كيف تناولت الكتب الأمريكية الحرب على الإرهاب خلال عقدين؟ – عقدة سبتمبر

تكاد تُجمع الكتب الصادرة عن كبريات دور النشر الأمريكية خلال الفترة الماضية، عن تحول أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى “عقدة” في السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية لم يتم تجاوزها بعد على الرغم من مرور ما لا يقل عن عقدين من وقوعها. فالحروب الأمريكية على أفغانستان والعراق، والتدخلات العسكرية في العديد من مناطق الصراعات مثل سوريا؛ لم تؤدِّ إلى تحقيق الأمن في الداخل الأمريكي، أو إنهاء التهديدات الإرهابية بصورة كاملة، وإنما تمخض عنها تكلفة مادية وبشرية ضخمة، وأدت لتقويض مكانة الولايات المتحدة عالميًا، وتزايد أزمة الثقة في القيم المركزية في النموذج الأمريكي، وانتهاءً بالمشهد الفوضوي للانسحاب من أفغانستان وإجلاء الرعايا من كابول.

وفي هذا الإطار، يأتي تقرير “كارلوس لوزادا”، الناقد والمحرر الأمريكي بصحيفة “واشنطن بوست”، المعنون “11 سبتمبر كانت اختبارًا: كتب العقدين الماضيين التي توضح كيف فشلت الولايات المتحدة”، وذلك في 05 سبتمبر 2021، ليكشف عن تطور تناول ارتدادات 11 سبتمبر في الكتب الأمريكية.

1- إقرار بفشل الحرب الأمريكية من لجنة “11 سبتمبر”: يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة قد فشلت في التعامل مع التهديدات الإرهابية بشهادة اللجنة التي شكلتها السلطات الأمريكية وحملت اسم “11 سبتمبر”، حيث أشارت اللجنة في تقاريرها إلى أنه على الرغم من التحذيرات الكبيرة للإدارات الأمريكية المتعاقبة من خطورة القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، فقد حدثت هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

2- تغافل واشنطن عن شعارات القيادة الأخلاقية للعالم: يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت تتحدث عن ضرورة أن “تقدم للعالم صورة للقيادة الأخلاقية للعالم، التي تلتزم بمعاملة إنسانية، وتحافظ على سيادة القانون، وتراعي مصالح الجوار، وتدافع عن المُثل العليا بقوة”، وكانت هذه الشعارات هي أكثر ما ترفعه الولايات المتحدة، وأكثر ما تتجاهله في الوقت نفسه، فبدلًا من أن تقوم الولايات المتحدة بتجسيد هذه القيم النبيلة كرد على 11 سبتمبر؛ شرعت في تنفيذ سياسات تعبر عن: الخداع، والوحشية، والغطرسة، والجهل. حيث ساهمت السياسات الأمريكية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر في تسييس الأمن، وتقنين الوحشية، وتسليح الوطنية. ويُنوّه التقرير إلى أن هذه الحالة كانت في البداية طارئة واستثنائية، ولكنها تحولت بعد ذلك إلى نهج أمريكي دائم.

3- تجاهل الإدارة الأمريكية للتحذيرات بخصوص الإرهاب: يسلط التقرير الضوء على رواية “حروب الأشباح” لـ”ستيف كول”، التي سلط فيها الضوء على تورط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في جرائم عديدة قبل مرحلة 11 سبتمبر، لكن التحول الذي حدث هو أن هذه الجرائم تكشّفت للعالم بعد 11 سبتمبر بشكل واضح وجلي. كما أشار “كول” في روايته إلى تحذيرات سرية في منتصف 1990 من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة المخابرات المركزية، وهيئة الاستخبارات الوطنية، وهي التحذيرات التي قالت إن هنالك عدة أهداف في خطر، ومنها: البيت الأبيض، والكابيتول، ورموز الرأسمالية الأمريكية (مثل: وول ستريت)، حتى إن فيلمًا سينمائيًا حمل عنوان “There’s the exasperated” ذكر في السيناريو على لسان مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: “هل يتعين على القاعدة أن تهاجم البنتاجون حتى تلفت انتباههم؟”.

4- عدم التحرك الاستباقي ضد أفكار التنظيمات الإرهابية: أشار التقرير إلى كتاب “برج يلوح في الأفق: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر”، لـ”لورانس رايت”، والذي ناقش عقلية الإرهابيين بقيادة “أسامة بن لادن”، وأهدافهم من هجمات 11 سبتمبر، خصوصًا ما يتعلق برغبتهم في بث الرعب داخل الولايات المتحدة. كما تطرق “رايت” إلى دور وتأثير المنظّر الجهادي المصري “سيد قطب” على إرهابيي القاعدة، خصوصًا فيما يتعلق بالتصورات التي طرحها حول “حتمية الصدام” بين الإسلام والغرب أو الحداثة، وهي التصورات التي لم تتعاطَ معها الولايات المتحدة بالشكل الأمثل، بل ساهمت سياساتها في تعميقها حسب “رايت”.

5- التنافس بين الأجهزة الأمنية وعرقلة التحركات الأمريكية: في كتابه “صعود وسقوط أسامة بن لادن” يشير “بيتر بيرجن” إلى لحظة وصول “أسامة بن لادن” من السودان إلى أفغانستان عام 1996، باعتبارها اللحظة الأولى في اتجاه التآمر لتنفيذ أحداث 11 سبتمبر. ويربط الكاتب بين هذا التوجه لدى “بن لادن” وبين فتواه عام 1998 بأن “الواجب الشرعي على كل مسلم هو أن يقتل الأمريكيين في أي بلد يتواجدون فيه”. وأشار الكتاب إلى أن الرئيس الأمريكي “بوش” سَخِر من تحقيقات أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي قالت له إن نشاط “بن لادن” الدعائي والحشدي ضد الولايات المتحدة قد تصاعد كثيرًا.

وأشار “بيرجن” إلى أن محللة الاستخبارات الشابة في وزارة الخارجية الأمريكية “جينا بينيت” كتبت أول مذكرة سرية تحذر فيها من تنامي نشاط “بن لادن” عام 1993. ويحاول الكتاب تفسير تجاهل التحذيرات بالقول إنه يرجع إلى التنافس الكبير بين الأجهزة الأمنية الأمريكية وبعضها بعضًا، خصوصًا بين مكتب التحقيقات الفيدرالية، ووكالة المخابرات المركزية، فضلًا عن الإجراءات البيروقراطية التي أعاقت التنسيق بين الأجهزة، والتعامل بفاعلية أكبر مع هذه التحذيرات.

كما أشار “بيرجن” إلى أن الحديث عن علاقات للعراق بتنظيم “القاعدة”، كانت محض ادّعاءات كاذبة. ويقول “بيرجن” إن أسامة بن لادن “حقق من خلال هجمات 11 سبتمبر انتصارًا تكتيكيًا، لكن هذا الانتصار ترتب عليه خسارة استراتيجية ارتبطت بالسياسات التي تبنّتها الولايات المتحدة، والغزو الذي قامت به للعراق وأفغانستان”.

6- تحوّل سياسات الولايات المتحدة نحو “الوحشية“: سلط “بوب وودوارد” في كتابه “بوش في حالة حرب” الذي صدر عام 2003، الضوء على المناقشات التي كانت تجري بين الرئيس الأمريكي وفريقه للأمن القومي، وفي حوار له مع “وودوارد” سقطت عبارة من “بوش” قال فيها: “سوف أحضرهم أحياء أو أموات”، وحاول بعدها تبرير هذه العبارة والقول إنها محاولة للتأكيد على عزمه محاربة الإرهاب مهما تطلب الأمر، لكن هذه العبارة كانت كاشفة لنهج الإدارات الأمريكية في الفترات اللاحقة، وهي الفترات التي تم فيها تجاوز القانون تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهو التجاوز الذي تجسّد في ممارسات وأساليب استجواب وكالة المخابرات المركزية للمشتبه بهم في قضايا إرهاب. وتوسع الكتاب في ذكر أمثلة على ما حدث من تعذيب للمتهمين بتهم إرهاب.

7- هيمنة كبار المساعدين على عقيدة “بوش الابن”: في كتاب (لبدء حرب: كيف أخذت إدارة بوش أمريكا إلى العراق)، يشير “روبرت درابر” إلى تأثير كبار مساعدي الرئيس “بوش” عليه، خصوصًا نائب وزير الدفاع “بول وولفويتز” المهووس منذ فترة طويلة بالإطاحة بصدام حسين، ورئيس البنتاجون “دونالد رامسفيلد” الذي كان حريصًا على إثبات صحة نظرياته العسكرية.

8- تصاعد غضب الشعب العراقي من الولايات المتحدة: أشار التقرير إلى كتابات “أنتوني شداد” في “واشنطن بوست” التي فيها غضب الشعب العراقي من الأمريكيين، نتيجة لإحساس العراقيين بأن الأمريكيين يتدخلون فيما لا يعنيهم، وبالتالي ركز الكتاب على فكرة عدم شرعية الحضور الأمريكي في العراق، من منظور العراقيين أنفسهم. وأشار “شداد” إلى أن الولايات المتحدة، بمجرد تحولها من مرحلة “تحرير” العراق من حكم صدام حسين إلى مرحلة احتلال العراق، فقدت كامل شرعيتها، ووفرت بيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية التي وصفت الاحتلال الأمريكي للعراق بـ”الحرب الصليبية” على الإسلام.

9- معاناة الجنود الأمريكيين في الحروب الخارجية: في كتابه “الجنود الجيدون” الذي نُشر عام 2009، يُسلط “ديفيد فينكل” الضوء على الكتيبة العسكرية الأمريكية التي نُشرت في العراق عام 2007 و2008، وهي الكتيبة التي عادت عام 2013، ليلتقي “فينكل” ببعض أعضائها وينشر قصصهم، وتجربتهم، وحجم المعاناة التي تعرضوا لها.

وختامًا، انطلق التقرير من حدثين: الأول هو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والثاني هو هجوم داعش على مطار كابول، ليطرح تساؤلات تحاول الوقوف على مستقبل الدور الأمريكي العسكري والاستخباراتي في أفغانستان، وذلك في ضوء إعلان الرئيس “بايدن” عن استمرار الحرب الكونية على الإرهاب، على الرغم من الانسحاب الكامل من أفغانستان.

المصادر والكتب الواردة في التقرير:

– Carlos Lozada , 9/11 was a test. The books of the last two decades show how America failed, Washington Post, September 5, 2021.

– Steve Coll, Ghost Wars, Penguin Books, London, December 2004.

– Lawrence Wright, The Looming Tower: Al-Qaeda and the Road to 9/11, Knopf Publishing Group, August 2006.

– Peter L. Bergen, The Rise and Fall of Osama bin Laden, Simon & Schuster, August 2021.

– Bob Woodward, Bush at War, Simon & Schuster, July 2003.

– David Finkel, The Good Soldiers, Sarah Crichton Books, September 2009.

– Robert Draper, To Start a War: How the Bush Administration Took America into Iraq, Penguin Press, July 2020.

5/5 - (1 vote)

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button