كتاب صفحات من تاريخ الجزائر (الوسيط، الحديث، المعاصر): دراسات تاريخية

المقدمة

للمؤرخ دور بارز، لاسيما في عصر الأزمات، في تحديد عوامل القوة وعناصر الضعف الأية أمة، لتتجاوز أزماتها وبناء حاضرها والتطلع لمستقبلها وفقا لقاعدة راسخة تستند على عناصر القوة في الماضي، والمؤرخ العربي اليوم يتحمل واجبة قوميا وعلمية وأكاديمية في أن يشارك أبناء مجتمعه في تقديم تجربته للنخب بمختلف توجهاتها واختصاصاتها، ومن هناء فان مسؤولية المؤرخ كبيرة لايمكن أن تحتمل أي تقاعس عن أداء هذا الدور الفاعل والمؤثر في حياة مجتمعه.

ومن منطلق أهمية الدور المحوري للمؤرخ، كما أشرنا من قبل، فإن الواجب الوطني يستدعي منا تعريف الأجيال، حاضرها وقادمها، بالتاريخ الوطني الذي يتزاحم بالأحداث والمآثر والبطولات، وعلى الرغم من الأهمية التي يحتلها تاريخ الجزائر (الوسيط / الحدیث والمعاصر)، وصدور عدد كبير من المؤلفات والبحوث والدراسات، وانجاز المؤسسات الأكاديمية في الجزائر والوطن العربي والعالم لعدد لا يستهان به من البحوث الأكاديمية الجادة في هذا الاتجاه، فإن هذا الحقل المعرفي ما زال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام وتسليط الضوء على جوانب عديدة ما زالت تتطلب دراسات وبحوث جديدة تدرس هذا التاريخ ضمن رؤى وآراء متعددة، وربما متباينة في بعض الأحيان، فالأختلاف في الرأي، حتى وإن وصل إلى نقطة التقاطع لا يقلل من أهمية الدراسات الجادة، طالما كان التاريخ في أحد تعاریفه عبارة عن “وجهات نظر”.

ومن منطلق الأهمية التي يحتلها تاريخ الجزائر شارك مجموعة من الباحثين الأكاديميين الجزائريين والعراقيين في مناقشة قضايا هامة منه توزعت في ثلاث محاور الوسيط الحديث والمعاصر)، إذ اختار كل واحد منهم جزئية من هذا التاريخ الثري والأصيل لدراستها وتوضيح الغموض في مكنونها لإخراج الدروس والعبر ، وعلى الرغم من أن كل واحد من هؤلاء الباحثين قد ركز على دراسة جانب محدد من تاريخ الجزائر، إلا أنهم كانوا يعملون على نحو منسق، كفريق واحد، لأن كل واحد منهم يحاول أن يلقي ضوء على هذا التاريخ المميز من الزاوية التي يختص بها، فكان التركيز على الجزئيات وإخضاعها للدراسة المركزة، للوصول إلى الوقائع الدقيقة بكل موضوعية وحيادية.

ولابد من تذکیر القارئ الكريم قبل شروعه في قراءة مقالات هذا الكتاب أن الموضوعات التي يتناولها تغطي جوانب سياسية، اقتصادية واجتماعية، إلا أنها بمجملها تقدم آراء وأفكار جديدة تشكل إضافة معرفية وتاريخية. وبالإضافة إلى ما ذكرت هناك أهمية أخرى تميز بها الكتاب هو ذلك التزاوج بين أجيال متعددة، فمنهم مؤرخین تمرسوا في الميدان وامتلكوا تجربة كبيرة وآخرين شباب حديثي التخصص، وقد أنجزوا أطروحاتهم الأكاديمية مؤخرة، وحتى إن بعضهم مازال يعكف على انجازها. وقد أعطى هذا التزاوج فضلا عن إبراز حالة التطور المتسارع في حقل الدراسات التاريخية وتغير اهتماماته واتجاهاته عندنا، نكهة أخرى للكتاب تمثلت في اختلاف الرؤى والتصورات، وتباعدها أحيانة. كما إنني انوه إلى سمة أخرى لهذه البحوث هو طابعها التحليلي والنقدي للإحداث، مبتعدة عن السرد التاريخي المجرد، قدر الإمكان.

وعلاوة على ذلك، ختم الباحثون دراساتهم باستنتاجات نهائية شاملة لبحوثهم، يمكنها أن تفسح المجال أمام دراسات أخرى مستقبلية تحاول استكمال تلك الموضوعات، فكلما تمكن الباحث من استكشاف مصادر جديدة يمكنه أن يأتي بالجديد. ومن هنا، لم نحاول أن تفرض على المشاركين في هذا الكتاب أي أفكار مسبقة، لأننا على قناعة تمامه من أن فسح المجال لهم للكتابة بحرية تامة هو الغاية التي نسعى إليها، فالتنوع في الآراء يمكن أن يجعل القارئ أكثر فهما للأحداث، ودون التقيد بالتفسيرات المسبقة، التي تشوه الحقائق التاريخية أحيانا، ومن هنا، يكون للقارئ الحرية التامة في التوصل إلى النتائج والتحليلات النهائية.

الاطلاع على الكتاب الجزء الأول + الجزء الثاني (المصدر archive.org)

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14612

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *