اصدارات الكتبدراسات سياسية

مراجعة لكتاب غاندي وقضايا العرب والمسلمين

وليد عبد الحي

غاندي وقضايا العرب والمسلمين
المؤلف:عبد النبي الشعلة
ط.1. 2018

مع أن السمة العامة لهذه الدراسة هي ” تحليل السيرة الذاتية” لشخصية سياسية هي المهاتما غاندي من خلال بعدين هما” فلسفة اللاعنف” و” علاقته ومواقفه من المسلمين والعرب”.فإن الكاتب سعى لتحديد تطور الفكرتين السابقتين لدى غاندي من ناحية وتحديد البيئة الموضوعية(المجتمع الهندي والجنوب افريقي والبريطاني وبعض الملابسات الدولية ) والبيئة الذاتية( اسرته وحياته الشخصية ، ثقافته وتعليمه ، وميوله الدينية ، وإحباطه ونزواته” لغاندي من ناحية ثانية.

ويمكن القول بأن الكتاب لا يكشف عن أي جديد او غير متداول في الدراسات العديدة عن هذه الشخصية العالمية، لكن الكاتب كان موضوعيا في عرضه لهذه الشخصية لا سيما في توجهاته السياسية، وتتضح هذه الموضوعية في عرضه لأربعة موضوعات أساسية هي : أولا – موقفه من بريطانيا( حيث كان غاندي الى جانب الموقف البريطاني في كل حروبها من البوير الى الزولو الى الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية) لكن موقفه من السياسة البريطانية في الهند كانت تودي به الى السجون البريطانية في مرات عديدة، وثانيا- تقلب سلوكياته الفردية من موقف لآخر(انغماسة في العلاقات الجنسية، ثم التخلي عن ذلك ثم العودة لممارستها في نطاق العلاقات الزوجية ثم التخلي عن ممارسة هذا السلوك حتى مع الزوجة، او علاقاته مع الشخصيات اليهودية لا سيما وان ابرز هذه الشخصيات تبين ان لها نشاطات متناغمة مع مخططات وأفكار الحركة الصهيونية بينما كان غاندي من ناحية ثانية يساند الموقف الفلسطيني من بداية وعد بلفور وصولا لتقسيم فلسطين) ، وثالثا- موقفه الودي والمتفهم للاسلام والمسلمين بل والاعجاب بشخصية الرسول محمد، لكنه بقي حتى اللحظة الاخيرة رافضا لفكرة استقلال مسلمي الهند في دولة خاصة بهم.

اما الموضوع الرابع والاخير فهو الموضوع المجمع عليه وهو البعد الانساني لغاندي وإعلائه لأهمية الاخلاق وهو ما تجلى في رفضه للعنصرية من البيض نحو للسود او من البيض للهنود او من الهندوس للاسلام او من طبقات الهندوس الأعلى لطبقة الهندوس الدنيا(من المنبوذين) وإصراره على الوقوف في وجه ذلك بوسائل سلمية(أو عبر فلسفة الأهيمسا-Ahimsa والتي تعمق فيها بعد اطلاعه على أفكار الأديب الروسي ليو تولستوي). وعند عرض الكاتب لتوجهات غاندي من البعد الديني والميتافيويقي بدا أنه أقل تفهما او انجذابا للدين اليهودي قياسا لانجذابه للمسيحية(رغم قلقه في البداية من دور البعثات التبشيرية) أو لاعجابه بالرسول محمد بشكل خاص والإسلام بشكل عام. وقد حاول الكاتب أن يُطِلَ على بعض الآثار السياسية والاقتصادية المترتبة على نتائج سياسة وافكار غاندي ” بعد اغتياله ” لا سيما في انجاز حركة عدم الانحياز والموقف الهندي المعاكس للسياسة الاسرائيلية في 1956 و 1967، لكن التحولات الكبرى في المنطقة(الاتفاقيات العربية الاسرائيلية بعد 1979) وانهيار الاتحاد السوفييتي وتأثير العلاقات الباكستانية العربية على العلاقات الهندية العربية غيرت من بعض هذه الملامح الايجابية في العلاقات العربية الهندية. ذلك يعني أن فضيلة هذه الدراسة في تجميع المعلومات المتداولة عن شخصية غاندي ، وهي شخصية حظيت بالدراسة من عدد كبير من الدارسين.

تقع هذه الدراسة في متن يشتمل على 259 صفحة،توزعت على 17 جزءا ومقدمة شرح فيها الكاتب اسباب اختيار موضوعه –غاندي – لاستنهاض الفكر المعادي للتطرف وكشف موقف الزعيم الهندي الايجابي من الاسلام وموقفه المعادي للصهيونية. ويبدأ في الجزء الاول بعرض التركيبة الإثنية للمجتمع الهندي، ثم يستعرض اهم توجهات غاندي من الدين والسياسة، إذ يدعو الى توجيه العمل السياسي نحو الفرد لا نحو الدولة وبناء الشرعية السياسية على الأساس الأخلاقي وعدم العنف(فلسفة الأهيمسا) لا على أساس القوة المادية، ورفض تسييس الدين دون عزله عن السياسة الأخلاقية. وفي الجزء الثاني يحاول الباحث تحديد عوامل التكوين الفكري لغاندي مشيرا لاسرته المحافظة وذات النظرة الايجابية للاسلام بخاصة من زاوية الأم، كما ان بعض الوقائع التي واجهها مع البعثات التبشيرية جعلته اقل انجذابا للدين المسيحي علما ان ميوله الدينية كانت ضعيفة حتى سن السادسة عشرة. لكن بعض الوقائع الفردية تركت اثرها على غاندي(حماية جده من قبل حارس مسلم، صداقته مع شاب مسلم متحرر أخلاقيا، الانتماء لطبقة التجار..الخ، وكان ذلك مدخلا لفهم موقف غاندي المناهض من البنية الطبقية للمجتمع الهندوسي، بخاصة الوضع الذي تعيشه طبقة المنبوذين(قياسا للطبقات الاربع الاخرى) وتقديم تفسير لهذه البنية الطبقية استنادا لفكرة تناسخ الارواح وعلاقة موقع الفرد بطبقته طبقا لحجم آثامه، وهنا يتنبه غاندي لبعض المقارنات بين المبادئ المسيحية والهندوسية (الثالوث المقدس،التجسد الألهي في البشر) ثم يعرض الكاتب الفرق بين الله والرب في الهندوسية، واعتبار غاندي العمل والأخلاق هما محور اهتمامه، وهو ما أثار حفيظة المتطرفين الهندوس فاغتالوه.

وعند انتقال غاندي الى لندن-كما يشير الجزء الرابع، تظهر لديه ميول الحادية لكن عودته لدراسة الكتاب المقدس الاكثر أهمية للهندوس (البغوات غيتا) ثم دراسة البوذية ولقاءاته مع فتاة ايرلندية ذات ميول ” ثيوصوفية” ” وأخيرا تأثره بكتاب كارلايل ” البطل” وما تضمنه من تبجيل للرسول محمد ..كل ذلك شكل ضابطا لغاندي في تفكيره. ينتقل الكاتب لرحيل غاندي الى جنوب افريقيا في الجزء الخامس، حيث عمل في احدى الشركات وهناك اصطدم بعمق التفرقة العنصرية بين البيض والهنود خاصة ، وبدأت تتبلور لديه افكار انشاء جمعية لمناهضة العنصرية وصولا لتاسيس حزب المؤتمر بالتعاون مع شخصيات اسلامية. وينتقل في هذا الجزء للحديث عن موقف غاندي من الممارسة الجنسية بشكل عام ومع الزوجة بشكل خاص، ويتناول مشاريعه باصدار صحيفة وانشاء مزرعة(الفونيكس) طبق فيها المساواة، كما يعرض لسلسلة من المواجهات مع السلطات البريطانية لمواقفه من بعض القوانين رغم تاييده لبريطانيا في حروبها المختلفة.اما الجزء السادس فيتناول فيه ثورات المسلمين ضد الانجليز واهم شخصياتهم السياسية وعلاقاتهم مع غاندي، بينما تركز الجزء السابع على العلاقة مع اليهود وتاريخهم في جنوب افريقيا، مع التركيز على ثلاث شخصيات من الذين صادقهم غاندي وارتبطوا لاحقا بالحركة الصهيونية ووصولا لمراتب عليا في الجيش الهندي.

وفي الجزئين الثامن والتاسع تركز على مساندة غاندي للموقف الفلسطيني ورفضه لموقف هتلر من اليهود ، ثم يستعرض في الجزء العاشر والحادي عشر قضية كشمير وانعكاسها على العلاقات العربية الهندية والتقارب بين السياسة العربية والهندية لا سيما في فترة انشاء عدم الانحياز وتأييد الهند لمصر في العدوان الثلاثي وحرب 1967..الخ، وصولا للتحولات في المنطقة بعد الاتفاقات العربية مع اسرائيل وانهيار الاتحاد السوفييتي…الخ وتطور العلاقات التجارية بين الهند والعرب.اما الجزئين الثاني عشر والثالث عشر فقد تركزا على نشوء كل من حزب المؤتمر الهندي وتبني سياسة العصيان المدني(ساتياغرا) وظهور حركة الخلافة الاسلامية وبروز محمد على جناح ،وعرض الكاتب خلافات جناح مع غاندي لا سيما حول الاستقلال للمسلمين.وتصاعدت الاحتجاجات والاضرابات في الهند( على غرار مسيرة الملح) واعيد اعتقال غاندي وظهر حزب الرابطة الاسلامية الذي انتهى لاستقلال باكستان(الجزئين الرابع عشر والخامس عشر) ثم يعرض في السادس عشر والسابع عشر لفترة الحرب العالمية الثانية وتكريس الانفصال الباكستاني ثم اغتيال غاندي.

اعتمدت الدراسة في تتبع مراحل الحياة السياسية لغاندي اعتمادا على سيرته الذاتية بخاصة كما يرويها في كتابه” قصة تجاربي مع الحقيقة ” على قدر غير قليل من السرد التاريخي الذي يجمع بين السرد القصصي والمنهج التاريخي الوصفي، بينما الجانب التحليلي كان يبرز في بعض الفقرات ويختفي في بعضها الآخر، فمثلا لم أجد في هذه الدراسة تفسيرا متماسكا او ترجيحا لاحتمال على غيره في تفسير او تحليل عدد من القضايا مثل:
أ‌- الوقوف باستمرار في كل الحروب مع بريطانيا
ب‌- ارتباطاته الوثيقة بعدد من الشخصيات اليهودية التي تبين فيما بعد أنها من نشطاء الحركة الصهيونية وممن وصل بعضهم لمناصب هامة في هذه الحركة مثل هيرمان كالينباخ او سونيا شليسن( عملت في مكنب غاندي للمحاماة) او الصحفي اليهودي هنري بولاك( الذي شارك اسرة غاندي السكن)
ت‌- كيفية التوفيق بين نزعته الاخلاقية الانسانية من ناحية ورفضه القاطع الاستجابة لرغبة المسلمين في الانفصال بدولة خاصة بهم من ناحية ثانية.

ولست هنا في معرض التشكيك في شخصية غاندي، بل كنت انتظر ان يقدم الباحث تفسيرا( سياسيا او نفسيا أو امنيا او اقتصاديا او اجتماعيا) لهذه الجوانب الملتبسة في فهم تصورات غاندي السياسية وعدم الاقتصار على التقاط قبسات فردية ، بل حتى السلوك الفردي لغاندي مثل الامتناع عن الممارسة الجنسية مع الزوجة يستحق التوقف عنده ومناقشته من منظور ” الاخلاق التي دعا لها غاندي(الصفحات 73-74)، فهل هذا الموقف يُتَّخذُ من طرف واحد او من طرفي العلاقة الزوجية؟ هل هو مبرر من زاوية المنظور الاخلاقي الانساني الذي يتبناه غاندي.
لقد عدت لكتاب Jad Adams:Gandhi:Naked Ambition-Quercus.2010(عضو الجمعية الملكية البريطانية للتاريخ والباحث في جامعة لندن) والذي يتناول شخصية غاندي ويكشف فيه عن هذا البعد في شخصية غاندي وبشكل يوحي بان الامر من هذه الناحية أعقد كثيرا من المرور العابر الذي ورد في كتابنا هذا لان له تداعياته على شخصية غاندي وسلوكياته العامة بما فيها السياسية والاجتماعية، لكن الباحث لم يعر هذا الجانب او هذا المرجع أهمية او اطلاعا.

من جانب آخر ، فعنوان الكتاب هو “غاندي وقضايا العرب والمسلمين”، ومع أن غاندي غاب عن المسرح السياسي عام 1948، فإن الكتاب امتد في تغطيته التاريخية في بعض الاحيان الى أعوام 1955، 1956 و 1961 و1971 و 1981 و 2001 و 2010 و 2013 و 2014، وقد ربط الكاتب بين هذه الاعوام اللاحقة لمقتل غاندي وبين الأسس التي تركتها سياسات غاندي وحزب المؤتمر الهندي، لكني أرى ان هذا الربط كان باهتا وغير متسق وامتد زمنيا أكثر مما يحتمل التحليل(الصفحات 176-185).
وكما اشرت أعلاه فإني ارى ان البحث لا يكشف أي جديد ولا يبدع منهجية جديدة في دراسة الشخصيات السياسية او ” البطل ” بمنظور كارلايل الذي أثر على غاندي. وأغلب ما ورد في الكتاب يمكن الزعم بأنه معروف .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى