دراسات استراتيجيةدراسات شرق أوسطية

مراكز “البحوث”.. العقل المدبر لصنع القرار الصهيوني!

محمد شرقي

يولي الكيان الصهيوني أهمية كبيرة لمراكز البحوث والدراسات، بكافة تخصصاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، لمساعدتها على اتخاذ القرارات المصيرية والمهمة، ذات الصلة بقضايا الداخل والخارج، وخاصة تلك المتعلقة أساسا بتحييد الفلسطينيين عن أرضهم كما يفعل ألان أمام مرأى المجتمع الدولي! وبالأساس تهويد القدس الذي وضع لها مخططا تحت اسم (20- 20).
الهدف منه إفراغها من الفلسطينيين إلى حدود 20 % حتى سنة 2020، لتصبح عاصمة ليس للإسرائيليين فقط، بل لكل اليهود في أصقاع العالم.
وهو ما قاله هنري كيسنغر وزير خارجية أميركا سابقا باعتباره شخصية يهودية مؤثرة في صنع القرار “ليس لإسرائيل سياسة خارجية، وإنما سياسة داخلية فقط”، ولهذا فان كل انشغالها منصب حول تماسك الجبهة الداخلية وسلامتها.
تشتغل مراكز البحث والدراسات ومعاهد التفكير على إيجاد الحلول الأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يواجهها المجتمع الصهيوني، الذي يعيش في حيرة وقلق عن مستقبله الضبابي في خضم التحولات الجيواستراتيجية التي طرأت في الشرق الأوسط ببروز قوى إقليمية أخرى صارت تزاحم الكيان الإسرائيلي في رسم خريطة المنطقة ليس كما يريد هو وحليفه الأمريكي.
هذه المراكز تعمل على التكامل النظري للبحث العلمي والسياسة القائمة والتأقلم معها، قصد تقديم الاستشارات الضرورية للحكومة الأمنية وللوزارات وبالأخص وزارة الخارجية والكنيست والمؤسسة الأمنية والأحزاب وحتى المجتمع المدني، على شكل توصيات وتقارير آنية أو سنوية، استنادا للبيانات والمعطيات المتجددة، والدراسات الميدانية، وكذا تحاليل كبار الاستراتيجيين والسياسيين، فضلا عن رصد ما يجري من تجاذبات وصراعات دولية وخاصة في بلدان الطوق بالتحديد.
مراكز البحث بل قل “مراكز العقل المدبر لصنع القرار الصهيوني” تنتمي إلى ثلاث مجموعات، الأولى حكومية مطالبة بإثبات مرد وديتها والثانية مستقلة تتلقى الدعم من كل الجهات، والثالثة خاصة تعتمد على مداخيل إنتاجها الفكري، كلها تعمل في تناغم وتبادل المعلومات فيما بينها فهي “تعد مفخرة الإنتاج المعرفي المنبثق عن الجامعات العبرية” التي تحتل المراتب الأولى في تصنيف جامعات الشرق الأوسط.
وتعد الجامعة العبرية في القدس المحتلة الأفضل في المنطقة، وتأتي في المرتبة الثانية جامعة تل أبيب وفي المرتبة الخامسة معهد وايزمان للعلوم، وفي المرتبة التاسعة جامعة بن غوريون التي تقع جنوب إسرائيل.
ومن مراكز البحث والدراسات التي تعمل على المساهمة في صنع القرار وإيجاد الحلول لمعضلات الكيان الصهيوني هناك العشرات من المؤسسات تعمل في هذا الإطار نذكر بالأخص منها:
– معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي الذي يعمل على تنفيذ وتعزيز “تأمين ازدهار الشعب اليهودي في إسرائيل” تموله الجمعية العامة للأحزاب الإسرائيلية، والوكالة اليهودية بمليون دولار سنويا منذ نشأته، ومن أبرز الدراسات التي قام بها إنجاز مشروع “الشعب اليهودي حتى سنة 2030” بعنوان “العقود الآجلة البديلة”، وهو بمثابة بحث ديمغرافي.
– المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو منظمة غير حكومية أسسه “د.أريك كرمون” سنة 1991 بمساهمة الملياردير اليهودي الأمريكي برنارد ماركوس عام 1998، يركز جهوده على جمع وحفظ وتحليل البيانات التجريبية الخاصة بالمجتمع والسياسة، يتفرع عن المعهد مركز غوتمان للاستطلاعات، ومن بين الأبحاث التي يهتم بها : تلك المتعلقة بالقضايا السياسية والأمنية، أنجز مسحا خاصا بالتصورات والسلوكيات للمعسكر الديني القومي في “إسرائيل”.
– معهد تكنولوجيا إسرائيل”، يتصدر المرتبة الرابعة في الشرق الأوسط وهو متخصص في قضايا أسلحة الدمار ،لولاه ما تطورت ترسانة الأسلحة الصهيونية بهذا الشكل، بحكم كل المنتسبين إليه هم من كبار الضباط المتقاعدين.
– “التخنيون”، هو معهد تكنولوجي يشمل أيضا جامعة للدراسات، يعد من أهم المؤسسات البحثية إلى جانب الجامعة العبرية في القدس التي تحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط يبحث في مجال الهندسة والعلوم والطب والهندسة المعمارية، يضم المعهد 18 كلية ووحدات أكاديمية.
– مركز “بيسا” أو ما يسمى بمطبخ السلام للدراسات الإستراتيجية، يتبع قسم العلوم السياسية، بجامعة بار إيلان، في رامات غان، ساير مفاوضات اسلوا مدة 17 سنة دون إيصال الفلسطينيين إلى نتيجة جدية، فهو مركز غير حزبي مستقل، أسسه سنة 1993 “د. توماس هيشت”، زعيم الطائفة اليهودية الكندية، المركز أنجز على مدار الـ 20 سنة الماضية 250 بحثا وورقة عمل سياسية وألف 25 كتابا، ونظم 500 ندوة ومؤتمر دولي أو يزيد حول السياسة الدفاعية للكيان والصناعة العسكرية والمخابرات لفائدة المتخصصين والدبلوماسيين ورجال الأعمال والأكاديميين والسياسيين الاسرائليين.
– مركز دودو للتفكير العسكري متعدد التخصصات يهتم بمجالات: مرافقة عمليات التفكير الرئيسية للجيش، وغيرها من الهيئات العليا.كما يقوم بتدريب كبار الضباط فيما يخص كيفة التفكير المنهجي ينظم دورات متخصصة في عمليات التعلم الجماعي، ومناهج التفكير حول مفاهيم التنظيم والتطوير وسبل العمل الجديدة. يقوم بتحليل البيانات وخوارزمية برامج كمبيوتر للكشف عن المعلومات الواردة في قواعد البيانات، وإعطاء قواعد جديدة لمناورات عسكرية رفيعة المستوى، وتنفيذ حلقات دراسية مشتركة بين الجيش والمؤسسات الأكاديمية وغيرها من الأنشطة.
– معهد “صموئيل نئمان للأبحاث السياسة والقومية”، يرأسه البروفيسور “زئيف تدمر” المولود في رومانيا وهاجر إلى إسرائيل سنة 1950، يقوم بتنفيذ توصيات برنامج “إسرائيل 2028 – المتعلق “بالرؤية الإستراتيجية والاقتصادية الاجتماعية في عصر العولمة”- وبرنامج دعم لجنة العلوم والتكنولوجيا في “إسرائيل” والولايات المتحدة، بقيادة إيلي هورويتز “الخبير الصناعي في إسرائيل” وديفيد برودت “الخبير الاقتصادي في إسرائيل”.
– معهد الاستراتيجيات الصهيونية صانع قواعد القضاء وسن اللوائح الدستورية،أعد مشروع دستور دولة الكيان وعدد كبير من القوانين.
أسسه سنة 2005 كل من المحامي يوفال جولوفينسكي، والصحفي إسرائيل هرئيل الناشط في المجتمع الاسرائيلي، ،يعتمد المعهد على 90% من تمويله من الدعم الخارجي.
– مركز دراسات الأمن القومي نشأ عام 2000 في جامعة حيفا، لتشجيع البحوث والخطاب العام عن الأمن القومي – يصفه الفلسطينيون بأنه مركز القتل في ثوب مدني- ويسعى المركز لتطوير والحفاظ على الحوار مع المؤسسات الأمنية في جميع أنحاء العالم كما يقوم على تثقيف كبار المسؤولين وضباط كبار في مجال الأمن القومي.
– مركز القدس للشؤون العامة أنشأ سنة 1976يعتبر هيئة علمية مستقلة غير ربحية متخصص في السياسات والقضايا الرئيسية محل اهتمام دولة الكيان والمستوطنون اليهود، ويركز على البحث والتحليل الاستراتيجي والسياسة والقانون كل دراساته تصب حول حقوق “إسرائيل” بموجب القانون الدولي، ويشتغل حول ملفات الإرهاب العالمي، والبرنامج النووي الإيراني، واختبار الأفكار الجديدة، والبحث عن حلول إقليمية في الشرق الأوسط الاستسلامية طبعا.
كل هذه الانتلجنسيا الإسرائيلية وما توليه من اهتمام للحفاظ على تماسك المجتمع الإسرائيلي، الذي ينفق نحو 4,7 % من ناتجة القومي وهو من بين الأعلى عالميا وبأكبر نسبة الشهادات الجامعية في العالم بالمقارنة مع عدد سكانها، كما تحتل إسرائيل المرتبة ال 20 في مؤشر التنمية البشرية لسنة 2015.
لكن رغم هذه “العين الساهرة” على أمن إسرائيل، لم تكن تتوقع ما حدث لجيشها من هزائم بشكل مفاجئ اثر حربه على حزب الله سنة 2006، وحركات المقاومة في غزة سنة 2012. حيث ظهر جيش النخبة هزيلا في أدائه، أمام “تكتيكات المقاومة “التي فاجأت القيادة الأمنية بتحولها النوعي للعنفوان في مجال القتال وصمود المقاومين . في الوقت الذي كان يعول على الجيش الإسرائيلي “سحق أعدائه وكأنه في نزهة “!؟ مثلما كان يعربد سابقا في حروبه مع الجيوش العربية.
إسرائيل لم تعد الوحيدة التي تعتمد على ناصية العلم والمعرفة في الاستحواذ على المنطقة، بل هناك قوى صاعدة بإمكانها ترجيح الكفة لصالحها أو حتى قلبها في خضم تراكم تجارب المقاومة.
ورغم هذا لم يصدق صناع القرار الإسرائيلي “تلقيهم هدية مجانية” حول هول ما تتعرض له سوريا منذ 7 سنوات من دمار، رغم ضلوعهم في ما يحدث بشكل أو بآخر؟
بين هذا وذاك يعمل قادة الكيان الصهيوني جاهدين على الإبقاء على قوتهم وهيبة كيانهم بالتعاون مع حلفائهم وآلاف الباحثين بمختلف تخصصاتهم من أجل “ريادة القومية اليهودية والحفاظ عليها”.
كما أنهم صاروا يتدربون على حرب العصابات وفنونها التمويهية، وكذا محاكاة مجموعة من سيناريوهات حروب افتراضية محتملة يخشى وقوعها في كل لحظة، ومنها تطوير تكنولوجيا القبة الحديدية التي تعتمد كثيرا على ما ترصده الأقمار الاصطناعية التجسسية تأهبا لحرب صاروخية محتملة.

استاذ جامعي الجزائر

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى