المكتبة الاقتصاديةدراسات اقتصادية

كتاب اقتصاديات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك

الاطلاع على الكتاب 

يواجه العمل الاقتصادي العربي المشترك العديد من الصعوبات والعراقيل إلا أنه بالرغم من ذلك فقد تمكن العرب من إنجاز عدد من الخطوات الهامة على طريق التكامل الاقتصادي العربي، وذلك بعد أن تم تخصيص القمة العربية التي استضافها الأردن في عام 1980 للجوانب الاقتصادية حيث عرفت بـ ( القمة الاقتصادية العربية )، والتي أقرت عدداً من الوثائق الهامة وفي مقدمتها إستراتيجية العمل العربي المشترك للفترة من 1980 إلى 2000. وبانتهاء أجل هذه الإستراتيجية أصبح من الضروري النظر في وضع إستراتيجية جديدة تحدد معالم الحركة خلال العقدين المقبلين في مجال التكامل الاقتصادي العربي وانعكاساتها على مجمل العمل الاقتصادي العربي المشترك، وعلى مهام مؤسساته. تقوم إستراتيجية التكامل الاقتصادي العربي الجديدة للعشرين سنة القادمة 2000 – 2020 على مجموعة من المحاور الرئيسية أهمها:

  • استكمال منطقة التجارة الحرة العربية.
  • إقامة اتحاد جمركي عربي.
  • إقامة منطقة استثمارية عربية تتضمن برامج التنسيق والتعريف والترويج للاستثمار.
  • تحرير وضمان الاستثمار وتسوية منازعاته.
  • تطوير الأسواق المالية العربية والربط بينها وتحقيق الترابط مع مراحل التكامل النقدي.
  • إقامة منطقة تكنولوجية عربية تتضمن برامج شبكة البحث العلمي والتكنولوجيا العربية وتحويل الوطن العربي إلى منطقة إلكترونية، ونشر التجارة الإلكترونية.
  • تطوير البنية الأساسية العربية.
  • قيام السوق الموحدة لمنتجات وخدمات المعلومات والاتصالات
  • النهوض بأبحاث وتطبيقات الهندسة الحيوية وتطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة.
  • إقامة منطقة مواطنة عربية تتضمن برامج التقريب بين مستويات العيش في المواقع المختلفة، تحقيق التماسك الاجتماعي،
  • الربط بين الجامعات العربية والمعاهد العليا، وتبادل زيارات الشباب والطلبة.
  • ومعالجة قضايا المرأة وتمكينها.
  • اعتماد برامج تدريب مشتركة.
  • اعتماد برنامج مشترك لسياسة سكانية عربية موحدة.
  • وضع برامج للتصنيع المشترك.
  • إقامة صناعة إلكترونية عربية.
  • تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

( وتنطلق هذه الإستراتيجية من السعي نحو تحقيق مجموعة الأهداف التي حددتها اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين الدول العربية التي تمت الموافقة عليها عام 1957ودخلت حيز التنفيذ عام 1964 وذلك لبلوغ الوحدة الاقتصادية العربية المقبلة بدعم جهود الدول العربية الرامية إلى إزالة لفوارق القائمة بينها وتعزيز قدراتها نحو تحقيق تنمية عربية جديرة بالاعتبار ).  والحقيقة أن بواعث وأسباب وضع هذه الإستراتيجية والعمل على تنفيذها ( لا تعود فقط إلى ضرورة التحدث باللغة التي يتحدثها العالم اليوم والأهمية المحورية للجانب الاقتصادي في العلاقات الدولية المعاصرة وانتشار وتعميق التكتلات الاقتصادية، بل يرجع أيضا إلى المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة بين الدول العربية وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها من المنظور الاستراتيجي مجموعة مترابطة من العوامل تتلخص في أن تطوير ودفع العلاقات الاقتصادية العربية العربية نحو التكامل والتعاون يجعل منها أداة للتنمية والتقدم والقوة الذاتية والأمن القومي وسداً منيعاً في وجه المخاطر الدولية والإقليمية المحدقة بالوطن العربي وأساساً للحوار مع التكتلات الاقتصادية المتنامية والنظام التجاري العالمي الجديد ). [1]

لا بد من تجاوز حدود الكيانات الوطنية الصغيرة والأسواق المحلية المحدودة إلى كيان اقتصادي إقليمي عربي أكبر وأسواق أوسع بما يسمح بالتوسع والنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة لمواجهة والإفادة الحقيقية من مزايا اقتصاديات الحجم الكبير وتدفق الاستثمارات.

إستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك:

يتطلب تفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك قبل كل شيء تحديد إستراتيجية اقتصادية عربية موحدة، والشيء الذي يميز الإستراتيجية هو ما تحدده من أهداف بعيدة المدى لمجتمع معين، وما تتضمنه لتحديد مسار حركة هذا المجتمع لتحقيق هذه الأهداف. حيث  تم تحديد منطلقات وأهداف وأولويات وبرامج وآليات العمل الاقتصادي المشترك بين الدول العربية، ونصت على أن فعالية العمل الاقتصادي العربي المشترك رهن بتخليص الموارد المادية العربية من كل سيطرة أجنبية وتحرير الاقتصاد العربي من التبعية ورفع قدرته على التفاعل بوصفها شريكاً متساوياً مع مراكز القوى في الاقتصاد العالمي.[2]

وتم تحديد الأهداف بالسعي من أجل تحقيق الأمن القومي بما فيه الأمن الفكري، العسكري، الغذائي والأمن التكنولوجي مع تعزيز القدرة العسكرية العربية الذاتية لمواجهة التحدي الصهيوني الذي تتعرض له أمتنا العربية. كما أكدت الإستراتيجية على ضرورة تنمية وتطوير القوى البشرية والقوى العاملة في الوطن العربي وضمان حريتها في الحركة وفقاً لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية والحفاظ على هذه القوى داخل أراضي الوطن العربي والتوسع في الاعتماد على العمالة العربية بهدف تقليص الاعتماد على العمالة الأجنبية.

انطلاقاً من هدف تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية في مختلف أرجاء الوطن العربي و السعي من أجل الوصول إلى أفضل صيغ التعاون الاقتصادي العربي، لا بد من وضع إستراتيجية للعمل الاقتصادي العربي المشترك التي تستند إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاعتماد على النفس والتخلص من التبعية الاقتصادية للدول الصناعية الكبرى.

والاقتصاديون العرب مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتفكير في مخطط للعمل الاقتصادي العربي المشترك يؤدي إلى تفعيله ومن الممكن أن تتضمن هذا السيناريو العمليات التالية :

  • ترشيد العملية التخطيطية القطرية بما يتضمن توسيع أفقها القومي ومد بصرها للمدى الأبعد، أي أنه في كل هذا الواقع العربي الذي يشهد تغليب المصالح القطرية الضيقة على المصالح القومية، فليس أقل من العمل على حث كل قطر على أنه وهو يفكر في مصالحه القطرية ألا يضيف عقبة أو صعوبة جديدة تعرقل العمل الاقتصادي العربي المشترك، بل أنه لو نظر إلى مصالحه القطرية في الأمد الطويل، وهو الأفضل، لعمد إلى إزاحة عقبة أو صعوبة من العقبات أو الصعوبات القائمة حالياً ليعجل في عملية التكامل الاقتصادي العربي وطبيعي أن هذا الترشيد لن يتم إلا من خلال زيادة وتكثيف الاتصال والتنسيق بين الأنشطة والأجهزة التخطيطية في الدول العربية.
  • اختيار وانتقاء مجموعة الأنشطة الاستثمارية التي قد تتجاوز مزاياها وعوائدها حدود التنمية القطرية لتمتد إلى دعم ودفع التنمية القومية ( الدول الأخرى )، مثل: الموارد المائية، مصادر الطاقة الطبيعية، الهياكل الأساسية…الخ، ذلك أنه قد يكون من الأفضل في مثل هذه الاستثمارات أن تتم بجهد قومي لا قطري، حيث أنها تتسم في حالات كثيرة بعدم القدرة على التجزئة أو بخضوعها بشكل واضح لاقتصاديات الحجم.
  • الالتفات الجماعي حول بعض القضايا و المشاكل التنموية ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالقدرات التنموية القطرية وكذلك القدرة التنموية القومية،…. الخ، مثل تلك القضايا والمشاكل قد يكون من الصعب على أي قطر أن يواجهها بمفرده سواء لارتفاع نفقاتها المالية أو لتجاوزها قدراته البشرية المتاحة والممكنة، وإذا لم يكن هذا أو ذاك و افترضنا قيام كل قطر بالإنفاق على مثل تلك القضايا، أليس من الممكن الترشيد و تجنب ازدواجية الإنفاق؟.
  • لماذا ينصرف الذهن عادة عند الحديث عن التكامل العربي إلى دور الحكومات و الأنظمة ولا ينصرف أيضاً إلى دور الشعوب والأفراد ؟ إن إنجاز التكامل ليس مسؤولية الحكومات والأنظمة فقط، بل إن هناك دوراً هاماً يجب أن تؤديه الشعوب في الدول العربية و الهيئات غير الرسمية والنقابات والاتحادات والجمعيات.

وحين انعقد مؤتمر المستثمرين العرب في الإسكندرية بتاريخ  29/5/1995 واشترك فيه أكثر من ألف مستثمر عربي، أجمع الحضور على ضرورة مواجهة التحديات بقيام الكتل الاقتصادية بإنعاش وتفعيل التكامل الاقتصادي العربي، ويعتقد المؤتمرون أن البدء بمنظمة تجارة حرة ربما تكون الخطوة الصحيحة على طريق تفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك ومع ذلك طل التهافت عند بعض الحكومات العربية على مشروع السوق الشرق أوسطي قائماً.

مما تقدم يتضح أن التصور العملي الذي نراه مناسباً للتكامل العربي لا بد وأن يبدأ جزئياً حتى نصل الشمولية، ذلك أن الصورة الشاملة للتكامل عند البداية سوف تكون بالتأكيد فوق كل طاقة فنية وإدارية وتنظيمية للأقطار العربية، علاوة على كونها تصطدم مباشرة بتحديات الواقع العربي المعاصر، أما الصورة الجزئية فإنه يمكن أن تكون بالقدر والشكل الذي يتناسب مع هذا الواقع وتلك القدرات وبالتالي فإن منهجية التدرج هي أقرب إلى التطبيق والنجاح، إذ يمكن في هذه الحالة أن يكون التكامل في نشاط أو أكثر و قطاع أو أكثر وبين دولتين أو أكثر، أما أن يكون شاملاً لكل الأنشطة و القطاعات في الاقتصاديات القطرية لكامل الوطن العربي، فهذا هو الطموح الذي لا يسمح بتحقيقه الواقع و لا الإمكانات و يعتبر المشروع المشترك رغم أنه لا زال يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحديد، فإنه يظل أهم أداة لتحقيق التكامل العربي، و إن كان هذا لا يمنع أن يقوم المشروع الخاص الفردي أو الخاص المشترك بدور هام في هذا الصدد إذا ما توفرت له الرؤية بعيدة المدى.

بما أن الأوضاع الاقتصادية العالمية الحالية تتميز بسمة التكتلات الاقتصادية الأمر الذي يؤكد أن السير في طريق التكتل الاقتصادي العربي هو الوسيلة الأولى والأساسية لمواجهة التحديات المستقبلية الاقتصادية وبخاصة القيود الاقتصادية الخارجية ( التبعية ) و في الوقت نفسه هو الحل الأمثل لتحقيق التنمية الشاملة في الوطن العربي ومن هذا المنطلق تصبح قضية العمل الاقتصادي  الاقتصاد العربي المشترك والتكامل الاقتصادي العربي على رأس الأولويات بالنسبة لكافة الدول العربية، وعليه فإن العودة إلى إستراتيجية العمل الاقتصادي القومي، ووضع خطة عربية طويلة الأجل للتنمية الشاملة تتضمن تصور واضحاً لمجالات العمل  العربي المشترك وميثاق العمل الاقتصادي بنوعيه القطري والمشترك، ويجب الاستفادة من الجهود التي تبذلها مؤسسات البحث العلمي، ومن الضروري الاهتمام بتطوير واستيعاب وتكييف التكنولوجيا للتخلص من التبعية وتدعيم استقلال الأمة العربية وضمان أمنها. [3]

ويمكننا أن نذكر ببعض عوامل تحقيق الاعتماد الجماعي على الذات في الوطن العربي: [4]

  1. توفر الحد الأدنى من قوى الدفع الذاتي، أي أن تكون التنمية العربية ذاتية المركز. وهذا يقاس بدرجة قوة علاقات التشابك وعلاقات الترابط الأمامية والخلفية في بنية الإنتاج الوطني على مستوى الدولة أو على مستوى الوطن العربي.
  2. القدرة على مقاومة الصدمات الخارجية، من خلال:
  3. التحكم في توقيت فتح وتحرير حساب رأس المال في ميزان المدفوعات،
  4. حصر حجم الدين الخارجي وأعباء خدمته السنوية، وضبط عمليات الاقتراض قصير الأجل وبخاصة بالعملات الأجنبية،
  5. الإقلال من الاعتماد المفرط على الاستيراد السلعي والخدمي،
  6. تنوع سلة الصادرات من حيث الهيكل السلعي أو التنوع الجغرافي، وكذلك بين السلع التقليدية والسلع عالية التقنية.
  7. تطوير رأس المال البشري، عن طريق تحسين المهارات وتطوير التدريب والتأهيل لقوة العمل الوطنية.
  8. تطوير القدرات الذاتية التكنولوجية.
  9. تعديل نمط توزيع الدخل.
  10. خلق منطقة تكاملية اقتصادية عربية.
  11. القضاء على الفساد وآلياته.

ولتحقيق الرؤية الشاملة الموضوعية فإنه من المنطقي تصور أن يتم وضع الإطار العام المقترح للعمل العربي المشترك بأهدافه المحددة من خلال تجمع علمي وفني وسياسي تسهم في تنظيمه وأعماله المنظمات القائمة للعمل العربي المشترك.

إن الواقعية تستدعي أن يكون الاندماج والتكامل الاقتصادي العربي منطلقاً للتنمية، فالسياسات الواقعية هي التي تؤمن هذا المنهج والذي سارت عليه الدول الأوربية بدأً بالاقتصاد، تكتلاً وتكاملاً وتوحيداً، ومن ثم شق الطريق المكملة التي تتطلبها الضرورات الاقتصادية وصولاً للتكامل السياسي والضمان الاجتماعي والأمن القومي العربي، وهناك مؤشرات كثيرة تنبئ بأن العمل الاقتصادي العربي المشترك مازال يحتفظ بالكثير من حيويته ومرونته وقدرته على تحقيق الكثير للبلاد العربية والمواطن العربي، إن كان ذلك من خلال المؤسسات العربية القائمة أو من خلال التعاون الثنائي والمواطَني بين مختلف الدول العربية وخاصةً المجاورة لبعضها بعضاً.


[1] – إستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وثائق اقتصادية رقم 1 جامعة الدول العربية، تونس 1982.

[2] – إستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وثائق اقتصادية رقم 1 جامعة الدول العربية، تونس 1982 ص 5.

[3] – انظر، التكامل الاقتصادي العربي، أوراق ومناقشات الندوة التي نظمتها رابطة المعاهد والمراكز العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومجلس الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، الخرطوم 13-15 شباط 1989، رابطة المعاهد والمراكز العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تونس.

[4] – د. محمود عبد الفضيل، مصر ورياح العولمة، كتاب الهلال العدد 585 أيلول 1999، ص ص 257 – 263.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى