قراءة في أسباب تنامي النزعات الانفصالية

يشهد النظام العالمي حالة من عدم الاستقرار فضلاً عن العديد من النزعات الأمنية كظهور التنظيمات الإرهابية والثورات وسقوط العديد من الأنظمة الحاكمة التي نتج عنها ظهور الدولة الفاشلة علاوة على الأزمات الاجتماعية كالفقر وانتشار المجاعات والأوبئة، أيضًا التعددية الإثنية والعرقية التي انبثق منها اختلافات أيديولوجية شكلت تعقيدات في النظام العالمي. أدت هذه المتغيرات إلى إحداث طفرة نوعية في شكل النظام العالمي كانت أبرزها المطالب المستمرة من قبل الفاعلين من غير الدول بالانفصال عن دولتهم الأمة في إشارة إلى الرغبة في الاستقلال.

يحاول التقرير إلقاء الضوء على إشكالية عدم الاستقرار التي تتعرض لها سيادة الدولة الوطنية في إطار المطالبة بالانفصال في الآونة الأخيرة وأثرها على الأمن والسلم العالمي خاصة بعد قيام العديد من الدول، وخروج بعضها من التكتلات الإقليمية في إشارة إلى الرغبة في الانفصال، التي تزامنت مع الأزمات الاقتصادية وتهاوي الأنظمة في حماية مواطنيها في إطار التسلطية والشمولية وسياسات الاقصاء والتهميش الأمر الذي ترتب عليه اتخاذ العديد من القوميات الإثنية إجراءات وتدابير الأزمة بالشكل القانوني للانفصال من خلال إجراء الاستفتاءات عن دولتهم الأم.

يسعى التقرير إلى التعرف على دوافع الانفصال وتداعياته الجيوسياسية، من خلال بلورة هذه الإشكالية في التساؤل التالي؛ ما تداعيات انفصال القوميات الإثنية، بافتراض أن التعددية الإثنية داخل إقليم الدولة أضحى من أهم تهديدات الأمن القومي نتيجة رغبتهم في الانفصال، بالإضافة إلى إنه كلما زاد التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للدول ذات التعددية الإثنية كلما تأزمت الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وتجلى ذلك في الحالة الكردية التي حصلت على تأيد من قبل “تل أبيب” عندما تعالت الأصوات الداخلية للانفصال في ظل تحدي الحكومة المركزية ورفض دولي وإقليمي، حيث تحاول الاستفادة من الأوضاع المتأزمة لتوثيق علاقاتها بالأقليات الإثنية في المنطقة في محاولة للبحث عن شراكة استراتيجية معهم، علاوة على رغبتها في تقليص عزلتها.

“تشهد العلاقة بين الدولة، والمجتمع حالة من عدم التوافق نتيجة التضارب حول المصالح الفئوية فيما بينهم التي انعكست بشكل سلبي على سيادة الدولة الوطنية من خلال المطالب المتنامية بالانفصال”

لاشك أن العلاقة بين الدولة، والمجتمع من أهم القضايا الكبرى، التي تشهد حالة من عدم التوافق نتيجة التضارب حول المصالح الفئوية فيما بينهم التي انعكست بشكل سلبي على سيادة الدولة الوطنية من خلال المطالب المتنامية بالانفصال نتيجة تزايد الشعور بالظلم لعدم حصولهم على حقوقهم في ظل هيمنة الدولة، لذا لابد من تحديد هذه العلاقة والوقوف على أهم أبعادها علاوة على صياغة الأدوار والالتزامات والحقوق المختلفة لكافة أطراف هذه العلاقة لأنها تمثل شرطًا أساسيًا من شروط الحكم الرشيد، يمكن تفنيد هذه العلاقة ودراستها من خلال تحديد علاقة المواطنين بالإقليم الذي يقطنونه، ومدى ارتباطهم به، وشعورهم بالانتماء للدولة معنويًا، كما يمكن دراستها من خلال الوقوف علاقة المجتمع بالنظام الحاكم الذي يجسد سلطة الدولة ويمارسها في تلك العلاقة.

وفي هذا السياق؛ يعد مفهوم المواطنة والثقة أساسًا مهمًا في البناء السياسي لأي دولة؛ فاستقرار أي نظام سياسي مرهون بدرجة كبيرة على مدى الانتماء الوطني للدولة ككيان سياسي الذي يمثل ركيزة أساسية في قدرة الدولة على التماسك، فلا يمكن تصور قيام وبقاء دولة دون انضواء مواطنيها تحت مظلة الولاء لها، بمعني أن مفهوم المواطنة أوسع وأشمل من مجرد حمل الجنسية دولة ما.

“تتناسب درجة ثقة الأفراد في النظام السياسي بشكل طردي مع  تزايد شرعية النظام حيث أن انخفاض الثقة قد يؤدي إلى اغتراب المواطنين، وعزوفهم عن المشاركة في الحياة العامة، فضلًا عن المطالبة بدعوة الانفصال عن الإقليم الأمر الذي يترتب عليه دولة هشة”

هذا بجانب مدى القبول الشعبي لشرعية المسئولين، وكذلك القواعد التي تنظم النظام السياسي نفسه، حيث تتناسب درجة ثقة الأفراد في النظام السياسي بشكل طردي مع  تزايد شرعية النظام ليس هذا فحسب، كما أن انخفاض الثقة قد يؤدي إلى اغتراب المواطنين، وعزوفهم عن المشاركة في الحياة العامة، فضلًا عن المطالبة بدعوة الانفصال عن الإقليم، الأمر الذي يترتب عليه دولة هشة غير قادرة على تعبئة الموارد القومية أو ضع خطة شاملة للتنمية الوطنية، وقد تجسد ذلك في حالة إقليم كردستان الذي طالب بالانفصال عن الدولة العرقية حيث يشعر الأكراد بالحالة من عدم الانتماء للدولة العراقية نتيجة ما شهده من ظلم خلال الحكومات المتعاقبة علاوة على عدم التقسيم العادل للموارد النفطية فيما بينهم، وما بين الحكومة المركزية الأمر الذي ترتب عليه حالة من عدم الثقة المتبادلة فيما بينهم، فضلًا عن وجود مناطق متنازع عليها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية بينها كركوك التي تتسم بالتعددية قومية والمذهبية، بالإضافة إلى ما تمتلكه من ثروة نفطية؛ تقدر بحوالي ستة حقول نفطية.

هنا لابد من الإشارة إلى أهم دوافع المطالبة بالانفصال في إطار سيادة الدولة الوطنية وهيمنتها على مقاليد الحكم بالإضافة إلى أنها مازالت الكيان المنوط له استخدام القوة وفرض سيطرته على كامل أراضيه؛

 الرغبة في بناء دولة جديدة ذات روابط قوية وعلاقات وثيقة على كافة الأصعدة مع باقي دول العالم، بعيدًا عن أزمات الدولة الأم التي أنهكتها أزماتها الداخلية.

 الرغبة في الحفاظ على هوية هذه الجماعات من الاندثار المتمثلة في اللغة والدين والتاريخ، علاوة على تعزيزها ونشرها في العالم.

 الرغبة في الاعتراف بشعوب هذه المناطق بمعزل عن دولتهم الأم، خاصة للمناطق التي تمتعت بالحكم الذاتي التي لديها حكومة ونظام سياسي خاص بها، كرغبة الشعب الكتالوني بالاعتراف به ككتالونيين و ليس كإسبانيين.

الرغبة في إدارة الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة بصورة مستقلة دون تدخل من الحكومة المركزية وإقامة علاقات تجارية مستقلة مثل اسكتلندا التي ترفض الخروج من الاتحاد الأوروبي في إطار خروج المملكة المتحدة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للدولة والنهوض بها.

الرغبة في اختيار مصيرهم والاعتراف بحقهم في اتخاذ القرارات الحاسمة بأنفسهم، والإشراك في الحكم.

وفيما يتعلق بالنماذج التي استطاعت أن تطرح نفسها كفاعل من غير الدول جاء في مقدمة هؤلاء الفاعلين الذين يحاولون الحصول على الانفصال رغم رفض الحكومة المركزية علاوة على القوى الدولية والإقليمية إلا أنها لديها من الطموح ما يؤهلها لتحقيق أهدافها وظهرت في الأونة الأخيرة العديد من الأقاليم التي تطالب بالانفصال وفقًا لعدد من المبررات التي تستند إليها كركيزة أساسية في مطلبتها بإقامة كيانها الخاصة المستقل عن حدود الدولة الوطنية.

“إقليم كردستان العراق”؛ طالب مواطنو إقليم كردستان العراق بالانفصال كخُطوة في إطار دولة مستقلة للأكراد كقومية إثنية لديها هوية واحدة بعيدًا عن السيادة العراقية، فقد صوت 65 عضوًا لصالح المضي قدمًا في إجراء الاستفتاء المقرر عقده في 25 سبتمبر 2017، وذلك من إجمالي عدد نواب البرلمان البالغ 111 عضوًا، ومع ذلك، تغيب أكثر من 40 عضوًا عن الجلسة، في إطار تحدي حكومة أربيل للحكومة المركزية العراقية التي رفضت الاستفتاء ووصفته بأنه غير دستوري خشية أن يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. كما إنه لا يتوافق مع دستور البلاد الذي أقر في 2005، وفي المقابل؛ أكد رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” استعداد بغداد للتدخل عسكريًا إذا أدى استفتاء إقليم كردستان إلى إثارة العنف.

“إقليم كتالونيا في أسبانيا”؛ يقع إقليم كاتالونيا في شمال شرق أسبانيا وتوازي مساحته، مساحة بلجيكا ويعتبر إحدى المناطق الأكثر استراتيجية لإسبانيا، ويعد رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ويمثل عدد سكانه نحو 7.5 مليون نسمة بمعدل 20 % من إجمالي الناتج التجاري الإسباني ويتمتع الإقليم بالحكم الذاتي كما يمتلك سلطات تنفيذية وتشريعية خاصة به بعيدًا عن أسبانيا، وتعد اللغة السائدة هي اللغة الكتالونية، وتنامت الميول الانفصالية لأهل كاتالونيا، حيث بلغ أوجه عام 2012، عندما رفع نحو مليون شخص في برشلونة شعار “كاتالونيا دولة جديدة في أوروبا”، كما جاءت في فكرة الاستفتاء حول مصير الإقليم في صدارة البرامج الانتخابية، وذلك في إطار رفض الحكومة الإسبانية الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على العلاقة فيما بينهم وذات حدة التوتر خاصًة بعد تحديد موعد الاستفتاء في الأول من أكتوبر الجاري.

“اسكتلندا“، طالبت “أدنبرة” رسميًا من بريطانيا إجراء استفتاء عام لانفصالها عن المملكة المتحدة بعد بدء إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد أقل من 3 سنوات على استفتاء في سبتمبر عام 2014 الذي صوت فيه 55% من الاسكتلنديين لصالح عدم الانفصال عن المملكة المتحدة، في هذا السياق دفع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق رئيسة وزراء اسكتلندا “نيكولا ستورجيون” حملة تطالب بالاستقلال، مبررةً إن اسكتلندا لا تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي وأن لندن ترغمهم على الخروج، إلا أنهم تراجعوا بشكل مؤقت عن تحديد موعد الاستفتاء لحين اتضاح شروط انفصال لندن عن الاتحاد الأوروبي.

“مقاطعة جنوب تيرول في إيطاليا”؛ تقع مقاطعة جنوب تيرول في شمال إيطاليا وهي جزء من منطقة ترينتينو، يتحدث معظم سكانها الألمانية، بينما الربع فقط يتحدثون الإيطالية، وهناك القليلون ممن يتحدثون لغة لادن، كانت في السابق جزء من النمسا، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى تم ضمها إلى إيطاليا وفقا لمعاهدة “سان جيرمان”، ويحذوا سكان جنوب التيرول حذو اسكتلندا، في الرغبة في الانفصال عن إيطاليا، نتيجة ما تعانيه روما من أزمات اقتصادية تأثر بشكل سلبي عليهم فضلًا عن تأثرها بالسياسات التقشفية التي أدت إلى إنها لم تعد تتلقى العائدات الضريبية المخصصة لها.

“يعد الاستقلال من القضايا المشروعة التي يعترف بها القانون الدولي بينما الانفصال من القضايا غير المشروعة ولا يعترف به القانون الدولي”

اللافت للنظر إلى هذه الحالات لم تطالب بالانفصال لكنها طالبت بالاستقلال، لذا فلابد من توضيح الفرق بينهم، فقد ميزت القوانين الدولية بين المصطلحين؛ “فاستقلال الإقليم” يعني أن الإقليم كان مستعمرًا من قبل قوى خارجية وأنه لابد من تحررها والحصول على الاستقلال وتعد هذه القضية من القضايا المشروعة في القانون الدولي، كما يتم الإعتراف بها من قبل الجماعة الدولية، أما الانفصال؛ فيكون عندما يتم اقتطاع جزء من إقليم الدولة لصالح  جماعة معينة تحمل هوية واحدة وتاريخ واحد وتتحدث نفس اللغة حيث تريد الانفصال عن الدولة الأم للحفاظ على تاريخها وهويتها بعدًا عن هيمنة الحكومة المركزية وتعد قضايا الانفصال من القضايا غير مشروعة ولا يعترف بها القانون الدولي ولا الجماعة الدولية.

تجدر بنا الإشارة إلى إبراز أنواع المطالب الخاصة بالانفصال فبعضها متعلق بالهوية؛ تعاني العديد من الأنظمة الحاكمة من وجود صراع بين الجماعات حول المطالب المتعلقة بالهوية، فالملاحظ أنه كلما زاد اتساق قيم وهوية الجماعات الإثنية مع الهوية العامة في المجتمع كلما زاد اندماجها، وعلى العكس فإنه كلما زاد تباين قيم وهوية الجماعة عن قيم وهوية المجتمع كلما زاد ميل الجماعة للخروج على تلك القيم، ما تجلى مع الحالة الكتالونية التي تريد الاعتراف بهم كاكتالوينين وليس كإسبانيين.

وهناك مطالب متعلقة بشكل الدولة التي تتخذ نمطين على النحو التالي؛

أ. تتجسد تلك المطالب في الرغبة في قيام كيان سياسي معبر عن الهوية الخاصة للجماعة الإثنية أو مع الرغبة في التخلص من هيمنة جماعة معينة، على الرغم ما يكتنف تلك المطالب من تضحيات ناجمة عن عدم توافر قدرات اقتصادية والمتطلبات التنظيمية والإدارية اللازمة لقيام دولة في الإقليم الساعي للانفصال، وتمثل هذه المطالب ضغوطًا على النظام السياسي حيث أن قرار الانفصال لا ينعكس على الإقليم المنفصل وحده ولكنه مرتبط بمصير النظام السياسي والدولة بأسرها مثل الحالة الإسكتلنداية التي تريد التخلص من هيمنة المملكة المتحدة فعلى الرغم من امتلاكها برلمان مستقل لكنه لا يتمتع بسيادة مطلقة، حيث باستطاعة البرلمان البريطاني إلغائه أو تمديد فترته، كما أنها لا تمتلك العديد من الموارد الطبيعية التي تمكنها بالاعتماد عليها بشكل مباشر.

ب. هناك مطالب خاصة بالاستقلال الإداري حيث لا تسعى الجماعة الإثنية إلى المطالبة بالانفصال لكنها تطالب بتوفير الاعتراف بها وبإقليمها بالانفصال الإداري أو قدر من الحكم الذاتي في إطار دولة فيدرالية أو في دولة موحدة بسيطة، حيث أن الانفصال الإداري يتضمن قدرًا من الاعتراف بقيمة الجماعة وتميزها ويتيح لها قدرًا من المخصصات المالية، وتجسد ذلك بشكل كبير في حالة إقليم “برقة” الليبي الغني بالموارد النفطية الذي يمتد من الحدود المصرية حتى حوالي ثُلث الشريط الساحلي في الشمال الليبي، حيث تتعالى الأصوات فيه من آن لأخر للمطالبة بالانفصال أو الحصول على الحكم الذاتي في ظل انهيار مؤسسات الدولة الليبية.

تنامت ظاهرة “النزعات الانفصالية” داخل العديد من دول العالم مستغلة حالة الحراك السياسي الداخلي علاوة على الأزمات الاقتصادية، ويحاول التقرير الإشارة إلى أبرز المحددات التي مثلت تأثيرًا واضحًا على السلوك الجماعات والتي دفعتها إلى المطالبة بالانفصال:

• الخلاف حول التقسيم العادل للموارد الطبيعية؛ اتسمت العلاقة بين الحكومة المركزية وبعض الجماعات القاطنة داخل حدود إقليم الدولة الواحدة بحالة من انسداد الأفق نتيجة التراكمات الخلافية على غرار تقاسم الموارد الطبيعية، فضلاً عن امتلاك بعض الإقاليم التي تطالب بالانفصال بالموارد التي تمكنها بالانفصال لأنها تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني في مقابل تحمل العديد من الأعباء الأمر الذي يعود عليها بشكل سلبي، مثال إقليم كاتالونيا الذي يعد من أغنى الإقاليم مقارنته بأقاليم الجنوب الفقيرة، وكما أنه يساهم بشكل كبير في الاقتصاد الأسباني إلى إنه يتحمل أعباء الأزمات الاقتصادية التي تمر بها أسبانيا.

• التخلص من الهيمنة الثقافية؛ تعالت الأصوات الرافضة للهيمنة الثقافية من الأطراف الحاكمة بالتزامن مع الرغبة في تعزيز الثقافات الفرعية والاعتراف بها، تجسد ذلك في إقليم كتالونيا حيث التخلص من سيطرة الثقافة الإسبانية على الثقافة الكتالونية، والمطالبة بالاعتراف بوجود الشعب الكتالوني منذ أكثر من ألف سنة.

• تنامي دور الجماعات الإثنية في حماية الأمن القومي للحكومة المركزية؛ وتمثل ذلك بشكل كبير في نجاج القوات البشمركة الكردية في التصدي للتنظيمات الإرهابية واستعادة العديد من أراضي العراقية، من خلال مشاركتها في الحرب ضد تنظيم “داعش”، بالإضافة إلى فرض نفوذهم على مناطق واسعة في كركوك، وبعض المناطق في محافظات نينوى وديالي، وهو الأمر الذي ترتب عليه تقوية موقفها في المطالبة بالانفصال، فإنها لديها القدرة على حماية نفسها بل استطاعت المشاركة بكفاءة وفعالية في الحرب ضد تنظيم “داعش” كما أنها كانت مصدر ثقة للعديد من القوى الدولية والإقليمية التي قدمت لها الدعم المادي أثناء هذه الحرب.

• انتهاج الحكومة المركزية سياسات اقتصادية تضر مصالح الأقليم؛ تعالت الأصوات المطالبة بالانفصال في كثير من دول منطقة اليورو نتيجة ما تشهده من حالة ركود نتيجة تعرضها للأزمة الاقتصادية الأمر الذي ترتب عليه انتهاج سياسات تقشفية تجسدت في رفع الضرائب لسداد العجز الموازنة والحد من تفاقم حدة الدين الداخلي والخارجي تجسد ذلك في مقاطعة “جنوب تيرول” في إيطاليا الذي بدا في التفكير في الانفصال على غرار الإقاليم الأخرى مثل استكلندا علاوة على تضرره من السياسات التقشفية التي تنتهجها روما لسداد دينها الوطني الذي تجاوز 2 تريليون يورو.

التداعيات الجيوسياسية لمطالب الانفصالية

 ثمة العديد من التداعيات الجيوسياسية التي ستترتب على الانفصال، إذا افترضنا حدوث استفتاء بالنسبة لإقليم كردستان العراق في موعده المحدد في 25 من سبتمبر الجاري، باٌلإضافة إلى استفتاء إقليم كتالونيا في الأول من أكتوبر وانفصال هذه الأقاليم سيترتب عليه العديد من التداعيات التي تكاد تعصف بسيادة الدولة الوطنية التي ستتراجع في مقابل عمليات التقسيم، فضلًا عن تدهور المنظومة الأمنية على المستوى الداخلي والخارجي التي تهاوت في الفترات الأخيرة نتيجة تنامي حالة العنف والاقتتال الداخلي علاوة على مواجهتها ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، وتعد أبرز هذه التداعيات على النحو التالي:

 زيادة حدة الأزمات السياسية والاقتصادية التي ستواجهه الحكومات النشأة مع الحكومات المركزية فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي والاقتصادي الجديد وكيفية تقاسم الثروات خاصة في ظل امتلاك بعض الأقاليم للموارد الطبيعية، الأمر الذي سيترتب عليه حالة من الصراع الداخلي وعدم الاستقرار للدول النشأة مثال النزاع المرتقب بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في العراق.

 تنامي النزعات الانفصالية وانتقالها لباقي الإقاليم التي ستمثل عملية تحفزية لتطلعات القوميات الإثنية في الدول المجاورة على المستوى الإقليم والدولي، الأمر الذي جعل هناك رفضًا دوليًا وإقليميًا للعديد من حالات الانفصال تأتي على رأسهم الدول ذات التعددية الإثنية مثل تركيا وإيران .

 مواجهة الدول النشأة أزمة الاعتراف الدولي التي ستستند إلى المصالح الخاصة بكل دولة ومدى اتساقها مع مصالحها الوطنية التي تعززها، لذا فمازالت القوى الكبرى والإقليمية متخبطة في اتخاذ قرار واضح وصريح فيما يتعلق بعملية الاستفتاء وما سينذره من انفصال على سبيل المثال موقف الولايات المتحدة من استفتاء كردستان، فهناك اختلاف واضح بين موقف البيت الأبيض الداعم لفكرة الاستفتاء، وبين موقف كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع اللتان ترفضان الاستفتاء ويطالبون “أربيل” بتأجليه والدخول في مفاوضات مع الحكومة المركزية

 مواجهة الأقاليم المنفصلة ضغوطًا اقتصادية علاوة عن حالة من الضبابية حيال العملة التي ستتبناها، والأهم تأثر التجارة البينية بشكل سلبي على الإقليم المنفصل أكثر من الدولة نفسها وسيتجلى ذلك حال انفصلت إسكتلندا عن المملكة المتحدة خاصة مع تفاقم عجزها إلى 9.5%، من الناتج المحلي الإجمالي لعام2015 و2016.

لماذا التصعيد الآن في تنامي النزعات الانفصالية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ لقد تغيرت البيئة الأمنية مع بداية القرن الحادي والعشرين فضلًا عن ما شهدته من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مثلت دافعًا لتنامي النزعات الانفصالية، فقد استغلت هذه الجماعات حالة عدم الاستقرار للمطالبة بالانفصال لتعزيز مركزها التفاوضي في الحصول على مكاسب أفضل التي تتعلق بالمناطق المتنازع عليها بينهما، علاوة على زيادة حصتها في الموارد الطبيعية المستخرجة.

وفيما يتعلق بالأقاليم التي تتمتع بالحكم الذاتي ووضع سياسي أشبه بالاستقلال التي ترغب في الانفصال فإنها تسعى إلى استغلال حالة الفوضي وعدم الاستقرار وانشغال القوى الكبرى والإقليمية بقضاياهم الداخلية لكي تثبت هذا الواقع وتجعله أمرًا لا مفر منه مثل إقليم اسكتلندا الذي طالب بإجراء استفتاء ثاني بعد يومين من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، رافضة الخروج من الاتحاد الاوروبي ومطالبة بالانفصال عن المملكة المتحدة.

ختامًا؛ يعد جوهر مسألة الانفصال هو إعادة تقسيم المناطق من جديد وقيام كيانات طائفية ترسخ مفاهيم جديدة مثل قيام الشرق الأوسط الكبير الذي يصبح فيه من حق تل أبيب الوجود فيه، كما أنه يمثل بداية جديدة لفتح الباب أمام تعديل الحدود، الأمر الذي سيترتب عليها حالة من عدم الاستقرار فضلاً عن حدوث اهتزازات اقتصادية كبيرة يصاحبها العديد من عدم الاستقرار الاجتماعي والمعاناة الإنسانية لكثير من المواطنين الذين يعيشون متداخلين على جانبي هذه التعديلات الحدودية.

المصدر

1- إيمان حدادي، إشكالية انفصال جنوب السودان وأثرها على دول المحور الأفريقي، رسالة ماجستير منشورة، (جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2015)2- صدفة محمد محمود، “العلاقة بين الدولة والمجتمع في إطار الحكم الرشيد والمواطنة والثقة المتبادلة”، مركز العقد الاجتماعي، موجز سياسات، العدد 3، يناير 20093- “برلمان إقليم كردستان العراق يؤيد إجراء استفتاء على الاستقلال”، BBC عربي، 16 سبتمبر 20174- “العبادي: مستعدون للتدخل عسكريا إذا أدى استفتاء كردستان إلى العنف”، روسيا اليوم، 16/9/20175- محمد فهمي، “مظاهرات انفصالية تقابلها تهديدات إسبانية بتوقيف رؤساء بلديات الإقليم”، الشرق الأوسط، العدد 14174، 18 سبتمبر 20176- ” اسكتلندا تطلب رسميا من لندن إجراء استفتاء حول الاستقلال”، العربية.نت، 31 مارس 20177- نوري حمدان، “كوردستان بين الاستقلال والانفصال”، 2 أكتوبر 20168- “خطر التقسيم يتهدد إسبانيا”، DW9- أمير وجدي، “فيديو| 10 أسباب لرغبة كتالونيا في الانفصال عن إسبانيا”، دوت مصر، 9 نوفمبر 201410- جنوب تيرول تحتذي حذو اسكتلندا للانفصال عن إيطاليا”، صوت روسيا، 18 أغسطس 201411- ليان عودة، “تعرف على تكلفة انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة”، العربية. نت، 20 مارس 201712- “برلمان كردستان العراق يقر استفتاء الانفصال”، الجزيرة. نت، 15 سبتمبر 201713- “رؤساء بلديات إقليم كتالونيا الإسباني يعلنون تأييدهم لاستفتاء الاستقلال”، Sputnik عربي، 16 سبتمبر 201714- ” اسكتلندا تعلّق استفتاء الاستقلال عن المملكة المتحدة”، 28 يوينو 201715- صافيناز محمد أحمد، “استفتاء كردستان … حدود التصعيد بين بغداد وأربيل”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 19 سبتمبر 201715- صافيناز محمد أحمد، “استفتاء كردستان … حدود التصعيد بين بغداد وأربيل”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 19 سبتمبر 201716- صافيناز محمد أحمد، “هل بات استقلال كردستان واقعًا؟”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 10 يوليو 201717- محمد بدر الدين زايد، “تعقيدات المسألة الكردية”، الحياة، العدد 19889، 17/9/201718- “كوردستان بين الاستقلال والانفصال”19- محمد عاشور مهدي، التعددية الإثنية في جنوب افريقيا،(بنغازي: دار الكتب الوطنية، الطبعة الأولى، 2004)

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button