دراسات سياسية

قرارات ترامب بين النرجسية والمؤسسية

وليد عبد الحي

أزعم ان عملية صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة لم تشهد في تاريخها تنازعا حادا بين ” شخصية الرئيس” من ناحية وضوابط العمل المؤسسي ومعها الدولة العميقة من ناحية اخرى كما تشهده في إدارة الرئيس الحالي ترامب.
ويبدو لي ان شخصية ترامب – طبقا لتقرير علماء النفس ال35 الامريكيين – تخلق ارباكا متلاحقا في فعالية ضوابط العمل المؤسسي، فاذا انتقلنا الى قرارات ترامب خلال السنوات 2017 الى الآن نجد ان السمة العامة لهذه القرارات هي:
1- عدم الثقة بالمؤسسات الدولية سواء الامم المتحدة او فروعها او حتى الاتفاقيات الدولية ( المناخ وغيره) او فعالية حلف الناتو…الخ.
2- الاعتقاد ان الاقتصاد السياسي اكثر فعالية واقل تكلفة من العمل العسكري لدفع الدول الأخرى للاستجابة للمصالح الامريكية
3- التركيز على المهارات الفردية اكثر من تكييف قواعد العمل المؤسسي، لذلك قام بتغيير 139 مسؤولا في إدارته حتى الآن .
سيكولوجية ترامب:
ما يلفت النظر أن الرئيس الحالي ترامب حظي بقدر غير معتاد من الحوارات حول ” بنيته السيكولوجية” وهو امر لم تعرفه الرئاسات السابقة بهذه الحدة والتوسع في المناقشة ، بل وحملت عشرات الصحف الأمريكية وبعض المجلات المتخصصة حوارات حول هذا الموضوع وبإسهاب يشير لقدر من القلق ، وقد كان أغلبها من أطراف ” اكاديمية” متخصصة، فهناك البيان الذي وقع عليه 35 من الاطباء النفسيين الامريكيين “ونشرت نيويورك تايمز والاتلنتيك ونيويورك ديلي نيوز…وغيرها مقتطفات من البيان
وأهم ما ورد في بيان الاطباء النفسيين هو حرفيا : ” ان ترامب غير مؤهل عقليا لوظيفة قائد عام” ويرى البروفسور جون غارتنر من جامعة جون هوبكنز ان ترامب يعاني من ” نرجسية مرضية، ولديه خلل عقلي لا يؤهله لمزاولة الرئاسة”
ويتفق الجميع على ” نرجسية ” ترامب، لكن الخلاف بينهم على حدة هذه النرجسية وكم من مؤشر من مؤشراتها متوفر في شخصيته، فالتيار الأكبر يرون ان لديه ثماني خصائص من خصائص النرجسية المرضية(من بين 9 خصائص للنرجسية المرضية)، بينما يرى البعض ان ترامب يعاني من أربع منها فقط .
وتتمثل خصائص النرجسية المرضية طبقا لهذه المساجلات في: ان النرجسي:
1-ينظر لانجازاته العادية بشكل فيه قدر كبير من المبالغة باهميتها.
2- لديه وَهْم المثالية.
3- يظن ان الناس العاديين لا يستطيعون فهمه بل يحتاج لأشخاص غير عاديين لفهمه.
4- يستمتع بالاعجاب المفرط من قبل الآخرين به.
5- يرى نفسه دائما على حق .
6- يستغل علاقاته بالآخرين بشكل جشع
7- لا تعنيه مشاعر الآخرين .
8-لديه وهم بأن الآخرين يحسدونه على ما هو عليه وتأكلهم مشاعر الغيرة منه
9- متقلب ويبرر مواقفه بشكل متعجرف.

إن أغلب ما وجدته من دراسات أمريكية لشخصية ترامب منذ طفولته ومراحل تطوره وصولا لعالم المال والأعمال وعلاقاته الفردية وميوله العاطفية وغيرها من الموضوعات التي يُعنى بها علم النفس السياسي يشير لما يلي:
أ- افتقاده للشعور بالأمن : ويعيد عدد من الباحثين ذلك في شخصية ترامب إلى 3 عوامل:
أ‌- مرحلة التحاقه بالاكاديمية العسكرية والتي غرزت في نفسه إحساسا بان الآخر هو ” العدو” ، فدائما يتدرب على كيفية مواجهة طرف آخر، وهو ما جعل الشعور بالقلق من الآخر يغوص في اعماقه ويتوارى وراء دافع آخر لكنه يعززه.
ب‌- انغماسه في عالم المال والأعمال جعله يشعر بأن اليد الخفية التي يعرفها الاقتصاديون تتسلل بين لحظة وأخرى وتؤدي في كثير من الأحيان إلى انهيار امبراطوريات اقتصادية وشركات وبنوك عملاقة، وقد ذاق ترامب بعضا منها.
ت‌- طفولته تشير إلى ان مستوى المديح الذي كان ينتظره من الوالدين لم يرق لنزعات الطفل، فرغم الثراء والحياة الهادئة التي عاشها لكنه لم ينل المديح الذي توقعه ، مما جعله يطوي بداخله مشاعر القلق لمعرفة لماذا؟
ث- الكذب: تشير دراسة لتصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية إلى ان التحقيق فيما كان يقوله يقود للنتائج التالية:
– 2% مما قاله صحيح تماما
– 7% صحيح بنسبة عالية
– 15% نصف صحيح
– 15% كذب بنسبة عالية
– 42% كذب تماما
– 18% كذب فيه شطط كبير
وهو ما يعني ان 76% تقريبا من تصريحاته كانت أقرب للكذب
ج- نرجسي بشكل كبير(كما سبق): يشير تحليل لكتابات ترامب والمقابلات الصحفية إلى ان لديه نرجسية عالية تظهر في تكرار اسمه في مواضع كثيره ،واحساسه بان ما يستطيعه يعجز عنه الأخرون، ويطرب للمديح(وهو ما يتضح في كراهيته للاعلام لانه لم يمدحه)، ونظرته للآخرين توحي بقدر قليل من التعاطف الوجداني، بدليل ان لديه نزوعا قويا بل وجامحا لتشويه صورة خصمه .
ح- تفاوضه: تدل استنتاجات الباحثين الذين اهتموا بمن تفاوض معه في دنيا المال والأعمال بأنه:
1- يوظف كل أدوات القوة لديه من بداية التفاوض وبشكل شرس
2- يُغرق الطرف الآخر في أدق التفاصيل مهما بدت بسيطة او تفاهة.
3- يميل لوضع الطرف المقابل في ظروف تفاوضية غير مريحة من خلال تشويه السمعة كما أشرت سابقا ، وخلق بيئة تفاوضية محبطة للآخر تجعله يقبل بشروط ترامب
4- لا يعرف تأنيب الضمير على ما يقع للآخرين في نطاق العمل التفاوضي.
5- إذا شعر ان عناده قد يقود للخسارة فإنه يتراجع ولا يرى في ذلك ضيرا.

المستقبل:
1- اذا قبلنا بالتوصيف السابق واردنا ان نبني عليه استنتاجا ، فان ترامب لن يتورع عن خلق المشاكل لكل من الصين وروسيا وايران وفنزويلا والسلطة الفلسطينية …الخ ، لكنه سيتراجع عند احساسه بان هذه الدول قد ” تؤذيه” ولن يجد في تراجعه أي دافع للندم.
2- سيدفع ترامب التوترات الدولية الى نقطة معينة لكنه سيتراجع إذا شعر ان الحرب هي خاتمة المطاف بخاصة مع القوى الكبرى.
3- ان ترامب هو الرئيس الاكثر اشكالية بين كل الرؤساء الامريكيين طبقا لاستطلاع بروكنجز لآراء 320 خبيرا من اعضاء جمعية العلوم السياسية الامريكية ، ويقف ترامب مع جيمس بوكانان( الديمقراطي والذي حكم لفترة واحدة من (1857-1861) في نفس الوضع، وهو ما يجعل صورته اقل بريقا من انتخابات نوفمبر 2016.
4- اذا اعتمدنا على السوابق التاريخية ، نجد ان الرؤساء الاشكاليين في التاريخ الامريكي ( مثل ترامب) هم ثلاثة من الحزب الديمقراطي هم :: بوكانين وبيرس وجونسون وواحد من الحزب الجمهوري هو هاردينغ، وواحد من الحزب القديم (Whig) هو هاريسون ، ما يهمنا هنا ان احدا من الخمسة لم يتمكن من الفوز لمرة ثانية ( هاريسون توفي بعد حوالي شهر من انتخابه)، فهل تتاكد هذه الملاحظة مرة اخرى مع ترامب؟ ربما .
5- أثرت ازمة الكورونا على صورة ترامب وارتباكه في معالجة الموقف، كما ان تردي الاوضاع الاقتصادية والحملات الاعلامية ضده ، وتجدد العنف العنصري في مينابوليس بعد مقتل رجل اسود على يد شرطة من البيض عوامل تهديد حقيقية لترامب ، ناهيك عن قلق أوروبي هادئ من سياسات ترامب الخارجية.
6- واضح ان سند ترامب هم اللوبي الصهيوني والانجيليين المسيحيين والتيارات الشوفينية ، لكن شكوكا بدات تتزايد حول قدرة هذا الفريق على كبح التآكل في شعبية ترامب…
اخيرا هل تتحقق نبوءة العالم الامريكي(النرويجي الاصل) Johan Galtung بان الولايات المتحدة امام احتمالين هما: إما الانكماش من مستوى الامبراطورية باتجاه جمهورية مزدهرة او باتجاه امبراطورية منهارة

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى