لماذا تصبح الحروب الأهلية أطول؟ المعايير الجديدة ، في سوريا وأماكن أخرى ، تغير وجه الصراع

في 23 اكتوبر2013، رأى الكاتب ماكس فيشر في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركيّة أنّ الحرب الأهليّة في سوريا مستمرّة لفترة طويلة وهي قد تتخطّى عام 2020. في ذلك الوقت، كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد تخلّى عن خطّته في ضرب مراكز عسكريّة تابعة لدمشق وقبِل بالمشروع الروسي القاضي بتفكيك الترسانة الكيميائيّة السوريّة. أمكن لهذه الضربات التي كانت ستوجّه ضدّ مطارات عسكريّة أن تسرّع في إنهاء النزاع السوريّ، لكنّ مقترح موسكو حمى النظام السوريّ لأشهر إضافية، قبل أن يضطر الكرملين لاحقاً للانخراط في الحرب من أجل ضمان بقاء حليفه في السلطة. في جميع الأحوال، كان يصعب توقّع المدى الزمنيّ الذي قد تستغرقه الحرب الأهليّة السوريّة لسببين على الأقلّ: الأوّل يتركّز على غياب اليقين بالنسبة إلى قدرة النظام على الصمود في وجه المعارضة المسلّحة، بينما ينصبّ الثاني على ضبابيّة الصورة في مرحلة ما بعد سقوط النظام لو حصل سيناريو كهذا. وهذا يعيد المتابعين إلى قاعدة أثبتتها الأحداث في ليبيا واليمن مفادها أنّ رحيل الأنظمة قد لا تعني بالضرورة نهاية النزاع الأهليّ. ومع ذلك، إنّ أيّ مراقب في العام 2013 كان ليجد فكرة استمرار الحرب السوريّة لمدّة سبع سنوات وأكثر موغلة في التشاؤم. لكن مع وقوف العالم عند أعتاب دخول النزاع عامه الثامن ومن دون آفاق حلّ جدّي، باتت ذاك التوقّع قريباً من الواقعيّة.

في المثل الازمة السوريّة، قدّمت الحرب الأهليّة منعطفات خادعة في بعض الأحيان. فبعدما توقّع العالم أن يكون سقوط حلب مقدّمة سريعة لكسب النظام الحرب تبيّن أنّ هذه المقولة غير دقيقة. فبعد مرور حوالي سنة وثلاثة أشهر على ذلك الحدث، لا تزال الحرب مستمرّة وبشكل أكثر عنفاً. حتى استرجاع دمشق للغوطة قد لا يشكّل تحوّلاً استراتيجيّاً على مستوى إنهاء المعاناة، وهذا يقود إلى فرضيّة متوازية مع مقاربة أنّ سقوط النظام لا ينهي الحروب الأهليّة. انتصاره قد لا ينهيها أيضاً. والسبب في ذلك يعود إلى تعدّد الأطراف الخارجيّة المنخرطة في هذا النزاع. بالعودة إلى مقال “الواشنطن بوست”، استند فيشر إلى مجموعة من الدراسات التي تعود بمعظمها إلى العقد الأوّل من الألفيّة الثالثة لكي يعطي استنتاجه بشأن استمرار الحرب الأهليّة إلى ما بعد ولاية أوباما وربّما إلى نهاية الولاية الثانية من الرئيس الذي سيخلفه أي إلى حوالي سنة 2023. ففي دراسة لجامعة ستانفورد سنة 2002 كان معدّل المدى الزمنيّ للحروب الأهليّة حول العالم هو عشر سنوات. وما يزيد من طول فترة هذه النزاعات عدم قدرة أي طرف على نزع سلاح خصمه بحسب الدراسة. وبالتالي لا يرتبط الأمر بمجرّد السيطرة على الأراضي كما يشرح فيشر. يؤدي عامل ثانٍ دوره في إطالة أمد النزاعات بشكل بارز وهو تدخّل الدول الأجنبيّة في النزاعات بحسب ما ينقل عن دراسة أخرى (2008) للجامعة الأميركيّة نفسها.قد تتفق غالبيّة الدراسات على التمدّد الزمنيّ للحروب الأهليّة وتصاعد وحشيّتها. لكن مع ذلك قد تكون النقطة الأهمّ في تلك الأبحاث الإشارة إلى استعصائها على الحلّ الذي يعتمد التسوية السياسيّة. وتؤكّد ليز مورجي هاورد وألكسندرا ستارك هذا الموضوع في تقرير حديث لصحيفة “الوول ستريت جورنال” الأميركيّة وقد اتّخذتا من سوريا مثلاً على تدهور الحروب الأهليّة. بالنسبة إليهما، لا يتزايد المدى الزمنيّ للحروب وحسب بل تتزايد أيضاً ترجيحات انتهائها بنصر أحاديّ الجانب عوضاً عن مفاوضات تسوويّة. هذا المسار يعقب فترة قصيرة امتّدت منذ سقوط جدار برلين وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر حيث انتهت غالبيّة الحروب الأهليّة بالمفاوضات. كتبت هاورد وستارك أنّ البيئة السياسيّة الدوليّة تغيّرت بعد إطلاق واشنطن الحرب على الإرهاب فارتفعت في الوقت نفسه النزعات التسلطية داخل الدول وتجدّد التركيز على الأمن في وقت بدأ يتّجه العالم إلى التعدّدية القطبيّة.في السياق نفسه، لا تتدخّل القوى الأجنبيّة اليوم في ساحات المعارك للحفاظ على التوازن الذي قد يدفع مختلف الأطراف للتفاوض، بل من أجل أن يحسم وكلاؤها الحرب لصالحهم، كما يحصل في ليبيا  ومالي وغيرها. والأمر نفسه يحصل في سوريا

الحرب في سوريا ، التي تقترب من عامها الثامن ، هي حرب بالوكالة عمومًا. تستمر المعارضة المتحدة ، التي طالما ظلت تحت حماية القوى الأجنبية ، في محاربة نظام في سوريا (الذي عززته إيران وروسيا وحزب الله). على النقيض من ذلك ، فإن الأكراد – القوة العسكرية الأكثر توجدا و تدعما في الحرب ضد داعش – تدعمهم الولايات المتحدة. وفي 10 فيفري 2018 ، قامت القوات السورية بإطاحة طائرة إسرائيلية بعد أن دخلت الطائرات بدون طيار الإيرانية المجال الجوي لإسرائيل. على الرغم من المحاولات العديدة للتفاوض على إنهاء الأعمال العدائية ، إلا أن مستوى التدخل الأجنبي في سوريا يعني أن الحرب لن تنتهي إلا بعد أن تقرر الأطراف الخارجية إنهاءها. إن الحرب السورية ، رغم أنها معقدة نسبياً ، هي مثال على اتجاه عام: فالحروب الداخلية مطولة ومن المرجح بشكل متزايد أن تنتهي بانتصار الحزب الواحد بدلاً من التسوية التفاوضية. وقد تم تشكيل هذا الاتجاه من قبل وقت قصير منذ انهيار جدار برلين حتى هجمات 11 سبتمبر ، والتي كانت الأولى في تاريخ معظم الحروب المحلية التي يتم التفاوض عليها. ما هي التغييرات التي شكلت هذا الاتجاه؟

القواعد والبيئة الدولية

تتأثر عملية الحروب الأهلية بالبيئة السياسية الدولية. هناك بيئة محددة لديها معايير محددة أو توقعات السلوك المناسب الذي يؤثر على صناع القرار. وهذا ينطبق أيضاً على حل النزاعات: لدى صناع السياسة معتقدات مختلفة حول الكيفية التي يجب أن تنتهي بها النزاعات ، بما في ذلك الحروب الأهلية ، في فترات مختلفة ، الأمر الذي يؤثر بدوره على كيفية انتهاءها.

في التاريخ المعاصر ، كانت هناك ثلاث بيئات سياسية دولية متميزة. تميزت الحرب الباردة الأولى ، التي استمرت من عام 1946 إلى عام 1989 ، باستقطابين بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. كان انهيار جدار برلين في عام 1989 بداية لبيئة ثانية ، أحادية ديمقراطية ليبرالية وهيمنة الولايات المتحدة. لقد نشأت البيئة الدولية الثالثة والحالية من هجمات 11 سبتمبر وبداية الحرب على الإرهاب ، وتزايد السلطوية ، وإعادة التركيز على الأمن ، وتعدد خصائصها

تشكل البيئة السياسية الدولية معايير الحروب الداخلية. خلال الحرب الباردة ، شهدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حروباً داخلية كمنافسات صفرية ، والتي أقرها الحزب يجب أن تسعى إلى تحقيق النصر الكامل. وبالطبع ، كانت لهذه الآراء المعيارية عواقب حقيقية على العالم الحقيقي خلال الحرب الباردة ، كانت الحروب الأهلية غالباً ما تنتهي بخمسة أضعاف من النصر

مع نهاية استقطابين للحرب الباردة ، سعت الولايات المتحدة إلى إقامة نظام دولي ليبرالي قائم على الديمقراطية والسوق الحرة. استعيض عن معايير الفوز بكل شيء [أو] اللعب بمجموع صفر من فترة الحرب الباردة بالبحث عن حلول مبالغ إيجابية. في سياق الحروب الأهلية ، على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفائها كان من الممكن أن يضمنوا فوز حزبهم المعتمد ، فقد فضلوا الوساطة كطريق إلى الديمقراطية في مرحلة ما بعد الصراع. ونتيجة لذلك ، خلال هذه الفترة ، لم تنته العديد من الحروب التي كان يمكن أن تنتهي بالنصر على جانب واحد هناك. فكر في الصراع في البوسنة. في صيف عام 1995 ، كانت قوات صرب البوسنة على وشك هزيمة جيش الاتحاد الكرواتي (المدعوم من قبل الناتو). لكن واشنطن أوقفت تقدم حلفائها بدلا من السماح بهزيمة صرب البوسنة ، وبدلا من ذلك دفعتهم نحو المصالحة من خلال محادثات دايتون. انتهى معظم الحروب الأهلية بنفس الطريقة في سياق الدورة

ومع ذلك ، بعد 11/9 ، تغيرت البيئة مرة أخرى باعتبارها القواعد السائدة. واجهت الولايات المتحدة فجأة تهديد الإرهاب الدولي وتحديات هيمنتها من نهوض الصين وروسيا في الفترة الأخيرة.

حرب سوريا الطويلة

لذلك ، الحرب الأهلية السورية هي مثال نموذجي للحروب الداخلية المعاصرة. قُتل أكثر من 400،000 شخص ، وتُرِك 5.5 مليون شخص ، و 6 ملايين نازح داخل سوريا. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 13 مليون سوري – أكثر من نصف السكان البالغ عددهم 22 مليون قبل الحرب – يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية.

و قد قامت الولايات المتحدة بتدخل مسلح في سوريا تحت تأثير تدخل حلف الناتو في ليبيا عام 2011. على الرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان على وشك شن هجوم عسكري في اوت 2013 ، فقد اختارت حكومته مساعدة جماعات المعارضة. (تدخلت واشنطن في نهاية المطاف في سوريا في خريف عام 2014 ، عندما بدأت في شن غارات جوية ، لكن الهجمات ركزت على داعش مع تجنب الهجمات على أهداف النظام

كما دخلت إيران في نزاع منذ البداية لدعم الأسد ، وهو الحليف الأهم في المنطقة. أقامت طهران الآلاف من جنودها في سوريا للانضمام إلى قوات حزب الله العسكرية ومساعدة نظام الأسد على جمع الميليشيات من عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الأجانب. مثل هذا الدعم الخارجي ، وإطالة أمد الحرب مع تقوية الحكومة في كل مرة يبدو أنها مستعدة للإطاحة بها. ونتيجة لذلك ، عززت الحكومة السورية سيطرتها على غرب الفرات. إذا استمرت الحرب على هذا المسار الحالي ، فستستعيد حكومة الأسد السيطرة على البلاد.

تدافع الولايات المتحدة رسميًا عن المفاوضات التفاوضية ، لكن نمو داعش في عام 2014 والهيمنة المتزايدة للمجموعات الإرهابية داخل المعارضة السورية دفعت واشنطن إلى القبول الضمني والضمني لحكم الأسد الاستبدادي. اليوم ، الولايات المتحدة وحلفاؤها على وشك التركيز على تدمير الشبكات الإرهابية. لقد حلت لغة الاستقرار والنضال ضد الإرهاب لغة الديمقراطية. على سبيل المثال ، شدد وزير الخارجية ريكس تايلرس – في جانفي 2018على أهمية ضمان أن “لا تخدم سوريا مرة أخرى كمنبر أو قاعدة للإرهابيين”.

المفاوضات مستمرة: فتحت إيران وروسيا وتركيا طريق المحادثات الدولية التي تستمر إلى جانب عملية الأمم المتحدة والمحادثات التي رعتها الولايات المتحدة في جنيف ، واستضافت روسيا محادثات سوتشي للسلام في جانفي بهدف إعداد دستور جديد لسوريا. . لكن حتى الآن ، نجحت الجهات الفاعلة الأجنبية فقط في تأمين اختراق إقليمي لداعش ، والوساطة في هدنة قصيرة الأمد بين الأطراف المعنية ، وتدابير قصيرة الأجل لتحقيق الاستقرار في الصراع وتقديم بعض الدعم الإنساني المدني. مما لا شك فيه أن القوى الأجنبية أطالت الحرب ، بدعم من المعارضة وفشل التحالف حول هدف التسوية من خلال المفاوضات التي أدت إلى تغيير النظام والدمقرطة ، كما فعلت في العقد الذي تلا الحرب الباردة. بدلاً من ذلك ، يتوقعون أن يكون فوز الأسد الأحادي الجانب أكثر ترجيحاً لهذه النتيجة.

الحرب الأهلية السورية ، التي يبدو أنها لا نهاية لها ، تظهر في الواقع معايير البيئة الدولية الحالية: انسحاب الولايات المتحدة الليبرالية وحلفائها الذين لم يعودوا مهتمين بالتفاوض على تسوية تفاوضية ؛ التركيز على مكافحة الإرهاب ، القوى الأجنبية قيادة حرب داعش ضد الإسلام ، وتأكيد جديد على الاستقرار الذي دفع الولايات المتحدة وغيرها إلى قبول ضمنا حكم الأسد السلطوي (أو خلفه) الاستبدادي ككفاح في نهاية المطاف وكفيل أمني. تنتهي الحروب الأهلية بطريقة يفكر بها اللاعبون الأجانب ويجب أن تنتهي. مثل معظم الحروب الأهلية ، الحرب الأهلية في سوريا تنتهي وفقاً للأفكار المعيارية للأطراف الأجنبية ؛ في البيئة الحالية ، ربما تعني انتصار الأسد

و من جانب اخر فان بالرغم من ذلك، لا يرتبط الموضوع فقط بالعامل الخارجيّ على أهمّيّته الكبرى. يأخذ باحثون بالاعتبار التقدّم التكنولوجي كسبب آخر لإطالة أمد الحروب الأهليّة. في مقال لها تمّوز الماضي ضمن موقع “يوليتيكال فايولنس أت غلنس”، ناقشت أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا باربارا وولتر أثر الشبكة العنكبوتيّة على عنف النزاعات الداخليّة. فالإنترنت سهّل على القادة الثائرين تشكيل الفصائل المقاتلة، فلم يعد هؤلاء يعتمدون على المقاتلين المحلّيّين بل بات بإمكانهم تجنيد متطوعين أجانب. لكنّ ذلك يشير بحسب وولتر إلى ازدياد الاعتداءات على السكان المحلّيّين طالما أنّ هؤلاء لم يعودوا منبع المقاتلين الأساسيّين لمختلف التنظيمات. وسهّل الإنترنت على الفصائل حماية نفسها مع مرور الوقت عبر التمويل الذي تحصل عليه. بالتالي، حصانة أكبر ستعني أعداد فصائل متقاتلة أكثر. ويساعد التواصل الإلكتروني على نشر الأفكار عالميّاً بما يساهم في تأطير المقاتلين لصراعهم ضمن أهداف واسعة تجذب القوى والمنظّمات الدوليّة للانخراط في الحرب الأهليّة. وتؤكد وولتر أنّ هذا المسار ينطبق على سوريا والعراق واليمن وليبيا وتشاد ونيجيريا وغيرها الكثير من الدول

الدكتور حكيم غريب

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button