دراسات تاريخية

عن الإبادة الجماعية الفرنسية في الذاكرة الاستعمارية الجزائرية في القرن 19 (النفي والإبعاد نموذجًا)

محمد عبدالرحمن عريف

      هي دراسة مقدمة لمشاركة الملتقى الدولي الـ 15 حول المقاومات العسكرية الجزائرية خلال القرن التاسع عشر (المنطلقات والتحديات والمآلات)، جامعة 20 أوت 1955 سـكيكـدة، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، قسم العلوم الإنسانية، يومي 30 و31 أكتوبر 2023م، حضوري وعن طريق تقنية التحاضر عن بعد قاعة المحاضرات الكبرى ـ جامعة سكيكدة. بمشاركة مخبر البحوث والدراسات الاجتماعية وفرقة بحث PRFU: “التوسع الاستعماري في الجزائر في القرن التاسع عشر وردود الفعل الجزائرية”.

      نحاول هنا معالجة نفي وإبعاد الجزائريين أثناء الفترة الإستعمارية خلال القرن 19م، واحدة من أسوأ جرائم الإستعمار الفرنسي ضدّ الإنسانية في الجزائر، فما إن سيطر الفرنسيون على مدينة الجزائر عام 1830م حتى تنكروا للوعود التي جاءت في معاهدة الإستسلام، وشرعوا في التخلص من كل ما من شأنه أن يقف في وجه مخططاتهم وسياساتهم القمعية، فانتهجوا في ذلك عدّة أساليب وعقوبات، كانت أقساها عقوبة النفي والإبعاد خاصة خلال القرن التاسع عشر، والتي هدفت من خلالها لإنجاح مشروع الإستيطان الشامل، وإخماد روح المقاومات، بحيث لم يسلم لا العلماء ولا القضاة من هذه الإجراءات والعقوبات، واستهدف النفي والإبعاد أيضا زعماء المقاومات الشعبية كالأمير عبد القادر، وثوار 1871م، هاته العقوبة كان لها تداعيات وأبعاد سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، إذ نتج عنها تفكيك المنظومة الإجتماعية، مع مصادرة أراضي المنفيين، وضرب المقاومات.

     تنبع أهمية الدراسة من أهمية الموضوع الذي تطرقت إليه، فهي تعالج قضية جريمة (الإبادة الجماعية) الفرنسية في الجزائر الذي باتت تدخل ضمن الذاكرة الاستعمارية الجزائرية، والتي تسعى الأطراف الاستعمارية الرسمية إلى إخفائها والتنصل من تبعتها، فجرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر منذ بداية الاحتلال إلى غاية الاستقلال، أي مدة قرن وثلث، هي جرائم ضد الإنسانية، فعمليات الإبادة الجماعية ضد القبائل وعشائر بأكملها، دون تمييز بين الكبير والصغير، ولا بين النساء والعجزة، بالإضافة إلى ابتكار أساليب فظيعة في تعذيب الجزائريين، فكل هذه الأساليب وغيرها هي أعمال إجرامية ضد الإنسانية. نتناول في هذا البحث كما جاء في العنوان جريمة الإبادة الجماعية الفرنسية في الجزائر.. نماذج مختارة حيث نركز من خلال التحليل على ما تعرض له الشعب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية من أعمال وحشية وانتهاك وقمع شديدين وعنف ليس له حدود، ومحاولة إلقاء الضوء على بعض عينات ومشاهد من فصول الإبادة الجماعية الاستعمارية في حق العنصر الجزائري، وكذا الوقوق عند إشكالية الاعترافات السياسية حول المجازر البشعة ومسلسل الإبادة اعتمادًا على تصريحات سياسيين فرنسيين.

السياسات الفرنسية في الجزائر

      بالنظر إلى وسائل السيطرة الاستعمارية وقيمة ما حققته السياسات الكثيرة والمتنوعة على أرض الجزائر، يمكننا تحديد طبيعة الوجود الفرنسي في الجزائر وتفسيرها بدرجة تكيف المؤسسات الاستعمارية وكذا الهجرات الأوروبية المتنامية مع واقع وثقافة الجزائريين، من جهة، ومتطلبات الاستعمار من جهة ثانية؛ وبعبارة أخرى، يبحث أصحاب القرار في السياسة الفرنسية عن إمكانية إيجاد حالة تعايش “مقبولة” بين العناصر الأوروبية والأهالي في إطار “هويتهم الجديدة”. بيد أن مقاومة الجزائريين للاستعمار، في بداية الأمر، ثم لشتى أشكال الميز والتعسف، التي جعلت منهم موضوعا لمختلف أنواع الاستثناءات، في مراحل لاحقة.

-مرحلة التنظيم: بين 1830 و1900

     كما نلاحظ، فقد شكّل الإنسان الجزائري مقامًا مشتركًا للفترات الثلاث، وظل عائقًا صلبًا حال مرارًا دون نجاح الكثير من السياسات، إلى جانب عناصر أوروبية وعوامل سياسية واقتصادية وجغرافية. ولكي تحقق السلطات الاستعمارية حالة التعايش والانسجام تلك، عمدت تمشيًا مع كل وضع جديد، إلى:

-تسخير كافة الإمكانيات العسكرية والرادعة للقضاء على كافة أشكال المقاومة؛ وقد بلغ مثلًا عدد الجنود الفرنسيين في الجزائر، عند إبرام معاهدة التافنة عام 1837، ثلث إجمالي أفراد الجيش الفرنسي.

-إنشاء جهاز إداري ضخم وقوي (يُفَرْنِسُ) بقايا المؤسسات المحلية تدريجيا إلى أن يأتي عليها ويعمل على إحكام سيطرته على كافة أمور البلاد والعباد.

-خلخلة بنية المجتمع الاجتماعية والثقافية (التاريخية) بواسطة ضرب الأساس المادي الذي تقوم عليه، أي الملكية الجماعية (القبائلية) لوسائل الإنتاج.

أهم أهداف الإدارة الاستعمارية

-إضفاء الصبغة القانونية على الاستعمار الفرنسي للجزائر مما يسمح بظهور مفاهيم جديدة متنوعة من نوع: “تبليغ الرسالة الحضارية للجزائريين” و”إعطاء الظاهرة الاستعمارية” بصفة عامة، والاستعمار الفرنسي بصفة خاصة، نوعًا من الشرعية “المحلية والدولية”.

-قبول الهجرات الأوروبية في الجزائر، والدعاية لقدوم المزيد منها ومنحها شتى الامتيازات، بل واعتبارها قانونيا هجرات فرنسية.

-خلق تنمية رأسمالية أو مكملة لرأسمالية الوطن الأم (الميتروبول la mère patrie) عن طريق خلق مشاريع ومؤسسات إنتاجية وأسواق وتكوين وتجنيد أيدي عاملة محلية … الخ.

الإدارة الاستعمارية في الجزائر:

    استدعت ظروف الاحتلال الأولى: كالأزمات السياسية في فرنسا وتذبذب الآراء بشأن الجزائر وتطور المقاومة الشعبية واتخاذها أشكالا تنظيمية، كما هو الشأن في مقاومة الأمير عبد القادر وأحمد باي وبومعزة، وتاريخية بنية المجتمع الجزائري وغيرها، احتفاظ الإدارة الفرنسية ببعض عناصر التنظيمات والمؤسسات المحلية. وقد ظل الشعور بالانتصار على الجزائريين وبالتفوق الحضاري عليهم، يملي على السياسيين الفرنسيين شتى توجهات سياستهم في الجزائر، خلال مرحلتي التنظيم والإشراك سالفتي الذكر، مما خلّف ثنائية سياسية وإدارية بصفة خاصة، تتحدد أساسا بالأحوال الشخصية، بين فئتي سكان الجزائر (المعمرين والأهالي). وقد جاء مثلًا قانون 47–1853 المؤرخ في 20 سبتمبر 1947، المعروف باسم قانون الجزائر العضوي، واضحا في شكله كحوصلة لرغبة الفرنسيين المثالية في دمج المجتمعين، (الجزائري والفرنسي)، في مجتمع واحد، ولمحافظة غالبية الجزائريين على أحوالهم الشخصية، وأخيرا لتوجيهات الإدارة نحو اللامركزية، مما أعطى الجزائر-المستعمرة طابعًا خاصًا تبرره الدوائر الاستعمارية عادة بانتماء الجزائر التاريخي والجغرافي لعالم المتوسط، وتجعل منه النصوص القانونية هوية إدارية وسطية، بين الولاية والدولة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى