دراسات أمنيةدراسات عسكرية

كيف تتعامل روسيا مع التطورات العسكرية الأخيرة في الحرب الأوكرانية؟

عبدالمجيد أبو العلا – نترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

شهدت الحرب الأوكرانية تطورات ميدانية هامة ومفاجئة خلال الأيام القليلة الماضية، خاصةً في “خاركيف”؛ فوفق أحدث البيانات الأوكرانية، تمكنت القوات الأوكرانية من استعادة 6000 كم2 من القوات الروسية، منذ مطلع شهر سبتمبر الجاري. وفيما لم يصدر أي رد فعل رسمي روسي بخصوص المكاسب التي حققتها القوات الأوكرانية، فإن خريطة “خاركيف” التي عرضتها وزارة الدفاع الروسية أظهرت بالفعل انسحاباً كبيراً للقوات الروسية من هذه المنطقة. وبقدر ما تشير تلك التطورات إلى تقدُّم أوكراني ميداني ملحوظ، فإنها تطرح تساؤلات حول ردود فعل موسكو تجاه تلك التطورات، وهو ما يمكن تناوله فيما يلي.

تقدُّم أوكراني

حققت القوات الأوكرانية خلال الأيام الأخيرة تقدُّماً ميدانياً هاماً باستعادة عدد من البلدات والمناطق التي احتلتها القوات الروسية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- استعادة الجيش الأوكراني مناطق من القوات الروسية: أعلنت أوكرانيا، في 11 سبتمبر الجاري، عن أنها استعادت من القوات الروسية مناطق يتجاوز مجموع مساحتها 3000 كم2 هذا الشهر؛ إذ صرح القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، بأنه “منذ مطلع سبتمبر، عاد أكثر من 3000 كم2 إلى السيطرة الأوكرانية. وفي محيط خاركيف، بدأنا التقدُّم؛ ليس في الجنوب والشرق فحسب، بل أيضاً باتجاه الشمال. نحن على بعد 50 كم من الحدود”.

كما أكد الجيش الأوكراني دخول قواته إلى “كوبيانسك”، وأنه يعمل على “تحرير المستوطنات في منطقتي كوبيانسك وإيزيوم التابعتين لمنطقة خاركيف”، وتحرك القوات لاستعادة السيطرة على بلدات وقرى في محيط مدينة إيزيوم، بعد أن أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 10 سبتمبر الجاري، استعادة قوات بلاده أكثر من 30 بلدة وقرية بمنطقة خاركيف، وأنها تستعيد تدريجياً السيطرة على بلدات وقرى جديدة. فيما أعلن الجيش الأوكراني، في 12 سبتمبر 2022، تمكنه من استعادة أكثر من 20 بلدة من القوات الروسية خلال 24 ساعة، وطرد القوات الروسية منها. وفي أحدث التطورات، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مساء 12 سبتمبر الجاري، أن جيش بلاده استعاد نحو 6000 كم2 من القوات الروسية؛ حيث قال: “منذ مطلع شهر سبتمبر، حرَّر جنودنا 6000 كم2 من الأراضي في شرق أوكرانيا وجنوبها”، مع التعهُّد باستمرار تقدُّم قواته.

2- اعتماد الهجوم الأوكراني على المفاجأة والسرعة والخداع: اعتمدت القوات الأوكرانية في هجومها الأخير على عوامل منها المفاجأة والسرعة والخداع؛ فقد أعلن الجيش الأوكراني، مطلع الشهر الجاري، هجوماً مضاداً في الجنوب قبل أن ينفذ خلال الأسبوع الماضي اختراقاً مفاجئاً وخاطفاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي في منطقة خاركيف؛ ما مثَّل مفاجأة للقوات الروسية التي انتقل العديد منها إلى الجنوب لمواجهة الهجوم الأوكراني المضاد. وهو ما تؤكده تصريحات مستشار وزير الخارجية الأوكراني يفهين ميكيتنكو، التي أرجع فيها التقدم الأوكراني إلى المباغتة والمفاجأة والخداع، وبدء الجيش الأوكراني هجومه الخاطف شمال شرق البلاد، على عكس توقعات الروس بأن الهجوم المحتمل سيكون من الجنوب.

3- سخرية الرئيس الأوكراني من انسحاب القوات الروسية: على مستوى الرسائل السياسية، حاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، استغلال التطورات الأخيرة وتراجع القوات الروسية، للضغط على القيادة الروسية، والحط من معنويات الجنود الروس؛ فقد ظهر “زيلينسكي” في خطاب مصور، في 11 سبتمبر الجاري، وهو يسخر من انسحاب القوات الروسية قائلاً إن “الجيش الروسي في هذه الأيام يظهر أفضل ما يمكنه فعله، وهو إبداء ظهره.؛ الأمر الذي من الممكن أن يترك تداعيات سلبية على معنويات الجيش الروسي، لكنه في الوقت ذاته سيحفز القيادة العسكرية الروسية على اتخاذ رد فعل يحفظ كرامة قواتها وسمعتها العسكرية.

4- توظيف كييف التقدم العسكري لتحفيز الدعم الغربي: في حين تتخوف أوكرانيا من أن تتسرب قناعة لدى حلفائها الأوربيين بأنها ستخسر الحرب حتماً؛ ما يجعلهم يتوقَّفون عن إمدادها بالسلاح، فإن التقدُّم العسكري الأوكراني الأخير يمثِّل ورقة استراتيجية هامة لكييف؛ حيث تثبت بها أولاً فاعلية الدعم التسليحي والمالي الغربي واستحقاقها له، مع تحفيز استمراره وتزايده في المرحلة المقبلة من جهة أخرى، وهو ما لمَّح إليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 11 سبتمبر الجاري، بقوله: “أعتقد أن هذا الشتاء هو نقطة تحول، ويمكن أن يؤدي إلى إنهاء احتلال أوكرانيا بسرعة. نرى كيف يفر المحتلون في بعض الاتجاهات. إذا كنا أقوى قليلاً بالأسلحة، فسننهي الاحتلال بشكل أسرع”، فضلاً عن أنه يلمح إلى أهمية إنهاء الحرب قبل الشتاء خشية توظيف روسيا ورقة الغاز بضراوة ضد أوروبا، وكذلك تأكيد أهمية انتصار أوكرانيا بالنسبة إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي بالشكل الذي يُحفِّز الحلفاء الغربيين على تكثيف دعمهم التسليحي لكييف؛ حيث قال زيلينسكي: “نحن بصدد 90 يوماً ستحدد مصير الاستقلال الأوكراني القائم منذ أكثر من 30 عاماً.. 90 يوماً ستحدد أكثر من كل السنوات وجود الاتحاد الأوروبي. الشتاء سيحدد مستقبلنا”.

وقد وافق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، في 9 سبتمبر الجاري، على قرض بقيمة خمسة مليارات يورو لأوكرانيا، لمساعدتها في مواصلة تشغيل المدارس والمستشفيات وغيرها من المهام الحكومية، كجزء من حزمة إجمالية بقيمة تسعة مليارات يورو تم الإعلان عنها في مايو الماضي، وتم إرسال المليار الأولى بالكامل في مطلع أغسطس الماضي، على أن تحدد الاجتماعات التالية كيفية تقسيم المليارات الثلاثة المتبقية من الحزمة إلى قروض أو منح. كما أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في 8 سبتمبر الجاري، موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على تقديم أسلحة إضافية بقيمة 675 مليون دولار لأوكرانيا، بحيث يصل إجمالي المساعدات الأمنية الأمريكية لأوكرانيا منذ بداية حقبة الرئيس بايدن إلى 15.2 مليار دولار، كما أشاد وزير الدفاع الأمريكي بالانتصارات الأخيرة التي حققتها أوكرانيا، مشيراً إلى أن الأسلحة الغربية مثل منظومة هيمارس الأمريكية، تم استخدامها لتغيير المعادلة في ساحة المعركة، وأن النجاحات الأوكرانية في خيرسون وخاركيف مُشجِّعة.

وستستخدم أوكرانيا التطورات الأخيرة لتحفيز هذا الدعم الغربي وزيادته، ليس لضمان استمراريته فقط؛ حيث ستوظف التقدم العسكري الأخير في “خاركيف” دليلاً على أن جيشها يمكنه استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا، مع استمرار الدعم العسكري الغربي. وهو ما أشار إليه صراحةً وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا، عبر تصريحاته التي أكد فيها أن التقدم العسكري الأوكراني الذي يتحقق على الأرض في الفترة الأخيرة، قد يؤدي إلى نهاية الحرب بسرعة تفوق التوقعات إذا استمر تدفق الأسلحة من الدول الغربية.

ردود موسكو

ثمة عدد من الردود لجأت أو من المحتمل أن تلجأ إليها روسيا عقب التطورات العسكرية الأخيرة لمواجهة التقدم العسكري الأوكراني وتأثيراته الميدانية والسياسية والمعنوية، ومنها:

1- تنفيذ انسحاب وتراجع سريع خشية تطويق القوات: أجبر الهجوم الأوكراني المباغت في منطقة “خاركيف”، القوات الروسية على التراجع والانسحاب. ويُفسِّر البعض سحب موسكو قواتها العسكرية من المنطقة عقب بدء كييف هجومها المضاد هناك بعدم استعداد روسيا بالقدر الكافي لهذا الهجوم وتفاجئها به؛ ما أجبرها على سحب قواتها لمنع تطويقها، والحد من الخسائر المُحتمَلة للهجوم الأوكراني.

2- الإعلان عن ضربات دقيقة التوجيه بمنطقة خاركيف: في حين لم تُعقِّب موسكو على تراجعها العسكري في “خاركيف” وانسحاب قواتها، فإنه كان من المهم أن توجه رداً ميدانياً على الهجوم الأوكراني، وإن لم يكن فعالاً أو بدرجة التأثير نفسها، واقتصر على الجانب الدعائي، وتسجيل رد الفعل في حد ذاته؛ لذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 11 سبتمبر الجاري، أن قواتها تقصف مواقع للجيش الأوكراني في منطقة خاركيف بضربات دقيقة التوجيه من خلال قوات محمولة جواً وصواريخ ومدفعية.

كما أعلنت الوزارة، في اليوم التالي، مقتل نحو 250 عسكرياً أوكرانياً في غارات روسية على القوات الأوكرانية في كوباينسك وإيزيوم بخاركيف، وتعهَّدت بمواصلة الضربات الصاروخية الدقيقة ضد أهداف للجيش الأوكراني في مقاطعة خاركيف، كما تقول روسيا إن قواتها تشن هجمات في المناطق التي استعادت أوكرانيا السيطرة عليها مؤخراً، ومنها مدينتا إيزيوم وكوباينسك.

3- تبرير التراجع بالتركيز على المناطق الشرقية الهامة: أعلن الجيش الروسي، في 10 سبتمبر الجاري، أنه سحب قواته الموجودة في منطقتي بالاكليا وإيزيوم؛ وذلك في إطار ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية من أنها تعيد تجميع قواتها وتنقلها بعيداً عن “خاركيف” إلى مناطق قريبة من “دونيتسك” في شرق أوكرانيا؛ لدعم الجهود العسكرية الروسية هناك؛ من أجل تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة بتحرير دونباس، وهو ما أكدته الخرائط التي عرضتها الوزارة، في اليوم التالي، والتي أظهرت انسحاباً كبيراً للجيش الروسي رغم التقدُّم الأوكراني المضاد فيها.

وفضلاً عن البُعد الاستراتيجي الخاص بإعادة تجميع القوات بالقرب من “دونيتسك” للتركيز على الحيلولة دون تقدم القوات الأوكرانية هناك، فإن ذلك الإعلان يحمل في طياته تبريراً لانسحاب القوات الروسية ووضعها في سياق “إعادة تجميع” استراتيجي، لا في سياق انسحاب وتراجع ميداني. كما أنه يُعَد مؤشراً على تركيز موسكو على الاحتفاظ بالمناطق الشرقية واعتبار السيطرة على إقليم دونباس والجمهوريتين الانفصاليتين اللتين أعلنت عنهما، أولوية استراتيجية في عمليتها العسكرية.

4- الترويج لتسبُّب التقدم الأوكراني في فرار السكان: في محاولة للتحذير من المخاطر الاجتماعية والديموغرافية والإنسانية للتقدم العسكري الأوكراني، فإن موسكو تحاول الترويج والتلميح إلى تسبُّب التقدُّم الأوكراني في فرار السكان وعبورهم الحدود، وهو ما يخدم السردية الروسية التي تقوم على أنها تدخلت عسكرياً في المناطق الحدودية لحماية سكان الأماكن التي سيطرت عليها موسكو وبدعم محلي منهم.

وفي هذا السياق، أعلن حاكم منطقة بيلجورود الروسية “فياتشيسلاف جلادكوف”، أن آلاف الأشخاص عبروا الحدود من أوكرانيا تزامناً مع إعلان كييف أنها أجبرت القوات الروسية على التراجع في شرق البلاد، معلناً أنه يوجد 1342 شخصاً يتم إيواؤهم في 27 مركزاً موقتاً في المنطقة، كما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس” أن رئيس الإدارة الروسية في “خاركيف” أبلغ السكان أن عليهم إخلاء المنطقة والفرار إلى روسيا حرصاً على إنقاذ أرواحهم، فيما أشارت تقارير إلى وجود اختناقات مرورية لسيارات مع مغادرة السكان.

5- استهداف البنية التحتية في المناطق الأوكرانية: في إطار الرد على التقدُّم الأوكراني الأخير، وبجانب الهجمات التي استهدفت القوات الأوكرانية، عملت روسيا على تنفيذ بعض الهجمات التي تستهدف البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتعظيم الضغوط الداخلية على الحكومة الأوكرانية؛ فقد أعلن حاكم منطقة “دنيبروبتروفسك” الواقعة بوسط أوكرانيا “فالنتين ريزنيشنكو”، أن القوات الروسية قصفت البنية التحتية للطاقة في المنطقة، في 11 سبتمبر الجاري؛ ما أدى إلى انقطاع إمدادات الكهرباء عن عدة بلدات، معتبراً أن تلك الهجمات رد روسي على التطورات الأخيرة باعتبار أن الروس “لا يمكنهم تقبل الهزائم في ساحة المعركة”.

كما حمَّل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، روسيا مسؤولية انقطاع الكهرباء في شرق أوكرانيا، متهماً موسكو بأنها تعمدت استهداف بنى تحتية مدنية؛ حيث أشار إلى انقطاع كامل للكهرباء في منطقتي خاركيف ودونيتسك، وانقطاع جزئي في مناطق زابوريجيا ودنيبروبيتروفسك وسومي، وأكد أيضاً أن الهجمات لم تستهدف أي منشآت عسكرية، وأنها لم تقصد إلا حرمان الأوكرانيين من الطاقة واستخداماتها المتعددة، وخاصةً في الإضاءة والتدفئة.

6- العمل على احتواء انتقادات القوميين الروس: في حين أن بوتين عمل على توظيف الحرب لرفع أسهمه السياسية بين القوميين، مع إبراز دعمهم للحرب، أثارت أنباء الانسحاب الروسي غضب القوميين الروس والمؤيدين للحرب في الداخل الروسي، ودعوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى إجراء تغييرات فورية لضمان النصر النهائي في الحرب، فضلاً عن أن الأجواء الاحتفالية في العاصمة الروسية التي شارك فيها بوتين بمناسبة مرور 875 عاماً على تأسيس موسكو، قد أثارت غضب القوميين الروس والمؤيدين للحرب؛ لأنها جاءت تزامناً مع أنباء التراجع العسكري الروسي، في ظل تساؤلات عن أولويات الإنفاق الروسي، وأهمية أن يذهب لدعم الحرب بدلاً من تمويل الاحتفال الضخم الذي كلَّف – وفق بعض التدوينات الغاضبة – نحو مليار روبل، وقال أحد المدونين: “لقد دفعت روسيا كل هذه الأموال لإقامة حفل في الوقت الذي كان فيه الجيش الروسي يقاتل دون ما يكفي من نظَّارات الرؤية الليلية أو السترات الواقية من الرصاص أو مجموعات الإسعافات الأولية أو الطائرات دون طيار”، فضلاً عن عدم اقتناع هؤلاء بتبرير التراجع الروسي بما سمته وزارة الدفاع “إعادة تجميع القوات”، معتبرين أن ذلك تقليل من حجم التراجع قد يدفعهم إلى فقدان الثقة بوزارة الدفاع، وربما بالحكومة ككل. بالإضافة إلى المطالبة بمعاقبة القادة الذين تسببوا في هزيمة وتراجع القوات الروسية.

وفيما يعتبر هؤلاء الغاضبين من المواطنين المحافظين القوميين هم الداعمين الرئيسيين للحرب الأوكرانية في روسيا وأوكرانيا، فإن الحكومة الروسية من المرجح أن تعمل على احتواء هذا الغضب، الذي إن تسامحت معه باعتبار أنه يتفق مع أطروحات الحرب ومنطلقاتها وينطلق من منطق التأييد لها، فإن ثمة أهمية لاحتوائه حتى لا يتحول إلى عامل ضمن عوامل تقويض الثقة بالحكومة الروسية وقادة الجيش؛ ولذلك يمكن فهم توجيه بعض الضربات العسكرية السريعة، والإعلان عن خسائر القوات الأوكرانية، وتأكيد أطروحات “إعادة التجميع” وليس “الانسحاب”، وإبراز مكاسب روسيا من الحرب الأوكرانية، وتأكيد عدم التراجع أو التنازل عن المكتسبات، في إطار محاولات احتواء غضب القوميين الروس من التراجع الأخير.

7- إمكانية الاستفادة من خبرات وتكتيكات “قديروف”: رفض الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الذي يدعم روسيا بقواته ميدانياً في الحرب على أوكرانيا، خسارة إيزيوم، معترفاً بوجود مشكلات في إدارة المعركة؛ حيث انتقد التكتيكات الروسية المختارة لإدارة العملية العسكرية في أوكرانيا، واعتبرها بطيئة للغاية، وتستغرق وقتاً طويلاً، وغير فعَّالة.

وقال قديروف: “إذا لم تُجْرَ تغييرات اليوم أو غداً في إدارة العملية العسكرية الخاصة، فسأضطر للذهاب إلى قيادة البلاد لأشرح لهم الوضع على الأرض”، وأكد أنه قد حان الوقت لاتخاذ قرار ملموس وبدء عملية واسعة النطاق في جميع الاتجاهات على أراضي أوكرانيا، وأنه شخصياً لديه تكتيكات واستراتيجيات يمكن الاستعانة بها. ويمكن للقيادة الروسية أن تفكر جدياً في الاستفادة من خبرات وتكتيكات “قديروف” بدرجة أكبر؛ لأسباب منها ما يتعلق بخبراته القتالية، ومنها ما يتعلق بالعمل على احتواء غضبه من إدارة المعركة؛ لضمان استمراره هو ورجاله في دعم العملية العسكرية الروسية ميدانياً.

8- زيادة أعداد القوات العسكرية الروسية بأوكرانيا: تشير تقارير استخباراتية إلى أن روسيا تواجه نقصاً حاداً في أعداد قواتها العسكرية في أوكرانيا، خاصةً أن موسكو وصفت ما يجري بأنه عملية عسكرية وليست حرباً، بما لذلك من تأثير على حجم القدرات العسكرية التي يتم الاستعانة بها واستخدامها. وتشير التقارير إلى أن موسكو تبحث عن طرق جديدة لدعم وتعزيز مستويات قواتها في أوكرانيا وزيادة أعدادها، خاصةً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقَّع في أواخر أغسطس الماضي، مرسوماً يقضي بزيادة عدد أفراد القوات المسلحة بمقدار 137 ألف جندي ليكون العدد الإجمالي 1150628 فرداً.

9- توظيف ورقة استئناف المفاوضات: عاودت القيادة الروسية، عقب التطورات الأخيرة في الحرب الأوكرانية، التلويح بورقة المفاوضات التي تم تعليقها منذ أشهر، وإمكانية استئنافها، وأعلنت بعد التراجع الأخير في منطقة “خاركيف” أنها لا ترفض إجراء مفاوضات مع كييف. وربما يُفهَم من ذلك الطرح أن موسكو تحاول تجميد الصراع وكسب المزيد من الوقت لتحديد آليات التعامل مع التطورات العسكرية الأخيرة؛ فليس من المُرجَّح أن تقبل موسكو الهزيمة سواء عسكرياً أو حتى سياسياً أثناء المفاوضات.

وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 11 سبتمبر الجاري، إن “روسيا لا ترفض المفاوضات مع أوكرانيا، ولكن كلما تم تأجيل العملية لمدة أطول، زادت صعوبة التوصل إلى اتفاق”، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا تُحمِّل أوكرانيا مسؤولية توقف المفاوضات، في الوقت الذي تشترط فيه موسكو عدم انضمام كييف إلى حلف الناتو، وعدم المطالبة بمنطقتي دونيتسك ولوجانسك اللتين تم إعلانهما جمهوريتين مستقلتين، فيما تهدد روسيا بإمكانية رفع مستوى مطالبها التفاوضية؛ الأمر الذي ظهر في تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، في 12 سبتمبر الجاري، التي قال فيها إن الموقف التفاوضي الروسي الحالي بشأن أوكرانيا، ليس سوى مجرد عملية “إحماء”، وإن الموقف الروسي النهائي في المفاوضات قد يكون مطالبة النظام في كييف بالاستسلام التام والخضوع لمطالب وشروط الجانب الروسي.

عامل الوقت

ختاماً.. يُمثِّل انسحاب الروس أكبر نجاح ميداني للقوات الأوكرانية منذ أن أحبطت محاولة روسية للاستيلاء على العاصمة كييف في بداية الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 7 أشهر. وفيما تحاول كييف تحقيق انتصارات ميدانية قبل بداية فصل الشتاء، وتعتبر الأشهر الثلاثة القادمة شديدة الأهمية بالنسبة إلى الاستقلال الأوكراني ومستقبل الاتحاد الأوروبي؛ فإن روسيا، على الأرجح، تحاول مد أمد الصراع للاستفادة مما يتيحه لها فصل الشتاء من فرص سياسية أكبر، وممارسة الضغوط على الدول الأوروبية، وتعظيم توظيف ورقة الغاز في الصراع، كما أن من المتوقع أن تعيد موسكو حشد وتجميع قواتها، وشن هجمات مضادة لصد التقدم الأوكراني، وعدم السماح بتوسعه، وتحقيق تقدم ونجاح عسكري يعوض التراجع والهزيمة الأخيرة.


SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى