دراسات تاريخية

مذكرات الرئيس على كافي.. “من المناضل السياسي إلى القائد العسكري”

 في سلسلة المذكرات للسيد علي كافي تبدأ بـ(علي كافي من المناضل السياسي إلى القائد العسكري 1946-1962)، هي مذكرات ترصد الثورة الجزائرية من الداخل وموقفها من عملية أكفادو La Bleuite والحكومة المؤقتة والصراعات بين العقداء العشرة خلال اجتماعات تونس صائفة 1959 واغتيال عبان رمضان .

      قد يطرح سؤال: لماذا هذه المذكرات؟ هو نفسه السؤال الموجود على غلاف الكتاب حيث يعتقد كاتبها أن الجيل الصاعد أصبح في حاجة ماسة إلى معرفة ما قام به أسلافه من انجازات عظيمة وأنه في حاجة إلى الاطلاع على الحقائق والمعلومات من أفواه أصحابها لأن شهادات الذين شاركوا في صنع الأحداث تزيل التحريف والتشويه اللذين لحقا بالثورة الجزائرية ويدعو كاتبها من بقي من رجال الثورة على قيد الحياة إلى التخلي عن السكوت المبرر كما يحث المؤرخين والباحثين على العمل من أجل تمكين الرأي العام الوطني والدولي من الاطلاع على حقائق الثورة الجزائرية ودورها التاريخي في تحرير الشعب. إنها خطورة نحو تسجيل حي لتاريخ الجزائر وقدوة حسنة لتجربة مليئة بالنضال الوطني تتجاوز ابراز الجوانب الايجابية للثورة الجزائرية وقدسية أصحابها.

      ولد الرئيس على كافي سنة 1928 بالحروش عمالة قسنطينة بعد انهاء دراسته بالكتانية انتقل إلى جامعة الزيتونة سنة 1950 لاستكمال دراسته ليلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني في بداية 1955. عمل مباشرة معه الشهيد زيغوت يوسف وكلف رفقة زملائه بتحضير 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني وشارك في مؤتمر الصومام ضمن وفد الولاية الثانية وفي خريف 1956 عين قائدًا عسكريا لها وفي ربيع 1957 عين على رأس نفس الولاية. شارك في اجتماع العقداء العشرة في 1959 أصبح عضوا في مكتب المجلس الوطني للثورة الجزائرية ليعين بعدها ممثلًا لجبهة التحرير في سبتمبر 1961 بالقاهرة والجامعة العربية. عين عضوًا في المجلس الأعلى للدولة في جانفي 1992 ثم رئيسًا لهذا المجلس بعد اغتيال محمد بوضياف من 2 جويلية 1992 إلى غاية جانفي 1994.

    يذكر أنه لما كان سفيرًا في الكثير من عواصم أقطار الوطن العربي بدءًا من القاهرة مرورًا ببيروت دمشق وطرابلس وانتهاءً بتونس ربطته علاقات بالسياسيين والمثقفين والكتاب العرب صلات ود وصداقة وكان يحدثهم عن نضال الشعب الجزائري وكفاحه وجهاده وكان حديثه يلقى استحسانا منهم مما دفع بهم بمطالبته بكتابة مذكراته وأمام الالحاح منهم وجد نفسه يقضي الليالي في محاولة لاسترجاع المشاهد والوقائع التي عاشها السيد علي كافي.

     رجع بجميع أحاسيسه ومشاعره إلى أكثر من خمسين سنة من حياته ليعيد ترتيبها وبنائها من جديد وبدأت تتزاحم على ذاكرته صور أيام النضال والكفاح التعليمات والأوامر التي كانت تأتيهم من زملاء الجهاد شفهيا أو يكتبونها في كف اليد خشية أن تسقط في أيدي الادارة الفرنسية ولم يكن لهم من المكتوب سوى القوانين الأساسية والداخلية والمذكرات. وما زاد المشكل تعقيدًا هو أن السجلات والتقارير والمحاضر والتوصيات التي كانت تكتب داخل كل ولاية ضاعت في خضم الصراعات التي عرفتها الجزائر عشية الاستقلال. فضل السيد علي كافي عدم ذكر الكثير من الأسماء التي لعبت أدوارًا مختلفة في الثورة كما تجنب التفاصيل حتى لا يضيع فيها.

     يذكر أن هذه الشهادة الحية عن الثورة يعود الفضل في تسجيل بعضها إلى المرحوم عيسى مسعودي ومحمد مرزوق لكن الفضل في ظهورها بهذه الصيغة يعود إلى الصحفيين : سعد بوعقبة وعبد العالي رزاقي ولا شك أن هذه المذكرات لها قيمة تاريخية لأنها رصدت الثورة من داخلها ووضعت لأول مرة وثائق ومعلومات عن تنظيم محكم لولاية تاريخية استطاعت أن تضحي بالكثير من جنودها وقادتها وتترك بصمات في تاريخ الثورة الجزائرية وتدفع بها نحو الانتصار التاريخي. ويشيد علي كافي عن سبب كتابة هذه المذكرات في هذا الوقت بالذات مركزًا دائمًا على أن الجيل الصاعد في حاجة ماسة إلى معرفة ما قام به أسلافه من انجازات عظيمة كما أنه في حاجة إلى الاطلاع على الحقائق والمعلومات من أفواه أصحابها لربط حلقات المسيرة التاريخية للشعب الجزائري وبذلك يتحقق التواصل بين الأجيال إلى جانب حاجة المؤرخين والدارسين والباحثين إلى شهادات الرجال الذين شاركوا في صنع الأحداث في وطننا العربي لفهم تاريخ أمتنا ومما لا شك فيه أن التشويه الذي لحق الثورة التحريرية أساسه التزام صانعيها بالسكوت المبرر وعدم مبادرة المؤرخين والباحثين والدارسين الجزائريين بالعمل على تمكين الرأي العام الوطني والدولي من الاطلاع عليها واكتشاف عظمتها ودورها التاريخي في تحرير الشعوب. إن الاستعمار كما كان معاشًا في الجزائر بكل قمعه وشراسته لم يكن ليزول بمجرد السياسات الاصلاحية ولم يكن بوسع الحركة الوطنية قبيل اندلاع الثورة أن تقوم بدورها الأساسي وإنما غرقت في عمقها وانقساماتها ولم تتمكن من تحطيم النزعة التحررية لدى مناضليها. ويعد ميلاد جيش التحرير الوطني حدثًا مهمًا في تاريخ وسيرة الثورة الجزائرية لقد استطاع أن يستجيب لطموحات الشعب الجزائري في التحرر من بطش المستعمر وعليه فإن أول نوفمبر يمثل منعرجًا تاريخيًا حاسمًا وهو يعبر عن قوة وارادة الشعب الجزائري وجيش التحرير الوطني في تصفية الاستعمار بقوة.

    إن بيان أول نوفمبر يعكس مطالب الشعب بأمانة فهو يبرز بوضوح أن الاعتبارات ذات الطابع التكتيكي في هذه المرحلة الأولية من الكفاح _تصبح حاسمة وفاصلة – فالكفاح المسلح مفتوح لأكبر عدد حول هدف واحد: الاستقلال الوطني جيش التحرير الوطني هو نقطة التقاء جميع المناضلين الأصليين من أجل القضية دون أي تمييز طبقي.

    إن الثورة الجزائرية ترفض في أعماقها المفهوم الماركسي لصراع الطبقات بل هي ترفض حتى فكرة تحالف الطبقات وصفوف جيش التحرير الوطني كانت مفتوحة لجميع المواطنين كأفراد وليس كجماعات منظمة.

علي كافي 1946-1962

     في مدرسة حزب الشعب (الكتانية) يذكر السيد علي كافي في مذكراته أنه عندما التقى بالشيخ خير الدين في آخر اجتماع للمجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس قال له: أنتم من عندنا ونحن نناديكم بالأشراف وأسر اليه أن له مخطوطا في مكتبته الخاصة ببسكرة حول عائلته ودعاه الى زيارته للاطلاع عليه. أنستني الأحداث يقول السيد علي كافي التي مررت بها بعد الاستقلال ذلك المخطوط لكنني حين تلقيت مذكراته تذكرت ما قاله لي في طرابلس وقمت بزيارته في بيته ببئر خادم بالعاصمة وذكرته بوعده لي. قال لي: تأخرت كثيرًا موضحًا ما يملكه من كتب ومخطوطات تبرع بها لمكتبات المساجد ثم نادى ابنه وأوصاه بالبحث عن المخطوط المتعلق بعائلتي ومات الشيخ خير الدين ونسي ابنه وصية أبيه. ويذكر أن من بين الطلبة الذين استطعنا تسجيلهم في الكتانية بصعوبة فيما بعد محمد الطاهر قادري عبد المجيد كحل الراس ومحمد بوخروبة. كان معهد الكتانية معلمًا تاريخيًا داخل سوق العصر بالقرب من دار الباي وكان مسجد سيدي الكتاني تحفة معمارية في ذلك العصر. ومن بين الشيوخ الذين كانوا يدرسوننا ولا زلت أتذكر أسمائهم يحضرني كل من: عبد العالي لخضري عبد الحفيظ بلهاشمي الشيخ الطاهر بن زقوطة الأخضر بن ناصر الطيب بلحنش الزواوي بلفون والشيخ محمد المهدي وغيرهم. وهم علماء أجلاء كنا نقدرهم ونعقد اجتماعاتنا الحزبية في بيوت بعضهم فكان بيت الشيخ الطيب بلحنش يأوي اجتماعاتنا الحزبية عند الضرورة لكن بعض الشيوخ كانت لهم علاقات بفرنسا وأذكر أنه عندما أراد المكتب الثاني الفرنسي استنطاقنا أثناء الاضراب العام لطلبة الكتانية رفضنا ذلك وطالبنا بأن يجري الاستنطاق بحضور الشيوخ مما جعل الفرنسيين يحجمون عن ذلك. وكان الشيخ عبد العالي لخضري يقسو علينا بصفته مديرا للمعهد ويتعامل معنا بريبة وكنا خمسة طلاب آنذاك معروفين بنشاطاتنا الحزبية ومسؤولية ادارة الحزب بالمعهد. وفي وسط عام 1948 قدم إلى المعهد طالب تبدو على وجهه مسحة البداوة وكأنه خائف من المدينة كان يلبس برنوسا وكان لباسه رثا ووجد صعوبة في الالتحاق بالمعهد وتدخلنا لتسجيله. وكان من نصيبي وحاولت مرارًا اقناعه بالانضمام إلى حركتنا إلا أنه كان يمانع في كل مرة. وذات مرة صارحني بالسبب قائلًا: والدي أرسلني للدراسة وليس لممارسة السياسة. كان هذا الشاب اسمه محمد بوخروبة وكان علينا أن تركه لحاله وبقيت صورته واسمه عالقين في ذهني لأنني لم أتمكن من ضمه إلى الحزب.

دور المرأة:

    كثيرون جدًا _إن لم نقل جميعهم- من كتبوا عن الثورة وتعرضوا لدور المرأة الجزائرية _أو الفتاة- في الثورة الجزائرية فحصروه في المدن فقط دون التعرض للمرأة -أو الفتاة- في الريف الجزائري. فمن الريف انطلقت الثورة في حجمها الأكبر وبالتالي فان المرأة الجزائرية واكبت واحتضنت وشاركت في الثورة منذ انطلاقتها الأولى. ومن هنا فان الكلمة أو السؤال: متى التحقت امرأة الريف بالثورة؟. يكون باطلًا وغير وارد واجحافا لها. فامرأة الريف-مثل رجل الريف-هي التي تحملت أكثر الاضطهاد والاهانة أيام الاستعمار وبالتالي كانت في طليعة الآخذين بالثأر منه وفي المشاركين في الثورة منذ انطلاقتها. لم تعرف تقلبات الفصول ولا الراحة وكانت تتعهد بجمع الحطب واعداد الأكل والنوم للمجاهدين وغسل ثيابهم وخياطتها وتقوم بالحراسة وتشهر بندقيتها في وجه المعمر.

    كانت الثورة متغلغلة في عروق المرأة رغم أميتها والوطنية ضاربة في جذور ماضيها كان يرفض بعضهن الزواج كم من امرأة زغردت في أذن ابنها الشهيد بمحضر قوات العدو وكم من امرأة ترى بيتها يحرق ويدمر أمام عينيها دون أن تحرك ساكنا أو تتأثر أو كتلك التي كان لها ابن وحيد _صالح الحروشي (استشهد) _على أهبة الزواج في بداية الثورة. ولم تكن تملك إلا بقرة واحدة و كان من المقرر أن يتزوج في الصيف وفي نفس الوقت أراد الالتحاق بالثورة لكن لم يكن لديه السلاح فباعت الأم بقرتها واشترت له بندقية ثم ساعدته على الالتحاق بالمجاهدين مضحية به وبزواجه.

    لقد كانت المرأة الجزائرية في الموعد دائمًا لم تبخل في يوم من الأيام بالتضحية والجهد بل كانت مناضلة ومجاهدة وفدائية ومسبلة وكانت ممرضة ومرشدة اجتماعية تقدم النصائح المتعلقة بكيفية تربية الأطفال والاعتناء بنظافتهم وصحتهم والتوعية بأهداف الثورة وعدالة قضيتها بواسطة الحوار والاقناع واجهاض مخططات العدو في استمالة المرأة الجزائرية سواء في الاستفتاءات والانتخابات أو الجمعيات الاجتماعية والخيرية التي أنشأها سوستيل وبيجار سالان ومدام سيد قارة.

     في بداية 1956 بدأت الطالبات والمعلمات يلتحقن بالجبال قادمات من المدن وكان في البداية صعبا أن ترى امرأة بلباس عسكري مثلها مثل الرجل ولكن الثورة بقناعتها قضت على هذه العقدة فأصبحت جنبا لجنب ترافق الفدائي الى المدينة _و تشارك معه- تعرفه بالموقع والملجأ. وبعد اضراب 1956 تكاثر العدد ومن ثم استحدث قطاع الصحة فألحقن وأصبح بعضهن مسؤولات عن مستشفيات بجميع مرافقها.

    هو الرئيس الثامن للجزائر منذ التكوين والرئيس السادس منذ الاستقلال، وكان عضوًا في حزب الشعب وساهم بالنضال فيه حتى أصبح مسؤول خلية ومن بعدها مسئول مجموعة. بعام 1953 عين مدرسًا من طرف حزبه في مدرسة حرة بسكيكدة. 

     ساهم بالثورة الجزائرية  منذ اتصاله بديدوش مراد في نوفمبر 1954 وكانت  بداية مشاركته على مستوى مدينة سكيكدة وبعدها التحق بجبال الشمال القسنطيني. وشارك في معارك اوت 1955 تحت قيادة زيغود يوسف. وفي اوت 1956 شارك في مؤتمر الصومام حيث كان عضوًا مندوبًا عن المنطقة الثانية. وقام بقيادة المنطقة الثانية بين أعوام 1957 و1959.

   بعد الاستقلال عين سفيرًا للجزائر في تونس ثم مصر وبعدها سوريا ولبنان والعراق وإيطاليا. في يناير 1992، عين عضوا في المجلس الأعلى للدولة ثم رئيسا له في 2 يوليو وذلك بعد اغتيال محمد بوضياف. العقيد علي كافي عسكريّ محترف انضمّ الى الثورة الجزائرية منذ اندلاعها، وكان من كوادرها في منطقة الغرب الجزائري وقد أوكلت اليه مهمات عسكرية كثيرة أثناء الثورة الجزائرية، وكثيرا ما كان يتنقّل بين الجزائر وتونس الى تاريخ استقلال الجزائر.

    كانت تربطه علاقات جيدة ببعض الرؤساء العرب من أمثال جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة، الى درجة أنّ التيار الفرانكفوني في الجزائر كان يعتبره قوميًا عربيًا، وقد تعودّ الفرانكفونيون في الجزائر على اتهام كل من يحبّ الثقافة العربية ويميل إلى اللغة العربية بأنّه قومي أو بعثي وما الى ذلك من المسميات، وفي وقت لاحق باتوا يتهمون المعرّب بأنّه أصولي أو سليل الأصولية، وكأنّهم الأصل في الجزائر وغيرهم الدخيل.

    لقد قضى علي كافي حياته متنقلًا بين العواصم العربية، وأعتبره البعض في الجزائر بأنّه كان خارج اللعبة السياسية. وأثناء تعيينه على رأس المجلس الأعلى للدولة عقب اغتيال محمد بوضياف، قيل ساعتها أنّ السلطة تريد أن تعالج أزمة الثقة بين السلطة والرعيّة، لكن هذه الخطوة لم تفلح في ردّ الاعتبار للنظام، لأنّ الأزمة السياسية التي اندلعت في الجزائر كانت أكبر من كافي ونظرائه.

    أنهيت مهام علي كافي الدبلوماسية في عهد الشاذلي بن جديد، حيث جرى تعيينه أمينًا عامًا لمنظمة المجاهدين التي ترعى شؤون المجاهدين الجزائريين الذين شاركوا في الثورة الجزائرية، وكانت هذه المنظمة محل انتقاد العديد من السياسيين باعتبار أنّ هذه المنظمة أهملت حقوق المجاهدين الفعليين، وبات المجاهدون المزيفون وهم الذين زورّوا أوراقا ووثائق لاثبات أنهّم شاركوا في الثورة الجزائرية وحازوا على العديد من الامتيازات في الواجهة يستفيدون من كافة الامتيازات التي حظيّ بها الذين شاركوا في الثورة الجزائرية فيما بعد. وللاشارة فانّ أيّ جزائري كانت تكفيه شهادة شخصين معروفين بدورهما أثناء ثورة التحرير للدلالة على أنّه شارك في ثورة التحرير، ومعظم هذه الشهادات كانت تتم بعد الاستقلال، وفي الوقت الذي حصل فيه الثوّار المزيفون أو الذين يسمّيهم الشارع الجزائري بثوّار 1962 أي تاريخ استقلال الجزائر، على امتيازات واسعة، فانّ المجاهدين الحقيقيين وعوائلهم مازالت ملفاتهم قيد الدرس، وكان العديد من أرامل الشهداء يقمنّ في الأكواخ القصديرية، ومازلن يطالبن بحقوقهن من خلال بعض المنظمات الحقوقية الجزائرية.

   لم يلعب علي كافي أي دور في المرحلة الشاذلية، وبرز اسمه عندما أطيح بالشاذلي بن جديد وعند تشكيل المجلس الأعلى للدولة، حيث أصبح علي كافي ضمن تشكيلة هذا المجلس الذي كان يضم محمد بوضياف رئيسًا، وخالد نزار عضوًا، وعلي كافي عضوًا، وتيجاني هدّام عضوًا، وعلي هارون عضوًا. وعندما كان علي كافي عضوًا في المجلس الأعلى للدولة لم يكن له أيّ دور يذكر، فوجود كافي وهارون وهداّم كان رمزيًا تقريبًا لأنّ القرارات الخطيرة والمصيرية كانت تتخّذ في مكان أخر، ويمكن القول أنّ الشخصيّة البارزة والمحورية في هذا المجلس كان اللواء خالد نزار وزير الدفاع في ذلك الوقت.

   الوقع أنه كانت تركيبة المجلس الأعلى للدولة تركيبة هجينة غير متاجنسة بتاتًا، فمحمد بوضياف كان ناقمًا على جبهة التحرير الوطني والذي على حسب رأيه أساءت الى تاريخه وسحبت من تحته البساط ولذلك شنّ عليها ومعه سيد أحمد غزالي حملة شعواء، الى درجة أنّ محمد بوضياف كان يتهكم على الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري وذلك في مهرجان عام أقامه الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي كان يتزعمه عبد الحق بن حمودة. وعلي كافي الذي كانت له نفس المواقف من حزب جبهة التحرير الوطني، كان يعتبر نفسه أحد أبنائها، وكان غير مرتاح لزمرة المستشارين الفرانكفونيين الذين كانوا يحيطون ببوضياف، وكان كافي شخصيا يتهجّم على ما كان يسميه حزب فرنسا في الجزائر، وهددّ ذات يوم بفتح ملف هذا الحزب، لكنّه كان مجردّ تهديد ولم يفتحه أبدًا.

   أمّا تيجاني هدّام وعلي هارون فهما متناقضان بل ضدّان لا يلتقيان، فهدّام محسوب على الاسلام المستنير وكان قبل أن يصبح عضوًا في المجلس الأعلى للدولة امامًا لمسجد باريس في فرنسا، أمّا علي هارون فأبعد ما يكون عن قناعات هدّام وهو رجل فرانكفوني ومحسوب على التيار التغريبي، ويمكن ادراج علي هارون ورضا مالك في نفس السياق الفكري والتغريبي. أمّا خالد نزار وزير الدفاع فقد كان يمثل سلطة الجيش التي لا يعلو عليها أحد في الجزائر وقد كان يمثل الأقلية الاستئصالية في المؤسسة العسكري. ونظرا لانعدام التجانس بين أعضاء المجلس الأعلى للدولة الرئاسة الجماعية، وفقدان هذا المجلس لمركزية القرار فقد بقيّ أشبه بالمتفرج على الأحداث التي عصفت بالجزائر.

    وفي كل الأوقات كان دوره يكمن في المصادقة على قرارات المواجهة مع الاسلاميين وقوانين مكافحة الارهاب. وعندما تولى علي كافي رئاسة المجلس الأعلى للدولة كان الوضع الأمني في الجزائر قد بلغ ذروته.

الكشف عن التآمر والفساد

     الرواية التي قدّمها كافي عن محاولة انقلاب لعموري على الحكومة المؤقتة تحمل الكثير من الدلالات فهي تتحدث عن جماعة تتآمر في بيت سالم شلبك باللغة الشاوية ظنًا منها أنه لا يفهم هذه اللغة، لكن خوفه وحرصه على الثورة جعلاه يبلّغ بالأمر وبقية القصة يعرفها الكثير، وهي قصة لا تختلف عن تلك القصة التي أنقذت المخرج جمال شندرلي من الإعدام خلال الثورة ليصوّر مجازر فرنسا في شريط قدّمه وفد الثورة الجزائرية إلى الأمم المتحدة، كما لا تختلف عن قصة مفادها أن كافي عندما كان سفيرًا للجزائر في مصر تدخل لدى الرئيس جمال عبد الناصر ليمنع باخرة شحن مصرية كانت محملة بالأسلحة متوجهة إلى وهران، يقول كافي موجهًا كلامه إلى عبد الناصر: “إن مثل هذا التصرف يُعدّ انحيازًا ويساهم ولو بغير قصد في إضرام الحرب الأهلية التي تخطط لها جماعة تلمسان والزاحفون على العاصمة وبذلك سيساهم في إفساد العلاقات بين الثورتين الجزائرية والمصرية”.

    تولى كافي في عهدي الراحلين أحمد بن بلة وهواري بومدين تمثيل الجزائر في خمس دول عربية وهي: مصر ولبنان ودمشق وليبيا وتونس، وفي كل سفارة كانت له قصة آخرها عام 1975م بتونس عندما حوّلت أموال من وزارة الخارجية الجزائرية إلى سفارته فأعادها وطلب فتح تحقيق حول الجهة التي تريد الاستفادة منها وكانت رسالته وثيقة لتبرير إنشاء مجلس للمحاسبة في عهد الراحل الشاذلي بن جديد وبقية القصة يعرفها الكثير. كان منحازًا لمن شاركوا في الثورة او دعّموها فبمجرّد ما انتخب امينًا عامًا للمجاهدين طلب من السلطات الجزائرية توجيه رسالة إلى الرئيس السوري المرحوم حافظ الأسد للإفراج عن نور الدين الأتاسي الذي يطلق عليه الكثير عميد المسجونين السياسيين وفي الوقت نفسه تدخل لتسوية أوضاع الذين شاركوا في الثورة الجزائرية ومن بينهم إبراهيم ماخوس.

مجلس للمثقفين وآخر للمجاهدين

     كان لقب المجاهد أكثر تأثيرًا عليه منه عن صفة الرئيس وكان منشغلًا بالقراءة وجمع الوثائق النادرة فكانت على طاولته عدد من الصحف اليومية من بينها صوت الأحرار والخبر والشروق والفجر إلى جانب جريدتي الشرق الأوسط والحياة اللندنية.

   كان مقر إقامته بسيدي فرج بمثابة مجلس ثقافي يلتقي فيه كتاب الأعمدة والأساتذة والمجاهدون وخاصة في الأعياد الوطنية مثل أول نوفمبر وعيد الاستقلال وعيد النصر ويوم الشهيد وهي الأعياد التي ثبتها رسميًا عندما تولى رئاسة المجلس الأعلى للدولة.

    لقد كان الرئيس كافي متحمسًا لإنهاء الجزء الثاني من مذكراته الخاصة بالفترة الدبلوماسية التي عاشها سفيرًا والفترة التي تولى فيها أمانة المجاهدين ورئاسة مجلس الدولة ولكنها كانت من أصعب المراحل والمعلومات المتعلقة بها يصعب حتى كتابتها، فوعد البعض بالاطلاع على وثائقها في الوقت المناسب؟!. فالذين فكّروا في كتابة مذكراتهم بعد تجربة الراحل علي كافي، سيكون أمامهم أحد السبيلين إما العدول عن الفكرة أو تنقيح ما يكتبونه، وعندما يكذب كاتب المذكرات في كتاباته، فإنه سيكذب على نفسه ويشوهها قبل أن يكذب على القارئ، رغم ما في هذه المذكرات من فائدة أولها استفزاز الصامتين لأجل أن يقولوا هم أيضا، وللأسف فإن الجزائر التي عجزت عن كتابة تاريخ ثورتها حتى أن عدد الكتب التي تتحدث عن الثورة الجزائرية في فرنسا، هو عشرة أضعاف الكتب التي صدرت في الجزائر، تجد صعوبة في دخول عالم كتابة المذكرات، رغم أنه نوع أدبي مارسه الجزائريون منذ القدم، من عهد الأمير عبد القادر، الذي كتب مذكراته في سوريا بقلم جد الزعيم الإنجليزي تشرشل، إلى عهد مالك بن نبي، الذي سجل مذكراته وشهادته على القرن في جزئين.

   في سن 65 استلم علي كافي رئاسة المجلس الأعلى للدولة وبجانبه كل من اللّواء خالد نزار، علي هارون وتيجاني هدّام بعدما ترأس منظمة المجاهدين في عهد الشاذلي. كانت الفترة التي ترأّس فيها علي كافي المجلس فترة شغور منصب رئيس الجمهورية خاصّة بعد اغتيال محمد بوضياف في 29 جوان 1992، إلّا أنّ علي كافي قام بإجراءات عديدة كمصادقته على تشكيل المحاكم الخاصّة الاستثنائية التي تنظر في قضايا العنف السياسي، وقد أصدرت هذه المحاكم عشرات الأحكام بالإعدام، زد على ذلك طرح المجلس في تلك الفترة فكرة الحوار كبديل عن الحلول الأمنية.

   يعتبره التيّار الفرنكوفوني بأنّه عربي قومي وهذا لميله للثقافة العربية، وخاصّة أنّه كان القائد المعرّب الوحيد من بين الذين كانوا يقودون الولايات في فترة الثورة حسب الدكتور مصطفى ماضي. وبنهاية مهام المجلس الأعلى للدولة ابتعد علي كافي عن الأنظار حتّى بات من التاريخ أي لم يعد له وجود في دواليب النظام السّياسي، لكن عاد الرّجل إلى السّاحة من خلال مذكراته التي نشرها سنة 1999 في كتاب ”مذكرات الرّئيس علي كافي: من المناضل السّياسي إلى القائد العسكري، 1946-1962″، بحيث ذكر فيها أحداثًا التي أزعجت البعض وما جاء في مذكّرات علي كافي لاقت معارضة شديدة من قبل بعض الشخصيات الوطنية.

   في آخر ظهور له على الصحافة المكتوبة، كان بعد رفضه المشاركة في هيئة المشاورات التي ترأّسها عبد القادر بن صالح، فحسب كافي فإنّ النظام لا يريد تغييرًا حقيقيًا، بل هو يعمل على ربح الوقت فقط. وعلي كافي أحد الشخصيات الثورية التي لا يجب تجاهل مسارها النضالي  ولا مسارها السّياسي بعد الاستقلال خاصّة في حقبة المجلس الأعلى للدولة في بداية التسعينيات. وتوفي احد المناضلين الاحرار في 16 افريبل 2013 بجنيف اثر اصابته  وعكة صحية.

    يبقى أن الرئيس الجزائري الأسبق علي كافي مُنع من نشر مذكراته عام 1999 بسبب ما اعتبر “إساءة” لرموز الثورة الجزائرية، وتعرضت بعض الشهادات للبتر وطمست بعض الحقائق تحت سيف أسرار الدولة، وبدت مذكرات بعض الساسة منقوصة وغير جديرة بشغف الباحثين عن الحقيقة والراغبين في الاطلاع على تفاصيل لم يعايشوها أو سمعوا عنها. هناك عدد من القادة والسياسيين العرب دونوا مذكراتهم، لكنها بقيت حبيسة الأدراج ولم يفرجوا عنها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى