دراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

كشف مزالق لجنة إصلاح المنظومة التربوية

بقلم د. محمد مراح

تذكير/

اللائكية المتطرفة لها من الشيطان مشابه كثيرة من أهمها الإصرار وعدم اليأس لبلوغ غاياتها من الإضلال. لقد عثرت في أوراقي على مقالين كتبتهما فاضحا مقترحات لجنة بن زاغوا لإصلاح المنظومة التربوية في عام 2000 قبل الكشف عنه علنا . وأثار جهودا عظيمة من المخلصين الوطنيين : كتابا وصحفيين ، وسياسيين، فضلا عن الأسرة التربوية الكادحة المناضلة، فقُبر المشروع الخبيث، ودخل جحر الظُربان النتن. ونجّى الله تعالى البلاد والعباد من ضمان تخريج آلاف الدفعات مضمونة المصير في جهنم وبئس المصير !

لكن التطرف اللائكي الذي لا ييأس مثل أستاذه، لازال يتعهد مقترحات تلك اللجنة الماسخة بالتبشير بها، وإحيائها، في وطاب من ركبوا الحراك، ودعاة مراحل حكم انتقالية. وقد حاولوا من قبل عام 2015 في مرحلة (الغبرطة) البائسة، فهم لا يفترون عن هذا الحلم اللعين، يسوقون له عبر بعض زماريهم أدعياء الثقافة، كما نراه في مقالات الأمين الزاوي [ أنظر : محمد مراح : امين الزاوي في محفل انديبندنت عربية ، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية، 24/12/2020] وبهلوانيات سعيد جاب الخير، وغيرهما .

وبما أن زنّ الزنابير، وطنّ الذباب لازال يُلحّ، في آذان الأجيال الشابة التي لم تعش ويلات المأساة الوطنية، و محاولة استثمارهما في طرح المشروع المسخ الماسخ، لتغتنم ظروف سياسية واقتصادية حرجة يمرّ بها الوطن، مع تغييرات عالمية كبرى، للعودة مجددا لمحاولة التمكين للمسخ التربوي، رغبت من الإخوة الأفاضل القائمين على الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية التكرم بنشر هذه الوثيقة، تذكيرا وتنبيها .

دفُع فتنة “لجنة مسخ المنظومة التربوية”       

ما كان  أقاويل صارت حقائق، وما أُحكمت دونه أبواب ردهات وقاعات الاجتماعات واللقاءات، انكشف قبل الكشف عنه كله*؛ ذلك هو أمر وقاحات ” لجنة مسخ المنظومة التربوية” ؛ فقد توالت لقاءاتها دهرا لتنطق أخيرا كفرا، وتهاترت بخطل القول أشهرا لتُخرج للناس سفاهة ومروقا ,فلم يصُدّها عن شيء من ذلك أنها تستعمل في امتهانها الشعب وتاريخه وقيمه أموالا من خزينته ووسائل تقتطع أثمانها من قوته الذي صار الكثير من أبنائه يفتش عنه في مزابل الشرذمة التي اغتنت وتزعمت في ظل مطحنة المهلكة التي اصطنعها له “بنو لائيك وبنو شيوع” ، في سنوات الجحيم الذي لا يريدون لقعره قرارا ، ولاتساعه مدى لا يحيطه البصر!

وإن يكن الزمان أناخ لهم ظهر الأحداث فركبوها ، ثم سابقوا دوراته بمكرهم مكر الليل والنهار وجاسوا خلال الديار و عتو عُتوا كُبّارا ، فاستشاطت نفوسهم غيظا ، وانتفخت منهم الأوداج، وسابق من أعينهم الشرر كل ريح، وتنادوا مصبحين و مُمسين أن أُغدُوا على بقايا هوية هذا الشعب إن كنتم قادرين جادين لا هازلين ، فلا تذروا منها قائما إلا ما يصلح رمادا يُذر في العيون ، فيصرف أصحابها عما يراد بذواتهم! فليعلموا أن دورات هذا الزمان لن تنتهي إلا والناس من الأجداث ينلسون وإلى ربهم تعنوا وجوههم ، فخسئ يومئذ المبطلون الضالون, وفي هذه الدوارات ما يصلح ركوبا لكل مخلص مصلح يجتهد في رد شوارد العقول والنفوس إلى الرشد والصواب، فلا تخطئ سبيلا قويما بعدئذ إن شاء الله تعالى ولي المجتهدين الصالحين.

لقد فكر هؤلاء الفئام من أعضاء ” لجنة مسخ المنظومة التربوية” ، فقدروا فقُتلوا كيف قدروا ، ثم نظروا في القيم التربوية الثى ظلت ترضع منها المنظومة التربوية منذ استردت البلاد عافية استقلالها ، وإلى اللغة العربية التسي نطقت بها برامجها ، فبسروا ثم عبسوا وقالوا : إن هي إلا ” ماضاويات ” ، ومنبع كل ويلات العنف والإرهاب والتقهقر إلى كهوف العروبة والإسلام المعتمات !!

والآن ذرونا والممسوخين الماسخين نناجزهم على المحك ما أوحت لهم به شياطين بلاد الجن والشياطين لاستئناف الحالة التي نشأت سنة 1830 ، واتهت عام 1962,

  • المسألة الأولى : ـ ورد في ” الوثيقة النكدة” أن حصة الأسد الذي ساقته الأقدار إلى ليشهد هذه الوليمة الهزيلة قد حازها موضوع اللغة الأجنبية الأولى في ” الممسوخة التربوية” التي يريدون، ومتى يتم إدخالها فيها، فاختارت الأغلبية الممسوخة ” لغة أمهم ” لاعتبارين هما : كونها إحدى اللغات العالمية، ولما تتمتع به من مكانة ممتازة في البلاد نظرا للظروف التاريخية ، ولكونها حاضرة في تعبير التلاميذ.

أما أبعد الأسباب عن الاعتبار فهو السبب السياسي والأيديولوجي اللذان لا يتجاسران على دس أنفيهما في مثل هذه القضايا !!

إذا كان المثل السائر يقول : ” إذا لم تستح فافعل ما شئت” فعند ضربه لهؤلاء القوم يرتد إلينا سائلا تغييره ليصير في حقهم ” افعل ما شئت وقل ما شئت لأنك لا تفكر أن تستحي ” ؛ إذ من تكون هذه ” الأغلبية” التي ” اختارت ” أليست هذه شنشنة أخزم التي لا تخفى على أحد، وما ” أخزمنا” إلا ” بنو لائيك وبنو شيوع”، الأقلية التي لا تعرف الانتصار إلا بحبل من السلطان أو أسباب من قوة المال والسيطرة على مصادر القرار، فهي هنا وهناك أغلبية يصُك صراخاها المنكر الآذان ، فإذا امتحنت بين جنبات الصندوق لا تكاد تظفر إلا ” بصُويتات” بخسات هزيلات من بني ملة أصحابهم المناكيد 

وما البلاد التي تحتل فيها ” لغتهم العالمية ” المكانة الموصوفة ” بالامتياز” إلا جزر التغريب واللائكية ، وما دار في فلكها من نفعيين منتفخة بطونهم من أكل السحت ، وخيرات البلاد ، وأقوات العباد ؛ أو من فرضت عليهم ظروف تاريخية قاهرة استعمال ” اللغة العالمية” ذات المكانة الممتازة” !

أما أغلب البلاد ومعظم الشعب فهم ” أهالي” كم مهمل حسبهم من العيش أن يتنفسوا الهواء مما لا تتسع  رُئياتُ ” النخبة/ النهبة” لاستنشاقه، ثم يقتسمون الفقر والجوع والبطالة والموت البطيء مما سُدت طرق ” السادة” دونها، وما على هؤلاء ” الأهالي” مواطنو الدرجة الثانية بأجزائها وتفرعاتها إلى ما قد لا ينتهي من جزيئات ، إلا أن يطلقوا ألسنتهم ، التي لم تجد ما تلوك من طعام ـ مديحا موصولا لا ينقطع ، وحمدا مجيدا لا ينقضي لما تفضل به عليهم ” الممسوخون الماسخون ” من تفكير في تعليمهم ” باللغة العالمية” ذات الماكنة الممتازة !!

أما ” الانكليزية لغة التكنولوجيا ” أجل ” لغة التكنولوجي فحسب : إذ العلم والأدب والظُرف والأحاسيس المرهفة فحسبها ذكرا “اللغة العالمية ذات المكانة الممتازة ” لتُذكر لذكرها ، فهذه ” الانكليزية” تبرع عليها هذا الصنف من الناس تدريسا بدءا من السنة السابعة أساسي.

لو فكر هؤلاء في المصلحة الحقيقية للبلاد على نحو استراتيجي بعيد المدى ، وكانوا فعلا فيم نأى عن أي انحياز أيديولوجي أو اعتبار سياسي ، لاختاروا للأجيال الجديدة والآتية اللغة الانكليزية لغة ثانية للتعليم حتى يتعاملوا مع العلم والمعرفة المعاصرة في لغتهما الأولى مباشرة دون وساطة لغة أخرى، ولو انطبع جهدهم بأدنى واقعية أما كان الأحرى بهم أخذ بعض النبوءات والدراسات التي ذهبت إلى أن  “اللغة العالمية ذات المكانة الممتازة” ستكون بعد عقود ـ ربما ـ من بين اللغات المندثرة الغابرة، فمثل هذه التخوفات كان ينبغي أن تحظى بقدر من الاهتمام، اللهم إلا إذا اختار القوم للأجيال المقبلة الاندثار مع اللغة المعرضة للاندثار فينالهم شرف “قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب” !!!.

ولو طافت المصلحة العامة لحظة بساحة هؤلاء ونفوسهم  ـ ولا أقول عقولهم ـ لنظروا في واقع حال تدريس ” لغتهم العالمية ذات المكانة الممتازة” في عقر دارها؛ ففي الموضع نشرت مجلة ” لوبوان ” في عددها رقم 903 : 8/1/1990م تعرضت :” لعمليات تشويه القراءة ؛ حيث بينت المجلة أن إثنين من ثلاثة تلاميذ يقرؤون بمستوى ضعيف في السنة السادسة، وأن 20% من التلاميذ يعانون فشلا كليا منذ السنة الثالثة الابتدائية. وقد بينت المجلة أن هذه المعطيات نتيجة للتقويم العام على المستوى الوطني الذي قامت به وزارة التربية الفرنسية . وقد استخلص من هذا التقويم ضرورة مراجعة بيداغوجية القراءة في المرحلة الابتدائية .

وبعد أن بين المقال إيجابيات وسلبيات مختلف الطرق البيداغوجية المستعملة في تعليم القراءة بالمدارس الفرنسية … يورد المقال أن مختلف الدراسات توضح أن أغلب التلاميذ الفاشلين هم أبناء العائلات الفقيرة ، فليست لديهم كتب في البيت، ولا مكان لتحضير الواجبات المدرسية، ولا يتلقون مساعدة من أوليائهم، وسيطرة كلية للتلفزة ” [ د. مصطفى عشوي ، المدرسة الجزائرية إلى أين ؟ ص 118].

هذه حال القوم هناك مع وفرة إمكاناتهم التي يحلم بها عبيدهم هنا ، فكيف ـ إذن ـ سيكون مآل أجيال يقضي فيها حكم جائر أصدره ممسوخون مفتونون؟ !! أم أن هذا التنظير متوجه على الخصوص إلى فئة النخبة فحسب ؟ .

وبدلا من استكمال البنيان ، فيتبع ما قما منه الأسس والأركان راحت لجنة المسخ التربوي تقترح نقضه من أساسه وإعادة إقامته بما يرضى نوازع التبعية فيهم؛ فلغتهم العالمية جل مقامها لا ينبغي أن تبقى مجرد مادة تستوي معها باقي المواد بل هي ” وعاء شريف نقي” لتدريس المواد العلمية حتى يتأتى للطالب الجامعي متابعة دراساته الجامعية في مستوى يليق بالمقام!!

وها هان مجال فسيح للحديث العلمي الذي يجلي الحقائق ، ويبطل الأباطيل ؛ عن طرح وثيقة ” المسخ التربوي” في هذا الجانب يرمي ـ على أحسن الوجوه ـ إلى إيجاد ما يعرف ” بالتداخل اللغوي” أو ” الازدواجية اللغوية” في المنظومة التربوية ، دون التفات إلى أن هذا الوضع ومدى كونه ” حل لمشكلة” أم هو ” خلق لمشكلة” ؟ الجواب هو أن ” التعلم بلغة أجنبية إلى جانب اللغة الأم على نحو تتنافى وتتصارع فيه اللغتان وتتجاذبان فرص النشاط اللغوي ـ كما هو الحال في مراحل التعليم الثانوي في المغرب العربي ، وفي عدد كبير من المعاهد والكليات العلمية والعربية ـ من شانه أن يحدث هذا التداخل ، ويؤدي بالتالي إلى حصول اضطراب في فهم أو تمثل الخصائص اللغوية للغتين المتنافستين ، او يؤدي إلى ما يسمى  بالنقل السلبي للعناصر اللغوية منهما، وكمن ثم حصول التشويه أو التحريف في كثير من التراكيب والأساليب اللغوية المكتسبة من كلتا اللغتين، لا سيما إذا كان هناك تباين بين اللغتين واختلاف في الأنماط الصوتية وقواعد تركيبها ، وفي الصيغ وأساليب استخدامها “

[ د. أحمد محمد المعتوق، الحصيلة اللغوية، ص163].

لكن أنى لهؤلاء أن يدركوا لغة حقائق الدراسات التربوية واللغوية، وقد اعمت التبعية الاستذلالية أبصارهم وبصائرهم، ولكن ما علينا إن لم يفهم البقر! فلنواصل عرض مزيد من الحقائق العلمية ونتائج الدراسات التربوية ؛ ” فمن جانب آخر فإن وجود لغة أجنبية مزاحمة للغة الأم أو منافسة لها قد يخلق نوعا من التذبذب أو الحيرة ، ويمنع من التركيز في الاهتمام باللغة الأصلية ،و من التمكن منها . إن جهد الطالب ازدواجي اللغة ووقته يصبحان موزعين بين لغتين، وهذا يقلل من فرص تعلم لغته الأولى ومن فرص تلقى واستيعاب عناصرها اللفظية و المعنوية ، أو من فرص استخدام هذه العناصر، مما يؤدي إلى قلة ما يكتسب من هذه العناصر، أو إلى ركود طوائف منها ، وصعوبة استحضارها في الذهن وقت الحاجة، ومن ثم عدم وجود أي فاعلية لها في مجالات التعبير المختلفة، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى صعف مستوى هذه المجالات بنحو عام” [ المرجع السابق، ص 163].

قد ترتفع عقائر المبهورين فيصيحون : كفى كفى، هذا انغلاق وجمود، فنقول : مهلا، فنحن نعرف أن قاموسكم اللغوي مترع بهذه القوالب الجامدة تصفون بها وترهبون كل من خالف نزوعكم الغريزي الغريب للاستبداد وأحادية الرأي. و هاكم مزيدا من الحقائق التي تضع المسائل في نصابها ؛ ” فمن الجدير هنا أن نفرق بين تأثير تعلم اللغة الأجنبية كمقرر من المقررات الدراسية على اللغة الأصلية وبين تأثير اللغة الأجنبية كلغة تدريس منافسته للغة الأصلية . فقد لا تكون هناك آثار سلبية على اللغة الأم من جراء تعلم اللغة الأجنبية كمادة من المواد المقررة، كما تؤيد ذلك نتائج بعض الدراسات التي اجريت على التلاميذ في عدد من  المراحل الدراسية . كما أنه قد لا يكون هناك أي خطر يذكر على اللغة الأم في حالة تدريس عدد قليل من المواد العلمية في مراحل التعليم الإعدادي أو الجامعي باللغة الأجنبية، لأن الوضع في هذا الحال يختلف عما ذكر فيما سبق، إذ إن التداخل والتنافس والصراع المتكافئ عير حاصل” [ المرجع نفسه، ص 164].

وهنا قد يتشبثون ببعض القول دون القول كله ، وفاء لمقتضى منهج الإيمان ببعض الكتاب وكفرهم ببعضه، فيصيحون : ها قد أنصفت الحقائق مذهبنا، فنرد عليهم : مهلا يا دعاة الضلالة مهلا، أنظروا إلى بقية الطرح” … إنه ليس من الصالح أن تدخل اللغة الأجنبية في التدريس كلغة مشاركة للغة الأم إلا بعد أن يتحقق للناشئة نوع من الكفاءة في اللغة الأخيرة، أي أن يتجاوز كل منهم فترات الضعف في هذه اللغة ويصبح متمكنا من فهم وإدراك أساسياتها ومستوعبا لنظامها ولديه ذخيرة من مفرداتها تمكنه من ممارسة التعبير بها أنى شاء ، على ألا تكون مشاركة اللغة الأجنبية مما يستدعى هجران اللغة الأصلية أو انتزاع حقها في الاهتمام ونصيبها من الاستخدام لفترات طويلة .

لقد دلت بعض الدراسات على أن إتقان الفرد للغته الأولى يسهل عليه تعلم اللغة الثانية، لأنه يكتسب خبرة في تعلم اللغة بشكل عام. ولقد تبين أن الأطفال الذين يتعلمون اللغة الثانية قبل إتقان اللغة الأولى يعانون من اللغة الأولى واللغة الثانية على السواء، ويضعفون في اللغتين معا . ولهذا فإن تعليم اللغة الثانية بعد إتقان اللغة الأولى قرار في صالح اللغتين في آن واحد.

وبناء على ذلك فأن ما سبق اقتراحه بشأن اللغة الأولى يؤدى إلى أن يكون المجال مهيأ لإتقان اللغة الأجنبية ولممارسة التعلم بها بنجاح، دون ان يكون هناك خطر على اللغة الم نفسها او خوف من ضعفها او تقلص محصول الطالب من مفرداتها ما دامت قيد الممارسة”[ المرجع نفسه، ص164].

وإذا سلمنا بأهمية تدريس بعض المواد باللغة الأجنبية فيشترط الباحثون أن يكون ذلك على نحو تدريجي يتناسب مع تدرج السلم التعليمي، بحيث لا يضيق أمام الناشئ مجال استعمالها والعمل على تقوية مهاراته فيها وترسيخ العناصر المكتسبة منها في ذهنه وإنعاشها في ذاكراته وإبقائها صافية نقية سليمة مواتية عند الحاجة إليها ” [ ص165].

وبعد هذا الطرح المتأني ما بقي “لبن زاغو” وفريقه إلا الإعلان عن احد أمرين : إما الإذعان للحق بعد أن تبين، وإما قولها صراحة إنهم يضعون الأسس لتصبح ” اللغة العالمية ذات المكانة الممتازة” هي اللغة الأولى والأم. وانا لا أشك في هذا الأخير فهو قصدهم وهدفهم البعيد، لكن فليطمئنوا فدون ذلك خرق القتاد .

المسألة الثانية : ـ  تتعلق بالأمازيغية التي دأب دعاتها على إثارتها إثارة قضايا ” الوجود أو العدم” ، فنفخ الشيطان في أوداجهم فهم لا يكفّون عن الصراخ بها حتى صارت عقيدة تستحق الشهادة في سبيلها ! إن كثيرا من الصارخين بما يسمى المسألة الأمازيغية قد حولوها إلى نزعة عنصرية تفوح منها رائحة الانقسام  وتفتيت الوحدة الوطنية .

إني لشديد العجب ؛ فأنا ـ كأغلب الجزائريين ـ من أصول ترتد إلى أصل أمازيغي؛ لكن لم أشعر يوما ” بأزمة هوية” أو ” أزمة انتماء” ، وأغلب من أعرف من أبناء جيلي لم نعان شيئا من ذلك. فمن خول هؤلاء الحديث باسمنا، فاختلقوا لهويتي رقما وعنصرا لا أرى وجوده أو عدمه ينال منها شيئا ؟  !فالثقافة التي ترعرعت في ظلالها حدد فيها الشعار الباديسي هويتي : ” الإسلام ديني، والعربية لغتي، والجزائر وطني”.

ومع ذلك فاذا رأى دعاة ” الأمازيغية” إضافة هذا البعد إلى هويتهم، فليس لهم فرضه على من لا ينكره لكن لا يعنيه إن هو نعت به أو لم ينعت، وما أكثر هؤلاء في الجزائريين . ومما يترتب على كلامنا هذا أن المنظومة التربوية بوصفها نظاما استراتيجيا موحدا ملزما للأسرة التربوية قاطبة، ليست ملزمة بإقرار امتياز تشوبه أغراض مشبوهة ينطق بها هدف تدريس الأمازيغية خاصة في مرحلتها الأخيرة المقرر أن تكون عليها أي حين تكتب بالحروف الأمازيغي . وبالمقابل نرى أن من أراد أن يتعلمها ويدرسها أن ينحو منحى إنشاء المدارس الحرة التي تعتمد في مداخيلها على إعانات الدولة ورسوم الدراسة بها وتبرعات الغيورين على الأمازيغية.

أما أن تفرض في كل مناطق القطر الجزائري تحت حجة ” متى كان الطلب عليها”[ كما جاء في وثيقة المسخ التربوي] ، فتلك المصيدة التي ينبغي الحذر منها ، [ الملاحظ أننا كتبنا هذا الرأي قبل اعتماد الأمازيغية لغة رسمية دستوريا ، لكن لم تزدنا الأيام وصروفها إلا إيمانا بما كتبنا] .

ومما يؤكد الشك في النية الخبيثة للجنة مسخ المنظومة التربوية، انها تغاضت عن كيفية تعامل ” الدولة الأم” التي ينبغي أن نعود لأحضانها، مع اللهجات عندها فهي هناك ” تنيف عن عشر لهجات هي في طريقها للاختفاء و الضمور، وإن كانت هناك برامج ثانوية لا أهمية لها يقدمها رجال الثقافة في فرنسا كذر للرماد في العيون متظاهرين بأنها لغات ذات أهمية إقليمية تحت أسماء متنقلة متغيرة حسب الملابسات والظروف المحيطة بالظاهرة أو المفكر [ المشروع التربوي والثقافي والسياسي وغيره] من لغات إقليمية إلى لهجات ” [ أحمد بن نعمان ، فرنسا والأطروحة البربرية في الجزائر، ص 192].

أما عندنا في الجزائر فعلى منظومتنا التربوية ـ حسب أهواء اللجنة الماسخة ـ أن تتحمل عبء التدريس الرسمي ، لعشرات اللهجات البربرية، والمستفيد الوحيد في النهاية هي ” اللغة الممتازة ذات المكانة العالمية “!!!

المسألة الثالثة : ـ فتعليم اللغة العربية جادت فيه قرائح اللجنة البائسة باستراتيجية منطوية على العداء البغيض لهذه اللغة وما ارتبط بها من قيم ، فاقترحت مرحلة انتقالية يتخلص فيها الطفل من الدارجة ويفرق بينها وبين الفصحى، ثم تتبرأ ” براءة ذئبية” من نية تعليم الطفل اللهجات . لكن هيهات ، فما ظنه أولئك اقتراحا علميا ، فها كم فضحه وكذبه ؛ فالدعوة ” التي يرفعها بعض دعاة التغريب لصرب اللغة العربية في الصميم، إذ بلغ بهم الأمر إلى فتح أقسام في المستوى التحضيري والابتدائي لتعليم النشء اللغة العربية بحروف فرنسية . فهل حدث مثل هذا في بلد من العالم ؟ والذي يدعو إلى الدهشة والاستغراب حقا هو أن بعض القائمين على هذه الممارسات التربوية هم من الأبواق الناعقة والنافدة لطريقة التدريس بالمدرسة الأساسية الجزائرية” [ د/ عشوي مصطفى، المرجع السابق ، ص 115] .

أما دعوى الضرورة العلمية فيكشف زيفها القول ” بأن تنمية قدرة الناشئ على التعبير المقبول في مجالات الإبداع والإنتاج الفكري المدون ، تتطلب اتخاذ الفصحى وسيلة للتدريس في جميع مراحله ، وليس العامية الضيقة الأفق، ولتكن الفصحى المخففة … البعيدة عن الإغراب والتعقيد، الخالية من الألفاظ والصيغ الشاذة أو التي لا تتناسب مع حياة الإنسان الحاضرة عامة . اللغة التي تجسد روح العصر وحاجات الفرد وتساير متطلبات الحياة ، وتعكس تطوراتها في جوانبها ومجالاتها المختلفة دون أن تقطع أي صلة بتراث الأمة الفكري والحضاري، أو بفئات وطوائف هذه الأمة على اختلاف أقاليمهم ” [ د/ احمد محمد معتوق، المرجع السابق، ص169].ولا توحي توصيات اللجنة باتجاهها إلى شيء من هذا ؛ فالرأي الغالب لديها لا يعنيه الأمر كثيرا .

 فإذا بلغ الحديث في هذا الشأن النصوص التي ينبغي تدريسها للتلميذ الجزائري حكمت عليها الوثيقة بالقدم ودعت لوجوب استبدالها بنصوص جديدة من واقع الطفل الجزائري .وهي لا ترى أنه لا يُرجى الكثير من المدرسة التي لا يقرأ فيها التلميذ نصوصا عصرانية لأدباء عصرانيين كدرويش ونزار و وطار.

فإذا أخذنا ” الحالة النزارية ” نموذجا، فهل نضمن أن يقع الاختيار على نصوص تربوية من شعره؟ إذ لا نأمن ـ في الحقيقة ـ لو سُلّمت الأمور التربوية لمن هم على شاكلة ” لجنة المسخ التربوي ” أن  يختار من النصوص النزارية إلا ما كان من عبث الأيدي بالنهود وهزهزات الأسرة المحمومة الآثمة. و إن تنكب الاختيار مثل هذه النصوص ، فهل نضمن أن تأتي النصوص المختارة مثالا ونموذجا للنصوص العربية المستوفية شروط الاستقامة اللغوية والروعة الأدبية وحسن البيان العربي الأخاذ؟ لقد كشفت دراسة حديثة عن كثير من الاختلالات والتجاوزات اللغوية في شعر نزار قباني ، نسوق أمثلة منها : ـ

  • في “ثلاثية أطفال الحجارة” قوله: ولابد من الاعتراف أن أسيادنا ، وأسياد الأدب العربي في هذه المرحلة هم أطفال الحجارة.
  • وفي “قصائد المغضوب عليها” قوله: يا سيد الأمطار والمواسم، يا سيد الأسياد ، يا ملحمة الملاحم!

فالخطأ يتمثل في جمعه كلمة (سيد) على أسياد، والصواب: سادة ؛ لأن أسياد جمع (سيَد) بكسر السين، وهو اسم من أسماء الذئب أو الأسد في لغة هذيل.

  • وفي ” سيبقى الحب سيدي) قوله : يا التي أزرع في أحشائها السيف الأخير .
  • وقوله : يالتي ساحلها الرملي ، يرمي لي زهورا ..إلخ .
  • الخطأ يتمثل في دخول أداة النداء (يا) على الاسم اتلمقترن ب( أل) ، وهو الاسم الموصول ( التي) وأداة النداء و(أل) لا تجتمعان إلا في اسم الجلالة : يا الله ، فإذا ما اضطررنا إلى أن ننادي المقترن بأل ، فصلنا بينه وبين اداة النداء بأي أو أية ، فقلنا : ياأيها الرجل، يا أيها الذين آمنوا ، يا أيتها النفس المطمئنة ” [ د/محمد العيد الخطراوي، مجلة المنهل، السعودية ،عدد557]. ولولا خشية الإطالة لسُقنا أمثلة كثيرة عن هذه
  • ” الانتهاكات النزارية للأنظمة اللغوية” على حد تعبير الدراسة المذكورة .

لكن متى كانت العربية وقواعدها وسلامة أدائها موضع اهتمام اللائكين والفرنكفوليين ودعاة مسخ المنظومة التربوية ومسحا من كل نص أصيل ذي قيمة عالية تربويا وأدبيا وفنيا؟! لكن لو وقع الاختيار على نص من ” اللغة العالمية ذات المكانة الممتازة ” فيه أدنى اختلال لغوي لدعوا أركان حربهم للنظر في هذا الاعتداء غير المقبول !!

* المسألة الرابعة : ـ  إذا كانت مادة التاريخ قد استقرت في المنظومة التربوية بشكل يصعب التقليص من امتداداها في أوصالها، فإن مخازي لجنة المسخ التربوي لم تتخلف نفاياتها، عن هذا الميدان ؛ إذ رأى دهاقنتها ضرورة ” عدم التركيز على مراحل العروبة والإسلام ، بل يجب التعدية إلى  مناطق تحظى بالأولوية على المغرب العربي، المتوسط وإفريقيا”!!

وبعد، فإن من يشك في نية هذه اللجنة المسخرة المبيتة لكل سوء وشر بالعربية والإسلام وانتماء الجزائر العربي الإسلامي، وبالتالي فمن يشك في عمالتها للاستعمار المندحر ينبغي ألا يتردد لحظة في الشك في وجوده الحقيقي الواقعي هو شخصيا .

إنها فصل من فصول المؤامرة ، كما يقول الأستاذ محمد عباس : ” إن التحالف الشيوعي اللائكي ما انفك يستغل العنف المشبوه الذي يخرب بلادنا منذ 9سنوات ، في حملة منتظمة لتشويه الإسلام، وكان هناك تحالف ـ موضعيا على الأقل ـ بينه وبين الكنيسة ! أولئك يحرثون بواسطة ترسانتهم الإعلامية الممولة من خزينة الدولة واموال الشعب، وهذه تزرع بوسائلها الخاصة، وهدف هؤلاء جميعا هو خلق الظروف المواتية لإخراج الناس من دين الله أفواجا. وتبدو اللائكية في هذا السياق كمرحلة ضرورية تمهيدا لتنصير لا حق” . وتشمل هذه الحملة المنتظمة على الإسلام المنظومة التربوية واللغة العربية تحديدا كوعاء لانتمائنا الثقافي والحضاري “[ جريدة الشروق اليومي ، العدد 76].

فهل بعد الدعوة الصريحة لأن تخط المنظومة التربوية في منظومتنا التربوية كل ما يقطع الصلة بالانتماء العربي الإسلامي واستبداله بالانتماء المتوسطي أساسا والإفريقي مخادعة، من ريب في خبث الطوايا وفداحة الخطر الذي يتهدد الوطن من هذه الشرذمة الآبقة ؟ !!

  • المسألة الخامسة : ـ التي وردت بها توصيات لجنة الضلال والبهتان ،والمتعلقة ببدعة تدريس باقي الأديان إلى جانب الإسلام فليبرهنوا بدليل واحد على دعوة أو قبول أهل ملة  واحدة على الأرض أن يدرس ناشئتهم إلى جانب مبادئ ديانتهم مبادئ ديانات اخرى . فهل تقبل أي مدرسة أنجيلية أو يهودية أو حتى لائكية أن يدرس التلاميذ فيها لناشئة التلاميذ، فبدعة لم ” يهرطق ” بها أهل ملة في الأولين ولا الآخرين ؛ من غير المسلمين مبادئ الإسلام في مراحل الدراسة الأولى ؟ أم أن هذه
  • ” الروح المتحررة” و” العصرانية المتوهج” لا يوحي بها إلا شياطين سُخروا للوحي ” لبني لائيك وبني شيوع” في هذا الوطن المنكوب بهم؟ فبشراكم يا ناشئة الجزائر ، فسوف تدرسون مبادئ اليهودية والنصرانية ؟ !! اللهم إنا نبرأ إليك من هذا البهتان. ولكن إذا كان الجنون فنونا فإن الدنايا أيضا فنون . وعلى كل فقد خصصنا هذه الدنايا برد في مقال مستقل [ أنظر جريدة الشروق اليومي : العدد /103].

والآن بعد أن دفعنا زيغ الزائغين وشبهات المغرضين في ” لجنة مسخ المنظومة التربوية ” ما العمل لإيقاف ( منتهى العبث) هذا ـ  على حد تعبير الأستاذ محمد عباس في مقاله المذكور آنفا ـــــ ، فهل هو فقط ـ كما قال الأستاذ سعد بوعقبة ـ في مقاله الذي يتلألأ بنور الصدق ، وينطق بلسان الحق، ويفيض بكل معاني الجرأة والموقف الرجولي المطلوب ؛ قال : ” إن أي مساس بالنظام التربوي إذا لم يضع حدا للهيمنة الفرنسية والمجموعة المعتوهة التي تتحكم في البلاد من أمثال صبيح وبن زاغو ومسعودي ورضا مالك والأشرف هذه النماذج البشرية التي تتداول على المناصب كما يتداول الفقر على الجزائريين وتستنخ الفشل والرداءة … إذا لم يحدث ذلك فإننا غير ملزمين بأي شيء تقوم به دولة هؤلاء الذين حصلوا على شرعيتهم بالتزوير وبالمراسيم المزورة لإرادة الشعب ، وعلى الرئيس بوتفليقة أن يقدر عواقب الاتجاه الذي يريد هؤلاء زج الجزائر فيه “

 [ الشروق اليومي ، العدد76]. فعلى أهمية هذا التحذير ، أحسب أننا بحاجة إلى جهود قوية متكافئة تقف لصد هذا السيل العفن من إفرازات هذه الأقلية الزائغة .

فالأسرة التربوية ـ من المدرسة إلى الجامعة ـ ينبغي أن تطالب بحقها في النقاش، وإبداء الرأي؛ إذ لن يعفيها من مسؤولياتها الحاسمة إزاء هذا الخطر كونها لم تُستشر في الأمر. كما أن على نواب الأمة بما استؤمنوا عليه من أمانة الحفظ على مقوماتها والدفاع عنها، البرهنة على سيادة موقفهم الشرعي الذي يطالبهم به دينهم ، وقيم وطنهم الأصيلة في هذا الموضوع الاستراتيجي . وإني لأدعوا في الختام المثقفين الوطنيين المخلصين إلى تكوين رأي وموقف يناهض هذه التوصيات النكدة .

تبسة في / 02/02/2001م

—————–

نشرت جريدة ( النصر) توصيات لجنة إصلاح المنظومة التربوية في عددها 1°237 الصادر بتاريخ 13/1/2001           

                                             

  اللائكية الشاذة وبدعة تدريس باقي الديانات !!

الحمد لله القائل :  ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون ” / التوبة : 32). والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

“… وليُتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله “.

طالعتنا الصحف السيارة في الأيام الماضية ببعض ما يدور في اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية. ومنها الأراء الداعية إلى إدغام وإدماج ” التربية الإسلامية” ضمن مادة تدعى ” التربية الأخلاقية” مع مادة ” التربية المدنية” في مرحلة التعليم الأساسي. أما في المرحلة الثانوية فالدعوة جارية لدى بعضهم إلى تدريس ما يسمى ” باقي الديانات !!!” بدعوى خلق مواطن عالمي منفتح متسامح .

الحقيقة أننا إزاء أخطر فصول المؤامرة ضدّ هذا البلد وشعبه وتاريخه ودينه، فإن أُتغلت الآزمة الشديدة الطاحنة غطاء لسرقة أموال الأمة ، وإيقاع أكثر طبقات الشعب تحت وطأة موبقات وشرور الفقر والبطالة والجوع والإرهاب . فها هي اليوم تستغل جهات  ـــ لا أحد يجهلها جملة وتفصيلا ــــــــ الظروف المذكورة لسرقة دين الأمة ولسانها وحضارتها .

فبعد أن كانت مثل هذه التصريحات و الأراء تنطلق من ردهات أحزاب وجمعيات وصحف لا تُخفى تنصلها من انتماء الشعب الجزائري للحضارة العربية الإسلامية ، وترى أن موعده الحقيقي مع السعادة يوم يُطلّق طلاقا بائنا بينونة كبرى مع هذا الانتماء.

لكنها اليوم تستظل بأوضاع و هياكل رسمية لإعلان هذا المروق والجراءة الواقعة دون حسبان لمشاعر ولا معتقدات الشعب، وأنى لهم ذلك ومن خصائص التغريب احتقار الأقلية للأغلبية، وفرض الرأي المصادم لمعتقدات وقناعات الأغلبية بكل وسيلة، ومنها العنف الصريح أو المقنع، وامتطاء السلطة لتحقيق كل ذلك وما نشهده منذ حوالي عقد زمني  !

لما قرأت هذه ” الوقاحات ” قلت : ” لا أعتقد أن الاستعمار لا يزال على حاله من الأسف والحسرة لمّا أُخرج من هذه الأرض ، لكون عبقريته الجهنمية في محاولة تحويل الأمة عن دينها وانتمائها الحضاري لم ترتق إلى مستوى المناداة بتدريس أبناء المسلمين غير دينهم الإسلامي . إلى ان جاءت هذه ” الشاذة” من طوائف التغريب و اللائكية والشيوعية  لتقتحم هياكل إصلاح المنظومة التربوية ، ويمكن لها ضمنها تحت دعاوى حرية الرأي وحاجة البلاد إلى الوحدة والاستقرار.

وهو ـ حقيقة ـ منطلق متناقض و متهافت ؛ إذ كيف تكون وحدة واستقرار مع الدعوة إلى تدريس ” باقي الديانات ” للناشئة !! أي مستقبل ينتظر أبناءنا في ظل هذه الهرطقات ؟ !!    

يذكرني هذا بتحذير وجهه إمام النهضة الحديثة بالجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس ، للجنة برلمانية فرنسية طرحت على هيئة من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مسائل مختلفة، كانت تريد معرفة رأي الجمعية في إلزام الحكومة الفرنسية المسلمين برفض الأحكام الشرعية ، أجاب ـ رضي اله عنه ـ ” … أما إذا ألزمت فرنسا المسلمين برفض شريعتهم والتخلي عن ذاتيتهم، فإنهم يشعرون بالضربة القاضية عليهم بالعدم التام … و أنا أحقق لكم أنكم إذا ألزمتم الأمة الجزائرية المسلمة برفض شريعتها و التخلي عن ذاتيتها ، فأنكم تكونون قد وضعتم أمرا يؤول بالجزائر إلى اضطراب أعظم لا تُرى عاقبته ” .

إن هذه الإجابة الصادرة عن عالم مصلح رباني وما حملته من نبوءة عما يؤول إليه الأمر إذا ما تم للمغرضين ما تنادوا لإبرامه ـ لا وفقهم الله ولا سدد مساعيهم ـ هذه وأمثالها هي هي التي تصلح ردا بليغا على نعيقهم الغرباني .

إن القول بتدريس الناشئة ” باقي الأديان” يُعد من أفضع أنواع الجهل بحقيقة الإسلام وما يتميز به عن ” باقي الأديان ”  من جهة، كما ان الأمر ليس مجرد تعليم” باقي الأديان ” أو شيء مما حلا لهم الدعوة إليه، إنه متعلق بالمصير ـ لا الدنيوي فحسب الذي هو غاية تطلعاتهم القاصرة، إنما هو المصير الأبدي الذي قرره المولى تبارك وتعالى في القرآن الكريم ـ الذي يريدون تسويته بغيره من كتب الديانات الأخرى ـ ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”، وهل تعدل مصيبة ناشئتنا أي مصيبة أخرى غيرها؟   ومنها التمكين لفتنتها عن دينها حين تدرس ” باقي الديانات” في مرحلة مراهقتها التي هي أخطر مراحل عمرها ، اللهم لا لالا.

إن عمى اللائكيين التغريبيين فوّت عليهم إدراك حقائق ووقائع ما لا سبيل لحصره في مثل هذا المقال؛ من هذه الحقائق أن دولة الكيان الصهيوني ـ التي حجّ أليها بعض فلولهم ذات يوم ـ كما يقول المفكر المرحوم رشدي فكار ـ اتجه ” إلى طرح التناقضات في طار نشط مزكيا لها لتلعب لصالحه فتعايشت الأساطير لتعبئ الوجدان الديني وتتعمق وتأخذ طابع الالتزام مع العقلنة والتقدم العلمي والمعرفة التكنولوجية … وهكذا عمق الكيان الصهيوني تربويا الشعور الديني وتركه يتجذر مستغلا ماله من فاعلية تلقائية ، وقدرة نشطة بالنسبة للجماهير كما عمّق معطيات التقدم العلمي والمعرفة التكنولوجية، وسمح لهما أن يتعايشا في كل اتجاهاته التربوية دون إلغاء أو مصادرة ” .

فعلى مذهب شواذ اللائكية عندنا فإن منزلة الإسلام عندهم ـ دون أساطير الصهيونية والتلمود!!! إننا إزاء هذه المسالك الشاذة نرى أن المسؤولية أمام الله تعالى عظيمة من أعلى هرم السلطة ومن يتولى المسؤوليات التربوية والتعليمية في هذا الوطن، في أن تُعرف هذه الدعاوى وأمثالها بعض سُبل الاعتماد والتطبيق. ونهيب بكل صاحب شأن تربوي التصدي بالفضح والنكير والتحذير من غلواء وصفاقة ” شذاذ اللائكيين والتغريبيين .

ونطلب من كل مخلص في لجنة الإصلاح التربوي الإلحاح بالمطالبة بأن يُزاد في الحجم الساعي لمادة التربية الإسلامية في كل الأطوار ، وان تعمم مادة ” العلوم الإسلامية ” في المرحلة الثانوية كاملة وتدرج ضمن امتحان البكالوريا لكل الشعب والتخصصات .

أما بالنسبة للمرحلة الجامعية فقد منّ الله علينا فخصصنها بدراسة مستقلة عنوناه ” نحو تدريس مادة الثقافة الإسلامية بالجامعة الجزائرية ” لعل الله تعالى يأذن بنشرها قريبا .(نشرت )

وأخيرا أليس من المهم التساؤل ما مصير الوحدة الوطنية في ظلمات هذه الدعوات ؟ ثم أليس الاستعمار الجديد هو المستفيد الأكبر منها ؟ ثم من بعده خدامه وحراس قيمه و مصالحه؟ أما الصهيونية التي أخذت تمتد في واقعنا وعقول بعض نخبنا فلا أشك في غبطتها و نشوتها بالذي يحدث لنا .

** ملاحظة/ لقد تأكدت هذه الأخبار من خلال توصيات اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التي نشرتها جريدة النصر الحكومية في عددها الصادر يوم31/1/2001

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى