قراءة في المقاربات الواقعية للنزاعات الدولية

المقاربات الواقعية للنزاعات الدولية *

محمد حمشي

قسم العلوم السياسية، جامعة باتنة

 

مقدمــة

هناك اعتقاد شائع بأن حالة الاستقرار في النظام الدولي تقترن بمدى اقترابه أو ابتعاده عن احتمال حدوث حروب على المستوى الدولي (large-scale war). منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى، تضاعف الاهتمام بالبحث في تفسير أسباب النزاعات الدولية، ثم تضاعف هذا الاهتمام أكثر إثر فشل الترتيبات الدولية لمنع تكرار هذه الظاهرة، وذلك مع نشوب الحرب العالمية الثانية والنتائج المروعة التي نتجت عنها. تزامن ذلك مع احتدام النقاش الأول بين المدرسة المثالية والمدرسة الواقعية، وهو النقاش الذي حُسم لصالح الواقعية. يمكن هنا اقتباس الفكرة التي كتبها Michael Howard (1983): “جوهريا، لم تتغير أسباب الحرب عبر مر القرون؛ فما اعتبره Thucydides سببا للحرب البولوبونيزية، وهو تنامي القوة الأثينية والخوف الذي سببه ذلك لدى سبارتا، هو نفسه ما يمكن اعتباره سببا في اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهو تنامي القوة الألمانية والخوف الذي سببه ذلك لدى بريطانيا”.

في مسح تاريخي- تحليلي للنزاعات الدولية منذ الحروب البولوبونيزية 404-431 ق.م وصولا إلى أزمة الصواريخ الكوبية 1962، يصل Donald Kagan إلى أن الحرب كانت دائما نتاجا للتنافس/الصراع الدولي من أجل القوة، وأبعد من ذلك فهو يسجل أن الدول-ذات السيادة لا تبحث عن القوة فقط من أجل تعزيز أمنها أو الحصول على مكاسب اقتصادية، إنما تفعل ذلك أيضا من أجل تعزيز هيبتها الدولية، كما يخلص إلى أن الخوف من التهديدات، سواء كانت قريبة أو بعيدة، والتي قد لا يكون من الممكن  البقاء في مأمن منها، هو ما يفسر الثبات في ظاهرة الحرب كجزء لا يبدو  أنه سيتغير من الطبيعة البشرية.

تنبثق أهمية دراسة النزاعات من المنظور الواقعي- سواء فيما يتعلق بتفسير الأسباب التي تدفع الدول إلى خوض الحروب أو فيما يتعلق بالحلول الكفيلة بالتخفيف من حدة هذه الظاهرة في العلاقات الدولية – من قدرة المنظور الواقعي على تزويدنا بتفسير واضح ومتماسك لتطور النظام الدولي من جهة، ولسلوك الدول ونزوعها المحتمل نحو استعمال القوة لتعظيم مصالحها من جهة أخرى؛ وفي مقابل القدرة على التفسير، يبدو أن الواقعية لا تملك نفس القدرة على اقتراح وصياغة آليات لحل النزاعات والحد من انتشار ظاهرة الحرب في النظام الدولي القائم عبر الزمان والمكان. لذلك فإن مَشكلة problématisation هذا الموضوع من هذه الزاوية تمكننا من فهم الإدراك الواقعي لأسباب حدوث النزاعات بين الدول/داخل الدول وآليات حلها.

وحدات التحليل: تستند هذه الورقة على وحدات التحليل الأساسية التي شكلت جوهر إدراك المنظور الواقعي بمختلف تياراته لظاهرة النزاعات، وهي: الفرد، الدولة والنظام الدولي؛ على أن التركيز على الوحدات السابقة لا يمنع من الاستعانة بوحدة الجماعة الإثنية أثناء التطرق لمفهوم المعضلة الأمنية داخل الدول لـ Barry Posen.

تنقسم الورقة إلى جزئين: الجزء الأول يتصدى لفحص الأسباب التي يقترحها المنظور الواقعي لتفسير حدوث النزاعات (سواء بين الدول أو داخل الدول). وقبل المضي في توصيف البناء المنهجي للورقة، تجدر الإشارة إلى أن انستخدام مصطلح “المنظور paradigm” يتم للدلالة على الإدراك الواقعي العام perception لظاهرة النزاعات. وضمن هذا المنظور، يمكن تمييز اتجاهين أساسيين يتشاركان نفس الإدراك، ولكنهما يختلفان من حيث أسباب نشوب النزاعات وآليات الحد من انتشارها؛ هذان الاتجاهان تمثلهما النظرية الواقعية الكلاسيكية والنظرية الواقعية الجديدة.

وعليه، ينقسم الجزء الأول إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول يتناول أسباب حدوث النزاعات من منظور الواقعية الكلاسيكية، والمبحث الثاني يتناول أسباب حدوث النزاعات من منظور الواقعية الجديدة، مع التركيز على التفسير البنيوي للنزاعات لـ Keneeth N. Waltz، مفهوم المعضلة الأمنية بين الدول ومفهوم المعضلة الأمنية داخل الدول لـ Barry Posen. أما المبحث الثالث فيتضمن تقييما عاما للإدراك الواقعي للأسباب المفسرة لحدوث النزاعات.

أما الجزء الثاني، فيتضمن مسحا للآليات التي يقترحها المنظور الواقعي للحد من ظاهرة النزاعات في العلاقات الدولية، وهو يحتوي بدوره على ثلاثة مباحث: المبحث الأول يتناول آليات حل النزاعات من منظور الواقعية الكلاسيكية (مع التركيز على ميزان القوى والحرب من المنظور السياسي لـ Clausewitz)، والمبحث الثاني يتناول آليات حل النزاعات من منظور الواقعية الجديدة (مع التركيز على مفهوم الاستقرار عن طريق الهيمنة  ومفهوم التوازن الهجومي- الدفاعي). أما المبحث الثالث فيتضمن تقييما عاما للإدراك الواقعي لآليات حل النزاعات والحد من انتشارها في النظام الدولي.

أولا: تفسير النزاعات من منظور الواقعية والواقعية الجديدة

تفسير النزاعات من منظور الواقعية الكلاسيكية

يتضمن هذا المبحث إجراء مسح عام للتفسيرات التي قدمتها الواقعية الكلاسيكية للنزاعات الدولية. وقد تم تقسيمه إلى جزئين، الأول يتناول التفسيرات التي نعثر عليها في الأدبيات الواقعية الكلاسيكية Realist Classics، وهي الأدبيات التي ظهرت قبل أن تبرز الواقعية كاتجاه تنظيري قائم بحد ذاته في حقل العلاقات الدولية، وذلك مع كتابات Hans J. Morgenthau خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. أما الجزء الثاني، فيتضمن التفسيرات التي قدمها Hans J. Morgenthau بوصفه أهم منظر واقعي ارتبط اسمه بالاتجاه الواقعي الكلاسيكي/التقليدي.

– I تفسير النزاعات من منظور الأدبيات الواقعية الكلاسيكية Realist Classics

-1 Thucydides  (471-400 B.C.)

عادة ما يتم تقليد Thucydides لقب أول كاتب في التقليد الواقعي ولقب الأب المؤسس لحقل العلاقات الدولية. و  Thucydidesهو مؤرخ الحروب البولوبونيزية التي جرت بين القوتين العظميين في العالم الإغريقي القديم (أثينا وسبارتا)، وقد كانت خلاصته من دراسة هذه الحروب أن “القوي [دائما] يفعل ما تمكنه قوته من فعله والضعيف يقبل ما يجب عله قبوله”. وبذلك فهو أول من لفت الانتباه إلى عنصر القوة كمحرك لسلوك الدول.

            وحول الأسباب التي أدت إلى نشوب الحروب البولوبونيزية بين أثينا وسبارتا، يقول Thucydides: “إن ما جعل الحرب حتمية هو نمو القوة الأثينية والخوف الذي سببه ذلك في سبارتا”. فقد كانت سبارتا خائفة من فقدان دورها في العالم الهيليني [نتيجة للاختلال ميزان القوى لصالح أثينا]، وبذلك عملت على تعزيز قوتها العسكرية وتجنيد ما استطاعت من دعم حلفائها، وفي المقابل استجابت أثينا بالمثل. لقد كانت تحليلات Thucydides غير بعيدة تماما عن المفاهيم الواقعية التقليدية كسباق التسلح، الردع، ميزان القوى، الأحلاف، إدراكات القوة والضعف…

            إن تركيز Thucydides على الخوف كسبب في اندلاع الحرب بين أثينا وسبارتا، يجعل من السهل على الواحد منا أن يسقط ذلك على حالات تاريخية أخرى على مر القرون: فرنسا وبريطانيا خلال القرن 17 و 18م، فرنسا النابوليونيا وبقية أوروبا في بداية القرن 19م، ألمانيا وبريطانيا بعد الحرب الفرنسية – البروسية 1870، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال العقود الأربعة التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية. في جميع هذه الأمثلة التاريخية، كان الخوف هو الخاصية الطاغية والعامل المحرك لسباقات التسلح وللحروب في حد ذاتها.

            وقد أورد Timouthy Dunne تعليقا محكما على مدلولات الحوار الذي جرى بين الغزاة الأثينيين وسكان جزيرة سبارتية اسمها ميلوس في محاولة منهم لدرء الاحتلال عنهم بمناشدة الغزاة أن يراعوا مبادئ العدالة. لقد لاحظ أن الواقعيين على اختلافهم “يتفقون تماما مع Thucydides في الرأي بأن من سمات منطق القوة أنه قابل للتطبيق في كل زمان ومكان، فبدلا من الأثينيين والميلوسيين يمكننا بكل بساطة أن نحل محلهم، على سبيل المثال، الألمان الناززين ومواطني تشيكوسلوفاكيا عام 1939، والاتحاد السوفيتي وهنغاريا (المجر) عام 1956، أو إندونيسيا وتيمور الشرقية عام 1975. ففي كل حالة من تلك الحالات كان على الدولة الأضعف أن ترضخ للدولة الأقوى.

-2 Niccolo Machiavelli

تماما مثلما فعل Thucydides، فقد كتب Machiavelli عن القوة، ميزان القوى، تشكيل الأحلاف والأحلاف المضادة، وأسباب الصراع بين مختلف الدول-المدن الإيطالية. ويعتبر كتيبه الشهير The Prince (الموجه أساسا لحاكم فلورنسا المعاصر له Lorenzo di Midici) دليلا عمليا لاكتساب القوة، الحفاظ عليها وتوسيعها. يمكن الاستدلال على واقعية الإسهام المكيافيللي من خلال:

  • تأكيده على حاجة الحاكم إلى مبادئ أخلاقية تختلف عن تلك التي يتحلى بها الأفراد العاديون من أجل ضمان أمن دولته وبقائها،
  • اهتمامه بالقوة،
  • افتراضه أن السياسة تتميز أساسا بصراع المصالح،
  • ومن خلال نظرته التشاؤمية للطبيعة البشرية؛

كما يمكن الاستدلال على ذلك من خلال تأكيده على أهمية رؤية العالم كما هو، لا كما يجب أن يكون، ومن ثم دعوته إلى الفصل بين السياسة والأخلاق. وتجد هذه الدعوة مسوغاتها في مسؤولية الحاكم عن ضمان أمن دولته، وبالتالي تصبح الغاية – أمن الدولة – مبررا لأية وسيلة بمقدورها تحقيق تلك الغاية، حتى وإن كانت غير أخلاقية.

-3 Tomas Hobbes

لقد واصل Hobbes على غرار Machiavelli النظر إلى القوة كعامل حاسم في السلوك البشري عموما وفي سلوك الدول بشكل خاص. يقول في كتابه Leviathan: “إن للإنسان رغبة دائمة لامتلاك القوة، وهي لا تسكن إلا بموته”، وينظر هو الآخر نظرة متشائمة نحو الطبيعة البشرية؛ وقد ركز اهتمامه، على مستوى السياسة الداخلية، على الحاجة لوجود سلطة مركزية قوية، ولتبرير ذلك يفترض Hobbes أن الناس في الحقب السابقة لوجود هذه السلطة كانوا يعيشون “حالة الطبيعة”، وهي الحالة التي يخوض فيها الجميع حربا ضد الجميع. لأن غياب مثل تلك السلطة المركزية، أو كونها أضعف من أن تستطيع حماية الأفراد، يجعل كل فرد يعتمد على نفسه ويضمر العداء لكل الأفراد الآخرين.

يظهر تأثير Hobbes على المنظور الواقعي للعلاقات الدولية من خلال هذه الرؤية المظلمة للأفراد في حالة الطبيعة الفوضوية، فهذه الرؤية يمكن إسقاطها على العلاقات بين الدول، لأن الدول كذلك توجد في حالة الطبيعة الفوضوية، حيث لا وجود للـ Leviathan أو القوة العليا التي تتولى فرض النظام (في الأدبيات الواقعية المعاصرة يتمثل الـ Leviathan في القوة المهيمنة hegemonic power)، وفي ظل هذا الفراغ المفضي إلى الشك، عدم الثقة و الصراع تصبح الحرب أمرا حتميا، حيث لا يوجد أثر للأخلاق في إدارة العلاقات بين الدول.

-4 Carl von Clausewitz

في عبارة واسعة الاقتباس، وعلى غرار Machiavelli يشير Clausewitz إلى أن “الحرب ما هي إلا استمرار للنشاط السياسي ولكن بوسائل أخرى”. ورغم أنه لم يكمل كتابة مؤلفه On War، فإن تركته ظلت دائما إسهاما مركزيا في المدرسة الواقعية. وهو من الرواد الذين لفتوا الانتباه إلى حالة عدم اليقين التي تعتري عملية صنع القرار في ظروف الحرب، وذلك عندما استعمل عبارة “ضباب الحرب fog of war”.

هناك مزيد من النقاش سيجري حول إسهام Clausewitz خلال الجزء الثاني، عندما يتم التطرق إلى التصور السياسي للحرب كآلية لحل النزاعات من المنظور الواقعي الكلاسيكي.

-5 Edward Hallett Carr

في كتابه The Twenty Years’ Crisis, 1919-1939، وفي محاولة لتحليل الأسباب العميقة للحرب العالمية الثانية، بغض النظر عن الأسباب القريبة و الشخصية، كان Carr يردد صوت Thucydides من خلال التركيز على عامل الخوف في نشوب الحرب العالمية الثانية، عشرين سنة فقط بعد توقيع اتفاقيات فرساي 1919. وطالما اقتبس Carr عبارات مكيافيلي وهوبز مجادلا بأن “استعمال القوة يؤجج الشهية لمزيد من القوة… وأن الحروب التي تبدأ لدوافع تتعلق بالأمن سرعان ما تتحول إلى حروب عدوانية أنانية”، تماما كما سجل ثوسيديديس أن أثينا التي احتجت بالدفاع عن النفس لخوض الحرب البولوبونيزية سرعان ما تحولت إلى قوة أكثر طموحا وأكثر عدوانية، وهذا  بالضبط ما لاحظه Carr بالنسبة للحرب العالمية الأولى.

بقي أن نشير إلى أن Carr أسهب في ما يقارب الثلث من كتابه في الحديث عن دور الأخلاق في العلاقات الدولية، التأصيل للقانون، المعاهدات الدولية، التسوياة القانونية للنزاعات الدولية، التغير السلمي… لذلك فقد شكل مصدر إلهام للكثير من المنظرين المعاصرين، حتى من خارج المنظور الواقعي.

– II تفسير النزاعات من منظور النظرية الواقعية الكلاسيكية

لقد ألقى Morgenthau بظلاله الفكرية على النظرية الواقعية بشقيها الكلاسيكي والجديد، وطالما أن المجال لا يتسع لفحص إسهاماته وإسهامات كتاب آخرين بشكل مفصل ( George F. Kennan, Nicholas J. Spykman, Henry Kissinger… )، فإننا سنكتفي بالعودة إلى فحص أبرز إسهامات Morgenthau بوصفه أهم واقعي كلاسيكي عرفه المنظور الواقعي.

يبقى أن أعمال Morgenthau تمثل المرجع الأساسي للانتقادات التي عادة ما ينطلق منها المنظرون الواقعيون لتكييف النظرية الواقعية في إطار إعادة صياغة البناء المفاهيمي للواقعية الجديدة neorealist reconceptualization.

بالنسبة لـنظرية Morgenthau الواقعية، هناك ستة مبادئ أساسية:

  • العلاقات السياسية محكومة بقواعد موضوعية مغروسة بعمق في الطبيعة البشرية.
  • الفاعلون/القادة السياسيون يفكرون ويعملون وفقا لمفهوم المصلحة الوطنية المطابقة للقوة، وبذلك تصبح المصلحة هي جوهر السياسة، التي يمكن تعريفها على أنها الصراع من أجل القوة.
  • في عالم تتنافس فيه الدول لتحصيل القوة، تصبح كل دولة مدفوعة إلى حماية بقائها الفيزيقي، السياسي والثقافي في مواجهة الدول الأخرى.
  • الدول-الأمم، في سعيها لتحقيق مصلحتها الوطنية، لا تحكمها نفس المبادئ الأخلاقية التي تحكم العلاقات الشخصية للأفراد.
  • الواقعية السياسية لا تطابق بين الطموحات الأخلاقية لدولة معينة و القوانين الأخلاقية التي تحكم العالم.
  • التأكيد على استقلالية الحقل السياسة عن الحقول الأخرى، وبالتالي ضرورة احتكام الأفعال السياسية إلى معايير سياسية في الأساس. يقول Morgenthau: “الاقتصادي يسأل: كيف تؤثر سياسة ما على رفاهية المجتمع؟ القانوني يسأل: إلى أي مدى تتفق سياسة ما مع قواعد القانون؟ والواقعي يسأل: كيف تؤثر سياسة ما على قوة الدولة؟”.

ويؤكد Morgenthau على أن السياسة من منظور واقعي تسعى إما لتحصيل القوة، الحفاظ عليها، زيادتها أو استظهارها/استعراضها، وذلك حسب طبيعة تلك السياسة: سياسة الوضع الراهن status-quo policy، سياسة امبريالية imperialistic policy، أم سياسة الهيبة prestige policy. كما يرى أن سياسة ميزان القوى هي التقنية الأكثر فعالية لإدارة القوة في نظام دولي فوضوي قائم على علاقات تنافسية/صراعية بين الوحدات الدولية.

ويرجع Morgenthau أسباب السلوك النزاعي لدى الدول إلى الطبيعة البشرية المظلمة التي تحكمها غريزة القوة وحب السيطرة والهيمنة، حيث تزداد هذه الطبيعة العدوانية عندما تنتقل من مستوى الفرد إلى مستوى الدولة، نتيجة لقدرة هذه الأخيرة على تعبئة واستعمال إمكانياتها المادية لإيذاء الدول الأخرى؛ وهناك حجة أخرى يوردها Morgenthau لدعم موقفه، وهي كون الشر لدى الإنسان [ومن ثم لدى الدولة] “ميل يتعذر استئصاله”. يرى Morgenthau أن القوى [الشريرة] المتأصلة في الطبيعة البشرية هي التي تفضي إلى نشوب النزاعات الدولية، وأن المصالح المتعارضة للأفراد/للدول تجعل من العالم مكانا غير مناسب لتجسيد المبادئ الأخلاقية، ومن ثم فإن الوسيلة الأكثر فعالية لتفادي الحروب وأعمال العدوان هو تشكيل ميزان القوى، الذي يثبط الدول عن اللجوء إلى محاربة بعضها البعض وبالتالي يحافظ على استقرار النظام الدولي.

ويشير Chris Brown – أثناء تناوله للصور (حسب تعبير Waltz) التي يمكن من خلالها تفسير أسباب الحرب – إلى أن الطبيعة البشرية المظلمة كسبب للحروب عادة ما يتم وضعها في أطر دينية أو سيكولوجية. إذ يتم المحاججة بأن البشر مخلوقات خاطئة [sinful] طردت من “الجنة” وتميل بطبعها إلى العنف، وتسيطر عليها الرغبة في الموت، وبأن البشر هم المخلوقات الوحيدة التي تقتل أبناء جنسها ولا تمتلك رادعا يمنعها من إبادة بعضها البعض.

            ويخلص Brown إلى أن تفسير الحرب كظاهرة اجتماعية بالإشارة إلى طبيعة الأفراد هو عمل اختزالي، ويبدو هذا الحكم مقبولا بالعودة إلى النقاش الذي أثاره Waltz في كتابه Man, the State and War حول الصور الثلاثة لتفسير أسباب اندلاع النزاعات الدولية والذي ستتم الإشارة إليه بشكل متكرر خلال الأجزاء القادمة من هذا البحث.

            ويذهب Jack Donnelly إلى أن التركيز على الطبيعة البشرية الثابتة عند Morgenthau يجعل من واقعيته واقعية “بيولوجية” أكثر منها واقعية “كلاسيكية”، لأن الاهتمام بالطبيعة البشرية المنغرسة في جوهر الإنسان هو تفسير بيولوجي في الأساس لظاهرة الحرب. ويعود هذا الربط إلى الكاتب الألماني Neibuher الذي يرى أن المصدر الجوهري للنزاعات الاجتماعية توجد في جهل وأنانية الناس. ومن ثم فإن الطبيعة البشرية [الشريرة] تتسبب في حرب الجميع ضد الجميع – بتعبير Hobbes – في سبيل البحث اللامحدود عن المصالح.

تفسير النزاعات من منظور النظرية الواقعية الجديدة

يواصل هذا المبحث فحص التفسيرات التي قدمتها المدرسة الواقعية لحدوث النزاعات، حيث يتم التطرق هنا إلى تفسيرات النظرية الواقعية الجديدة، التي يمكن النظر إليها على أنها تيار تجديدي داخل المدرسة الواقعية عموما. وقد ظهرت كنتيجة للانتقادات الحادة التي تعرضت لها النظرية الواقعية الكلاسيكية على يد الثورة السلوكية إبان الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كما سنرى فيما بعد. وسنتعرض هنا إلى المقاربات الأساسية للواقعية للجديدة لظاهرة النزاعات، وهي: المقاربة البنيوية لـ Kenneth N. Waltz (البنية الفوضوية للنظام الدولي)، معضلة الأمن بين الدول Interstate Security Dilemma ومعضلة الأمن داخل الدول  Intrastate Security Dilemma.

البنية الفوضوية للنظام الدولي (كينيث ن. وولتز)

تعتبر الواقعية الجديدة امتدادا تجديديا للواقعية الكلاسيكية، حيث بقيت محافظة على افتراض أن القوة متغير رئيسي في السياسة الدولية، بالرغم من أنها توجد كمكون حتمي وضروري في العلاقة السياسية أكثر من وجودها كغاية في حد ذاتها. ويعتبر Kenneth N. Waltz: “Theory of International Politics” 1979 & “Man, the State and War” 1959  رائد الواقعيين الجدد.

في الوقت الذي تركز فيه الواقعية الكلاسيكية على الطبيعة البشرية لتفسير العلاقات الدولية (وظاهرة نشوب الحروب الدولية بشكل خاص)، فإن الواقعية الجديدة تركز أكثر على بنية النظام الدولي كمشكل للعلاقات السياسية التي تحدث بين مختلف وحداته. حسب Waltz، مصطلح البنية structure يدل على الطريقة التي تنتظم بها مختلف أجزاء النظام. وإذا كانت بنية النظام الوطني هي في الأساس بنية تراتبية/هرمية hierarchical حيث تتموضع الوحدات الداخلية في تمايز رسمي حسب درجة سلطتها أو حسب الوظيفة التي تؤديها، فإن بنية النظام الدولي في المقابل هي بنية فوضوية anarchical، حيث تتموضع الوحدات الدولية وفقا لعلاقة عمودية بين بعضها البعض، وبفضل طبيعة هذه البنية، فإن الوحدات الدولية تجد نفسها، في ظل وضع الاعتماد  على النفس self-help، في حاجة إلى الاعتماد على نفسها وعلى الترتيبات التي تضمن بقاءها وتحسن من وضعها الأمني، مهما كانت طبيعة هذه الترتيبات.

            لقد ألقى الطرح النيو واقعي لـ Kenneth Waltz ظلاله على النقاش الذي هيمن على الحقل النظري للعلاقات الدولية منذ بداية الثمانينيات. وقد انصرف جزء كبير من هذا النقاش إلى الحد الفاصل بين مستوى تحليل بنية النظام [النظام الدولي] ومستوى تحليل الوحدة الفرعية للنظام [الوحدة الدولية]. وبالنسبة لـ Waltz، فقد ركز في مجهوده النظري على مستوى تحليل النظام الدولي، في مقابل إهماله لدور الوحدات الدولية والتأثير الذي تمارسه بنى الوحدات الدولية ذاتها على نماذج السلوك الدولي، ويعود هذا الإهمال إلى ضيق المفهوم الوولتزي للبنية، حيث اعتبر أن النظام الدولي وحده يتضمن مفهوم البنية، ولم ينتبه إلى أن الوحدة الدولية/الدولة هي الأخرى تتضمن هذا المفهوم، تماما كما تتضمنه المنظمات الدولية كظاهرة نظمية-المستوى systemic-level phenomenon كما ذهب إلى ذلك المؤسساتيون النيوليبراليون neoliberal institutionalists. وقد شكل هذا الإغفال نقطة انطلاق للتنقيحات الواقعية النيوكلاسيكية فيما بعد.

            لقد عمل Waltz على إثراء النظرية الواقعية لـ Morgenthauوذلك بمحاولة إسكات الانتقادات التي اتهمت الواقعية بإهمال التفاعلات الدولية الإيجابية والمكاسب التعاونية بين الدول، إلى جانب إغفالها لتنامي الاعتماد المتبادل في النظام الدولي. وقد قدم Waltz محاولة جادة لتنقيح الواقعية الكلاسيكية، غير أنه بقي يسلم بالنظرة الهوبزية للنظام الدولي، حيث يفترض أن الحالة الطبيعية في العلاقات بين الدول هي حالة الحرب: ” Among states, the state of nature is a state of war “، وأن حالة الفوضى في بنية النظام الدولي تؤدي إلى خلق ما أسماه بمعضلة اللاأمن insecurity dilemma وتدفع الدول إلى القلق بشأن أمنها. هذه الصياغة تؤشر على وجود علاقة تفاعلية/ثنائية الاتجاه بين البنية الفوضوية للنظام الدولي وكون الوحدات الدولية تعتمد على نفسها self-help units لحماية أمنها من تهديدات الوحدات الأخرى؛ بعبارة أخرى، البنية الفوضوية للنظام الدولي تزيد من اعتمادية الدول على نفسها، تماما كما أن هذه الأخيرة تفاقم من حدة الأولى.

                        structural anarchy                                                  self-help

وهذا هو جوهر النظرية الواقعية الجديدة، أو ما يعرف بشكل أكثر دقة بالواقعية البنيوية structural realism. وهنا يجدر التأكيد على أن نظرية Waltz كانت استجابة نوعية – في الأساس- لمتطلبات الثورة السلوكية التي واكبت أغلب حقول المعرفة الاجتماعية، بما في ذلك حقل العلاقات الدولية كفرع من فروع العلوم السياسية. حيث عمل Waltz رفقة غيره من الواقعيين الجدد على وضع النظرية الواقعية على سكة الدراسات الاجتماعية الوضعية – التجريبية، وذلك بنقل الاهتمام الواقعي من الطبيعة البشرية المظلمة (كتفسير لنشوب النزاعات الدولية) إلى دور البنية الفوضوية للنظام الدولي في وضع الدول أمام معضلة اللاأمن، مما يضعها في حالة الاستعداد الدائم لخوض الحروب حفاظا على أمنها.

المعضلة الأمنية  Security Dilemma

 -Iمعضلة الأمن بين الدول Interstate Security Dilemma

يستند الافتراض الواقعي/النيو واقعي بأن الحرب سمة تاريخية حتمية ودائمة في العلاقات الدولية إلى مقاربة المأزق الأمني/المعضلة الأمنية security dilemma التي تواجهها الدول باستمرار دائم. وهي مفهوم بنيوي يتعلق بالبنية الفوضوية للنظام الدولي، إضافة إلى اعتماد الدول على نفسها للحفاظ على أمنها الوطني. فالدول، بسبب الفوضى في النظام الدولي وبالتالي اعتمادها على نفسها، تتخذ إجراءات لتعزيز أمنها، وبصرف النظر عن كونها ذات طابع دفاعي أو هجومي، فإن الدول الأخرى تفسر تلك الإجراءات على أنها خطر محتمل على أمنها الداخلي. إن حالة الشك وعدم الثقة الدائمين حيال الاستعدادات العسكرية التي تقوم بها الدول الأخرى من شأنها أن تؤدي بالوحدات الدولية إلى دوامة من الفعل ورد الفعل، أي أن الشعور باللاأمن يولد مزيدا من الشعور باللاأمن، مما يجعل احتمال قيام الحرب أمرا ممكنا على الدوام. وحتى عندما يسود هناك اعتقاد بأن دولة تضمر نوايا حسنة، يبقى هناك تخوف دائم من أن تتبدل هذه النوايا.. هذا ما يسميه Butterfield المأساة المروعة في العلاقات الدولية. ويرى الواقعيون أنه لا يوجد هناك ما يشير إلى أن الدول قادرة على التغلب على هذه المعضلة المستحكمة.

ويجادل Mearsheimer، أحد منظري مقاربة المعضلة الأمنية، أن الدول حتى في حالة انخراطها في اتفاقيات مثلا للحد من انتشار الأسلحة، ستبقى دائما متخوفة من قيام الأطراف الأخرى بنقضها والتنصل منها وقيامها بتحقيق سبق عليها، في هذه الحالة تعيش الدول مجتمعة في حالة دائمة من الحذر والنزوع للنهوض بأعباء أمنها الوطني اعتمادا على نفسها. هذا هو ما يفسر – إلى حد ما – استمرار القوى النووية في الاحتفاظ بقدراتها النووية رغم توقيعها على اتفاقيات خفض الأسلحة الإستراتيجية واتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية.

وينبغي لفت الانتباه إلى أن النيو واقعيين ولتبسيط فهم المعضلة الأمنية، يعمدون إلى تقسيمها إلى مرحلتين أساسيتين، هما مرحلة التأويل، ومرحلة الاستجابة.

            تفترض مقاربة المأزق الأمني أن البنية الفوضوية للنظام الدولي ونظام الاعتماد على النفس يدفعان الدول دائما إلى افتراض سيناريو الحالة الأسوأ، حيث أنها حتى وهي تدرك نتائج أفعالها (تخفيض مستوى الأمن لدول أخرى) فإن طبيعة وضعها في النظام الدولي تدفعها إلى اتخاذ الخطوات التي تتخذها. بهذه الطريقة، يتضح أن النيو واقعية تجادل بأن المأزق الأمني هو حالة بنيوية مستعصية، لأنها ترتبط بالبنية الفوضوية للنظام الولي وخاصية الاعتماد على النفس.

-II معضلة الأمن داخل الدول Intrastate Security Dilemma

مع نهاية الحرب الباردة، واجه المنظرون الواقعيون الجدد بإلحاح متزايد أزمة التكيف مع التحول الذي مس طبيعة النزاعات الدولية، حيث أنها تحولت من نزاعات بين الدول interstate إلى نزاعات داخل الدول intrastate، أي أن الفواعل/ الأطراف في النوع الثاني ليست الدول، وهو ما لا يتوافق مع الافتراض الواقعي الرئيسي والذي لم يتغير بتغير النقاشات داخل المنظور الواقعي intraparadigm نفسه، وهو أن الدولة هي اللاعب المركزي والوحيد central & unique في العلاقات الدولية. وكاستجابة لهذه الأزمة، قام Barry Posen بنقل مقاربة المعضلة الأمنية لـ Waltz من مستوى التحليل الدولي إلى مستوى التحليل الوطني/ داخل الدول from the interstate level to the intrastate level.

طالما أن الواقعية الجديدة حافظت على التمييز الحاسم بين العمليات التي تحدث على المستوى بين-الدول inter-state والعمليات التي تحدث في المستوى داخل-الدولة intra-state، كما أكدت على مركزية العلاقات بين الدول في مقابل هامشية العلاقات داخل الدولة في فهم العلاقات الدولية؛ فقد كان من المفاجئ أن يبدأ منظرون نيو واقعيون بالالتفات إلى والاهتمام بالعلاقات بين المجموعات الإثنية والوطنية ودورها في النزاعات الإثنية داخل الدولة.

            في هذا الإطار، صدرت مقالة لـ Barry Posen: The Security Dilemma and Ethnic Conflict 1993، حاول فيها إسقاط مفهوم المعضلة الأمنية في سياقها بين-الدولي المعتاد على نشوب النزاع الإثني في يوغسلافيا السابقة 1991.

            تعتمد مقاربة Barry Posen على ما يسميه “الفوضى الناشئة” emerging anarchy، ويقصد بذلك ما يحدث عندما تبدأ الدول متعددة الإثنيات في الانهيار، فتجد المجموعات الوطنية نفسها مجبرة على تحصيل أمنها الخاص بها، كل على حدى، وذلك في غياب سلطة مركزية فعالة تتولى هذه المهمة، وبذلك تصبح هذه المجموعات في وضعية اعتماد على النفس شبيهة إلى حد كبير بتلك التي تميز الدول في النظام الدولي.

            إن ما يجعل مقاربة Posen نيو واقعية في جوهرها، حسب Josef Lapid & Friedrich Kratochwil، هو أنها تستند إلى الطرح الدولتي للنظرية الواقعية في تحليل المستوى بين الإثني/داخل الدولة inter-ethnic/intra-state، فهي تقترح بقوة أن كل الوحدات في وضع فوضي (سواء كانت عبارة عن أفراد، دول-مدن city-states، أمم، أو دول) يمكن التوقع أنها تتصرف وفقا لنفس المنطق النيو واقعي. بصيغة أخرى، في وضع الفوضى الناشئة، تتصرف كل المجموعات على المستوى الداخلي للدولة بنفس الطريقة التي تتصرف بها الدول على مستوى النظام الدولي.

هناك إجماع على صدقية التفسير النيو واقعي للنزاعات الداخلية/الإثنية الذي اقترحه Barry Posen، لأن الشواهد التاريخية (في يوغسلافيا مثلا) تشير فعلا إلى أن تمزق الدول متعددة الإثنيات يمكن أن يضع المجموعات الإثنية أمام وضع فوضوي، بحيث يثير هذا الواقع الجديد مخاوف كل طرف اتجاه الطرف الآخر، ويقود كليهما إلى محاولة استعمال القوة لتحسين وضعه النسبي، هذه الوضعية تتعقد أكثر عندما تكون في الإقليم، المأهول من طرف مجموعة معينة، جيوب تسكنها إثنيات أخرى. ذلك أن كل طرف يحاول تنفيذ تصفية إثنية (استباقية) إنهاء وجود أية أقليات دخيلة، ما يسمح بالتوسع لضم كل الأفراد المنتمين لمجموعتهم والمتواجدين خارج الحدود الحالية لإقليمهم.

تقييم المنظور الواقعي لتفسير النزاعات

لتلخيص ما سبق، يمكن الاستعانة بمستويات تحليل العلاقات الدولية، التي ترجع إلى Keneeth Waltz نفسه، حيث أشار إلى أن الأسباب وراء نشوب الحروب/النزاعات تندرج إما في المستوى الفردي أو في المستوى الوطني أو في المستوى النظمي (مستوى النظام الدولي) للتحليل.

مما سبق يمكن أن نخلص إلى أن الواقعية الكلاسيكية انحصر اهتمامها في المستوى الأول، بتركيزها على الطبيعة البشرية العدوانية/حالة الفطرة عند Hobbes كعامل محرك للنزاعات الدولية؛ في الوقت الذي انحصرت فيه الواقعية الجديدة/البنيوية (Waltz) في المستوى الثالث، من خلال التركيز على البنية الفوضوية للنظام الدولي كمسبب رئيسي للنزاعات. مبدئيا سنسلم بأن الواقعية البنيوية شكلت انتصارا لعلمية scienticism حقل العلاقات الدولية، وذلك بأن أصبحت أكثر اهتماما بدراسة بنية النظام الدولي القائم على مفهومي الفوضى والاعتماد الذاتي بدل الإغراق في توصيف الطبيعة البشرية المظلمة ودورها في توجيه ميل الدول نحو خوض الحروب وتسوية النزاعات بالطرق المسلحة العنيفة؛ غير أنها (النيوواقعية) ما لبثت أن تعرضت للنقد، لأنها هي الأخرى أفرطت في تفسير النزاعات الدولية بطبيعة البنية الفوضوية للنظام الدولي.

وهنا يأتي المجهود التنقيحي المشترك لـBarry Buzan, Charles Jones & Richard Little: The Logic of Anarchy 1993 ، حيث دعا كل من Buzan, Jones & Little إلى ضرورة تنقيح النيو واقعية لبناء تركيب نظري مشترك synthesize للنظرية الواقعية الجديدة والنظرية المؤسساتية النيوليبرالية (في إطار الحوار الذي جرى بين الواقعيين الجدد والليبراليين الجدد خلال الثمانينيات)، وذلك باعتماد المنظومات regimes والمؤسسات الدولية، إلى جانب القوة، كجزء من تعريف بنية النظام الدولي. ولمعالجة حالة القصور المفهومي للبنية حسب Waltz، يقترح  Buzan, Jones & Little مفهوما جديدا هو “البنية العميقة deep structure” ذات المضمون الأوسع من تصور Waltz. ويرتبط تصورهم لبنية النظام بوجود ما أسموه النظام السياسي الدولي، إلى جانب النظام المجتمعي الدولي International Societal System، وهذا الأخير يتسع ليشمل الأبعاد الثقافية، القانونية والسلوكية المعيارية/القيمية. لقد حاول هؤلاء المنظرون توسيع المفهوم الوولتزي لبنية النظام ليمتد إلى ما وراء البعد السياسي، ويشمل البعد الاقتصادي، المجتمعي والاستراتيجي (يقصد به ممارسة الضبط من خلال الاكراه the exercise of control by coercion).

            خلاصة هذه المناظرة، أنه في الوقت الذي رجح فيه Waltz أن للبنية الفوضوية للنظام الدولي دورا حاسما في تفسير السلوك الدولي، فقد سعى Buzan, Jones & Little إلى إيجاد ربط بين مستوى تحليل بنية الوحدة الدولية ومستوى تحليل النظام الدولي. حيث خلصوا إلى أن طبيعة قدرات الوحدة الدولية وطريقة استخدامها تؤثر على بنية النظام الدولي في حد ذاته.

في مرحلة لاحقة، ظهر زخم من الأدبيات الواقعية أصبحت تصنف ضمن ما يعرف بالواقعية الكلاسيكية الجديدة Neoclassical Realism، وهي تعد امتدادا تراكميا لسعي Buzan, Jones & Little من أجل تجسير الفجوة to bridge بين السياسات الوطنية للوحدات الدولية والسياسات الدولية، ومن ثم بين البنى الوطنية والبنى الدولية. بالنسبة لهذا الاتجاه، الذي يمثله كل من Michael Mastanduno, David A. Lake & G. John Ikenberry: Toward a Realist Theory of State Actors ، يبقى بقاء الدولة الهدف النهائي لسياساتها، سواء التي تمارسها على المستوى الوطني أو الدولي؛ فقادة الدول دائما يسعون إلى السيطرة على الموارد لتطوير أجنداتهم الدولية والوطنية والمحافظة على شرعية قيادتهم لدولهم. كما أن الدول دائما تسعى إلى تجميع وتركيم الثروة الاقتصادية والقوة التكنولوجية من أجل المكاسب الدولية والوطنية التي تفرزها.

           وتفترض الأدبيات الواقعية النيو كلاسيكية أن السياسة الخارجية للدول ما هي إلا نتاج نماذج معقدة من التفاعل [فعل ورد فعل] داخل وبين المستويين الوطني والدولي، كما تفترض أن الخيارات في عملية صنع السياسة الخارجية تتأثر بالإدراكات perceptions والقيم values المنغرسة في صانع القرار نفسه.

إذا استعنا مرة أخرى بمستويات تحليل النزاعات الدولية، لوجدنا أنه في الوقت الذي انحصرت فيه نيو واقعية Waltz في المستوى الثالث (النظام الدولي) باهتمامها المفرط بتفسير النزاعات الدولية بطبيعة البنية الفوضوية للنظام الدولي؛ فقد حاولت نيو واقعية كل من Buzan, Jones & Little التخفيف من حدة هذا الإفراط والالتفات نحو المستوى الثاني (الدولة)، ومحاولة إيجاد روابط بينه وبين المستوى الثالث؛ هذا في الوقت الذي سعت فيه الواقعية النيوكلاسيكية إلى ربطهما معا بالمستوى الأول (الفرد) الذي شكل محور اهتمام الواقعية الكلاسيكية، وذلك من خلال التأكيد على أثر عملية صنع القرار السياسي الخارجي في سلوك الدول (هنا يتم التركيز على الأثر الذي تمارسه التركيبة السلوكية والعقائدية لصانع القرار).

ثانيا: حل النزاعات من منظور الواقعية والواقعية الجديدة

حل النزاعات من منظور الواقعية الكلاسيكية

يقترن التصور الواقعي الكلاسيكي لحل النزاعات بآليات الحفاظ على استقرار النظام الدولي. ويجب التنويه هنا بأن فوضوية النظام الدولي بمعنى غياب الحكومة العالمية الكابحة للسلوك العدواني لدى الدول لا يعني بالضرورة غياب النظام في النظام الدولي (بمعنى غياب الاستقرار وسيادة الفوضى والاضطراب) [رغم الفوضى، يبقى هناك قدر من النظام يضبطها l’ordre dans le désordre ]. وتقترح الواقعية الكلاسيكية آليتين من خلالهما يحافظ النظام الدولي على استقراره ويتوافر للعلاقات الدولية نوع وقدر من النظام والاستقرار (بمعنى تقلص حجم النزاعات والحروب التي تهدد استقرار النظام الدولي)؛ هاتان الآليتان هما ميزان القوى والحرب. وليس من المدعاة للدهشة أن تشكل الحرب في نظر الواقعيين الأرثوذكسيين آلية للحد من ظاهرة النزاعات في العلاقات الدولية، لأنه يعكس ثبات الإدراك الواقعي للعلاقات الدولية على أنها تميل للتنازع والصراع أكثر من ميلها للتعاون، وهذا ما سيوضحه هذا المبحث.

ميزان القوى Balance of Power

يمكن فهم العلاقة بين ميزان القوى وحل النزاعات في المنظور الواقعي الكلاسيكي من خلال الانطلاق من التعريف التالي: “ميزان القوى هو تعبير عن تعادل في القوة بين دولتين/كتلتين/حلفين دوليين [أو بين مجموعة دول/مجموعة تكتلات/عدة أحلاف دولية]، بحيث يمنع هذا التوازن قيام أي طرف بمغامرة عسكرية ضد الطرف الآخر، وبذلك يتحقق بموجبه الاستقرار والسلم المبنيان على القوة”.

ويمكن تعريف موازين القوى من حيث عدد الأقطاب الموجودة في الميزان، ويتحدد عدد الأقطاب بعدد الدول التي بوسعها أن يهدد بقاء بعضها بعضا بشكل خطير. فالنظام الدولي خلال الحرب الباردة هو نظام ثنائي الأقطاب، لأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هما الدولتان الوحيدتان اللتان لديهما القدرة على تهددي بقاء بعضهما البعض.

            يعتمد مفهوم ميزان القوى على المقارنة المستقاة من علم الاقتصاد الكلاسيكي، حيث استوحاه الواقعيون (على رأسهم Morgenthau) من دور السوق في الحياة الاقتصادية. إذ أن السوق القادرة على تنظيم المنافسة عبارة عن كيان محض يأتي إلى الوجود بمعزل عن رغبات المشترين والبائعين الذين – رغم ذلك – يوجدونها من خلال أعمالهم [بشكل غير مباشر]. ويمضي Cris Brown أبعد من ذلك في القياس على المفهوم والدور الاقتصادي للسوق في إدراك مفهوم ودور ميزان القوى في العلاقات الدولية، فيقول بأنه في سوق غير قادرة على المنافسة (تحتكره القلة)، يكون بوسع عدد قليل من الشركات إدارة الأسعار والإنتاج، ولا يشكل بقاء بعضها محل اهتمام بالنسبة للبعض الآخر. ويعطي المثال التالي: “شركة Ford تتمنى لو أن شركة General Motors تزول من الوجود، والعكس بالعكس، ولكنها بوصفها تحقق أكبر قدر من الربح تدرك أن المحاولات المباشرة للتخلص من المنافسة تنطوي على أخطار هي من الشدة بحيث تجعلها  لا تفكر بذلك، فحرب الأسعار قد تطيح بكلتا الشركتين، وبالطريقة نفسها فإن للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مصلحة مشتركة في تنظيم المنافسة بينهما، حتى وإن كان كل منهما يود لو أن الطرف الآخر يزول من الوجود لو كان من الممكن تحقيق ذلك بطريقة لا تنطوي على المخاطرة وتكون غير مكلفة”. هذا القياس الاقتصادي يجعل من العمل وفقا لميزان قوى خيارا عقلانيا يمكن الدول من المحافظة على استقرار النظام الدولي.

يهدف ميزان القوى، حسب كل من Bolingbroke, Gentz, Metternich & Castle إلى: (1 الحيلولة دون ظهور هيمنة عالمية، (2 المحافظة على العناصر المشكلة للنظام [الدولي] وعلى النظام [الدولي] في حد ذاته، (3 ضمان الاستقرار والأمن المتبادل ضمن النظام الدولي و (4 تعزيز وإطالة أمد السلام [الدولي] باستعمال الحرب الرادعة deterring war، التي تعني التصدي لأي طرف معتد يحاول قلب ميزان القوى، مع أمكانية مواجهة سياسة توسعية ما بتشكيل حلف مضاد countercoalition.

أما بالنسبة للآليات التي ترى الواقعية الكلاسيكية أنها كفيلة بصيانة أو استرجاع ميزان القوى، فهي كما يلي: (1 سياسة فرق تسد، (2 التعويضات الإقليمية في فترات ما بعد الحروب، (3 خلق الدول العازلة buffer states، (4 تشكيل الأحلاف، (5 إنشاء مجالات النفوذ، (6 التدخل، (7 المساومة الدبلوماسية، (8 التسوية السلمية والقانونية للخلافات، (9 تقليص التسلح، (10 سباقات التسلح و (11 الحرب في حد ذاتها إذا كان ذلك ضروريا صيانة أو استرجاع ميزان القوى.

المفهوم السياسي للحرب  The Political Conception of War

يمثل التصور السياسي للحرب لـ Clausewitz ثورة على الإدراك السائد للحرب على أنها ظاهرة مرضية [غير صحية] في العلاقات الدولية، وأنها تعبر عن انهيار النظام الدولي. في المقابل، يجادل Clausewitz بأن الحرب سمة طبيعية للعلاقات الدولية، وآلية أساسية من آليات عمل النظام الدولي، وذلك لما لها من دور في نظام توازن القوى.

وهنا يعود بنا Chris Brown من جديد إلى الصورة الثالثة لـ Waltz حول تفسير النزاعات، مؤكدا على دور البنية الفوضوية للنظام الدولي في دفع الدول خوض الحروب ضد بعضها البعض دفاعا عن مصالحها الخاصة، ثم يؤكد على ضرورة التفريق بين الحرب الأهلية/الداخلية والحرب الدولية لفهم التصور السياسي للحرب عند Clausewitz. فالحرب الأهلية تعبير عن انهيار الأوضاع الطبيعية داخل الدولة، وبذلك فهي بالفعل وضع مرضي، لأن الدول رغم أنها من حيث المبدأ تتوفر على وسائل عدة لحل النزاع تمنع اللجوء إلى العنف، إلا أنه في بعض الأحيان يتعذر استعمال تلك الوسائل، فتندلع الحرب؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالحرب الدولية – على خلاف ما سبق – تمثل بالفعل الآلية التي غالبا ما تكون النهائية لحل الصراع. وهذا هو جوهر التصور السياسي للحرب بوصفها خيارا عقلانيا، ينتج عن الموازنة بين التكاليف والمنافع في استخدام القوة لحسم الصراعات الدولية، وهو ما كان محل اهتمام الكاتب البروسي Carl Von Clausewitz: On War 1831.

يرى Clausewitz أن الحرب تعد (أو يجب أن تكون) عملا سياسيا عقلانيا مقيدا، وقد عبر هذه الفكرة بمقولته الرائجة “الحرب أداة سياسية حقيقية، وهي استمرار للعمل السياسي بوسائل أخرى”؛ فالحرب بالنسبة له ليست نهاية العمل السياسي بل إنها تدار لأغراض سياسية. ورغم كونه ضابطا عسكريا، إلا أنه طالما أكد على أهمية السيطرة السياسية على القوات المسلحة.

يقترح أنصار Clausewitz تصورهم السياسي للحرب – كآلية للحد من النزاعات – من خلال نقطتين أساسيتين:

أولا: بوصفها جزءا من ميزان القوى، فهم يجادلون بأنه في نفس الوقت الذي يشكل فيه ميزان القوى آلية لمنع الحروب، فإن هذه الأخيرة – هي الأخرى – تشكل آلية جيدة للحفاظ على استقرار وتوازن النظام الدولي (أي المحافظة على بقاء ميزان القوى).

ثانيا: بوصفها آلية لحل النزاعات بإمكانها أن تحقق ما لا يستطيع ميزان القوى تحقيقه (أي تحقيق التغيير بدلا من إحباطه).

            من خلال هذا التصور، يمكن إدراك نوع من التكامل بين الآليتين، فبدون الحروب لا يستطيع ميزان القوى أن يعمل على حفظ التوازن في النظام الدولي، وبدون ميزان القوى يصبح الانتشار الموسع للحروب مدعاة لتفاقم الفوضى (بمعنى انعدام النظام désordre). بصيغة أخرى، قد تكون التحالفات وسباقات التسلح من آليات الحفاظ على ميزان القوى بشكل سلمي (بدون حرب)، غير أن فشل هذه الآليات يجعل من الحرب خيارا لازما. إن الحرب لا تعبر عن الفشل في حل الصراع والدفع نحو التغيير، بل قد تكون آلية لا مفر منها لتحقيق ذلك، وهذا هو جوهر التصور السياسي للحرب عند الواقعيين الكلاسيكيين (وفي مقدمتهم Clausewitz).

حل النزاعات من منظور الواقعية الجديدة

يتصدى هذا المبحث لفحص الحلول التي قدمتها النظرية الواقعية الجديدة للتخفيف من حدة انتشار النزاعات. وينبغي هنا التأكيد على أن الحلول التي تقترحها الواقعية الجديدة لها علاقة أساسا بالمحاولات التي خاضها الواقعيون الجدد لإسكات الانتقادات التي تلقاها الاتجاه الكلاسيكي للواقعية، خاصة فيما يتعلق بتسليمه بحتمية السلوك العدواني لدى الدول، واستبعاده لإمكانية قيام علاقات تعاون على المستوى الدولي. لقد شكل الحوار الواقعي الجديد – الليبرالي الجديد تربة خصبة لنمو المساعي البحثية النيوواقعية لإيجاد آليات مناسبة للحد من ظاهرة النزاعات، وإن بقية بالنسبة لكتابها سمة غالبة للعلاقات بين الدول.

في هذا المبحث، سيتم فحص الآليتين الأساسيتين لحل النزاعات محل اهتمام النيوواقعيين، الأولى تتمثل في “الاستقرار عن طريق الهيمنة Hegemonic Stability” التي تطورت تزامنا مع الزخم الهائل من الأدبيات المؤسساتية الدولية حول نظرية المنظومات regimes، والثانية تتمثل في “التوازن الدفاعي – الهجومي Offensive-Deffensive Balance ” التي تعتبر من صلب اهتمام المحاورات الجارية بين الواقعية الدفاعية والواقعية الهجومية.

الاستقرار بالهيمنة Hegemonic Stability

قبل المضي في فحص آلية الاستقرار بالهيمنة لحل النزاعات، تجدر الإشارة إلى أن هذا المفهوم هو نتاج ما يعرف بالتركيب الواقعي الجديد- الليبرالي الجديد the neo-neo synthesis، وهو يمثل خلاصة الحوار الذي احتدم بين الواقعيين الجدد والليبراليين الجدد the neo-neo debate طيلة فترة الثمانينيات. كما تجدر الإشارة إلى ارتباط هذا المفهوم بنظرية المنظومات regimes theory التي شكلت محورا للحوار السابق، منذ السبعينيات من القرن الماضي، حيث جاء تطوير هذا المفهوم في محاولة للإجابة على السؤال التالي: لماذا تستمر المنظومات الدولية international regimes [1] في الوجود رغم الطبيعة الأنانية والعدوانية للدول، واحتمالات الغش والتنصل من هذه المنظومات، كما يشكك الواقعيون الجدد؟ فالجواب من منظور الواقعية الجديدة يكمن في ظهور نمط من الاستقرار يحافظ عليه طرف مهيمن hegemon، وهي الإجابة التي تشاطرها فيها الليبرالية الجديدة كما أشرنا إليه قبل أسطر.

يعود هذا المفهوم – بغض النظر عن حداثة المصطلح – إلى Charles Kindleberger: The World in Depression 1929-1939 (1973)، حيث أشار إلى أن النظام الاقتصادي قبل 1914 لم يكن ذاتي التنظيم كما كان يعتقد، بل إن القوة المالية المهيمنة لبريطانيا العظمى هي التي عملت على الحد من  مشاكل التعاون الدولي المتولدة عن العمل بمعيار الذهب. وقد كانت تعمل على ذلك لأنه من مصلحتها المحافظة على استقرار النظام من جهة، ومن جهة أخرى لأن أطراف النظام الآخرين كان لديهم الاستعداد الكامل للتعامل مع الدور المهيمن لبريطانيا. واستنادا إلى هذا النمط من التحليل يمكن تفسير حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي عرفتها ثلاثينيات القرن الماضي كنتيجة لانهيار القوة الاقتصادية لبريطانيا العظمى من جهة، وعدم استعداد الولايات المتحدة لتولي قيادة الاقتصاد العالمي من جهة أخرى.

وقد واصل كل من Stephen Krasner & Robert Keohane التحليل السابق بالإشارة إلى الدور الذي لعبته القوة الاقتصادية للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في توفير قيادة مهيمنة على المنظومة الاقتصادية الدولية لما بعد الحرب. فقد عملت إقامة وتعزيز الهياكل المؤسسية للنظام الاقتصادي الدولي لما بعد الحرب، وذلك من خلال – مثلا – دفع المفاوضات متعددة الأطراف نحو توقيع اتفاقيات GATT وتأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

إن دور الطرف المهيمن في النظام الدولي يجعله أشبه بدور الحكومة العالمية التي تضبط سلوكات الدول بحيث تجعلها لا تنزع للمساس باستقرار النظام ككل. وفي حقل النزاعات الدولية، لا يختلف توصيف هذه الآلية عنه في حقل العلاقات الاقتصادية الدولية، وهو التفسير الذي عادة ما يتم طرحه لتبرير قيام الولايات المتحدة بتصحيح الوضع الناجم عن غزو العراق للكويت عام 1990.

            ترى نظرية الاستقرار بالهيمنة أن تركيز القوة power concentration من شأنه أن يخدم مصالح الدولة/الدول المهيمنة في نفس الوقت الذي يخدم فيه مصالح الدول الأخرى الأقل قوة؛ وفي مقابل ذلك، فمن شأن تضائل (تراجع) الهيمنة وما ينجم عن ذلك من تفتت القوى power fragmentation في السياسة الدولية من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى disorder. وبذلك يمكن إدراك الدور الذي تؤديه الدولة/الدول المهيمنة على أنه تسهيل التعاون بين الدول، وتجنيبها الانزلاق إلى التنازع والصراع.

التوازن الهجومي – الدفاعي Offensive-Deffensive Balance

رأينا أن الافتراض المحوري للنيو واقعية يكمن في الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي، حيث يكتسي بقاء الدول أهمية قصوى. ومن أجل ذلك قد تتبنى الدولة، منفردة أو ضمن مجموعة من الدول، استراتيجيات متعددة، فقد تشكل أحلافا أو تكتلات مع بعض الدول ضد أخرى؛ وقد تتبنى إستراتيجية الالتحاق بالطرف المتوقع انتصاره bandwagon strategies بالالتحاق بالأقوى بدلا مواجهته؛  وقد تلجأ الدولة إلى الوسائل الديبلوماسية (بما في ذلك المفاوضات والتنازلات)؛ وقد تذهب الدولة نحو الحرب للوقاية مسبقا من سلوك عدواني من جهة العدو. كل هذه الاستراتيجيات في الواقع تقع في صلب الاهتمامات النيو واقعية، مما جعلها محل مساءلة حول أي منها يمكن اعتماده قبل الأخرى.

            هنا يعتقد النيو واقعيون الهجوميون أن الدول تسعى للحصول على القدر الأقصى من المكاسب في قوتها مقارنة مع الدول الأخرى، وذلك للإبقاء على هامش كاف من الأمن، ويضربون مثالا لهذه الدول بالدولة المهيمنة في النظام الدولي hegemon، ويعتقدون أن الوسيلة الأمثل لتعظيم هذه المكاسب هو البناء المستمر للقدرات الهجومية للدولة بحيث تكون دائما أعظم من تلك التي تمتلكها الدول الأخرى؛ وفي المقابل يرى النيو واقعيون الدفاعيون أن أن الدولة لا تسعى إلى تعظيم مكاسب قوته النسبية، بل تسعى بدلا من ذلك إلى تبني استراتيجيات للحد من تعاظم مكاسب القوة النسبية لأعدائها من الدول.

            وفي اتجاه توفيقي، يرى كل من Robert Jervis & Stiven Van Ivira أنه مادامت احتمالات الحرب بين الدول تزداد بزيادة حيازتها القدرة الهجومية المفضية للغزو، فإن القدرات الدفاعية عندما تكون أكثر تيسرا من القدرات الهجومية تفضي إلى سيادة الأمن وزوال الحوافز التوسعية. وعندما تسود النزعة الدفاعية، سيكون بإمكان الدول امتلاك القدرات الكفيلة فقط بالدفاع عن نفسها دون تهديد الآخرين، وبذلك تتقلص آثار الطبيعة الفوضوية في البيئة الدولية. ويشير Steven Walt إلى أنه “ليس من المفاجئ أن نجد النيو واقعيين الذين يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت آمنة في أغلب فترات الحرب الباردة يتخوفون من إمكانية تبديد الولايات المتحدة الأمريكية لهذا المكسب في حال تبنيها لسياسة خارجية عدائية”.

وينطلق Charles L. Glaser: Realists as Optimists: Cooperation as Self-help 1994/1995 من نفس الافتراضات النيو واقعية ولكنه يصل إلى نتائج مخالفة، فتحت سلسة واسعة من احتمالات وقوع أحداث طارئة contingencie، وفي نظام قائم على الاعتماد الذاتي self-help، قد تقرر الدول أن تتعاون كوسيلة للخروج من المأزق الأمني. فبالنسبة لـ Glaser تقوم الدول بموازنة إيجابيات ومخاطر الدخول في سباق للتسلح مقابل التكاليف والمكاسب التي تجنيها من الدخول في اتفاقيات لضبط/مراقبة التسلح. وبهذا الشكل فإن الدول تنخرط في نظام للدفاع الذاتي ولكن في شكله التعاوني وليس التنازعي. وعودة إلى العلاقة بين الهجوم والدفاع، يفترض Glaser أن الدولة، أثناء قيامها بالتفضيل بين الاستراتيجيات التعاونية أو التنازعية، يجب أن تلجأ إلى تطبيق مفهوم التوازن الهجومي-الدفاعي offensive-deffensive balance، الذي هو معدل تكاليف القوة الدفاعية من جهة وتكاليف القدرات الهجومية من جهة أخرى.

وبمعالجتها لهذه القضايا، تفتح واقعية الاحتمالات الطارئة contingent realism النظرية الواقعية-الواقعية الجديدة للمدخلات الواردة من نظريات السلوك التعاوني، نظريات ضبط التتسلح ونظرية الألعاب؛ في الوقت الذي تحاول فيه التخفيف من حدة الحماس الواقعي الأصيل لازدراء إمكانية قيام علاقات تعاونية بين الدول في ظل المعضلة الأمنية المستعصية.

تقييم المنظور الواقعي لحل النزاعات

عند تقييمنا للمنظور الواقعي لحل النزاعات، يجب دائما أن نأخذ بعين الاعتبار النقد الابستمولوجي الذي تعرض له هذا المنظور، على اعتباره منظورا تفسيريا explanatory محضا، فهو يكتفي بتفسير الواقع الدولي كما هو، بدون أن يكلف نفسه عناء البحث المعمق في الآليات التي تكفل تصحيح الاختلالات الموجودة في النظام، بما في ذلك ظاهرة النزاعات والحروب، وهذا ما يفسر إسهاب الواقعيين الكلاسيكيين في تمجيد الحرب كآلية للحفاظ على استقرار النظام الدولي، وكأنهم يتصورون أن الحروب – في حد ذاتها– آلية مجدية للحد من الحروب.

فالواقعية الكلاسيكية أهملت الاهتمام بالآليات التي تحقق عملية التغيير السلمي في موازين القوى، ويبقى تصورها لمستقبل استقرار النظام الدولي مرتبطا بسباقات التسلح والنزوع الثابت والدائم للحرب. وبذلك، ظلت المعضلة الأمنية مستعصية على الحل، لأنها تقوم على مرتكزين لم يتم تحديدهما بشكل يسمح بمساهتمهما في إدراك إمكانيات وآليات الفكاك من الآثار المدمرة للمعضلة الأمنية، ونقصد بذلك، الفوضى والمصلحة الوطنية للدول. المشكلة هنا تبرز عندما نحاول التفكير حول الكيفيات المحتملة (المرغوبة إلى حد ما) التي من خلالها يمكن للدول أن تعيد تحديد مصالحها بحيث تساهم في التخفيف من حدة الآثار المدمرة التي تفرزها الفوضى، ومن ثم التخفيف من درجة استعصاء المعضلة الأمنية.

بالنسبة للفوضى، يبدو أن حجج النظرية البنائية constructivism حديثا أكثر إقناعا وأكثر قبولا، وتمنحنا قدرا متزايدا من الانعتاق emancipation لفهم كيف أن الفوضى هي من صنع الدول، وليست معطى سابقا غير قابل للتغيير كما تدعي الواقعية. هنا يصبح عمل Alexander Wendt: Anarchy is What States Make of it 1992 بمثابة الصوت الذي يفضح التعميمات الواقعية بشأن معضلة الفوضى في النظام الدولي؛ ويذهب إلى أبعد من ذلك، ليتساءل حول العلاقة بين مصالح الدول- الأقطاب في النظام الدولي والتبرير الواقعي لمنطق الفوضى. ويبدو أن الكشف عن جوهر هذه العلاقة لا يحتاج إلى عناء كبير، لأن الفوضى تخدم تلك المصالح، وأن سعي الدول- الأقطاب لتعزيز مصالحها يجعل من الفوضى أمرا متفاقما بشكل متزايد.

أما بالنسبة لمشكلة تحديد المصالح، فيبدو أن بعض الحجج التي تسوقها الواقعية نفسها تعود لتصبح حججا عليها لا لها. فالواقعيون منذ Thucydides، مرورا بـ Machiavelli و Hobbes وصولا إلى Carr – وكما أشرنا إليه في الفصل السابق – يجادلون بأن استعمال القوة يؤجج الشهية لمزيد من القوة… وأن الحروب التي تبدأ لدوافع تتعلق بالأمن سرعان ما تتحول إلى حروب عدوانية أنانية، وهو ما سجله ثوسيديديس حول سلوك أثينا التي احتجت بالدفاع عن النفس لخوض الحرب البولوبونيزية، غير أنها سرعان ما تحولت إلى قوة أكثر طموحا وعدوانية، وهو  بالضبط ما لاحظه كذلك Carr بالنسبة للحرب العالمية الأولى. وهنا يبدو أن عدم الثبات في طبيعة وحجم مصالح الدول لا يعزز الاستقرار الدولي، بقدر ما يؤجج الرغبة [الشريرة] لديها في خوض مزيد من الحروب لحماية مصالح غير محددة مسبقا بشكل واضح وحاسم.

من جهة أخرى، لم تؤد آلية ميزان القوى التي روج لها الواقعيون إلى تعزيز السلام والاستقرار الدوليين، بقدر ما أدت إلى خلق حالة مثيرة للقلق من التأهب الدائم للحروب. وهنا يمكن المحاججة بأن النظام الدولي ثنائي الأقطاب خلال الحرب الباردة لا يدين باستقراره لميزان القوى، وإنما لنظام الردع النووي المتبادل، أو ما نسميه مجازا بـ”نظام توازن الرعب” بين قطبي النظام، هذا إذا تعمدنا إغفال الحروب الصغرى التي اندلعت من حين لآخر.

يبقى أن الواقعيين الجدد كانوا أكثر عمقا في مسعاهم لمعالجة مشكلة النزاعات الدولية والحد منها. نزعم هنا أن النقلة التي عرفها المنظور الواقعي لحل النزاعات تجد أساسا قويا لها في التقاطع الذي حدث بين المسارين النيو واقعي والنيو ليبرالي خلال الثمانينيات من القرن الماضي. هذا التطور شمل برامج البحث التي شكلت مركز اهتمام المنظورين خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، حيث اتجهت الواقعية الجديدة نحو مقاربة فرص وآليات التعاون الدولي للتغلب على النتائج السلبية للفوضى في النظام الدولي (وهو نقطة الالتقاء بينها وبين النيوليبرالية).

يفترض الواقعيون الجدد أن الفوضى تجعل الدول تهتم بقضايا أمنها وبقائها، لكنهم لا يترددون في مشاركة النيوليبرالين تأكيدهم على مسألة المؤسسات الدولية، حيث أصبحوا (الواقعيون الجدد) أكثر ثقة في قدرة المؤسسات والمنظومات الدولية على تخفيف الآثار المتناقضة للفوضى الدولية على التعاون بين الدول، وبالتالي إمكانية إيلائها اهتماما أكبر للتعاون على حل صراعاتها بدون اللجوء إلى الحروب. وهذا جوهر ما أسماه Ole Waever التوليفة الجديدة – الجديدة الذي يؤشر على تراجع الواقعيين الجدد عن الأطروحات الواقعية التقليدية المتشددة حول استعصاء معضلة الأمن بين الدول، وميلهم المتزايد نحو التركيز على التقليل من أهمية استخدام القوة في العلاقات الدولية، والتسليم بأن علاقات الصراع والتعاون توجد جنبا إلى جنب في ظل الواقع الدولي الراهن.

خاتمـــة

حاولت هذه الورقة القيام بفحص إسهام المنظور الواقعي – بشقيه الكلاسيكي والجديد – في فهم النزاعات الدولية، من حيث أسباب حدوثها ومن حيث إمكانيات الحد من انتشارها في البيئة الدولية. إذا كان المنظور الواقعي يركز على الطبيعة البشرية الشريرة ومنطق الفوضى في النظام الدولي لتفسير النزاعات، واستعصاء المعضلة الأمنية بين الدول، فيبدو أن التطورات الحديثة التي عرفها المنظور الواقعي لا تصدقها، ونقصد بذلك النظرية الواقعية الجديدة، منذ Kenneth Waltz مرورا بـ Barry Buzan وصولا إلى Barry Posen ومقاربة المعضلة الأمنية داخل الدول لتفسير النزاعات الداخلية. ويبدو أن التفسيرات التي قدمتها هذه التيارات الواقعية المختلفة هي من الإحكام لدرجة أنها عادة ما تصمد أمام انتقادات المنظورات الأخرى، وهي تتجاوز التفسير الاختزالي للواقعية التقليدية للنزاعات على أنها انعكاس محض للطبيعة البشرية المظلمة. لقد شكلت الواقعية الجديدة استجابة نوعية – في الأساس- لمتطلبات الثورة السلوكية التي واكبت حقل العلاقات الدولية بداية من خمسينيات القرن الماضي، حيث عملت على وضع النظرية الواقعية على سكة الدراسات الاجتماعية الوضعية – التجريبية، وذلك بنقل الاهتمام الواقعي من الطبيعة البشرية المظلمة (كتفسير لنشوب النزاعات) إلى دور البنية الفوضوية للنظام الدولي في وضع الدول أمام معضلة اللأمن، مما يضعها في حالة الاستعداد الدائم لخوض الحروب حفاظا على أمنها.

من جهة أخرى، يؤشر ما سبق على خاصية تاريخية لازمت المنظور الواقعي منذ جذوره الأولى؛ تتمثل هذه الخاصية في القدرة على التنقيح الذاتي والتكيف مع متغيرات النظام الدولي. هذه القدرة هي التي مكنت Barry Posen من تجاوز أزمة التحول في طبيعة النزاعات من نزاعات بين الدول interstate إلى نزاعات داخل الدول intrastate، أي أن الفواعل/ الأطراف في النوع الثاني ليست الدول، وهو ما جعل الواقعية التقليدية عاجزة عن تفسير هذا النمط المتنامي من النزاعات[2]، لأن الافتراض الواقعي الرئيسي والذي لم يتغير بتغير النقاشات داخل المنظور الواقعي intraparadigm نفسه هو أن الدولة هي اللاعب المركزي والوحيد central & unique في العلاقات الدولية.

وإذا كان المنظور الواقعي يركز على تشكيل ميزان القوى للحد من لجوء الدول إلى محاربة بعضها البعض، وبالتالي الحفاظ على استقرار النظام الدولي، فيبدو كذلك أن الإسهامات الواقعية الجديدة، التي أفرزها الحوار نيو – نيو the neo-neo debate بين النيوواقعيين والنيوليبراليين، تتجاوز هذا المفهوم التقليدي الذي أصبح غير ملائم لإدراك التعقد الآخذ في التزايد الذي يميز العلاقات الدولية الراهنة، كما تتجاوز المقولة الواقعية التقليدية حول دور الحروب في الحفاظ على استقرار النظام الدولي. فآليات الاستقرار عن طريق الهيمنة والتوازن الدفاعي – الهجومي، التي تقترحها الواقعية الجديدة لحل النزاعات والحد من انتشارها في البيئة الدولية، تعبر عن نوع من النضج الملحوظ في الإدراك الواقعي لظاهرة النزاعات. غير أن هذه الآليات – على ما يبدو – لم ترق بعد بالمنظور الواقعي إلى الحد الذي يصبح معه مشاركا فعالا في الحوار التنظيري theorizing debate حول حل النزاعات، على غرار تفسير النزاعات ووصف أسباب حدوثها. إن تراجع الواقعيين الجدد عن الأطروحات الواقعية التقليدية المتشددة حول استعصاء معضلة الأمن بين الدول، لم يمنعهم من الاستمرار في التسليم من جهة بأن المؤسسات الدولية (كآلية لحل النزاعات من منظور الليبرلية الجديدة) لا تقلل من احتمالات وأهمية استخدام القوة في العلاقات الدولية ، والتسليم من جهة أخرى بأن علاقات الصراع والتعاون توجدان جنبا إلى جنب في ظل الواقع الدولي الراهن.

وإذا كانت هذه النقلة من نتاج الحوار الذي جمع الواقعيين الجدد بالليبراليين الجدد حول آثار الفوضى على إمكانيات التعاون الدولي، فإنه من المهم الإشارة إلى أن الواقعية الجديدة بقيت ذات ميول محافظة conservative، حيث حافظت على النظرة السلبية المتشائمة التي طالما أبدتها الواقعية التقليدية لتنامي ظاهرة الاعتماد المتبادل، كمدخل للتخفيف من حدة النزاعات؛ ويمثل مفهوما “الانكشاف vulnerabiliy” و”الحساسية sensitivity” عند Robert O. Keohane & Joseph S. Nye إمعانا في هذا الاتجاه، حيث يخلص هذان الكاتبان (اللذان تحولا من “المعسكر النيوليبرالي” إلى “المعسكر النيوواقعي” في إطار الأطروحات المؤسساتية النيوليبرالية) إلى أن الاعتماد المتبادل لا يساهم في زيادة فرص إحلال السلم بين الدول، وأن الطريقة التي من شأنها تحقيق ذلك تكمن في التقليص من درجة الاتصال والاحتكاك بين الأطراف المتصارعة.

لاشك في أن دراسة النزاعات من المنظور الواقعي تزودنا بتفسير قوي ومتماسك لسلوك الوحدات الدولية ونزوعها المستمر والثابت نحو استعمال القوة لتعظيم مصالحها؛ وفي مقابل قدرة الواقعية على تفسير النزاعات، يبدو أنها لا تملك نفس القدرة على صياغة آليات ناجعة لحل النزاعات والحد من انتشارها. هذا الافتراض يبقى غير قابل للتكذيب – على حد تعبير الابستمولوجي Karl Popper؛ ورغم أن هذا الأخير لم يكن يقصد النظرية الواقعية الدولية بالنقد على أنها تميل إلى التركيز على قابلية فرضياتها للتحقيق testability أكثر من قابليتها للتكذيب falsifibility؛ غير أنه كان يقصد جميع النظريات الوضعية ذات الوظيفة التفسيرية. إن إقحام هذا الجدل – من وجهة نظر الباحث – يفيد كثيرا في فهم قدرة الواقعية كنظرية تفسيرية على تفسير النزاعات في مقابل عجزها عن اقتراح الحلول الناجعة لهذه الظاهرة.

* أود التعبير عن امتناني الشديد للدكتور رابح مرابط على ملاحظاته البناءة، سابقا، حول موضوع الورقة.

[1] المنظومات الدولية حسب Krasner هي: “مجموعة من المبادئ والأعراف والقواعد وإجراءات اتخاذ القرارات الضمنية والصريحة تتجمع حولها توقعات الفاعلين في مجال معين من العلاقات الدولية”، ويعطي مثالا بالاتفاقية العامة حول التجارة والتعريفات الجمركية GATT. مع ملاحظة الفرق في ترجمة مصطلح regime، فقد تعمدنا ترجمته إلى العربية بـ”المنظومة”، بدلا من “النظام”، وهي الترجمة التي اعتمدها مركز الخليج للأبحاث في ترجمته للمرجع السابق، لأن “النظام” يترجم مصطلح system أكثر مما يترجم مصطلح regime.

[2] يمكن الاستشهاد بالبيانات الإحصائية التي صدرت عن برنامج جامعة Leiden البريطانية في مجلته السنوية التي تصدر حول النزاعات الدولية، والتي تشير إلى وجود انحسار في ظاهرة الحرب الدولية [محل التفسير الواقعي التقليدي]، و تشير في المقابل إلى تزايد عدد النزاعات الداخلية الناجمة عن غياب الدولة المفضي إلى العنف العرقي والعنف الفصائلي ليصل إلى 114 نزاعا عام 1998. أنظر: عبد الغفار، محمد أحمد. فض النزاعات في الفكر والممارسة الغربية: دراسة نقدية تحليلية (ج1). الجزائر: دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2003. ص ص. 118-117.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button