إن الأحداث التي شهدتها فلسطين خلال سنة 2018 تعد مأساة حقيقية لشعب يعاني الأمرين من إحتلال إسرائيلي و ظلم دولي. إذ شهدت هذه السنة إعلان القدس عاصمة إسرائيل الأبدية و تحويل السفارة الأمريكية إلي ما يسمي بالمنظور الإسرائيلي الأمريكي “أورشاليم”. إنتهت القضية الفلسطينية التي ناضلت الشعوب العربية من أجلها و تبخر الحلم العربي من أجل إعلان دولة فلسطين المستقلة و مات قرار إعلان الجزائر سنة 1988 بإستقلال دولة فلسطين و عاصمتها القدس.
كل هذه الأحداث المأسوية زادها القرار الإسرائيلي سخطا بفرض حصار خانق علي قطاع غزة و قتل العديد من المتظاهرين المطالبين بحق العودة. إن الحرب التي أعلنتها القيادة العسكرية الإسرائيلية ضد حركة حماس و الجهاد الإسلامي و جميع الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة تعد حرب حقيقية لإبادة شعب بالكامل و قتله بالدم البارد إما بالقوة العسكرية أو بالحصار الإقتصادي. إذ تم بالفعل تفقير الشعب الغزاوي و تعطيله بالكامل عن العمل و قتل أطفاله و قطع عليه أحيانا الكهرباء و الماء و فرض عليه حصار جائر حيث تحول ذلك القطاع إلي معتقل يشابه كثيرا معتقل غونتنامو.
بالإضافة إلي ذلك بدء مؤخرا التحضر لصفقة القرن لإيجاد وطن بديل للشعب الفلسطيني المهجر و هذه الدويلة سيتم اختزالها في معتقل قطاع غزة فقط. عموما تأزم الوضع الإقتصادي بدولة فلسطين و تراجعت جميع المؤشرات الإقتصادية و زادها تدهورا بدخول الرئيس محمود عباس المستشفي و صدور تقارير صحية تفيد عن إصابته بإلتهاب صدري مزمن خاصة بعد خروجه من المستشفي الذي مكث فيه قرابة أسبوعيين و عجزه أحيانا عن أداء مهمته الرئاسية.
إن الإقتصاد الفلسطيني هو بطبعه هشا و يعاني من شلل كامل حيث لا يمتلك هذا الإقتصاد قطاع مصرفي و مالي قوي لمواجهة الأزمات و ليس لديه بنك مركزي أو عملة خاصة فهو يعيش تحت رحمة الإحتلال الإسرائيلي. إذ تعتبر فلسطين ولاية تحت الحماية الإسرائيلية و رئيسها محمود عباس هو مندوب مؤقتا لتصريف الأعمال الإدارية. إذ يمثل الشيكل العملة الرسمية المتداولة في الإقتصاد الفلسطيني و يتم التحكم في هذا الإقتصاد البطئ من طرف الإدارة المركزية المالية بدولة إسرائيل.
أما بخصوص قطاع غزة فالأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية أكثرا تدهورا حيث يمثل هذا القطاع أكبر قاعدة للاجئين الفلسطينيين حيث يضم قرابة 70% منهم. أيضا يختزل الإقتصاد الغزاوي في تسيير شؤونه العامة من قبل وكالة تشغيل و غوث اللاجئين الأونروا التابعة للأمم المتحدة. إذ تقوم هذه الوكالة بتشغيل أغلب اللاجئين و ذلك بتقديم الخدمات الصحية و التربوية لهم من خلال بناء العديد من المستشفيات و المدارس و المعاهد و الكليات و تقوم بتوفير لهم الخدمات الأساسية. إن هذا القطاع يعاني من خلل إقتصادي كبير جدا و هو يرتكز بالأساس علي الفلاحة مثل زراعة الخضروات و خاصة علي الصيد البحري حيث تعتبر الثروة السمكية الشريان الحيوي لهذا الإقتصاد. أما القطاع الحكومي من إدارات عمومية و غيرها من المرافق العمومية فهي تعاني من عجز مالي تام حيث أنه في أغلب الأحيان يتم صرف أجور أغلب الموظفين بالقطاع من المساعدات المالية المتأتية من الإتحاد الأوروبي. أما بخصوص وكالة الأونروا فهي تمثل الخزينة المالية لقطاع غزة حيث بلغ مجمل مساعداتها للغزاوين قرابة 19.5 مليون يوروا أما مؤخرا فقد تم تخصيص 5 مليون يوروا وذلك قصد تشغيل قرابة 5 آلاف غزاوي عاطل عن العمل. إذ هذا البرنامج يندرج ضمن مخطط خلق فرص عمل جديدة للشباب العاطل بهذا القطاع الذي يقدر بنسبة 45%. إذ تقتصر معظم مصادر الرزق لهؤلاء الشباب بالأساس من العوائد المالية المتأتية من صيد و بيع الأسماك. إن الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية التي يعاني منها الغزاوين تعد كارثية خاصة بعد فرض الحكومة الإسرائيلية حصار خانق علي هذا القطاع المعزول جغرافيا عن محيطه المركزي لحكومة الضفة الغربية و خاصة منذ تولي حركة حماس لإدارة شؤونه الإقتصادية و السياسية و زاده مؤخرا تدهور الأوضاع الأمنية و العسكرية خلال الثلاثي الأول من سنة 2018 و دخوله بقيادته الإسلامية في صراع مباشر مع القوات العسكرية الإسرائيلية. كما تعد هذه الحرب علي قطاع غزة بمثابة محرقة و إبادة جماعية لشعب فقير و أعزل لا يملك المال و لا العمل. بالتالي تمثل المساعدات التي تقدمها وكالة الأونروا و أيضا المساعدات المتأتية من الإتحاد الأوروبي بمثابة المنقذ الرسمي لشعب أعزل و إقتصاد غزاوي يحتضر.
فؤاد الصباغ, باحث اقتصادي دولي