دراسات سياسية

مآلات الحراك الشعبي في الجزائر بعد شهر من إنطلاقته

مسيرات الجمعة 22 مارس 2019 كانت الخامسة بعد إنطلاق الحراك الشعبي في الجزائر الرافض أساسا الترشح للعهدة الخامسة للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ، و هذا المطلب كان هو الشرارة التي أخرجت الجزائريين للشارع ولكن المطالب إزدادت بعد الرسالة التي وجهها الرئيس بوتفليقة للجزائريين في الحادي عشر من مارس 2019 ، والتي قرر فيها إلغاء الإنتخابات المقررة في 18 أفريل 2019 و عدم الترشح للرئسيات و عقد ندوة وطنية لإختيار رئيس جديد . إلا أن الشعب الجزائري ونشطاء الحراك السياسي رأو في ذلك مناورة من النظام لإلتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه والعودة عبر بوابة الندوة الوطنية ، فكما عبر أحدهم قائلا كنا نريد إنتخابات بدون بوتفليقة فإذا بنا نحصل على بوتفليقة دون إنتخابات .

وهنا ثارت ثائرة الشارع الجزائري مصعدا من لهجته ومطالبه بحيث لم يعد يكتفي بعدم ترشيح بوتفليقة للرئاسيات فقط ، ولكن قرر إزاحة كل النظام السياسي القائم في البلاد منذ الإستقلال . وإن كان هذا المطلب ينطوي على مخاطر جمة فإلغاء نظام سياسي برمته دفعة واحدة سيخلق فراغا رهيبا لن يتم ملئه بسهولة ، خاصة في ظل عدم كفاءة المعارضة السياسية في الجزائر والتي أفرغها النظام من محتواها وكذا تعدد الأراء والإتجاهات والرؤى لجزائر ما بعد نظام الشرعية الثورية . وإن أصر عليه البعض فمخاطره لا تحمد عقباها وكل الدول التي أسقطت النظام جملة واحدة دخلت في دوامة من الفراغ السياسي وربما الرعب من إقتتال داخلي كما جرى في دول الربيع العربي . ولكن النظام إلى حد الساعة لازال قائما ومتماسكا إلى حد ما .

صحيح أن دائرة الرافضين له تتوسع وأعداد الموالين له في تناقص مستمر إلا أنه لازال يمسك بزمام الأمور ويراهن على عامل الوقت الذي ليس هو في صالح الحراك الشعبي . هذا الحراك يبدوا أنه إعتراه بعض الوهن حتى صارت المسيرات خاصة المسيرة الأخيرة مجرد عادة إحتفالية ،إختفت فيها الجدية والإصرار على إسقاط النظام و عدم تأجيل الإنتخابات . وظهرت بعض الأصوات والأراء من بعض الشخصيات و المغمورين والمجهولين عبر منصات التواصل الإجتماعي تتبنى خطابات ستؤدي إلى تقسيم الحراك الشعبي مدفوعة إما بعنصرية إيديولوجية أو بدعم خارجي أو حتى من النظام السياسي الحالي لتشيت الإنتباه ومجانبة المطالب الرئيسية مثل المطالبة بنموذج الفدرالية لتسيير الدولة أو الدعوة إلى عدم الحوار أصلا مع أي طرف كان وهذا لن يزيد الأزمة إلا تعقيدا فلا بد من المحاورة ولو كان فيه بعض التنازل المرحلي حفاظا على كيان الدولة . ويبدو أن مآلات الحراك الشعبي إن بقيت الأمور كما هي عليه الأن .

ستؤول إلى الفشل لا قدر الله أو على الأقل ستكون نتائجه هزيلة لا تتناسب وحجم الرافضين للإنسداد السياسي الحاصل في ظل تمسك الطغمة الحاكمة بمواقفها المتعنتة الغير منسجمة مع المطالب الأساسية للحراك الشعبي . قد أفرز هذا الحراك المبارك عديد النقاط الإيجابية ككسر حاجز الخوف من القمع السلطوي و عدم ترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة وتوحيد الرأي العام الجزائري حول قضية سياسية واحدة و المظاهر الحضارية والسلوكات الجميلة في المظاهرات و كذا إنظمام مختلف النقابات العمالية للحراك الشعبي مما يعطيه دفعا قويا . إلا ان الخطر الحقيقي يأتي من خبث النظام ورهاناته على عديد النقاط كتسرب التململ للحراك الشعبي و تشتيته ببعض المواقف التي يطلقها بين رافض لها ومؤيد وإختراق الصفوف .

ثم إن عدم طرح رأي موحد والإتفاق على خطة سياسية للخروج من الأزمة و حالة الإنسداد ينطوي أيضا على خطورة محدقة بالحراك فعملية التأطير واجبة إن عاجلا أو آجلا ، يبقى كيف يكون شكل هذا التأطير هو العملية الأصعب وأخشى أن يقع في الحراك ما وقع عند بداية الإستقلال و الدخول في أزمة سياسية كالتي عاشتها الجزائر صائفة 1962 وما نتج عنها من إقصاء وإستفراد للسلطة لجماعة دون البقية . فالتاريخ لا يجب أن ينظر إليه على أنه فقط دروس مملة بل يجب إستنطاقه وأخذ العبر منه لئلا نقع فيما وقع فيه أسلافنا . ونصل إلى طريق مسدود لا سمح الله .

صحيح أن الوعي السياسي الحالي لدى الشعب الجزائري كاف لفهم المناورات السياسية ولكن مع ذلك يجب الإستعداد لأي إحتمال آخر لتفويت الفرصة على من يريدون إفساد فرحتنا بالفرصة التاريخية التي منحت لنا لأجل إستعادة دولتنا المخطوفة منا من الإستقلال .

affane nouri

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى