دراسات استراتيجية

أهمية التحليل الاستراتيجي في عملية الادارة الاستراتيجية للدولة

الدراسة صادرة عن مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية للباحث احمد يوسف كيطان
أهمية التحليل الاستراتيجي في عملية الادارة الاستراتيجية للدولة
تاريخ النشر : 2018-07-10

أهمية التحليل الاستراتيجي في عملية الادارة الاستراتيجية للدولة

د. أحمد يوسف كيطان

قسم الدراسات الاقتصادية

يمثل التحليل الاستراتيجي الخطوة الأولى في عملية الإدارة الاستراتيجية للدولة ومؤسساتها، فهو يعمل على ضمان مراقبة بيئة الدولة واداء عمل مؤسساتها المختلفة، وذلك من خلال زاويتين: تحدد الأولى الفرص والتهديدات الحالية والمستقبلية، وتُقدّر الأخرى ما تملكه الدولة من جوانب قوة وضعف، لذا فإن هدف القادة أو الرؤساء أو صناع القرار من عملية التحليل الاستراتيجي هو فحص وتشخيص البيئات المتعددة التي تؤدي الدولة ومؤسساتها عملياتها فيها، فضلاً على ضرورة أن تؤدي نتائج التحليل الى تعزيز جوانب قوة الدولة واستعداداتها لتأمين ما يجب القيام به لتجاوز جوانب ضعفها، وتمكينها من رؤية أية مشكلات مستقبلية قد تواجهها الدولة سواء في البيئتين الداخلية والخارجية.

ويعدّ التحليل الاستراتيجي العنصر الاول من عناصر الإدارة الاستراتيجية والمكونة من ثلاثة عناصر رئيسية هي([1]): اولاً/ التحليل الاستراتيجي: والذي يسعى إلى فهم الموقف الاستراتيجي للمؤسسة، وثانياً/ الخيار الاستراتيجي: وهو كل ما يتعلق بإدراج السيناريوهات المحتملة للعمل وتقييمها واختيار البديل المناسب من بين عدة بدائل، وثالثاً/ التنفيذ الاستراتيجي: والذي يركز على تخطيط الطريقة التي يتم بها تنفيذ الاستراتيجية، وإدارة التغييرات المطلوبة.

مفهوم التحليل الاستراتيجي:

يعرف مصطلح التحليل الاستراتيجي في اللغة الإنجليزية بــ(Strategic Analysis)، وكلمة استراتيجية مشتقة من المصطلح اليوناني (استراتيجوس-Strategos)، إذ عُرفت هذه الكلمة في العمليات والخطط العسكرية، ثم صارت جزءاً من الأجزاء المهمة في علم الإدارة، حيث تساعد المدراء على وضع الأهداف الخاصة بالعمل وصياغة الخطط والمساهمة في تحقيقها، وذلك عن طريق الاستفادة من الموارد المتاحة، بالتالي عملت الاستراتيجية كأداة من الأدوات التي تهدف إلى تطوير قطاعات العمل.

ويعرّف التحليل الاستراتيجي، بأنّه: “مجموعة الوسائل والطرق التي تعمل على ربط أهداف المؤسّسة مع بيئة العمل الخاصة بها، عن طريق دراسة كافة العوامل المتوافرة ووضع الخيارات والطرق المناسبة لتنفيذ العمل بالاعتماد عليها، مع العلم بوجود نسبة من الخطر كجزء من أجزاء العمل، والذي يجب المحافظة على تجنبه قدر المستطاع من خلال دراسة كافة البدائل المقترحة والتي من الممكن تنفيذها”، ويعّرف ايضاً بأنه: “تقييم لعملية أو خطة مؤسسية لتحديد الكيفية التي يمكن بها جعل البرامج المقبلة أكثر فعالية، وتشمل أمثلة التحليل الاستراتيجي تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات”([2]).

اهداف التحليل الاستراتيجي:

يُعنى التحليل الاستراتيجي بتحليل نقاط القوة؛ أي فهم العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على الموقف أو التوجه، وفي التحليل الاستراتيجي يمكن استخدام عدة أطر أو أدوات؛ فمنطق التحليل الاستراتيجي الشامل ببساطة هو: وصف وشرح المشكلة أو القضية وتقييمها في محاولة لحلها، وبطبيعة الحال يكون تحليل المشكلة بطريقة تفصيلية أكبر بكثير من الممارسة العملية. ولكن كتابة التحليل في هذا التفصيل بشكل “عقلاني” هو السبيل الوحيد لجعل ذلك التحليل قابل للفهم والادراك([3]).

ويهدف التحليل الاستراتيجي الى تحقيق الآتي([4]):

  1. تحليل البيئة الداخلية والخارجية التي تعمل فيها مؤسسات الدولة والدولة نفسها، من أجل صياغة استراتيجية ناجحة لها.
  2. تحديد البيانات ذات الصلة بصياغة الاستراتيجيات وتحليلها وتقويمها.
  3. التحليل الشامل للدولة أو المؤسسة من حيث أهدافها ووسائلها وآليات عملها.
  4. تحديد الأساليب المُثلى التي يمكن للدولة أو لمؤسساتها اتباعها في حال واجهت مشكلة او تعرضت الى أزمة.
  5. تحسين الكفاءة التنظيمية والفعالية للمؤسسات من خلال زيادة قدرتها على نشر وإعادة نشر مواردها بذكاء.

مراحل التحليل الاستراتيجي:

يرى البعض من المختصين أن التحليل الاستراتيجي الشامل يتضمن عادةً ثلاثة مراحل رئيسية متتالية، هي([5]):

  • تحليل الوضع الحالي: والغرض من تحليل الوضع الحالي هو توفير “صورة” للمسألة أو المشكلة او المؤسسة، وهنا بعض من الأسئلة المهمة التي تُعالج عادةً: ما هي المسألة أو المشكلة؟ من يقود أو يتحكم في المؤسسة؟ ما مدى نجاح المؤسسة؟ ما هي التغييرات التي تحدث فيها والتي من شأنها أن تؤثر على عملها؟ ما هي العوامل الداخلية والخارجية المحيطة؟ ما هي الاستراتيجية الحالية؟ ما مدى نجاحها؟
  • تقييم الوضع الحالي (نقطة ارتكاز): والغرض من نقطة الارتكاز هو تجميع تحليل الوضع الحالي في تقييم للأداء المتوقع الحالي والمستقبلي. وينبغي أن تنظر أيضا في الاتجاه العام لمبادرة استراتيجية جديدة، إذا كان الوضع الراهن دون المستوى الأمثل. الأسئلة المهمة هنا هي: ما مدى أداء المؤسسة من منظور استراتيجي واسع؟ هل الاستراتيجية الحالية ناجحة للغاية، ناجحة، غير كافية أو كارثية؟ ما الذي من المتوقع أن يحدث للأداء العام إذا استمرت الاستراتيجية الحالية؟ إذا لم تكن الاستراتيجية ناجحة، ما هو مصدر المشكلة أو مصادرها؟ في أي اتجاه استراتيجي واسع يجب أن تتحرك الدولة اوالمؤسسة؟ عند التعامل مع هذه القضايا، يحتاج المحلل أيضا إلى التفكير في المستقبل: ما هو نوع طريقة الاختيار التي سيتم استخدامها لتقييم البدائل الاستراتيجية في مرحلة تحليل الحل؟
  • تحليل الحل: إذا كان التقييم يشير إلى تغيير في الاستراتيجية أو تحسينها، فإن تحليل الحلول يحدد الخيارات الاستراتيجية والاستراتيجية الموصى بها (وربما تحليل تنفيذ الاستراتيجية الموصى بها). الأسئلة المهمة هنا هي: ما هي البدائل الاستراتيجية التي يحتمل أن تكون متفوقة؟ ماذا يجب أن تكون الأهداف الاستراتيجية للدولة او المؤسسة؟ هل هناك أهداف ينبغي استخدامها لتقييم البدائل الاستراتيجية؟ كيف تتوقع البدائل الاستراتيجية من حيث الأهداف الثابتة؟ ما هو البديل المفضل؟ ما مدى حساسية الخيار بين بدائل السيناريوهات المختلفة أو “دول العالم”؟

في حين يرى البعض الآخر ان التحليل الاستراتيجي يتضمن اربع مراحل متتالية هي([6]):

  1. التحليل البيئي: هو القيام بدراسة البيئتين الداخلية والخارجية التي ترتبط بهما المشكلة بصورة تفصيلية، وعندها يتم اتخاذ مجموعة من القرارات.
  2. الصياغة الاستراتيجية: هي وضع الصيغ المناسبة بالاعتماد على النتائج التي تم الوصول إليها في خطوة التحليل، وذلك من أجل صياغة خطط العمل والإعداد والموارد المتاحة للمباشرة في التنفيذ.
  3. التنفيذ: هو التطبيق الفعلي للاستراتيجية التي سيتم الاعتماد عليها في المرحلة القادمة في بيئة العمل، والتي تهدف إلى جعل كل المكونات الداخلية والخارجية تتأقلم معها، حتى يسهل تنفيذ العمل المرتبط بها.
  4. التقييم: هو التأكد من نجاح تنفيذ الاستراتيجيّة وأنها تسير في المسار الصحيح والمخصص لها، ويساهم التقييم في تدارك أية أخطاء حدثت والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها.

نماذج التحليل الاستراتيجي:

عرض كل من ديفيد هانغر(Hanger) وتوماس ويلين (Wheelen) مجموعة من نماذج لأدوات القياس في التحليل الاستراتيجي مبوبة وفقاً لمستويات بيئة التحليل، وكالآتي([7]):

  1. أدوات تحليل البيئة الكلية (تحليل SWOT): ويعدّ أداة مهمة ومفيدة في تحليل الوضع العام للدولة على أساس الموازنة بين عناصر القوة والضعف في البيئة الداخلية والفرص والتهديدات في البيئة الخارجية، وتوضح هذه الأداة العلاقة بين التقييمين الداخلي والخارجي، وتشمل جوانب القوة والمهارات والاستعدادات التي تساعد الدولة في التفوق على الوحدات الدولية الأخرى في مناخ المنافسة الدولية، أما جوانب الضعف فتتعلق بالنقص في المهارات والإمكانيات مقارنة مع إمكانيات الوحدات الدولية المنافسة، أما الفرص فتتمثل بالظروف المواتية في البيئة الخارجية ذات التأثير الايجابي في الدولة، وعكس هذه الفرص هي التهديدات التي تتمثل بالتغييرات غير المواتية في البيئة ذات التأثير السلبي في أداء الدولة، أي أن نقاط القوة والضعف عادة ما تكون داخلية للدولة، في حين أن الفرص والتهديدات عادة ما تكون خارجية.

وعند استخدام ادوات تحليل البيئة الكلية يجب التأكد من الآتي([8]):

  • ان تستخدم فقط بيانات محددة قابلة للتحقق.
  • ان يتم إعطاء الأولوية للعوامل الداخلية والخارجية بحيث يتم التركيز على أهم العوامل، وينبغي أن يشمل ذلك تقييماً للمخاطر لضمان تحديد التهديدات والفرص العالية المخاطر أو العالية التأثير بوضوح والتعامل معها على سبيل الأولوية.
  • ان يتم الاحتفاظ بالقضايا التي تم تحديدها لاحقاً في عملية تشكيل الاستراتيجية.
  • ان لا يتم استخدام أداة حصرية في التحليل، إذ لا توجد أداة واحدة من المرجح أن تكون شاملة تماماً، لذلك ينبغي استخدام مزيج من الأدوات المولدة للخيارات.
  1. أدوات تحليل البيئة الخارجية: وتشمل عدة أدوات منها تحليل(PEST)، وتحليل (متغيرات بيئة المهمة)، فبالنسبة لتحليل(PEST) فيتضمنتحليل متغيرات البيئة العامة المتمثلة بالمتغيرات: السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، والمتغيرات التقنية، ويمكن تصنيف هذه المتغيرات(PEST) على أنها فرص أو تهديدات في تحليل(SWOT)، إذ انه غالباً ما يكون من المفيد إكمال تحليل(PEST) قبل إكمال تحليل(SWOT). أما تحليل (متغيرات بيئة المهمة) فيتم من خلال إعداد تقارير فردية عن جميع متغيرات هذه البيئة ثم تلخص المعلومات بشكل عوامل استراتيجية ترسل إلى الإدارة العليا لاعتمادها في اتخاذ القرارات.
  2. أدوات تحليل البيئة الداخلية: تتمثل أدوات تحليل البيئة الداخلية بـعدة مداخل رئيسية، تتمثل بالآتي:
  • مدخل الاعتماد على الموارد: حيث يركز هذا المدخل على جانبين مهمين هما: ماهية الموارد المتوفرة، والموارد المطلوبة لتنفيذ الاستراتيجية، وتتمثل هذه الموارد بـ: الموارد المادية، والبشرية، والمالية، وغير الملموسة.
  • مدخل تحليل سلسلة القيمة: ويركز هذا التحليل على وظائف (أنشطة) الدولة التي تخلق القيمة لأدائها أو سلوكها بدءاً من استغلال مواردها ومصادرها الطبيعية كالمواد الخام مروراً بسلسلة من أنشطة رفع الاداء وتحسين القيمة، وفي التحليل، تنقسم أنشطة المؤسسة موضوع التحليل إلى مجموعات منفصلة من الأنشطة التي تضيف قيمة، ويمكن للدولة أن تقيّم قدراتها الداخلية على نحو أكثر فاعلية من خلال تحديد وفحص كل من هذه الأنشطة، ويعد كل نشاط من هذه الأنشطة مصدراً للقيمة التنافسية.
  • تحليل الموارد الوظيفية: وتتعلق بدراسة الهياكل التنظيمية للدولة وأنواعها وتقييم جوانب القوة والضعف والتركيز على الثقافة التنظيمية بوصفها مجموعة من القيم والتقاليد التي تحظى بالقبول وأنماط السلوك التي يعتمدها الأفراد والمدراء في أي مؤسسة او هيكل تنظيمي.
  • التدقيق الاستراتيجي: ويرتبط بفحص وتقويم عمليات المؤسسة وأنشطتها التشغيلية المؤثرة في عملية الإدارة الاستراتيجية، ويشير ديفيد فريدDavid Fred)) إلى أن التدقيق الاستراتيجي يمكن أن يُنجز من قبل ثلاث مجموعات متمثلة بـ: المدققين الخارجين، ومدققي الحكومة، والمدققين الداخلين([9]).

مما تقدم، نستنتج أن التحليل الاستراتيجي يحظى بأهمية بالغة في عملية الادارة الاستراتيجية للدولة، إذ يعد الأداة الرئيسة لتحديد العناصر الاستراتيجية في البيئتين الداخلية والخارجية للدولة، فيقوم بعملية تشخيص دقيقة لمكامن القوة والضعف والفرص المتاحة والمخاطر الكامنة، والتي تحد من قدرة الدولة على الادارة الاستراتيجية لمؤسساتها المختلفة، بما يُمكّنها من تحقيق الاستفادة المُثلى من عناصر القوة والفرص المتاحة، وتجاوز عناصر الضعف والمخاطر الكامنة في الوقت نفسه في البيئتين الداخلية والخارجية، الامر الذي يجنب الدولة مخاطر سوء الادراك والادارة الفاشلة وما ينتج عنها من هدر للموارد القومية وعدم استغلال للفرص، وينعكس بالمحصلة على كفاءة اداء الدولة وادارتها لمؤسساتها على المستوى الداخلي، وادائها وحركتها ومكانتها على المستويين الاقليمي والدولي.

الهوامش:

([1]) Johnson G & Scholes K, “Exploring corporate strategy”, Cambridge, Prentice Hall International, 1993, p.54.

([2]) George N. Root, “Three Keys to Making a Strategic Analysis”, Analysis, Small Business. Chron, 2017, available at: http://smallbusiness.chron.com/three-keys-making-strategic-analysis-16169.html

([3]) See: Porter, Michael, E., “What Is Strategy?”, Harvard Business Review, 1996 , pp.61-79.

([4])See: Jim Downy, “Strategic Analysis Tools”, Topic Gateway Series, No.34, The Chartered Institute of Management Accountants, London, 2007, p.3.

([5]) Anthony E. Boardman & Aidan R. Vining, “A framework for Comprehensive Strategic Analysis”, Journal of Strategic Management Education, Vol.1, Issue.2, Senate Hall Ltd., Dublin, Irland, June 2003, p.1.
([6]) مجد خضر، “ادوات التحليل الاستراتيجي”، مقالات، موضوع، 2016، متاح على: http://mawdoo3.com
([7]) See: David J. Hunger & Thomas L. Wheelen, “Strategic Management”, Addison Wesley Longman Inc., 6thed., USA, 1998, p.58-102.

([8]) Jim Downy, “Strategic Analysis Tools”, Topic Gateway Series, No.34, The Chartered Institute of Management Accountants, London, 2007, p.6.

([9]) Fred R. David, “Strategic Management Concept & Cases”, prentice Hall international Inc., 8th ed., New Jersey, 2001, p.313.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى