الكثير من المترشحين لمسابقة الدكتوراه يريدون معرفة كيفية التحليل وتوظيف المعلومات عند الإجابة على أسئلة امتحان الدكتوراه وهل تختلف عن بقية الامتحانات؟
لا شك أن الإجابة على أسئلة امتحانات الدكتوراه لا تختلف كثيرا عن بقية الامتحانات الرسمية في كافة المستويات من حيث كونها إجابة، لكن الجانب المهم الذي يجب الإشارة إليه هو قيمة هذا الامتحان في حد ذاته والظروف المحيطة به ووطريقة تقييمه والتأهيل الناتج عنه ويقصد بذلك:
أولا: المستوى العلمي للمترشح:
فالمستوى العلمي للمترشح لهذا الامتحان لا يقل عن مستوى الماستر وهو مستوى عال قد تجاوز مسائل اللغة والحسابات الأساسية والاشكاليات البسيطة والمعلومات القاعدية وأصبح يركز على نوع وقيمة المعلومات المحصلة وطريقة استغلالها وتوظيفها كما يركز على كيفيات المناقشة والتحليل والنقد والاستشهاد وغيرها فهو يستهدف الحل العملي المنطقي المؤسس على دليل علمي للاشكاليات الحقيقية الواقعية التي تهم الإنسان وليس حل الاشكاليات التوضيحية التعليمية.
ثانيا: التأهيل الناتج عن النجاح في امتحان الدكتوراه:
لا يخف على أي كان أن التأهيل الناتج عن امتحان الدكتوراه هو استحقاق مواصلة التكوين في الطور الثالث والتأهيل لمواصلة التكوين في الطور الثالث يعني القدرة على خوض غمار البحث العلمي من المستوى العالي ويستدعي كفاءات لغوية ومنهجية ومعرفية وتقنية خاصة وذلك للتمكن من انجاز المطلوب (بحث، أطروحة، مقالات علمية، مداخلات، ولما لا تنظير وتطوير وابتكار وحلول عملية للمشكلات الانسانية حسب المجال: لغويا، قانونيا، سياسيا، إداريا، اجتماعيا، اقتصاديا، تكنولوجيا… )
ومن هنا تتضح طريقة التصحيح والتقييم للامتحان فلا ينتظر من المصحح أن ينظر إلى إجابتك المباشرة على شكل نقاط لسؤال معين على أنها إجابة تثبت كفاءتك وقدرتك لتكون مشروع باحث فهذه إجابة يمكن لطالب المستوى الثانوي أن يحفظ بعض المعلومات حول موضوع معين ثم يجيب بنفس إجابتك وطريقتك !
فالاستحقاق المقصود بالنجاح في هذا الامتحان هو إثبات الكفاءة البحثية لمواصلة التكوين والبحث في طور الدكتوراه وهذه الكفاءة تتجلى في التحكم في اللغة والمنهجية واختيار المقاربة المنهجية الصحيحة والتحليل والمناقشة والمعالجة الموضوعية للمشكلات وحسن اختيار المعلومات وتركيزها وربطها وتوظيفها وحسن التنظيم والتلخيص والإثبات والنفي والاستشهاد والتطبيق وغيرها..
قد يتباذر إلى الذهن عند ذكر هذه الجوانب أن الإجابة ستكون صفحات وصفحات وكم كبير جدا من المعلومات لكن المقصود ليس ذلك وإنما يمكن إثبات ذلك بالضبط الدقيق والتحكم الجيد في المعلومات المعروضة والناتج عن التكوين الصحيح المنهجي والعلمي في الأطوار السابقة، ويرى المصحح ذلك بطرق بسيطة قد لا تنتبه لها أنت مثلا في كيفية ضبطك لعبارة تتكون من متغيرين مستقل وتابع؟ فيفهم مدى تحكمك المنهجي، أو عرضك لأبعاد موضوع معين يستدعي أربعة أبعاد فقط وأنت عرضت تسعة أبعاد فيفهم تحكمك المعرفي، أو كتابتك لفقرات وفقرات لتعرض ضمنها في النهاية علاقة بين متغيرين وكان بإمكانك توضيح ذلك بكلمتين مفتاحيتين وتبيان العلاقة بينهما فيهم عدم قدرتك على التلخيص والايجاز وتركيز المعلومات! وبالتالي عدم قدرتك على للبحث والكتابة العلمية لاحقا.
والمقصود بكل ما سبق هو القدرة على اختيار القالب الصحيح لعرض المعلومات (المقال) والقدرة على اختيار وتركيز وتوظيف وربط تلك المعلومات ضمن ذلك القالب. بحيث تعرف (بالراء المكسورة المضغمة) أين يجب التعريف، والتعريف مثلا يجب أن يكون بكلمات مفتاحية ودال فعلا على المصطلح، وتشرح التعريف وتستخرج عناصره إن كان ذلك ضروريا ويخدم إجابتك وتضع أكثر من تعريف عندما يستلزم ذلك وتقارن بين التعاريف إن تطلب الأمر وتستخلص تعريف شامل إن كان ذلك ضروريا، وتوجز أين يجب الايجاز، وتفصل أين يجب التفصيل، وتعرض كل المواقف أين يجب عرض كل المواقف، وتعلق أين يجب التعليق، وتنقد أين يجب النقد، وتستشهد أين يجب الاستشهاد، وتعطي أمثلة أين يجب التوضيح وتستنتج أين يجب الاستنتاج وهكذا..
ولكل عنصر مثلا من المقال شروطه الشكلية والموضوعية فالمقدمة مثلا يجب أن تكون موجزة متدرجة من العام إلى الخاص تحتوي على تعريف بالموضوع وأهميته تنتهي بطرح اشكالية، تبدأ بترك فراغ بداية السطر وتنتهي بنقطة أو علامة استفهام حسب الإشكالية..
والاشكالية يجب أن تكون مضبوطة وتمثل مثلا علاقة بين متغيرين أو أكثر أحدهما مستقلا وأحدهما تابعا وأحدهما إن وجد يكون دخيلا أو غيره
وفي العرض يجب أن تترك سطرا بعد المقدمة والاشكالية تم تمهد لخطة ثم تكتب الخطة والخطة قد تكون على شكل فقرة واضحة شديدة التنظيم توضح تماما العناصر التي سنتتاولها في العرض(كما في الكتب عندما نبين محتوى الكتاب من الفصول في المقدمة) أو على شكل نقاط.
ثم تعود إلى السطر وتتناول عناصر الخطة بالترتيب حيث نتناول كل عنصر لوحده بايجاز ومعلومات مركزة لكنها مترابطة وفي قالب علمي وجمالي بحيث تترك فراغ في بداية السطر عند تناول كل عنصر ويستحسن أن تبدأ بكلمات قوية ودالة ومتناسقة مع المعلومات التي سيتم عرضها كأن تبدأ بفعل مضارع أو ماض أو تأكيد أو حرف ربط مناسب مثلا :
اختلف خبراء كذا (تذكر التخصص أو الموضوع) في تحديد ماهية كذا أو في وضع آليات دقيقة ل… أو إن تتبع تطور الممارسة الفلانية.. أو كان عصر كذا أو عامل كذا سببا أوليا في ظهور كذا.. ثم تواصل التحليل وعرض المعلومات اللازمة وهنا في عرض المقال وتناول عناصر الخطة يظهر جليا للمصحح قدرة المترشح على التحليل والمعالجة الصحيحة للموضوع أو العكس، وليتمكن من ذلك ويثبت جدارته يجب أن ينتبه إلى مايلي:
– التقيد التام بعناصر الاشكالية والخطة.
– عرض المعلومات اللازمة فقط سواء كانت قليلة أو كثيرة بمعنى الايجاز والتلخيص قدر المستطاع دون الاخلال بالمعنى والشكل فينطلق بما يجب ويعرض ما يجب ويستشهد ويستدل بما يجب وينقد بما يجب ويوضح بما يجب ويكفي دون زيادة.
– عدم الإجابة عن أي اشكالية جزئية في البداية إنما تكون الإجابة عند نهاية كل عنصر بعد عرض المواقف والأدلة والشواهد والأمثلة والاستقراء اللازم..
– يجب الإنتباه أن كل عنصر من عناصر الخطة هو من يفرض تحليلا معينا وعناصر إجابة معينة فبعضها مثلا يفرض عرض تعريفات وآراء ومناقشتها واستنتاج تعريف معين وخصائص معينة. وبعضها يفرض عرض مواقف ونقد ومقارنة وتركيب واستنتاج. وبعضها يفرض عرض جداول ورسومات. وبعضها يفرض عرض قوانين وعمليات حسابية، وبعضها يفرض سرد تطور تاريخي لموضوع معين، وبعضها يفرض استنباط تداعيات وتنبؤات معينة، وبعضها يفرض استقراء علاقات معينة وبعضها يفرض عرض تصنيفات، وبعضها تفسير لعلاقات معينة وهكذا.. (تستخلص وتتبع أهداف العلم :الوصف، التفسير، التنبؤ، التصنيف…) لذلك تكون طريقة المعالجة والتحليل في المقال علامة من علامات الفهم والتحكم بالنسبة للمترشح ومعيارا للتقييم بالنسبة للمصحح ..
– التحكم الجيد في علامات الربط والانتقال بين الأفكار والعناصر وتسلسلها.
– اللغة السليمة الخالية من الأخطاء والخط الواضح المقروء.
– التنظيم الجيد للورقة وتجنب الشطب والحذف والعلامات التي قد تسبب الإقصاء أو التقليل من النقطة الممنوحة.
الخاتمة:
– ترك سطر بعد العرض وفراغ بداية السطر تنتهي بنقطة أو استفهام هام.
– موجزة مركزة متناسقة من حيث الحجم مع المقدمة وحجم المقال.
– حوصلة مركزة لما جاء في العرض وتذكر القارئ بأهم ما جاء في المقال.
– تجيب على الإشكالية الأساسية.
أرجو أن أكون قد وفقت وأفدت.
بالتوفيق للجميع ولا تنسونا من صالح دعائكم.