم في أمان.

ثانياً: الاقتصاد

  • ستدعم الولايات المتحدة الاصلاحات الجارية، التي تبدأ في معالجة أوجه عدم المساواة الأساسية، التي يستغلها الارهابيون الجهاديون.
  • تشجيع الدول في المنطقة، بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية، على مواصلة تحديث اقتصاداتها.
  • سنؤدي دورًا في حفز التطورات الإيجابية، من خلال المشاركة الاقتصادية، والدفاع عن فوائد الأسواق والمجتمعات المفتوحة.

ثالثًا: الأمن والجانب العسكري

  • سنحتفظ بالوجود العسكري الأمريكي، الضروري في المنطقة، لحماية الولايات المتحدة وحلفائنا من الهجمات الإرهابية، وللحفاظ على التوازن القوة الدولية.
  • سنساعد الشركاء الإقليمين على تعزيز مؤسساتهم وقدراتهم، بما في ذلك مجال القانون؛ للقيام بجهود مكافحة الإرهاب والتمرد.
  • سنساعد الشركاء على شراء الدفاع الصاروخي، والقدرات الأخرى؛ للدفاع بشكل أفضل ضد التهديدات الصاروخية النشطة.
  • سنعمل مع الشركاء لحرمان النظام الإيراني من امتلاك سلاح نووي، وتحييد نفوذ إيران الخبيث.

بالعودة للقضية الفلسطينية، لم تذكر الإستراتيجية في أولوياتها الشرق أوسطية، أي دعم سياسي أو اقتصادي، من شأنه دعم عملية تسوية القضية الفلسطينية. هذا ما يفسر الإجراءات الأمريكية الجديدة بوقف الدعم المالي عن الأمم المتحدة وهيئاتها، وكذلك تجميد دعمها للسلطة الوطنية الفلسطينية.

جنوب ووسط آسيا South and Central Asia:

تعرض وثيقة الأمن القومي الأمريكي، الإمكانيات التي تتميز بها منطقة جنوب ووسط آسيا. حيث أنها تضم أكثر من ربع سكان العالم، وخُمس التنظيمات الإرهابية، والعديد من البلدان ذات الاقتصاد سريع النمو. وتضم كذلك دولتين تمتلكان السلاح النووي. وعليه، تعرض الوثيقة التحديات التي قد تواجه الولايات المتحدة من منطقة جنوب ووسط آسيا. وأهمها، التهديدات الإرهابية للمنظمات في باكستان: “لا تزال الولايات المتحدة تواجه تهديدات من الإرهابيين والمقاتلين، الذين يعملون من داخل باكستان”([102]). وفيما يخص الخلاف الهندي-الباكستاني، ترى إستراتيجية الأمن القومي، أن احتمال نشوب نزاع عسكري، قد يؤدي إلى استخدام السلاح النووي، مما يتطلب اهتمامًا دبلوماسيًا مستمرًا.

ترى وثيقة الأمن القومي الأمريكي، أن مصالح الولايات المتحدة في منطقة جنوب ووسط آسيا، تُحتم عليها التصدي للتهديدات الإرهابية، التي قد تؤثر على أمن الولايات المتحدة وحلفائها، لذلك تعمل على منع انتشار الإرهاب، الذي قد يؤدي إلى توترات عسكرية، ومنع انتقال الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة في أيدي الإرهابيين-المنظمات الإرهابية. لذلك سوف تسعى إستراتيجية الولايات المتحدة إلى “باكستان التي لا تشارك في السلوك المزعزع للاستقرار، وأفغانستان المستقرة والمعتمدة على نفسها”. وكذلك التصدي للمنافسة الروسية والصينية في منطقة جنوب ووسط آسيا: “نحن نسعى إلى دول آسيا الوسطي التي تقاوم الهيمنة من جانب القوى المتنافسة.. ونعطي الأولوية للإصلاحات”([103]).

الإجراءات ذات الأولوية في جنوب ووسط آسيا (ماذا علينا أن نفعل؟)([104]):

أولاً: سياسيًا

  • سنعمق شراكتنا الإستراتيجية مع الهند، وندعم دورها القيادي في أمن المحيط الهندي، وفي جميع أنحاء المنطقة الحدودية.
  • سنقوم بالضغط على باكستان؛ لتكثيف جهودها لمكافحة الإرهاب، لأنه لا يمكن لأي شراكة أن تنجو من الإرهابيين، الذين يستهدفون الشركاء من أعضاء الخدمة والمسؤولين.
  • سنواصل الشراكة مع أفغانستان؛ لتعزيز السلام والأمن في المنطقة.
  • سنواصل تعزيز إصلاح مكافحة الفساد في أفغانستان؛ لزيادة شرعية حكومتها، والحد من نداءات منظمات العنف المتطرفة.
  • سوف نساعد دول جنوب آسيا؛ للحفاظ على سيادتها، حيث أن الصين تزيد من نفوذها في المنطقة.

ثانيًا: اقتصاديًا

  • سنشجع التكامل الاقتصادي لوسط وجنوب آسيا؛ لتعزيز الازدهار والروابط الاقتصادية، التي من شأنها أن تعزز التواصل والتجارة.
  • سنشجع الهند على زيادة مساعدتها الاقتصادية في المنطقة.
  • في باكستان، سنبني العلاقات التجارية والاستثمارية مع تحسن الأمن، وبما أن باكستان تبرهن على أنها مساعدة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.

ثالثًا: الأمن والجانب العسكري

  • نحن ملتزمون بدعم الحكومة الأفغانية، وقوات الأمن في كفاحها ضد طالبان والقاعدة والتنظيم الإسلامي، والإرهابيين الآخرين.
  • سنعزز القوة القتالية لقوات الأمن الأفغانية؛ لإقناع طالبان بأنهم لا يستطيعون الفوز في ساحة المعركة، ولتهيئة الظروف للجهود الدبلوماسية، الرامية إلى تحقيق السلام الدائم.
  • سنصر على أن تتخذ باكستان إجراءات حاسمة ضد الجماعات المسلحة والإرهابية، التي تعمل انطلاقًا من أراضيها.
  • سنعمل مع دول آسيا الوسطى؛ لضمان الوصول إلى المنطقة لدعم جهودنا لمكافحة الإرهاب.

نصف الكرة الغربي-أفريقيا Western Hemisphere:

تناقش الوثيقة في منطقة نصف الكرة الغربي([105]) مصالحها الأمنية، والاقتصادية على وجه الخصوص، وكذلك توضح قوة المنافسة مع دولتي روسيا الاتحادية والصين. فيما يخص الدول المستقرة في نصف الكرة الغربي، تعتبرها الولايات المتحدة مكسبًا لاقتصادها: “الدول المستقرة والصديقة، والمزدهرة في نصف الكرة الغربي، تعزز أمننا وتتفيد اقتصادنا.” وكذلك تدعم الحماية الأمنية للولايات المتحدة: “الدول الديمقراطية المرتبطة بالقيم المشتركة، والمصالح الاقتصادية ستحد من العنف والاتجار بالمخدرات، والهجرة غير القانونية التي تهدد أمننا المشترك”([106]).

حددت وثيقة الأمن القومي الأمريكي التحديات، التي تواجه الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي بالعصابات والتكتلات للمنظمات الإرهابية، والنظم الاستبدادية، التي ترتبط بعلاقات محدودة مع الولايات المتحدة، والتنافس الصيني والروسي في نصف الكرة الغربي.

“المنظمات الإجرامية-بما في ذلك العصابات والتكتلات- تديم العنف والفساد، وتهدد استقرار دول أمريكا الوسطي، بما فيها غواتيمالا وهندوراس والسلفادور”. “وفي فنزويلا وكوبا، تتمسك الحكومات بالنماذج الاستبدادية اليسارية”([107]). أما عن التنافس الصيني والروسي: “وجد المنافسون حيزًا للتشغيل في نصف الكرة الأرضية. تسعى الصين إلى سحب المنطقة إلى مدارها من خلال الاستثمارات والقروض التي تقودها الدولة. وتواصل روسيا سياستها الفاشلة في الحرب الباردة، بدعم حلفائها الكوبيين الراديكاليين”. وعن بيع الأسلحة الروسية الصينية لفنزويلا: “تدعم كل من الصين وروسيا الدكتاتورية فنزويلا، وتسعيان إلى توسيع الروابط العسكرية، ومبيعات الأسلحة، في جميع أنحاء المنطقة”([108]).

فيما يخص دول نصف الكرة الغربي، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، تشاركها التعاون في مواجهة التنافس الصيني والروسي، والنظم الاستبدادية “للدول الديمقراطية في نصف الكرة مصلحة مشتركة في مواجهة التهديدات، التي تهدد سيادتها، وتتقاسم كندا والولايات المتحدة شراكة إستراتيجية ودفاعية فريدة”. وتنوي الإستراتيجية على رفع مستوى التجارة وقدرة الاقتصاد الأمريكي مع الدول، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة: “سنبني معًا نصف الكرة الأرضية المستقر والمسالم، الذي يزيد الفرص الاقتصادية للجميع، ويقلل من قوه المنظمات الإجرامية، ويحد من تأثير القوات غير التابعة لنصف الكرة الأرضية”.

الإجراءات ذات الأولوية في نصف الكرة الغربي (ماذا علينا أن نفعل؟)([109]):

أولًا: سياسيًا

  • سنعمل على حث الجهود الإقليمية؛ لبناء الأمن والرخاء، من خلال المشاركة الدبلوماسية القوية.
  • سنعزل الحكومات، التي ترفض العمل كشركاء مسؤولين في النهوض بالسلام والازدهار، في نصف الكرة الغربي.
  • سنتطلع إلى اليوم الذي يمكن فيه لشعبي كوبا وفنزويلا، أن يتمتعا بالحرية وفوائد الرخاء المشترك، ونشجع الدول الحرة الأخرى في نصف الكرة، على دعم هذا المسعى المشترك.

ثانيًا: اقتصاديًا

  • سنقوم بتحديث اتفاقاتنا التجارية، وتعميق روابطنا الاقتصادية مع المنطقة، لضمان تجارة عادلة ومتبادلة.
  • سنشجع على اجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية، القائمة على السوق، ونشجع الشفافية لتهيئة الظروف التي تتيح الرخاء المستدام.
  • سنضمن أن النظام المالي الأمريكي، لا يصلح كملاذ أو نقطة عبور للعائدات الإجرامية.

ثالثًا: الأمن والجانب العسكري

  • رفع مستوى الجهود المحلية، ونشجع الثقافات المشروعة؛ للحد من الجريمة والفساد، عن طريق دعم الجهود المحلية، الرامية إلى إضفاء الطابع الاحترافي للشرطة، وغيرها من قوات الأمن.
  • تعزيز سيادة القانون والإصلاح القضائي، وتحسين تبادل المعلومات؛ لاستهداف المجرمين والقادة الفاسدين، وتعطيل الاتجار غير المشروع.

أفريقيا :Africa

 تؤكد الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، أن أفريقيا لا تزال قارة تبشر بالخير والتحديات الدائمة، وتضم العديد من الدول التي بدأت اقتصادياتها بالنمو في العالم، وقد تمثل تلك البلدان أسواق جديدة للسلع والخدمات الأمريكية. وتعتبر الإستراتيجية الأمريكية أن هناك تحديان يواجهان الولايات المتحدة في قارة أفريقيا وهما: تنظيم داعش، والتنافس الصيني.

يعمل تنظيم داعش والقاعدة والمنتسبون إليهما في القارة، وزادوا من فتك هجماتهم، وتوسعوا في مناطق جديدة، واستهدفوا مواطني الولايات المتحدة ومصالحهم. غير أن الدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية، أظهرت التزامًا بمواجهة التهديد الذي تشكله المنظمات الإرهابية الجهادية، ولكن قدراتها الأمنية لا تزال ضعيفة.

تتوسع الصين في وجودها الاقتصادي والعسكري في أفريقيا، وهي تنمو من مستثمر صغير في القارة، قبل عقدين من الزمن، إلى أكبر شريك تجاري اليوم. وتنتقد الإستراتيجية الأمريكية التوسع الصيني في أفريقيا: “تقوض بعض الممارسات الصينية التنمية الإفريقية طويلة الأجل بإفساد النخب، وتهيمن على الصناعات الاستخراجية، وتحبس البلدان في ديون والتزامات غير مستدامة ومبهمة”([110]). وتسعى الولايات المتحدة إلى الدول الإفريقية، ذات السيادة المندمجة في الاقتصاد العالمي، والقادرة على تلبية احتياجات مواطنيها، والقادرة على إدارة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن. بهدف كسب أسواق جديدة للسلع والخدمات الامريكية، وتقليل جاذبية الهجرة غير القانونية للولايات المتحدة الأمريكية.

الإجراءات ذات الأولوية في أفريقيا (ماذا علينا أن نفعل؟)([111]):

أولًا: سياسيًا

  • ستقيم الولايات المتحدة شراكات مع الحكومات والمجتمع المدني، والمنظمات الإقليمية؛ لإنهاء الصراعات العنيفة الطويلة الأمد.
  • سنشجع الإصلاح، ونعمل مع الدول الواعدة لتعزيز الحكم الفعال، وتحسين سيادة القانون، وتطوير المؤسسات المسؤولة والمستجيبة للمواطنين.
  • سنواصل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، في الوقت الذي نعمل فيه أيضًا مع الحكومات الملتزمة والمنظمات الإقليمية، لمعالجة الأسباب الجذرية للمعاناة البشرية. وعندما لا يكون هناك بديل، سنعلق المعونة بدلًا من أن نراها تُستغل.

ثانيًا: اقتصاديًا

  • سنوسع العلاقات التجارية لخلق فرص عمل وبناء الثروة للأمريكيين والأفارقة.
  • سنعمل مع الحكومات الموجهة نحو الإصلاح؛ للمساعدة على تهيئة الظروف التي يمكن أن تحولها إلى شركاء تجاريين وتحسين بيئتها التجارية.
  • سندعم التكامل الاقتصادي فيما بين الدول الأفريقية.
  • سنقدم السلع والخدمات الأمريكية، لأنها مربحة لنا ولأنها تمثل بديلًا لبصمة الصين الاقتصادية الاستخراجية في القارة.

 

  • ثالثًا: الأمن والجانب العسكري
  • سنواصل العمل مع الشركاء؛ لتحسين قدرة خدماتهم الأمنية على مكافحه الإرهاب، والاتجار بالبشر، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والموارد الطبيعية.
  • سوف نعمل مع الشركاء لهزيمة المنظمات الإرهابية، وغيرها من الذين يهددون المواطنين الأمريكيين والوطن.

ثالثاً: إستراتيجية ترامب بين التأييد والمعارضة

واجهت إستراتيجية الأمن القومي للرئيس ترامب موجة انتقادات، فقد حول ترامب شعاره الغرائزي “أمريكا أولًا” إلى مذهب في السياسة الخارجية الأمريكية. وفشل في التوفيق بين الطموحات الأمريكية والطرق والوسائل، كما أن الإستراتيجية دائمة التذكير بفشل مساعي الرؤساء الذين سبقوا ترامب. وتنتقد خبيرة الأمن القومي في جامعة بسلفينا ربيكا فريدمان ليسنر Rebecca Friedman Lissner، إستراتيجية ترامب قائلة: “يفترض أن تضع الإستراتيجية إستراتيجية أمن قومي، إلا أن ترامب حوّل الإستراتيجية إلى ممارسة بلاغية، ومن غير المرجح أن تؤثر إستراتيجية الأمن القومي على السياسة الخارجية لإدارة ترامب بأي طريقة مجدية. وهذه دعوة للاستيقاظ، فنحن بحاجة إلى إعادة بناء إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية بحيث تحقق الغرض المقصود منها”([112]). قد تكون إستراتيجية الأمن القومي الجديدة نقطة انطلاق مفيدة. وقد اعترف العديد من خصوم الإدارة بأن مستشار الأمن القومي ماكماستر وموظفيه، قام بعمل ممتاز في صياغة وثيقة مدروسة. ندد المنتقدون للرئاسة الأمريكية بالإستراتيجية بما في ذلك جمهورية الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، والديمقراطيين الليبراليين. وظهر موضوع مشترك آخر بين النقاد بأن الوثيقة لا يمكن أن تمثل معتقدات الرئيس الفعلية للسياسة الخارجية. ومن المثير للاهتمام خشية النقاد من وجود زمرة عميقة حول الرئيس([113]).

يرى بيتر فيفر Peter Feaver في دراسته التي نشرت في مجلة FP-Foreign Policy، التي أسسها صمويل هانتنغتون  Samuel Huntingtonعام 1970م بعنوان: ” Five Takeaways from Trump’s National Security Strategy” أن “شعار “أمريكا أولًا” يقدم وجهة نظر “الواقعية المبدئية”، حيث “المبدأ” مصطلح شامل يسمح لبيانات مثل “إدراك ترامب المزايا التي توفرها علاقات الولايات المتحدة القوية مع الحلفاء والشركاء”. أو “أمريكا تحتل السياسة الخارجية الأولى بنفوذها في العالم كقوة إيجابية، يمكن أن تساعد في تهيئة الظروف، للسلام والازدهار، وتنمية مجتمعات ناجحة”([114]). أي أن الباحث يجادل بأن الوثيقة تحمل معاني ضمنية، تؤكد على مبادئ وقيم الولايات المتحدة التي تشاركها مع الحفاء التقليديين، والشركاء في محاربة الإرهاب.

فيما ترى نائب رئيس مركز السياسة الأمنية في واشنطن كلير لوبيز Claire Lopez، أن الوثيقة حملت الكثير من الإيجابيات، وتحدثت عن المبادئ الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية، والحرب من أجل المحافظة على القيم والمبادئ الأمريكية. وقد ابتعد واختلف ترامب عن الاستراتيجيات السابقة للأمن القومي، التي جاءت مؤخرًا مع أسلافه. وهي تتشابه مع إستراتيجية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ريغان، الذي اعتمد الدفاع عن المبادئ والحريات الأمريكية من التهديدات الخارجية([115]).

صرّح المدير التنفيذي لمجلس المصالح الوطنية بالولايات المتحدة فيليب جيرالدي لوكالة “ريا نوفوستي” الروسية: أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذه المرة، لم يدرج الصين وروسيا في خانة الخصوم، مضيفًا: “كان لطيفًا عدم سماع وصف الصين وروسيا بالأعداء، في بعض المجالات هما بالفعل منافستان ومزاحمتان، لكن في حقيقة الأمر لا تهددان الولايات المتحدة”، وإستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى صراعات دولية جديدة([116]). إن التأييد للإستراتيجية ثابت إلى حد ما الآن، حتى لدى المعارضين الذين ينظرون لإستراتيجية أقوى تحقق المصالح الامريكية. إن هذه الرؤى تأكد أو تدحض عندما نحلل السياسة الخارجية الأمريكية في ضوء وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة في محاور الدراسة اللاحقة.

ما نود التأكيد عليه هو، الإستراتيجية الأمريكية إن لم تعمل وفق معايير محددة تساعدها على تحقيق مصالحها دون الوقوع في أزمات خارجية، بالتأكيد سوف تجني الإستراتيجية خسائر كبيرة رغم التأييد. فالولايات المتحدة دعمت إستراتيجية بوش الابن وحربه على “محور الشر”، خاصة العراق، وحينما اكتشفوا أن إدارة بوش لم تكن صادقة في ادعاءاتها ضد العراق، وقد غرقت بإشكاليات كبيرة كقتل عدد كبير من عناصر الجيش الأمريكي، والويلات التي تسببوا بها للعراقيين والدول المحتلة، الكثير ممن دعوا لهذه الحرب تراجعوا عن تأييدهم ومن أشهرهم “فرانسيس فوكوياما”.  ومن الجدير ذكره، أن التأييد والمعارضة للإستراتيجية الأمريكية، تعكس موافقة التيارات الفكرية في الولايات المتحدة، لا سيما التيار اليميني في الولايات المتحدة، الذي أيد وبقوة ما حملته الوثيقة.

المحور الثالث: الثابت والمتغير في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

“لا يمكن التنبؤ دائمًا بما يجلبه تاريخ العالم من أحداث؛ فهذا التاريخ قد قام بانعطافة مدهشة في تسعينيات القرن العشرين. فبعد انقضاء نصف قرن من انفراد القطبين بمواجهة كل منهما الآخر، فإذ بهذا العالم يفقد ما كان عليه من توازن، وإذ بالولايات المتحدة الأمريكية، تقف على رأس المجتمع الدولي.”                                              

أناتولي أوتكين

عاد التاريخ السياسي المعاصر بانعطافة أخرى، مع بداية القرن الحادي والعشرين. هزّت الإمبراطورية الأمريكية، وميزان القوة القائم على الهيمنة الأمريكية المنفردة، بعد عودة روسيا الاتحادية كفاعل رئيس في النظام الدولي، وقوة الصين الاقتصادية الهائلة، وتطلع قوى إقليمية للعب دور بارز في السياسة الدولية، كالهند والبرازيل. وبالتالي أي تحليل للإستراتيجية الأمريكية وتحولاتها، لا يمكن أن يتجاهل أهمية التغيرات البنيوية في النظام الدولي.

إن البحث عن الثابت والمتغير في الإستراتيجيات الأمريكية، وأهم المتغيرات المؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية وتوجهاتها لفترة ما بعد الحرب الباردة “النظام العالمي الجديد”، يأخذنا للحديث عن استراتيجيات الرؤساء الأمريكيين طوال تلك الفترة وصولًا لإستراتيجية دونالد ترامب الجديدة، وذلك من خلال تحليل أهم الأحداث والمتغيرات العالمية، وبالتالي يمكننا تفسير التغير والاختلاف في الإستراتيجيات الأمريكية، وكذلك توجهات السياسة الخارجية.

لا تخفي الإستراتيجية الجديدة قلق الولايات المتحدة بشكل عام، والإدارة الأمريكية بشكل خاص، من تحولات النظام العالمي، والتغيرات في موازين القوى الدولية في الألفية الثالثة، وتأتي الإستراتيجية الجديدة في ظل هذه المتغيرات لتحافظ على مكانة الولايات المتحدة ومصالحها الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وفقًا لرؤية ترامب وإدارته، التي انتقدت وبشدة سياسات أسلافه في مواجهة هذه التغيرات. وهو بذلك، يعترف بعودة روسيا الاتحادية وقوة الصين الاقتصادية، كفواعل رئيسية في النظام العالمي القائم، وهي أولى خطوات تغيير النظام العالمي الجديد إلى نظام لم تتضح بعد معالمه. 

أولاً: استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي (1991-2016)

“لدينا فرصة لأنفسنا والأجيال المستقبلية.. نظام عالمي جديد، عالم يسوده القانون وليس قانون الغابة، يحكم الدول المتعاقدة عندما سننجح وسوف ننجح، لدينا فرصة حقيقية في هذا النظام العالمي الجديد، في سبيل أن الأمم المتحدة تستطيع أن تستخدم سياسة السلام في سبيل تحقيق رؤية ورغبة مؤسسي الأمم المتحدة.”

جورج بوش الأب-9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1991

بعد عرض أهم ما جاء في الوثيقة الجديدة، في المحور الثاني من هذه الدراسة، ولتفهم طبيعة التغيرات التي حملتها وثيقة ترامب للأمن القومي الأمريكي الجديدة، علينا مراجعة إستراتيجيات الأمن القومي لأسلافه من الرؤساء، في ظل بيئة النظام العالمي، منذ نهاية الحرب الباردة، وحتى وصول ترامب إلى سدة الحكم. وتكمن أهمية مراجعة استراتيجيات الأمن القومي منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991م، وحتى فترة رئاسة باراك أوباما، في توفير منطلق لمقارنة الثابت والمتغير في الإستراتيجية الأمريكية من جانب، ولجملة ديناميات العالم في القرن الواحد والعشرين من جانب آخر.

مع بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية، وهي النظام العالمي الجديد-آحادي القطبية. الذي أعلن عنه إعلاميًا الرئيس السابق جورج بوش الأب، في خطابه للشعب الأمريكي عام 1991م، بدأ التنظير الفكري الأمريكي لهذه الحقبة الجديدة، فكانت أولى الأطروحات الفكرية “نهاية التاريخ” لفرانسيس فوكوياما، الذي اعتُبر سقوط الأيديولوجيات المنافسة للأيديولوجية الليبرالية بمثابة نهاية التاريخ، ومن ثم تبعتها أطروحة صموئيل هانتنغتون “صدام الحضارات”، التي بشّرت بصراع جديد في العلاقات الدولية جوهره الصدام الحضاري([117]). ثم تبع التنظير الفكري استراتيجيات أمنية للمحافظة على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًا كقطب وحيد في النظام العالمي الجديد.

جورج بوش الأب George H.W. Bush (الرئيس الحادي والأربعين 1989–1993)

تراجع العامل الأيديولوجي لصالح العامل الاقتصادي والعسكري -وهو تمامًا ما يتماشى مع رؤية الجمهوريين. فقد تميز الرئيس السابق جورج بوش الأب بخبرته الكبيرة في الشؤون الدولية، حيث شغل عدة مناصب حكومية أهمها: رئيس السفارة الأمريكية غير الرسمية في الصين، وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وقد ركز طوال فترة رئاسته على الشؤون الخارجية على حساب الشؤون الداخلية، خاصة في ظل الأحداث العالمية البارزة، أهمها: سقوط سور برلين 1989م وتوحيد ألمانيا، وانسحاب الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان في نفس العام، ومن ثم سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وقيادة الولايات المتحدة العالم بحرب عاصفة الصحراء. مما جعل بوش الأب يتكلم عن نظام عالمي جديد، تكون فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة دون منافس، بعد انتهاء الحرب الباردة([118]). أي أن القوة العسكرية هي جوهر الإستراتيجية الأمريكية في عهد بوش الأب. فقد كتب جورج بوش في مذكراته: “إن علينا ببساطة أن نقود الآخرين.. وأن نضمن التنبؤ بالمستقبل، وأن نكفل الاستقرار في العلاقات الدولية، ذلك لأننا الدولة الوحيدة التي تمتلك الموارد الضرورية والسمعة.. وإذا لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الآخرين، فلن تكون هناك زعامة في هذا العالم”.

ترجع أصول القوة غير المسبوقة، التي تستند عليها إدارة بوش إلى انتصارها في الحرب الباردة، لقد أعطت ثورات أوروبا الشرقية، وسقوط الاتحاد السوفيتي للولايات المتحدة التفوق العسكري، كما أعطى أيضًا للرأسمالية الأمريكية، منفذًا للمناطق التي كانت مغلقة دونها، بسبب تقسيم العالم خلال الحرب الباردة، خاصة منطقة وسط آسيا، التي تحتوي على احتياطات نفطية كبيرة، والتي تحتل موقعًا استراتيجيًا على الحدود بين مناطق النفوذ الروسية والصينية([119]). هذا بالإضافة للحرب الأمريكية في المنطقة العربية، فالإمبراطورية الأمريكية بجانب دوافعها الاقتصادية كان لها دوافع جيوإستراتيجية في المنطقة العربية.

بيل كلنتون Bill Clinton (الرئيس الثاني والأربعون 1993-2001)

استطاع المرشح الديمقراطي بيل كلنتون آنذاك، مهاجمة الرئيس السابق بوش الأب لإهماله الشؤون الداخلية لصالح الشؤون الخارجية، ما صب في مصلحة كلنتون، الذي أصبح رئيسًا للولايات المتحدة عام 1993م. وبعد مضي قرابة العامين على تولي كلنتون منصب الرئاسة، وضع استراتيجيته للأمن القومي الأمريكي في يوليو 1994م، جوهرها تحسين الأوضاع الداخلية، واتباع سياسة خارجية تخدم سياسته الداخلية، وحملت إستراتيجية كلنتون للأمن القومي الأمريكي شعار “المشاركة والتوسع” “Engagement and Enlargement”. وأوضحت الإستراتيجية هذا الشعار بما يأتي: “إن الخط الفاصل بين سياستنا الداخلية والخارجية يختفي، وعلينا تنشيط اقتصادنا إذا أردنا أن نحافظ على قوتنا العسكرية، وعلينا أن نتشارك مع دول العالم، إذا أردنا أن نفتح أسواق خارجية، لخلق فرص عمل لشعبنا”([120]). لم يستطع الديموقراطيون من أنصار كلنتون تجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر في العالم، وأن فروع الشركات الأمريكية في الخارج تمتلك نصيبًا كبيرًا من جملة التصدير العالمي. لذلك سعى كلنتون وإدارته توسيع منطقة ديمقراطية السوق([121]).

ترى منى زنودة أن إستراتيجية كلنتون للأمن القومي الأمريكي تبعت سياسة خارجية براغماتية يحكمها المنطق الانتقائي للقضايا الدولية والانخراط بها، بحيث يكون تفاعل الولايات المتحدة في القضايا الدولية، ذا صلة مباشرة بمصلحة الولايات المتحدة([122]). أي أن إستراتيجيته اعتمدت على القوة الاقتصادية عالميًا، وسعت لبناء شراكات أمنية في أوروبا وأفريقيا، ودعمت الأنظمة المتحولة إلى الديمقراطية، ففي عهد كلنتون توسع حلف الشمال الأطلسي، ليضم دول أوروبا الشرقية (بولندا، وهنغاريا، والتشيك)، حيث كانت رؤية كلنتون للسياسة الخارجية قائمة على التعاون والمشاركة الدولية، فتحقيق الأمن الدولي يتطلب مشاركة دولية، وحافظت الإستراتيجية على تبعية أوروبا للولايات المتحدة في المجال العسكري.

بعد فوز كلنتون في الفترة الرئاسية الثانية، وضع إستراتيجيته للأمن القومي، التي حملت نفس الشعار أيضًا “المشاركة والتوسع”. ووفق التعبير الذي أطلقته وزير الخارجية الأسبق للفترة الرئاسية الثانية لبيل كلنتون، مادلين أولبرايت Madeleine Albright: “أمريكا هي الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهو الإسهام النظري في هذا المجال، سوف نحتفظ بوجودنا في كل مكان تقتضي الضرورة الدفاع عن مصالحنا فيه”([123]).

فيما يخص الشرق الأوسط، عمدت إستراتيجية كلنتون إلى تعزيز مفاوضات متعددة الأطراف، لتحقيق الاستقرار الإقليمي وضمان أمن إسرائيل. وأشرف كلنتون على عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي وقعت في البيت الأبيض-أوسلو في سبتمبر 1993م، ومؤتمر كامب ديفيد الثاني 2000م الذي فشل في تسوية قضايا الحل النهائي برعايته.

جورج بوش الابن  George W. Bush(الرئيس الثالث والأربعين 2001-2009)

في حقبة الرئيس السابق جورج بوش الابن الرئاسيتان (الرئيس الثالث والأربعين 2001-2009)، وضع استراتيجيتين للأمن القومي الأمريكي، الأولى في ديسمبر 2002، والثانية في مارس 2006. وقد تمحورت الوثيقتين حول محاربة “محور الشر” الحرب على الإرهاب.  وتضمنت إستراتيجية بوش لعام 2002م، فكرة حماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالتدخل العسكري؛ للقضاء على الإرهابيين والدكتاتوريين، وحسب وصف الوثيقة “حلفاء الإرهاب هم أعداء الحضارة”([124]). وذكرت الوثيقة الأولى عام 2002م: “إن الحرب ضد الإرهاب العالمي، يختلف عن أي حرب أخرى في التاريخ الأمريكي”([125]). وقد حملت الوثيقة الثانية عام 2006م شعار “أمريكا في حرب” “America is at war”([126])، حملت إستراتيجية الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الابن، محاربة الإرهاب ونشر قيم ومبادئ الولايات المتحدة الأمريكية، أي تصدير الديمقراطية الأمريكية، فقد كان بوش الابن أيديولوجي يحمل فكر المحافظين الجدد، وشكّلت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م الفرصة الذهبية للمحافظين؛ لنشر أفكارهم في قيادة العالم. نبّهت إستراتيجية جورج بوش الابن الأولى، عن صعود قوى عالمية بجانب حربها على الإرهاب، وأكدت استعدادها لكبح جماحهم: “نحن متيقظون لإمكانية تجديد الأنماط القديمة لتنافس القوى العظمى، فهناك قوى عظمى عديدة كامنة، تمر بمراحل تحول داخلي أهمها روسيا والهند والصين”([127]). غير أن الواقع أثبت عكس ذلك تمامًا.

ربطت إستراتيجية بوش الدعم والمساعدات بمدى تقدم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وضمان تفوق الولايات المتحدة الأمريكية، ودعم النمو الاقتصادي، واستغلت إدارته الثروة المالية في الشؤون العسكرية؛ لتعزيز الهيمنة الأمريكية. أي أن القوة العسكرية، هي المسار الأساسي في تطبيق إستراتيجية بوش. وحَصرَ التدخلات الدولية في المناطق، التي تشكل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية. وحملت إستراتيجية جورج بوش الابن، الضربة الوقائية كمبدأ جديد للإستراتيجية الأمريكية، فقد أعلن الرئيس جورج بوش مبدأ الضربة الوقائية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وأوضح بوش أنه حسب المبدأ الجديد، ستقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات وقائية مسبقة ضد تهديدات محتملة من جماعات إرهابية، أو دول تحصل على أسلحة كيمائية أو بيولوجية أو نووية، وأضاف: “إن الحرب على الإرهاب، لن يتم كسبها من موقع دفاعي، يجب أن ننقل المعركة إلى العدو”([128]). هيمنت الولايات المتحدة كقطب وحيد في النظام العالمي الجديد الذي دشنه جورج بوش الأب، وعززه الابن في حروبه لتصدير الديمقراطية، خاصة في المنطقة العربية، وفي حربه على العراق.

باراك أوباما  Barack Obama(الرئيس الرابع والأربعون 2009-2017)

في فترة الرئيس السابق باراك أوباما الرئاسيتان (الرئيس الرابع والأربعون 2009-2017)، وضع إستراتيجيتين للأمن القومي الأمريكي، الأولى في مارس 2010، والثانية في 2015. وقد شكّل وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم، تغيرًا جوهريًا في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شكّلت إدارته رؤية جديدة لقيادة العالم، خاصة بعد تدهور صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، في عهد الرئيس السابق بوش الابن. وأعلن أوباما عن إستراتيجيته للأمن القومي في مارس 2010م، وتميّزت إستراتيجيته للأمن القومي، أنها قدمت رؤية جديدة لقيادة الولايات المتحدة للعالم. من قوة منفردة إلى قوة مسؤولة عن العالم، من خلال القوة الذكية، بدلًا من القوة العسكرية، والانفتاح على العالم. وعمل على إعادة بناء القوة الاقتصادية بعد الأزمة المالية عام 2008م. ومحاربة المنظمات الإرهابية، وعدم تسليحها.

أكد على هذه الرؤية في إستراتيجيته للأمن القومي الثانية في فبراير 2015م: “الدور القيادي الذي تضطلع به أمريكا، في إطار نظام دولي يعمل على أفضل وجه، من خلال الدول المسؤولة والمنظمات الإقليمية والدولية الفعالة”. وزيادة الشركات التقليدية مع أوروبا ومجموعة الدول الصناعية القائمة على المصالح المشتركة: “يشمل التقدم الذي أحرزناه، تعزيز نظام التحالف منقطع النظير، الذي تدعمه شراكاتنا الدائمة مع أوروبا، مع الاستثمار في المحافل المتعددة الأطراف الوليدة مثل قمة مجموعة العشرين وشرق آسيا”([129]). وجدد التزامه بمحاربة المنظمات الإرهابية، ودعم دول المنطقة بما فيها إسرائيل لمحاربتها: “إننا نستثمر في قدرة إسرائيل والأردن، وشركاءنا في الخليج، على ردع العدوان، مع الحفاظ على التزامنا الثابت بأمن إسرائيل، بما في ذلك قدرتها العسكرية النوعية”([130]).

الأهم في إستراتيجية أوباما الثانية هو اللجوء إلى الدبلوماسية، في حل النزاعات الدولية، ومكافحة التغير المناخي: “يتطلب الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وشمال افريقيا أيضًا، الحد من الأسباب الكامنة وراء الصراع، ولذلك ستواصل أمريكا العمل مع الحلفاء والشركاء، من أجل التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران، يحل المخاوف العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني”، وهذه الرؤية الإستراتيجية حققها أوباما، بتوقيعه على الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015م. وفيما يخص الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أكد أوباما التزامه بحل الدولتين، حيث ورد في وثيقته: “ما زلنا ملتزمين بإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال حل الدولتين، الذي يكفل أمن إسرائيل، وقدرة فلسطين على البقاء”([131]).

رغم السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما الناعمة، وسحب الجيش الأمريكي من العراق وأفغانستان، إلا أنه تدخل في ثورات الربيع العربي بشكل مباشر سياسيًا وعسكريًا.

الثابت والمتغير في الإستراتيجيات الأمريكية:

إن تحليل الفكر السياسي والإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، يأخذنا إلى مكوناتها الفكرية، فالفعل السياسي، لا يُصنع من فراغ، ذلك أن الفعل وبغض النظر عما إذا كان داخليًا أو خارجيًا، لا تُرسم معالمه، إلا وفق معطيات فكرية وأيديولوجية. بمعنى أن السلوك السياسي للدولة، ما هو في الحقيقة إلا انعكاسًا لمضمون بنائها الفكري، حيث تسعى إلى ترجمته على أرض الواقع، في إطار تعاملها مع الآخرين([132]). ويحدد حسين فوزي، أربعة أسس رئيسية، تمثل مرتكزات الفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة، وهي: الأيديولوجيا الدينية، الأيديولوجيا السياسية-الليبرالية، والأيديولوجيا البراغماتية، والفكر الذي جاء به المحافظون الجدد.

الدين البروتستانتي الذي حمله مؤسسين الولايات المتحدة معهم من الدول الغربية، هذا بالإضافة إلى التحالف المسيحي الصهيوني. وفيما يخص الاقتصاد الأمريكي، يقوم الاقتصاد على رأس مال السوق، فالمصلحة الاقتصادية هي من تجمع الشعب الأمريكي في الولايات المتحدة، وبعد تفوق الولايات المتحدة الاقتصادي على المستوى الدولي، رفعت شعار الليبرالية المعولمة في النظام العالمي الجديد. ومن اللافت للنظر، أن الأسس الأربعة التي تشكل مرتكزات الفكر السياسي والإستراتيجي للولايات المتحدة، تُطبق جميعها في آن واحد، وقد يطغى أحد الأسس الأربعة على الثلاثة الآخرين، إلا أن صانع القرار في الإدارة وكافة مؤسسات الدولة الأمريكية، يعملون وفق هذه الأسس، وبمختلف التيارات الفكرية.

من اللافت للانتباه، مفهوم الأمن القومي بشكل عام، والأمن القومي الأمريكي بشكل خاص. حيث لم يتفق الباحثون على مفهوم محدد للأمن القومي، ذلك لأن الأمن، ظاهرة دينامية، تتغير تبعًا للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. وكذلك الأمن نفسه نسبي، وليس مطلق، فلا يوجد دولة تتمتع بأمن مطلق. ولنأخذ مثالًا عمليًا بدل سرد تعريفات ومفاهيم الأمن. إن الأمن القومي للولايات المتحدة، كان قائمًا في حقبة الحرب الباردة على تهديد التوسع السوفيتي -الصراع الأيديولوجي بين الليبرالية والاشتراكية- وبعد انتهاء الحرب الباردة وتدشين النظام العالمي الجديد، وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م، تمحور حول تهديد الجماعات الإرهابية، والدول الداعمة له. أي أن الإستراتيجية الأمريكية قائمة على اعتبارات التهديد الخارجي. لذلك تأثرت الاستراتيجيات، ورُسم صانعي السياسة الخارجية بالمدرسة الواقعية، واعتُبر الهدف الذي تسعى إليه هو، البقاء والحفاظ على القوة([133]). وقد اعتمدت الولايات المتحدة على مرجعيات الفكر الواقعي، مثل مورجانثو، الذي يعتبر أن كل دولة تسعى إلى البقاء. وصمويل هانتنغتون، الذي نظّر لما بعد الحرب الباردة للصراع الحضاري، واعتُبر التحالف الحضاري ضمن دولة مركزية للحضارة الغربية “الولايات المتحدة”، هي الداعم والمحقق للأمن الأمريكي الداخلي. فالأمن ينحصر في فكر المدرسة الواقعية في قوة الدولة وقدرتها على مواجهة التهديدات والتحديات، وتحقيق المصلحة القومية العليا.

مما سبق، نستطيع القول، أن إستراتيجيات الرؤساء الأمريكيين من جورج بوش الأب حتى باراك أوباما، ركزت على التوسع والهيمنة ومحاربة الإرهاب، والمحافظة على الشراكة الإستراتيجية التقليدية مع أوروبا، بهدف ضمان هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام العالمي الجديد. مع تغيرات في أدوات تحقيق الإستراتيجية، وفقًا للتغيرات العالمية، فقد دشن جورج بوش الأب النظام العالمي الجديد، وأعلن عن الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة في النظام العالمي، فيما اعتمد بيل كلنتون على المال الأمريكي؛ لتدعيم الاقتصاد الأمريكي داخليًا وخارجيًا، أما جورج بوش الابن فاعتمد على القوة العسكرية؛ لتأمين مصالح الولايات المتحدة في العالم، وخاصة المنطقة العربية. أما باراك أوباما الذي فضّل استخدام القوة الذكية لتأمين المصالح الأمريكية في ظل المتغيرات الدولية، أهمها التقدم الصيني وعودة روسيا الاتحادية كدولة فاعلة في النظام الدولي.

وهنا نطرح سؤال مُلح: ما هو الثابت والمتغير في إستراتيجية ترامب في ظل النظام الدولي؟

بداية، صاغ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجيات الأمن القومي وتوجهاتها للسياسة الخارجية؛ لخلق عالم تقوده الولايات المتحدة بشكل منفرد، وفق القدرة العسكرية والسياسية والاقتصادية، والقيم والثقافة الأمريكية. وينظر حسين فوزي، أنه لا يمكن وجود إستراتيجية جاهزة تصلح لكل مكان وزمان، لأن العالم حركي يتّسم بالتغيير، وبالتالي فإن الظروف تتغير، وقدرات الدولة وإمكانياتها تتغير هي الأخرى، وعملية التخطيط الإستراتيجي تتصف بالاستمرار، لمواكبة الدولة للتغييرات الإقليمية والدولية، فضلًا عن استيعاب متغيرات بيئتها الداخلية، فعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة تعتمد على إستراتيجية “الاحتواء” في مواجهة الاتحاد السوفيتي سابقًا، وبعد انهياره، لم تعد إستراتيجية الاحتواء مجدية، فتمت الاستعاضة عنها بإستراتيجية النظام العالمي الجديد، والتي استعيض عنها بالحرب الوقائية ضد الإرهاب([134]). ولفهم التغيرات التي أحدثها ترامب عن غيره من الرؤساء الأمريكيين، نقول إن ترامب اتفق مع بوش الابن في استخدام القوة الصلبة، على الأقل التلويح بها، واختلف معه في تصدير الديمقراطية. فيما اختلف مع باراك أوباما في استخدام القوة الناعمة، والمؤسسات الدولية، لكنه أكثر وضوحًا من أوباما في سياسته. واللافت للنظر أنه يتفق مع بيل كلنتون في الاقتصاد والاهتمام بالقضايا الداخلية، إلا أن ترامب أوضح العلاقة ما بين السياسة الداخلية والخارجية، والفوارق بينها، أما كلنتون فقد جعلهما في مسار واحد بهدف خدمة المجتمع الأمريكي. وبالتالي إستراتيجية ترامب حملت تغيرات جوهرية، ومثلت وجهة نظره، بدلًا من تبني إستراتيجية وسطية، تتماشي مع تطلعات الولايات المتحدة وقيادتها للعالم الحر.

إن دونالد ترامب يرفض العولمة، والاتفاقات المفتوحة. وبالتالي، نحن أمام إستراتيجية جديدة وتوجهات سياسية جديدة، تختلف عن سابقاتها في الفكر والسياسة الأمريكية التقليدية. وعن هذه التحولات، كتب مفكر المحافظين الجدد روبرت كيغان Robert Kagan قائلًا: “الولايات المتحدة خارج نظام الأعمال في العالم”([135]). قبل أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001م، أعلنت مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة كوندوليزا رايس، أثناء الحملة الانتخابية للرئيس بوش الابن عام 2000م، أن القوة الأمريكية، يجب ألا تستخدم من أجل الأهداف الثانوية للنظام الدولي، مثل تعزيز الأوضاع الإنسانية. وامتدت هذه الرؤية في العلاقات الدولية حتى المرحلة الأولى من عهد بوش الابن، قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وعلى عكس إدارة كلنتون الديمقراطية، التي اهتمت بالأزمات الدولية. إلا أن الرؤية الدولية في عهدي بوش وكلنتون، كانت مرنة على الأقل، المحافظة على العلاقات التقليدية بدوائر التحالف الأوروبية والآسيوية([136]). وعليه، يمكن القول إن الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، كانت تحافظ على تحالفاتها الدولية، من أجل تحقيق مصالحها القومية. على عكس ترامب، الذي يحافظ على الشراكات الدولية، التي تحقق المصلحة الآنية للولايات المتحدة، دون النظر للمصالح الإستراتيجية والمستقبلية.

تنبأ سلمان أحمد Salman Ahmed في دراسته “Trump’s National Security Strategy: A New Brand of Mercantilism? “، أن ستة عشر إستراتيجية أمنية، أصدرها الرؤساء من رونالد ريغان، حتى باراك أوباما، دعت لقيادة الولايات المتحدة لنظام دولي ليبرالي. وقد قرر دونالد ترامب في إستراتيجيته السابعة عشر، أنه لم يعد من الممكن الدفاع عن النظام الليبرالي بأكمله، واستبدله بشعار “أمريكا أولًا”([137]). انتقد ترامب سياسات الرؤساء السابقين ومعالجتهم للقضايا الداخلية والدولية. لذا، حملت الإستراتيجية رؤية جديدة، وأحدثت تحولات عميقة في السياسة الخارجية الأمريكية. أقلقت كافة التيارات والقوى السياسية في الداخل، وكذلك على المستوى الدولي، هذا بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية نفسها، التي تعمل مع ترامب، لديها تخوفات من تلك الإستراتيجية، وسياستها الخارجية. وحتى نتمكن من فهم هذه التحولات بشكل أعمق، علينا قراءة هذه التحولات، والرؤية الجديدة لدونالد ترامب، “القومية الجديدة” في النظام العالمي بشكل عام.

ثانياً: ترامب وتغير النظام العالمي

“إن تغيير النظام العالمي، يبدأ من ثبات القوة المهيمنة، أو تراجعها، أمام ظهور قوى عالمية جديدة، فالنظام العالمي القديم يتداعى، فهو لم يعد يمثل توازنات القوى العالمية الجديدة وتفاعلاتها في النظام القائم”

تنبأ المفكر الإستراتيجي والباحث في معهد السياسة الدولية زبيغنيو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski، بتراجع وانحسار القوة الأمريكية عالميًا: “موقع أمريكا كقوة أولى في العالم، يحتمل أن يتم التنافس عليه، من قبل أي طرف أو دولة متحدية منفردة، ولكن لا يحتمل أن تقوم أي دولة قومية، بمضاهاة أمريكا في الأبعاد الأربعة للقوة العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والثقافية، وإذا استثنينا التنازل الأمريكي المتعمد أو غير المتعمد، فإن البديل الحقيقي الوحيد للقيادة الأمريكية العالمية، في المستقبل المنظور، هي الفوضى الدولية”([138]). وفيما يخص القوة الاقتصادية، أضاف بريجنسكي قائلًا: “القوة الاقتصادية، هي الأخرى مرشحة لأن تصبح مبعثرة، ففي السنوات المقبلة، لا يحتمل أن تتمكن قوة بمفردها من بلوغ مستوى الـ 30%، أو نحوها من الناتج الإجمالي الخام للعالم، وهي النسبة التي بقيت أمريكا محافظة عليها، خلال الجزء الأكبر من هذا القرن-العشرين”([139]).

بحث اليمين القومي في الولايات المتحدة هذه المسألة، وحذر من تراجع القوة الأمريكية عالميًا، بعد أن هيمنت على العالم بشكل منفرد، ووجد الحل في شعار “أمريكا أولًا”، الذي ينظر له اليوم دونالد ترامب. ففي دراسة لرئيس تحرير مجلة Foreign Affairs آنذاك، ويليام هايلاند William Hyland عام 1991م، تنبه للآتِ قائلًا: “بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تم تحرير أمريكا من التهديدات والمخاوف التي دفعت سياساتها الخارجية والمحلية، منذ نصف قرن.. وأمام الولايات المتحدة فرصة اتضحت في الشعار السياسي المدهش-نظام عالمي جديد.. في هذه الحقبة الجديدة، يجب ألا نغفل التحديات داخل شواطئنا، إن الخيارات والأولويات المحلية دائمًا صعبة، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد نظامًا عالميًا جديدًا، يعكس القيم والمبادئ الأمريكية، فإن المكان الأول لتحقيق هذا الهدف هو الداخل، “وضع أمريكا أولاً” “Put America first”([140]).  فيما مضى أدى تحول للنظام الدولي، من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية، التي تهيمن فيه قوة واحدة -الولايات المتحدة الأمريكية- حتى العقد الأخير من القرن العشرين. ومن ثم بدأ النظام العالمي بالتحول من جديد، مع بداية الألفية الثالثة، فقد صاحب النظام الحالي، صعود دول عالمية إلى المسرح الدولي، إن كانت في الغرب نفسه، أم في الشرق، فقد شكلت الدول الشرقية مجموعة بريكس BRICS([141])؛ لمجابهة الهيمنة الأمريكية، والعودة للمسرح الدولي.

كتب السياسيين العديد من الدراسات التي تشير إلى تفكك النظام العالمي القائم، قبل أن يصبح دونالد ترامب رئيساً، لا سيما بعد الأزمة المالية عام 2008م، وعودة روسيا الاتحادية، وقوة الصين الاقتصادية التي تتزايد، كانت النظم السياسية في الغرب تستهين بالقواعد الشعبوية populism التي أصبحت مقبولة بعد تلك التغيرات العالمية.

بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحت التحذيرات التي حملتها الدراسات السابقة عن تغيير النظام العالمي القائم حقيقة. حيث يؤكد جيك سوليفان Jake Sullivan تغير النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعتمد على المؤسسات والشراكات التي ساعدت في إدارة العالم والحروب الدولية. “نحن أمام نظام عالمي جديد تماماً أو فترة زمنية بلا نظام حقيقي. ولا شك أن ترامب يمثل تهديداً حقيقياً لكل من الديمقراطية والنظام الدولي، وقد يجر البلاد لـ أزمة دستورية أو العالم لحرب تجارية مدمرة أو حتى نووية شاملة… لكن قد يبقى النظام على قيد الحياة طوال فترة ولاية ترامب”([142]). بالرغم من التغيير الكبير في النظام العالمي الدولي، إلا أن هياكله ما زالت فاعلة، ودول العالم تحتكم لقواعده ومؤسساته.

ثالثاً: دونالد ترامب والقومية الجديدة New Nationalism

بدايةً، القومية تشير إلى مجموعة المعتقدات بشأن الأمة، وأي أمة تضم آراء مختلفة بشأن شخصيتها، ومن ثم، تكون هناك دائمًا لأي أمة، معتقدات مختلفة ومتنافسة بشأنها، وغالبًا ما تعبر تلك المعتقدات عن نفسها، في صورة اختلافات سياسية، فالبعض قد يرون أن أمتهم تدافع عن الحرية الفردية، في حين قد يكون آخرون مستعدين للتضحية بتلك الحرية، مقابل الأمن. البعض قد يرحب بالمهاجرين، ويؤيد سياسات تسهل عليهم تحولهم إلى مواطنين، في حين قد يكون آخرون معادين لسياسة الهجرة([143]).

إن دراسة الشعور القومي، والتطلعات القومية، لا يمكن فصلها عن دراسة المشاعر والتطلعات، التي تتصل بالدولة([144]). الأيديولوجية القومية التقليدية، تنكر العلاقات الودية، واحتمال الاختلاف من خلال محاولة القضاء على جميع وجهات النظر والمصالح المختلفة، لحساب رؤية واحدة، لما عليه الأمة، وما ينبغي أن تكون عليه([145]). وبالعودة لدونالد ترامب، ليست خياراته بين “العزلة والعولمة”، أو “القومية والعالمية”، بل تحمل بعدًا جديدًا للعلاقات الدولية، تتمثل في القومية الجديدة New Nationalism، شعارها بـ “America First”، التي تعني سياسة خارجية هدفها الرئيس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر، أي التدخل في القضايا الخارجية، التي تهم الولايات المتحدة، دونما البحث في مجمل القضايا الدولية. حيث يرى يمني سليمان، أن الولايات المتحدة ليس عليها أن تتدخل في تنظيم شؤون العالم من حولها، وحل مشاكله، ويتجنب في سياسته، الحديث عن العالمية Globalism، ويغلب على خطاباته السياسية الروح القومية، بل ويُعظّم من أهمية الدولة القومية([146]). اعتمد ترامب ومستشاريه على شعارات يمينية بصياغات شعبوية، تقدم رؤية متكاملة للفكر القومي بأسلوب جديد “القومية الجديدة”، ويطلق عليها بعض الأمريكان “الترامبوية”. حيث كانت تغيرات العالم مواتية لظهور فكر مختلف عما سبقه، ورؤية أكثر قدرة لمعالجة الأزمات في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وموجات المهاجرين، وتجريد العمال من حقوقهم، والمزيد من الأزمات المالية. من أجل الهيمنة الأمريكية وحل الأزمات الغربية، خاصة الأزمة المالية. غير أن الرؤية الفكرية ليست مختلفة في آليات المعالجة للتغيرات العالمية والأزمات التي يعاني منها الغرب، وإنما مختلفة في الأفكار التي حملتها ودافعت عنها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود.

اعتمدت الإدارة الجديدة الرؤية القومية التي صنعها ترامب مع ستيف بانون Stephen K. Bannon قبل رحيله عن الإدارة الأمريكية، فبعد نجاح ترامب في الانتخابات، قال بانون: “يحتاج العالم إلى حدود، ويتوجب على العالم أن يعود إلى زمن كانت فيه الحدود قائمة، عندها كانت الولايات المتحدة عظيمة”([147]). عاد وأكد بانون الرؤية الفكرية الجديدة لدونالد ترامب وإدارته في مؤتمر العمل السياسي المحافظ CPAC، وهو التجمع السنوي لحركة المحافظين في 23 شباط/ فبراير 2017م، حيث قال في كلمته أمام المؤتمرين “رجال الأعمال، ووسائل الإعلام العالمية، يعارضان وبشدة، من يملك أجندة قومية اقتصادية مثل دونالد ترامب، وإليكم السبب في أن الأمور سوف تزداد سوءاً: لأن ترامب سوف يستمر في الضغط لتحقيق هذه الأجندة”([148]).

من المفارقات العجيبة، والدالة على تناقضات ترامب الشعبوي، وضعه لوحة جديدة في المكتب البيضاوي عند وصوله لأندرو جاكسون  Andrew Jackson”الرئيس السابع للولايات المتحدة 1829-1837″، مؤسس الحقيقي للحزب الديمقراطي، وينظر له بأنه بطل الأمن القومي الأمريكي؛ محارب السطوة البريطانية وقبائل الهنود الحمر، أول رئيس يهتم بالطبقات الدنيا والوسطى. نظر ترامب لـ جاكسون نظرة المحارب من أجل أمريكا وشعبها، أي مثل شعاراً “للقومية الجديدة”.

أدوات القومية الجديدة:

  1. حمائية ترامب:

تأتي حمائية([149]) ترامب على خلفية “أمريكا أولًا” التي تستهدف حماية التجارة الأمريكية([150]). البعض يصف سياسة ترامب الخارجية بالعودة إلى الانعزالية. وأعاد التأكيد في وثيقته للأمن القومي على شعاره “أمريكا أولًا”، وبالتالي، سوف ينعكس شعاره في توجهاته السياسية، وسياسته الخارجية. غير أن سياسته، التي رفعت شعار انعزالي قديم، كانت أكثر براغماتية Pragmatism، فهو يريد من الحلفاء أن يدفعوا تكاليف وأعباء الحماية الأمريكية، وأن يعيد النظر في الاتفاقيات التجارية والتكتلات الاقتصادية، التي لا تعود بالفائدة على الولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى التهديد بوقف الإعانات والتمويل الأمريكي لمنظمة الأمم المتحدة، ويضرب بعرض الحائط اتفاقيات البيئة المناخية([151]). ووفق رأي أنتوني كوردسمان Anthony H. Cordesman، من أهم جوانب وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي مبدأ “أمريكا أولًا”، التي ترفض بوضوح الانعزالية، وترفض إنكار دور الولايات المتحدة في الخارج، خاصة المنافسة مع روسيا والصين. ويعني مبدأ ترامب، أن الولايات المتحدة الأمريكية، القوية في مصالحها الحيوية، ليس للشعب الأمريكي فحسب، بل أيضًا لدول العالم، الذين يرغبون بإقامة شراكة مع الولايات المتحدة الامريكية؛ سعيًا للمصالح والقيم والتطلعات المشتركة([152]).

تتميز السياسة الأمريكية عن غيرها من سياسات الدول الغربية، في النمط البراغماتي المتجذر في عمق اللاوعي الجمعي للإنسان الأمريكي، الذي يقوم على فكرة ما يمكن عمله، وما هي الطريقة لعمله، فالمعارك والحملات الانتخابية، لا تنطلق بناءً على شعارات عقائدية ومبدئية، وإنما تجري للحكم على الشخصيات، وما يحتمل أن تعمله بعد انتخابها. لذلك ليس غريبًا أن يتجنب الأمريكيون ذكر كلمتي الدول أو الحكومة Government، وإنما يفضلون الحديث عن الإدارة Administration، وكذلك التعبير الأقرب للشكل البراغماتي، الذي يفضلون أن تنتهجه حكوماتهم المنتخبة، بعيدًا عن المبادئ التي يمكن أن ترميهم في أحضان الأيديولوجية. فأعظم شكوى تقدمها طبقات المجتمع الأمريكي، هي اتهامها للحكومة بتبديد أموال دفع الضرائب([153]).

  1. اللاسلم واللاحرب:

حقبة ترامب بلا منازع اللاسلم واللاحرب، فهو من دون شك، يلعب بين سياستين مختلفتين، فتارة هو على خطى كيسنجر الموصوف سياسًا بالسلمي والانعزالي إلى حد ما، وتارة أخرى، هو على خطى بريجنسكي في فكره التوسعي والإمبريالي([154]). وبالتالي، اختلفت تطلعات ترامب، من مثالية التنظير بنشر الديمقراطية، إلى واقعية التنفيذ. واستخدام الإستراتيجية الهجومية وإستراتيجية القوة الذكية، في آن واحد.

  1. الهيمنة غير الليبرالية:

كتب باري بوسين  Barry R. Posenدراسة بعنوان ” The Rise of Illiberal Hegemony”، في مجلة Foreign Affairs في مارس 2018م، بعنوان “صعود الهيمنة غير الليبرالية”، قائلًا: “أكد ترامب في حملته الانتخابية، بأن الدول التي لن تدفع ثمن الدفاع، لن نحميها: “إن الدول التي ندافع عنها، يجب أن تدفع ثمن هذا الدفاع، وإذا لم يكن ذلك، فإن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة للسماح لهذه الدول بالدفاع عن نفسها”. وهو بذلك، يسمح لحلفاء الولايات المتحدة بامتلاك السلاح النووي([155]). ضمن هذا الإطار العام لتوجهات ترامب، تكون السياسية الأمريكية في علاقاتها مع الدول، تقع في صميم الواقعية السياسية، حيث يسعى لضمان تفوق الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل المنافسة الروسية والصينية عالميًا. والحديث الدائم عن قوة الولايات المتحدة العسكرية “القوة الصلبة”.

لم تتغير الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، رغم الأزمة المالية العالمية، التي بدأت من وول ستريت عام 2008م، وحراك احتلوا وول ستريت عام 2011م. وإنما الذي تغير هو، عودة روسيا الاتحادية بقوة في النظام الدولي، وتعاظم قوة الصين الاقتصادية، في المقابل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واستجابة للأزمة المالية والتحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي، اتبع أوباما إعادة التوازن الإستراتيجي، الذي سعى إلى تقليص الحروب في الشرق الأوسط، وزيادة الاستثمارات في القدرة التنافسية الأمريكية طويلة الأجل، وتعزيز الشراكات الأمريكية الاقتصادية، وسعى أوباما في إستراتيجيته إلى دعم الحلفاء التقليدين والعولمة الاقتصادية، ورفض القومية، حيث أن الدعم يفوق التكاليف والمخاطر المحتملة([156]). وهذا لم يؤكده ترامب في إستراتيجيته، وإنما يسعى لدعم الاقتصاد الأمريكي، وفقًا لقومية ترامب وإدارته، دون الحاجة للحلفاء التقليديين، وهو بذلك مخالفًا كل الإستراتيجيات السابقة، التي قادت ودعمت “النظام الدولي الليبرالي([157])“. الذي يواجه في عهد ترامب مشكلات كبيرة، فالعديد من الدول، تتبع سياسات تهدف إلى تعزيز صناعاتها الوطنية. وينعكس ذلك عند صياغة السياسة الخارجية والاقتصادية للدولة، في النظام السياسي العالمي.

هنا نطرح سؤالًا: كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع المنافسين والأعداء، في النظام السياسي العالمي؟ كيف تخطط إدارة ترامب للتعاون البنّاء مع الصين، وغيرها من القوى الكبرى لتعزيز المصالح المتبادلة، كما تتنافس معها في وقت واحد؟ والسؤال الآخر: كيف ستواجه روسيا والصين هذه الإستراتيجية؟ وكيف سيحافظ على سلامة الولايات المتحدة على المدى الطويل، دون الاستثمار في المؤسسات والاتفاقيات الدولية، التي صممت في البداية لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة؟

تنبه باري بوسين إلى تحول كبير في الرؤية الإستراتيجية الأمريكية، ففي إستراتيجية ترامب الجديدة هناك “انحرف عن الاستراتيجيات الأمريكية التقليدية، التي اتبعتها الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، ووصفها العلماء بـ”الهيمنة الليبرالية”، والتي تهدف إلى أن تكون الولايات المتحدة، أقوى دولة في عالم ليبرالي، وتسعى إلى تحويل النظام الدولي، إلى نظام قائم على قواعد تنظمها المؤسسات متعددة الأطراف، وتحويل دول أخرى إلى الديمقراطيات ليبرالية. وباختلاف أسلافه، أخذ ترامب جزءًا كبيرًا من “الليبرالية” حيث لا يزال يسعى إلى الإبقاء على قدرة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية المتفوقة، والدور الحاكم الأمني ​​لمعظم مناطق العالم، واختار التخلي عن تصدير الديمقراطية والامتناع عن العديد من الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف. بعبارة أخرى، بشرت إستراتيجية ترامب الجديدة، إلى أن الولايات المتحدة تسعى للهيمنة غير الليبرالية”([158]). هذا التحول في الرؤية الإستراتيجية الأمريكية، يحافظ على الهيمنة الأمريكية، لكن بأدوات ووسائل جديدة، مختلفة تمامًا عما ساد في الرؤية الأمريكية السابقة كتصدير الديمقراطية، والدفاع عن النظام الليبرالي الدولي ودوله الديمقراطية “الدفاع المجاني”. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يشهد تراجعًا على المستوى الدولي، بعد صعود الشعبوية في أوروبا، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. هذا بالإضافة إلى أزمة الكيانات الجديدة، كما هو حاصل في إقليم كتالونيا في إسبانيا.

يقر زبيغنيو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski، بتراجع الغرب: “منذ عقود باتت هيمنة الغرب السياسية الطويلة على العالم تعاني من الانحسار والانطفاء. وبعد عشرين سنة من سقوط سور برلين، من غير المحتمل، أن يبرز الاتحاد الأوروبي قريبًا لاعبًا عالميًا جديًا على الصعيد السياسي، في حين أن مكانة أمريكا العالمية المتفوقة تبدو هزيلة. ولأن الغرب بمجمله هو الآن أقل قدرة على التحرك بتناغم، فإن ميراثه السياسي المتواصل، بات موضغ شك”([159]). وينظر أحمد جميل عزم لسياسات دونالد ترامب كنوع من الاستعمار ما بعد الحديث، القائم على أدوات مثل المساعدات الاقتصادية، والتجارة الحرة، واستخدام نشر قيم الديمقراطية والحرية كذرائع للتدخل الخارجي. غير أن هذه الأدوات، لم تضمن القيادة الأمريكية للعالم، وتبدو الولايات الأمريكية حائرة بعد فشل كافة الأدوات لضمان الهيمنة الليبرالية في النظام الدولي([160]). فيما يرى فواز جرجس، أن ترامب لا يؤمن بتأدية الولايات المتحدة دور الشرطي العالمي، كما لا يؤمن بتغيير الأنظمة بالقوة؛ فإطاحة نظامي صدام حسين والقذافي، ساهمت في بروز جماعات إرهابية([161]).

يجرب ترامب فرض الهيمنة من خلال الانسحاب من الاتفاقيات التجارية، مقابل الحماية العسكرية “الدفاع الأمريكي مدفوع الأجر”، ويسعى لزيادة القدرات العسكرية الأمريكية، والقدرات العسكرية للحلفاء كما ورد في وثيقة الأمن القومي الجديدة، وبالتالي قد يدخل العالم سباقات تسلح مدمرة، ربما تغير خرائط إقليمية وعالمية. فيما يخص الداخل الأمريكي، هل ستجلب هذه الرؤية تحسن للاقتصاد الأمريكي، ويقبل الأمريكيون فجوة الدخل بين الأثرياء والفقراء، بسبب سياسات ترامب الداخلية([162]). فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، هي ليست انعزالية بكل معنى الكلمة، لأن ذوي التوجه الانعزالي، يدعون إلى انسحاب الولايات المتحدة من كل أدوارها الخارجية، وسحب كل جيوشها من الخارج، والاهتمام بالشأن الداخلي. في حين أن ترامب كرجل أعمال، يؤمن أن الولايات المتحدة دولة كبيرة، واقتصادها كبير، وهي لها أدوار في العالم، أول هذه الأدوار يجب أن يكون تجاريًا وماليًا، يعود بمردود مباشر على الولايات المتحدة، وإذ كان لا بد من تجارة عالمية، فلا بد من أن تكون شروطها مرضية للولايات المتحدة، حتى وإذ كان لا بد من تحالفات عسكرية، فلا بد وأن تكون “مدفوعة الأجر”([163]).

لذلك، تسعى السياسة الخارجية الأمريكية لدونالد ترامب من خلال الأدوات الجديدة، لفرض الهيمنة الأمريكية “الهيمنة غير الليبرالية”، من خلال الواقعية السياسية، والعمل بكل قوة، لحماية مصالحها السياسية والاقتصادية في العالم، خاصة المناطق الأكثر فائدة لمصالح الولايات المتحدة، كمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وهنا نعود للتنافس الحاد بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا الاتحادية، والصين من جهة أخرى، الذي ركزت عليه وثيقة الأمن القومي الأمريكي، في أكثر من موقع.

المحور الرابع: السياسة الخارجية لدونالد ترامب في ضوء الإستراتيجية الجديدة

تعتمد الدراسة في تحليل السياسة الخارجية للرئيس ترامب بشكل أساسي، على سياسته الخارجية في السنة الأولى من حكمه، ووثيقته للأمن القومي الأمريكي. وكذلك نعتمد في هذا المحور إلى التغيرات الناتجة عن تراكم الانتكاسات، التي منيت بها الإدارات الأمريكية السابقة، وفق رؤية ترامب وإدارته. وبالتالي، نحن أمام سمات جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية.

رغم صعوبة تحليل توجهات السياسة الداخلية والخارجية لدونالد ترامب، فهي تمتاز بالتناقضات. منذ حملته الانتخابية، وفي السنة الأولى في الحكم. وكذلك إستراتيجيته للأمن القومي وسياسته الخارجية لتنفيذها، والتناقض والاختلاف ما بين السياسات الفعلية والتصريحات الإعلامية من جهة، والاختلاف والتناقض بين الإستراتيجية والسياسة الخارجية من جهة أخرى.

رغم ذلك، يمكن فهم رؤية ترامب للسياسة الخارجية في ضوء وثيقة الأمن القومي الجديدة، من خلال التركيز على الخطوط والعناوين الرئيسة، والأهم، شعاره الذي تكرر مرارًا في كلٍ من الحملة الانتخابية، والإستراتيجية، وتصريحاته السياسية في السنة الأولى للحكم “أمريكا أولًا”.

أولاً: السياسة الخارجية لدونالد ترامب

إن السياسة الخارجية ظاهرة مركبة. بمعنى، أنها محكومة بعدة عوامل ومحددات، منقسمة إلى أبعاد داخلية وأخرى خارجية. وفي هذا، يقول محمد سليم السيد: “هناك مجموعتان أساسيتان من المتغيرات التفسيرية المستقلة، التي تتفاعل مع بعضها البعض بشكل أو بآخر، تساعد على تحديد تغيير السياسة الخارجية، أهمها المتغيرات الداخلية، ويقصد بها مجموعة الدوافع الذاتية، والخصائص الشخصية للقائد السياسي. والمتغيرات الخارجية، ويقصد بها المتغيرات في البيئة الدولية”([164]). يثبتان تشارلز كيجلي Charles Cagle، ويوجين يتكوف Eugene Itcof من الناحية التحليلية تجاه تحري الأسباب التي تؤثر في صناعة السياسة الخارجية. وذلك، عن طرق إدراك وجود عدد من المؤثرات القوية، ويمكن تقسيم الكم الهائل من المؤثرات الداخلية على صوغ السياسة الخارجية الأمريكية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أولها المناخ الاجتماعي للأمة، ثانيهما إطارها القائم على المؤسسات، ثالثهما السمات الفردية لمتخذي القرار ومناصب اتخاذ القرار التي يشغلونها([165]). إذا ما أدركنا هذه الأسباب الرئيسية الثلاثة، نستطيع تفسير صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ونجيب عن التساؤل التالي: هل تغيرت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب؟ وكيف ستنفذ سياسته الخارجية ما ورد في إستراتيجيته؟

في البداية، ينص دستور الولايات المتحدة الأمريكية على وجود ثلاث سلطات تحت مظلة النظام السياسي، وهي: السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية. والأخيرة دورها يشتمل على مجلسين، هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ، أما مجلس النواب فينص الدستور على تشكيله من ممثلين عن الولايات المختلفة، طبقًا لعدد سكان كل ولاية، وعلى ذلك يتكون مجلس النواب من 435 نائبًا، يتم انتخابهم كل عامين. وفيما يخص مجلس الشيوخ، يتكون من 100 عضو، أو كما يطلق عليه “سيناتور”، تمتد فترة تمثيلهم الشعبي إلى ستة سنوات، ويتم إعادة انتخاب ثلث الأعضاء كل دورة انعقاد جديدة للكونغرس، أي كل عامين، وبذلك، فإن مجلس الشيوخ في استمرارية دائمة، على العكس من مجلس النواب([166]).

إن في طبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، تكون السلطة التنفيذية ضعيفة في الداخل، لكنها قوية على نحو هائل في خارج الولايات المتحدة، ففي الشؤون الداخلية، يفرض الدستور وجود سلطة تنفيذية يحيط بها الكونغرس، تصعب السيطرة عليها، ومحكمة عليا، يستحيل إلى حد ما، معرفة ما تشعر به أو تفكر فيه، والاقتصاد في أيدي المستثمرين والمديرين والمستهلكين، وكذلك أيدي بنك الاحتياط الفيدرالي، وتتمتع الولايات بسلطة كبيرة([167]). الدستور الأمريكي أقر للرئيس القيادة العامة للجيش، وهي السلطة الوحيدة الممنوحة للرئيس، التي لا يتقاسمها مع الكونغرس، أما المعاهدات والتعيينات والميزانية والإعلان الفعلي للحرب، فتتطلب موافقة الكونغرس. إلا أن الرئيس هو من يتولى ويواجه العالم الخارجي، من خلال سياسته الخارجية. ويبقى الأمر برمته محكومًا بالتوازنات والتحالفات ما بين القوى الرئيسية في النظام السياسي الأمريكي. أي أن الرئيس الأمريكي وفق الدستور، يمتلك الصلاحيات العليا في اتخاذ القرار الخارجي. إلا أن الواقع الحالي، لا يعني أن الرئيس يمثل السلطة المطلقة، في اتخاذ القرار الخارجي وصناعته. فالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة عبارة عن تركيبة متداخلة من المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية، التي تؤثر بشكل مباشر، أو غير مباشر، في صنع القرار. وتتميز السياسة الخارجية الأمريكية بالنطاق الواسع، الذي يغطي كامل مكونات النظام الدولي، وبالطابع البراغماتي، الذي يستند إلى برنامج عمل سياسي خارجي، يتضمن تحديدًا مسبقًا لطبيعة وأسلوب الأداء، والقرارات، والأهداف والغايات، والوسائل، وتشترك في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، مؤسسات رسمية وغير رسمية، وعلى رأسها رئيس الولايات المتحدة([168]). أما فيما يخص الكونغرس الأمريكي فتتنوع سلطاته، وأهم سلطة يحوزها الكونغرس هي التشريع، إلا أنه يمتلك العديد من السلطات الأخرى، ويمكن إجمالها في النقاط التالية: أولها السلطة التشريعية، ثانيها السلطة الدستورية، ثالثها السلطات الحربية، فللكونغرس الحق في إعلان الحرب، وإصدار الإجراءات الخاصة بالاستيلاء على أي مناطق، برية كانت، أم بحرية، رابعها السياسة الخارجية، حيث يتشكل الكونغرس من عدة لجان في مجلسي النواب والشيوخ. فمن ضمن أهم اللجان في مجلس النواب، لجنة الشؤون الخارجية Foreign Affaires.  أما مجلس الشيوخ، فمن أهم لجانه، لجنة العلاقات الخارجية Foreign Relations Committee، ولجنة التمويل Finance Committee([169]).

تمتلك اللجان الدائمة في المجلسين، صلاحيات واسعة، فكافة مشاريع القوانين، لا بد وأن تمر أولًا على هذه اللجان، التي في قدرتها رفض المشروع من بدايته، أو تعطيله لعدة أسابيع، أو على الأقل تعديله جزئيًا أو كليًا. وينقسم عمل تلك اللجان إلى مرحلتين رئيسيتين، الأولى مرحلة الاستماع Open Hearings، ويتحدث في هذه الجلسات رجال الإدارة الأمريكية، وممثلين جماعات الضغط، وخبراء السياسية في مختلف النواحي، ويطلق على هؤلاء لفظ الشهود Witnesses. أما المرحلة الثانية وهي الأكثر أهمية، فهي مرحلة الجلسة المغلقة Executive Session، ويتمحور عمل هذه الجلسة على اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن مشروع قانون معين([170]). ورغم هذه التركيبة القانونية والدستورية للكونغرس، والصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور الأمريكي، إلا أن العمل الفعلي في الكونغرس، يخضع إلى توازنات القوى والتيارات السياسية، خاصة أكبر حزبين في الولايات المتحدة الأمريكية، الديمقراطي والجمهوري. فهناك علاقة قوية ومؤثرة، بين قوة تمثيل الحزب في الكونغرس والأمن القومي الأمريكي، حيث يستطيع الحزب الذي يمتلك أغلبية مؤثرة، التأثير والتأطير للسياسة الخارجية الأمريكية. في المقابل، يمنح النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، في السياسة الخارجية، الرئيس سلطات واسعة، إذ أنه محور السياسة الخارجية، رغم تأثير مؤسسات الدولة. وعن طبيعة قرارات ترامب الخارجية، ينظر معظم خبراء السياسة، أن الرئيس ترامب، ابتدع طريقًا جديدًا في السياسة الخارجية، مختلفة عن أسلافه، فقد أعطى قرارًا بشأن القدس، وانسحب من اتفاقية باريس للمناخ، وحظر السفر للولايات المتحدة. يقول كولن دوييك Colin Dueck: “إن أفضل تفسير للتباين الجديد في سياسة ترامب الخارجية، هو تصميم ترامب على ما يجده مقنعًا في كل حالة”([171]).

مصداقة الكونغرس على إستراتيجية ترامب:

من المؤكد قبول ومصادقة الكونغرس على الاستراتيجية، وذلك لسببين رئيسيين هما: أولاً تركيبة الكونغرس الأمريكي بمجلسيه للحزب الجمهوري-حزب الرئيس. ثانياً الاستراتيجية حملت عناوين عريضة تناولت كافة القضايا لإرضاء الكونغرس والتيارات السياسية.

لفهم طبيعة التغيرات التي حدثت على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، وفي ضوء وثيقة الأمن القومي، وكذلك أهم المحددات والعوامل التي تلعب دورًا بارزًا في صناعة القرار السياسي، يمكننا رصد وتحليل السياسة الخارجية لدونالد ترامب في عاملين رئيسيين، هما:

أولاً: سياسة ترامب الخارجية:

إن المحددات أو العوامل، التي تؤثر في توجيه وتبلور السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، تنقسم بطبيعة الحال المحددات إلى أبعاد داخلية، وأخرى خارجية.

نبدأ بالأبعاد الداخلية:

الرئيس: لم تخفِ خطابات ترامب في حملته الانتخابية، وتصريحاته السياسة، وما تضمنته وثيقة الأمن القومي، شعبوية ترامب وفكره اليميني، الرافض للانفتاح والعولمة، وكان هذا واضحًا في وثيقته وسياسته الخارجية، كقضية جدار المكسيك، وقراراته بشأن التنقل والسفر-الهجرة، فسياسة ترامب الخارجية تقوم على “القومية الجديدة”.

ينبه فواز جرجس، أن فريق ترامب للسياسات الخارجية، يتأرجح بين النهج التقليدي المحافظ، والأيديولوجي المتطرف، ويبدو أن ترامب يعتمد على مراكز الأبحاث اليمينية المتشددة، مثل Hazege، الذي يعتمد عليه آلاف من ذوي المناصب، ومن المؤسسات الحكومية. وهذا سيجعل ترامب يؤدي بعدًا أيديولوجيًا، أكثر تشددًا من إدارة جورج بوش الابن. وهذا البعد الأيديولوجي، سينصب في ثلاثة ملفات مهمة: التأمين الصحي وإيجاد فرص عمل للطبقة البيضاء، وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية المبرمة، والهجرة([172]).

منذ وصول دونالد ترامب سدة الحكم، وهو يولي السياسة الداخلية أهمية كبرى، ويفضل الحديث عنها، أكثر مما يتحدث عن السياسة الخارجية. ليس هذا فحسب، بل إنه حينما يتحدث عن القضايا الدولية، كان يعبر عن سخطه وانتقاده للسياسة الخارجية للإدارات السابقة. وحينما صيغت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، صيّر السياسة الخارجية، بما تخدم السياسة الداخلية، في أضبط التفاعلات بين الداخل والخارج، وفق مبدأ “أمريكا أولًا”.  في شهر إبريل/نيسان 2016، عندما قدم خطابه الانتخابي حول السياسة الخارجية، قال: “سيكون شعار “أمريكا أولًا” هو الموضوع الرئيس والأهم في إدارتي”، وقد بدأت وانتهت به الإستراتيجية أيضًا. وزاد على ذلك قائلًا: “على الدول التي ندافع عنها، دفع ثمن هذا الدفاع، وإذا لم تفعل ذلك، فإن الولايات المتحدة عليها أن تكون مستعدة للسماح لهذه الدول بالدفاع عن نفسها”. يؤكد سليمان يمني، أن مبدأ “أمريكا أولًا” لدى ترامب، هو الهدف العام في سياسته الخارجية، أي أنه لا يجب على أمريكًا أن تؤمن مصالح غيرها، أو تضعها في اعتبارها، بالقدر الذي كانت عليه سابقًا، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأمريكية، والتعامل معها على أساس الدافع الأساسي، لأي تحرك على مستوى السياسة الخارجية، فالولايات المتحدة، ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو دفاع، عن دول أخرى دون مقابل([173]). فيما يرى المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي Noam Chomsky، أن السياسة الخارجية الامريكية في عهد دونالد ترامب ليست جديدة على الإطلاق، إذ أن كلا الحزبين مالَ نحو اليمين، أثناء الحقبة النيوليبرالية “الديمقراطيون الجدد”، لا يزال الجمهوريون يتفانون في سبيل الأثرياء وقطاع الشركات، وقد تحولوا إلى تعبئة القطاعات السكانية، على شكل قوة سياسية ائتلافية منظمة: الإنجيليون، والأهلانيون، الذين يعادون المهاجرين([174]).

المؤسسات الرسمية، كالكونغرس ومجلس الأمن القومي، وغيرها: أتى ترامب من الحزب الجمهوري، الذي خرج عن سياساته، وكان هذا واضحًا في “أزمة الموازنة”، ففي يناير 2018، اقترحت إدارة ترامب إنفاق 18 مليار دولار، على مدى السنوات العشر القادمة على الجدار الحدودي، مما أثار رد فعل عنيف من النواب الديمقراطيين في الكونغرس، على قضية الهجرة. وقد أغلقت الحكومة الفدرالية ثلاثة أيام، ولاِحتواء الأزمة، عُقدت مفاوضات بين الحزب الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس. وبعد تلك المفاوضات، تم الاتفاق على الموازنة لعامي 2018م و2019م. وقد مرر الكونغرس الأمريكي زيادة الميزانية الأمريكية الضخمة، يوم الجمعة 9 فبراير 2018م. التي شملت عدة قوانين، أهمها زيادة الإنفاق بحوالي 300 مليار دولار، على مدى العامين القادمين، على الإنفاق الدفاعي، وغير الدفاعي. في المقابل، حصلت المعارضة الديمقراطية، على زيادة مماثلة في النفقات غير العسكرية، مثل مكافحة المخدرات، والتغطية الصحية للأطفال الفقراء، والاستثمار في البنى التحتية، ومساعدات بقيمة 90 مليار دولار للولايات التي اجتاحتها الأعاصير والحرائق في 2017م([175]).

إستراتيجية ترامب في التطبيق، وجدت من يعارضها في موضوع الهجرة، المسمى “الحالمين”، وهذه المسألة ليست مقتصرة فقط على المهاجرين، فالمؤسسات الأمريكية تتدخل في الشؤون الخارجية، رغم أن الرئيس هو المحرك الرئيس للسياسة الخارجية، لكنه ليس الوحيد. أي أن الرئيس الأمريكي يطلب الموافقة الأمريكية، لتنفيذ أجندته السياسة، لا سيما الموازنة، التي هي من اختصاص الكونغرس الأمريكي.

قد يعترض النواب مباشرة على سياسات الرئيس. فقد كتب 102 عضو من الكونغرس الأمريكي، جميعهم من الحزب الديمقراطي في 9 فبراير/ شباط 2018م، رسالة إلى الرئيس دونالد ترامب، يحثونه فيها على استئناف تقديم المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-الأونروا UNRWA، ولم يوقع عليها أي عضو من الحزب الجمهوري-حزب الرئيس، وعددهم 283 عضوًا. بعد أن قرر الرئيس قطع 83% من المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، والتي شملت تجميد 65 مليون دولار من حصة الولايات المتحدة المخصصة للأونروا([176]). حيث يرى الحزب الديمقراطي، أن تقليص المساعدات الامريكية للأونروا، يزيد العداء لإسرائيل، وتمس بالمصالح القومية لأمريكا في المنطقة، وتقلل فرص التسوية السياسية. إن الاختلاف في الأسلوب والرؤى السياسية، وليس في الأهداف-تحقيق المصلحة القومية العليا.

يمكننا القول، إن ترامب تعرض لعرقلة قراراته وسياساته، فهو لم يستطع تنفيذ كل ما قاله في حملته الانتخابية، سوى القضايا الأكثر ضعفاً واهتماماً وتماشياً مع النظام السياسي الأمريكي، وهي القضية الفلسطينية، حيث صرح في حملته الانتخابية بدعم ومساندة الاحتلال الإسرائيلي. نفذ وعوده حتى تشارك في تنفيذ السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأراضي الدولة الفلسطينية.

المؤسسات غير الرسمية: تتعدد المؤسسات غير الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر، في صناعة القرار الخارجي، وتلك المؤسسات هي:

الأحزاب: يرفض الحزب الديمقراطي سياسات ترامب، كما ذكرنا سابقًا، كحزب معارضة في الكونغرس. وقد ظهرت قضية خلافية جديدة، بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس Mike Pence للكنيست الإسرائيلي، حيث يعتبر نواب الحزب الديمقراطي، أن ترامب يفضل إرضاء بعض الأمريكيين “جماعات الضغط” “Pressure Group”، على حساب المصالح الأمريكية الخارجية، في المنطقة العربية.

مراكز الفكر: تتباين مواقف مراكز الفكر، حيث تدعم المراكز اليمينية سياسة ترامب، وتنتج دراسات تبرر سياساته الجديدة، أما المراكز المستقلة تنتقد سياساته، وتعتبرها تشكل خطر على الولايات المتحدة. وقد ناقشنا في هذه الدراسة العديد من الدراسات التي تدعم توجهات ترامب، وأخرى تنتقد توجهاته وسياساته الخارجية.

 جماعات الضغط: “الايباك” تؤيد سياسات ترامب، وتدعمه سياسيًا وماليًا، لدعمه اليمين الصهيوني. 

الرأي العام: تشير استطلاعات الرأي، تراجع شعبية ترامب على المستوى الداخلي والخارجي، في عامه الأول في البيت الأبيض. وبعد إصدار وثيقة الأمن القومي، تتراجع شعبية ترامب على المستوى الداخلي والدولي. استطلاعات الرأي العام، تشير باستمرار، إلى أن ثلاثة أرباع الأمريكيين لا يجدونه جدير بالثقة. الصورة العالمية ليست أفضل. ويقول معظم مواطني حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، مثل أستراليا وفرنسا وألمانيا واليابان والأردن والمكسيك وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، أنهم لا يثقون بالرئيس الأمريكي([177]). رغم تباين استطلاعات الرأي حول شعبية ترامب، صعوداً وهبوطاً، لن تصل إلى درجة سحب الثقة عن الرئيس. تبقى الخطورة القائمة على مستقبل حكم ترامب هي، (التجسس – ملف ترامب-روسيا).

الأبعاد الخارجية:

النظام الدولي: تخشى الولايات المتحدة، تغيرات النظام الدولي الحالية، وعودة روسيا كفاعل رئيس في النظام، بالإضافة إلى التوسع الاقتصادي الصيني عالميًا. وبالتالي، تضمنت سياسة ترامب الخارجية، وكذلك إستراتيجيته للأمن القومي التحولات التالية:

  • يدّعي ترامب وإدارته، أن سياساته وإستراتيجيته، تعمل لإعادة مكانة الولايات المتحدة، بعد فشل أسلافه في مواجهة هذه التغيرات.
  • في 16 إستراتيجية أمريكية -من ريغان إلى أوباما- تؤكد قيادة أمريكا للنظام الدولي الليبرالي. بينما ترامب يرفض ذلك، واستبدل هذه الرؤية بشعار “أمريكا أولًا”.
  • ورد “مصطلح العالم الحر” مرادفًا للدول الديمقراطية، وليس بالمعنى الذي حملته الإستراتيجيات السابقة، والتي تعني النظام الدولي الليبرالي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
  • ترامب يحارب النظام الليبرالي، من خلال انسحابه من الاتفاقيات الدولية، وعزمه على بناء جدار المكسيك، وبعض القضايا العالمية كقضية المناخ.

المنظمات الدولية: على خلاف الإستراتيجيات الأمريكية السابقة، التي تستغل مكانة أمريكا في الأمم المتحدة وهيئاتها، لتمرير سياساتها التي تصب في مصلحتها القومية. ترامب ينسحب من اليونسكو، ويهدد بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان؛ دفاعًا عن إسرائيل.

ثانيًا: السمات العامة لسياسة ترامب الخارجية:

  1. السلام بالقوة العسكرية:

مضمون إستراتيجية ترامب، تتحدث عن القوة العسكرية، وليست عن الأحلاف في النظام الدولي، وبالتالي تعتمد إستراتيجية ترامب على النظرية الواقعية في العلاقات الدولية([178])، التي تجيز استخدام القوة. ويبقى السؤال المطروح: أي قوة يريد استخدامها ترامب في سياسته الخارجية؟

حتى نكون منصفين، في قراءة تاريخ الهيمنة الأمريكية بالقوة العسكرية على العالم، فمنذ نهاية الحرب الباردة إلى الآن، وهي تعتمد على القوة العسكرية، فالتحولات الفكرية والسياسية في النظام العالمي الجديد، لم تخلق تحولًا في القوة العسكرية الأمريكية، بل على العكس تمامًا، زادت النفقات العسكرية الأمريكية، وفي استخدام باراك أوباما للقوة الذكية، اعتمد بشكل أساسي على القوة العسكرية، واستخدمها مع الحلف الأطلسي في ليبيا. يحاور أناتولي أوتكين Anatoly Utkin تلك المعادلة قائلًا: “بعد أن تحقق النصر للولايات المتحدة في الحرب الباردة، لم تترك هذه الفرصة، فتلقى عن كاهلها هذا العبء. على أن زوال الاتحاد السوفيتي من الوجود، لم يخلق لدى الولايات المتحدة تحولات مشابهة؛ فالولايات المتحدة لم تغلق حلف الناتو، ولم تسحب وحداتها من ألمانيا أو كوريا أو اليابان، ولم تعد إلى سواحلها الأساطيل المتحكمة في بحار العالم، ولم تخفض ميزانياتها العسكرية”([179]). وبالتالي، لم يحيد ترامب عن سياسة أسلافه العسكرية، بل وزاد عليهم، حيث اختار معاونيه ومستشاريه في إدارته، من ذوي الخبرات العسكرية.

فيما يخص نظرية العلاقات الدولية، التي تطبقها الإدارة في السياسة الخارجية. عملت الولايات المتحدة سابقًا، وفق النظرية الليبرالية الدولية -عندما صدرت الديمقراطية، وصنعت العولمة الاقتصادية- إلا أن جوهرها كان واقعيًا؛ لتحقيق مصالحها بالدرجة الأولى. ويرى علي الجرباوي أن إستراتيجية ترامب، تنطلق من الفهم الواقعي للعلاقات الدولية، والإيمان بالمصلحة القومية للولايات المتحدة، وترفع من أجل ذلك، شعار “أمريكا أولًا”. فهي ترى التنافس، والقوى الدولية الأخرى الساعية لضرب مصالح الولايات المتحدة، ومكانتها على الصعيد الدولي، وتنادي إستراتيجية إدارة ترامب بضرورة تبني “تفكير تنافسي”، يقوم على “نحن مقابلهم”، ويتخذ من تحقيق “استمرار التفوق الأميركي” غاية عليا([180]). ويصف كولن دوييك  Colin Dueckالسياسة الخارجية لدونالد ترامب قائلًا: “إن التوجه الأساسي للسياسة الخارجية، الذي يؤكد حتى الآن على حرية العمل، وإعادة التوازن، والعلاقات التحالفية المتبادلة، والتركيز الشديد على المصالح الوطنية الأمريكية، والانتباه إلى مصادر القوة الاقتصادية المحلية، ومواصلة الوجود العسكري إلى الأمام، والضغط المضاد، ضد العديد من الخصوم الأجانب”([181]). إن كانت إستراتيجية ترامب مبدئية أم ليبرالية، فالسياسة الأمريكية جوهرها واقعي، رغم اختلاف تحليلاتها ومسمياتها، التي نظّرت لها الإدارات الأمريكية المختلفة، فهي تسعى لتحقيق المصالح الأمريكية. وقد أوضحنا فيما سبق، أن إستراتيجيته وسياسته الخارجية، تحمل الفكر القومي الجديد في العلاقات الدولية.

في ذات السياق، اكتسب ترامب سمعة عامة باستخدام القوة العسكرية، عن سلفه باراك أوباما، من خلال تهديداته وصرامته في العلاقات الدولية. ومع ذلك، فإن سجل الرئيس في مواجهة التعهدات على الحملات الرئيسية، وتفجيراته الغريبة وغير الدقيقة على تويتر، وتهديداته المبالغ فيها، وضماناته غير المؤكدة، جعلت المراقبين يشككون بجدية في كلماته([182]). ونضيف على ذلك، تصريحاته الكلامية وتنفيذها على أرض الواقع، فقد هدد سابقًا بالهجوم على الدول المارقة، إلا أن سياساته لم تختلف عما انتهجه باراك أوباما، في مواجهة كوريا الشمالية. كذلك، موضوع الاتفاق النووي الإيراني، هو يرفضه، لكنه لم يستطع حتى الآن، رسم مسارًا ما، بعد الاتفاق النووي الإيراني. وبالتالي، يزاوج ترامب ما بين القوة الذكية، والقوة العسكرية، في سياسته الخارجية.

في نفس السياق، لا يؤمن ترامب بفكرة التدخل الدولي الإنساني Humanitarian Intervention، كأساس أو دافع، للتدخل في الشأن الداخلي للدول، فطالما الأمر لا يمس المصالح الأمريكية، فلا داعي لتورط القوات الأمريكية، والسياسية الخارجية، في هذا الشأن، لكن عندما يتعلق الأمر بمصالح الولايات المتحدة، يجب عليها التدخل العسكري([183]). أي أن هناك ضوابط في عقل ترامب بشأن استخدام القوة العسكرية، في حال التدخل الدولي الإنساني، فهو يرفض الدفاع عن أي دولة، ما لم تدفع مقابل.

إن قوة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي، تأتي من مدخلات إنسانية. فهي التي فرضت مبدأ التدخل الدولي الإنساني عالميًا، فقد كان سائدًا مبدأ عدم التدخل في الشؤون الدول الداخلية، وفق اتفاق وستفاليا عام 1864م. فالتدخل الأمريكي سابقًا، كان مبرر قوي للإدارات الأمريكية، أما ترامب، فلا يلتزم بأخلاقيات التدخل الدولي الإنساني. لذلك نجد أن الإدارات الأمريكية، أولت اهتمامًا كبيرًا للمؤسسات الدولية، التي توفر لها التدخل الدولي الإنساني. يعلق أحمد سليمان على هذه النقطة قائلًا: “في غياب القيادة والدعم الأميركيين للمؤسسات الدولية، سيضعف هذا الإطار، ويزداد خطر نشوب صراعات دولية([184]). ووفقًا لتصريحات ترامب وسياساته، سيكون تدخل الولايات المتحدة خارج قواعد النظام العالمي، ومؤسساته الدولية.

اعتبرت فترة انتخابات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2008م، وعلى نطاق واسع، بمثابة تغيير للسنوات الثمانية السابقة، التي شغلها الرئيس جورج بوش الابن، حيث حملت فترة أوباما شعارها “التغيير الذي نؤمن به”، ويشير هذا الشعار إلى تحول جذري من بوش البلد إلى أمريكا أوباما، حيث أن أوباما رسم مسارًا جديدًا بشأن الكثير من القضايا السياسية الداخلية والخارجية. لكن على مستوى الأمن القومي، يقول أستاذ كلية الشؤون العامة بالجامعة الأمريكية كريس إيدلسون Chris Edelson في كتابه “Power Without Constraint: The Post-9/11 Presidency and National Security”: “إن الاختلافات بين إدارتي بوش وأوباما، غالبًا كانت أسلوبية، وليست موضوعية، فقد تجاوزوا سلطاتهم الدستورية، ومارسا الكثير من السلطة” فقد استخدم أوباما القوة المسلحة، دون موافقة الكونغرس في ليبيا، كما فعلها من قبل بوش الابن([185]). إذا جاز لنا الحكم على وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التي تهتدي بعقلية ترامب في كثير من مفاصلها، نقول: الإستراتيجية ليست طارئة تمامًا، على استراتيجيات سابقة، وتظل في الجوهر وفية لإستراتيجية أصلية، عمادها إخضاع العالم وتسخيره لإرضاء الولايات المتحدة، حتى في أوج الانعزال عنه. وإنما الاختلاف يكمن في تغيير الظروف الدولية، وموازين القوى للدول في النظام السياسي الدولي.

  1. علاقات ثنائية بديلًا للعلاقات المتعددة:

اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في تدخلاتها العالمية، على العلاقات التقليدية مع حلفائها الإستراتيجيين “الدول الغربية”، فهي تقود الغرب الليبرالي. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، اعتمد جورج بوش الابن في حربه على الإرهاب، وتصدير الديمقراطية، على الأمم المتحدة، التي سيطر عليها، ولم يعمل وفق قوانينها، ووظف تحالف الولايات المتحدة مع الغرب وحمل رأيه الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، وتصديرها للعالم، وحارب كما أسماه المحافظون الجدد في إدارته “محور الشر”. فيما حاولت السياسة الخارجية في عهد أوباما، بإعادة الشراكة مع الغرب على نطاق أوسع، والاهتمام بالمنظمات الدولية، واستعادة السيادة الأمريكية، من خلال القوة الناعمة.

لم تؤكد وثيقة الأمن القومي الجديدة، على التحالف المتين مع الغرب، وكذلك لم تتحدث الوثيقة عن دعم دور الحلف الأطلسي-الناتو. بل انتقد ترامب الحلف، واتهم أعضاءه بالتقصير في دفع إنفاقهم للدفاع المشترك([186]). مثلت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وجهة نظر ترامب للولايات المتحدة، فهناك تغيرات عميقة في إستراتيجيته، مقارنةً بالاستراتيجيات السابقة، خاصة على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية، مع شركائها في الغرب، وقيادة الولايات المتحدة للعالم الحر([187]). ومن أهم التغيرات الرئيسية، في السياسات الفعلية، التي أقدم عليها ترامب، التي أثارت شكوك شركائه الغربيين، هو عدم دعمه لحلف الشمال الأطلسي (الناتو)، الذي وصفه ترامب بأنه “عفا عليه الزمن” في يناير 2017م. وتراجع عن الاتفاقات الدبلوماسية، بما في ذلك اتفاق باريس بشأن المناخ([188]).

لم يحترم دونالد ترامب الاتفاقات الدولية، حيث اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مخالفًا قرارات الشرعية الدولية، ورفض الإقرار بالاتفاق النووي مع إيران، وانسحب من اتفاقية المناخ، وكذلك يسعى للخروج من اتفاقية نافتا، وأجج الصراع مع كوريا. كل هذه الإشكاليات في السنة الأولى للحكم. وبالتأكيد ستؤثر هذه السياسة على دور ومكانة الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية، وخارجها. هذا يعني أن إستراتيجية ترامب في السياسة الخارجية، تعتمد على العلاقات الثنائية، أكثر من العلاقات متعددة الأطراف. سوى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لطبيعته، فقد جعل إيران محوره. وهذا ما سنبحثه لاحقًا.

  1. الشعبوية بديلًا لليبرالية:

حملت الإستراتيجية الجديدة الفكر الشعبوي، ولم تكن كسابقاتها، التي تقوم على أسس علمية لتحقيق المصالح الأمريكية. حيث حملت شعار قومي شعبوي “أمريكا أولًا”. اهتمت بحماية الحدود، وحماية الاقتصاد والمواطن الأمريكي، أي حماية المجتمع الأمريكي “الانغلاق وليس الانفتاح، على الليبرالية الدولية المعولمة”. فلم تشر إستراتيجية ترامب أو سياسته الخارجية، على دعم الإصلاحات الديمقراطية، أو التحول الديمقراطي، ولم يتدخل ترامب في عامه الأول، في الشؤون الداخلية للدول، خاصة الدول العربية، كما فعل سلفه باراك أوباما، الذي كان متابعًا للثورات العربية، وتطوراتها السياسية.

ذهبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت Madeleine Albright أبعد من ذلك، في مقال نشرته صحيفة The New York Times، حيث وصفت رئاسة ترامب بالفاشية، والتي تعزز فرصة انتشارها من جديد على الساحة العالمية. “نحن في عصر جديد، نختبر ما إذا كانت اللافتة الديمقراطية يمكن أن تظل عالياً وسط الإرهاب، والصراعات الطائفية، والحدود الضعيفة… لا يوجد تجاهل لغيوم العاصفة التي تجمعت، في الواقع تشكل الفاشية والاتجاهات التي تؤدي إليها تهديد أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”([189]).  وهي ليست المرة الأولى التي تتغير بها سمات السياسة الخارجية الأمريكية بتغير الرئيس، فقد اعتمدت إستراتيجية جورج بوش الابن، على أيديولوجية المحافظين الجدد، وتصدير الديمقراطية والمبادئ الأمريكية إلى العالم الثالث، فيما اعتمدت إستراتيجية باراك أوباما، على الانفتاح العالمي، والانسحاب من العراق، وتهدئة الصراعات الأمريكية مع إيران وكوريا. هذه الرؤية تغيرت في عهد ترامب، حيث اعتمدت إستراتيجيته على الفكر الشعبوي، الذي عززته الأزمات الغربية، التي أدت إلى صعود اليمين الشعبوي في الغرب.

لم نلمح تلك التغيرات بشكل معمق في الدول الغربية، كما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي الأكثر سطوةً وتأثيرًا على النظام العالمي. ويكفي أن نقول بأن سياسة ترامب، وضعتْ الولايات المتحدة الأمريكية، في اتجاه، والعالم في اتجاه آخر.

  1. السياسة التناقضية:

كررت وثيقة استراتيجية الأمن القومي في أكثر من موقع كيف ستواجه الولايات المتحدة المنافسة والاستغلال من الخصوم والشركاء على حد سواء بشكل متناقض. ولفهم طبيعة التناقض علينا فهم الصياغات التي تضمنها الوثيقة، وكذلك السياسات الفعلية لـدونالد ترامب.

تُظهر الإستراتيجية تناقض كبير، في توصيف العلاقات الأمريكية-الصينية، والعلاقات الأمريكية-الروسية. فتارة تصف العلاقات بينهما علاقات تنافس، وتارة أخرى تعتبر السلاح الروسي، يشكل تهديدًا على أمن الولايات المتحدة. وتحاول الإستراتيجية محاصرة تقدم الصين، من خلال التحالف مع الهند. ومن جانب آخر، التناقضات في الإستراتيجية يتبعها تناقضات في السياسة الخارجية، فهناك تناقض كبير بين الإستراتيجية والسياسية الخارجية لـ ترامب.

وصف خبير شؤون السياسة الخارجية الأمريكية هشام ملحم، التناقضات بين الإستراتيجية والسياسية الخارجية قائلًا: “المشكلة ليست بالنص المكتوب، وإنما بما يفعله الرئيس. الوثيقة تنص على أن روسيا والصين متنافسان-عدوان، لكن ترامب يتعامل بالنقيض مع روسيا، بل ويبدي إعجابه في الرئيس بوتين، والخوف والثقل الاقتصادي من الصين”([190]). هذا بالإضافة إلى تعهد ترامب في حملته الانتخابية، إلى تعزيز العلاقات الروسية-الأمريكية، إلا أن التدخل الروسي في الانتخابات، والتحقيقات الأمريكية بهذا الشأن، منع ترامب من ذلك، خوفًا من تهمة الفساد. بالإضافة إلى ذلك التناقض، يمكن ملاحظة تقارب أمريكي-روسي لتسوية الأزمة السورية، وهناك العديد من الدلالات التي أوردتها صحيفة واشنطن بوست، منها في 21 نوفمبر 2017م، الرئيس دونالد ترامب يتطلع إلى تسوية الأزمة السورية مع الرئيس الروسي بوتين. فقد هاتفه لأكثر من ساعة. قرار ترامب بإنهاء البرنامج السري لوكالة المخابرات المركزية، لتسليح وتدريب المعارضة السورية في 19 يوليو2017م. في يوليو 2017م اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على التعاون، لوقف إطلاق النار في جنوب سورية”.

رغم عداء ترامب لكوريا، وتأجيج الصراع معها، إلا أن صحيفة واشنطن بوست رأت أن سياسات ترامب متشابهة مع باراك أوباما، لكنها أكثر حدة. “اتهمَ ترامب بعد توليه منصبه مرارًا الرؤساء السابقين بالفشل، في التعامل مع القضية النووية لكوريا الشمالية، لكن نهجه حمل نفس السمات المميزة لسياسة الصبر الإستراتيجي لإدارة أوباما. وقد استخدم مزيجًا من السلك الدبلوماسي، وعقوبات صارمة على نحو متزايد، سواء مباشرة أو من خلال الأمم المتحدة، في محاولة الضغط على كوريا الشمالية”([191]). وبعد التهديد والوعيد، الذي حملته إستراتيجيته وسياسته الخارجية في عامه الأول، قد يكون تسكين الصراع مع كوريا الشمالية، هو التوجه القائم حاليًا في السياسة الخارجية الأمريكية.

العالم اليوم في مرحلة تعدد الأقطاب، لكن تبقى الولايات المتحدة القوة الأكبر في العالم، بالإضافة إلى قوة الدور الروسي والصيني عالميًا، لكنهما ليستا قوتين عالميتين بحجم الولايات المتحدة، وليس أن تعود روسيا إلى قوة عالمية، بالحجم الذي كانت عليه أيام الاتحاد السوفيتي السابق([192]). رغم رفض السوفييت لما جاء ضدهم في وثيقة ترامب للأمن القومي، إلا أن موقف روسيا الاتحادية بالتدخل في منطقة الشرق الأوسط، ليس على أسس أيديولوجية، وإنما وفق مصالح روسيا الاتحادية. وقد عبّرت الباحثة في معهد الدراسات العربية للدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم، إيرينا زيفاياجلسكايا Irina Zviagelskay، عن موقف روسيا الاتحادية، في جلسة حوارية، نظمتها مؤسسة بال ثنك في يناير 2017م، قائلة: “إن التدخل الروسي في الأزمة السورية، جاء لعدة أسباب، على رأسها محاربة الإرهاب، الذي قد تتضرر منه روسيا الاتحادية، وكذلك الاقتصاد. وهذا التدخل ليس كما في الحرب الباردة، فالروس تربطهم علاقات مع الدول العربية، وكذلك مصالح مشتركة”([193]). أما موقف الصين، حملته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشان ينغ Hua Chunying، في مؤتمر صحفي قائلة: “إن أي دولة، أو أي تقرير يشوه الحقائق، لن يحقق نتيجة”. وحثّت الولايات المتحدة، على وقف التشويه المتعمد للنوايا الإستراتيجية للصين، والتخلي عن المفاهيم العتيقة، مثل عقلية الحرب الباردة، لأنها بذلك، لن تضر سوى نفسها، أو الآخرين. وتابعت: “الصين لن تسعى أبدًا إلى تطوير نفسها، على حساب مصالح الدول الأخرى”. مضيفة: “في الوقت نفسه، لن نتخلى عن حقوقنا، ومصالحنا المشروعة”([194]).

إن إعادة بسط النفوذ والسيطرة، في ظل عودة روسيا الاتحادية والصين، فشلت في عهد باراك أوباما، وهي في تراجع مستمر. ترامب أيضًا قبلَ بهذا التراجع. غير أنه ينظر للمصالح الأمريكية، وليس لدور الشرطي الأمريكي. لذلك قد تتناقض السياسات الترامبية، بهدف تحقيق المصالح القومية. والسبب هو عدم وجود ضوابط، أو روابط للسياسة الأمريكية، في ظل حكم دونالد ترامب، وفريق إدارته العسكري.

  1. سياسة الصفقات:

يعتمد ترامب في سياسته الخارجية، على سياسة صفقات، خاضعة لحسابات الربح والخسارة. ويبدو أن ترامب، نسخ أسلوبه في إدارة الأعمال، التي وردت في كتابه “فن الصفقة” “The Art of the Deal”، إلى عالم السياسة. حيث وردت في خطاباته السياسية مفردة “صفقة”، في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، الذي أعلن عنها منذ وصوله للبيت الأبيض.

في ذات السياق، ورد في وثيقته للأمن القومي الأمريكي، آلية الصفقة الدبلوماسية، ما بين الولايات المتحدة والهند؛ لمجابهة التحدي الصيني. كذلك، علاقات دونالد ترامب مع دول الخليج العربي، جاءت بصيغة الصفقات السياسية والتسليحية، لمحاربة داعش وإيران. وعلى مستوى الدبلوماسية الدولية، هدد ترامب بقطع المساعدات، عن الدول التي تدعم القيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة، بعد قراره الاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”.

ثالثاً: السياسة الترامبية بعد السنة الأولى من الحكم

سجل دونالد ترامب في عامه الأول، فشل على كافة المستويات: السياسية، والعلاقات الدولية، والفساد الإداري بارتباطاته مع روسيا، ولغة الاستخفاف على تويتر، واتهاماته القاسية بحق سياسيين أمريكيين. هناك بعض المعايير الرئيسية في تقييم إدارة الرئيس، أولًا وقبل كل شيء، يجب على أي رئيس أن ينفذ واجباته العامة، بحضارة وانسجام قياديين، يلائمان الرئيس، لكن دون أن يظهر الحماسة، أو الضحك. وكما قال جورج واشنطن في بداية رئاسته عام 1989م، لا يمكن للرئيس أن “يخدع نفسه بطابعه العام”، وأن يتصرف “بطريقة تحفظ كرامة منصبه”([195]). يحاول الرؤساء الجدد تجنب الحزبية والفئوية، والسعي إلى توحيد البلد في غرض مشترك كبير، وتماشيًا مع يمينهم الدستوري، ومجابهة الفساد الإداري والمالي.

يرى شون ويلنتز، أن أفضل مقياس لأدائه، يأتي من مقارنة عامه، لأسوء الرؤساء الأمريكيين، وليس أفضلهم. على مر العقود، دأبت تصنيفات المؤرخين للرؤساء، على انضمام عشرات الرؤساء أسفل القائمة، بما في ذلك بوكانان James Buchanan، أندرو جونسون Andrew Johnson، فرانكلين بيرس Franklin Pierce، وفي التقييمات الأخيرة جورج بوش. وقد فشل بعض هؤلاء الرؤساء، لأنهم ارتكبوا أخطاء فادحة، وكان آخرون ضحايا لظروف لا صنعهم([196]). ويضيف مقال في مجلة نيوزويك Newsweek للكاتب Ronald L. Feinman: “الرئيس ترامب، تجاوز طريقة ريتشارد نيكسون في الأعمال الشريرة، وفي الخطر الذي يوسعه على الديمقراطية. موقف أمريكا في العالم خطير، فثمة إمكانية لاندلاع حرب، بسبب التهور والنرجسية، والإهانات المستمرة، والسخرية من النقاد، والجهل بوقائع العلم والتاريخ، والسلوك البغيض للحياة العامة، وعلى تويتر، وجهله الخالص لميكانيكا الدبلوماسية”([197]).

يرصد مقال آخر في مجلة نيوزويك، 82 قرار للرئيس ترامب على المستويين الداخلي والخارجي في عامه الأول، نذكر منها: داخليًا، أصدر وثيقة الأمن القومي الأمريكي-2018، خفّض عدد موظفي البيت الأبيض بمقدار 110 موظفًا، عين قاضيًا في المحكمة العليا الأمريكية. أما خارجيًا، اعترف بأن “القدس عاصمة إسرائيلية وأعلن خطة لنقل السفارة الأمريكية”، الانسحاب من اليونسكو، واتفاقية المناخ([198]).

 يدّعي البعض في دائرة ترامب، أن هناك إستراتيجية رائعة، تدعم سلوكه غير المنتظم، وأن الرئيس يفهم تداعيات موقفه العام غير المستقر. ووفقًا لهذا الرأي، فإن تصريحات ترامب، التي تبدو غير منطقية، هي جزء من إستراتيجية محسوبة، لجعل الخصوم يعتقدون أنه مجنون. لن يكون ترامب أول رئيس أمريكي يحاول هذه الإستراتيجية، التي يدّعيها العلماء “نظرية المجنون”، أو “عقلانية اللاعقلانية”. المدافعين عن ترامب، عرضوا أن الرئيس يخلق غموض عن عمد، من أجل إبقاء الخصوم بعيدًا عن التوازن. وأثناء الحملة، قال ترامب: إنه لن “يبث العدو بالضبط ما هي خطتي”([199]). ويؤكد بيتر فيفر Peter Feaver، إذا قامت الإدارة بهذه الإجراءات ذات الأولوية، التي وردت في وثيقة الأمن القومي، فإنها ستساعد بالفعل في جعل أمريكا. أكثر أمنًا وأقوى، وأكثر مرونة([200]).

ترامب وإدارة البيت الأبيض:

كتب الصحفي مايكل وولف في الفصل العشرين من كتابه “نار وغضب”: جاءت قصة روسيا، التي جرى تداولها بعد أسبوعين من وصول ترامب إلى سدة الحكم.. وبعد مرور أربعة وعشرين يومًا على الإدارة الجديدة، أصبح مستشار الأمن القومي مايكل فلين Mike Phelan، الرابط الفعلي الأول، بين روسيا والبيت الأبيض، وبعد كشف فضيحة الاتصال والتواصل مع روسيا، والتي تسمى ملف ترامب-روسيا. تم طرد فيلن، أعز صديق لترامب من الإدارة الأمريكية”([201]). وفي قضية أفغانستان، كتب وولف قائلًا: “ترامب متهور، لكنه لم يكن يحب اتخاذ القرارات، أو على الأقل، ليس القرارات التي تجبره على تحليل المشكلة. وكان القرار الأكبر الذي شعر بعبئه منذ اللحظات الأولى لرئاسته، هو قضية أفغانستان.. بل تعدى الأمر، ليشمل كلًا من اليمينيين واليساريين في بيته الأبيض، وانقسامهم بين من يدعون إلى التحرك والتغيير، وبين الذين يريدون الإبقاء على الوضع الراهن”([202]). إن الخلافات بين أعضاء الإدارة الأمريكية، أدت إلى سوء معاملة فيما بينهم، بالإضافة إلى دكتاتورية ترامب السياسية، فقد كان ماكماستر وجارفانكا([203])، الهدف الرئيس لسوء معاملة بانونStephen K. Bannon ، نتيجة الآراء المختلفة حول قضية أفغانستان.

لم تنتهِ الخلافات، التي أدت إلى إطاحة العديد من مستشاري ترامب ووزرائه، حتى يومنا هذا. وفي هذا، يقول عضو اللجنة العليا في الحزب الجمهوري الأمريكي هشام كريم: “التقيت ترامب في أكثر من مكان، وقلت له في لقاء عشاء في نيوجرسي New Jersey: عليك أن تتصرف كرئيس دولة، وليس كرجل أعمال، فلتتصرف كرئيس، لا بد من الاستعانة من الخبرات الأخرى، لديك أجهزة كوزارة الخارجية، والكونغرس، والأمن القومي، وعليك أن تأخذ بالدراسات الأخرى”، وزاد على ذلك قائلًا: “ترامب للأسف، لا يأخذ من أحد، ويتعامل كرجل أعمال”([204]). هذا يفسر لنا الحجم الهائل، في تغيير مستشارين ومعاونين ترامب في الإدارة. فهو يعيد تعيين المناصب لمن يجده حليفاً قوية لرؤيته وفكره السياسي “الترامبوية”. لذا، تأتي معظم التغيرات في رجالات الإدارة، ضمن سياسة عدم الاختلاف، فترامب لا يقبل معارضة آرائه، أو أن يكون هناك شخص في إدارته لدية نفوذ، حتى وإن كان نفوذ إعلامي.

تويتر أداة للتنصيب والإقالة:

“قيل وسيُقال الكثير في تفسير شخصانية الرئيس ترامب وأسبابها الأميركية، وولعه بـ “التويتر” بصفته مدير شركة سابقاً، ومدراء الشركات الأميركية “يطردون” موظفيهم ومساعديهم، إضافة إلى الحق الدستوري الأميركي للرئيس في اختيارهم وتبديلهم وطردهم”

حسن البطل

في تغريده على تويترTwitter، أطاح دونالد ترامب بوزير خارجيته ريكس تيلرسون Rex Tillerson الثلاثاء 13 آذار/مارس 2018م، ورشح بدلًا منه للمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو Mike Pompeo. هذه الإقالة أو الطرد من الإدارة الأمريكية، لم تكن مفاجئة. فهناك خلافات بين أعضاء الإدارة، وعمليات إقالة وطرد سابقة، أو استقالات ذاتية.  فقبل أيام من إقالة وزير الخارجية، تم إقالة مستشار ترامب الاقتصادي جاري كوهن Gary Cohn، بسبب خلافاته على سياسة ترامب الحمائية([205]). وبالتالي، لا يقبل دونالد ترامب الآراء المختلفة للمستشارين والمعاونين له في الإدارة، ومن يعارض توجهات ترامب، يتم الإطاحة به.  فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست “ترامب وتيلرسون، كانا على علاقة مشحونة لعدة أشهر. وأخبر ترامب الصحفيين يوم الثلاثاء، أنه قرر في نهاية المطاف إقالة الوزير، لأنهم يختلفون حول الإستراتيجية في المجالات الرئيسية للسياسة الخارجية، مثل الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، والنهج تجاه كوريا الشمالية، والنبرة الشاملة للدبلوماسية الأمريكية”([206]). من جانب آخر، ترامب يتبنى إدارة جديدة لإدارته، وهي سياسة غريبة عن الإدارات السابقة للبيت الأبيض، فالرئيس الأمريكي، يحترم مستشاريه ومساعديه والمؤسسات الأخرى، حتى لو اختلف معهم. ونتلمس دكتاتورية ترامب مع إدارته، في خطاب تيلرسون الأخير-الوداعي حيث قال: “لا تتخلى ابداً عن أغلى قيمة تمتلكها… كرامتك الشخصية، أود أن أطلب من كل واحداً منكم أن يكون لطيفاً كل يوم مع شخص آخر… نحن في مدينة لئيمة للغاية”.

غيّر ترامب ما يعادل 43% من موظفي الإدارة الأمريكية، ولم يحدث هذا من قبل([207]). ويعود السبب في ذلك، لتناقضات ترامب نفسه، وعدم خبرته في السياسة الداخلية والدولية. ومن الجدير ذكره هنا أن التعيينات في الإدارة تتطلب موافقة الكونغرس، ترامب يطلب التغيير تحت شعار “إدارة تعمل بشكل منسجم” بهدف تنفيذ سياساته.

في ذات السياق، لحق ماكماستر المستشارين المقالين، وعين ترامب بدلاً منه، جون بولتون John R. Bolton ([208])، صاحب المواقف الأكثر صرامة من سابقه، خاصة تجاه الشرق الأوسط والفضية الفلسطينية. ومن الجدير ذكره، أننا سنناقش أفكار بولتون الأخيرة حول قضايا الشرق الأوسط، التي نشرها مؤخراً في معهدAmerican Enterprise Institute.

المحور الخامس: الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية

وضعت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة الجمهورية الإيرانية-كقضية مركزية، ثم أوضحت علاقاتها مع دول المنطقة، وفقًا لتعاونها مع الولايات المتحدة، للقضاء على القضية المركزية-إيران، من خلال مشاركة الدول العربية في حربها على الإرهاب، وبالتالي مشاركة إسرائيل. وعلى الرغم من الهجوم الضخم ضد إيران والمنظمات الجهادية، في سياسة ترامب وإستراتيجيته، إلا أنه لم يتخذ أي خطوات عملية لمحاربة تلك التنظيمات، مختلفة عن سياسة باراك أوباما. مما يثير جملة من الأسئلة والاستفسارات، ولعل أهمها، هو ربط محاربة الإرهاب في المنطقة العربية بالشراكة مع إسرائيل.

رغم دعم الرؤساء الأمريكيون، منذ توقيع اتفاق أوسلو لإسرائيل، إلا أن الموقف الرسمي للولايات المتحدة مع حل الدولتين. قد قدم بيل كلنتون مبادرة سلام عربية في كامب ديفيد عام 2000م، محاولًا إنهاء الصراع لصالح إسرائيل. ورغم أيديولوجية بوش الابن المحافظة، إلا أنه حاول تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. أما في فترة رئاسة باراك أوباما، حاول إحياء العملية السلمية، وكانت زيارات مساعد الشؤون الخارجية جون كيري، دليلًا على اهتمام الإدارة، في دفع عملية السلام، بعد توقف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.

غير أن موقف دونالد ترامب، جاء مخالفًا لتلك الإستراتيجيات، فتخلى عن الموقف الرسمي الأمريكي من حل الدولتين، وأحدث تغيرات بسياساته، تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، قد تُنهي عملية التسوية السياسية بأكملها.

أولًا: المنطقة العربية في الإستراتيجية الأمريكية

يمكننا ملاحظة توافق ترامب مع رؤساء الولايات المتحدة السابقين، على أهمية المنطقة العربية. ويرى بلقاسم طحشي، أن ترامب ينظر للمنطقة العربية بأهمية لسببين: الأول، اقتصادي، حيث تمثل دول الخليج أكبر مخزون نفطي في العالم، وأحد أهم الأسواق للمنتجات الأمريكية. أما الثاني، يعود إلى وجود إسرائيل، التي تسعى لفرض وجودها سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تسعى إلى لعب دور شرطي المنطقة العربية، في ظل أزمات المنطقة العربية([209]). هذا بالإضافة إلى التقارب الفكري والعقائدي، بين الإدارة الأمريكية الحالية، والإدارة الإسرائيلية.

إن المنطق الناظم للدعم، الذي تحظى به إسرائيل والحركة الصهيونية، من الولايات المتحدة الأمريكية، أحجية يصعب تفكيك أسسها لتوافر عوامل متعارضة ومتضاربة، فقد تنوعت النظريات والأطروحات والآراء، التي تفسر العلاقات الثنائية، بين واشنطن وتل أبيب. فيما يخص الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة، ينبه عبد الجواد عمر، عن تنوع محاولات تأويل وتعريف وتبرير أسس الدعم، الذي تحظى به إسرائيل، من عوامل تتمحور أساسًا، حول دوافع إستراتيجية، أو تلك المرتبطة بالسياسة المحلية، أو تلك التي تتعلق بالضرورات التاريخية والثقافية، النابعة من المسألة اليهودية، والروابط الأخلاقية، المستندة إلى قيم الديمقراطية، والقيم الحضارية، المتصلة بمقولة “التراث اليهودي-المسيحي”([210]).

بخلاف حالة إسرائيل الخاصة، يعتبر جورج فردمان، أن منطقة الشرق الأوسط، ذات اهتمام عالي في الإستراتيجية الأمريكية وسياستها، وهذا الاهتمام ينقسم إلى ثلاثة اهتمامات رئيسية، وهي: الحفاظ على توازن القوى الإقليمي، والتأكد من عدم تعطيل تدفق النفط، وهزيمة الجماعات الإسلامية([211])فما هي التغيرات التي حملتها الإستراتيجية الجديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية؟

  1. الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران:

كما ذكرنا سابقًا، جعلت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، الجمهورية الإيرانية القضية المركزية للمنطقة العربية. في المقابل، اعتبرت الوقائع التي فرضتها إسرائيل، عبر سنوات التسوية، هي الحل الأمثل لأي تسوية سياسية قادمة، ورسمت سياستها الخارجية مع الدول العربية، وفق تلك المعادلتين. أما فيما يخص التوجهات الأمريكية الجديدة ضد إيران، يرصد كل من حسين طريو، وهيثم صيوان، في دراستهما حول الإدارة الأمريكية الجديدة، والاتفاق النووي الإيراني، عدة متغيرات، جعلت من ترامب، يرفض الاتفاق ويطرح مع إدارته مجموعة من المبررات لإلغائه، وهي([212]):

  • يؤكد ترامب وإدارته، أن الاتفاق النووي تم إبرامه بموجب مرسوم رئاسي تنفيذي، من قبل الرئيس السابق أوباما، ولم يعرض على الكونغرس الأمريكي للتصويت عليه، بسبب وجود رأي عام معارض.
  • عدم ثقة ترامب بنوايا إيران الإستراتيجية، فإن إطلاق الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية والغربية، سيساعد إيران حتمًا، على مواصلة عملها في تطوير برنامجها النووي.
  • يؤكد ترامب في خطاباته، أن هناك تباطؤ من قبل إيران، في تنفيذ بنود اتفاق فينا عام 2015م، وقد اتهمها بانتهاك الاتفاق، بإجراءاها تجارب لصواريخ بالستية.
  • يشير ترامب باستمرار، لعدم جدوى الاتفاق النووي، طالما إيران تدعم باستمرار الجماعات الإرهابية، وتنتهك حقوق الإنسان، وإجراءات الأمم المتحدة.
  • التهديد الأمريكي بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، يأتي ضمن سياسة التحالفات القوية، بين ترامب وإسرائيل، وكذلك حلفاءه الخليجيين، خاصة السعودية.
  1. الدول العربية:

إن السياسة الأمريكية التقليدية والجديدة-ترامب، في المنطقة العربية، تقوم في جوهرها على التوازن للقوى الفاعلة في المنطقة، بهدف تحقيق المصالح الأمريكية العليا. ولعل ما تغير فعليًا، هو آليات وسياسات ترامب وإدارته، للحفاظ على هذا التوازن. خاصة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية.

شهدت المنطقة العربية تحولات جذرية، هزت أركان دولها العربية، بعد صعود الدولة الإسلامية- داعش، وأزمات الربيع العربي، التي لم تنتهِ بعد، فهناك حروب أهلية، تشهدها سورية والعراق واليمن إلى الآن، بالإضافة إلى المسألة الإيرانية، التي تؤرق الدول العربية، خاصة الخليجية. شكّلت تلك المعادلات مدخلًا أساسيًا لسياسة ترامب الخارجية، تجاه الدول العربية، لا سيما صفقات الأسلحة للدول الخليجية، للحصول على الأموال اللازمة، لدعم الموازنة الأمريكية. فقد عقد ترامب صفقات بالمليارات في عامة الأول مع السعودية. يصف جون بولتن، نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس Mike Pence، رجل السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، معتبرًا زيارة بنس لمصر والأردن وإسرائيل في يناير 2017م، مثالًا على مدى تغيير إدارة ترامب، لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط-المنطقة العربية، حيث تسعى السياسة الجديدة، إلى القضاء على تنظيم داعش ومكافحة الإرهاب، عكس سياسة إدارة باراك أوباما، التي وصفها بالمضللة، بشأن البرنامج النووي الإيراني. بالإضافة إلى رؤية الإدارة الجديدة لعملية السلام العربية-الإسرائيلية([213]).

هذه التحولات، أثرت بالسلب على القضية الفلسطينية، فلم تعد تتصدر قائمة أولويات الدول العربية، وذلك في ظل الأزمات والتحديات، التي تجاببها الدول العربية. وفي نفس الوقت، الذي تدنى فيه الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، سوى الموقف الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية. تقاربت المصالح الإستراتيجية للدول العربية مع الولايات المتحدة، في مواجهة إيران. فيما روّجت إسرائيل للسلام “الإقليمي”، ووظفت كل المسائل والإشكاليات في الساحة العربية، والدعم الأمريكي لتلك الفكرة، وفي ذات السياق، استبعدت القضية الفلسطينية. أي أن هناك تحولًا من التسوية الداخلية، إلى التسوية الخارجية لدى الاحتلال. ويؤكد عبد الجواد عمر في دراسته، أن هناك توافق كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، في كافة القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية، فتتعدد القضايا التوافقية، فيما يتعلق باحتواء النفوذ الإيراني، ومحاربة الحركات الجهادية، والخطر الأمني الذي تشكله على كلٍ من أمريكا وحلفائها. وتتفاقم الأزمة بين الطرفين، وبخاصة أن تصورات كل من النخب في البلدين، ترى في الأخرى، وبشكل متزايد، تدمير لمصالحها، فإسرائيل ترى الانسحاب النسبي الأمريكي من المنطقة، واتباع الولايات المتحدة سياسة التوازن، من الأمور الخطيرة على مصالحها. وكذلك ترى الولايات المتحدة، أن السياسات الإسرائيلية التي تميل للحلول العسكرية، وتعنتها في عملية التسوية السياسية، خطرًا على مصالح أمريكا، وكذلك كيفية التعامل مع الملف الإيراني([214]). إذن هناك توافق تام على الأهداف، واختلاف في طرق تحقيقها.

ثانيًا: القضية الفلسطينية في الإستراتيجية الأمريكية

غُيبت القضية الفلسطينية في الإستراتيجية الامريكية الجديدة، ولم تتحدث عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أو حل الدولتين سوى جملة واحدة: “نحن ملتزمون بالمساعدة على تيسير إبرام اتفاق سلام شامل، يقبله الاسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء”.

عندما قرأ علي الجرباوي نص الوثيقة، قال بأن هناك إشارتان فيما يخص القضية الفلسطينية، واحدة أساسية، والثانية عابرة. الإشارة الأساسية هي أن اسرائيل ليست السبب وراء الاضطرابات الإقليمية، بل هي إيران والجماعات الإرهابية. والدليل على ذلك، أن هناك تقاربا بين العديد من دول الإقليم مع إسرائيل حاليًا. أما الإشارة العابرة فهي أن الإدارة الأميركية، ستبقى ملتزمة بالمساعدة، وتسهيل التوصل إلى تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن على أساس قبول الطرفين، ما يعني أن لإسرائيل الحق النهائي في هندسة التسوية التي ترغب بها([215]).

ليست المرة الأولى، فقد تجاهل القضية في القمة الإسلامية-الأمريكية في الرياض، عام 2017م، وكذلك تجاهل ترامب في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017م، الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وركّز على التهديد الإيراني والكوري، واصفًا الاتفاق النووي مع إيران بالمعيب. رغم إعلانه الإعلامي، حينما وصل إلى سدة الحكم عن “صفقة القرن” لإنهاء القضية الفلسطينية، لكنه ولأول مرة، لم يتبنَ الموقف الرسمي للولايات المتحدة، وهو الاعتراف بحل الدولتين كأسلافه من الرؤساء. سياسة الصفقات التي جاء بها ترامب، ليست بعيدة عن شخصيته، فقد عرض صفقة لأنه رأسمالي. وخلافًا لعرضه، أعطى وعدًا للاحتلال “قرار ترامب بالاعتراف القدس عاصمة إسرائيل”، بينما عرض كلنتون عام 2000م، مبادئ ومقترحات؛ لتقريب وجهة النظر الإسرائيلية، فهو أكاديمي. وبالرغم من ذلك، كانت هناك رؤية مسبقة للإدارة الجديدة، عرضها ستيف بانون في أمسية عشاء أقامها الرئيس السابق لفوكس نيوز Fox News صاحب الشخصية الأبرز لإعلام اليمين قبل وفاته روجر أيلز Roger Ailes، أوضح بانون رؤية الإدارة الجديدة تجاه المنطقة العربية والقضية الفلسطينية، قائلاً: “لندع الضفة الغربية للأردن، وغزة لمصر، لندع البلدين يتعاملان مع هذا الموضوع أو يغرقان فيما هما يحاولان. السعوديون على شفير الهاوية، وكذلك المصريون وكلهم خائفون حتى الموت من بلاد فارس- إيران”([216]).

جاء قرار ترامب الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 كانون أول/ديسمبر 2017م، ووعده بنقل السفارة إليها على حد قول عضو الكنيست العربي أحمد الطيبي: “ترامب خلال خطابه عن القدس، تبنى الرواية الإسرائيلية كليًا، ورواية الاحتلال، ومستشاريه المؤيدين للمستوطنات، ففي عام 1980م كان قانون الكنيست الداعي لضم القدس، يقول بالضبط، ما قاله ترامب في خطابه، فهو تبنى القانون، وتبني حتى تلك الجملة، التي نصت على أن القدس عاصمة لإسرائيل، فهو يتعامل مع قضية القدس كأنها قضية داخلية إسرائيلية”([217]).

كانت سياسة ترامب الخارجية، تجاه المنطقة العربية طوال العام الأول من رئاسته، تركز على قضايا أكثر أهمية -حسب رأيه- في المنطقة، كالمنظمات الإرهابية، والتهديد الإيراني، في المقابل يتجاهل الإجراءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، ففي احتجاج المقدسيين على البوابات الإلكترونية عام 2017م، ركز في لقاءه مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التي تزامنت مع الهبة الجماهيرية في الأقصى، على موضوعي داعش وحزب الله، واكتفى ترامب بعد انتهاء الأزمة، بالاتصال على الملك الأردني عبد الله الثاني، ليشكره على تهدئة الأوضاع في المنطقة.

رغم الزيارات واللقاءات الفلسطينية-الأمريكية، إلا أن ترامب تبنى وجهة النظر الإسرائيلية بكفاءة عالية، وقد أظهرها بشكل كبير. تبنى ترامب وإدارته، التي تحمل عقلية اليمين في الحزب الجمهوري، وجهة النظر الإسرائيلية، الداعية لتصفية القضية الفلسطينية، وإقامة “إسرائيل الكبرى”، عبر الحل الوحيد المتبقي للتسوية السياسية، بعد إجراءات إسرائيل على أرض الواقع، هو “الحل الإقليمي”. 

عند مراجعة مراكز الفكر والدراسات الأمريكية والإسرائيلية على السواء، بعد صدور وثيقة الأمن القومي الأمريكية الجديدة، نجد أنها تعمل على إعادة صياغة أهداف الوثيقة؛ لوضع وسائل تحقيقها في المنطقة العربية، خاصة الساعية لتصفية القضية الفلسطينية، عبر ما يسمى “تسوية مرضية للطرفين”. ففي دراسة نشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي INSS، في 22 ديسمبر 2017م، أعدها عاموس يدلن Amos Yadlin وأفنر غولف Avner Golov، أوضحت بأن الإستراتيجية لم تقدم خطة منظمة للعمل في الشرق الأوسط. لذا، تشير الدراسة إلى ضرورة الحوار الأمريكي-الإسرائيلي، من أجل صياغة إستراتيجية عملية للسياسة الأمنية، المنسقة بينهما في الشرق الأوسط([218]). أما التخوف الآخر، الذي تحدثت عنه دراسة عاموس وأفنر، هو عدم وجود أولوية للسياق الإقليمي، الذي ذكرته الوثيقة: “ثمة فجوة أخرى في وثيقة الإستراتيجية الأمريكية، تتمثل في عدم إعطاء الأولوية بين مختلف الساحات، وهناك قلق من تحول تطلعات الإدارة الأمريكية، من الشرق الأوسط إلى آسيا”([219])

إن ما يقلق إسرائيل الآن، ليس الوثيقة نفسها، فهي تتبنى الرؤية الإسرائيلية، بل آليات وخطوات التنفيذ. لذا، تؤكد دراسة عاموس وأفنر، ضرورة الحوار المستمر مع الإدارة الامريكية، حتى تطبق المبادئ والأسس التي وردت في وثيقة ترامب للأمن القومي، الخاصة بالشرق الأوسط، بهدف حماية المصالح الإسرائيلية. هذا التنسيق المستمر لخطوات تنفيذ الإدارة، يعيدنا إلى الشراكة الأمريكية-العربية؛ لمجابهة التهديدات الإيرانية والإرهابية. فإذا كان هناك تنسيق وشراكة، ما بين الولايات المتحدة والدول العربية من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، إذن الأهداف والتطلعات المستقبلية للمنطقة متقاربة. وتؤكد دراسة Lawrence J. Haas على أن “الصراع خارج المجموعة، يؤدى إلى التماسك داخل المجموعة”([220]). بعبارة أخرى، وضعت الدول العربية وإسرائيل خلافاتها جانبًا، وتجتمع معًا في مواجهة التهديدات المشتركة. ورغم دعم الدول العربية لحل الدولتين، إلا أن الأزمات العربية الحالية، أصبحت الأولوية لدى العرب. وبذلك حققت إسرائيل ما روجت له، وهو استبعاد القضية الفلسطينية كمرحلة سابقة لتصفيتها.

يؤكد جون بولتن، توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، والرؤية الإسرائيلية للحل الإقليمي قائلًا: “بمجرد أن يتضح أن حل الدولتين قد مات أخيرًا، ينبغي أن يطلب من الأردن مرة أخرى، أن تمارس السيطرة على أجزاء محددة بشكل مناسب من الضفة الغربية.. كما هو الحال بالنسبة للسيادة المصرية على غزة، من خلال ربط هذه المناطق بالولايات الصالحة للتطبيق، وليس إلى وهم فلسطين”([221]). أما المنظرين الإسرائيليين، لم يكتفوا بالدعم المقدم من قبل ترامب وإدارته، وما حملته الوثيقة. فقد أبدو تخوفاتهم من إستراتيجية ترامب الداعمة لرؤية اليمين الإسرائيلي. رغم السياسات الترامبية الداعمة للاحتلال، والقرارات الصادرة من البيت الأبيض، مثل قرار القدس، الذي أدى لأن تُقدم الولايات المتحدة الأمريكية على سابقة جديدة في العلاقات الدولية، وهي تهديد دول العالم أجمع، بقطع مساعدات إن عارضت سياساتها في الأمم المتحدة، وصوتت ضد قرار ترامب “الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”. أي أن الولايات المتحدة في اتجاه، والعالم أجمع في اتجاه آخر-أمريكا والعالم. 

دونالد ترامب يدعم الإرهاب ويحاربه في آن:

إن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لن يتوقف، وإن الحماية السياسية والدبلوماسية سوف تدوم، فأسس العلاقات الثنائية متداخلة ومترابطة، ما بين أيديولوجيات اجتماعية، ترى في إسرائيل تحقيقًا وتجسيدًا لنبوءة توراتية، أو مع توافر بنية سياسية يهودية منظمة، داعمة لإسرائيل في واشنطن، هذه العوامل تشكل بنية تحتية رصينة، لاستمرارية الدعم الأمريكي للمشروع الصهيوني، ويضاف إليها، الضرورة الإستراتيجية التي تلعبها إسرائيل، ألا وهي منع هيمنة أي قوة محلية، عربية أو إسلامية على المنطقة، بمواردها وطرق ملاحتها وجغرافيتها([222]). الإستراتيجية الجديدة، تتبنى الرؤية الأمريكية، أي أنها تتوافق بشكل شبه تام مع إسرائيل، في كافة القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية. ولعل الاختلاف الوحيد، هو في الحزب الديمقراطي، الذي يعتبر سياسات ترامب وإدارته، تؤثر على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تأمين مصالح فئة ضيقة في المجتمع الإسرائيلي. وبذلك، نستطيع القول، إن الولايات المتحدة ستكون دائمًا بجانب إسرائيل، في كل سياساتها الاستيطانية التوسعية، وتطلعاتها بالمنطقة العربية، وستضغط على الفلسطينيين، للدخول بمفاوضات غير عادلة مع إسرائيل، بكافة الوسائل والطرق.

رؤية الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة، وسياساتها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية ثابتة، إذا استمر الدفاع الفلسطيني بنفس القوة، بالإضافة إلى الصمت الدولي تجاه السياسات الأمريكية. فقد أكد جون بولتن، أن نقل السفارة لا رجعة فيه، بعد تعزيزه من قبل نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أمام الكنيست الإسرائيلي([223]). وهذا يعني أن الرؤية الأمريكية الجديدة، تأخذ بكل المتغيرات التي أحدثها اليمين الإسرائيلي على أرض الواقع. بالإضافة إلى إنهاء الملفات الرئيسة للتسوية السياسية، بدءًا بالقدس، ومن ثم اللاجئين، الحدود والدولة، فهي تسير على طريق تصفية القضية الفلسطينية.

الأخطر من ذلك، مدى استجابة المنطقة العربية للإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وتنفيذ الرؤية الأمريكية بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. في ظل واقع عربي مأزوم، حيث أن كافة المؤشرات تدل على ضعف الموقف العربي، أمام التوجهات الأمريكية الجديدة في المنطقة العربية، مما يعرضه إلى استجابة، وإن كانت ضمنية، نذكر منها:

  • هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الشرق الأوسط، والمنطقة العربية.
  • المصالح المشتركة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة التمدد الإيراني، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية-داعش.
  • الأزمات العربية التي أضعفت الدور العربي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولم يتبق سوى الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، في المحافل والمنظمات الدولية.
  • الصمت العربي، لما ورد في الوثيقة تجاه القضية الفلسطينية.
  • ضعف الخيارات الدولية أمام الهيمنة الأمريكية، إذ أن روسيا الاتحادية، تنظر لدور أمريكي لإنهاء الأزمة السورية. وفيما يخص السياسة الصينية، التي تتسم بالبرود، فهي تخشى على مصالحها في أفريقيا وآسيا، لذلك لن تتواجه مع الولايات المتحدة.

الأمر الأشد خطورة، هو التكيف مع سياسات ترامب الجديدة عربيًا، بعد قراراه بشأن القدس، حيث أقرت الإدارة الأمريكية الجديدة وقف مساعدتها لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، والمساعدات التي تقدمها للسلطة الفلسطينية. فقد تطالب الدول العربية بإعادة المساعدات للأمم المتحدة والسلطة، بدلًا من الضغط لتحقيق التسوية السياسية، وفق حل الدولتين. ولم يتبق للفلسطينيين، سوى الرأي العام العربي، العامل الحاسم في معادلة “الحل الإقليمي” فلسطينيًا. فهو العائق الأساسي أمام التطبيع مع الاحتلال، قبل تسوية القضية الفلسطينية.

في النهاية نقول، الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر دعمًا للاحتلال، وفي بعض الأحيان هي الدولة الوحيدة التي تدعم الاحتلال، كما حدث في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، من تهديد بقطع المساعدات، إن صوتت لصالح الحق الفلسطيني. وفي نفس الوقت، تسعى الإستراتيجية والسياسة الخارجية لترامب، إلى محاربة الإرهاب في المنطقة العربية، كإيران وداعش. الأمر الذي جعل القيادة الفلسطينية، ترفض الرعاية الأمريكية للعملية السلمية، وتطالب برعاية دولية بديلة.

إن المطالبة بإنهاء رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لعلمية السلام، مشروعة بعد الإجراءات والسياسات التي يتبعها ترامب، لكن السؤال الأهم: هل موازين القوى الدولية الحالية، ترجح قبول دولة كبرى راعية عملية السلام؟

إذا تحدثنا عن روسيا الاتحادية، فهي تطالب باستمرار من الولايات المتحدة للعمل معًا؛ لإنهاء الأزمة السورية. وكذلك الصين التي تخشى على مصالحها الحيوية في المنطقة العربية، وأفريقيا إذا تواجهت مع الولايات المتحدة. وفيما يخص الاتحاد الأوروبي، فهو يعاني الآن من إشكالية تفكك الاتحاد، بعد خروج بريطانيا منه. هذا بالإضافة للعلاقات الثنائية بين الدول الكبرى وإسرائيل.

خاتمة الدراسة

أثبتت الكثير من التجارب التاريخية، والشواهد، أن الأمم فضلًا عن الدول، غالبًا ما تنهار من الداخل، كمقدمة لانهيارها من الخارج، نتيجة لتعثر أدائها الإستراتيجي، الأمر الذي يوفر لنا فرصًا متواترة للانقضاض على مقتربات الأداء الإستراتيجي الأمريكي وحيثياته، سبيلًا لاستقراء مستقبل الدولة الأمريكية ذاتها، ومشروعها الكوني في الهيمنة العالمية([224]). فقد شكّل وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض صدمة للكثيرين، حيث جاءت النتائج الأولية للانتخابات الأمريكية متقاربة مع مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلنتون. في المقابل، سعد القوميين، والذين استمعوا لخطابات دونالد ترامب الانتخابية، وما حملته من أمل مزيف لهم. بدأت صورته الحقيقية تتكشف للشعب الأمريكي، بعد مرور عامه الأول في الحكم، الذي لم ينقضِ، حتى صدرت وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة، التي تختلف جوهريًا مع الإستراتيجيات الأمريكية السابقة. فهي تقوم على “القومية الجديدة”، والتي يطلق عليها بعض السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية بـ “الترامبوية”.

هل رؤية ترامب للأمن القومي الأمريكي قابله التحقق؟

إن إستراتيجية ترامب الشعبوية، لن تستطيع منح مستقبلًا للولايات المتحدة عالميًا، فهي انسحبت من مجمل القضايا الدولية، التي تشكل لها دعمًا قويًا في تنفيذ سياستها الخارجية، بدءًا بأوروبا الغربية والمنظمات الدولية، وقضايا الإرهاب، التي تهم العالم بأسره في الشرق الأوسط، لا سيما الدول الأوروبية، التي استقبلت اللاجئين، والتدخل الروسي والصيني في المنطقة العربية. وكشف عن توجهات الولايات المتحدة الحقيقة في العالم، ما يفتح نقاشًا لإستراتيجيات الدول، لمناقشة سياسات الولايات المتحدة، وقد تتخذها الدول الكبرى، مدخلًا للعودة للعب دور رئيس في النظام العالمي الحالي.

لا تعالج إستراتيجية ترامب أزمة الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، وإنما تزيدها تعقيدًا. فقد أورد بريجنسكي، آليات إعادة السيطرة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين: “إن تحدي أمريكا المركزي ورسالتها الملحة جيوسياسيًا، خلال عدد من العقود القادمة، هما استعادة النشاط والفعالية، والمبادرة إلى الدفع نحو اجتراح غربي أوسع، وأكثر حيوية مع العمل في الوقت نفسه، على تدعيم التوازن المعقد في الشرق، وصولًا إلى احتواء قادم لدولة الصين العالمية الصاعدة على نحو بنّاء وتفادي الشواش العالمي”([225]). إن سياسة دونالد ترامب في عامه الأول أحدثت فوضى عالمية، نتيجة تصريحاته وسياساته فيما يخص العالم بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص. حيث أحدث ترامب تغييرًا كبيرًا، على نمط السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. حيث رفض ترامب الموقف الأمريكي التقليدي من عملية التسوية السياسية، للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتبنى الرؤية الإسرائيلية. ليس هذا فحسب، وإنما تشارك مع الكتلة اليمينية الحاكمة في إسرائيل؛ لتنفيذ المشروع الصهيوني وتوسعاته، لإقامة ما يسمى بـ “إسرائيل الكبرى”، على حساب إقامة الدولة الفلسطينية.

إن طبيعة التنافس الحالي للدول الكبرى في الشرق الأوسط هو حضاري، وليس أيديولوجي. رغم شعبوية ترامب وخطابه القومي، فالدول الكبرى، تنظر لنشر حضارتها وهيمنتها عالميًا، لكنها تسعى لذلك من خلال تحقيق مصالحها القومية. أي أن الهيمنة الحضارية، بهدف تحقيق المصالح، وليس بهدف نشر الحضارة.

في ختام دراستنا نؤكد على الحقيقة التالية: منذ وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم، وهو يسعى لفرض توجه جديد في السياسة الأمريكية “القومية الجديدة”، ويطيح بكل من يعارضه في إدارته ويستبدله بشخص أكثر قناعة وإصراراً على تمكين الفكر الترامبوي الجديد في السياسة الأمريكية. فقد عين في منصب مستشار الأمن القومي ثلاثة رجال أقوياء. الأول مايك فيلين Mike Phelan الذي لم يستمر في منصبة أكثر من أربعة أسابيع، بسبب قضية الاتصال والتواصل مع روسيا الاتحادية. والثاني ماكماستر McMaster صاحب صياغة الاستراتيجية الحالية. والذي أطاح به ترامب في 22 آذار/ مارس 2018م، على “تويتر”. وعين في المنصب الرجل الثالث، جون بولتون John Bolton.

إن تعيين الجمهوري المتشدد بولتون للمنصب، يعني استمرار “الترامبوية” إن أعيد طرح استراتيجية جديدة في العام 2019م، ستكون موائمة لما ورد في استراتيجية ترامب الأولى؛ إن لم تكن أكثر حدة.

الملاحق

ملحق رقم (1) أرشيف استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي، من ريغان إلى ترامب

National Security Strategy Archive, from Reagan to Trump

2017 Donald Trump National Security Strategy of the United States
2016 Barack Obama None Produced
2015 Barack Obama National Security Strategy
2014 Barack Obama None Produced
2013 Barack Obama None Produced
2012 Barack Obama None Produced
2011 Barack Obama None Produced
2010 Barack Obama National Security Strategy
2009 Barack Obama None Produced
2008 George W. Bush None Produced
2007 George W. Bush None Produced
2006 George W. Bush The National Security Strategy of the United States of America
2005 George W. Bush None Produced
2004 George W. Bush None Produced
2003 George W. Bush None Produced
2002 George W. Bush The National Security Strategy of the United States of America
2001 Bill Clinton A National Security Strategy For A Global Age
2000 Bill Clinton A National Security Strategy For A New Century
1999 Bill Clinton None Produced
1998 Bill Clinton A National Security Strategy For A New Century
1997 Bill Clinton A National Security Strategy For A New Century
1996 Bill Clinton A National Security Strategy of Engagement and Enlargement
1995 Bill Clinton A National Security Strategy of Engagement and Enlargement
1994 Bill Clinton A National Security Strategy of Engagement and Enlargement
1993 George H.W. Bush National Security Strategy of the United States
1992 George H.W. Bush None Produced
1991 George H.W. Bush National Security Strategy of the United States
1990 George H.W. Bush National Security Strategy of the United States
1989 George H.W. Bush None Produced

التاريخ القرارات والتصريحات
25 يناير 2018 صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمؤتمر صحفي بعد اجتماع ثنائي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس، أن الولايات المتحدة ستتوقف عن تحويل المساعدات المالية للسلطة الوطنية ما لم تدخل في مفاوضات سلام مع إسرائيل، واعتبار مدينة القدس خارج تلك المفاوضات.
22 يناير 2018 زيارة مايك بنس لإسرائيل وإلقاء كلمة في البرلمان “الكنيست” يؤكد فيها نقل السفارة قبل نهاية عام 2019م.
3 يناير 2018 في تغريده على تويتر، يهدد ترامب بخفض المساعدات للفلسطينيين قائلا انهم ليس لديهم “تقدير او احترام” للمدفوعات.

ويقول مسؤولون اسرائيليون ان هذه الخطوة يمكن ان تؤدى الى نتائج عكسية ويمكن ان تضعف القيادة الفلسطينية في القضايا الامنية.

23 ديسمبر 2017 يتعهد البيت الابيض بالوقوف على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل على الرغم من الضغط من الحلفاء وغيرهم من قادة العالم. وفي اليوم التالي، تعلن غواتيمالا أنها ستنقل سفارتها إلى القدس، لتصبح أول بلد يتبع قيادة الولايات المتحدة.
21 ديسمبر 2017 رفضت الامم المتحدة بأغلبية ساحقة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
6 ديسمبر 2017 قرار ترامب بشأن القدس

يعترف ترامب رسمياً “بالقدس عاصمة لإسرائيل” ويعتزم نقل السفارة الأمريكية. متحدي التحذيرات من الدول العربية وبعض حلفاء الولايات المتحدة. ويصر ترامب أن خطوته لن تعرقل جهود التوصل إلى اتفاق سلام.

25 أغسطس 2017 جاريد كوشنر على رأس وفد أمريكي للتوسط في محادثات السلام.

اجتمع كوشنير مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس. في ظل معادلة ” مواصلة عملية السلام، دون الالتزام بحل الدولتين”، مما يعني عدم رغبة راعي عملية السلام بإجراء مباحثات سلام جدية.

6 يونيو 2017 تحذر إدارة الرئيس دونالد ترامب من أن الولايات المتحدة قد تنسحب من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ما لم تنهى الهيئة ما تصفه واشنطن بتبييض انتهاكات الديكتاتوريين والهجمات غير العادلة على اسرائيل.
1 يونيو 2017 الرئيس ترامب يوقع على إعفاء الأمن القومي، مما أدى إلى نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
22-23 مايو 2017 زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى إسرائيل، ويزور حائط البراق “النصب التذكاري للمحرقة”. وهو أول رئيس أمريكي يزو حائط البراق.

يزور ترامب الأراضي الفلسطينية في بيت لحم ويعقد اجتماع ثنائي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

3 مايو 2017 الرئيس الفلسطيني محمود عباس يزور البيت الأبيض، ويعقد مع دونالد ترامب مؤتمر صحفي.
26 مارس 2017 ألقى نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، كلمة أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك”، مؤكداً على التزامات الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل ومنع البرنامج النووي الإيراني.
15 فبراير 2017 زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، وفي المؤتمر الصحفي لا يؤكد الرئيس الأمريكي على حل الدولتين، مما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس Antonio Guterres إلى التحذير من التخلي عن حل الدولتين.
2 فبراير 2017 يصرح ترامب بأن البناء في المستوطنات “قد لا يكون مفيداً” من أجل التوصل إلى سلام.
28 ديسمبر 2016 صرح ترامب بأنه يجب أن تبقى إسرائيل قوية حتى اتسلم منصبي.
21 مارس 2016 يصرح ترامب في حملته الانتخابية “تستطيع إسرائيل أن تبقى مستوطنات في الضفة الغربية”.
21 مارس 2016 يصرح ترامب في حملته الانتخابية “سننقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي-القدس”.

المراجع والمصادر

أولاً: الكتب العربية

  • أبو عامر، علاء. (2004): العلاقات الدولية الظاهرة والعلم-الدبلوماسية والإستراتيجية، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان-الأردن.
  • بدوي، محمد. مرسي، ليلي. (1999): مقدمة إلى العلوم السياسية، الدار الجامعية، الإبراهيمية-الإسكندرية.
  • بلقاسم، طحشي. (2017): الشرق الأوسط في ظل السياسة الخارجية للرئيس ترامب.. أي مستقبل، في كتاب “الشرق الأوسط في ظل أجندات السياسة الخارجية الأمريكية” المركز الديمقراطي العربي، برلين-ألمانيا.
  • حسين، فوزي. (2013): التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية وبرامج الأمن القولي للدول-الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا، مكتبة مدبولي، القاهرة-مصر.
  • عبد الخالق، لهيب. (2003): بين انهيارين: الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان-الأردن.
  • عمر، عبد الجواد. (2017): العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في شرق أوسط متغير ما بين تقارب وتباعد، الناشر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية-مسارات، رام الله-فلسطين.
  • فهمي، عبد القادر. (2010): النظريات الجزئية والكلية في العلاقات الدولية، الناشر دار الشروق، عمان-الأردن.
  • قاعود، يحيى. (2015): أطروحات فوكوياما وهانتنغتون والنظام العالمي الجديد، الناشر مركز البيان للبحوث والدراسات، الرياض-السعودية.
  • القيسي، محمد. (2016): الأداء الاستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008 “إدارة باراك أوباما أنموذجاً”، مكتبة العبيكان، الرياض-السعودية.
  • محمد سليم، السيد. (1998): تحليل السياسة الخارجية، الناشر مكتبة النهضة المصرية، ط2، القاهرة-مصر.
  • منسى، ميلاد. (2013): الكونغرس الأمريكي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، الناشر مكتبة مدبولي، القاهرة-مصر.
  • نعمة، كاظم. (2000): الوجيز في الإستراتيجية، منشورات أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الإستراتيجية-ليبا.
  • النعيمي، أحمد. (2011): السياسة الخارجية، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان-الأردن.
  • نيوف، صلاح. (بدون): مدخل إلى الفكر الاستراتيجي، الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.

ثانياً: الكتب الأجنبية

  • أوتكين، أناتولي. (2003): الإستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، (ت) أنور محمد إبراهيم ومحمد الجبالي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة-مصر.
  • إيرل، إدوارد. وآخرون. (1985): رواد الإستراتيجية الحديثة، (ت) محمد إبراهيم، الجزء الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت- لبنان.
  • بريجنسكي، زبيغنيو. (1999): رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيواستراتيجياً، (ت) مركز الدراسات العسكرية، ط2، الناشر مركز الدراسات العسكرية، بيروت-لبنان.
  • بريجنسكي، زبيغنيو. (2012): رؤية إستراتيجية أمريكا وأزمة السلطة العالمية، (ت) فاضل جتكر، دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان.
  • بورتشيل، سكوت. وآخرون. (2014): نظريات العلاقات الدولية، (ت) محمد صفار، المركز القومي للترجمة، القاهرة-مصر.
  • جروزبي، ستيفن. (2015): القومية، (ت) محمد الجندي، دار هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة- مصر.
  • دان، تيم. وآخرون. (2016): نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، (ت) ديما الخضرا، الناشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة-قطر.
  • غريفيش، مارتن. وأوكالاهان، تيري. (2008): المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، دبي-الإمارات العربية المتحدة.
  • فردمان، جورج. (2016): الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير، (ت) أحمد محمود، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة-مصر.
  • كالينيكوس، آليكس. (2002): الإستراتيجية الكبرى للإمبراطورية الأمريكية، (ت) مركز الدراسات الاشتراكية، القاهرة-مصر.
  • كيجلي، تشارلز. ويتكوف، يوجين. (2004): السياسة الخارجية الأمريكية ومصادرها الداخلية، (ت) عبد الوهاب علوب، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة-مصر.
  • هرتز، فردريك. (2011): القومية في السياسة والتاريخ، (ت) عبد الكريم أحمد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة.
  • وولف، مايكل. (2018): نار وغضب: البيت الأبيض في عهد ترامب، (ت) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت-لبنان، نسخة توزع في جمهورية مصر العربية فقط.
  • ياغر، هاري آر. (2011): الإستراتيجية ومحترفو الأمن القومي التفكير الاستراتيجي وصياغة الإستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، الناشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي-الإمارات.

ثالثاً: الدوريات والمجلات العلمية

  • تشومسكي، نعوم. (2016): ترامب في البيت الأبيض: مقابلة مع نعوم تشومسكي، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016.
  • جرجس، فواز. (2016): رئاسة دونالد ترامب: الخلفيات والدلالات ومستقبل السياسة الأمريكية، مجلة المستقبل العربي، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016م.
  • حافظ، زياد (2016): الانتخابات الأمريكية: قراءة أولية في النتائج والتداعيات، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016.
  • حشود، نور الدين. (2013): الإستراتيجية الأمنية الأمريكية بعد الحرب الباردة: من التفرد إلى الهيمنة 1990-2012، مجلة دفاتر السياسة والقانون، تصدر عن جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، العدد التاسع، جوان 2013.
  • زنودة، منى: (2008): أثر عامل شخصية الرئيس في السياسة الخارجية الأمريكية: دراسة مقارنة لعهدتي بيل كلنتون وجورج ولكر بوش، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة محمد خضر-بسكرة، الجزائر.
  • سالم، بول. (2016): فوز ترامب: قراءة في المشهدين الأمريكي والعالمي: مقابلة مع بول سالم، أجرى الحوار: فارس أبي صعب، مجلة المستقبل العربي، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016م.
  • سليمان، يمنى. (2016): توجهات السياسة الخارجية عند دونالد ترامب، المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة- مصر.
  • شناقة، صباح. (2012): إستراتيجية السياسة الخارجية العراقية لما بعد عام 2003، مجلة دراسات دولية، العدد الحادي والخمسون، جامعة بغداد-العراق.
  • صايج، مصطفى. (2017): إدارة ترامب وأفريقيا: التصورات والرهانات، مجلة المستقبل العربي، العدد 466، كانون أول/ ديسمبر.
  • عبد العظيم، زينب. (2017): الإستراتيجية الأمريكية العالمية واستمرار الحرب ضد الإرهاب، مركز الحضارة للدراسات السياسية، مجلة أمتي في العالم، القاهرة-مصر.
  • العبود، نضال. (2017): الانتخابات الرئاسية الأمريكية: الأبعاد التاريخية والسياسية والدستورية، مجلة المستقبل العربي، العدد 459، آيار / مايو 2017.
  • عقيل، وصفي. (2015): التحولات المعرفية للواقعية والليبرالية في نظرية العلاقات الدولية المعاصرة، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 42، العدد 1، الجامعة الأردنية، الأردن-عمان.
  • قاعود، يحيى. (2016): دور مجموعة بريكس السياسي في دعم القضية الفلسطينية، مركز التخطيط الفلسطيني – غزة، مجلة مركز التخطيط الفلسطيني عدد 48-49، غزة-فلسطين. 22 فبراير 2016م.
  • محمد، سري، محمد، مجيد. (2016): السياسة الخارجية الأمريكية-دراسة نظرية تحليلية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية- العراق.
  • محمد، معتز. (2017): سياسة الإدارة الامريكية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب تجاه العراق، المجلة السياسة والدولية.

رابعاً: ورش العمل واللقاءات المسجلة

  • زيفاياجلسكايا، إيرينا. (2017): ورشة عمل بعنوان “سياسة روسيا الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية”، الأربعاء 11 يناير 2017، مؤسسة بال ثنك للدراسات الإستراتيجية، قطاع غزة-فلسطين.
  • مقابلة مع أحمد الطيبي عضو الكنيست العربي على قناة BBC بتاريخ 10 مارس 2018، في برنامج Hardtack.

خامسا:ً الصحف والجرائد

  • الجرباوي، علي. (2018): إستراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس ترامب: تحليل في المضمون، جريدة الأيام الفلسطينية، العدد 7940، السنة الثالثة والعشرون.
  • جريدة القدس. (2018): 102 من أعضاء الكونغرس الأمريكي يطالبون ترامب بالاستمرار في دعم الأونروا، الجمعة 9 فبراير/شباط 2018م.
  • حسن البطل، ديبلوماسية.. بيبلوماسية.. وبرلوماسية، جريدة الأيام الفلسطينية، نشر في 4 أبريل 2018م.
  • صحيفة الحياة السعودية. (2017): من هو دونالد ترامب الحقيقي: جون بارون أم جون ميللر.. الرئيس أم المتدرب؟، نشر يوم الثلاثاء 25 تموز 2017.
  • صحيفة النهار اللبنانية. (2016): من هو دونالد ترامب… رئيس الولايات المتحدة الـ 45؟، نشرت في 9 تشرين ثاني 2016.
  • طريو، حسن. صيوان، هيثم.: الإدارة الأمريكية الجديدة ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني بين مشهدي الإلغاء وتشديد العقوبات الاقتصادية”، مجلة جامعة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 60، المستنصرية-العراق.
  • عزم، أحمد جميل. (2018): الهيمنة غير الليبرالية، جريدة الغد الأردنية، الخميس 15 فبراير/ شباط 2018.
  • محمد، سري، محمد، مجيد. (2016): السياسة الخارجية الأمريكية-دراسة نظرية تحليلية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية-العراق.
  • مرقس، سمير. (2010): إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي من ترومان إلى أوباما، جريدة الأهرام، العدد 45153، 22 يوليو 2010.
  • معلوم، حسين. (2017): “حمائية” ترامب ومعادلة الغربين “الأوسط” و”الأقصى”، جريدة الحياة السعودية، 20 يوليو/ تموز 2017.

سادساً: مواقع الانترنت

  • عرض كتاب إليوت كوهين. (2017): العصا الغليظة: حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكرية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة- مصر.

http://www.siyassa.org.eg/News/12086.asp.

  • مقابلة مع القس آل شاربتون Reverend Al Sharpton، في برنامج المواجهة: ترامب، على قناة ناشونال جيوغرافيك 2018.
  • كلير لوبيز Claire Lopez. (2017): لقاء تلفزيوني مع نائب رئيس مركز السياسة الأمنية في واشنطن كلير لوبيز Claire Lopez ضمن برنامج ساعة حرة، بتاريخ 18 ديسمبر 2017م، نشر في برنامج ساعة حرة، على قناة اليوتيوب

 https://www.youtube.com/watch?v=p6xPStbq-Ys

  • روسيا اليوم. (2017): عميل سابق في (CIA: إستراتيجية ترامب الجديدة تغري بالحرب، وكالة روسيا اليوم RT، نشر بتاريخ 19 ديسمبر2017.

 https://arabic.rt.com/world/916454\

  • ملحم، هشام. (2017): لقاء تلفزيوني مع خبير شؤون السياسة الخارجية الأمريكية هشام ملحم ضمن برنامج ساعة حرة، بتاريخ 18 ديسمبر 2017م، نشر في برنامج ساعة حرة، على قناة اليوتيوب.

https://www.youtube.com/watch?v=p6xPStbq-Ys

  • sputnik عربي. (2017): الصين ترد على إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، 19 ديسمبر 2017م.

https://arabic.sputniknews.com/world/201712191028563020

  • كريم، هشام. (2018): إقالة تيلرسون.. هل هي مقدمة تصعيد عالمي؟، ضيف برنامج أسأل أكثر، قناة روسيا اليوم، 13 آذار مارس 2018.

https://arabic.rt.com/prg/telecast/931992%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9

سبعاً: المراجع الأجنبية

  1. Ahmed, Salman: (2017): Trump’s National Security Strategy: A New Brand of Mercantilism?, Carnegie Endowment for International Peace, August 17, 2017

http://carnegieendowment.org/2017/08/17/trump-s-national-security-strategy-new-brand-of-mercantilism-pub-72816

  1. Albright, Madeleine. (2018): Will We Stop Trump Before It’s Too Late?, The New York Times, APRIL 6, 2018.
  2. Anthony H. Cordesman. (2017): President Trump’s New National Security Strategy, Center for Strategic and International Studies, December 18, 2017.

https://www.csis.org/analysis/president-trumps-new-national-security-strategy

  1. Bret Stephens. (2018): Gary Cohn’s breaking Point, The New York Times, MARCH 7, 2018.
  2. Churchman, David. (2018): Trump’s First Year: His Top 82 Accomplishments, Newsweek, Jan 22, 2018.
  3. Dinan, Stephen. Sherfinski, David. (2018): House, Senate pass massive budget increase; vote to end gov’t shutdown, The Washington Times, Friday, February 9, 2018.
  4. Dueck, Colin. (2018): The signal and the noise: Trump’s foreign policy in year two, American Enterprise Institute, January 10, 2018.

http://www.aei.org/publication/the-signal-and-the-noise-trumps-foreign-policy-in-year-two/

  1. Feaver, Peter. (2017): Five Takeaways from Trump’s National Security Strategy, FP- Foreign Policy, December 18, 2017.

  https://foreignpolicy.com/2017/12/18/five-takeaways-from-trumps-national-security-strategy/

  1. Feinman, Ronald. (2018): Trump’s First Year: The Long National Nightmare Is Nowhere Near Over, Newsweek, Jan 22, 2018.
  2. Fischer-Baum, Reuben. Vitkovskaya, Julie. (2018): One year of Trump: How the administration changed American foreign policy, The Washington Post, Jan. 22, 2018.
  3. Fischer-Baum, Reuben. Vitkovskaya, Julie. (2018): One year of Trump: How the administration changed American foreign policy, The Washington Post, Jan. 22, 2018
  4. Haas j. Lawrence. (2018): Unconventional Wisdom in the Middle East, American Foreign Policy Council, January 9, 2018.

http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3721

  1. Hyland, William. (1991): The Case for Pragmatism, 1991 Issue, Foreign Affairs.
  2. Kriner, Douglas. Shen, Francis. (2017): Battlefield Casualties and Ballot Box Defeat: Did the Bush-Obama Wars Cost Clinton the White House?, Posted to SSRN on June 19, 2017. Pp1-5.
  3. Lissner, Rebecca Friedman, (2017): The National Security Strategy Is Not a Strategy, Foreign Policy, December 19, 2017.

https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2017-12-19/national-security-strategy-not-strategy

  1. Posen, R. Barry. (2018): The Rise of Illiberal Hegemony, Foreign Affairs, March/April 2018 Issue.

https://www.foreignaffairs.com/articles/2018-02-13/rise-illiberal-hegemony\

  1. PUBLIC LAW 99-433-OCT. 1, 1986, Congress.
  2. Rothwell, Jonathan. Rosell, Pablo Diego. (2016): Explaining nationalist political views: The case of Donald Trump, Posted to SSRN on November 2, 2016, p4.
  3. Sangillo, Gregg. (2016): The New Imperial Presidency, American University, Washington, December 20016.

https://www.american.edu/ucm/news/2016708-executive-power.cfm

  1. The Washington Post. (2018): Trump ousts Tillerson, will replace him as secretary of state with CIA chief Pompeo, 13 March 2018.
  2. Trump, Donald. (2009): Think Like a Champion, Donald J. Trump with Meredith McIver, p2.
  3. White House. (1994): National security strategy of engagement and enlargement, The United State of America, July 1994.

* مركز التخطيط الفلسطيني

* أستاذ العلوم السياسية، عضو المجلس الوطني الفلسطيني

 (([1] ياغر، هاري آر. (2011): الإستراتيجية ومحترفو الأمن القومي التفكير الاستراتيجي وصياغة الإستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، الناشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي-الإمارات، ص23.

(([2] النعيمي، أحمد. (2011): السياسة الخارجية، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، ص 35

(([3] إيرل، إدوارد. وآخرون. (1985): رواد الإستراتيجية الحديثة، (ت) محمد إبراهيم، الجزء الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ص13.

([4]) حسين، فوزي. (2013): التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية وبرامج الأمن القولي للدول-الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا، مكتبة مدبولي، القاهرة-مصر، ص36.

(([5] للاستزادة راجع:

–   ياغر، هاري آر. (2011): الإستراتيجية ومحترفو الأمن القومي التفكير الاستراتيجي وصياغة الإستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، الناشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي-الإمارات.

–   نيوف، صلاح. (بدون): مدخل إلى الفكر الاستراتيجي، الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.

(([6] مرجع سابق. إيرال، إدوارد، وآخرين، ص14.

(([7] كالينيكوس، آليكس. (2002): الإستراتيجية الكبرى للإمبراطورية الأمريكية، (ت) مركز الدراسات الاشتراكية، القاهرة-مصر، ص6.

(([8] أبو عامر، علاء. (2004): العلاقات الدولية الظاهرة والعلم-الدبلوماسية والإستراتيجية، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، ص183.

(([9] مرجع سابق. ياغر، هاري آرـ ص26.

(([10] بدوي، محمد. مرسي، ليلي. (1999): مقدمة إلى العلوم السياسية، الدار الجامعية، الإبراهيمية-الإسكندرية، ص379.

(([11] نعمة، كاظم. (2000): الوجيز في الإستراتيجية، منشورات أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الإستراتيجية-ليبا، ص57.

(([12] شناقة، صباح. (2012): إستراتيجية السياسة الخارجية العراقية لما بعد عام 2003، مجلة دراسات دولية، العدد الحادي والخمسون، جامعة بغداد-العراق، ص113.

(([13] مرجع سابق. ياغر، هاري آرـ ص28.

([14]) الأداء الاستراتيجي الأمريكي American Strategic Performance: الأداء يعني الرؤية، أو النتيجة النهائية التي يسعى الأشخاص لصنعها. والرؤية الإستراتيجية الأمريكية تسبق تحديد المهمة، فالرؤية الإستراتيجية هي الدليل والمرشد لصياغة المهمة. وقد تعدل الرؤية أو توضع رؤية جديدة إذا ما واجه فريق العمل الاستراتيجي أحداثاَ ومتغيرات تؤثر على تنفيذه للمهمة. للاستزادة راجع:

  • القيسي، محمد. (2016): الأداء الاستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008 “إدارة باراك أوباما أنموذجاً”، مكتبة العبيكان، الرياض-السعودية.

([15]) مرجع سابق، القيسي، محمد، ص 21-22

([16]) مرجع سابق. حسين، فوزي، ص37.

([17]) محمد سليم، السيد. (1998): تحليل السياسة الخارجية، الناشر مكتبة النهضة المصرية، ط2، القاهرة-مصر، ص37.

([18]) مرجع سابق. محمد سليم، السيد، ص38.

([19]) محمد، سري، محمد، مجيد. (2016): السياسة الخارجية الأمريكية-دراسة نظرية تحليلية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية- العراق، ص 178.

([20]) القيسي، محمد. (2016): الأداء الاستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008 “إدارة باراك أوباما أنموذجاً”، مكتبة العبيكان، الرياض-السعودية، ص34.

(([21] مبدأ جيمس مونرو Monroe Doctrine: مبدأ الرئيس جيمس مونرو  James Monroeعبارة عن بيان ارسله إلى الكونغرس الأمريكي في ديسمبر 1823م، ينادي بضمان استقلال كل دول نصف الكرى الغربي ضد التدخل الأوروبي، وعدم اعتبارها دولاً خاضعة للاستعمار في المستقبل من أي قوى أوروبية.

(([22] مبدأ العصا الغليظة bag stick: منذ أن برزت الولايات المتحدة كقوة عظمي، بعد الحرب العالمية الثانية، وسياستها الخارجية تعتمد على المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي السابق، ثيودور روزفلت (1901-1909) “تحدث بلطف، واحمل عصا غليظة” “speak softly but carry a bag stick”. جاء تطبيق تلك المقولة خلال عصر التنافس مع الاتحاد السوفيتي السابق، إبان الحرب الباردة. للاستزادة راجع:

  • عرض كتاب إليوت كوهين. (2017): العصا الغليظة: حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكرية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة- مصر. http://www.siyassa.org.eg/News/12086.asp

(([23] مرقس، سمير. (2010): إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي من ترومان إلى أوباما، جريدة الأهرام، العدد 45153، 22 يوليو 2010.

([24]) مرجع سابق. مرقس، سمير، 2010م.

(([25] نظرية الاحتواء Containment: مثلت نظرية الاحتواء الهدف الأساسي لأمن الولايات المتحدة الأمريكية إزاء سياسة الاتحاد السوفياتي السابق خلال فترة الحرب الباردة. نظر لها جورج كينان، الذي عبر عنها في كتاباته “الحاجة إلى محاصرة التأثير السوفياتي ضمن حدوده”. للاستزادة راجع:

  • غريفيش، مارتن. وأوكالاهان، تيري. (2008): المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، دبي-الإمارات العربية المتحدة.

( ([26]للاستزادة راجع:

عبد الخالق، لهيب. (2003): بين انهيارين: الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان-الأردن.

([27]) Goldwater-Nichols Act of 1986: يهدف القانون إلى تحسين المشورة العسكرية المقدمة إلى الرئيس الأمريكي والمجس الوطني للأمن القومي ووزير الدفاع، وإنجاز الإستراتيجية من قبل بعثات الولايات المتحدة في الخارج، ووضمان تحسين عمل الموظفين المشتركة والسياسات المتخذة، وإدارة وتنظيم السلطات سواء في مجلس الشيوخ أو النواب. يقدم الرئيس الأمريكي تقرير سنوي للأمن القومي الأمريكي للسنة المقبلة للكونغرس، ويحدد كل تقرير إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة وتشمل وصف شامل ومناقشة لما يأتي:

  1. المصالح الأمريكية، والأهداف.
  2. السياسة الخارجية والالتزامات الوطنية والعالمية، والقدرات الدفاعية للولايات المتحدة اللازمة لردع العدوان.
  3. السياسات المقترحة قصيرة الأجل وطويل الاجل، للأغراض السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من العناصر المطلوبة لقوة الولايات المتحدة وحماية وتعزيز مصالحها وتحقيق أهدافها وغياتها المشار إليها في المادة (1) من القانون.
  4. كفاءة وقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ إستراتيجية الامن القومي.
  5. المعلومات الأخرى التي قد تكون ضرورية لمساعدة الكونغرس بالمسائل المتعلقة بإستراتيجية الأمن القومي.

للاستزادة راجع:

PUBLIC LAW 99-433-OCT. 1, 1986, Congress

([28]) صحيفة النهار اللبنانية. (2016): من هو دونالد ترامب… رئيس الولايات المتحدة الـ 45؟، نشرت في 9 تشرين ثاني 2016.

([29]) صحيفة الحياة السعودية. (2017): من هو دونالد ترامب الحقيقي: جون بارون أم جون ميللر.. الرئيس أم المتدرب؟، نشر يوم الثلاثاء 25 تموز 2017.

([30]) Trump, Donald. (2009): Think Like a Champion, Donald J. Trump with Meredith McIver, p2.   

([31]) مقابلة مع القس آل شاربتون Reverend Al Sharpton، في برنامج المواجهة: ترامب، على قناة ناشونال جيوغرافيك 2018.

([32]) وولف، مايكل. (2018): نار وغضب: البيت الأبيض في عهد ترامب، (ت) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت-لبنان، نسخة توزع في جمهورية مصر العربية فقط. ص23-24.

(([33] حافظ، زياد (2016): الانتخابات الأمريكية: قراءة أولية في النتائج والتداعيات، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016، ص36-37.

(([34] تشومسكي، نعوم. (2016): ترامب في البيت الأبيض: مقابلة مع نعوم تشومسكي، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016، ص19.

([35]) محمد، معتز. (2017): سياسة الإدارة الامريكية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب تجاه العراق، المجلة السياسة والدولية، ص594.

(35) Rothwell, Jonathan. Rosell, Pablo Diego. (2016): Explaining nationalist political views: The case of Donald Trump, Posted to SSRN on November 2, 2016, p4.

(36) Kriner, Douglas. Shen, Francis. (2017): Battlefield Casualties and Ballot Box Defeat: Did the Bush-Obama Wars Cost Clinton the White House?, Posted to SSRN on June 19, 2017. Pp1-5.

([38] (Feaver, Peter. (2017): Five Takeaways from Trump’s National Security Strategy, FP- Foreign Policy, December 18, 2017.

  https://foreignpolicy.com/2017/12/18/five-takeaways-from-trumps-national-security-strategy/

([39]) الجرباوي، علي. (2018): إستراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس ترامب: تحليل في المضمون، جريدة الأيام الفلسطينية، العدد 7940، السنة الثالثة والعشرون، ص8.

([40]) نيوف، صلاح. (بدون): مدخل إلى الفكر الاستراتيجي، الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، ص4.

([41]) الانعزالية Isolationism: إستراتيجية سياسية هدفها التقليص من المشاركة الدبلوماسية في النظام العالمي إلى حدها الأدنى، الفكرة الأساسية من وراء الانعزالية هي أن الدولة ستكون أكثر أماناً وأقل عرضة للتدخلات الخارجية إذا ما حددت اتصالاتها بالدول الأخرى. وقد تبنت الولايات المتحدة الانعزالية في عهد الرئيس السابق جورج واشنطن (الرئيس الأول 1789-1797)، فقد قال في خطبته الأخيرة قبل موته “إن على أمريكا أن تبقى بعيد من التحالفات الدائمة مع أي جزء من أجزاء العالم الخارجي”، وفي عقيدة الرئيس السابق جيمس مونرو (الرئيس الخامس 1817-1825). انتهت الانعزالية الرسمية بانخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى عامي 1918-1919 ثم عادت إليها بعد نهاية الحرب. وحينما دخلت الحرب العالمية الثانية انتهت الانعزالية الامريكية وأصبحت تتدخل في شؤون الدول الأخرى. مع ذلك، ما زالت الرغبة في الانسحاب من القضايا العالمية تطل برأسها في الجدال حول السياسة الخارجية الأمريكية، إن الشد والجذب بين الانعزالية والدولية مصدر دائم للجدل في الدبلوماسية الأمريكية، وسيظل كذلك لعدد من السنوات القادمة. للاستزادة راجع:

  • غريفيش، مارتن. أوكالاهان، تيري. (2008): المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، (ت) مركز الخليج للأبحاث، الناشر مركز الخليج للأبحاث، دبي-الإمارات.

 (41) White House. (2017): National security strategy of the United States of America. The United State of America, DC 2017, p7.

 (42) Ibid, White House, 2017, p8.

Ibid, White House, 2017, p8 ([44])

Ibid, White House, 2017, p9-10.  ([45])

Ibid, White House, 2017, p10 ([46])

([47])Ibid, White House, 2017, p10.

([48])Ibid, White House, 2017, p11.

Ibid, White House, 2017, p13. ([49])

Ibid, White House, 2017, p13.  ([50])

Ibid, White House, 2017, p13. ([51])

 Ibid, White House, 2017, p13. ([52])

Ibid, White House, 2017, p13. ([53])

Ibid, White House, 2017, p14. ([54])

Ibid, White House, 2017, p14. ([55])

Ibid, White House, 2017, p14. ([56])

Ibid, White House, 2017, p14. ([57])

Ibid, White House, 2017, p17.  ([58])

Ibid, White House, 2017, p17.  ([59])

Ibid, White House, 2017, p18.  ([60])

Ibid, White House, 2017, p19.  ([61])

([62]) Ibid, White House, 2017, p21.

 ([63])Ibid, White House, 2017, p23-34.

Ibid, White House, 2017, p25.  ([64])

Ibid, White House, 2017, p26 ([65])

Ibid, White House, 2017, p27.  ([66])

Ibid, White House, 2017, p27.  ([67])

Ibid, White House, 2017, p27. ([68])

Ibid, White House, 2017, p28.  ([69])

Ibid, White House, 2017, p28. ([70])

Ibid, White House, 2017, p28. ([71])

)67) Ibid, White House, 2017, p32.

Ibid, White House, 2017, p33. ([73])

Ibid, White House, 2017, p33.  ([74])

Ibid, White House, 2017, p37. ([75])

Ibid, White House, 2017, p37. ([76])

Ibid, White House, 2017, p38. ([77])

([78]) Ibid, White House, 2017, p38.

([79])  Ibid, White House, 2017, p38.

 ([80]) Ibid, White House, 2017, p39.

([81])  Ibid, White House, 2017, p40.

([82])  Ibid, White House, 2017, p45-46.

([83])  Ibid, White House, 2017, p46.

 ([84]) Ibid, White House, 2017, p46.

 ([85]) Ibid, White House, 2017, p46.

([86])  Ibid, White House, 2017, p46.

 ([87]) Ibid, White House, 2017, p46.

([88]) للاستزادة راجع:

Ibid, White House, 2017, p46- p48

 ([89]) Ibid, White House, 2017, p47.

 ([90]) Ibid, White House, 2017, p48.

Ibid, White House, 2017, p48. ([91])

Ibid, White House, 2017, p49. ([92])

Ibid, White House, 2017, p49. ([93])

Ibid, White House, 2017, p49. ([94])

Ibid, White House, 2017, p49.  ([95])

([96]) تصنيف الولايات المتحدة للجماعات الإرهابية: بالإضافة إلى تنظيم الدولة-داعش، والقاعدة، تصنف الولايات المتحدة الأمريكية منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وحزب الله اللبناني جماعات إرهابية.

Ibid, White House, 2017, p49. ([97])

Ibid, White House, 2017, p49. ([98])

Ibid, White House, 2017, p49. ([99])

Ibid, White House, 2017, p49. ([100])

([101]) للاستزادة راجع:

Ibid, White House, 2017, p49- p50.

([102])  Ibid, White House, 2017, p50.

([103])  Ibid, White House, 2017, p50.

([104])  Ibid, White House, 2017, p50.

(([105] تطلق تسمية “نصف الكرة الغربي” Western Hemisphere على الكتلة الأرضية التي تقع غرب خط الزوال الرئيسي الذي يتقاطع عند خط جرينتش- لندن، وشرق خط الزوال 180. وهو مصطلح جغرافي لوصف نصف الأرض. ويتكون نصف الكرة الغربي من الأميركتين، المناطق الغربية من أوروبا وأفريقيا، الحافة الشرقية القصوى من روسيا، عدد من المناطق في اوقيانوسيا، وجزء من أنتاركتيكا، التي يتثنى منها بعض من جزر الأوليتان إلى الجنوب من البر الآلاسكي.

([106])  Ibid, White House, 2017, p51.

 ([107]) Ibid, White House, 2017, p51.

 ([108]) Ibid, White House, 2017, p51.

([109])  Ibid, White House, 2017, p51.

 Ibid, White House, 2017, p52. ([110])

 ([111])Ibid, White House, 2017, p52-53.

 (86) Lissner, Rebecca Friedman, (2017): The National Security Strategy Is Not a Strategy, Foreign Policy, December 19, 2017.

https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2017-12-19/national-security-strategy-not-strategy

(87) Dueck, Colin. (2018): The signal and the noise: Trump’s foreign policy in year two, American Enterprise Institute, January 10, 2018.

http://www.aei.org/publication/the-signal-and-the-noise-trumps-foreign-policy-in-year-two/

(88)  Ibid, Feaver, Peter. (2017).  

 ([115]) كلير لوبيز Claire Lopez. (2017): لقاء تلفزيوني مع نائب رئيس مركز السياسة الأمنية في واشنطن كلير لوبيز Claire Lopez ضمن برنامج ساعة حرة، بتاريخ 18 ديسمبر 2017م، نشر في برنامج ساعة حرة، على قناة اليوتيوب

https://www.youtube.com/watch?v=p6xPStbq-Ys

 (([116] روسيا اليوم. (2017): عميل سابق في (CIA: إستراتيجية ترامب الجديدة تغري بالحرب، وكالة روسيا اليوم RT، نشر بتاريخ 19 ديسمبر2017.

https://arabic.rt.com/world/916454

(([117] للاستزادة راجع:

قاعود، يحيى. (2015): أطروحات فوكوياما وهانتنغتون والنظام العالمي الجديد، الناشر مركز البيان للبحوث والدراسات، الرياض-السعودية.

(([118] حشود، نور الدين. (2013): الإستراتيجية الأمنية الأمريكية بعد الحرب الباردة: من التفرد إلى الهيمنة 1990-2012، مجلة دفاتر السياسة والقانون، تصدر عن جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، العدد التاسع، جوان 2013، ص384.

(([119]مرجع سابق. كالينيكوس، آليكس، 2002، ص9.

([120]) للاستزادة راجع:

White House. (1994): National security strategy of engagement and enlargement, The United State of America, July 1994.

(([121] أوتكين، أناتولي. (2003): الإستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، (ت) أنور محمد إبراهيم ومحمد الجبالي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة-مصر، ص24.

([122]) زنودة، منى: (2008): أثر عامل شخصية الرئيس في السياسة الخارجية الأمريكية: دراسة مقارنة لعهدتي بيل كلنتون وجورج ولكر بوش، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة محمد خضر-بسكرة، الجزائر، ص118.

(([123] مرجع سابق. أوتكين، أناتولي، ص25.

([124]) مرجع سابق. زنودة، منى، ص123.

([125]) للاستزادة راجع:

White House. (2002): The National security strategy of America. The, September 2002.

([126]) للاستزادة راجع:

White House. (2006): The National security strategy of United States of America, March 2006.

(([127] مرجع سابق. كالينيكوس، آليكس، ص40-41.

(([128] عبد العظيم، زينب. (2017): الإستراتيجية الأمريكية العالمية واستمرار الحرب ضد الإرهاب، مركز الحضارة للدراسات السياسية، مجلة أمتي في العالم، القاهرة-مصر، ص831.

(103) White House. (2015): NATIONAL SECURITY STRATEGY., Feb 2015.

      White House. Feb 2015.  ([130])

([131]) الاتفاق النووي الإيراني: عقد اتفاق بين إيران والدول الخمس (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، روسيا الاتحادية)، فهي عهد ولاية الرئيس باراك أوباما عام 2015م، وهو اتفاق على احتواء إيران وجعل برنامجها النووي تحت أشرف ومراقبة المجتمع الدولي، إلا أن تغيير الإدارة الأمريكية بوصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، أحدث تغيير كبير في السياسة اتجاه إيران، ويطالب بضرورة إلغاء الاتفاق النووي باعتباره اسوء صفقة دخلت بها الولايات المتحدة مع أكبر دولة راعية للإرهاب وأحد محاور الشر في العالم وفق وجهة النظر الأمريكية. للاستزادة راجع:

  • طريو، حسن. صيوان، هيثم.: الإدارة الأمريكية الجديدة ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني بين مشهدي الإلغاء وتشديد العقوبات الاقتصادية”، مجلة جامعة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 60، المستنصرية-العراق.

([132]) مرجع سابق. حسين، فوزي. ص156.

([133]) للاستزادة راجع:

محمد، سري، محمد، مجيد. (2016): السياسة الخارجية الأمريكية-دراسة نظرية تحليلية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية-العراق، ص 184.

([134]) مرجع سابق. حسين، فوزي، ص67.

 (109) Posen, R. Barry. (2018): The Rise of Illiberal Hegemony, Foreign Affairs, March/April 2018 Issue.

https://www.foreignaffairs.com/articles/2018-02-13/rise-illiberal-hegemony

([136]) للاستزادة راجع:

محمد، سري، محمد، مجيد. (2016): السياسة الخارجية الأمريكية-دراسة نظرية تحليلية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية-العراق، ص 184-188.

 (111) Ahmed, Salman: (2017): Trump’s National Security Strategy: A New Brand of Mercantilism?, Carnegie Endowment for International Peace, August 17, 2017

http://carnegieendowment.org/2017/08/17/trump-s-national-security-strategy-new-brand-of-mercantilism-pub-72816

([138]) بريجنسكي، زبيغنيو. (1999): رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيوستراتيجياً، (ت) مركز الدراسات العسكرية، ط2، الناشر مركز الدراسات العسكرية، بيروت-لبنان، ص187.

([139]) المرجع السابق، بريجنسكي، زبيغنيو، 1999، ص 188-191.

  ([140]) Hyland, William. (1991): The Case for Pragmatism, 1991 Issue, Foreign Affairs. 

([141]( للاستزادة راجع:

قاعود، يحيى. (2016): دور مجموعة بريكس السياسي في دعم القضية الفلسطينية، مركز التخطيط الفلسطيني – غزة، مجلة مركز التخطيط الفلسطيني عدد 48-49، غزة-فلسطين. 22 فبراير 2016م.

([142])  Sullivan, Jake. (2018):  The World After Trump How the System Can Endure, Foreign Affairs, March/April 2018 Issue.

https://www.foreignaffairs.com/articles/2018-03-05/world-after-trump?cid=nlc-fa_fatoday-20180323

([143]) راجع في ذلك كتاب:
جروزبي، ستيفن. (2015): القومية، (ت) محمد الجندي، دار هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة- مصر، ص12 وما يليها.

([144]) هرتز، فردريك. (2011): القومية في السياسة والتاريخ، (ت) عبد الكريم أحمد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة- مصر، ص17.

([145]) مرجع سابق، جروزبي، ستفين، ص24.

([146]) سليمان، يمنى. (2016): توجهات السياسة الخارجية عند دونالد ترامب، المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة- مصر، ص2.

([147])  مرجع سابق. وولف، مايكل، ص18.

([148]) مرجع سابق. وولف، مايكل، ص176.

([149]) الحمائية: مذهب اقتصادي يقيد التجارة بين الدول؛ لحماية المنتوج والاقتصاد الوطني، ويتم ذلك بطرق متنوعة منها: فرض رسوم جمركية وتحديد الكميات المستورة.

([150]) معلوم، حسين. (2017): “حمائية” ترامب ومعادلة الغربين “الأوسط” و”الأقصى”، جريدة الحياة السعودية، 20 يوليو/ تموز 2017.

(([151] صايج، مصطفى. (2017): إدارة ترامب وأفريقيا: التصورات والرهانات، مجلة المستقبل العربي، العدد 466، كانون أول/ ديسمبر، ص78.

([152](Anthony H. Cordesman. (2017): President Trump’s New National Security Strategy, Center for Strategic and International Studies, December 18, 2017.

https://www.csis.org/analysis/president-trumps-new-national-security-strategy

(([153] العبود، نضال. (2017): الانتخابات الرئاسية الأمريكية: الأبعاد التاريخية والسياسية والدستورية، مجلة المستقبل العربي، العدد 459، آيار / مايو 2017، ص56.

([154]) بلقاسم، طحشي. (2017): الشرق الأوسط في ظل السياسة الخارجية للرئيس ترامب.. أي مستقبل، في كتاب “الشرق الأوسط في ظل أجندات السياسة الخارجية الأمريكية” المركز الديمقراطي العربي، برلين-ألمانيا، ص474.

([155] (Posen, R. Barry. (2018): The Rise of Illiberal Hegemony, Foreign Affairs, March/April 2018 Issue.

https://www.foreignaffairs.com/articles/2018-02-13/rise-illiberal-hegemony

 ([156])Ibid, Ahmed, Salman..

([157]) النظرية الليبرالية Liberalism: ركز رواد الليبرالية على الجانب الاقتصادي، واعتبروه نقطة البداية في علاقة الدولة مع المجتمع الدولي، ومن خلال النظام الرأسمالي سوف يحصل الفرد على المزيد من الثروة وسيتحقق بذلك السلم، وهي الأكثر حرصاً على إيجاد نظام ديمقراطي وسلام دائم. إن نظرة الليبراليين للسياسة الداخلية انعكست على نظرتهم للسياسة الدولية، فهم يعترفون بأن الحرب من الصفات الأساسية للعلاقات الدولية، ولكنها ليست صفة دائما حيث من الممكن تغييرها نظراً لإمكانية تغيير الأفكار البشرية، ويفترض الليبراليون أن الديمقراطيات لا تحارب بعضها البعض وتضع قيداً على الحروب. الليبرالية الجديدة Neo-Liberalism أدخلت على الليبرالية تعديلات جديدة التي انطلقت منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين معتمدة بشكل واضح على ميكانزم التفاعل بين الفاعلين الجدد في النظام الدولي، الاتحاد الأوروبي، وانهيار لاتحاد السوفيتي، ودخول الصين السوق العالمية وفق النظام الرأسمالي، متجاوزة أطروحة إقامة حكومة عالمية، معترفة بالتفاعل بين الأطراف الفاعلة في العلاقات الدولية في النظام العالمي الجديد. للاستزادة راجع:

  • بورتشيل، سكوت. وآخرون. (2014): نظريات العلاقات الدولية، (ت) محمد صفار، المركز القومي للترجمة، القاهرة-مصر.
  • دان، تيم. وآخرون. (2016): نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، (ت) ديما الخضرا، الناشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة-قطر.
  • عقيل، وصفي. (2015): التحولات المعرفية للواقعية والليبرالية في نظرية العلاقات الدولية المعاصرة، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 42، العدد 1، الجامعة الأردنية، الأردن-عمان.

([158]) Posen, R. Barry. (2018): The Rise of Illiberal Hegemony, Foreign Affairs, March/April 2018 Issue.

https://www.foreignaffairs.com/articles/2018-02-13/rise-illiberal-hegemony

([159]) بريجنسكي، زبيغنيو. (2012): رؤية إستراتيجية أمريكا وأزمة السلطة العالمية، (ت) فاضل جتكر، دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان. 

(([160] عزم، أحمد جميل. (2018): الهيمنة غير الليبرالية، جريدة الغد الأردنية، الخميس 15 فبراير/ شباط 2018.

(([161] جرجس، فواز. (2016): رئاسة دونالد ترامب: الخلفيات والدلالات ومستقبل السياسة الأمريكية، مجلة المستقبل العربي، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016م، ص10.

(([162] للاستزادة راجع:

عزم، أحمد جميل. (2018): الهيمنة غير الليبرالية، جريدة الغد الأردنية، الخميس 15 فبراير/ شباط 2018.

(([163] سالم، بول. (2016): فوز ترامب: قراءة في المشهدين الأمريكي والعالمي: مقابلة مع بول سالم، أجرى الحوار: فارس أبي صعب، مجلة المستقبل العربي، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016م، ص32.

([164]) مرجع سابق. محمد سليم، السيد، ص136-137.

([165]) كيجلي، تشارلز. ويتكوف، يوجين. (2004): السياسة الخارجية الأمريكية ومصادرها الداخلية، (ت) عبد الوهاب علوب، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة-مصر، ص17.

([166]) منسى، ميلاد. (2013): الكونغرس الأمريكي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، الناشر مكتبة مدبولي، القاهرة-مصر، ص 25.

(([167] مرجع سابق، فردمان، جورج. ص61.

([168]) محمد، سري، محمد، مجيد. (2016): السياسة الخارجية الأمريكية-دراسة نظرية تحليلية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية-العراق، ص 174.

([169]) للاستزادة راجع في ذلك:

منسي، ميلاد. (2013): الكونغرس الأمريكي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، الناشر مكتبة مدبولي، القاهرة-مصر، الصفحات 25-26-27-28.

([170]) مرجع سابق. منسي، ميلاد، ص28.

Ibid, Dueck, Colin, 2018.  ([171])

(([172] جرجس، فواز. (2016): رئاسة دونالد ترامب: الخلفيات والدلالات ومستقبل السياسة الأمريكية، مجلة المستقبل العربي، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016م، ص13.

([173]) مرجع سابق. سليمان، يمني، ص2

(([174] مقابلة مع نعوم تشومسكي. (2016)، ترامب في البيت الأبيض: مقابلة مع نعوم تشومسكي، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016، ص20.

([175]) Dinan, Stephen. Sherfinski, David. (2018): House, Senate pass massive budget increase; vote to end gov’t shutdown, The Washington Times, Friday, February 9, 2018.

https://m.washingtontimes.com/news/2018/feb/9/senate-passes-massive-budget-increase-house-must-v/

(([176] جريدة القدس. (2018): 102 من أعضاء الكونغرس الأمريكي يطالبون ترامب بالاستمرار في دعم الأونروا، الجمعة 9 فبراير/شباط 2018م.

([177]) Yarhi-Milo, Keren. (2018): After Credibility American Foreign Policy in the Trump Era, Foreign Policy, January/February 2018 Issue.

https://www.foreignaffairs.com/articles/2017-12-12/after-credibility?cid=int-lea&pgtype=hpg

([178]) النظرية الواقعية Realism: تتربع النظرية الواقعية على قمة هرم النظريات الوضعية في تفسير العلاقات الدولية.

انطلقت المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية من زاوية ما هو قائم فعلاً (عالم الوقائع المادية)، وليس من زاوية ما ينبغي أن يكون التي حملتها النظرية المثالية للعلاقات الدولية (عالم الافتراضات المثالية). وكما يراها مفكروها، تستند الواقعية على الطبيعة البشرية التي تتصف بالأنانية والشرور، أي عدوانية الإنسان وأنانيته، والتي تتضح بسعية الدؤوب نحو تعظيم مصلحته الشخصية على حساب الآخرين، ووفق هذه الفكرة فإن الدولة وجدت لكبح جماح الإنسان وشروره بالأنظمة والقوانين، وبما أن الواقع الدولي كواقع النظام السياسي في الدولة (الواقعية السياسية Political Realism  في السياسة الدولية)، يرى منظرو الواقعية السياسية بأن السياسة الدولية ليست إلا صراعا من أجل السلطة بين الدول، لذلك فإن الدولة تسعى للمحافظة على نفسها بتعظيم قوتها لقناعتها بأن النظام الدولي ليس إلا حلبة للمنافسة. مسألة القوة في النظرية الواقعية هو الخيار الأكثر قبولاً لحماية مصالح الدولة وضمان تحقيقها. أما الواقعية الجديدةNeo-Realism ، التي حدثها مفكري المدرسة الواقعية، ومنهم Kenneth Waltz الذي أدخل منهج التركيب الفوضوي للنظام الدولي المعتمد على ميكانزيم التفاعل، وأدخل البعد الاقتصادي كمتغير للقوة. إذن أصحبت الواقعية تنظر إلى القوة بكافة أنواعها لتحقيق مصالح الدولة في النظام الدولي.  للاستزادة راجع:

  • بورتشيل، سكوت. وآخرون. (2014): نظريات العلاقات الدولية، (ت) محمد صفار، المركز القومي للترجمة، القاهرة-مصر.
  • دان، تيم. وآخرون. (2016): نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، (ت) ديما الخضرا، الناشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة-قطر.
  • فهمي، عبد القادر. (2010): النظريات الجزئية والكلية في العلاقات الدولية، الناشر دار الشروق، عمان-الأردن.
  • عقيل، وصفي. (2015): التحولات المعرفية للواقعية والليبرالية في نظرية العلاقات الدولية المعاصرة، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 42، العدد 1، الجامعة الأردنية، الأردن-عمان.

(([179]أوتكين، أناتولي. (2003): الإستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، (ت) أنور محمد إبراهيم ومحمد الجبالي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة-مصر، ص19.

([180]) مرجع سابق. علي الجرباوي، ص8.

Ibid, Dueck, Colin, 2018.  ([181])

([182])Ibid, Yarhi-Milo, Keren.

([183]) مرجع سابق. سليمان، يمني، ص2

([184])  Ibid, Ahmed, Salman.

(154) Sangillo, Gregg. (2016): The New Imperial Presidency, American University, Washington, December 20016.

 https://www.american.edu/ucm/news/2016708-executive-power.cfm

([186]) Fischer-Baum, Reuben. Vitkovskaya, Julie. (2018): One year of Trump: How the administration changed American foreign policy, The Washington Post, Jan. 22, 2018.

([187]) Anthony H. Cordesman. (2017): President Trump’s New National Security Strategy, Center for Strategic and International Studies, December 18, 2017.

https://www.csis.org/analysis/president-trumps-new-national-security-strategy

 ([188])Ibid, Yarhi-Milo, Keren.

([189])Albright, Madeleine. (2018): Will We Stop Trump Before It’s Too Late?, The New York Times, APRIL 6, 2018.

([190]) ملحم، هشام. (2017): لقاء تلفزيوني مع خبير شؤون السياسة الخارجية الأمريكية هشام ملحم ضمن برنامج ساعة حرة، بتاريخ 18 ديسمبر 2017م، نشر في برنامج ساعة حرة، على قناة اليوتيوب

https://www.youtube.com/watch?v=p6xPStbq-Ys

(159) Fischer-Baum, Reuben. Vitkovskaya, Julie. (2018): One year of Trump: How the administration changed American foreign policy, The Washington Post, Jan. 22, 2018.

(([192] سالم، بول. (2016): فوز ترامب: قراءة في المشهدين الأمريكي والعالمي: مقابلة مع بول سالم، أجرى الحوار: فارس أبي صعب، مجلة المستقبل العربي، العدد 454، كانون أول/ ديسمبر 2016م، ص35.

(([193] زيفاياجلسكايا، إيرينا. (2017): ورشة عمل بعنوان “سياسة روسيا الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية”، الأربعاء 11 يناير 2017، مؤسسة بال ثنك للدراسات الإستراتيجية، قطاع غزة-فلسطين.

([194]) sputnik عربي. (2017): الصين ترد على إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، 19 ديسمبر 2017م.

https://arabic.sputniknews.com/world/201712191028563020

([195])  Wilentz, Sean. (2018): They Were Bad. He May Be Worse, The New York Times, Jan. 20, 2018.

Ibid, Wilentz, Sean.  ([196])

([197]) Feinman, Ronald. (2018): Trump’s First Year: The Long National Nightmare Is Nowhere Near Over, Newsweek, Jan 22, 2018.

http://www.newsweek.com/trumps-first-year-long-national-nightmare-nowhere-near-over-786142

([198]) Churchman, David. (2018): Trump’s First Year: His Top 82 Accomplishments, Newsweek, Jan 22, 2018.

http://www.newsweek.com/trumps-first-year-his-top-82-accomplishments-786130

 ([199])Yarhi-Milo, Keren

([200]) Ibid, Feaver, Peter. (2017).  

([201]) مرجع سابق. وولف، مايكل. ص131-143.

([202]) المرجع السابق. ص327.

([203]) صاغ ستيف بانون مصطلح “جارفانكا” الذي يعد استخدامه الآن أكبر من أي وقت مضى في البيت الأبيض، ويعني المزج بين اسمي الزوجين “إيفانكا وجاريد” “Ivanka Trump، Jared Kushner” للدلالة على التنسيق بينهما، وقد مثل خبر الاتفاق بينهما صدمة مرعبة له.

كتاب: وولف، مايكل. (2018): “نار وغضب: البيت الأبيض في عهد ترامب”.

([204]) كريم، هشام. (2018): إقالة تيلرسون.. هل هي مقدمة تصعيد عالمي؟، ضيف برنامج أسأل أكثر، قناة روسيا اليوم، 13 آذار مارس 2018.

https://arabic.rt.com/prg/telecast/931992-%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9

([205]) للاستزادة راجع:

Bret Stephens. (2018): Gary Cohn’s breaking Point, The New York Times, MARCH 7, 2018.

 https://www.nytimes.com/2018/03/07/opinion/gary-cohn-breaking-point.html

([206]) The Washington Post. (2018): Trump ousts Tillerson, will replace him as secretary of state with CIA chief Pompeo, 13 March 2018.

https://www.washingtonpost.com/politics/trump-ousts-tillerson-will-replace-him-as-secretary-of-state with-cia-chief-pompeo/2018/03/13/30f34eea-26ba-11e8-b79d-f3d931db7f68_story.html?utm_term=.80d7952c5e36

([207]) مرجع سابق. كريم، هشام 2018م.

([208]) جون بولتن John R. Bolton: شغل منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون تحديد الأسلحة والأمن الدولي من عام 2001 إلى عام 2005، وكذلك منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة من 2005-2006، ينتمي للمحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، وأحد الصقور البارزين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، لا يؤمن بعمل المنظمات الدولية. يعمل حالياً باحثاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والأمن القومي، ومستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد- إدارة دونالد ترامب.

([209])  مرجع سابق. بلقاسم، طحشي، ص468.

(([210] عمر، عبد الجواد. (2017): العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في شرق أوسط متغير ما بين تقارب وتباعد، الناشر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية-مسارات، رام الله-فلسطين، ص13.

( ([211]فردمان، جورج. (2016): الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير، (ت) أحمد محمود، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة-مصر، ص147.

([212]) طريو، حسن. صيوان، هيثم. (): الإدارة الأمريكية الجديدة ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني بين مشهدي الإلغاء وتشديد العقوبات الاقتصادية”، مجلة جامعة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 60، المستنصرية- العراق، ص4-7.

([213] (Bolton R. John. (2018): Mike Pence in the Middle East: The new point man on foreign policy?, American Enterprise Institute, January 24, 2018.

http://www.aei.org/publication/mike-pence-in-the-middle-east-the-new-point-man-on-foreign-policy/

(([214] مرجع سابق. عمر، عبد الجواد، ص54.

([215]) مرجع سابق، الجرباوي، علي، ص8.

([216]) مرجع سابق. وولف، مايكل. ص19.

([217]) مقابلة مع أحمد الطيبي عضو الكنيست العربي على قناة BBC بتاريخ 10 مارس 2018، في برنامج Hardtack.

([218]) Yadlin, Amos. Golov, Avner. (2017): The Need for an Israeli-American Dialogue in Light of the “America First” Strategy, INSS Insight No. 1001, December 22, 2017, p1.

Ibid, Yadlin, Amos. Golov, Avner. 2017, p3.  ([219])

(186) Haas j. Lawrence. (2018): Unconventional Wisdom in the Middle East, American Foreign Policy Council, January 9, 2018.

http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3721

([221]) Ibid, Bolton R. John, 2018.

(([222] مرجع سابق. عمر، عبد الجواد، ص63-64.

Ibid, Bolton R. John, 2018. ([223](

([224])مرجع سابق. القيسي، محمد، ص 23.

([225]) مرجع سابق. بريجنسكي، زبيغنيو، ص210.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button