تحليل النزاعات الدولية

قضايا الصراع الدولي بعد الحرب الباردة / زيد خالد صالح

اولا – الحرب على الارهاب

اهتم المجتمع الدولي بظاهرة الإرهاب ومكافحتها بعد بروز التنظيمات الارهابية التي تشعبت عملياتها وانتشرت في دول عدة، وأصبح بعض تلك التنظيمات يمتلك امكانيات وقدرات تدميرية تسليحية كبيرة قد تفوق إمكانيات دول صغيرة، الأمر الذي تم تحديه مهمة وخطرة حقيقية أمام سيادة واستقلال الدول، وبات موضوع الارهاب وكيفية مواجهته، هما , الشغل الشاغل لرجال السياسة والأمن والفكر في مختلف الدول والمجتمعات  وبعد توسع العمليات الارهابية وانتشارها لتشمل معظم دول العالم، أحدثت ظاهرة الارهاب، تطور وتحولات  نوعية في النظام الدولي، لا سيما في أعقاب هجمات 11 أيلول / سبتمبر من العام ۲۰۰۱، الارهابية على مراكز مدنية وسياسية في العمق الأمريكي، وكان الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” أول من أعلن الحرب على “الإرهاب” عقب تلك الهجمات، وبدون تحديده لماهية ذلك الإرهاب .واستغلت الادارة الامريكية تربعها على عرش القطبية الأحادية وفرضها النظام الدولي الجديد بتقسيم جديد له، وهو: إما الوقوف مع السياسة الأمريكية أو ضدها في حربها التي اعلنتها على الارهاب، وعملت الولايات المتحدة الأمريكية على حمل دول العالم باتجاه تأييد سياساتها، واعتماد محاربة الارهاب كذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، واندفعت باتجاه الرد العسكري المباشر، واستخدمت ثقلها الدولي لبناء تحالف دولي لشن الحرب على افغانستان في اطار حملة دولية للحرب على الارهاب، وأخذت الدول تهرول خلف الادارة الأمريكية لأسباب ومسوغات تختلف من دولة إلى أخرى، واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من الاجراءات الوقائية للحد من العمليات الارهابية والتي تضمنت

الاعتقال الوقائي والمحاكمات العسكرية والرقابة والتنصت على الأشخاص كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الأحكام العرفية على مستوى العالم، إذ أقر الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش): بأن في استطاعة السلطات الأمريكية محاكمة أي مواطن، في أي دولة من دول العالم بتهمة الإرهاب في محكمة عسكرية أمريكية وفي محاكمة سرية  وغدت أحداث 11 أيلول/سبتمبر من العام ۲۰۰۱، الدافع الأكبر لبروز اجماع دولي الإدانة الارهاب، فقد عمل المجتمع الدولي على محاصرة الأنشطة الارهابية، لكونها غدت تهديدا للسلام والأمن الدوليين، لا سيما بعد تطور الارهاب تنظيما وتسليحا وأسلوبا وأهدافا، والذي بات يندرج تحت مسميات تنظيمية ( منظمات ذات قيادة وتنظيم وتدريب وتخطيط، وابحت لديه قدرات وتقنيات عالية تسهل الوصول الى أهدافه المحددة، فضلا عن التمويل المالي اللازم لمواصلة أنشطته بكفاءة عالية  مهدت العقوبات الدولية الطريق لظهور مواقف دولية أعمق أثرة تجاه الارهاب ومصادره ، ففي اليوم الذي تلا للهجمات الإرهابية، والتي استهدفت مواقع عدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وخلفت آلاف الضحايا أي في يوم ۱۲ ايلول/سبتمبر من العام ۲۰۰۱، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار بالإجماع ، والذي ادان بشدة تلك الهجمات، ومهد السبيل للقيام بعمل عسكري بإعلانه استعداده لاتخاذ الخطوات اللازمة كافة للرد على الهجمات الإرهابية الأخيرة ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، وفقا لمسؤولياته بموجب ميثاق الأمم المتحدة، ثم تبنى المجلس من العام نفسه، والذي تضمن: اتخاذ تدابير عدة لمواجهة الارهاب الدولي، والزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بسن قوانين وطنية عميقة الأثر بمكافحة الارهاب والتنفيذ التام للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالإرهاب، وتبادل المعلومات بشأن الأعمال الإرهابية وتحركات الارهابيين، والتعاون لمنع وقمع الأعمال الإرهابية،

ووظفت الولايات المتحدة الأمريكية المعركة ضد “الإرهاب” : كوسيلة لتشكيل بنية  علاقات بين دول العالم والزعامة الأمريكية تحت تأثير “الانطباع الخاطئ” لتأثير العدو الجديد الإرهاب)، ففي حالة الحرب على الإرهاب تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية من تجنيد أصدقائها تحت انطباع خاطئ عن القوة التدميرية للإرهاب(العدو)، ومدى تهديده للأمن والسلم العالميين، ومن ذلك المنطلق فقد أكد الرئيس الأمريكي (بوش) عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر من العام ۲۰۰۱ : ( إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف لا تميز بين الإرهابيين الذين اقترفوا هذه الأعمال، والذين يؤوونهم)، بمعنى: إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تستعد لضرب الدول التي تدعم أو تمول أو تأوي الإرهاب، أمثال أفغانستان والعراق وإيران وباكستان والسودان وسوريا  ولجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ميثاق حلف الناتو التي تنص على أن أي هجوم على أي عضو في الحلف الناتو هو هجوم على الكل، ولتضمن من ثم موافقة دول حلف الناتو) بالوقوف إلى جانب القرار الأمريكي في انتقاء  الأهداف بحجة محاربة منابع الإرهاب، كذلك طوعت الولايات المتحدة الأمريكية إرادة دول العالم لتحقيق مشروعية دولية للقرار الأمريكي في تصنيف الدول با “المارقة والفاشلة والإرهابية” مستخدمة آليات ومفهوم نظرية (أزمة السيطرة للمفكر الاشتراكي الإيطالي (أنطونيو غرامشي)، والتي تتلخص: باستخدام الطرق والوسائل الإيديولوجية والثقافية، وممارسة السلطة الاقتصادية ووسائل القهر لإخضاع الآخرين برضاهم) مطورة مفهوم “الإكراه – المشروع” في كسب الرأي العام، وحشد الآخرين وتحالفهم من أجل إخضاع الطرف المراد إخضاعه، وهكذا حولت الولايات المتحدة الأمريكية هدف ضرب أفغانستان والعراق الى هدف دولي، حيث تمكنت عن طريق الحرب على العراق تحقيق هدف السيطرة على منابع النفط، والسيطرة على الأرض في قلب الشرق الأوسط،

ثانيا – التدخل الانساني

لقد اختلفت الآراء حول مبدأ التدخل الإنساني والذي يعتبر في أساسه من المفاهيم الحديثة وتعد مبررات هذا المبدأ، تطور المفاهيم حيث تنظر كل هذه إلى معاناة الشعوب وضرورة تخلصها من الاضطهاد والسيطرة الداخلية منها أو الخارجية، من حيث حرمانها من استغلال ثرواتها وكذلك اضطهاد شعوبها وطمس حرياتهم داخل بلدانهم، كما ساعد على ظهور هذا المبدأ كثرة الحروب الأهلية، وكذلك سيطرة الحكومات واستغلال شعوبها. وإذا كان المجتمع الدولي قد ناضل من أجل منع التجاوزات وكذلك الحفاظ على حق الدول في المحافظة على استقلالها وأمنها الداخلي والخارج، والإبقاء على مبدأ عدم التدخل احتراما لسيادة الدول، غير أن مبدأ تقرير المصير وحقوق الإنسان أضافا الكثير لتعزيز مبدأ التدخل الإنساني حيث يعد مفهوما جديدا في القانون الدولي العام ولكنه قديم في عمقه من خلال كونه قانونا يحمي البشرية والإنسانية جميع أنواع التعدي والاضطهاد سواء كانت داخلية أو خارجية فمبدأ حق التدخل الإنساني هو مبدأ يتعارض أساسا مع مبدأ السيادة الذي تتمسك به الدول كمبدأ أصيل يحافظ على تعزيز سلطتها الداخلية والخارجية، حيث أصبح هذا المبدأ الذي تطور عبر الأصول والأزمنة في شكل قاعدة اتفاقية دولية ترفض التدخل في شؤون الدول وتحرم اللجوء إلى القوة في تسيير علاقاتها الدولية.

على الرغم من أن هذا المفهوم الخاص بالتدخل الدولي لأغراض إنسانية أو ما اصطلح علي تسميته بمبدأ التدخل الإنساني غير أنه لا يعتبر من المفاهيم المستحدثة علي العلاقات الدولية المعاصرة حيث شاع استخدامه خلال القرن التاسع عشر مع قيام البلدان الأوروبية بالتدخل في بعض الأقاليم التابعة الإمبراطورية العثمانية بكل من اليونان، ولبنان, والبلقان تحت زعم حماية الأقليات الدينية المسيحية بها من الاضطهاد. ومع أن هذا المفهوم قد تواري إلى الظل بدرجة كبيرة خلال فترة الحرب الباردة بسبب ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة من علو لمبادئ السيادة وعدم التدخل على غيرها من مبادئ ومفاهيم أخرى ومنها حقوق الإنسان، إلا أنه عاد يطرح نفسه بقوة على الأجندة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة مع  التطبيقات العديدة التي شهدها المجتمع الدولي له بدءا من العراق في عام 1991، مرورا بالصومال في عام 1992، ثم رواندا وهايتي في عام 1994, وانتهاء بكوسوفو وتيمور الشرقية في عام 1999. وإذا كان هذا المفهوم ولا يزال يثير جدلا كبيرا حول مشروعيته, فإن هذه الدراسة سوف تركز بدرجة أساسية على محاولة تأصيله من خلال عرض الاتجاهات المختلفة لتعريفه والإشكاليات ذات الصلة به، فضلا عن التمييز بينه وبين غيره من المفاهيم المرتبطة به, وذلك من خلال النقاط الثلاث التالية .

وقد أدت هذه الصعوبات ذات الصلة بتعريف مفهوم التدخل الإنساني إلى أن تتعدد ليس فقط بشأنه التعريفات, و إنما أيضا اتجاهات مشروعيته. ومن أمثلة هذه التعريفات:

– تعريف معهد دانش للشئون الدولية لمفهوم التدخل الإنساني بأنه العمل القسري بواسطة الدول

متضمنا استخدام القوة المسلحة في دولة أخري بدون موافقة حكومتها سواء كان ذلك بتقويض أو بدون تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك بغرض منع أو وضع حد للانتهاكات الجسيمة والشاملة لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي الإنساني.

– تعريف سان ميرفي للتدخل الإنساني بأنه “التهديد باستخدام أو الاستخدام الفعلي للقوة بواسطة

دولة أو مجموعة من الدول أو منظمة دولية بصفة أساسية. بغرض حماية مواطني الدولة المستهدفة

Target State من الحرمان الواسع لحقوق الإنسان المعرفة دوليا”.

– تعريف آدم روبرتس للمفهوم بأنه التدخل العسكري في دولة ما دون موافقة سلطاتها، وذلك بغرض منع وقوع معاناة أو ضحايا على نطاق واسع بين السكان.

ثالثا – اسلحة الدمار الشامل

أصبحت أسلحة الدمار الشامل محل اهتمام دول العالم، بالنظر لما تمتاز به هذه الأسلحة من ميزات وخصائص تدميرية تبيد جميع مظاهر الحياة في المنطقة المستهدفة، مع الأخذ في الاعتبار حالات عدم الاستقرار الأمني والسياسي على مستوى دول العالم. وقد أطلق مصطلح “أسلحة الدمار الشامل” على هذه الأسلحة لقدرتها على إحداث خسائر كبيرة تلحق الكائنات الحية والبيئة ، و لا يوجد تعريف محدد ومتفق عليه المصطلح أسلحة الدمار الشامل، غير أن أثر هذا النوع من الأسلحة يشكل العامل الأساسي في تحديد خصائصها الأساسية، حيث يعتبر التدمير الواسع النطاق الذي يشمل البشر والبيئة وجميع الكائنات على وجه الأرض هو أهم سمات هذا السلاح . و ظهرت مشكلة التعريف منذ أوائل مناقشات نزع السلاح في الأمم المتحدة فيما بعد الحرب العالمية الثانية و تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع قرار ، تضمن تعريف أسلحة التدمير الجماعي على أنها ” أسلحة التفجير النووي وأسلحة المواد المشعة والأسلحة القاتلة الكيماوية والبيولوجية ، وأية أسلحة تطور مستقبلا تكون لها خصائص مماثلة في التأثير التدميري لخصائص القنبلة الذرية ” و قد اتخذت هذا القرار لجنة عمل تابعة للجنة الأسلحة التقليدية في الأمم المتحدة ثم أقرته هذه اللجنة ، إلا أن الاتحاد .السوفياتي صوت ضد مشروع القرار واصفا إياه بأنه تعریف تقييدي جدا ، وأشار الى القنابل و الصواريخ التقليدية المستخدمة في الحرب العالمية الثانية على أنها أسلحة ذات تأثيرات تدميرية جماعية و عرفتها لجنة الأمم المتحدة المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن و المعنية بالأسلحة التقليدية بقولها أن أسلحة الدمار الشامل هي” كل سلاح تفجيري ذري يكون توظيفه واستخدامه انطلاقا من بث مواد إشعاعية .كما أنه يعتبر حائزا لنفس الحكم كل سلاح كيميائي وبيولوجي قادر على جلب الموت، وكل سلاح يتم اكتشافه مستقبلا وصنعه ويحوز نفس المواصفات التدميرية المماثلة لتلك التي تنجم عن استعمال السلاح الذري وبقية الأسلحة المشار إليها أعلاه “. وجاء في تعريف آخر لمفهوم أسلحة الدمار الشامل أنها “ تتكون من الأسلحة النووية بأنواعها الذرية والهيدروجينية والنيترونية والأسلحة الكيميائية والغازات الحربية بأنواعها من غازات سامة قاتلة أو غازات تشل القدرة أو الغازات المزعجة، إضافة إلى الأسلحة البيولوجية والبيكتريولوجية بأنواعها سواء البكتيريا أو الفطريات أو سموم الميكروبات وغيرها، ويتضمن المفهوم مختلف وسائل حمل وإطلاق جميع أنواع أسلحة الدمار الشاملة. ومن خلال استعراض تعريفات أسلحة الدمار الشامل يتضح أنها تلتقي عند نقطة أساسية مشتركة وهي أن أسلحة الدمار الشامل تتكون من ثلاثة أنواع رئيسية هي الأسلحة النووية والأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية .وفي سبيل مواجهة مخاطر أسلحة الدمار الشامل ، اعتمدت المجموعة الدولية عدة اتفاقيات فهناك الاتفاقيات العالمية و الاقليمية و الثنائية ، ويعد هذا ترجمة للاهتمام الكبير الذي خصصته كل التنظيمات الدولية للتخفيف والوقاية والقضاء على مخاطر أسلحة الدمار الشامل وآثارها السيئة المحدقة بالحياة والمحيط .

المصادر

1.نبيلة احمد بومعزة – المواجهة الدولية لمخاطر اسلحة الدمار الشامل – اطروحة دكتوراة  – الجزائر – جامعة الاخوة – ص 8 , 9

  1. عبد الوهاب احمد بدر – اسلحة الدمار الشامل من منظور القانون الدولي البيئي – بحث مقدم الى مؤتمر علمي – مصر – جامعة طنطا – ص 4,5
  2. خالد السيد –الارهاب الدولي والجهود المبذولة لمكافحته – مصر – دار النهضة العربية ص 2-3
  3. تقرير منظمة الامن والتعاون والتعاون في اوربا – الوقايا من الارهاب  والتطرف العنيف – ص 22
  4. العربي وهيبة – مبدء التدخل الانساني في اطار المسؤولية الدولية – اطروحة دكتوراه – الجزائر- جامعة وهران –ص 12 -14-16

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى