منهجية التحليل السياسي

لغة الخطاب السياسي – وليد عبد الحي

نقطة البدء في تحليل الخطاب- أي خطاب- هي في تحديد ما إذا كانت اللغة أداة محايدة للتواصل بين الأفراد، وشفافة تنم عن مضمونها بيسر (تشومسكي) ، أم أنها “مراوغة” لها شموس وظلال (بارث)، ثم هل هي أداة تصف الواقع لا غير(كما يعتقد الوضعيون)؟ أم انها تبدع واقعها الخاص (كما يرى السميائيون وغيرهم)؟ تلك هي جوانب البحث في تحليل الخطاب منذ سك عالم اللسانيات الأمريكي هاريس (Zellig Harris) هذا المفهوم، هادفا كما يقول إلى “فهم لا ما يقول الخطاب، بل كيف يقول بغرض تحقيق وعي أوسع له، من خلال تجاوز الحدود الوصفية للجملة، ثم كشف الرابط بين اللغة والثقافة.
ولكن إذا انتقلنا لميدان السياسة، هل نبحث السياسة من خلال اللغة (أي أن أداة البحث هي اللغة ومادة البحث هي السياسة)، أم نبحث اللغة من خلال السياسة (وتصبح السياسة أداة البحث بينما اللغة مادته)، ذلك يعني أن المنهج الأول يبحث معنى الحرية في السياسة.. بينما المنهج الثاني كيف يوظف السياسي مفهوم الحرية في لغته؟ الأول يفترض أن للحرية معنى لغويا محددا، لكن السياسي يتلاعب بسياقات المفردة ليحصل على معانٍ مختلفة، والثاني كيف ينبش السياسي اللغة ليصل لمآربه؟ إنها تلك العلاقة بين المتنبي وسيف الدولة؟ فأيهما كان يستغل الآخر؟ فالأول يوظف اللغة ليحصل على السلطة، والثاني يوظفها لتعزيز سلطته.
وإذا كان أطراف لعبة الخطاب ثلاثة: مرسل ومستقبل وبينهما رسالة (نص مكتوب أو مسموع)، فهل هناك توزيع لموازين القوى بين هذه الأطراف؟ ولمن يختل ذلك الميزان؟ ومتى يختل؟ أم أن التوازن في القوى هو القاعدة؟ وكل ذلك يعني أن العلاقة بين الأطراف الثلاثة هي علاقة قوى، وجوهر السياسة هو “علاقات قوى”.
ويبدو أن علماء السياسة يَجهدون في تحليلهم للخطاب السياسي نحو استقلالية عن محددات الخطاب الأدبي بحكم لغتهم الخاصة، فكيف نفهم قول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بأن “الدبلوماسي الذكي هو الذي إذا قال نعم فهو يعني ربما، وإذا قال ربما فهو يعني لا، ولكنه لا يقول لا”، وهو ما يجعل الباحث مضطرا للاتكاء على طيف من مناهج التحليل بدءا من التحليل النفسي وانتهاء بالتحليل الكمي، فهل هذا ممكن؟.
فإذا اخترنا الخطاب السياسي العربي المعاصر مادةً نختبر من خلالها تساؤلاتنا السابقة، فإن علينا بداية أن نحدد معايير تمييز النص السياسي عن النص غير السياسي؟ فهل الإعلان عن عدد الأنواط (المداليات) التي فازت بها دولة معينة في المهرجانات الرياضية الدولية هو نص سياسي أم غير سياسي؟ ثم من هو المرسل هنا للنص؟ هل هم أفراد أم سلطة سياسية أم زعماء أم جهات إعلامية، أم منظمات دولية أم مفكرون؟ وما هي الرسالة السياسية؟ هل تعني الرسالة السياسية شريحة مجتمعية (المتلقي) دون غيرها؟ وعليه- في هذه الحالة- مَن هو المعني بخطاب الديمقراطية أو الحرية أو المساواة أو العدالة أو كل خطابات المنظومات القيمية التاريخية والمعاصرة؟ هل هو فرد معين أم الجمع كله؟ فعلى سبيل المثال، ثمة فارق بيّن بين خطاب حقوق المواطن وحقوق الإنسان، فالثاني يشمل الأول لكن العكس غير صحيح.
لعل كل هذه الأسئلة تستحق منا التأمل العميق من ناحية والرَّوية في الإجابة من ناحية أخرى.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى