التحضير لشهادة البكالورياقضايا فلسفية

مقالة فلسفية حول الحق والواجب

 السؤال: ايهما اسبق الحقوق ام الواجبات

طرح المشكلة

تعتبر العدالة من القيم الانسانية السامية التي يسعى الانسان الى تحقيقها من اجل تنظيم حياته فتطبيقها على ارض الواقع يعتبر مطلبا اساسيا للانسانية حتى لا يحدث اخلال في توازنه الاجتماعي فاذا كان العدل هو الاستقامة فيالاستحقاق فهذا يعني ان له ارتباط وثيق بالحقوق و الواجبات و اذا اقتضت العدالة جهاز حقوق وواجبات فقد اختلف الفلاسفة و المفكرين حول الية تجسيد العدالة الاجتماعية فمنهم من اعتبر ان العدالة فضيلة انسانية سامية تقوم على الحق باعتباره مكسب مادي و معنوي يملكه الانسان و يمكنه المطلبة به و الدفاع عنه و نابع من القانون ومنهم من اعتبر ان العدالة تقوم على الواجب باعتباره يحدد على الفرد ما يجب فعله و يمنع تركه كما انه مرتبط بالثواب و العقاب و هذا ما يدفعنا الى طرح الاشكال التالي هل الحق يسبق الواجب ؟و هل فعلا العدالة تقدم الحقوق على الواجبات ؟

محاولة حل المشكلة

الموقف الاول:

يرى انصار هذا الاتجاه ان العدالة تقوم على تقديم الحقوق على الواجبات و هذا ما اكده الفيلسوف سقراط عندما سئل عن مفهوم العدالة فقال “العدل هو اعطاء كل ذي حق حقه ” اي ان المطالبة بالحقوق تشكل صميم العدالة فالحق معطى طبيعي و قاعدة الجور في كثير من الاحيان هو لعدم المطالبة بالحق فالانسان يولد وهو مزود بمجموعة من الحقوق الطبيعية كحق الغذاء ،التعبير، الحرية ،و هذا ماذهب اليه فلاسفة القانون الطبيعي ان العدالة تعطي الاولوية للحقوق فيقول وولف في هذا الصدد “كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا بل الحقوق التي يتمتع بها الفرد بمجرد ان يولد من غير المطالبة بها”فحق الفرد سابق لواجب الدولة و هذا من منطلق ان القانون الطبيعي سابق لنشات الدولة يقول جون لوك “لما كان الانسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية و التمتع بجميع الحقوق الطبيعية فان له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه اي حياته و حريته و ممتلكاته فحسب بل في ان يحاكم الاخرين في خرقهم لهذا القانون “فلا بد ان تكون العدالة قائمة على اساس اسبقية الحق لان ذلك يحفز الناس و يزرع التنافس بينهم ويفتح السبيل امام الافراد مما يجعل المطالبة به فضيلة و تحافظ على مدنية الانسان ،فالحق حارس العدالة ،لان الوجود يتوقف على هذه الحقوق فالعدالة المطلقة تقتضي احترام الطبيعة البشرية في اقرارها بالحقوق الملازمة لكيوناتها البشرية التي تضمنها القوانين الطبيعية بدليل ان المنظمات الدولية لحقوق الانسان تطالب بها فالمادة 3 من اعلان حقوق الانسان تنص على ان هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الانسان الطبيعية ( الحرية ، الملكية ن الامن ) و المادة 12 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تنص على (لكل شخص التفكير في الحرية و الدين و الضمير ).

المناقشة

يمكن اعتبار ما جاء به انصار هذا الاتجاه صحيح باعتبار ان الحق معطى طبيعي يولد مع الفرد و لكن الاسبقية التي ناد بها تؤدي الى الاخلال بنظام العدالة و التعدي على مبدا الاستحقاق الذي تؤسس علبه العدالة ،فجعل الحق في المقام الاول لا يجسد العدالة المطلوبة فهذ هو تكريس لهيمنة الاقوياء على الضعفاء كما ان المطالبة بالحقوق تؤدي الى انتشار الفوضى فالواجب هو الذي ينظم المجتمع و يساهم في بنائه فهل هذا يعني ان العدالة الحقة هي التي تعطي الاولوية للواجب.

الموقف الثاني

يرى انصار هذا الاتجاه ان اصل العدالة تقوم على اسبقية الواجب ،وهذا ما ذهب اليه الفيلسوف اليوناني افلاطون من الفكر الفلسفي اليوناني القديم عندما سئل عن العدالة فقال “العدل هو اداء الفرد لواجبه و امتلاكه لما يخصه” و ايد هذا الراي فلاسفة الواجب الاخلاقي كانط الذي جعل الواجب اساس لبناء الاخلاق فيقول “شيئان يملئان نفسي اعجابا ،السماء المرصدة بالنجوم فوق راسي و الضمير الخلقي الذي يسري في صدري “لان الالتزام بالواجب الاخلاقي مقتضى عقلي و هذا مايجعل من الارادة الخيرة مصدر كل تشريع و من هذا المنطلق يرى كانط ان الواجب يقتضي القيام بالعمل لذات الواجب و ليس لما يترتب عليه من حقوق اي القيام بالواجب من اجل الواجب و فقط مثل العلم من اجل العلم و يرى دوركايم “ليس للفرد حقوق بل عليه واجبات فالانسان لا يعيش لذاته فلو قام بواجبه لتحققت حقوق الجميع “فالتطور الاجتماعي يرتبط باداء الواجبات.

فهي التي تمد المجتمع بما يلزمه من وسائل عكس الحقوق التي تستنزف المجتمع و نجد هذا الراي عند الفيلسوف الاجتماعي اوغست كونت الذي يرى ان اولوية الواجب مقتضى وضعي فهو القاعدة التي تفرضها العاطفة و العقل فالاخلاق ذات طابع اجتماعي نابعة من الواجب كاالزام خارجي فلو قام كل بواجبه لما وجد من يطالب بحقه فالقوانين الوضعية تطالب الافراد القيام باعمال (واجبات )مقابل اجور (حقوق) فالواجب هوالذي يظهر الفرق بين الافراد و يقوي العزيمة فبما ان الانسان كائن مدني فان القيام بالواجب اولى بالمطلبة بالحق.

مناقشة

يمكن اعتبار ما جاء به انصار هذا الاتجاه صحيح فلا يمكن للمجتمع ان يتطور دون قيام الفرد بواجباته و لكن بالمقابل ينتظر الحصول على حقه الا ان ذلك لا يضمن حصوله على حقوقه فكثير من حالات الجور و التعسف و اللاعدل يكون مصدرها تجاهل الواجبات فالتاريخ يثبت ان النازية استعملت فكرة الواجب استعمالا سلبيا فكان الجندي الالماني ملزم باداء الواجب بصورة عمياء وبدون نقاش و هذا ما يترتب عنه الفوضى و غياب هيئة العدالة.

التركيب

ان العدالة الحق تتطلب تضامنا بين الحقوق والواجبات فحقوق البعض ما هي الا واجبات البعض الاخر فالعبرة ليست باسبقية احدهما على الاخر و انما احداث اتزان و توازن بينهما فبقدر ما يقوم الفرد من واجبات بقدر ما ينال حقوقه فمن الاجحاف ان يقتصر الفرد على المطالبة بحقه دون اداء واجبه كما ان القوانين الوضعية الحالية تقوم على الواجبات مقابل الحقوق و اذا كان الحق هو ادعاء تم تبريره بواسطة المجتمع فالواجب يعد بمثابة التزام يلزم الفرد ذاته به ،ومنه فعلى الحاكم ان يلزم المحكومين باداء واجباتهم و يسهر على تادية حقوقهم و هذا ما يهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية.

حل المشكلة

ان العدالة كقيمة اخلاقية تعبر عن عدة ابعاد للانسان فالمجتمع الذي تتاسس عليه العدالة يضمن اكثر للانسان انسانيته فالمحافظة على القيم الاجتماعية تتم بالقانون النابع من العدالة الذي يضمن التوافق و الانسجام بين الحقوق و الواجبات وان وقع افراط في احد الجانبين اختل التوازن وانهارت العدالة و منه فالعدالة لا تكمن اسبقية احدهما على الاخربل احداث نوع من المساوات دون تغليب احدهما على الاخر .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى