كتاب تحولات الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط : حالة المغرب نموذجا

تقديم:

تتناول هذه الدراسة أحد المجلات البحثية التي عرفت في العقود الاخيرة توسعا في العلوم الاجتماعية، ألا وهو موضوع الهجرة، وتهدف هذه الدراسة  بالدرجة الأولى إلى رصد ومواكبة مختلف التحولات البنيوية التي عرفتها وتعرفها الهجرة عموما على مستوى ضفتي البحر الأبيض المتوسط. فعلى مستوى الضفة الشمالية، انتقلت الهجرة من قضية اقتصادية واجتماعية عندما كانت أوربا بحاجة إلى سواعد لإعادة بناء ما دمرته الحرب وتجاوز مخلفاتها، إلى قضية أمنية تحتم على دول الاتحاد الاوربي تبني استراتيجيات ومبادرات أمنية شاملة وموسعة من أجل احتوائها ومحاصرتها، الأمر الذي أسهم في تنامي تدفقاتها غير الشرعية وارتفاع مآسيها الإنسانية. وعلى مستوى الضفة الجنوبية، فقد تحولت  العديد من دول جنوب البحر الابيض المتوسط ،بغض النظر عن مستوى تنميتها، من دول مصدرة للهجرة إلى دول استقبال وعبور كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي أصبح بدوره أرضا للجوء والاستقرار الدائم للمهاجرين، رغم ان الوعي الجماعي لم يستوعب بعد هذا المعطى.

إن هذه التحولات لا يمكن فصلها عن التطورات الدولية والإقليمية المتميزة بالتعقيد والتركيب، خصوصا بعد نهاية الحرب الباردة وتغير ملامح النظام الدولي، فتغير مضمون العديد من المفاهيم السائدة في العلاقات الدولية بفعل التغير في طبيعة وبنية التهديدات، جعلت المقاربة الجديدة لقضايا الأمن الأوروبي ترتكز على ضرورة تحديد طبيعة التهديدات والأخطار عبر الوطنية القادمة من الضفة الجنوبية والتي أضحت تشكل تحديا لأمن المجتمعات السياسية الحديثة.

وقد انعكست هذه التحولات البنيوية لتي عرفتها الهجرة خلال العقود الاخيرة على الرأسمال الرمزي والرصيد الثقافي والحضاري لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط،. فالمتوسط الذي كان الفضاء التاريخي لعلاقات التبادل و المنافسات و النزاعات بين الحضارات المتجاورة، بدأ يفقد هذا الرأسمال الرمزي، وبدا ، مع أمننة الهجرة في الاستراتيجيات الأوروبية، أن توصيف “فرنان بروديل”(Fernand Braudel) له كمجال ديناميكي حلت محله توصيفات أخرى، حيث اعتبره البعض بأنه مصدر تهديد، أو بحر غير مستقر، أو “مقبرة البشر”.

نظريا، من أجل التمكن من تحليل فرضيات الدراسة، تم الاشتغال على الموضوع بوحي من النظريات الأمنية  من أجل الفهم الجيد لسياسات الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط،، والتي تسعى بلدان الضفة الشمالية إلى التحكم في موجاتها القادمة من ضفته الجنوبية، ذلك أن مفهوم الأمن في الظروف الدولية المعاصرة لم يعد محصورا في البعد الداخلي بمفهوم حماية أمن الأفراد والمجتمع أو الخارجي بمفهوم حماية الحدود، بل أصبح يتسع ليشمل المحيط الجيوسياسي للمجموعات الإقليمية والدولية، وهو ما يلاحظ في قضية أمننة الهجرة في أوروبا.

منهجيا، ونظرا لطبيعة الموضوع الذي يزاوج-كما قلنا- بين عدة زوايا تاريخية اقتصادية، استراتيجية- سياسية وقانونية، فإن دراسة هذا البحث تفرض توظيف نوع من التكامل المنهجي الذي يقوم على استعمال أكثر من منهج واحد لمحاولة الاقتراب من الإشكالية محل الدراسة.

نسخة “pdf”-
تحولات الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط حالة المغرب نموذجا

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button