دراسات أسيويةدراسات استراتيجيةدراسات جيوسياسية

لماذا تزايد الاهتمام الغربي بكوريا الجنوبية؟

تعتبر كوريا الجنوبية الشريك الأكثر قيمة، إلى جانب اليابان، في قارة آسيا ومنطقة الهندو-باسيفيك بالنسبة للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ الأمر الذي بدوره يدفع الجانب الغربي إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز العلاقات التعاونية المشتركة، لا سيما مع وجود الرئيس الحالي لكوريا يون سوك يول، الذي يبدي ترحيباً غير مسبوق من أجل توطيد علاقة بلاده بالدول الغربية، من خلال البناء على نجاحات الإدارات السابقة في ملف تكثيف التعاون مع الغرب، بل إتاحة فرص أكبر لتعاون أوسع في المستقبل؛ وذلك في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية التي يتخذ منها الجانبان مواقف متشابهة ومتقاربة، ناهيك عن تحول شبه الجزيرة الكورية إلى واحدة من البؤر المشتعلة في الآونة الأخيرة في ضوء سياسات التصعيد من قبل كوريا الشمالية.

دوافع التقارب

ثمة دوافع متعددة قد جذبت البلدان الغربية لتكثيف تعاونها مع كوريا الجنوبية، سواء كان في صيغة تقارب ثنائي أو متعدد الأطراف، وهو ما قابله ترحيب واسع من الجانب الكوري الذي يسعى إلى القيام بدور أكثر فاعلية على الصعيدين العالمي والإقليمي، بالتعاون مع الغرب. ويمكن تناول أبرز هذه الدوافع على النحو التالي:

1- الأهمية الجيواستراتيجية لكوريا الجنوبية: تقع كوريا الجنوبية في شرق آسيا في النصف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة للدول الغربية، خاصة خلال الآونة الأخيرة، باعتبارها منطقة تنافس جديدة في النظام الدولي، وباعتبار كوريا الجنوبية فاعلاً رئيسياً في منطقة الهندو-باسيفيك، يرى الاتحاد الأوروبي أنه من الضروري توثيق علاقته بها، خاصة في ظل عهد رئيسها الحالي يون سوك يول، من أجل إدارة تداعيات التنافس المتزايد بين الصين والولايات المتحدة، ومواجهة تهديد موسكو المباشر للنظام العالمي التي تجمعها علاقات جيدة مع كوريا الشمالية التي تمثل أيضاً مصدر تهديد رئيسي للغرب.

2- مواجهة تحديات الطاقة والتغيرات المناخية: مع تفاقم ظاهرة تسليح صادرات الطاقة، على خلفية تداعيات الحرب في أوكرانيا، زادت الحاجة إلى التعاون الغربي مع كوريا في مجال الطاقة وتغير المناخ؛ فقد سبق أن قامت الولايات المتحدة وكوريا بمساعدة الاتحاد الأوروبي في تأمين مصادر أخرى للطاقة، بعد توقف صادرات الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية؛ حيث قامت سيول بتحويل مسار بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال المتجهة إليها نحو الأراضي الأوروبية، لتزويدها بالغاز الطبيعي المتعطشة له.

هذا تمتلك كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي مبادرات طموحة خاصة بتغير المناخ، وهي المبادرات التي بدورها تسعى إلى خفض الانبعاثات الكربونية، وهو ما سيتطلب الانتقال إلى السيارات الكهربائية، وتخضير العمليات العالية الكثافة الكربونية مثل إنتاج الصلب، وتطوير مصادر طاقة جديدة كالهيدروجين الأخضر، ومن المقرر أن تلعب كوريا الجنوبية دوراً مهماً في هذا الشأن، وتحديداً في مجال بطاريات السيارات الكهربائية؛ إذ أعلنت الشركات الكورية الجنوبية عن ضخ أكثر من 13 مليار دولار في مرافق إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، التي ستلبي احتياجات كل من المنتجين المحليين والأجانب، كما تقوم الشركات الكورية الجنوبية أيضاً بتوسيع إنتاجها في الاتحاد الأوروبي لتلبية الطلب الأوروبي.

3- تأكيد تماسك التحالفات في المنطقة ضد الصين: في أوائل شهر مارس الماضي، اقترحت الولايات المتحدة إقامة تحالف صناعة أشباه الموصلات مع شركائها الآسيويين، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، بهدف إبقاء صناعة أشباه الموصلات الوليدة في الصين في وضع حرج؛ إذ يعد تحالف “Chip 4” جزءاً من استراتيجية الولايات المتحدة لتعزيز وصولها إلى الرقائق الحيوية وإضعاف المشاركة الصينية، على أسس التجارة والأمن القومي.

وفي ظل التوترات السياسية والعسكرية الأخيرة بمنطقة الهندو-باسيفيك، تسعى كوريا إلى الانضمام للتحالفات الأمنية والاستخباراتية الغربية من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية ضد أي تهديدات خارجية، وهي تحالفات كانت قد شكلت بالأساس بهدف مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، مثل تحالفي كواد والعيون الخمس، بيد أن هناك تحفظات عديدة على انضمام كوريا الجنوبية إليها؛ إذ يعتقد بعض المحللين أن ذلك يرجع إلى عدم رغبة كوريا في خسارة الصين بشكل قاطع وعدم عزلها أكثر، باعتبارها أكبر شريك اقتصادي لها؛ الأمر الذي قد ترد فيه بكين بقوة على مشاركة سيول في أي من هذه التحالفات، لا سيما وجود بعض الشكوك من التحفظات اليابانية المحتملة حول الانضمام الكوري؛ وذلك على خلفية علاقاتها الثنائية المتوترة مع كوريا.

4- مواجهة استفزازات كوريا الشمالية: يظل التوتر المستمر القائم بين الجارتين الشمالية والجنوبية على مدى العقود الأخيرة، أحد أبرز الدوافع التي لا تزال تشجع سيول على تكثيف تعاونها مع المعسكر الغربي، الذي يشترك معها في معاداته سياسات بيونج يانج، سواء سياسياً أو عسكرياً. ورداً على موجة الصواريخ الباليستية التي أطلقتها كوريا الشمالية مؤخراً، أجرت الطائرات المقاتلة الكورية الجنوبية والأمريكية تدريبات على القصف الدقيق، فضلاً عن إطلاقهما وابلاً من الصواريخ في البحر؛ في إطار إظهار قدرات الحلفاء على توجيه ضربة دقيقة لاستفزازات بيونج يانج، كما تعهدت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان بتعزيز التعاون وزيادة إجراءات الردع، من خلال إجراء مناورات دفاعية صاروخية مشتركة؛ وذلك قبل تجربة نووية متوقعة من قبل كوريا الشمالية، حيث إن الأخيرة أنهت استعداداتها لإجراء تجربة نووية ستكون السابعة منذ عام 2006.

أبعاد رئيسية

تحقيقاً للدوافع المشار إليها سابقاً، اتخذ التقارب الغربي – الكوري مجموعة من الأبعاد المختلفة؛ وذلك في كافة مجالات التعاون المشتركة. ويمكن إيجاز أبرز هذه الأبعاد على النحو التالي:

1- تعميق الانخراط الكوري في السياسة الدولية: حددت إدارة الرئيس الكوري “يون سوك يول” هدف قيام بلاده بدور أكثر فاعلية في الشؤون الدولية كأحد أولويات السياسة الخارجية الكورية، بحيث تصبح كوريا الجنوبية دولة محورية عالمية، تعمل بنشاط على تعزيز الحرية والسلام والازدهار من خلال القيم الديمقراطية الليبرالية، وقد أحرزت إدارة “يول” بالفعل تقدماً في تحقيق هذه الرؤية؛ حيث تطلع الرئيس الكوري إلى توقيع برنامج تعاون جديد مع الناتو. وقد تحدثت سيول مع الناتو أيضاً حول فتح مركز اتصال في بروكسل، وفقاً لما ذكره مستشار الأمن القومي الكوري كيم سونج هان، وهو ما قابله أيضاً ترحيب واسع منهم؛ إذ إنه فور توليه مهام منصبه رئيساً لكوريا الجنوبية، استقبل يون نظيره الأمريكي جو بايدن في سيول، ليصبح الأخير أول رئيس يجري زيارة لكوريا، في دلالة واضحة على أطر التقارب السياسي بين الجانبين.

2- الدعم الأمني المتبادل في مواجهة التهديدات: حضر الرئيس الكوري قمة حلف الناتو التي عقدت في مدريد بنهاية شهر يونيو الماضي، كأول رئيس كوري جنوبي يحضر قمة للحلف، في إطار خطة الجانبين لتعميق التعاون الأمني، وهو ما تم تعزيزه بقبول بعثة كوريا الجنوبية في الناتو؛ وذلك نتيجة لحاجة الأخير إلى التعاون مع شركاء خارج منطقته لمواجهة التحديات عبر الإقليمية وتحقيق المصالح الأمنية المشتركة، سواء تلك المتعلقة بالحرب الأوكرانية أو الوضع المتوتر في بحر الصين الجنوبي.

كما أن مساهمة سيول في الأمن الأوروبي لا تقتصر على المشاركة الدبلوماسية والعسكرية، بل إن صناعة الأسلحة في كوريا يمكن أن تلعب أيضاً دوراً مهماً؛ وذلك نظراً إلى فاعليتها من حيث التكلفة وعمليتها بالنسبة للدول الأوروبية الصغيرة التي لا تستطيع تحمل تكلفة الأسلحة الأمريكية المتقدمة. ويساعد على ذلك أن الأسلحة الكورية تم تطويرها من قبل حليف أمريكي وثيق، كما أنها قابلة للتشغيل المتبادل مع الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق نوعاً من التناغم في العلاقات المحتملة بين كوريا الجنوبية وحلف شمال الأطلسي، كما يمكنه أن يعزز الصناعات الدفاعية في كوريا الجنوبية.

3- تعزيز التفاهمات الاقتصادية والتكنولوجية: في حين أن التعاون الأمني بين كوريا والدول الغربية يضع الطرفين على مسافة أقرب في العلاقات بينهما، فمن المؤكد أن الجانبين سيستفيدان من فرص التعاون الاقتصادي والتكنولوجي على شكل أوسع؛ حيث إنه مع انحسار وباء كورونا عالمياً، هناك حاجة ملحة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتعزيز قدراتهما من أجل تصنيع أشباه الموصلات المحلية، وفي ضوء التنافس الغربي مع بكين، واستحواذ آسيا على إنتاج أكثر من 75% من أشباه الموصلات في العالم، سعت واشنطن إلى التواصل مع سيول في هذا المجال، ومن المتوقع أن تنضم بروكسل إلى هذا التواصل حتى يرقى هذا التعاون إلى المستوى الأمثل؛ من أجل سد احتياجاتها من هذه الصناعة الاستراتيجية الهامة، خاصة في ضوء المبادرة الأمريكية “Chip 4”.

4- محاولة تفكيك العلاقات التجارية بين سيول وبكين: في ضوء الهدف الكوري إلى تقليل الاعتماد على الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري لها، تعمل سيول مؤخراً على زيادة صادراتها من الرقائق الإلكترونية والسلع العالية التقنية إلى البلدان الغربية.

على الجانب الآخر، كان هناك سعي من جانب مختلف الدول الغربية من أجل تنشيط حجم التبادل التجاري مع كوريا خلال السنوات الأخيرة، بهدف تقديم أسواقها كبديل جذاب للمنتجات الكورية بدلاً من أن تصدرها للصين، لا سيما مع رغبتها في الاستفادة من منتجاتها العالية التقنية، حتى إن حجم التبادل التجاري لكوريا الجنوبية مع مجموعة السبع الصناعية الكبرى، باعتبارها أكبر كتلة اقتصادية تعبر عن المعسكر الغربي، قد وصل إلى 337 مليار دولار خلال عام 2021، مقارنة بنحو 271 مليار دولار في عام 2020، لتستحوذ بذلك أسواق دول المجموعة على أكثر من 50% من الصادرات الكورية؛ الأمر الذي يوضح مدى الارتباط التجاري للدولة الآسيوية بالدول الغربية، خاصة أن كوريا كانت أول اقتصاد رئيسي لديه اتفاقات تجارة حرة مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

5- تكثيف المناورات العسكرية مع سيول: فقد عملت الدول الغربية على تعميق تعاونها العسكري والأمني مع كوريا الجنوبية كأداة لتأكيد وقوفها بجانب سيول في مواجهة التهديدات القادمة بصورة رئيسية من كوريا الشمالية. وشكلت المناورات العسكرية أداة هامة في هذا الصدد؛ حيث نفذت الولايات المتحدة تدريبات ومناورات عديدة مع كوريا خلال الشهور الماضية، وكان آخرها التدريبات الجوية المشتركة، التي بدأت يوم 31 أكتوبر الماضي واستمرت نحو أسبوع، وتضمنت مشاركة 240 طائرة عسكرية، واثنتين من القاذفات الاستراتيجية الأمريكية من طراز “بي-1 بي”.

6- تقديم الدعم لسيول في الأزمات الطارئة: وهو ما ظهر بعد حادث التدافع الذي وقع يوم 29 أكتوبر الماضي خلال احتفالات الهالوين في منطقة إيتايون، وأسفر عن مقتل 156 شخصاً وإصابة آخرين؛ فبعد هذا الحادث سارعت الدول الغربية إلى التعبير عن تعاطفها مع كوريا الجنوبية واستعدادها لتقديم الدعم؛ فعلى سبيل المثال، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن الولايات المتحدة ستقدم الدعم لكوريا الجنوبية.

ولا يمكن إغفال أن هذا الدعم يتقاطع مع حرص الدول الغربية على الحفاظ على الاستقرار الداخلي في كوريا الجنوبية لضمان استمرار تناسق المواقف في مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، وعلى وجه التحديد الصين وكوريا الشمالية؛ إذ ليس من مصلحة الدول الغربية أن تهتز شرعية الرئيس الكوري في اللحظة الراهنة وخصوصاً أن الحادث ساهم في تصاعد حالة الغضب الداخلي وانتقاد أداء السلطة في التعامل مع مثل هذه الأحداث.  

خلاصة القول: تشهد العلاقات الكورية–الغربية رواجاً مكثفاً على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل من المتوقع أن تكون أكثر نشاطاً وتوافقاً خلال السنوات المقبلة، نتيجة لوجود عديد من المصالح المشتركة، ومنها تطوير سلاسل إمدادات للطاقة تكون أكثر أماناً، وتعزيز التعاون في مجالات ​​التكنولوجيا وتغير المناخ، بهدف تحقيق أكبر الفوائد الاقتصادية الممكنة، بيد أن هذه العلاقات لا يزال يشوبها بعض التحديات التي تحول دون تنفيذ بعض مشروعات التقارب، وعلى رأسها التخوف من رد الفعل الصيني فيما يخص السعي الكوري للانضمام إلى التحالفات الغربية المناهضة لنفوذ بكين المتنامي إقليمياً وعالمياً، وخاصة في منطقة الهندو-باسيفيك.

بقلم عبد الله جمال –  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى