دراسات سياسية

قراءة في تحولات بيئة النظام السياسي الإثيوبي: قراءة في الملامح والتداعيات

القرن الأفريقي هو ذلك الجزء البارز في الركن الشمالي الشرقي للقارة الأفريقية، ويتألَّف هذا الإقليم من ثماني دول، هي: إثيوبيا، إريتريا، أوغندا، كينيا، السودان، جنوب السودان، الصومال، جيبوتي. ويحظى القرن الأفريقي بأهمية جيوستراتيجية بالغة لاعتبارات عدة؛ أولها، التحكُّم في مضيق باب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتُعَد تلك المنطقة من أهم طرق التجارة الدولية، التي تشهد عبور ناقلات نفط الخليج العربي إلى الدول الصناعية الكبرى مروراً بقناة السويس المصرية، ثانيها، مشاطئة الإقليم للمحيط الهندي، الذي يحتل أهمية بالغة في استراتيجيات القوى الدولية العظمى، وتتحرك عبره أساطيل تلك القوى باعتبار أن من تتحقَّق له السيطرة على المحيطات والمنافذ والمضايق والطرق البحرية التجارية، تكن له السيطرة على العالم، أما الاعتبار الثالث، فينصرف إلى ثراء إقليم القرن الأفريقي بالموارد الطبيعة الأرضية (المياه والأراضي الزراعية الخصبة)؛ فالهضبة الإثيوبية توفِّر وحدها حوالي 85% من مياه نهر النيل، أما عن جودة أراضي الإقليم الزراعية، فإليها اتجهت أنظار العديد من القوى الدولية والإقليمية ودول عدة في الوقت الراهن، التي أضحت تنفق ببذخ كي تستغلها لزراعة حاصلات الوقود الحيوي (البيو إيثانول والبيو ديزل)، الذي يحتاج إلى ظروف مدارية خاصة لإنتاجه من قبيل الأمطار الوفيرة ودرجات حرارة مرتفعة وأراضٍ على قدر كبير من الخصوبة.

وتُعَد الدولة الإثيوبية أهم دول إقليم القرن الأفريقي؛ فهي أقدم الدول الأفريقية المستقلة، كونها لم تخضع للاستعمار الأجنبي، الذي تكالب على دول القارة الأفريقية منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ومطلع القرن العشرين فيما قد عُرِف بفترة الاعتماد الأعظم أو التبعية الكبرى  The Great Dependency، باستثناء خمس سنوات فقط من التاريخ الإثيوبي، التي خضعت إبَّانها للاحتلال الإيطالي في ثلاثينيات الألفية البائدة، كما تُعْتبر إثيوبيا ثاني أكبر الدول الأفريقية قاطبةً من حيث التعداد السكاني، الذي يبلغ حوالي 1.2 مليون نسمة وفقاً لآخر التقديرات، كما أنها تُعتبر القوة العسكرية الأكبر في القرن الأفريقي، الأمر الذي يضعنا أمام قوة إقليمية ليس بالإمكان الاستهانة بها مطلقاً.

المنهاجية المتَّبعة في الدراسة:

فيما يتصل بالمناهجية البحثية Methodology التي أمكن الركون إليها في الدراسة، فكانت تتمحور حول النقد الذي قدَّمه جابريال ألموند لنظرية النظم التي أعطاها ديفيد إيستون ملامحها المميِّزة ومحدداتها الرئيسة لاسيما فيما يتعلق بنموذج المدخلات- المخرجات، وكان نقد ألموند لنموذج إيستون يستند على الجزء المتعلق بالمدخلات؛ ذلك لأن إيستون قصر مدخلات النظام السياسي على البيئة المحيطة بهذا النظام، أي المجتمع المحلي، بيْد أن ألموند ارتأى أنه لا يجب الاقتصار على المدخلات النابعة من المجتمع المحلي فحسب؛ ذلك لأنه ثمة مصادر عدة لمدخلات النظام السياسي؛ فهناك مدخلات نابعة من النظام السياسي ذاته، وتكمن في الأهداف التي يبتغي النظام تحقيقها، ومن ثم تخلق هذه الأهداف مدخلات جديدة قد تتعارض والمدخلات النابعة من المجتمع أو البيئة المحلية. وتأثَّر ألموند في تلك الجزئية تحديداً بالنموذج المطور الذي قدَّمه ويليام باورز لنظرية النظم عند إيستون، وهذه المدخلات النابعة من النظام ذاته قد تأتي من المشرِّعين أو القضاة أو المنفذين أي السلطات الرسمية الثلاث للنظام السياسي، السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، كما قد تكون المدخلات نابعة من البيئة المحلية المحيطة بالنظام، وايضاً قد يكون منبعها البيئة الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية، التي قد تمثِّل ضغطاً أو مساندة (دعم) للنظام السياسي.

وفقاً لهذه المنهاجية تركِّز على المصادر المختلفة لمدخلات النظام السياسي، التي يقوم هذا النظام بتحويلها إلى مخرجات، جرى تسليط الضوء على مصدريْن أساسييْن لمدخلات النظام، بالتركيز على النظام السياسي لدولة إثيوبيا، وأولهما: البيئة الداخلية للنظام السياسي الإثيوبي، وتنصرف إلى الموقع الجغرافي لإثيوبيا، والمواريث التاريخية والدينية والتركيبة الديموجرافية والمقدَّرات الاقتصادية والعسكرية للدولة الإثيوبية، وثانيهما: البيئة الخارجية للنظام السياسي الإثيوبي، وتنصرف إلى تناوُل العلاقات الإثيوبية بمختلف الدول في المحيطيْن الإقليمي والدولي، وبالنظر إلى البيئة الإقليمية؛ فقد جرى تناوُل العلاقات الإثيوبية بدول الجوار الإقليمي، وأبرزها: كينيا، الصومال، أما فيما يتعلق بالبيئة الدولية، فقد قُصِد بها العلاقات بين إثيوبيا والدول الواقعة خارج نطاقها الإقليمي كالقوى الكبرى والإقليمية، وفي هذا الصدد، جرى التركيز على العلاقات الإثيوبية بكلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والسعودية، وتُخْتتم الدراسة بمحاولة تبيان تداعيات كلتا البيئتيْن، التي ألقت، ولا زالت، بظلالها على ممارسات النظام السياسي الإثيوبي.

المحور الأول- ملامح البيئة الداخلية للنظام السياسي الإثيوبي:  

وفي هذا المحور، سيتم تسليط الضوء على أهم معالم البيئة الداخلية، التي يعمل في إطارها النظام السياسي الإثيوبي.

أ‌- الموقع الجغرافي لإثيوبيا:

كما أشرنا آنفاً، تُعَد إثيوبيا إحدى الدول المكوَّنة لإقليم القرن الإفريقي القابع في الركن الشمالي الشرقي للقارة الأفريقية، وهذا الإقليم يشق المياه، على هيئة قرن، إلى شطريْن وهما: البحر الأحمر شمالاً، والمحيط الهندي جنوباً، بيْد أن إثيوبيا دولة حبيسة أي إنها ليست مشاطئة لبحر أو محيط، وقد كان لذلك الموقع الجغرافي تأثير بالغ على الهاجس الذي ظلَّ يرافق الدولة الإثيوبية، باستثناء الفترة التي ضمَّت إبَّانها إريتريا (1952-1993) وهو الخوف من العزلة أو الضغط عليها من جانب الدول الأخرى التي تحظى بمنافذ على البحر الأحمر أو المحيط الهندي كالصومال وجيبوتي وإريتريا، وكينيا، والسودان، ومن ثم يُلقي هذا الهاجس بظلال من الشك والريبة على العلاقات الإثيوبية بدول الجوار الإقليمي، الأمر الذي يدفعها إلى انتهاج سياسة خارجية تستهدف توسيع خارطة تحالفاتها خارج القارة الأفريقية لاسيما القوى الكبرى كالولايات المتحدة، التي ترتبط بها بعلاقة تاريخية قوية تستند بشكل أساسي على ما درجت إثيوبيا على استغلاله من كونها جزيرة مسيحية في محيط مسلم كما تُعْتبر إثيوبيا واحدة من أبرز الدول الأفريقية، التي تحظى بروابط قوية مع إسرائيل، ومؤخراً توطدَّت العلاقات الإثيوبية بدول الخليج العربي، وأبرزها السعودية والإمارات، على وجه التحديد، في إطار ما باتت هاتيْن الدولتيْن تنتهجه من التوجه الخليجي نحو أفريقيا Pivot to Africa. وهذا ما سيتم تناوله لاحقاً بشيء من التفصيل في إطار العلاقات الإثيوبية السعودية.

ب‌- إثيوبيا- ملتقى الديانات السماوية الثلاث:

إن إثيوبيا هي الدولة الوحيدة في أفريقيا جنوب الصحراء Sub  Saharan Africa  التي شهدت دخول الديانات السماوية الثلاث (الإسلامية والمسيحية واليهودية)؛ فقد دخلت المسيحية الحبشة، الاسم القديم لإثيوبيا، في القرن الرابع الميلادي؛ إذ اعتنقت إثيوبيا المذهب الأرثوذكسي. وثمة أواصر تاريخية وطيدة قد جمعت بين الكنيستين المصرية والإثيوبية؛ إذ ظلت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنسية المصرية حتى استقلت عنها خمسينيات القرن المنصرم، وأضحت الكنيسة الإثيوبية تنصِّب البطريرك الإثيوبي باستقلالية، كما دخل الإسلام الحبشة في السنة الخامسة من البعثة؛ حينما أوصى النبي محمد اتباعه بالهجرة إلى الحبشة، فيما عُرِف بالهجرة الأولى، ذلك لأنَّ فيها ملك لا يُظلم عنده أحد، كما قال النبي محمد، كما أن هناك جالية يهودية تقطن الدولة الإثيوبية، ويُطلق عليها يهود الفلاشا، وهي أكبر الجاليات اليهودية في أفريقيا وإنْ كانت أفقر تلك الجاليات قاطبةً.

وهذه الجاليات اليهودية القاطنة لعدة دول أفريقية كإثيوبيا وجنوب أفريقيا تروِّج لفكرة الروابط التاريخية والعرقية بين اليهود والأفارقة من خلال زعمها أن الملك سليمان عليه السلام حينما تزوَّج من الملكة بلقيس، أنجب منها ذرية من الملوك الأثيوبيين (ملوك مملكة أكسوم) تجري في عروقهم دماء بناء صهيون.

ت‌- التركيبة الديموجرافية.. أبرز القوميات والإثنيات القاطنة لإثيوبيا:

تضم إثيوبيا العديد من القوميات والجماعات الإثنية، حوالي 85 جماعة إثنية، ومن ثم فهي تتسم بتراث ثقافي على قدر كبير جداً من التنوع الديني واللغوي، وأبرز تلك القوميات التي تقطن الدولة الإثيوبية، قومية الأمهرا وهي القومية الأبرز والأكثر تميزاً؛ إذ أن غالبية الحكام كانوا ينتمون إليها، وقومية التيجراي التي تلي الأمهرا في سلم الرقي والنفوذ السياسي والاجتماعي حتى صعود ميليس زيناوي، الذي ينتمي إلى قومية التيجراي، إلى سدة الحكم، ومنذ ذلك الحين أضحت قومية التيجراي مسيطرة على جُلّ مفاصل الدولة الإثيوبية حتى الوقت الراهن.

 وتشكِّل جماعتا الأمهرا والتيجراي حوالي 32% من تعداد السكان. أما القومية الثالثة، فهي الأورومو وهي كبرى القوميات الإثيوبية، بيْد أنها لا تمارس دوراً سياسياً يتناسب وهذا الثقل العددي، وتدين قومية الأورومو بالإسلام، وهناك تقديرات متفاوتة بشأن تعداد الأورومو؛ فالإعلام الرسمي اعتاد على تقدير عددهم بما لا يتجاوز ثلث إجمالي تعداد السكان بإثيوبيا بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن تعداد الأورومو يناهز ثلثي تعداد السكان  في إثيوبيا، وتشير تقديرات ثالثة إلى أن الأورومو يمثلون من 40 إلى 50% من التعداد السكاني للدولة الإثيوبية.

 جدير بالذكر أن إقليم أوروميا ظل إقليماً مستقلاً في ممالكه وقبائله حتى ضمنته الحبشة قسراً في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وقد أُخْضِع الأورومو منذ ذلك التاريخ للحكم الحبشي، وبُذِلت محاولات عدة لاحتواء هذا الإقليم واستيعاب الثقافة الأورومية ضمن ثقافة الأمهرا في محاولة لطمس أبرز معالم هوية الأورومو.

ث‌- المقدرات الاقتصادية والعسكرية للدولة الإثيوبية:

بالنسبة للهيكل الاقتصادي الإثيوبي، نجد أنه يعتمد على النشاط الزراعي، الذي يسهم بنحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي فضلاً عن استيعابه لحوالي 85% من إجمالي قوة العمل في إثيوبيا، وتعاني الدولة الإثيوبية، شأنها في ذلك شأن دول أفريقيا جنوب الصحراء، من المشكلات الاقتصادية البنيوية، الأمر الذي أفضى إلى انتشار الفقر بصورة كبيرة؛ فحوالي 40% من التعداد السكاني يقبعون تحت خط الفقر العالمي.

تعتمد إثيوبيا على إنتاج وتصدير محصول البن على غرار دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي يتسم اقتصادها بالانكشاف والتبعية للاقتصاديات الرأسمالية العالمية، وسرعة تأثره بالتقلبات التي تعتري بين الفنية والأخرى الأسعار العالمية للمنتج أو المحصول الذي تقوم هذه الدول بتصديره في شكله الأوَّلي أو البدائي، وتتسم إثيوبيا أيضاً بالاعتماد على ما يُسمى بطاقة الكتلة الحيوية؛ إذ تستخدم الأخشاب والفحم والمخلفات الزراعية لتوليد الطاقة بنسبة 93%، ولا يزيد استخدام النفط فيها عن 7% فقط كمصدر للطاقة، وهي تعجز في الوقت الحاضر عن التحوُّل بشكل كامل إلى استخدامات الطاقة الحديثة واستيراد كامل احتياجاتها من النفط كونها دولة غير نفطية بالأساس (أي لا تُنتج النفط)، وتفتقد أيضاً إلى العديد من الموارد المالية لإتمام التحوُّل إلى استخدامه.

وتحظى إثيوبيا بوفرة في الأراضي الزراعية الخصبة تستغلها في إنتاج الوقود الحيوي؛ إذ يعمل بها نحو 85 جهة محلية وأجنبية في مجال إنتاج حاصلات الوقود الحيوي على مساحة حوالي 300 ألف هكتار أي ما يعادل 750 ألف فدان، وتستحوذ إسرائيل بمفردها على ما يناهز الـ 163 ألف هكتار أو ما يعادل 388 ألف فدان تستثمرها لإنتاج الوقود الحيوي إلى جانب دول أخرى كجنوب أفريقيا والولايات المتحدة والصين والهند وسويسرا والسعودية وبريطانيا وغيرها.

وفيما يتصل بالمقدرات العسكرية، نجد أن إثيوبيا هي القوة العسكرية الأولى في إقليم القرن الأفريقي، وقد أفلحت في احتواء، ولو قسراً، مختلف القوميات والإثنيات، الأمر الذي حال دون انزلاقها إلى حروب أهلية أفضت إلى انهيار كلي أو جزئي للدولة على غرار كلٍ من الصومال وليبيريا وسيراليون، وقد بلغ جحم إنفاقها على التسلح نحو 1.2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي حسب تقديرات عام 2009 ما دفع الولايات المتحدة وإسرائيل للاعتماد على الدولة الإثيوبية في تنفيذ مخططاتهما في القارة لاسيما في إقليمي حوض النيل والقرن الأفريقي.

المحور الثاني- ملامح البيئة الخارجية للنظام السياسي الإثيوبي:

وفي هذا المحور، سيجري تناوُل أبرز معالم البيئة الخارجية (الإقليمية والدولية) للنظام السياسي الإثيوبي، وفي معرض الحديث عن البيئة الدولية للنظام السياسي الإثيوبي، فسيجري تناول العلاقات الإثيوبية بكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، أما فيما يتصل بالبيئة الإقليمية للنظام الإثيوبي، سنتناول العلاقات الإثيوبية بدول عدة تقع داخل محيطها الإقليمي، وأهمها: الصومال، كينيا.

أولاً- البيئة الدولية للنظام السياسي الإثيوبي، وتحدِّدها العلاقات التي تربط إثيوبيا بالدول الواقعة خارج المحيط الإقليمي.

أ‌- العلاقات الإثيوبية الأمريكية:

في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، وأفول نجم القطبية الثنائية Bipolar system  مطلع تسعينيات القرن البائد ليتحول بذلك النظام الدولي إلى نظام أحادي القطبية Unipolar system تسيطر الولايات المتحدة على مجريات أموره فيما بات يُعرف بـ One Super Power World  وقد أفضت تلك التغيرات إلى إهمال القارة الأفريقية وسقوطها من حسبان المجتمع الدولي، وتحوَّلت المساعدات التنموية إلى دول شرق أوروبا لضمان تحولها إلى اقتصاديات السوق وتبني نظم حكم تستند إلى الديمقراطية الليبرالية Liberal Democracy

 ومع الألفية الجديدة، عاودت الولايات المتحدة والقوى الصاعدة الاهتمام من جديد بالقارة الأفريقية في إطار عالم ينحو تجاه التعددية القطبية، وقد أولت الولايات المتحدة اهتماماً متزايداً بإقليم شرق أفريقيا بصفة عامة، وإقليم القرن الأفريقي على نحو الخصوص. ووقف خلف هذا الاهتمام البالغ جملة من الدوافع المعلنة وغير المعلنة، فالدوافع المعلنة انصرفت إلى الرغبة الأمريكية في استمرار تعزيز قيم الحرية والديموقراطية في شرق أفريقيا بما فيها القرن الأفريقي، والعمل مع دول المنطقة لتسوية النزاعات في المنطقة والحيلولة دون إشعال المزيد منها، أما الدوافع غير المعلنة، فتتخلص في الرغبة الأمريكية في تعزيز توغلها العسكري في المنطقة لحماية المصالح الاستراتيجية ضد القرصنة والتنظيمات الإرهابية الراديكالية، وتقليص نفوذ الإسلام السياسي، وكذا تعزيز العلاقات الأمريكية بالقوى الإقليمية كإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، ولذا نلاحظ أن ترتيبات التعاون العسكري الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء في إطار الأفريكوم AFRICOM كانت بمنأى عن التنسيق مع الجانب المصري.

 تربط بين الولايات المتحدة وإثيوبيا علاقات تاريخية؛ فإثيوبيا درجت على اعتبار نفسها جزيرة مسيحية في محيط مسلم كما سبق وأشرنا، ومن ثم فهي تحصل على الدعم الأمريكي الدائم، وهذا الدعم كان كفيلاً حتى اللحظة الراهنة في الحيلولة دون انفصال إقليم الأورومو عن الدولة الإثيوبية، في الوقت الذي لاحظنا كيف اضطلع الضغط الأمريكي بدور حاسم في ترتيبات انفصال جنوب السودان. ولقد كانت إثيوبيا مقراً لقاعدة عسكرية أمريكية قبيل إعلان الولايات المتحدة إغلاقها مطلع عام 2016، وكانت هذه القاعدة تقع جنوب إثيوبيا، وتضم أسطولاً لطائرات محملة بصواريخ هيل فاير بدون طيار لمساعدة القوات الإثيوبية في صد هجمات جبهة أوجادين، وهو الإقليم الذي اقتطعته السلطات الاستعمارية البريطانية قبيل استقلال الصومال في عام 1960، وقامت بمنحه لإثيوبيا على غرار إقليم أنفدي الصومالي الذي مُنح لكينيا.

جدير بالذكر أن إثيوبيا احتلت المرتبة الأولى في قائمة المساعدات الأمريكية الموجَّهة إلى القارة الأفريقية بواقع 871 مليون دولار. ونتيجة لكون إثيوبيا القوة العسكرية الأول في إقليم القرن الأفريقي، فإن الولايات المتحدة تعوِّل عليها كثيراً في تنفيذ مخططاتها إلى جانب المخططات الإسرائيلية في القرن الأفريقي وحوض النيل.

ب‌- العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية:

تولي إسرائيل اهتماماً بالغاً للدائرة الأفريقية كأبرز دوائر حركة السياسة الخارجية الإسرائيلية، وتحتل منطقة القرن الأفريقي أهمية كبرى في الاستراتيجية الإسرائيلية لما لها من موقع جيوستراتيجي متميز إذا تحقَّق لإسرائيل السيطرة عليه، أمكن تطويق المصالح الاستراتيجية العربية، فكما أشرنا في مقدمة الدراسة، أن القرن الأفريقي يتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، الذي تعبر من خلاله ناقلات النفط الخليجية مروراً بقناة السويس المصرية، وهي الشريان الاقتصادي الأهم للدولة المصرية، إلى الدول الصناعية الكبرى، وتتخذ إسرائيل من الدولة الإثيوبية بوابة لتوطئة نفوذها في إقليم حوض النيل والقرن الأفريقي، ناهيك عن دور إسرائيل البالغ الخطورة على المصالح المائية المصرية، وهي مصالح مصيرية ترتبط بالدولة المصرية بقاءً أو عدماً، الذي يتمثَّل في تأجيج وإشعال الخلافات بين مصر وإثيوبيا بما يمكِّن الأخيرة من استخدام حصة مصر من مياه النيل كورقة ضغط ومساومة على الجانب المصري.

  وتهتم إسرائيل كثيراً بتعزيز تبادلها التجاري مع إثيوبيا، فعلى سبيل المثال، بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا نحو 18 مليون دولار، وبلغ حجم الواردات الإسرائيلية من العام ذاته نحو 46 مليون دولار، وقد وقَّع نتنياهو خلال جولته في شرق أفريقيا عام 2016 عدداً من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم مع الجانب الإثيوبي بغية بناء القدرات في مجالات الزراعة والسياحة والاستثمار، ووفقاً لهيئة الاستثمار الإثيوبية، فقد بلغ عدد المشروعات الإسرائيلية في إثيوبيا نحو 187 مشروعاً بقيمة 58.4 مليار دولار.

ولا يمكن أن نغفل في هذا السياق أن أحد أهم ركائز الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الموجَّه إلى الدول الأفريقية، بما فيها إثيوبيا، يتمثَّل في تعزيز عقيدتي الخوف والتفوق؛ الخوف من العرب والتشكيك دائماً في صدق نواياهم، وتأكيد التفوق الإسرائيلي القيمي والتكنولوجي على العرب، ومن ثم فإسرائيل حليف استراتيجي وصديق حميم للقارة تقوم العلاقات بينهما على مبدأ تعزيز المنافع المشتركة، كما تلعب الجالية اليهودية القاطنة لإثيوبيا والمعروفة بيهود الفلاشا، وهي كبرى الجاليات اليهودية في القارة الأفريقية، دوراً كبيراً في توطيد أواصر العلاقات بين الجانبيْن الإسرائيلي والإثيوبي.

ت‌- العلاقات الإثيوبية السعودية:

حظيت القارة الأفريقية بأهمية كبرى ضمن أولويات السياسة الخارجية السعودية لاسيما مع اهتمام المملكة بتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول القارة، والمشاركة في مختلف الفعاليات وقمم الاتحاد الأفريقي، وتبتغي السعودية من توجهها نحو أفريقيا تحقيق جملة من الأهداف، يأتي على رأسها توسيع خارطة التحالفات الإقليمية والدولية خاصة في ضوء انشغال وانكفاء كثير من الدول العربية التي شهدت ما يُسمى بالربيع العربي على قضاياها ومشكلاتها وأزماتها الداخلية فضلاً عن محاولة تطويق النفوذ الإيراني المتزايد في القارة الأفريقية، هذا إلى جانب الرغبة السعودية في التنسيق مع الدول الأفريقية النفطية (حوالي 21 دولة أفريقية نفطية)، وكذا الدول الأفريقية الأعضاء في الأوبك كنيجيريا وأنجولا.

وفيما يتصل بالعلاقات الإثيوبية السعودية، تعزَّزت كثيراً مؤخراً ولا أدل على ذلك من التدفقات الاستثمارية السعودية إلى إثيوبيا لاسيما في مجال استزراع الأراضي، فهناك تقديرات تشير إلى عقد المملكة نحو 71 صفقة لاستئجار الأراضي الزراعية في إثيوبيا، وشملت الصفقات السعودية تلك نحو مليون هكتار من أصل مليون و713 ألف هكتار تشكِّل إجمالي الأراضي التي تعمل المملكة على استزراعها في الخارج، ومن ثم يمكن القول إن إثيوبيا هي الدولة الأفريقية الأوفر حظاً فيما يتصل بالاستثمارات السعودية في مجال استزراع واستئجار الأراضي.

وثمة العديد من التسهيلات التي يقدِّمها الجانب الإثيوبي للمستثمرين السعوديين، الأمر الذي أسفر عن وجود أكثر من 400 مستثمر سعودي يملكون استثمارات بإثيوبيا تُقدَّر بحوالي 13 مليار دولار، ومن ثم ارتأى البعض أن إثيوبيا تشكِّل فرصةً واعدةً أمام المستثمر السعودي في مجال الزراعة، خاصة في ظل تمتُّع إثيوبيا بمساحة شاسعة من الأراضي الخصبة تُقدَّر بحوالي 65% من إجمالي مساحة الدولة الإثيوبية فضلاً عما سيوفره سد النهضة من فرص هائلة لتوليد الطاقة وتقليل الفاقد من مياه النيل.

ثانياً- البيئة الإقليمية للنظام السياسي الإثيوبي، وتنصرف إلى علاقات إثيوبيا بدول الجوار الإقليمي.

أ‌- العلاقات الإثيوبية الصومالية:

تُعتبر إثيوبيا أحد أبرز الفواعل على الساحة الصومالية منذ اندلاع الأزمة الصومالية وانزلاق القوى المعارضة إلى حرب أهلية. فمؤتمر القوى المعارضة، الذي استهدف الإطاحة بنظام سياد بري قد انعقد بدعم إثيوبي في المقام الأول، وعلى إثره، تم الاتفاق على اختيار الجنرال عيديد رئيس المؤتمر الصومالي الموحد خلفاً لبري. بيْد أن استطالة الحرب الأهلية الصومالية قد دفع إثيوبيا إلى الاضطلاع بدور بارز بغية تسوية تلك الحرب خشية أن تمتد إليها تبعات تلك الحرب في ضوء ضعف الحكومة المركزية الصومالية وفقدانها السيطرة على كافة الأقاليم الصومالية وما قد يصاحب ذلك من تهريب الأسلحة وتسرُّب الفصائل والجماعات المسلَّحة المناوئة للجانب عبر الحدود المسامية بين البلديْن، التي تُقدَّر بحوالي ألف كيلو متر، ففي القمة الأفريقية في كلٍ من داكار 1992 والقاهرة 1993 وكذا الاجتماع الدولي للقضية الصومالية المنعقد بالقاهرة في عام 1993، تمَّ تأكيد تفويض إثيوبيا بملف المصالحة الصومالية، إلى جانب مساندة منظمة الإيجاد لتفويض إثيوبيا بهذه المهمة في اجتماعها السنوي المنعقد بأديس ابابا في سبتمبر 1993.

وباستثناء فصيل حسين عيديد، وصلت العلاقات الإثيوبية مع الفصائل الصومالية والقبائل التي تنتمي إليها تلك الفصائل إلى أعلى مستوياتها؛ إذ قدَّمت إثيوبيا إلى تلك الفصائل إمدادات عسكرية من أسلحة وذخيرة فضلاً عن تدريبات لميليشياتها. وفي المقابل فتحت تلك الفصائل حدودها أمام إثيوبيا، وأتاحت لها استخدام أراضيها كقواعد عسكرية لمطاردة المعارضة الإثيوبية المسلَّحة الموجودة على الأراضي الصومالية، والتي كان قد استقبلها الجنرال عيديد لاستخدامها كورقة ضغط على الحكومة الإثيوبية كي تكف دعمها السياسي والمالي للفصائل المناوئة له.

حرِيُّ بالذكر أن العلاقات الصومالية الإثيوبية يغلب عليها الطابع العدائي لا سيما في أعقاب مؤتمر برلين المنعقد عام 1885، والذي أسفر عن تقسيم الأراضي الصومالية بين القوى الاستعمارية التقليدية وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا كما أشرنا في السابق. وبموجب قرارات المؤتمر، حصلت إثيوبيا على إقليم أوجادين المعروف باسم الصومال الغربي، والذي يمثِّل خُمس مساحة الدولة الإثيوبية. وفي أعقاب حصول الصومال على استقلاله في عام 1960، دخل الإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي في حرب محدودة مع الصومال في عام 1964 ثم انزلقت الدولتان إلى حرب شاملة في عام 1977. وقد دخلت القوات الإثيوبية عام 2006 الأراضي الصومالي بدعم أمريكي لإزاحة حكومة اتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت تحظى برضا الصوماليين.

وتحرص القوات الإثيوبية على التدخُّل في الأراضي الصومالية تحت غطاء إقليمي ودولي؛ ففي ديسمبر 2006، انضمت إثيوبيا إلى قوات حفظ السلم الأفريقية (أميصوم) إلى جانب قوات كلٍ من أوغندا وكينيا وجيبوتي، والتي دخلت الأراضي الصومالية تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.

 وفي أكتوبر 2016، أعلنت إثيوبيا سحب قواتها المشاركة في عمليات حفظ السلم بالصومال؛ وذلك احتجاجاً على قرار الاتحاد الأوروبي، الذي يُعَد أكبر المساهمين في تمويل تلك القوات، ومفاده تخفيض الدعم المالي لتلك البعثات بواقع 20%. وهو ما ارتأته إثيوبيا تخفيضاً للدعم الدولي اللازم لإنجاح مهمة بعثات حفظ السلم في الصومال والرامية بالأساس إلى محاربة حركة شباب المجاهدين الإسلامية الراديكالية الصومالية.

ومنذ تولي حسن شيخ محمود رئاسة الصومال كأول رئيس غير انتقالي للبلاد، ثمة محاولات من الجانبيْن الصومالي والإثيوبي لتجاوز أية توترات أو قضايا إشكالية، ويستمر هذا التوجه الصومالي في عهد الرئيس محمد عبد الله فرماجو، الذي زار إثيوبيا في مايو 2017 لتكون بذلك أول دول الجوار الإقليمي التي يزورها فرماجو. الأمر الذي عزَّز كثيراً مما اعتبره البعض إعلاءً لدبلوماسية المصالح فوق الشكوك أو الريبة، والتي دائماً ما تلقي بظلالها على العلاقات الإثيوبية الصومالية.

ب‌- العلاقات الإثيوبية الكينية:

اهتمت إثيوبيا كثيراً بدعم علاقاتها مع الجارة الكينية؛ إذ سارعت إثيوبيا إلى افتتاح سفارتها في نيروبي، العاصمة الكينية، في عام 1961 قبيل حصول كينيا على استقلالها، وافتتحت كينيا سفارتها في أديس أبابا بعد ذلك التاريخ بحوالي ست سنوات أي في عام 1967. وثمة توافق كبير بين الدولتيْن في العديد من القضايا، يأتي على رأسها العلاقات مع الدولة الصومالية؛ فعلى غرار العلاقات الإثيوبية الصومالية فيما يتصل بنزاعاتهما حول إقليم أوجادين، إذ عمدت بريطانيا إلى ضم المقاطعة الشمالية الشرقية “أنفدي”، والتي يسكنها صوماليون إلى كينيا، واضطلعت كينيا بقمع قاطني تلك المقاطعة لمطالبتهم بالاستقلال عن كينيا والانضمام مجدداً للصومال. ومن ثم أتى الموقف الكيني من الأزمة الصومالية، أو بالأحرى، الحرب الأهلية الصومالية على شاكلة الموقف الإثيوبي؛ فكلاهما لديه نفس المنطلقات والدوافع. فقد حرصت كينيا على المشاركة في جهود المصالحة الصومالية من خلال استضافة مؤتمرات المصالحة وأطراف الأزمة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عقدت كينيا في مارس 1994 محادثات سلام في نيروبي برعاية الأمم المتحدة تمهيداً لإجراء مصالحة وطنية بين الفصائل الصومالية المتنازعة.

وترتئي بعض الآراء أن كينيا، كما إثيوبيا، ترغب في إضعاف الدولة الصومالية دون انهيارها؛ ذلك مرجعه بالأساس ما أفضت إليه الحرب الأهلية الصومالية من تداعيات مثَّلت تهديداً واضحاً للأمن القومي الكيني، ومنها تدفُّق اللاجئين الصوماليين براً وبحراً إلى كينيا، وتفاقم ظواهر أمنية خطيرة كالهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة وبزوغ حركات الإسلام السياسي الراديكالية بكينيا كالحزب الإسلامي لكينيا Islamic Party of Kenya، وإمكانية تحالفها مع حركة شباب المجاهدين الصومالية وتهديد الاستقرار السياسي والمجتمعي للدولة الكينية.

وثاني الملفات التي توافقت الآراء الإثيوبية الكينية بشأنها، الحصص المائية لدول حوض النيل؛ فكلتا الدولتيْن اعتبرا أن دول المصب (مصر والسودان) تحظيان بنصيب الأسد من مياه النيل. ومن هنا طالبت الدولتان بإعادة توزيع الحصص المائية وإلغاء الاتفاقيات التاريخية، التي نصت على الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل.

هذا إلى جانب الدعم الملموس الذي قدمته كلٌ من كينيا وإثيوبيا للجبهة الشعبية لتحرير السودان. الأمر الذي مهَّد الطريق إلى جانب الأدوار الإسرائيلية والأمريكية فضلاً عن إخفاق الإدارات المتعاقبة على حكم السودان في بناء دولة وطنية، وإمعانها في قمع الجنوبيين.

وختاماً، وفي أعقاب تسليط الضوء على أبرز معالم البيئة الداخلية والخارجية التي يعمل في إطارها النظام السياسي الإثيوبي، فإنه يمكن القول أنَّ هاتيْن البيئتيْن تلقيان بظلالهما على الممارسات الإثيوبية أو بمعنى أدق مخرجات النظام السياسي الإثيوبي. فإزاء التعددية الإثنية، وفي ظل المخاوف الإثيوبية من انفصال قومية الأورومو، التي يبلغ عددها حوالي 40 مليون نسمة، فضلاً عن المساحة الشاسعة للإقليم وثرائه بالموارد الطبيعية التي تجعل الفرصة مواتية لانفصاله عن إثيوبيا، انتهج النظام السياسي الإثيوبي سياسة الاستيعاب الأمهري Amharization إزاء الأورومو؛ إذ عملوا على فرض اللغة الأمهرية والديانة المسيحية الأرثوذكسية، ومحاولاتهم الدءوبة لطمس معالم الثقافة الأورومية كاللغة والموسيقي والفنون، وقمع الأورومو سياسياً واقصادياً واجتماعياً. وفي هذا السياق، نشأت جبهة تحرير الأورومو في السبيعينات من القرن المنصرم رافعةً لشعار انفصال الإقليم.

وتُعَد احتمالات نجاح انفصال إقليم أوروميا ضئيلة رغم ما يتمتع به الإقليم من مقومات الانفصال كالمساحة والموارد الطبيعية والبشرية، وذلك مرجعه بالأساس تنامي العلاقات الإثيوبية الأمريكية، ومن ثم فإن الغرب والولايات المتحدة لن يسمحا بانفصال إقليم يحمل كل مقومات الدولة، ويدين بالإسلام ما قد يُفْقد إثيوبيا كل عناصر قوتها ويهدد بقاءها. لكن يبقى هناك متغير آخر قد يعيد رسم المشهد لصالح إقليم أوروميا وهو الاحتجاجات الأمهرية التي اندلعت مؤخراً؛ إذ باتت قومي الأمهرا تشعر بإقصائها من المشهد السياسي لصالح قومية التيجراي التي تسيطر على مفاصل الدولة كاملة منذ عهد الرئيس الراحل ميليس زناوي مما دفع القوميتيْن إلى تنظيم احتجاجات ضد الحكومة الفيدرالية الإثيوبية في ظل تردي أوضاع حقوق الإنسان والقمع الممنهج ضد تلك الجماعات. وقد أفضت الاحتجاجات إلى وقوع زهاء 500 قتيل ونحو 1600 معتقل سياسي في عام 2016.

وفيما يتصل بالموقع الجغرافي للدولة الإثيوبية وكونها دولة حبيسة، ألقى ذلك بظلاله على انتهاج النظام السياسي الإثيوبي سياسة خارجية منفتحة على الولايات المتحدة وإسرائيل خصوصاً في ظل ما تتمتَّع به من مقدرات عسكرية أهَّلتها أيضاً للقيام بدور فاعل، اتفقنا أو لم نتفق على أخلاقية هذا الدور، في مختلف الأزمات التي تعرَّضت لها دول الجوار. الأمر الذي وصل إلى حد التدخل العسكري في تلك الدول، بمساعدة أمريكية، كالتدخل العسكري الإثيوبي في الصومال لإنهاء حكم اتحاد المحاكم الإسلامية، وكذا الدور الإثيوبي الداعم لمتمردي جنوب السودان حتى تحقَّق الانفصال، وهذه السياسة النشطة تؤجِّجها أيضاً المخاوف الإثيوبية من التأثيرات الخطيرة لكونها دولة حبيسة، وقد أضحت إثيوبيا تعتمد على ميناء جيبوتي، الذي يشهد حوالي 90% من إجمالي الصادرات والواردات من وإلى إثيوبيا في أعقاب الحرب الحدودية مع إريتريا، والتي اندلعت عام 1998؛ إذ كانت إثيوبيا تعتمد على ميناء عصب الإرتيري لحركة صادراتها وواردتها، ومن هنا كان لزاماً للدول الإثيوبية تقوية نفوذها وتعزيز دورها الإقليمي تجاه دول الجوار كون هذه الدول قد تستغل الحالة الإثيوبية كدولة حبيسة من أجل عزلها وعرقلة حركة صادراتها ووارداتها.

ورغم المشكلات الهيكلية التي يعاني منها اقتصاد إثيوبيا، إلا أن النظام السياسي الإثيوبي قد استطاع أن يجعل من الدولة فرصة واعدة أمام مختلف الاستثمارات الأجنبية لا سيما في مجال الاستزراع لتنتهج إثيوبيا سياسة تُوازِن بين مختلف الأطراف متعارضة المصالح؛ فهي توطد علاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية، وكذلك استطاعت أن تعزز علاقاتها بالسعودية ودول الخليج، وتقدِّم لمستثمري تلك الدول كافة التسهيلات بما يخدم في النهاية مصالحها. وتتعزز الفرص الاستثمارية في إثيوبيا مع بناء سد النهضة الذي من شأنه ضخ كميات كبيرة من الطاقة الكهرومائية فضلاً عن تعزيز إدارة الموارد المائية لنهر النيل وتقليل الهدر منها.

وقد اتسمت مخرجات النظام السياسي الإثيوبي، حتى اللحظة الراهنة، بالنجاح والفاعلية على مستوى السياسة الخارجية؛ فقد استطاعت أن تحشد إثيوبيا مواقف دول المنبع ضد الدولة المصرية، ومؤخراً بدا هناك تقارب بين الجانبيْن الإثيوبي والسوداني للحد الذي جعل وزير الخارجية السوداني يصف علاقات بلاده مع إثيوبيا بأنها علاقات نموذجية من حيث المصالح والتواصل الشعبي. الأمر الذي لا يصب بأية حال في صالح الجانب المصري أثناء العملية التفاوضية بشأن سد النهضة، ولذا فعلى الخارجية المصرية أن تأخذ إثيوبيا ودورها الإقليمي المتزايد بقدر كبير من الجدية خصوصاً أن هذا الدور بات يمس المصالح المائية والحقوق التاريخية لمصر في مياه نهر النيل.

——————————————————————————————————————–

المراجع:

  1. محمود أبو العينين، “سياسات القوى الدولية في شرق أفريقيا وتأثيرها على مصالح مصر”، مجلة الدبلوماسي، عدد يوليو- أغسطس 2017.
  2. محمد أحمد عبد اللطيف، التطور السياسي لجبهة تحرير الأورومو (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015).
  3. فهد ياسين، “التغلغل الإسرائيلي في شرق أفريقيا: أهدافه ومخاطره”، مركز الجزيرة للدراسات، متاح على الرابط التالي: http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/08/160802130023116.html
  1. جهاد عمر الخطيب، “أنماط النزعات الانفصالية في أفريقيا”، مجلة السياسة الدولية، عدد يناير 2018.
  2. محمد محمود مهدي، “العلاقات الخليجية- الأفريقية.. صحوة متأخرة”، آراء حول الخليج، متاح على الرابط التالي:http://araa.sa/index.php?view=article&id=762:2014-06-25-18-30-
  1. محمد مصطفى جامع، “إثيوبيا تعزز قوتها الناعمة”، نون بوست، متاح على الرابط التالي:http://www.noonpost.org/content/18185
  1. Ethiopia Country Profile, BBC News, Available at:http://www.bbc.com/news/world-africa-13349398

بقلم جهاد عمر الخطيب

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى