نظرية العلاقات الدولية

لماذا تزايدت حالة عدم الثقة في النظام الدولي القائم؟

بقلم شيفشانكار مينون –  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

عرض: د. إيمان أحمد عبد الحليم

يعاني النظام الدولي الحالي من أزمة عميقة في ضوء التحديات غير المسبوقة التي يواجهها العالم، وآخرها الحرب الأوكرانية التي دفعت الكثيرين إلى الحديث عن أن هناك نظاماً دولياً جديداً قيدَ التشكُّل بشكل مُغايِر للنظام الدولي الذي تشكَّل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، خاصةً أن هذه الحرب أفرزت قضايا ومتغيرات لم تكن بارزة خلال العقود الثلاثة الماضية، مثل عودة سياسة التكتُّلات والأحلاف بصورة قوية، والارتكان إلى القوة بدلاً من القواعد أو الأعراف. وفي هذا الإطار، نشر موقع “فورين أفيرز” مقالاً للكاتب “شيفشانكار مينون” مستشار الأمن القومي السابق بالهند، بعنوان “لا أحد يريد النظام الدولي الحالي”، في 3 أغسطس 2022. أكد المقال أن درجة الثقة بالنظام الدولي القائم تراجعت إلى درجة أن البعض يعتقد أنه بات غير مقبول من قبل جميع الدول.

امتعاض جماعي

قدَّم المقال مجموعة من الأسباب التي رأى أنها تفسر تراجع درجة الثقة بالنظام الدولي. ويمكن استعراض ذلك عبر ما يأتي:

1– ضعف استجابة النظام الدولي للتحديات العالمية: أوضح المقال أنه مع تخبُّط التفاعلات الدولية في إطار النظام الدولي القائم، فإن القدرة على مواجهة التحديات العابرة للحدود تراجعت. وأشار المقال إلى أن آخر استجابة متماسكة من قبل النظام الدولي لمثل هذه التحديات كانت خلال قمة مجموعة العشرين في لندن في أبريل 2009، عندما اتخذ كبار القادة عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، خطوات لتجنُّب كساد كبير آخر، وتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي العالمي. ورأى المقال أن الاستجابة الدولية اللاحقة لتغيُّرات المناخ، وأزمة الديون في الدول النامية، أو حتى لتبعات جائحة كورونا، لم تكن ناجحة في تحفيز التعاون الدولي عالمياً على النحو المطلوب.

2– تراجع درجة الالتزام بالحفاظ على النظام الدولي: وفقاً للمقال، ينبع هذا الفشل في الاستجابة للتحديات الدولية من حقيقة أن عدداً أقل من الدول، بما يشمل الدول التي أسست النظام الدولي، لا تزال ملتزمةً بالحفاظ عليه؛ إذ تُظهر القوى الكبرى في النظام ما يمكن تسميته بالسلوك “التنقيحي”؛ حيث تسعى وراء أهدافها الخاصة على حساب النظام الدولي، بل يمكن أن تسعى إلى تغيير النظام الدولي نفسه، كما هو واضح في موقف روسيا.

3– سعي بكين لاحتلال مركز الصدارة في النظام الدولي: رغم أن الصين تعتبر – بحسب المقال – هي المستفيد الأكبر من نظام العولمة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها الآن – وبحسب تعبير الرئيس “شي جين بينج” – تريد “احتلال مركز الصدارة”؛ حيث تسعى بكين صراحةً إلى إعادة ترتيب ميزان القوى في آسيا، وإعطاء صوت أكبر لنفسها في الشؤون الدولية. وطبقاً للمقال، فإنه على الرغم من ذلك، لا يزال يتعيَّن على القادة الصينيين تقديم أيديولوجية بديلة تجذب الآخرين أو تُضفي الشرعية على سعيهم إلى الهيمنة، كما أن نفوذ الصين حتى في جوارها المباشر لا يزال محل خلاف، خصوصاً ما يرتبط بمستقبل تايوان والنزاعات الإقليمية مع الهند واليابان.

4– عدم تقبُّل روسيا النظامَ المفروض من قبل الغرب: أكد المقال أن روسيا لم تنسجم مع النظام العالمي الذي سعت القوى الغربية إلى فرضه في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة مباشرةً، مشدداً على أنها مستاءة من تراجع وتقلُّص نفوذها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. ورأى المقال أن التدخُّل العسكري الروسي في أوكرانيا يُعَد أحدث مثال على هذا الاستياء، الذي يقود روسيا إلى العمل مع الصين لتقويض القيادة الأمريكية العالمية، ومحاولة زعزعة أمن أوروبا، وفق ما ذكره المقال.

5– تعزيز عدة دول قدراتها بعيداً عن الحليف الأمريكي: أوضح المقال أنه في خِضمِّ التصارع على قيادة النظام الدولي، والمخاوف التي أثارها تخلي واشنطن إبان رئاسة “دونالد ترامب” عن دعم الحلفاء، مثل ألمانيا واليابان، فإن العديد من الدول الحليفة عملت على تعزيز قدراتها الأمنية الخاصة. وأشار المقال إلى أنه في ضوء أن ألمانيا تُعتبَر قوة اقتصادية ذات طموحات سياسية، فإنها تقوم الآن بدور إقليمي ودولي أكثر حزماً، من خلال السعي إلى بناء جيشها، وتسليح أوكرانيا، وإعادة تقييم علاقاتها بالصين وروسيا.

ووفقاً للمقال، تُعِيد اليابان أيضاً تقييم دورها في المنطقة وفي النظام العالمي مدفوعةً بصعود الصين؛ حيث تمرُّ الدولة بمرحلة انتقالية من قوة مسالمة وغير تدخُّلية تُركِّز على الاقتصاد، إلى دولة طبيعية تعتني بمصالحها الأمنية الخاصة، وتحاول لعب دور قيادي في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. وبحسب المقال، يُعَد مسعى الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو أوضح مثال على رغبتها في أن يكون لها دور أكبر في النظام الدولي، بما يتناسب مع وزنها الاقتصادي والجيوسياسي.

6– فقدان الدول الأضعف الثقةَ بشرعية النظام: طبقاً للمقال، إذا كانت القوى الكبرى غير راضية عن قواعد النظام الدولي القائم، فإن الدول الأضعف في جنوب الكرة الأرضية تفقد الثقة باطراد بشرعية وعدالة النظام الدولي، خصوصاً مع إخفاق مؤسساته (الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين، وغيرها)، في التعامل مع قضايا التنمية، وتحديداً أزمة الديون التي تعاني منها الدول النامية، مع أزمة جائحة كورونا، وتضخُّم أسعار الغذاء والطاقة الناجم عن حرب أوكرانيا.

7– ابتعاد واشنطن عن المؤسسات الدولية التي بنتها: نوه المقال أنه في ضوء اعتبار الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، فإنها تلتزم بتوسيع أجندة الرئيس “جو بايدن” المحلية التي تحمل عنوان “إعادة بناء عالم أفضل”. ولفت المقال إلى أن اسم البرنامج يشير في حد ذاته إلى أن النظام الدولي الذي تزعمته الولايات المتحدة بنجاح كبير لأكثر من نصف قرن، يحتاج إلى تحسين. لكن يبدو أن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن – وفقاً للمقال – منقسمة بين الداعين إلى الانعزالية وضبط النفس، وبين الذين يُقسِّمون العالم بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية. ورأى المقال أن هذا الأمر تسبب في ابتعاد الولايات المتحدة عن المؤسسات الدولية التي بنتها، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، كما تراجعت عن التزاماتها بالتجارة الحرة بالانسحاب من اتفاقيات مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ.

تسلل الفوضى

وختاماً.. أكد المقال أن نوعاً من الفوضى يتسلَّل إلى العلاقات الدولية في ظل هذا الوضع؛ ليس الفوضى بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن غياب مبدأ تنظيمي مركزي الهيمنة؛ حيث لا يمكن لأي قوة بمفردها أن تُملِي شروط النظام الدولي الحالي، فيما لا تلتزم القوى الكبرى بمبادئ ومعايير النظام الدولي، وفق ما ذكر المقال. وشدد المقال أنه في حين تُشكِّك الصين وروسيا في الجوانب الرئيسية للنظام الليبرالي الغربي، ولا سيما معاييره المتعلقة بعالمية حقوق الإنسان، فإنها مع ذلك لا تقدم بديلاً جذاباً للنظام الدولي القائم، في ظل انتهاكاتهما القائمة ضد الجوار، على حد ذكر المقال.

المصدر:

Shivshankar Menon, Nobody Wants the Current World Order, Foreign Affairs, August 3, 2022, Accessible at: https://www.foreignaffairs.com/world/nobody–wants–current–world–order

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى