دراسات أسيويةدراسات جيوسياسية

محاولة التوغل: الصيني النفوذ الجيوسياسي في القارة القطبية الجنوبية

الكسندر ب. جراي عرض: مصطفى صلاح

تمتلك إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن فرصة كبيرة للرد على طموحات الصين لتعزيز نفوذها في القطب الجنوبي والتأكيد على عمل المؤسسات الدولية التي وعدت بإحياء دورها، خاصة وأن طموحات الصين في القطب الشمالي تشهد تناميًا كبيرًا منذ عام 2018 عندما بدأت الشروع  في تنفيذ أهدافها هناك والتي ساهمت في إعلانها قوة مؤثرة في هذه المنطقة من خلال ما يعرف  بطريق الحرير القطبي.

ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من وجود ما يقرب من ألفي ميل من الدائرة القطبية الشمالية، كانت الصين تروج بقوة لاستراتيجيتها الاقتصادية في المنتديات الدولية وذلك من خلال الاستثمارات في دول القطب الشمالي الفعلية، ومن خلال بناء أسطول كبير من كاسحات الجليد القطبية.

معارضة مستمرة

لاحظت الحكومات الغربية النشاط المتصاعد للصين في القارة القطبية الجنوبية، وقد ذكر وزير الخارجية السابق مايك بومبيو  إلى أن نمط الصين من السلوك العدواني في أماكن أخرى سوف توضح سياساتها في المناطق الأخرى على سبيل المثال منطقة القطب الشمالي. ومع ذلك فإن مخططات الصين بشأن القطب الشمالي قد أثارت قلقًا متزايدًا من المجتمع الدولي.

وضمن هذا السياق فإن السياسة الصينية تجاه المنطقة القطبية الجنوبية  لا تزال غير معروفة نسبيًا، وإن كان يمكن القياس على السياسة الصينية في منطقة القطب الشمالي؛ حيث أن طموحات الصين في القطب الجنوبي تمثل تهديد كبير للمصالح الغربية مثل ادعاءاتها التي تستهدفها في منطقة القطب الشمالي. علاوة على ذلك، فقد تفاقمت هذه التهديدات بسبب حقيقة أن الولايات المتحدة وأقرب حلفائها بالقرب من القارة القطبية الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا، لا يزال لديهم فكرة قليلة عما تتبعه الصين من سياسات هناك.

ويجب الإشارة هنا أنه بموجب  شروط  معاهدة أنتاركتيكا لعام 1959فإن هذه المنطقة تعتبر من الفضاءات العالمية التي يجب الحفاظ عليها للأغراض السلمية فقط. ونتيجة لذلك، فإن أي إجراءات ذات طبيعة عسكرية محظورة هناك ، وجميع المطالبات الإقليمية للسيطرة على هذه المنطقة معلقة إلى أجل غير مسمى. وقد وقعت كل من الولايات المتحدة والصين على المعاهدة وأهم ملحق لها المتمثل في بروتوكول مدريد لعام 1991  الذي يحظر بشكل دائم التعدين الاستخراجي، ويحمي النباتات والحيوانات الفريدة في القارة، ويسعى بخلاف ذلك إلى الحفاظ على القارة القطبية الجنوبية من أجل البحث العلمي الذي يستفيد منه جميع دول العالم .

نظام المواجهة

إن آلية إنفاذ معاهدة أنتاركتيكا وبروتوكولاتها هي بمثابة نظام تفتيش؛ حيث يقوم الموقعون على الاتفاقية بزيارات دورية إلى المحطات التي تديرها حوالي ثلاثين دولة، وهذه الزيارات لا تقوم بأعمالها في المراقبة خاصة بعد أن فشلت في زيارة بعض محطات الأبحاث الصينية الخمسة في القارة القطبية الجنوبية حتى الآن. على سبيل المثال محطة كونلون ، وهي ثاني منشأة في أقصى الجنوب في القارة، كما أنها أعلى منطقة جليدية في القارة القطبية الجنوبية. وقد استخدمت بكين بعض قواعدها في القطب الجنوبي لمحطات استقبال الأقمار الصناعية والتلسكوبات عالية الطاقة، وكلاهما له تطبيقات عسكرية وهو الأمر الذي تحظره الاتفاقية.

ومع ذلك لم يتم تفتيش أي من القواعد الصينيةالموجودة هناك  منذ عام 2015عندما زارت كل من تشيلي والأرجنتين محطة سور الصين العظيم بالقرب من أمريكا الجنوبية. بالإضافة إلى ذلك أجرت أستراليا التي لها مصالح كبيرة في أنتاركتيكا   آخر مرة تفتيش في أنتاركتيكا في عام 2016، واختارت التوقف عند قاعدة أمريكية. بالإضافة إلى ذلك أجرت نيوزيلندا وهي قوة تقليدية أخرى في أنتاركتيكا آخر عملية تفتيش في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

والجدير ذكره هنا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الولايات المتحدة  لم تجر  تفتيشًا فعليًا للقاعدة منذ عام 2011. وقد أعاق الولايات المتحدة  في القيام بذلك هو افتقارها إلى كاسحات الجليد القطبية العاملة، والتي تعد شرطًا أساسيًا للوصول إلى جغرافيا القارة التي يصعب الوصول إليها.

الولايات المتحدة في المواجهة

خلال فترة ولايتها أدركت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة في المناطق القطبية واتخذت خطوة غير عادية  للبدء في استئجار كاسحات جليد أجنبية الصنع  بينما تم إنشاء برنامج Polar Security Cutter لتزويد خفر السواحل بكاسحات جليد جديدة. ولكن بينما يحتمل أن يتلقى القطب الشمالي قدرًا كبيرًا من الاهتمام الناتج عن النفوذ الصيني هناك، وعلى الرغم من ذلك فإن القطب الجنوبي لا يزال في حاجة ماسة إلى موارد إضافية.

وفي الوقت نفسه، فإن الطموحات العسكرية للصين في القارة الجنوبية حقيقية ومتنامية، وأن بناء الصين لمطار دائم في أنتاركتيكا في عام 2018، وأسطولها المتنامي من كاسحات الجليد، وتدفق أفراد جيش التحرير الشعبي في محطات أبحاث بكين، ما هي إلا مؤشرات على مجموعة من الأهداف العسكرية لبكين؛ حيث أنه في محطة تشونغشان ساعد خبراء جيش التحرير الشعبي في بناء موقع رادار  يمكن أن يتداخل مع الأقمار الصناعية القطبية الأمريكية، وهو ما يمثل انتهاكًا لمعاهدة أنتاركتيكا؛ حيث لم تبلغ الصين عن أي من أنشطة جيش التحرير الشعبي هذه إلى الدول الموقعة على المعاهدة.

بايدن واستعادة الدور

من المثير للقلق أن الصين قد وسعت طموحاتها الاقتصادية الكبيرة لتشمل القطب الجنوبي أيضًا، ويحظر بروتوكول مدريد الذي ينتهي في عام 2048، التعدين في القطب الجنوبي. وقد دفع هذا المسؤولين الصينيين إلى التكهن علانية بشأن القارة الجنوبية كمصدر محتمل للعناصر الأرضية النادرة، والنفط والغاز، بالإضافة إلى صيد الأسماك، وهذه الأنشطة تخضع لرقابة صارمة في المحيط الجنوبي بموجب هذا البروتوكول ، والذي تتمتع فيه الصين بسمعة عالمية عن جدارة بسلوك غير قانوني، وقد يكون السلوك الذي شاهده العالم في إفريقيا وجنوب شرق آسيا لسنوات من جانب الصين قادمًا إلى القطب الجنوبي في السنوات المقبلة.

وفي الختام تمتلك إدارة بايدن فرصة للرد على طموحات الصين في القطب الجنوبي والتأكيد على عمل المؤسسات الدولية التي وعدت بإحيائها، ويعد استمرار كل من برنامج التأجير وبناء كاسحات الجليد القطبية الجديدة شرطًا أساسيًا لإجراء عمليات تفتيش قوية. فقط من خلال مساءلة بكين فعليًا عن نشاطها العسكري غير المصرح به  وربما اكتشاف انتهاكات إضافية ، وفي هذا الوقت يمكن أن يظل نظام معاهدة أنتاركتيكا فعالًا.

من جانب آخر يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة إرسال إشارة قوية حول التزام المجتمع الدولي بالحفاظ على بيئة القطب الجنوبي من خلال توضيح نيتها في الحفاظ على الأحكام الرئيسية لبروتوكول مدريد ساري المفعول لما بعد عام 2048؛ حيث لا يمكن السماح للصين بالاستمرار في  ما تفعله في القطب الجنوبي. وكما كتب وزير الخارجية جون فوستر دالاس أنه عندما كان يجري التفاوض بشأن معاهدة أنتاركتيكا، فإن للولايات المتحدة لديها مصلحة راسخة في إبقاء القارة القطبية الجنوبية في أيدٍ صديقة؛ حيث تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى التحرك لضمان مثل هذه النتيجة.

Alexander B. Gray, China’s Next Geopolitical Goal: Dominate Antarctica, March 20, 2021, at: https://nationalinterest.org/feature/chinas-next-geopolitical-goal-dominate-antarctica-180579

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى