قراءة في تحول أنظمة الدفاع الجوي العالمي بين الدفاع عن النفس وإرهاق العدو

في إطار التنافس بين القوى الكبرى، ووجود شكوك قوية من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية سواء بشكل مباشر أو عن طريق حروب الوكالة، لجأت هذه الدول إلى التحديث المستمر لأنظمتها العسكرية والدخول في سباق تسلح جديد كما كان خلال الحرب الباردة، وأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ المتطورة، هي أحد هذه الأسلحة التي تحظى باهتمام كبير من قبل القوى الدولية والإقليمية، فمن خلالها يمكن تحييد الأسلحة الهجومية كالصواريخ الباليسيتية واعتراض الطائرات الهجومية المتطورة، ما يعيدنا مجددا إلى ظروف الحرب الباردة، ووضع استراتيجيات جديدة للتعامل مع الخصوم.

ولأهمية أنظمة الدفاع الجوي في تحييد الخصوم، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة استراتيجية حرب النجوم “مبادرة الدفاع الاستراتيجي”، من قبل الرئيس رونالد ريغان في مارس 1983، تقوم على استخدام الأرض والنظم الفضائية لحماية الأراضي الأمريكية وحلفائها من هجوم بالصواريخ الباليستية النووية الاستراتيجية، التي تفوقت فيها روسيا، بجانب إرهاق الاتحاد السوفيتي في سباقات التسلح، فبعد نجاح الاتحاد السوفيتي في الحصول على القنبلة النووية عام 1949، طور السوفييت منظومات نووية خاصة الصواريخ الاستراتيجية القادرة على الوصول للأراضي الأمريكية، بعد أن كانت مقتصرة على تهديد دول الجوار الأوروبي.

والآن عادت روسيا بمنظومات متطورة مثل “سارمات” وهو عبارة عن صاروخ قادر على تجاوز أية درع صاروخية لتحليقه بسرعة فرط صوتية، أي تفوق سرعة الصوت بمقدار 4-7 أضعاف، بما يتعدى قدرات الدفاعات الأمريكية الأوروبية، التي بدورها تسرع في بناء منظومات الدرع الصاروخية حول أوروبا، وبالجوار الروسي من أجل الضغط عليها، لندخل في مرحلة جديدة من سباقات التسلح ستشكل منظومات الدفاع الجوي مرحلة أساسية منها.

أولا- مظاهر التنافس الدولي لتطوير منظومات الدفاع الجوي:

ظهرت الحاجة منذ القدم إلى وسائل دفاع قوية في مواجهة الأسلحة الهجومية للعدو، بدءا من الدروع والقلاع والحصون وصولا للأنظمة الحديثة من الدفاعات الجوية لمواكبة التطور الهائل في تقدم الأسلحة الهجومية، مثل تزايد القدرات القتالية والفنية للطائرات المقاتلة القادرة على قطع مسافات طويلة والوصول لعمق دفاعات الخصوم، بجانب تزايد قدرات الصواريخ الباليسيتة والجوالة التي تطلق من السفن الحربية والغواصات وزاد عليها خطر تحميلها بأسلحة نووية وبيولوجية وكيمائية تحدث أثرا تدميريا  أوسع نطاقا لا يمكن تفادي تأثيراته على مدى سنوات.

وفطنت الولايات المتحدة إلى هذا الأمر في ظل تزايد حدة التوتر مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، لتضع إدارة الرئيس رونالد ريجان استراتيجية “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” أو حرب النجوم كما اشتهرت بها وسط الأمريكيين، ورصدت لهذا الأمر ميزانية 26 مليار دولار على مدى 5 سنوات، وهدفت بشكل أساسي إلى الرد المضاد على الصواريخ العابرة للقارات و يكون ذلك عبر 4 مراحل:

خلال ما بين دقيقة و ثلاث دقائق بعد إطلاق الصواريخ وهي المدة التي يستغرقها انطلاق الصاروخ بمراحله الثلاثة و يبلغ القمر الصناعي ، الذي اكتشف إطلاقه القواعد الأرضية و تقوم هذه القواعد بدورها بإبلاغ الأقمار الصناعية القريبة أو الغواصات لمحاولة إسقاطه.

يتم إسقاط الصاروخ بواسطة القمر الصناعي الذي يكون موجوداً في الفضاء، أو الذي تطلقه القواعد الأرضية فور إبلاغها بإطلاق الصاروخ المعادي، و عند ذلك يكون الصاروخ العابر للقارات قد أتم مراحله الثلاثة و أصبح خارج الغلاف الجوي وهنا يقوم القمر الصناعي بإسقاطه قبل أن يطلق الصاروخ الرؤوس المتعددة ، و هذا ينفذ خلال خمس دقائق من الإطلاق.

في هذه المرحلة تتم محاولة تدمير الرؤوس التي أطلقها الصاروخ العابر للقارات خارج الغلاف الجوي، التي من الممكن أن تكون أفلتت من التدمير ، و يتم التدمير في خلال فترة لا تزيد على 20 دقيقة من إطلاق الصاروخ.

في هذه المرحلة يتم محاولة تدمير الرؤوس التي يتم إطلاقها بالفعل، يتم تدمير هذه الرؤوس خلال دقيقة واحدة.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أوقفت الولايات المتحدة استراتيجية حرب النجوم، لارتفاع تكلفتها عما هو مقرر لها إلى جانب عدم وجود مبرر قوي لاستمرارها لأنها أصبحت القطب الأوحد في العالم بعد انهيار نظام القطبية الثنائية، لكن عادت من جديد نفس الاستراتيجية بأسماء مختلفة في منتصف التسعينيات تحت اسم “النظام الدفاعي المضاد للصواريخ الباليستية”، بلغت تكلفته الأولية حوالي 60 مليار دولار، ويشتمل على منظومة أقمار صناعية معقدة وأنظمة رادار أرضية ومحمولة جوا، وشبكات الاتصالات وأجهزة الكومبيوتر فائقة التطور، وقواعد إطلاق الصواريخ الدفاعية، لمواجهة ما أسمته بالدول المارقة وقتها كالعراق وكوريا الشمالية وإيران وغيرها، لكنها كانت تتحسب للصعود الصيني وعودة الخطر الروسي مجددا، رغم وجود معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية “ستارت 1” مع روسيا، فهذه الدول المارقة وقتها لم تكن لديها الإمكانات لمواجهة واشنطن أو القدرة على توجيه ضربة مؤثرة لحلفائها الإقليمين.

ووقع الجانبان الروسي والأمريكي هذه المعاهدة في 1991، وانتهت في ديسمبر 2009، وكان يتعين على البلدين تقليص وسائل نقل الأسلحة النووية من الصواريخ والقاذفات الاستراتيجية إلى 1600، أما الرؤوس النووية  فتنخفض إلى 6 آلاف، وقد حققت بعض أهدافها، وحاولت واشنطن تهدئة الروس وتخفيف وتيرة تقدمهم عبر اتفاقية جديدة  وهي “ستارت 2” لكنها غير مفعلة بالقدر الكافي، حيث دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في فبراير 2011، ونصت على تخفيض الرؤوس النووية بنسبة 30 %، مقارنة بالحد الأدنى الذي تنص عليه المعاهدة المنتهية، كما ستسمح الاتفاقية للطرفين بتفتيش القدرات النووية للآخر للتأكد من عدد الرؤوس النووية التي يحملها كل صاروخ عابر للقارات، كذلك وضعت الاتفاقية ضوابط قانونية على عدد الرؤوس النووية والصواريخ التي يمكن لكل طرف أن ينشرها على الأرض وفي الغواصات وعلى متن الطائرات.

وسبق هاتين الاتفاقيتين، معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية””ABM الموقع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مايو 1972، ولخطورة التطور في أنظمة الدفاع الجوي، حدت المعاهدة على الدولتين نشر أنظمة دفاعية ضد هجمات صاروخية نووية باستخدام صواريخ باليستية طويلة المدى، وذلك حتى يخاف الطرفان من اللجوء لاستخدام السلاح النووي ضد الآخر لأنه لن يستطيع التصدي لضربة مماثلة، وكالعادة لم يلتزم بها الطرفان، ليذهبا بعد انتهاء الحرب الباردة إلى اتفاقيتي “ستارت 1″ و”ستارت 2” السابق ذكرهما.

لكن التطورات الحالية تظهر عدم التزام الجانبين بـ “ستارت 2″، ما حدا بكلاهما لتطوير قدرات الدفاع الجوي لتعطيل تفوق الآخر، فقد كشفت مجلة “نيوزويك” الأمريكية، في أبريل 2018 عن أن روسيا والصين اختبرتا أنظمة صاروخية متطورة قادرة على الوصول إلى أهداف بالفضاء الخارجي واستهداف الأقمار الصناعية الأمريكية، حيث اختبرت وزارة الدفاع الروسية تطويرا لنظام “A- 135″ المضاد للصواريخ الباليستية، وهو عبارة عن درع صاروخي مصمم لمنع استهداف روسيا بهجمات جوية أو فضائية، بخلاف تطوير نظام A- 235 PL -19″” مضاد الصواريخ الباليستية، أما الصين اختبرت صاروخ طويل المدى طراز “دونج نيج 3″، لإسقاط صاروخ آخر في الفضاء، لتكون بذلك قادرة على ضرب الأهداف خارج الغلاف الجوي مثل الولايات المتحدة.

ونتيجة لعودة هذه الاستراتيجيات من جديد، طالب تشارليز ريتشارد أحد كبار قادة البحرية الأمريكية، واشنطن بالاستعداد لحرب عالمية ثالثة بين النجوم، عن طريق تنمية قدرات الجيش في مجال الفضاء، وأدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأمر، خاصة في ظل تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين منذ أزمة القرم في 2014، والتدخل في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصولا لانتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، واغتيال سيرغي سكريبال العميل الروسي المزدوج وابنته في لندن وقطع معظم هذه الدول علاقتها بموسكو، ليعلن بوتين في مارس 2018، عن اعتماد القوات الروسية أكثر من 300 نموذج جديد من المعدات العسكرية منذ عام 2012، بينها 80 صاروخا بالستيا جديدا و102 صاروخ باليستي للغواصات و3 غواصات استراتيجية تعجز منظومات الدفاع الجوي عن اعتراضها، بينها:

منظومة الصواريخ الجديدة العابرة للقارات “سارمات”:  بدأت موسكو الاختبارات على هذه المنظومة المجهزة بصاروخ ثقيل عابر للقارات، أطلق عليه اسم “سارمات”، وستحل محل منظومة “فويفودا”/ الشيطان، حيث يمكن تجهيز هذه الصواريخ برؤوس نووية تزن 10 طن، وتملك  قدرات تدميرية أكثر من “فويفود”، التي تعتبر أقوى صواريخ بالستية عابرة للقارات، حيث يبلغ وزنه أكثر من 200 طن، ويسمح مخزون الطاقة للصاروخ بالتحليق عبر القطبين الشمالي والجنوبي بما يمكنه من بلوغ الأراضي الأمريكية بسهولة.

منظومة “كينجال” (الخنجر) الصاروخية:  قادرة على الانطلاق نحو الهدف من طائرة مقاتلة تنقله إلى موقع الإطلاق في دقائق، وتصل سرعة الصاروخ بعد إطلاقه إلى سرعة تعادل أضعاف سرعة الصوت خلال ثوان معدودة، حيث تزيد سرعته على أربعة أمثال سرعة الصوت، ويمكنه التحليق إلى مسافة 2000 كيلومتر، وقد دخل الخدمة فعليا منذ ديسمبر 2017.

منظومة الصواريخ “أفانجارد”: تحتوي على صاروخ حربى تعادل سرعته 20 ضعف سرعة الصوت، بما يمكنه من الوصول إلى أماكن بعيدة عبر الطبقة الكثيفة من غلاف الأرض الجوي، ويستطيع تفادي دخول مجال عمل مضادات الصواريخ لقدرته على تغيير اتجاه وارتفاع التحليق، بجانب قدرته على مقاومة أشعة الليزر.

وقد جاء هذه التطوير الروسي ردا على نشر الدرع الصاروخية الأمريكية “United States missile defense”، بجانب تطويرها لأسلحتها النووية الاستراتيجية بالمخالفة لاتفاقية “ستارت 2″، إلى جانب ذلك قامت فكرة الدرع الصاروخية على استراتيجية حرب النجوم بشكل أساسي، وتقوم الفكرة على بناء قواعد ومنصات صاروخية وتجهيزها في البحر والفضاء الخارجي، جاهزة لاعتراض وتدمير أي صاروخ يطلق من الأرض أو الفضاء ضد واشنطن وقواتها وحلفائها في أي مكان.

ودخلت الدرع الصاروخية في أوروبا الخدمة فعليا في مايو 2016، بعد طرحه منذ منتصف التسعينات خلفا لحرب النجوم، حيث وضعت أول تشكيلات المنظومة في قاعدة جوية في بلدة ديفيسيلو في رومانيا، إلى جانب نشر منظومات أخرى في بولندا وغيرها بالقرب من روسيا، لتحييد أسلحتها الهجومية بشكل تام خاصة الصواريخ الباليسيتة والجوالة.

أما روسيا من جانبها طورت أنظمة دفاعاتها الجوية لتصل إلى منظومة “إس 500″، “ونودول”، حيث ستحل منظومة الدرع الصاروخية طراز “آ – 235 نودول” محل “آ-135” السوفيتية، وستتعاون مستقبلا مع منظومة “إس– 500 بروميتاي” لصواريخ الدفاع الجوي، ومشروع “آ- 235 نودول” عبارة عن منظومة ثلاثية النظم الاستراتيجية، قادرة على اعتراض الصواريخ العابرة للقارات على مدى 1500 كيلومتر وأي أهداف في المدار الأرضي، بما يعني ضرب الأقمار  الصناعية الأمريكية في الفضاء.

ثانيا- كيفية توظيف القوى الإقليمية في صراعات الدفاع الجوي:

كان التنافس في إطار الحرب الباردة على أنظمة الدفاعات الجوية بشكل أساسي بين القطبين السوفيتي والأمريكي، أما الآن يبحث كل طرف عن دعم وكلائه الإقليميين بدفاعات متقدمة، وإن كانت بدرجات أقل منها، لكنها قادرة على التهديد والردع وتوفير قدرا كبيرا من الحماية.

وفي هذا الإطار، برزت ورقة توظيف القوى الإقليمية في إطار الصراع الدائر، فالولايات المتحدة استخدمت أراضي حلفائها لنشر منظومتها بالقرب قدر الإمكان من روسيا في دول البلطيق ودول الاتحاد السوفيتي السابق، إلى جانب التعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ودعمها بأنظمة دفاعات جوية متقدمة ومساعدتها في تطوير ما تمتلكه مثل منظومة “القبة الحديدة”، للتصدي للأخطار التي تحيط بها ومواجهة إيران، التي تعدها الآن عدوها الأول لقلقها البالغ من منظومة الصواريخ الإيرانية المتقدمة التي حققت لها ميزة نسبية متقدمة في مواجهة خصومها، بجانب دعم واشنطن لبعض دول الخليج في الشرق الأوسط لحماية مصالحها النفطية وقواتها المتمركزة في الشرق الأوسط.

فمثلا تمتلك معظم دول مجلس التعاون الخليجي منظومة باتريوت “Phased Array Tracking Radar Intercept Of Target”، وبخلاف ذلك تمتلك الإمارات منظومة ثاد “Terminal High Altitude Area Defense” أما السعودية، وافقت الخارجية الأمريكية في أكتوبر 2017 على منحها المنظومة مقابل 15 مليار دولار، لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، وسط الحديث عن فشل منظومة باتريوت في مواجهة الصواريخ الباليستية التي تطلقها جماعة “أنصار الله” الحوثية من اليمن واستطاعت الوصول إلى قلب العاصمة الرياض بخلاف الوصول إلى محافظات أخرى.

وتعد باتريوت منظومة دفاع جوي صاروخي من نوع أرض- جو، أمريكي الصنع، متوسط المدى مضاد لجميع التهديدات سواء الطائرات الحربية أو الصواريخ الباليسيتة أو الجوالة، كما يستعمل أنظمة متقدمة للصواريخ الجوية الاعتراضية وأنظمة رادار ذات كفاءة عالية، وتوجد منه ثلاثة أجيال “باك 1″ و”باك 2” وباك 3″، والأخير هو الأحدث الذي تم تطويره بعد الغزو العراقي للكويت لمعالجة أخطاء فادحة بالنظام، حيث فشل كثيرا في التصدي للصواريخ العراقية، وأصبح “باك 3” يتميز بسرعة كبيرة وبخاصية  “hit to kill”، حيث ينتج طاقة تفجيرية كبيرة وقت اصطدامه بالصاروخ الباليستي، ما يؤدي لتدمير رأسه التفجيري إن كان حاملا لأسلحة دمار  شامل.

فيما تتميز منظومة “ثاد” بالقدرة على اعتراض الصواريخ الباليستية داخل أو خارج الغلاف الجوي خلال مرحلتها النهائية من الرحلة، على مسافة 200 كم، ما يخفف من آثار أسلحة الدمار الشامل قبل وصولها إلى المكان المستهدف، كما أنها تستطيع تمييز الأهداف الحقيقية والوهمية لوجود معدات الاستشعار عن بعد المتقدمة المتصلة بالأقمار الصناعية، التي تساعد على توجيه وإعادة التوجيه أثناء التحليق للصاروخ.

ورغم الترويج الأمريكي لدقة منظومة باتريوت خاصة بعد التعديلات التي أجريت عليها عقب الغزو العراقي للكويت، إلا أنها تعرضت للاختبار مجددا من قبل السعودية في حرب اليمن الجارية الآن، فقد شككت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في ديسمبر 2017، إسقاط منظومات الدفاع الجوي السعودي نوع “باتريوت” صاروخ باليسيتي طراز “بركان” أطلقه الحوثيون من الأراضي اليمنية باتجاه الرياض في نوفمبر من العام ذاته، مؤكدة أن الحطام الذي عثر عليه، لم يكن يحتوي على بقايا الرأس الحربي المدمر للصاروخ، مشيرة إلى أن الرأس الحربي انفصل عن الصاروخ قبل تصدي الدفاع الجوي، له وواصل التحليق حتى هبط بالقرب المطار.

كذلك كشف جيفري لويس، مدير مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة بمعهد ميدلبوري، الأمريكي أن حطام الصاروخ الباليسيتي الذي سقط في الرياض في مارس 2018، وقتل شخصا على الأقل وأصاب آخرين، ليس دليل على أن السعودية اعترضت أي صواريخ من الصواريخ السبعة التي أطلقها الحوثيين، وهو أمر مقلق ليست للملكة فقط وإنما للولايات المتحدة أيضا، التي تأكد لها عدم كفاءة منظومة باتريوت بقدر ما تروج له.

بدورها روسيا عملت على دعم بعض شركائها بمنظومات متقدمة لتكون إلى جانبها، مثل تزويد إيران بمنظومة “إس 300″، التي لاقت اعتراضات قوية خاصة من قبل الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، وهددت موسكو بمنح سوريا هذه المنظومة، عقب العدوان الثلاثي على سوريا الشهر الجاري من قبل روسيا وفرنسا والولايات المتحدة بتوجيه ضربات صاروخية إلى سوريا، ورغم قدرة الدفاعات الجوية السورية مقارنة بالسائد وحداثة الأسلحة التي استهدفتها من قبل الدول الثلاث، إلا أنها نجحت في إسقاط 71 صاروخا من أصل 105 استهدفت مواقع عسكرية وعلمية، وفقا لوزارة الدفاع الروسية عبر أنظمة سوفيتية عتيقة مثل “بانتسير” و” إس 200″، و”بتشورا”، وقبلها نجحت أيضا في إصابة وإسقاط طائرتين إسرائيليتين طراز “إف 16″، في فبراير 2018.

وإلى جانب ذلك اتفقت روسيا على منح تركيا منظومة “إس 400″، بقيمة تتجاوز مليار دولار لتكون من أولى الدول التي تحصل عليها، بعد رفض الولايات المتحدة منحها نسخا متقدمة من منظومة الباتريوت ونقل التكنولوجيا إليها، رغم وقف تركيا صفقة مع الصين لشراء منظومة دفاع جوي متقدمة في عام 2013، بقيمة 3.4 مليار دولار  بطلب أمريكي، وتستطيع “إس 400″، تدمير الأهداف من مسافات بعيدة، ويمكنها في وقت واحد  تتبع 300 هدفا، فيما يبلغ مدى تدمير الطائرات بين 3 و240 كم، وبإمكانها تدمير جميع أنواع المقاتلات واعتراض الصواريخ المجنحة، ودخلت الخدمة في الجيش الروسي في عام 2007.

ثالثا- هل تقلل الدفاعات الجوية من حدة الصراع الدولي والإقليمي:

تلجأ الدول إلى تحديث ترسانتها العسكرية، إما لصد هجمات الخصوم أو تحقيق أهداف توسعية ونفوذ سواء سياسي أو عسكري، وبالنظر إلى طبيعة عمل أنظمة الدفاع الجوي، يغلب عليها الطابع الدفاعي وليس الهجومي، لكنها الآن ونتيجة للتطور الهائل أصبح ينظر إلى تطويرها وامتلاكها أن صاحبها يعد نفسه لأعمال هجومية وسياسات استفزازية، ما أكدته معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية “”ABMالموقع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في 1972، التي نصت على وقف الطرفين تطوير أنظمة الدفاع الجوي حتى لا يتم تحييد السلاح النووي بالكامل ما يدفع أحد الخصوم لاستخدام النووي ضد الآخر لأنه يظن أنه قادر على صد الهجوم المضاد.

وينطبق الأمر على ما يجري الآن من تطورات متصاعدة، فروسيا تتهم الولايات المتحدة بأنها تهدف إلى تهديد أمنها ومحاصرتها عن طريق منظومة الدرع الصاروخية التي تنشرها بالقرب منها وعلى أراضي حلفائها، وكشف عن هذا الأمر نائب رئيس إدارة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة  الروسية فيكتور بوزنيخير، حيث أكد أن منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية تتمكن من مراقبة إطلاق الصواريخ البالستية العابرة للقارات من أي مكان في روسيا، كذلك يمكن للصواريخ الاعتراضية إسقاطها مع الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدارات قريبة من الأرض.

وإلى جانب ذلك تستطيع محطات الرادار في ألاسكا وبولندا ورومانيا التي أقامتها الولايات المتحدة ضمن الدرع الصاروخية مراقبة مسارات الصواريخ التي يمكن أن تطلق روسيا سواء من أراضيها أو من المناطق الواقعة تحت مراقبة الغواصات الروسية في القطب الشمالي، وبعد ذلك يمكن للمنظومة الأمريكية إعطاء الأوامر للصواريخ الاعتراضية لإسقاط الصواريخ الروسية، وبجانب ذلك يمكن لهذا الدرع تدمير مختلف الأقمار الصناعية للخصوم التي تدور في مدارات قريبة من الأرض، وبالتالي تدمير اتصالاته كافة ومنعه من الرد أو على الأقل تحطيم جزءا كبيرا من قدراته الهجومية.

وهو الأمر الذي فعلته الصين وروسيا، أيضا فهما يمكنهما الآن إسقاط الأقمار الصناعية والصواريخ خارج الغلاف الجوي، ما أثار قلق الولايات المتحدة التي ظنت انها تفوقت على خصيمها، لتعترف في استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن موسكو وبكين الخطر الأول على الولايات المتحدة وليس الإرهاب، معترفة أيضا بوجود تأخر في مجابهة التطور الصيني الروسي، فيما يتعلق بالأسلحة الدفاعية والصواريخ الباليسيتة.

ختاما يمكن القول إن التطور والتنافس الجاري الآن على أنظمة الدفاع الجوي سيساهم في ردع الخصوم وسيوجد حالة من التوازن أقرب إلى “توزان الرعب النووي”، لكنه لن يكون عامل تهدئة أكثر منه سبب في تسريع وتيرة التسلح والبحث عن أسلحة هجومية أكثر تطورا وتدميرا، فبعد اكتشاف  الولايات المتحدة القنبلة النووية واختبارها فعليا في الحرب العالمية الثانية ، دفعت الحلفاء والخصوم للبحث عن هذا السلاح وامتلاكه وصولا لتطوير منظومات حمله ما نجحت فيه روسيا بتوصلها لأول صاروخ عابر للقارات قادر على الوصول للأراضي الأمريكية محملا برؤوس نووية نهاية الخمسينات ما أوجد حالة “توازن الرعب النووي”، والآن يحاول كل طرف إلغاء فعالية الدفاعات الجوية للآخر بما يعني استمرار دوامة سباق التسلح وستكون الدفاعات الجوية أحد قيادات هذا السباق.

المصدر

معاهدة (ستارت 2) بين موسكو وواشنطن تدخل حيز التنفيذ، هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، 5/2/2011 Strategic Defense Initiative,globalsecurity oragniztion,21/7/2011, . روسيا تملك أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وكالة سبوتنيك الروسية، 7/4/2015 صحيفة أمريكية تعلن فشل “باتريوت” في إسقاط صاروخ الحوثيين، وكالة سبوتنيك، 5/12/2017 هذه مميزات “ثاد” التي وافقت واشنطن على بيعها للسعودية، العربية نت، 8/10/2017هل فشلت منظومة صواريخ الباتريوت الأمريكية في الاعتراض على صواريخ الحوثيين؟، مونت كارلو، 31/3/2018 ، انتهاء سريان مفعول معاهدة “ستارت-1″، روسيا اليوم، 5/12/2009، انقلاب استراتيجي في علاقات القوى العسكرية، مشروع الدفاع الصاروخي الامريكي محاولة لقلب نظام الردع النووي، البيان الإماراتية، 21/7/2000، الأركان العامة الروسية تكشف قدرات منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية، روسيا اليوم، 2/4/2018، روسيا والصين تختبران صواريخ يمكنها استهداف أقمار أمريكية، موقع عاجل، 3/4/2018، قائد عسكري أمريكي: علينا الاستعداد لحرب النجوم، وكالة سبوتنيك، 4/4/2017، بوتين يعرض أسلحة جديدة لا مثيل لها في العالم ، وكالة سبوتنيك، 1/3/2018، احمد علّو، درع الدفاع الصاروخي الأميركي في أوروبا ، يونيو 2008، العدد 277، مجلة الجيش اللبناني، درع الناتو الصاروخي يدخل الخدمة رغم معارضة موسكو، هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، 11/5/2018، الدرع الصاروخية

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button