القاموس السياسيدراسات سياسية

الإقليمية المفتوحة – Open Regionalism

هي محاولة لحل إحدى المشاكل الرئيسية للسياسة التجارية والاقتصادية المعاصرة. فهي تسعى إلى تحقيق التوافق بين التزايد المعتبر للاتفاقات التجارية الإقليمية حول العالم من جهة، وبين النظام الاقتصادي العالمي كما تحاول تجسيده منظمة التجارة العالمية من جهة أخرى. كما تسعى الإقليمية المفتوحة إلى التأكيد على أنّ الاتفاقيات الإقليمية المكثّفة هي في الواقع بمثابة لبنات لمزيد من التحرّر الاقتصادي العالمي Economic Liberalization بدلاً من العقبات التي تعيق هذا التقدّم كالانغلاق الاقتصادي وسياسات العزلة.

تحاول هذه المقالة تتبّع أصل وتطوّر الإقليمية المفتوحة مع تقديم بعض التعريفات البديلة للمفهوم والحجج المؤيّدة والمعارضة لكل منها. لقد ظهرت معظم هذه التعريفات لمفهوم الإقليمية المفتوحة في خضمّ النقاش السائد بين الإقليمية والعولمة. فكما هو معلوم، هنالك تباين في وجهات النظر بين العلماء والباحثين في مجال الإقليمية والعولمة حول علاقة أحدهما بالآخر. إذ يرى البعض بأنّهما متلازمين ومنه يمكن أن يخدم كلّ منهما الآخر. بينما يرى عدد من الباحثين بأنّ الإقليمية تساهم في الانغلاق بدل الانفتاح الاقتصادي وبالتالي فهي عدوّة للعولمة. وبين ذلك، يرى عدد من الباحثين، وخصوصا المهتمين بالمنظمة الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادي، بأنّ الإقليمية يمكنها أن تتماشى مع العولمة من خلال تطبيق مبدأ الإقليميّة المفتوحة.

تم اعتماد أسلوب الإقليمية المفتوحة في المجال الإقليمي كمبدأ أساسي لمنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (APEC)  منذ إنشائها في العام 1989. وتمثّل دول منظمة APEC حوالي نصف الانتاج الاقتصادي العالمي والتجارة العالمية. إذ تضم المنظمة أكبر ثلاث اقتصادات في العالم وهي الولايات المتحدة واليابان والصين، بالإضافة إلى دول قويّة اقتصادياً كأستراليا ودول التنّين الآسيوي. تكشف أنماط الاقتصاد والسياسة التجارية عن تفضيل قوي وميل كبير في آسيا والمحيط الهادي لتجنّب التمييز والترتيبات التجارية التمييزية. فمن الناحية التاريخية ، تبنّت الولايات المتحدة ، بمصالحها السياسية العالمية وأنماطها التجارية، وجهة نظر مماثلة. ومن ثم تطورّ تبني الإقليمية المفتوحة، كوسيلة لتجنّب النزاعات الجديدة بين التقدّم الإقليمي والعالمي، بشكل طبيعي كمبدأ توجيهي لآبيك. قرّرت آبيك في قمّتها في بوجور (إندونيسيا) في نوفمبر 1994 تحقيق “تجارة حرّة واستثمار مفتوح في المنطقة” بحلول عام 2010 لأعضائها الصناعيين ، الذين يمثّلون حوالي 90 في المائة من تجارتها، وبحلول عام 2020 لباقي دول المنظمة وذلك كعلامة على التقدّم والتفوّق الاقتصادي والتجاري لمنطقة آسيا والمحيط الهادي. تعدّ منظمة APEC عاملاً رئيسًا في النظام التجاري العالمي  بسبب قوّة الدول المشكّلة له، وقد أدّى تبني المنظّمة للإقليمية المفتوحة إلى دفع هذا المفهوم إلى الصدارة العالمية. ومع ذلك ، فإنّه لم يحدّد معنى الإقليمية المفتوحة سواء من منظمة آيبك أو أي جهة رسمية أخرى. وفي الواقع فإنّه لا يزال هنالك العديد من الأفكار المتعارضة حول معنى المفهوم وكيفية تنفيذه وتطبيقه إقليمياً.

لم تعلن أيّة منظّمة إقليمية عن هذه الفلسفة. لقد أكّد الاتحاد الأوروبي EU ومنطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA  وميركوسور MERCOSUR ، على العكس من ذلك تماماً، من خلال اهتمامهم بالانفراد والتميّز الإقليمي. ومع ذلك، وفي نفس الوقت، فقد أعلنت معظم المنظمات الإقليمية عن اهتمامهم بالنظام التجاري والاقتصادي العالمي وأكدوا اتساقهم وقبولهم للمواد المذكورة في مختلف محطّات النقاش. كما شاركوا جميعهم مشاركة كاملة في جولات الجات GATT المتعددة الأطراف التي جرت في مختلف المناطق والبلدان.

هناك ما لا يقل عن أربعة تعريفات ممكنة لـ “الإقليمية المفتوحة”. سيتبيّن أنه يمكن تنفيذ المفاهيم وممارستها جميعًا في وقت واحد أو بشكل مستقل، لكنّني سأقوم بتحليل كل منها على حدة في محاولة لترتيب وتوضيح كلّ المفاهيم.

العضوية المفتوحة

أوّل مفهوم مقترح لـلإقليمية المفتوحة هو العضوية المفتوحة على المستوى الإقليمي. كلّ دولة تكون على استعداد لقبول قواعد المنظمة الإقليمية، يكون مرحّبا بها للانضمام. وبالتّالي فإنّ آثار تحرير التجارة للمجموعة الإقليمية سيمتد إلى عدد متزايد من البلدان، ومع الوقت سيشمل العالم بأسره كما تراه منظّمة التجارة العالميّة. كانت المقترحات الأكثر تحديداً من هذا النوع هي أفكار منظّمة GATT  في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي حثّت دول المنظّمة على اعتماد تدابير تحرير جديدة تتجاوز حدود تلك المتّفق عليها إقليميّا بغرض الانضمام بعد قبول الالتزامات.

يرى معظم المختصين بأنّ منظّمة APEC تمثّل هذا النهج من العضوية المفتوحة ولكن تبقى إقليميّة إلى حدّ كبير. بحيث يمكن لـ APEC قبول جميع البلدان التي هي إمّا آسيوية أو لها حدود على المحيط الهادي. إنّها تشمل بالفعل دولًا غير آسيوية مثل كندا، تشيلي و المكسيك و الولايات المتحدة، أو ليست في منطقة المحيط الهادي إذا ما اعتبرنا بأنّ بحر الصين الجنوبي ليس من المحيط الهادي. لذا فإنّه لا جدال بأنّ الدول يجب أن تكون في منطقة آسيا والمحيط الهادي حتى تكون لها الأحقيّة بطلب العضوية من المنظمة. وقد تقدّمت دول بطلبات، بما في ذلك دول رئيسيّة مثل الهند وروسيا ومع ذلك فإنّ المعايير تبقى إقليميّة ومبنيّة على مناطق معيّنة.

ولكن يرى عدد آخر من المحللين بأنّ هذا التوجّه من شأنه أن يحوّل المجال الإقليمي إلى شيء أوسع بكثير، وبالتالي يتخلّى في وقت ما عن طابعه الإقليمي – الذي يُنظر إليه غالبًا على أنّه يتمتع بمزايا خاصة به، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيّا واجتماعيّا. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا النهج الإقليمي يمكن أن يتطوّر ويصبح في النهاية عبارة عن مؤسّسة عالمية جديدة بدل منظّمة إقليمية. و يشار إلى أنّه في الوقت الراهن لم يتّخذ أي مجال إقليمي مثل هذا المسار حتى تعرف نهايته الحقيقيّة وهل هي متناسقة مع ما هو إقليمي أو عالمي. كما أنّ توسيع عضوية أي مجموعة إقليمية بطبيعته قد يعقّد من عملية تعميق تكاملها وتعاونها. و يعد هذا اعتبارًا مهمًا للغاية و خاصة للمنظمات الحديثة ك APEC ذلك أنّها محتاجة للتطوّر أكثر من ناحية العلاقات بين دولها اقتصاديا قبل فتح المجال لدول أخرى خارجها للدخول في المنظّمة.

يعتبر تاريخ الاتحاد الأوروبي مفيداً في هذا الصدد لفهم آليات عمل المجال الإقليمي قبل التوجّه نحو العضويّة المفتوحة. واجهت أوروبا خيار “التوسّع مقابل العمق” في ثلاث مراحل رئيسيّة في تاريخها. وفي كل مرّة ، اختارت أن تعمّق  التكامل أولاً وتعمل على توسعته لاحقاً من خلال فتح باب العضويّة. وتتمثّل تلك المراحل في الآتي:

١- إكمال السياسة الزراعية المشتركة قبل قبول المملكة المتحدة وغيرها في أوائل السبعينيات.

٢- استكمال السوق الداخليّة الموحدة قبل إضافة ثلاثة أعضاء آخرين في أوائل التسعينيات.

٣- محاولة صياغة الاتحاد الاقتصادي والنقدي قبل التوسّع إلى وسط وشرق أوروبا كما حدث مع أوائل القرن الحادي والعشرين.

ومع ذلك، في كل حالة، مدّد الاتحاد الأوروبي في النهاية العضوية الكاملة إلى أقرب جيرانه. وهكذا اختار الاتحاد الأوروبي خيار “العضوية الموسّعة” كوسيلة جزئية لفتح نفسه وتجنّب التمييز ضد البلدان الأكثر تأثراً بتفضيلاته بدلاً من العضويّة المفتوحة على عدد كبير من الدول والتي تكون خارج المنطقة ممّا يصعّب من عمليّة العمق التكاملي الإقليمي. ومنه فإنّ العضوية المفتوحة هي آلية مهمّة من أجل التوسّع الإقليمي وتوسيع عمليّة التكامل ولكن ليس هناك منظّمة إقليمية بالغت في عمليّة الانفتاح ممّا يستبعد قضيّة تطوّر المنظمات الإقليميّة إلى مؤسّسات عالميّة وفقاً لهذا المفهوم.

مبدأ الدولة الأكثر تفضيلاً

مفهوم الإقليمية المفتوحة الآخر هو معاملة الدولة الأولى بالرعاية (Most Favored Nation, MFN). بحيث يتمّ توسيع التحرّر التجاري دون قيد أو شرط ليشمل جميع الشركاء الاقتصاديين الأعضاء. وفي المقابل فإنّه لن يتمّ إنشاء تفضيلات أو تمييز جديد على الدول الأعضاء. وضع الدولة الأكثر تفضيلًا هو وضع اقتصادي يتمتّع فيه أي بلد بأفضل المكاسب التجارية التي يقدّمها شريكه التجاري. وهذا يعني أنّه يتلقى أدنى التعريفات الجمركية، وأقل الحواجز التجارية، وأعلى حصص للاستيراد. ويتطلّب من الدولة لها تفضيل، تقديم تنازلات أو امتيازات ممنوحة لدول أخرى بموجب اتفاقية تجارية لجميع الدول الأعضاء في منظّمة التجارة العالمية فينتقل بذلك ما هو إقليمي إلى ما هو عالمي.

ينظر بعض المؤيّدين لمفهوم الإقليمية المفتوحة على أنّ مبدأ الدولة الأكثر تفضيلاً هو المفهوم الأكثر إيضاحاً لأهميّة التعاون الإقليمي الذي يتقاطع مع التعاون الدولي. يرتبط نهج الدولة الأولى بالرعاية غير المشروط بتركيز من الدول في منطقة معيّنة على تحرير التجارة من جانب واحد بطابعه غير المشروط. أي أنّ التنازلات الجمركيّة  والاجراءات الاقتصاديّة تكون اختياريّة من الدولة تجاه الدول الأخرى فيحصل نوع من الأفضليّة لكل الدول في نهاية المطاف. وفي الواقع لقد دعا بعض الخبراء لهذا المبدأ إلى أن تصبح المنظمات الإقليميّة رابطة اقتصادية مفتوحة تشير إلى استمرار الاعتماد على الأعمال الانفرادية للدول، بدل الاعتماد على المفاوضات والبروتوكولات، والتي بدورها ستولّد الانفتاح عبر الدولة الأولى بالرعاية غير المشروطة. تعتمد هذه الاستراتيجية على المصلحة الذاتية الاقتصادية لكل دولة على حدة في عملية التجارة الحرّة ، وتعتمد على ضغط النظراء والتأثيرات الإيضاحية لتشجيعهم على أن يحذوا حذوها فيعمّ الانفتاح الإقليمي ثم يليه الانفتاح الدولي.

يحظى مبدأ MFN بالعديد من عوامل الجذب لـلمنظمات الإقليميّة كونه اختياري ولا تخضع الدول بموجبه لأيّة تطبيقات ومزايدات. ومن شأن ذلك تجنّب الحاجة إلى وضع قواعد منشأ تفضيلية للدول من حيث حركة السلع وخطط تفصيلية للتأهيل باعتبارها، أي الدول، تتعامل وفق مناطق التجارة الحرّة كما تشير إلى ذلك منظمة التجارة العالمية.

ومع ذلك، فإنّ هنالك عيوب اقتصادية وسياسية لهذا المبدأ. وأوّل تلك العيوب هو التكلفة الاقتصادية الكبيرة التي قد تكبدها الدولة من خلال الانفتاح الفردي. فهي بالطريقة هاته ستتخلّى عن استخدام النفوذ التفاوضي والنقاش المتواصل الذي قد يكون له آثار إيجابيّة للتفاوض حول التحرّر المتبادل للتجارة مع مختلف الشركاء الاقتصاديين الغير الأعضاء في المنظمة الإقليميّة المعيّنة التي تنتمي لها تلك الدولة. إنّ التوجّه المباشر نحو هذا النوع من الانفتاح قد يتسبّب في خسائر فادحة للدولة وخصوصاً إذا كانت السياسة التجارية للدول الأخرى مدفوعة في المقام الأول بمخاوف تجارية بدلاً من الاهتمام بالرفاهية، كما يبدو في كثير من الأحيان، فإنّ تمديد حالة الدولة الأولى بالرعاية غير المشروطة من جانب واحد يمكن أن يجعل الدولة عرضة لمشاكل اقتصاديّة ضخمة بسبب احجام الأطراف الأخرى عن المعاملة بالمثل والانفتاح المتكافئ على الأقل فيجعل اقتصاد الدولة منفتح على الدول الأخرى ولكن اقتصادات الدول الأخرى تبقى حذرة ومنغلقة فلا تتاح بذلك الفرص التجاريّة المطلوبة.

كما تتمثّل التكلفة السياسية لهذا المبدأ  في أنّ الآثار المترتبة على أساس التنافس التجاري، خاصة بالنسبة للأطراف الخارجية عن المنطقة، يمكن أن تدمّر آفاق تحقيق أهداف تحرير التجارة الإقليميّة داخل بعض الدول الأعضاء نفسها. وينطبق هذا مثلا بصورة أساسيّة  على الولايات المتحدة الأمريكيّة، التي يعتمد اقتصادها السياسي على تحرير التجارة اعتمادًا كبيرًا على شروط المعاملة بالمثل التي تحشد المصدرين لمواجهة مقاومة الصناعات والعمّال المتنافسين على الاستيراد من دول أخرى. فالولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم، تبنى على المعاملة بالمثل كمبدأ اقتصادي نافع، أفضل وأنجع بأشواط من مبدأ الانفتاح من جانب واحد.

مبدأ تحرير التجارة العالميّة

يتمثّل التعريف الثالث للإقليمية المفتوحة في أن يواصل أعضاء المنظمة الإقليميّة ببساطة تقليص حواجزهم على أساس عالمي مع متابعة أهدافهم الإقليميّة. و يمكن القيام بذلك من خلال مواصلة الممارسات السابقة للتحرّر التجاري الأحادي والمفاوضات المتعدّدة الأطراف في منظمة التجارة العالمية. يتجنّب كلا النهجين خلق تمييز جديد، لذا يمكن اعتبارهما عمليتين مهمّتين لـتحقيق  الإقليميّة المفتوحة. لقد شاركت جميع المنظمات الإقليمية على أساس منفرد في شكل دول، في سلسلة مفاوضات GATT، لذا فقد اعتمدت بعض المنظمات نهج الإقليميّة المفتوحة بحكم الواقع وبحكم ارتباطاتها الدوليّة وخاصة مجموعة APEC. كما تنصّ المادة 24 من اتفاقية الجات على ألاّ تزيد المنظمات الإقليميّة المؤهّلة من حواجزها أمام غير الأعضاء. ومن ثم فإنّ التعهّد بتقليص تلك الحواجز سوف يساعد على الانفتاح الاقتصادي العالمي انطلاقا من تلك الترتيبات التي تقوم بها المنظمات الإقليميّة.

لم تقدّم أي منظّمة إقليميّة مثل هذا التعهّد ما عدا منظّمة APEC. حيث اقترح رئيس وزراء ماليزيا حينها مهاتير محمّد بأن تتبنّى المنظّمة هذه السياسة من أجل طمأنة العالم بأنها لا تنوي قصر المبادرات الإقليميّة في المستقبل على الأعضاء المنشئين لها فقط وبالتالي قد تبادر معظم الدول إلى التزام سياسات أكثر انغلاقاً تجاه منطقة آبيك. ولكن يلاحظ بأنّ هذا الخيار فيه من التصورات ما يمكن أن يعرقل التكامل الإقليمي مستقبلاً. بحيث أنّ سرعة تحرير التجارة داخل المنطقة الإقليميّة يمكن أن يكون أسرع من تحرير التجارة العالمي. ومنه فإنّ الارتباط بالمجال العالمي قد يكون كابحاً للتقدّم التجاري والاقتصادي لبعض المناطق في العالم. فسرعة التحوّل والتطوّر الذي تشهده أوروبا لا يمكن أن يقارن بالتطوّر النسبي للتحرير التجارة العالمي. كما أنّ دولاً كثيرة من منطقة المحيط الهادي وآسيا مثل الصين والولايات المتحدة واليابان لها انفتاح اقتصادي على دول ومناطق خارج المنطقة أكثر منه داخلها. ويرجع ذلك إلى نسبية التعاون داخل المنظمة وإلى درجة التنافس الاقتصادي فيما بينها. ومنه فلو تعتمد مثل هذه الدول على تقليص الحواجز داخل المنظمة فقط، فإنّ ذلك قد يحدّ من تطوّر اقتصاداتها عالميّا.

الانفتاح التجاري

إنّ جميع التعريفات التي نوقشت آنفا على علاقة وطيدة بمسألة التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز الحدودية التقليدية. أمّ النهج البديل فهو تجاهل هذه التدابير الحدودية التقليدية والعمل على تسهيل التجارة من خلال الإصلاحات الغير الجمركية والغير الحدودية. يمكن أن تركّز هذه المبادرات على نطاق ضيّق في البداية وهذا ما يعبّر عنه بالمجال الإقليمي. وعلى حسب هذا التعريف للإقليمية المفتوحة، فإنّ تعزيز التجارة من خلال التنسيق الجمركي والاعتراف المتبادل بمعايير المنتجات وتبادل الخبرات والمواد الأوليّة والتصنيع المشترك يمكن لها بأن تساهم في الانفتاح الاقتصادي والتجاري بين الدول الإقليمية حتى لو لم تكن تحت منظّمة إقليمية واحدة.

كما يمكن أن تكون للسياسات الغير تقليديّة والغير جمركيّة بأن يكون لها أثر بعيد المدى، كما هو الحال في التعاون بين الدول الإقليمية من خلال انفتاح سياسات المنافسة الداخليّة ورفع القيود عن الأسواق المحلية الرئيسية أو ما يعرف بالتكامل العميق وذلك بتبنّي المناقشات والتعاون المتبادل من أجل تطبيق ما هو أفضل من السياسات الاقتصاديّة والتجارية داخليّا ولكن بنوع من الانفتاح الإقليمي على باقي الدول. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا النوع من التعاون يعتبر إقليمي مفتوح، لأنّ الدول في هاته الحال تستعين بأفضل ما هو موجود إقليميّا من سياسات ومراسيم وتحاول تطبيقه داخليّا فيكون بمثابة انفتاح من الدول على ما يجاورها إقليميّا ولكن بصفة إيجابيّة. و أهمّ ما يوجّه لهذا النوع من الممارسات هو أنّها تبقى ثانوية مقارنة بالمسائل الجمركيّة الحسّاسة و حريّة التنقّل للأشخاص والبضائع ورفع كل الحواجز التجاريّة والاقتصادية بين الدول الإقليميّة وهذا في الحقيقة ما يمثّل انفتاحاً إقليميّا واضحاً على العكس تماماً من السياسات الغير التقليديّة المذكورة آنفاً والتي قد لا يكون لها أثر فعّال وخاصة على المدى القريب.

إنّ المفاهيم والتعريفات المذكورة آنفاً تعبّر في مجموعها عن الإقليميّة المفتوحة التي ما فتئت تتجلّى سماتها وخصائصها في الكثير من المنظمات الإقليميّة وذلك إمّا على شكل بنود ومواد واتفاقات، أو من خلال ممارسات تنتهجها الدول الإقليميّة من أجل التقدّم أكثر من حيث الجانب الاقتصادي الإقليمي. يمكن لعدد من المفاهيم أن يجتمع مرّة واحدة في منظّمة إقليمية كما يمكن أن يجتمع مبدأين أو ثلاثة في منظمات أخرى. فعلى سبيل المثال، إنّ منظمة آبيك تجمع بين العضويّة المفتوحة وبين مبدأ تحرير التجارة العالميّة و الانفتاح التجاري. ويمكن اعتبارها بأنّها المنظمة الإقليميّة الوحيدة التي تسعى إلى تطبيق الإقليميّة المفتوحة بكلّ المعايير وذلك من أجل مسايرة منظمة التجارة العالميّة وبالتالي الجمع بين ما هو إقليمي وعالمي. بينما تحاول المنظمات الأخرى التكيّف مع مصالحها من الناحيّة الإقليميّة وتعميق التعاون الإقليمي قبل التحوّل نحو ما هو عالمي كما يحدث مع الاتحاد الأوربي من خلال الممارسات. ولكن وبالرغم من ذلك، إلاّ أنه يلاحظ بين الفينة والأخرى استخدام مبدأ العضويّة المفتوحة من أجل المزيد من التوسّع الاقتصادي كما حدث مع بداية الألفيّة في الاتحاد الأوربي وانفتاحه على عشرة دول جديدة.

المصادر والمراجع:

 Bergsten, C. Fred. (January, 1997). “Open Regionalism”. Working Paper. Institute for International Economics.

Kahler, Miles. (1995). Regional Futures and Transatlantic Economic Relations. New York: European Community Studies Association and Council on Foreign Relations Press.

Bergsten, C. Fred. (1995). “The Bogor Declaration and the Path Ahead.” In Il SaKong and Jaymin Lee, Asia-Pacific Economic Cooperation under the WTO System. Seoul: Institute of East and West Studies.

Bhagwati, Jagdish. (1996). “Preferential Trade Agreements: The Wrong Road.” Law and Policy in International Business 27, no. 4 (Summer)

Hufbauer, Gary. (1990). “Beyond GATT.” Foreign Policy 77 (Winter). Hufbauer, Gary, and Jeffrey Schott. (1994). Western Hemisphere Economic Integration. Washington: Institute for International Economics.

Bergsten, C. Fred. (1994). “APEC and World Trade: A Force for Worldwide Liberalization.” Foreign Affairs 73, no. 3 (May/June)

Bergsten, C. Fred. (1996). “Globalizing Free Trade.” Foreign Affairs, 75, no. 3 (May/June)

Elek, Andrew. (1996). “APEC: An Open Economic Association in the Asia-Pacific Region.” In Bijit Bora and Christopher Findlay, Regional Integration and the Asia-Pacific. Melbourne: Oxford University Press.

Garnaut, Ross. (1997). Open Regionalism & Trade Liberalization. Australia: Allen & Unwin Academic Marketing Department.

Saxonhouse, Gary. (1996). “Regionalism and U.S. Trade Policy in Asia.” In Jagdish Bhagwati and Arvind Panagariya, The Economics of Preferential Trade Agreements. Washington: American Enterprise Institute and AEI Press.

Destler, I. M. (1995). American Trade Politics, 3d ed. Washington: Institute for International Economics.

Bergsten, C. Fred. (1996). “Competitive Liberalization and Global Free Trade.” In Il SaKong, Major Issues for the Global Trade and Financial System. Seoul: The Seoul Global Trade Forum.

Lawrence, Robert. (1996). Regionalism, Multilateralism, and Deeper Integration. Washington: Brookings Institution.

Yamazawa, Ippei. (1997). “Globalization vs. Regionalism for Trade Expansion.” Paper presented at the Asia and the Pacific International Conference on Globalization, Regionalization, and Local Responses.

المصدر/الموسوعة السياسية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى