دراسات سياسية

فلاسفة العقد الاجتماعي

وهم توماس هوبز وجون لوك الإنجليزيان وجان جاك روسو الفرنسي ، والذين عاشوا في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، ويقولون بأن المجتمع السياسي (الدولة) نشأ من خلال عقد أبرمه الناس في ما بينهم ، هو (العقد الاجتماعي).

العقد الاجتماعي في الفلسفة الأخلاقية والسياسية هو نظرية أو نموذج تبلور في عصر التنوير، ويهتم عادة بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد.[1] تنادي نظرية العقد الاجتماعي بالتحديد بأن الأفراد يقبلون بشكل ضمني أو صريح أن يتخلوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم (أو لقرار الأغلبية) مقابل حماية بقية حقوقهم. ومن ثم فإن العلاقة بين الحقوق الطبيعية والشرعية هي في العادة مبحث من مباحث نظرية العقد الاجتماعي. وقد أخذ المصطلح اسمه من كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو الذي ناقش فيه هذا المفهوم.

رغم أن أفكارا مماثلة لنظرية العقد الاجتماعي ظهرت قديما في الفلسفة الإغريقية والرواقية والقانون الروماني والكنسي، إلا أن النظرية بلغت أوج أهميتها منذ منتصف القرن السابع عشر وحتى بداية القرن التاسع العشر، حيث كانت الفلسفة السياسية السائدة آن ذاك. تشترك معظم نظريات العقد الاجتماعي في نقطة انطلاقها، وهي فحص حالة الإنسان في غياب أي نظام سياسي، وأطلق توماس هوبز على ذلك «الحالة الطبيعية».[2] في هذه الحالة، تكون أفعال الأفراد مرتبطة فقط بقوتهم ووعيهم الشخصي. وانطلاقا من هذا المفهوم المشترك، يسعى منظرو العقد الاجتماعي إلى البرهنة بشتى الطرق على السبب الذي يجعل الفرد العقلاني يتخلى طواعية عن حريته الطبيعية من أجل الحصول على منافع النظام السياسي.

برز في القرن السابع عشر والثامن عشر كثير من منظري العقد الاجتماعي والحقوق الطبيعية، منهم هوغو غروتيوس (1625)، توماس هوبز (1651)، صموئيل فون بوفندروف (1673)، جون لوك (1689)، جان جاك روسو (1762)، وإيمانويل كانط (1797). وقد حاول كل منهم حل مسألة السلطة السياسية بشكل مختلف. فقد افترض غروتيوس أن للبشر حقوق طبيعية. وقال توماس هوبز قوله الشهير بأن الحياة الإنسانية في «الحالة الطبيعية» ستكون منعزلة وفقيرة ومقرفة وبهيمية وقصيرة. ففي غياب النظام السياسي والقانون، ستغدو لدى الجميع حريات طبيعية لا حد لها، بما في ذلك حق الوصول إلى كل شيء، مما يعني أيضا حرية النهب والاغتصاب والقتل، فستكون هنالك «حرب كل ضد كل» لا نهاية لها. ومن أجل تفادي ذلك، على الرجال الأحرار التعاقد لإنشاء مجتمع سياسي (مجتمع مدني) بعقد اجتماعي ينعمون من خلاله بالأمان، وذلك لقاء خضوعهم لسلطة مطلقة لرجل أو مجلس من الرجال. وعلى الرغم أن أوامر السلطة قد تكون استبدادية ومتعسفة، إلا أن هوبز رأى في الحكومة المطلقة البديل الوحيد للأناركية المرعبة في الحالة الطبيعية. وأكد هوبز أن البشر يوافقون على التنازل عن حقوقهم لصالح سلطة الحكومة المطلقة (ملكية كانت أم برلمانية). عارض بوفندروف معادلة هوبز عن الحالة الطبيعية والحروب.[3] كما قدم جون لوك وجان جاك روسو بديلا، فجادلا بأننا نحصل على حقوقنا المدنية مقابل قبولنا بالالتزام بمراعاة والدفاع عن حقوق الآخرين، متخلين بذلك عن بعض حرياتنا.

طرح مفهوم العقد الاجتماعي في الأساس من قبل غلوكون، ووصف أفلاطون ذلك في الكتاب الثاني من «جمهورية أفلاطون»:

«يقولون إن التعدي مأثور لذاته، ولكن عاقبته رديّة. لأن الشر الناشئ عن وقعه يربي كثيرا على الخير الناجم عن اقترافه. ولذا بعد ما ظلم الناس بعضهم بعضا زمنا طويلا وتحملوا ثقل وطأته على النفوس، واختبروا العدالة والتعدي كليهما، رأوا أن الأفضل للذين لا يقدرون أن ينبذوا أحدهما ويختاروا الآخر، أن يتفقوا أن لا يظلموا ولا يُظَلَموا. هذا منبت الشرائع والمعاهدات بين الإنسان وأخيه، فحسبوا ما أوجبتهُ الشرائع عادلاً مشروعاً. قالوا: هكذا نشأت العدالة، وهي حلقة متوسطة بين الأفضل، وهو التعدي دون عقوبة، وبين الاردأ، وهو الانظلام مع العجز عن الانتقام، فالعدالة المتوسطة بين هذين الطرفين مرغوب فيها. لا لأنها خير بالذات، بل لأنها التحفت بشرف دفع التعدي، ويقولون إنهُ متى امتلك المرء المقدرة على التعدّي، مع اكتسابه أوضاع القوة، فإنه لا يرضى قطعياً أن يستضعَف، فيتقيد بنبذ التعدّي. هذا ما قيل في طبيعة العدالة وفي أصلها.[4]»

ذكر مفهوم نظرية العقد الاجتماعي أيضا على لسان كريتو في محاورات أفلاطون. وبمرور الوقت، أصبحت نظرية العقد الاجتماعي أكثر انتشارا بعد إبيقور (341 – 270 ق.م)، وهو أول فيلسوف رأى العدالة كعقد اجتماعي، وأنها ليست صفة ملازمة للطبيعة أو ناتجة عن تدخل إلهي، وقرر أن يجعل للنظرية الصدارة في مجتمعه. وبمرور الوقت، أتى فلاسفة السياسة التقليدية والاجتماعية كلولك، هوبز، وروسو وأرسوا قواعدهم وآرائهم حول العقد الاجتماعي، مما جعل النظرية أكثر رواجا وشهرة.

الفرضية الرئيسية التي تنادي بها نظرية العقد الاجتماعي هي أن القانون والنظام السياسي ليسا طبيعيين، بل هما من اختراع البشر. يعمل العقد الاجتماعي والنظام السياسي الذي ينشأ عنها كوسيلة للوصول إلى غاية، وهي منفعة الأفراد الذين يشملهم العقد الاجتماعي، ويكون العقد الاجتماعي شرعيا فقط ما داموا يؤدون ما اتفقوا عليه. ينادي هوبز بأن الحكومة ليست طرفا في العقد الأصلي، وأن المواطنين ليسوا ملزمين بالخضوع إلى الحكومة عندما تكون أضعف من أن تتصرف بحزم لتمنع التحزب والاضطراب المدني. وفقا لمنظرين آخرين عن العقد الاجتماعي، ففي حال فشل الحكومة في تأمين الحقوق الاجتماعية (كما عند لوك)، أو فشلها في تلبية أهم اهتمامات المجتمع (ما يسميه روسو «الإرادة العامة»)، يمكن للمواطنين حينها أن يمتنعوا عن طاعة الحكومة، أو أن يغيروا القيادة عبر انتخابات أو عبر وسائل أخرى، وإن لزم الأمر فيمكن اللجوء للعنف.

آمن جون لوك بأن الحقوق الطبيعية غير قابلة للمصادرة، ومن ثم فإن القانون الإلهي يمكن أن يحل محل سلطة الحكومة، بينما آمن روسو بأن الديمقراطية (الحكم الذاتي) هو الطريق الأمثل لضمان الرفاهية مع إبقاء الحرية الفردية خاضعة لحكم القانون. وقد طبقت رؤية لوك عن العقد الاجتماعي في إعلان الاستقلال الأمريكي. اندثرت نظريات العقد الاجتماعي في القرن التاسع عشر حين توجهت الأنظار إلى النفعية، والهيغلية، والماركسية، لكن أعيد إحياؤها في القرن العشرين، لا سيما على هيئة تجربة ذهنية بواسطة جون رولس.

تم الاحتفاظ بالكثير من صيغ العقد الاجتماعي التي وجدت في أقدم سجلات العالم. يروى في النص البوذي من القرن الثاني قبل الميلايد، ماهافاستوا، أن أسطورة ماهاساماتا وقعت كما يلي:

«في الأيام الأولى للكون، عاش البشر في بعد غير مادي، وكانوا يتراقصون على الهواء وكأنهم في عبقر، فلم يحتاجوا إلى طعام أو لباس، ولا ملكية خاصة أو عائلة أو حكومة أو قوانين. لكن دورة الاضمحلال الكوني بدأت حينها، وأصبح البشر مرتبطين بالأرض، فشعروا بالحاجة للطعام والملجأ. ولما خسر الناس مجدهم في أول الزمان، ظهرت للعيان فروق الطبقات، واتفق الناس فيما بينهم وقبلوا مؤسستي الملكية العامة والعائلة. وبجانب ذلك، ظهرت جرائم القتل والزنا وغيرها، ولذلك اجتمع الناس وقرروا تنصيب واحد منهم ليحفظ النظام لقاء شطر من ما ينتجونه من حقولهم وقطعانهم. وأطلقوا عليه «المختار العظيم» (ماهاساماتا)، ولقب بلقب «راجا» لأنه أسعدَ الناس.[5]»

كما ذكر على مراسيم الملك أسوكا الصخرية أنه نادى بصياغة عقد اجتماعي كبير وبعيد المدى. ويعكس الفينايا البوذي أيضا العقود الاجتماعية المتوقع من الرهبان اتباعها. فعلى سبيل المثال، عندما تصدر شكوى عن أناس في بلدة ما من أن الرهبان يقطعون أشجار الساكا، فإن البوذا يأمر رهبانه بالتوقف عن ذلك واحترام العادات المجتمعية.

وفي القرن الرابع قبل الميلاد، امتلك إبيقور فهما قويا لمفهوم العقد الاجتماعي وتأصل العدالة والقانون في الاتفاق والمنفعة المتبادلين، ويتضح ذلك في ما يلي من كتابه «المذاهب الرئيسية»:

«31. العدالة الطبيعية هي التزام بالمنفعة المتبادلة، ومنع أحد الناس من أن يضر غيره ومنعهم من أن يضروه.32. إن تلك الحيوانات التي لا تستطيع الالتزام باتفاقيات فيما بينها لئلا تؤلم أو تضر بعضها البعض هي كائنات بلا عدالة أو ظلم، والأمر عينه ينطبق على أولئك الناس الذين لا يمكنهم ولن يمكنهم إبرام اتفاقيات لئلا تؤلم أو تضر بعضها البعض.

33. لم يكن هناك قط ما يسمى بالعدالة المطلقة، بل هناك اتفاقيات تبرم بالاتفاق المتبادل بين الناس، في أي مكان وزمان، لضمان عدم إلحاقهم الألم أو الضرر ببعضهم البعض.[6]»

يجادل كوينتين سكينر بأن العديد من التطويرات الحديثة التي أدخلت على نظرية العقد الاجتماعي مذكورة في كتابات الكالفنيين والهوغونوتيونيين الفرنسيين، وقد استشهد بأعمالهم كتاب البلدان المنخفضة الذين اعترضوا على إخضاعهم لإسبانيا، ولاحقا الكاثوليك من إنجلترا. [8] يمكن اعتبار فرانشسكو سواريز (1548 – 1617)، من مدرسة سالامانكا، كواحد من أول المنظرين لنظرية العقد الاجتماعي والقانون الطبيعي كمحاولة لتقييد الحق الإلهي للملكية المطلقة. تمكنت كل تلك الجماعات من تفصيل أفكار عن السيادة العامة عن طريق مواثيق أو عقود اجتماعية، ودارت كل هذه الجدالات حول «الحالة الطبيعية»، وصولا إلى أن أساس السياسة هو أن كل إنسان بطبيعته حر من الخضوع لأي حكومة.

ومع ذلك، فقد اعتمدت هذه الجدالات على نظرية مؤسسية وجدت في القانون الروماني، ووفقا لها فإن «الشعب» يمكن ان يتواجد ككيان شرعي مستقل. وعليه فإن هذه الجدالات ترى أنه من الممكن أن تنضم جماعة من الناس إلى الحكومة لأن لديها القدرة على تمثيل إرادة واحدة ولديها صوت واحد في اتخاذ القرارات بعيدا عن السلطة السيادية –وهي فكرة رفضها هوبز والعديد من منظري العقد الاجتماعي اللاحقين.

منهجهم

هو المنهج الفلسفي المثالي بمقدمات عقلية ، حيث تنطلق أفكارهم من فرضين عقليين هما :

(1) حالة الطبيعة : ويعني أن الناس قد عاشوا في حالة من الطبيعة لا تعرف السلطة ولا المجتمع ولا السياسة قبل قيام المجتمع (أو الدولة).

(2) العقد الاجتماعي : ويعني أن الناس قد انتقلوا من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع من خلال عقد أبرموه فيما بينهم.
وقد اتفق الفلاسفة الثلاثة على هذين الفرضين غير أنهم اختلفوا على مضامينهما (فحواهما أو محتواهما) ، لكي ينتهي كل منهم إلي صورة مختلفة عن الآخرين بصدد أمثل أشكال الحكومات ،،، وذلك على النحو التالي ،،،،

توماس هوبز (1588 : 1679)

نبذه عن بيئته ونشأته

ولد في إنجلترا عام 1588 وتوفي عام 1679 ، وكانت ولادته في غير موعدها الطبيعي حيث خرج إلى الدنيا قبل أن تكمل أمه شهور حمله التسعة ، وقد كان يرجع سيطرة الخوف عليه إلى مولده الشاذ هذا ، وكان يقول دائما (أنا والخوف توأمان) ،، ومع ذلك فقد كان الرجل يجمع بين جسد مخواف وروح مقدامة ، وكان من الأسباب الأخرى التي جعلت الخوف الدائم يسيطر عليه أنه عاش حياته في فترة عانت فيها إنجلترا من صراعات هائلة منها ما هو ديني (يتصل بالدين والكنيسة ) ومنها ما هو سياسي بين البرلمان والملك ، وعلى ذلك فقد كانت غاية فكره هي تحقيق الأمن والسلام داخل المجتمع .

فكره السياسي

قدم هوبز أهم أفكاره السياسية في كتابه الشهير (لوفيثان) واللوفيثان هو وحش أسطوري ضخم ورد ذكره في العهد القديم ، ويشير هوبز باللوفيثان إلى الدولة كمجتمع إنساني ضخم ، وينطلق فكر هوبز (شأنه في ذلك شأن فكر كل من لوك وروسو) كما قلنا من فرضين عقليين هما : حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي الناقل للناس من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع (الدولة). أما فحوى الفرضين عنده فهو على النحو التالي :

(1)حالة الطبيعة : هي حالة شر وتعدٍ ، حالة حرب دائمة بين الفرد والفرد، والكل والكل ،الإنسان فيها ذئب لأخيه الإنسان ، لا أحد يأمن على نفسه ولا على ممتلكاته ، ثم كان أن اجتمع الناس للخروج من هذه الحالة السيئة فأبرموا عقدا أنشأوا من خلاله المجتمع (الدولة). وهو :

(2)العقد الاجتماعي : وهو عند هوبز عقد أطرافه الناس جميعا من جهة، وفردٍ ليس طرفا في العقد( وبالتالي لا يتحمل أية التزامات) من جهة أخرى ، وبمقتضى هذا العقد تنازل الناس عن كافة حقوقهم التي كانت لهم في حالة الطبيعة لذلك الشخص (الذي أصبح الملك) ، دون أية التزامات عليه (لأنه ليس طرفا في العقد) ، ولكن عليه واجب واحد فقط هو بناء قوته وصيانتها حتى يتمكن من تأمين ركب الجماعة ، وتحقيق الأمن والسلام في ربوع المجتمع . ولعل من المقولات البليغة المعبرة عن هذا العقد مقولة الدكتور محمد طه بدوي: إن مثل المواطن في دولة هوبز كمثل رجل اشترى بكل ماله خزانة وماله بعد شرائها من مال ليضعه في تلك الخزانة!!!

وبناء على ما تقدم فإن أمثل أشكال الحكومات عند هوبز هي الملكية المطلقة أي التي لا تتقيد بأية قيود دستورية أو غيرها ، معتبرا إياها القادرة على تحقيق الأمن والسلام داخل المجتمع ، وهو ما كان هوبز يتمناه ويتحرق شوقا إليه،،
وماذا عن لوك وروسو

جون لوك (1632 : 1704)

بيئته ونشأته

ولد في إنجلترا عام 1632 و توفي عام 1704 وقد عاصر صراعا على السلطة والسيادة بين التاج (الملك) والبرلمان ، وكان من أشد أعداء السلطة المطلقة للملك لذلك فقد ناصر حزب الهويج (المؤيد للبرلمان) في مواجهة حزب التوريز (المؤيد للملك) ،وقد جاء لوك بمبدأ سيادة الأمة حيث قال بأن السيادة ليست للملك ولا للبرلمان وإنما السيادة للأمة ، ولكن نظرا لأن الأمة هي كينونة اعتبارية فلابد من جهاز عضوي يمارس سيادة الأمة نيابة عن الأمة وهذا الجهاز هو البرلمان المنتخب من الأمة ، بمعنى أن البرلمان هو نائب عن الأمة في ممارسة السيادة ، وعلى ذلك فأي نظام يأخذ بمبدأ سيادة الأمة يعرف بأنه( نظام نيابي ).

حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي عند لوك

(1) حالة الطبيعة : على عكس هوبز يرى لوك أن حالة الطبيعة كانت حالة طيبة ،الناس فيها أحرار سواسية يتمتعون بحقوق طبيعية ترتبت لهم باعتبارهم بشرا ، وأهم هذه الحقوق هي الحرية والملكية ، غير أن الناس أرادوا أن ينتقلوا من هذه الحالة الطيبة إلى حالة أفضل فاجتمعوا وأبرموا عقدا وهو :

(2) العقد الاجتماعي : وهو عند لوك عقد أطراف الناس جميعا من جهة ، وأحدهم (الذي سيصير ملكا) من جهة أخرى ، وبالتالي فهذا الشخص هو طرف في العقد وبالتالي يتحمل بالتزامات ، وبمقتضى هذا العقد تنازل الناس لحساب ذلك الشخص عن بعض حقوقهم الطبيعية فتولدت له بذلك السلطة عليهم في مقابل أن يلتزم (أي الملك) بصيانة ما تبقى للناس من حقوق وحريات طبيعية وإلا حقت لهم الثورة عليه وخلعه ، وبناء عليه فشرعية السلطة عند لوك مرهونة (مشروطة) بالتزام الحاكم بصيانة الحقوق والحريات الفردية وإلا فللناس(الشعب) حق الثورة عليه ، وإذن فأمثل أشكال الحكومات عند لوك هي الحكومة المقيدة ، أي التي لا تحكم بالهوى وإنما استنادا إلى قانون ، والتي تلتزم في ذات الوقت بصيانة الحقوق والحريات الفردية.

جان جاك روسو (1712 : 1778)
هو فيلسوف فرنسي عاش حياته في القرن الثامن عشر ، وأهم مؤلفاته كتاب العقد الاجتماعي ، وكان يرفض فكرة النيابة والنظم النيابية .

حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي عند روسو

(1)حالة الطبيعة : يراها روسو حالة طيبة الناس فيها أحرار ، وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة : يولد الإنسان حرا لكنه مكبل بالأغلال في كل مكان ،، كيف حدث هذا؟ ثم يقول بنشأة المجتمع من خلال العقد الاجتماعي على النحو التالي

(2) العقد الاجتماعي : وهو عند روسو عقد تنازل الناس بمقتضاه عن حقوقهم الطبيعية لصالح الكل أو الإرادة العامة ، والتي هي تتكون من مجموع إرادات الأفراد ، وإذن فالسيادة هي للشعب أو الإرادة العامة التي لن تكون جائرة لأنه لا يتصور من الفرد أن يجور على نفسه ، أما الحكومة أو البرلمان فهما ليسا صاحبي سيادة ، ولا حتى ينوبان عن الشعب أو الإرادة العامة وإنما هما مجرد مندوبين(خادمين) عند الشعب صاحب السيادة لأنه لا أحد ينوب عن الشعب صاحب السيادة ، وقد انتقد روسو فكرة النيابة وسخر منها قائلا : إن الشعب الإنجليزي يعتقد أنه حر ، غير أن الحقيقة أنه ليس حرا إلا أثناء عملية الانتخاب فإذا ما انتهت هذه العملية انقلب عبدا للبرلمان.

الأيديولوجية الماركسية

وأهم روادها كل من كارل ماركس الألماني ، وفريدريك إنجلز (رفيق ماركس في إصدار الإعلان الشيوعي المعروف با لمانيفستو عام 1847) ، ولينين قائد الثورة الشيوعية (البلشفية في روسيا عام 1917) .

الماركسية فلسفة مادية تنطلق من مقولة أنه لا حقيقة إلا في المادة والعالم المادي المحسوس ، ولا تعترف بعالم الروح ، وبالتالي فهي أيضا فلسفة إلحادية.

_ يرى الماركسيون أن تاريخ البشرية هو تاريخ الصراع من أجل ملكية أدوات الإنتاج ، وهو صراع يدور في كل زمان ومكان بين الطبقات المستغِلة (الملاك) والطبقات المستغَلة (الكادحون) ، وأن السلطة السياسية (والدولة) هي ظاهرة عارضة مؤقتة أنشأتها الطبقة المستغِلة لقمع الطبقة الكادحة وحماية ملكيتها الخاصة منها ، وبالتالي فالسلطة السياسية هي ظاهرة عارضة مؤقتة ترتبط وجودا وعدما بالملكية الخاصة.

_ وتوقع ماركس أن الصراع بين البرجوازية (الملاك) و البروليتاريا (الكادحون أو العمال والفلاحون ) ، سينتهي حتما بانتصار البروليتاريا وانتزاعها للسلطة من قبضة البرجوازية المستغِلة ، ثم إقامة ديكتاتورية البروليتاريا كمرحلة انتقالية يتم خلالها استخدام السلطة السياسية في تصفية الطبقات المستغَلة ، والوصول بالمجتمع إلى مرحلة الشيوعية ، حيث مجتمع الطبقة الواحدة (البروليتاريا) ، وحيث تختفي الملكية الخاصة وتحل محلها الملكية العامة ، وبالتالي تنتفي الحاجة إلي السلطة السياسية التي ستموت موتا تلقائيا تبعا لذلك.

التطبيق الماركسي
كان أول تطبيق للماركسية في روسيا على إثر الثورة الشيوعية (البلشفية) بزعامة لينين عام 1917، ويشار إلى أن روسيا عرفت بالاتحاد السوفيتي منذ دستور عام ،1924 ثم عادت إلى اسمها القديم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. وقد قام التطبيق الماركسي على التمكين لهيمنة طبقة البروليتاريا وحزبها (الحزب الشيوعي) على شتى قطاعات المجتمع ،على النحو التالي:

– في المجال السياسي قام النظام الماركسي على الفكر الواحد (الماركسية) والحزب الواحد (الحزب الشيوعي) والرجل الواحد (زعيم الحزب) ، والإعلام الموجه والتعبير الموجه والمهيمن عليه من قبل الحزب الشيوعي .

– في المجال الاقتصادي ارتبط التطبيق بالشيوعية ، حيث الملكية العامة (ملكية الدولة) ، واحتكار الدولة لعملية إنتاج وتوزيع السلع والخدمات ، وساد الشعار الماركسي الشهير (من كل على قدر طاقته ولكل في حدود حاجته) .

– في المجال الاجتماعي ترتبط الماركسية بالمجتمع اللاطبقي ، مجتمع الطبقة الواحدة (طبقة البروليتاريا) ، ويشار إلى أن الدستور السوفيتي كان ينص على أن الاتحاد السوفيتي هو دولة العمال والفلاحين .

– في المجال الدولي تسعى الماركسية إلى إعمال فكرة الأممية البروليتاريا ، أي أن يصبح العالم دولة واحدة هي دولة العمال والفلاحين (الكادحين) ، تحت شعار ياعمال العالم اتحدوا.

الأيديولوجية الليبرالية

يمكن تعريف الأيديولوجية بأنها : منظومة من الأفكار المذهبية المتكاملة التي تستهدف تنظيم المجتمع في شتى قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، كما تقدم رؤية معينة للعالم.

الليبرالية : تعني التعددية ، ويتمثل أهم روادها في كل من جون لوك ومونتسكيو و جون ستيوارت ميل .

_ في المجال السياسي ترتبط الليبرالية بمقولة رئيسية قوامها : ( تعدد الآراء مشروع ، وتعدد المصالح مشروع ، وتعدد التنظيمات التي تعبر عن تلك الآراء والمصالح أيضامشروع ) . وبالتالي تقوم الليبرالية في المجال السياسي على حرية الرأي ، وحرية الفكر ، وحرية العقيدة (الدينية أو السياسية) ، وحرية التعبير (مثل حق التظاهر و الإضراب) ، وحرية التنظيم ( التعددية الحزبية والنقابية) ، والإعلام الحر (مرئي ومسموع ومكتوب ) .

_ في المجال الاقتصادي ترتبط الليبرالية بالرأسمالية ، وتقديس الملكية الخاصة ، والمنافسة الاقتصادية ، واقتصاديات السوق ( الاقتصاد الحر القائم على العرض والطلب) ، وفكرة الدولة حارسة الليل أي التي يقتصر دورها على توفير الأمن وإنفاذ القوانين والقيام بأعمال البنية الأساسية دون تدخل منها في النشاط الاقتصادي . وتنطلق الليبرالية من الشعار الشهير ( دعه يعمل دعه يمر ) . _ في المجال الاجتماعي ترتبط الليبرالية بالمجتمع الطبقي ، أي الذي يتألف من ثلاث طبقات (طبقة غنية ـ طبقة وسطى ـ طبقة فقيرة) .

_ في المجال الدولي تتصور الليبرالية العالم متعدد الدول بتعدد القوميات .

مقارنة بين مفكري العقد الاجتماعي

هوبز (1588ـ 1679) ولوك (1632ـ 1704) وروسو (1712ـ 1778).

حالة الطبيعة:

1/ هوبز: حالة صراع وحرب الكل ضد الكل وسيادة قانون الغاب، وذلك ناتج عن طبيعية الإنسان الميالة للشر وغلبة الأنانية على سلوك الأفراد في سعيهم الدائم للمحافظة على النفس.
2/لوك: تبادل منافع وتمتع بالحقوق والحريات في ظل سيادة القانون الطبيعي الذي يضمن حق الحياة والحرية والملكية.
3/روسو: حياة مثالية تسودها الفضيلة والسعادة لدى كافة الأفراد وأن المدينة أفسدت هذه الحياة.
أطراف العقد:
1/هوبز: الأفراد وحدهم، والحاكم لم يكن طرفاً في العقد.
2/لوك: بين الأفراد والسلطة الحاكمة.
3/ روسو: بين الأفراد والإرادة العامة المعبرة عن المجموع.
جوهر العقد:
1/هوبز: تنازل الأفراد كلياً ونهائياً عن حقوقهم وحرياتهم للشخص الحاكم الذي يتولى المحافظة على المجتمع.
2/ لوك: تنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم لحماية الجزء الآخر للسلطة الحاكمة دون أن يفقدوا حرياتهم.
3/ روسو: تنازل الأفراد عن حقوقهم وحرياتهم للجماعة لإنشاء الإرادة العامة ومن ثم تنشأ الدولة التي تعبر عن الإرادة العامة.

إلتزامات العقد:

1/هوبز: على الأفراد إطاعة الحاكم ما دام قادراً على توفير الأمن لهم والحاكم غير ملزم بنصوص العقد لأنه لم يكن طرفاً فيه.
2/ لوك: على الحاكم الالتزام بنصوص العقد واحترام حقوق وحريات الأفراد وتجوز الثورة عليه إذا خالفها.
3/ روسو: وجوب خضوع الأفراد والحاكم للإرادة العامة.

صاحب السيادة:

1/ هوبز: السيادة قد تكون لفرد أو مجموعة والشعب تنازل عنها ولا يمكن استرجاعها.
2/ لوك: الشعب أو الأغلبية هم أصحاب السيادة وهم يستطيعون استعمالها متى أرادوا وهي تتمثل في السلطة التشريعية.
3/ روسو: الإرادة العامة صاحبة السيادة وتمارسها بصورة مباشرة من خلال الاجتماعات العامة وسيادتها هذه دائمة ومستمرة.

طبيعة السلطة:

1/ هوبز: السلطة هي التي تخلق المجتمع وتوحد الحقوق
2/ لوك: للشعب حق اختيار السلطة التي تحكمه وله الحق في تغييرها.
3/ روسو: السلطة الحاكمة هي وكيل عن الشعب لتنفيذ رغبات الإرادة العامة.

نظام الحكم:

1/ هوبز: نظام الحكم استبدادي والسلطة فيه مطلقة للحاكم.
2/ لوك: نظام الحكم تمثيلي ديمقراطي والسلطة فيه مقيدة برأي الأغلبية.
3/روسو: نظام الحكم ديمقراطي مباشر والسلطة فيه مطلقة للإرادة العامة.
– موضوع موضح بالصورة نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز ولوك وروسو
لمقدمة : إن أصل قيام أنظمة الحكم تقوم على عقد اجتماعي يعتبر الشعب فيه أساس السلطة ومصدرها حيث يتنازل الأفراد عن جميع حقوقهم ورغباتهم لصالح المجتمع لإيجاد السلام والنظام الأمن وأهم فلاسفة العقد هم

هوبز ولوك وروسو
صلب الموضوع :
يرى هوبز انه لايمكن ابقاء حالة الصراع قائمة بين البشر
لأنه لابد من إيجاد مجتمع يتمتع فيه كل فرد بحقوقه
ضمن حدود يرسمها المجتمع نفسه
لذلك يتوجب :
1- قيام عقد قائم على تنازل كل فرد عن حقوقه الخاصة لصالح المجتمع بهدف إيجاد السلام والنظام والأمن
2- التعاقد بين الجماعة والحاكم لقيام السيادة
يتنازل الرعية عن كل حقوقهم لإرادة الحاكم الذي يكفل لهم أمنهم واستقرارهم داخلياً وخارجياً
(داخلياً) : يجب على الحاكم أن يقمع كل محاولة خارجة عن القانون فلا يسمح للمجرمين بممارسة أفعالهم الشائنة لأنه السماح لهم بذلك يؤدي الى ارتكابهم انتهاكات تضر بالعقد نفسه الذي تعاقدت عليه الرعية
(خارجياً) : أن يحمي رعيته من أي غزو خارجي سيجر حرباً تلحق بهم العذاب والويلات
هذان الواجبان أساسيان بالنسبة للحاكم في علاقته مع الرعية
ولكن بالمقابل لايجوز للرعية مساءلة الحاكم عن كيفية ممارسته طريقة الحكم إذا كانت تحافظ على ألتزاماته وواجباته وإن أضر ذلك نوعاً ما ببعض الأفراد ( لايحصل الإنسان دائماً على كل ما يبتغيه ).
اما لوك :
انطلق لوك من قضية اساسية سلم بصحتها واستمدها من القانون الطبيعي وهي
1- ان الانسان يملك حياته وبما أنه يملك حياته فمن حقه الطبيعي ان يملك الاشياء الضرورية للمحافظة عليه
2- لايجوز أن يحصل على كل الأشياء الضرورية بطريقة تضر بالآخرين
لأنه يجب الحصول على الاشياء الضرورية على اساس العدالة المشتركة بين الناس وعدم الأضرار بالآخرين
لذلك صار له الحق في ملكية نتاج عمله
3- من واجب الحكومة ومن مهماتها الاساسية العمل على المحافظة على حقوق الأفراد وفي مقدمتها حق الملكية
4- للحكومة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية الحق في وضع القوانين وإعلان الحرب وإقرار السلام
أما روسو
أنطلق من فكرة الملكية المرتبطة بالأرض فرأى
1- ان انتقال الانسان من الحالة الطبيعية الى الحالة الاجتماعية كان مرتبطاً بعمل الانسان بالزراعة وتقسيم الارض
مما أوجد نوعاً من التفاوت بين الأفراد ، حصل بحكم السيطرة والقوة والرغبة الجامحة لدى الجميع بالتملك
2- وقد أدى ذلك الصراع والتنازع الى فقدان الاستقرار ودفعهم لقيام عقد اجتماعي يتنازل كل الأفراد عن جميع حقوقهم وحرياتهم لصالح المجموع وبذلك يمنحون أنفسهم للإرادة العامة
وبهذا يكسب الجميع بإطاعتهم لمضمون هذا العقد
الحرية عند روسو : هي طاعة القانون الذي تواضع عليه الجميع بالتوفيق بين حقوق الفرد وقوانين المجتمع
الخاتمة : كان لفلاسفة العقد الاجتماعي دورٌ كبير في وضع مبادىء نظم لحكم ولاسيما مبدأ روسو الذي تسير عليه معظم الحكومات اليوم.

المراجع

  1.  “For the name social contract (or original contract) often covers two different kinds of contract, and, in tracing the evolution of the theory, it is well to distinguish them. Both were current in the 17th century and both can be discovered in Greek political thought. … [The first] generally involved some theory of the origin of the state. The second form of social contract may be more accurately called the contract of government, or the contract of submission…. Generally, it has nothing to do with the origins of society, but, presupposing a society already formed, it purports to define the terms on which that society is to be governed: the people have made a contract with their ruler which determines their relations with him. They promise him obedience, while he promises his protection and good government. While he keeps his part of the bargain, they must keep theirs, but if he misgoverns the contract is broken and allegiance is at an end.” J. W. GoughThe Social Contract (Oxford: Clarendon Press, 1936), pp. 2–3. Modern revivals of social contract theories have not been as concerned with the origin of the state.
  2. ^ Ross Harrison writes that “Hobbes seems to have invented this useful term.” See Ross Harrison, Locke, Hobbs, and Confusion’s Masterpiece (Cambridge University Press, 2003), p. 70. The phrase “state of nature” does occur, in حالة الطبيعة‘s Quaestiones disputatae de veritate, Question 19, Article 1, Answer 13. However, Aquinas uses it in the context of a discussion of the nature of the soul after death, not in reference to politics. نسخة محفوظة 19 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  3. ↑ تعدى إلى الأعلى ل:أ ب Patrick Riley, The Social Contract and Its Critics, chapter 12 in The Cambridge History of Eighteenth-Century Political Thought, Eds. Mark Goldie and Robert Wokler, Vol 4 of The Cambridge History of Political Thought (Cambridge University Press, 2006), pp. 347–75.
  4. ^ The Republic, Book II. Quoted from http://classics.mit.edu/Plato/republic.3.ii.html نسخة محفوظة 2020-09-28 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ AL Basham, The Wonder That Was India, pp. 83
  6. ^ Vincent Cook (2000-08-26). “Principal Doctrines”. Epicurus. مؤرشف من الأصل في 25 أكتوبر 2018. اطلع عليه بتاريخ 26 سبتمبر 2012.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى