دراسات أمنيةدراسات استشرافيةدراسات افريقية

ما مستقبل النشاط الإرهابي في القرن الأفريقي؟

ثمَّة تحوُّلات فارقة في المشهد الإقليمي الأمني في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث تُصعد حركة الشباب المجاهدين نشاطها وعملياتها الإرهابية في بعض دول المنطقة، مثل الصومال وإثيوبيا وكينيا، خلال الفترة الأخيرة؛ إذ تُكثف الحركة هجماتها الإرهابية في الداخل الصومالي منذ صعود الرئيس حسن شيخ محمود إلى السلطة في مايو 2022، ومن أبرزها الهجوم الذي جرى في شهر أغسطس الجاري، على فندق “الحياة” في العاصمة مقديشو؛ ما أسفر عن مقتل 21 شخصاً وإصابة آخرين.

كما استطاعت التسلل إلى العمق الإثيوبي عبر إقليم الصومال الإثيوبي في 20 يوليو 2022 في محاولة لإيجاد موطئ قدم جديد لها في البلاد، برغم إعلان السلطات الإثيوبية إجهاض هذا الهجوم في حين تُفيد تقارير أخرى باستمرار بعض عناصر الحركة في الداخل الإثيوبي؛ وذلك في محاولة لتعزيز نفوذ الحركة في الإقليم في مواجهة تحرُّكات تقودها الحكومة الصومالية بالتنسيق مع عدد من شركائها الإقليميين والدوليين لاحتواء عناصر الحركة التي تشكل تهديداً واضحاً لأمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي والمصالح الدولية الاستراتيجية هناك.

مؤشرات مقلقة

ثمَّة عدد من المؤشرات تعكس تنامي ظاهرة الإرهاب في القرن الأفريقي خلال الفترة الراهنة، ومن أبزرها ما يأتي:

1– تصاعد هجمات حركة الشباب في الداخل الصومالي: فقد أضحت الصومال من أكثر الدول الأفريقية التي تواجه خطر الإرهاب وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022؛ إذ تورطت الحركة في سلسلة من الهجمات والتفجيرات الإرهابية التي نفذتها في عدد من الولايات والمدن في جنوب البلاد ووسطها، مثل جوهر وبلدوين ومركا وبيدوة، والتي أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين والمسؤولين الحكوميين والأمنيين، مثل حسن إبراهيم لوغبور وزير العدل في حكومة ولاية جنوب غرب الصومال في يوليو 2022.

كما تستهدف الحركة المؤسسات الحكومية بهدف تعزيز حالة من التشكيك لدى الرأي العام في قدرة الحكومة الفيدرالية على حماية مؤسساتها وأمن البلاد؛ ففي 7 أغسطس 2022 هاجمت عناصرها بقذائف هاون المجمع الرئاسي بمقديشو بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الشعب الصومالي هناك.

2– الاستهداف المتزايد للقوات الأفريقية في الصومال: تحاول حركة الشباب تهديد الدول الأفريقية المشتركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)؛ حيث هاجمت عناصر الحركة بعض القوات الأفريقية، مثل هجومها على قاعدة للقوات البوروندية في مايو 2022 شمال العاصمة مقديشو؛ ما أسفر عن مقتل 10 جنود بورونديين وإصابة نحو 30 آخرين بحسب القوات البوروندية، كما هاجمت قاعدة للقوات الأوغندية في منطقة غلوين بإقليم شبيلي السفلى بولاية جنوب غرب الصومال. وتستهدف الحركة أيضاً القوات الكينية في عدد من المناطق الصومالية.

3– التركيز على الأهداف الرخوة: لم تقتصر الهجمات الإرهابية لحركة الشباب على القوات الحكومية أو الأفريقية أو حتى المباني والمقرات التابعة للسلطة؛ إذ يعكس الهجوم الأخير على فندق “الحياة” في العاصمة مقديشو التوجُّه المتنامي من جانب الحركة لتنويع عملياتها وعدم الاقتصار على الأهداف الصلبة؛ حيث تقدم الأهداف الرخوة soft targets فرصة للتنظيم لتنفيذ عمليات بمعدلات أكبر، وخصوصاً أنها تمثل نموذجاً للتجمعات الكبيرة من الأفراد، وتتسم بانخفاض مستوى التأمين بخلاف ما تتسم به الأهداف الصلبة، ناهيك عن التعدُّدية في هذه الأهداف التي تسمح للعناصر الإرهابية بمساحة أكبر للاختيار وتنفيذ عملية تؤدي إلى الكثير من الضحايا.

4– تمدُّد نشاط حركة الشباب في الجوار الإقليمي: شنت الحركة هجوماً ضد إثيوبيا في 20 يوليو 2022 عندما تسلل نحو 400 عنصر إلى العمق الإثيوبي عبر بوابة إقليم الصومال الإثيوبي بهدف فتح جبهة قتال جديدة للحركة في إثيوبيا وإيجاد موطئ قدم لها هناك، برغم إعلان السلطات الإثيوبية القضاء على مقاتلي الحركة في الداخل الإثيوبي.

كما شنت الحركة خلال الشهور الأخيرة عدة هجمات ضد القوات الكينية على طول الحدود الكينية الصومالية، مثل الهجوم الأخير بقذائف هاون في 2 أغسطس 2022 على قاعدة للجيش الكيني في منطقة كونتون بالقرب من قوروف هرار التابعة لمقاطعة مانديرا بإقليم شمال شرق كينيا؛ ما أسفر عن وقوع إصابات بالقوات الكينية. وهو الهجوم الذي سبقه هجومان للحركة خلال شهري يونيو ويوليو في منطقتَي جاريسا ومانديرا في شمال شرق كينيا.

5– تحذيرات أمريكية من تزايد نفوذ حركة الشباب: في مؤشر واضح على تصاعد العمليات الإرهابية في القرن الأفريقي، حذَّرت القيادة الأمريكية الجديدة في أفريقيا (أفريكوم) من تصاعد نشاط حركة الشباب وتزايد هجماتها الإرهابية في المنطقة خلال الفترة المقبلة، لا سيما في الصومال وإثيوبيا. وأعلن الجنرال “مايكل إي لانجلي” قائد أفريكوم الجديد، في 21 يوليو 2022، تركيز القوات الأمريكية على محاربة حركة الشباب، وطالب بزيادة الإمدادات الجوية لمضاعفة القتال ضد الحركة، خاصةً بعد قرار الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في مايو 2022 إعادة القوات الأمريكية إلى الصومال لمواجهة تهديدات حركة الشباب.

النفوذ الإرهابي

يمكن تفسير أبرز دوافع حركة الشباب من تصعيد نشاطها في القرن الأفريقي على النحو الآتي:

1– تعزيز نفوذ الحركة في القرن الأفريقي: تسعى الحركة إلى توسيع نشاطها بالتمدُّد إلى بعض دول القرن الأفريقي، لا سيما إثيوبيا، وفتح جبهات جديدة للقتال؛ ما يمنحها مكتسبات استراتيجية، مثل توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية في إقليم شرق أفريقيا، وتعزيز تفوقها الجهادي في أفريقيا لتعزيز مكانتها لدى تنظيم القاعدة (التنظيم الأم) الذي يشهد مرحلة انتقالية عقب مقتل زعيمه أيمن الظواهري، وهو ما قد تستفيد منه الحركة في الترويج لنفسها، وتصدُّرها وسائل الإعلام العالمية، وما يرتبط بذلك من استقطاب لمناصرين ومؤيدين جدد من داخل أفريقيا وخارجها.

2– استنزاف قدرات الجيش الصومالي: وذلك بهدف تخفيف حدة العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الصومالي ضد عناصر الحركة في مناطق سيطرته في جنوب البلاد ووسطها، بالإضافة إلى عرقلة جهود إعادة بناء الجيش الصومالي والقوات الأمنية؛ لما يُشكِّله من تهديد لنفوذ الحركة في الداخل الصومالي، لا سيما أنها تتطلع إلى السيطرة على السلطة في البلاد.

3– طرد القوات الأفريقية من الصومال: حيث توعد أحمد عمر (أبو عبيدة) زعيم حركة الشباب، قوات أتميس في البلاد بالهزيمة، في رسالة تحذيرية واضحة إلى الدول المشاركة في البعثة لإجبارها على الانسحاب من الصومال قبل موعدها المقرر في عام 2024، وثني الدول الأفريقية الأخرى عن إرسال قوات إلى الصومال خلال الفترة المقبلة؛ وذلك تمهيداً للسيطرة على الحكم في البلاد عقب خروجها، وهو ما دفع “لاري أندريه” السفير الأمريكي لدى الصومال، في يونيو 2022 إلى تأكيد أن الحركة لا تستطيع السيطرة على الصومال، وأن تجربة طالبان الأفغانية لن تتكرر في القرن الأفريقي.

4– تنويع موارد تمويل الحركة: إذ تسعى حركة الشباب إلى الاستحواذ على معظم الموارد في دول المنطقة، مثل النفط والغاز في شرق إثيوبيا، بالإضافة إلى التورط في عمليات تهريب الفحم الصومالي وتهريب الأسلحة من اليمن عبر البحر الأحمر إلى العمق الأفريقي؛ ما يعزز قدراتها المالية التي تنعكس على تفوُّقها العسكري من خلال الإمدادات التسليحية التي تحصل عليها، إضافة إلى تجنيد المزيد من المؤيدين، وهو ما يمثل تهديداً للمصالح الدولية في القرن الأفريقي بوجه عام.

سيناريوهان رئيسيان

يبدو مستقبل الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، على خلفية النشاط المتصاعد لحركة الشباب، مرهوناً بسيناريوهَيْن رئيسيَّيْن؛ أولهما أن تتمكَّن الحركة من تعزيز نشاط ونفوذها خلال الفترة القادمة. ويستند هذا السيناريو إلى عدد من المعطيات؛ قد يكون أهمها التنوُّع في التكتيكات التي تتبنَّاها الحركة، وتنويع أهدافها، علاوةً على قدرة الحركة على توسيع دائرة نشاطها بعيداً في الجوار الجغرافي للصومال. ويحتمل أيضاً أن تبحث الحركة عن تحالفات مع مجموعات أخرى تساعد في نشاطها العملياتي، والحصول على مصادر تمويل جديدة؛ فعلى سبيل المثال، تتصاعد المخاوف من تعزيز التقارب بين حركة الشباب وميليشيا الحوثي في اليمن المدعومة إيرانياً التي أشارت بعض التقارير الأممية إلى وجود علاقة ارتباطية قوية بين الطرفَين في عمليات التهريب للأسلحة والبشر والتجارة غير المشروعة عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة التنافس الدولي على الدول الأفريقية، ومنطقة القرن الأفريقي بصورة خاصة، قد تعطي مساحة أكبر لحركة الشباب، وغيرها من التنظيمات الإرهابية للتحرك وتعزيز نشاطها الإرهابي استغلالاً لسياقات الصراع الدولي، بل قد تلجأ بعض الأطراف – وهو ليس مُستبعَداً – إلى توظيف التنظيمات الإرهابية في خدمة مصالحها واستنزاف الأطراف المنافسة لها.

أما السيناريو الثاني فينصرف إلى تزايد الضغوط على حركة الشباب وتحجيم نشاطها الإرهابي. ويرتبط هذا السيناريو بعدد من الأبعاد، في مقدِّمتها الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي للعديد من الدول من الوجهتَيْن الأمنية والتجارية. وهذه الأهمية قد تدفع العديد من القوى الدولية إلى التدخل عسكرياً وأمنياً لتقويض الأنشطة الإرهابية. ولعل هذا ما يتجلَّى مع الاستجابة الأمريكية لهجمات حركة الشباب؛ إذ شنت الطائرات الأمريكية من دون طيار عدداً من الغارات الجوية ضد معاقل الشباب في وسط وجنوب الصومال منذ 4 يونيو 2022. وسعياً إلى تعزيز قدرات الجيش الصومالي، أعلنت بريطانيا في 18 أغسطس 2022 تقديم دعم مالي للجيش الصومالي بقيمة 2.3 مليون جنيه إسترليني كجزء من دعمها الأمني في الصومال. أما على الصعيد الإقليمي، فقد تقدَّم مجلس السلم والأمن الأفريقي بطلب للأمم المتحدة لتخفيف حظر الأسلحة المفروض على الصومال لمواجهة الإرهاب في البلاد والمنطقة.

وفي سياق متصل، يُرجَّح أن تفضي الهجمات الإرهابية إلى التكريس لمسار التنسيق الإقليمي؛ فقد أدى هجوم الحركة على إثيوبيا في يوليو الماضي إلى تعزيز التنسيق بين مسؤولي البلدين؛ حيث التقى الجنرال أوداوا يوسف راغي قائد الجيش الصومالي، في 24 يوليو 2022، الجنرال زكريا عبدي خليف نائب قائد شرطة “ليو” التابعة لإقليم الصومال الإثيوبي في إقليم بكول بجنوب غرب الصومال؛ من أجل تعزيز التعاون المشترك لمواجهة حركة الشباب، كما أعلن مصطفى محمد عمر رئيس إقليم الصومال الإثيوبي، في يوليو 2022، نيته إنشاء منطقة عازلة داخل الصومال للحيلولة دون تسلُّل عناصر الحركة إلى داخل الإقليم.

فيما نشرت السلطات الكينية في 22 يونيو 2022 المزيد من القوات العسكرية على طول الحدود مع الصومال عقب هجمات لحركة الشباب في إقليم شمال شرق كينيا المتاخم للصومال. وشنت الطائرات الكينية بعض الهجمات الجوية ضد معاقل الحركة في إقليم غدو المتاخم للحدود الكينية بولاية جوبالاند جنوب الصومال.

كما استهدفت الطائرات الحربية الإثيوبية بعض قواعد الحركة في بعض المناطق بالداخل الصومالي مثل إقليم هيران بولاية هيرشبيلي، وإقليم غدو بولاية جوبالاند جنوب الصومال المجاور لإقليم بكول الذي شهد تحركات لعناصر الحركة عقب هجومها على إثيوبيا، خاصةً بعد توجيه الحركة تهديدات إلى الحكومة الإثيوبية بتنفيذ هجمات جديدة في العمق الإثيوبي خلال الفترة المقبلة.

خلاصة القول: من المُتوقَّع أن يستمر نشاط حركة الشباب، خلال الفترة المقبلة، على الصعيدين المحلي والإقليمي في القرن الأفريقي، في ضوء مساعيها إلى تعزيز مكانتها وسط التنظيمات الإرهابية في أفريقيا بتزعُّم الحركات الجهادية في إقليم شرق أفريقيا؛ ما ينعكس على مكانتها لدى قادة تنظيم القاعدة المُحتمَلين، بالإضافة إلى مساعيها لاستنزاف قدرات القوات الصومالية وطرد القوات الأفريقية تمهيداً لتكرار تجربة طالبان الأفغانية بالسيطرة على الحكم في الصومال. ويظلُّ هذا السيناريو مُحتمَلاً ما لم تتضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة تصاعد نشاط الحركة في القرن الأفريقي حمايةً لأمن واستقرار المنطقة والمصالح الدولية الاستراتيجية هناك.

المصدر: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى