صدر اليوم عن منشورات W. W. Norton & Compan الامريكية ، كتاب مهم من تأليف دانييلا روس Daniela Rus الخبيرة في مجال الروبوتات والكمبيوتر والكاتب العلمي جريجوري مون Gregory Mone ، تحت عنوان :
القلب والرقائق: مستقبلنا المشرق مع الروبوتات
the Heart and the Chip: Our Bright Future with Robots
يتناول الكتاب مناقشة الثورة التي أحدثها انتشار الروبوت في حياتنا العامة،بتحليل سؤال : كيف يمكننا استخدام الجيل الجديد من الآلات الذكية لمساعدة البشرية؟ وماهي التحديات التي يطرحها إنتشار الروبوت في حياتنا؟
يبين الكتاب الثورة التي يحدثها انتشار الروبوتات في الفترة القادمة،حيث يعمل عدد قياسي من الروبوتات يبلغ 3.1 مليون روبوت في المصانع في الوقت الحالي، ويقومون بكل شيء بدءًا من تجميع أجهزة الكمبيوتر، وحتى تعبئة البضائع ومراقبة جودة الهواء والأداء. هناك عدد أكبر بكثير من الآلات الذكية التي تؤثر على حياتنا بطرق أخرى لا حصر لها – مثل تحسين دقة الجراحين، وتنظيف منازلنا، وتوسيع نطاق وصولنا إلى عوالم بعيدة – ونحن على أعتاب فرص أكثر إثارة.
كما يقدم الكتاب نظرة عامة، على المجالات المترابطة للروبوتات والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ويعيدان صياغة الطريقة التي نفكر بها في الآلات الذكية، و متوجسين من العواقب الأخلاقية لجهودها،و دورها في المجتمع.ويؤكد المؤلفان ان هذه الروبوتات لن تسرق وظائفنا: بل ستجعلنا أكثر قدرة وإنتاجية ودقة،ويتوقعان اننا نتجه الى عالمًا تعمل فيه هذه التقنيات، على زيادة مهاراتنا ومواهبنا وتعزيزها، كأفراد وكجنس بشري على حد سواء – عالم يتيح لنا فيه انتشار الروبوتات أن نكون أكثر إنسانية.
يؤكد الكتاب أن الثورة في مجال الروبوتات جارية بالفعل، وستسبب تغييرات هائلة في مجتمعنا وحياتنا. وإذا تم توجيه هذه الثورة بشكل صحيح وذكي، فإن الآلات الذكية لديها القدرة على تحسين نوعية حياة الإنسان بشكل عميق.
كما يحلل الكتاب منافع و مخاطر ثورة انتشار الروبوت،ويبين انه يمكننا الاستفادة من هذه الثورة ،إذا أردنا توجيه شغفنا وذكائنا ومواردنا الجماعية بشكل فعال ،إلى تعزيز القدرات البشرية والتجربة الإنسانية من خلال التكنولوجيا،دون إغفال المخاطر الممكنة لانتشار الروبوت في كل المجالات، والتذكير بأنه لا ينبغي لأي فرد أو مجموعة أن تتحمل وحدها ،مسؤولية جلب مثل هذه التكنولوجيات القوية إلى العالم. نحن بحاجة للتأكد من أن الروبوتات تفيد أكبر عدد ممكن من الناس،ويصبحوا نوعًا ما النسخة الفائقة لأنفسهم، مثل كان الهاتف المحمول الذي كان ، لعبة باهظة الثمن لقلة من الأثرياء،لكن الآن يستخدم مليارات البشر الهواتف الذكية يوميًا، مما يحسن حياتهم من خلال الوصول الفوري إلى المعلومات والأشخاص. ويمكن للروبوتات أن تتبع نفس المسار.
كما تناول الكتاب كيف تعمل الروبوتات ،وما الذي يمكنها فعله وما لن تتمكن من فعله اليوم وغدًا ولسنوات في المستقبل، لان روبوت ستبقى مجرد آلات ذكية تتخذ أشكالًا عديدة، وهي مصنوعة من العديد من المواد المختلفة. لقد أنشأنا روبوتات ناعمة، وروبوتات مجهرية، ومتغيرات الشكل ،ويقوم الباحثون بتصميم روبوتات من الخلايا البيولوجية،بل يمكن تحويل أي شيء تقريبًا في البيئات المبنية والطبيعية إلى روبوت، لكن الروبوتات لن تتحول إلى كيانات سحرية ومستقلة وقوية. كما أنها ليست قوى شريرة يجب الخوف منها، كما يوحي الخيال العلمي في كثير من الأحيان، مما يعني أن الآلات الذكية سوف تثور حتماً ضد صانعها البشري.
الروبوتات هي مجرد أدوات، فهي ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها. فكر في هذا الجيل الجديد من الآلات الاستثنائية كمطارق متقدمة جدًا؛ إن ما نختار القيام به بهذه الأدوات ،هو الذي يحدد تأثيرها وقيمتها. ويمكننا أن نختار القيام بأشياء لا تصدق. يمكننا العمل جنبًا إلى جنب مع الروبوتات ،لتصميم أدوية أفضل، وجعل وسائل النقل أكثر أمانًا وكفاءة، وتكليفها بمهام خطيرة جدًا أو صعبة على البشر وحدهم، وترجمة المحادثات على الفور إلى لغات أخرى، بل وحتى منح أنفسنا قوى خارقة.
إن ما أنجزه هذا المجال ككل في العقد الماضي كان مذهلاً، ولكن ما نستعد للقيام به في العشرين عامًا القادمة هو أكثر إثارة ، لقد بدأنا للتو. إن الإنجازات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي ليست سوى البداية. ومع ذلك، لا تزال الروبوتات بدائية مقارنة بالبشر. إن العمل على هذه التقنيات لم يؤدي إلا إلى تضخيم القدرة العقلية والجسدية التي تتمثل في الإنسان.
في الواقع، لقد منحنا البحث في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، فهمًا أعمق للقوى المعرفية والخيالية والإبداعية المذهل،ة التي يتمتع بها جنسنا البشري ، ناهيك عن قوتنا الجسدية. نحن نفعل ذلك، وأشياء كثيرة أفضل من الروبوتات. ومع ذلك، فإن الآلات الذكية تتفوق علينا في بعض المجالات. بفضل رقائقها القوية، تستطيع الآلات معالجة كميات هائلة، من البيانات ومعالجتها بسرعات، لا يستطيع البشر الاقتراب منها. يمكن بناء الروبوتات لتنفيذ مهام محددة ،بشكل متكرر وبدقة مذهلة. لكن حتى أكثر أنواع الذكاء الآلي تقدمًا تفتقر إلى الحكمة والمعرفة والفهم. إنهم لا يتعاملون جيدًا مع عدم اليقين أو التغييرات غير المتوقعة. يمكنهم تقليد الفن، لكنهم ليسوا مبدعين مثل الفنانين. قد تكون الآلة قادرة على إنتاج شيء يشبه بيكاسو إلى حد ما، ولكن لن يكون هناك بيكاسوبوت، ولن يكون هناك روبوت يوجه الأفكار الحالية، بشكل عام في المجتمع، لتوليد أسلوب جديد ورائد في التعبير مثل التكعيبية.
يمكن الآن لبرنامج كتابة مدعوم بالذكاء الاصطناعي، أن ينتج نصًا يبدو معقولًا أو حتى لا يمكن تمييزه عن الكتابة التي كتبها الإنسان، لكنه لن ينتج عملاً عظيمًا أو دائمًا، يقدم نظرة واعدة لغموض الحالة البشرية. لن يكون هناك شكسبير أو تولستوي. تتمتع الروبوتات بقدرات مذهلة، لكنها قاصرة في العديد من المجالات، كما أنها تفتقر إلى الدافع الفطري الجوهري للرعاية. باختصار، إنهم يفتقرون إلى القلب.
في كثير من الأحيان نقوم بخلق التوتر بين الناس والروبوتات، أو القلب والرقاقة، في حين يتعين علينا أن نفكر أكثر في كيفية جعلهم يعملون معًا لتحسين قوة كل منهما. يوجه البشر تصميم هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها. إن ما يحدث مع الروبوتات والذكاء الاصطناعي أمر متروك لنا.
وعندما نركز على الجمع بين نقاط القوة لدى الروبوتات ،ونقاط القوة لدى البشر، و المزاوجة بين القلب والرقاقة، يمكن أن تكون النتائج مذهلة، الامر مرتبط حسب الكتاب بما يجب علينا ،وما لا ينبغي أن نفعله بالروبوتات، وما يجب علينا فعله، كمجتمع أصبح أكثر ذكاءً وترابطا.
بقلم Mohamed Khodja