دراسات سياسية

مستقبل سياسات الحصار الاقتصادي والضمانات الدولية

بقلم وليد عبد الحي

خلال الفترة الممتدة من عام ١٩١٤ الى ٢٠١٢(أي حوالي ٩٨ سنة) تم تطبيق سياسة الحصار الاقتصادي بهدف تغيير الأنظمة السياسية 165 مرة، وقد نجح الحصار في بلوغ غايته في 40 حالة،أي بنسبة 24.3% تقريبا.
وقد شاركت الولايات المتحدة مع دول أخرى في 115 حالة حصار ،نجح منها ٢٦ حالة,اي ان نسبة النجاح هي 22.4% , بينما قامت الولايات المتحدة منفردة بالحصار في 50 حالة، كان عدد حالات النجاح فيها ١٤ حالة،اي ما نسبته 28% من الحالات، وهو ما يعني ان انفراد الولايات المتحدة بالاجراء يزيد فرص النجاح بحوالي 5.5% تقريبا.


غير ان المؤشر الاكثر اهمية في هذا السياق هو رصد الاتجاه التاريخي لمستويات نجاح الحصار الاقتصادي، اذ يتبين من الرصد ان هناك تراجعا خطيا في نسبة النجاح ، فلو قسمنا الفترة الزمنية كلها سنجد أنه في الفترة الأولى(1914-1945) كانت نسبة النجاح في تحقيق أهداف الحصار أعلى من النسبة في مرحلة الفترة الثانية(1945-1969)، ويستمر تناقص النجاح في الفترة الثالثة(1970-1989)، وفي الفترة الرابعة(1990-2012)،وهو ما يعني أن نسبة نجاح سياسات الحصار في اسقاط النظم تتراجع ،وهو أمر أرى أن السبب الرئيسي (وليس السبب الوحيد) فيه هو العولمة التي أدت إلى الصعوبة الشديدة أو ربما المستحيلة في ضبط آليات الحصار.


وثمة ظاهرة اخرى لها دلالة في ذات السياق وهي الضمانات الدولية التي تعطيها دولة كبرى لدولة صغرى بان تحميها من القوى الاخرى بخاصة الكبرى منها .
ويتبين من الرصد ان تاريخ هذه الظاهرة ايضا – الحماية الدولية-ليس أكثر إغراء للاتكاء عليه من سياسات الحصار الاقتصادي ،فخلال الفترة من 1815-2014(قرنان من الزمن )، أعطت الدول الكبرى 116 ضمانا دوليا سواء بشكل فردي أو ضمانات مشتركة لدولة صغرى، تم الالتزام بتنفيذ 20 منها ،اي ما نسبته 18% منها فقط…هل وصلت الرسالة ؟..ربما

معلومات اضافية حول مفهوم الحصار الاقتصادي

عرف العقيد “وليام دفلاك ” الحصار بأنه عملية حربية تمارسها قوة ضد منطقة محصنة أو مدينة بقصد احتلالها وتذهب دائرة المعارف “كستون “الجديدة إلى التوسع في تعريف الحصار فتقول(إنه العمل الذي يقوم به جيش ما بالمرابطة أو بالبقاء في مواجهة قلعة أو موقع محصن أو مدينة يدافع عنها العدو فإذا أمكن الإحاطة بالمدافعين تماماً فإن القوة المتفوقة يمكنها أن تمنع وصول الإمدادات إليهم، ومن ثم يسهل قذفهم بالقنابل حتى يستسلموا وقد تقوم القوات المهاجمة) بفتح ثغرات في النطاقات الدفاعية للنفوذ إلى عمقها والاستيلاء على المنطقة المحاصرة وأسر المدافعين فيها أو الانتظار حتى يتضوروا جوعاً.

أنواع الحصار الاقتصادي وتطبيقاته

الحصار السلمي. وهو ما يعرف عادة الحظر البحري وكوسيلة لتسوية الخلافات الدولية في الربع الثاني من القرن التاسع عشر باعتباره صور التدخل أو القصاص في حالة السلم وفي حالة نزاع لم يصل بعد إلى درجة الحرب، ولعل أشد الحصار من هذا النوع هو الحصار البريطاني الفرنسي ضد هولندا عـام (1832) وكذلك الحصار البريطاني لمواني اليونان سنة (1850) والحصار البريطاني الألماني المشترك سنة (1902) ضد فنزويلا في محاولة لإجبارها على تنفيذ بعض مطالب رعاية تلك الدول، وكذلك طبق سنة (1927) عندما فرضت فرنسا وبريطانيا وروسيا حصاراً مشتركاً على أجزاء معينة بالقرب من سواحل اليونان، بهدف إجبار تركيا على منع الاستقلال لليونان، وهذا النوع له عدة أقسام ومبادئ ويتم تنفيذه بعدة طرق وذلك على النحو التالي:

أ. حصار سلمي قانوني. ويهدف إلى فرض احترام قواعد القانون الدولي بإرغام إحدى الدول على تنفيذ التزاماتها الدولية.
ب. حصار سلمي إنساني. ويستخدم ضد الدولة التي انتهكت حرمة المبادئ الإنسانية كحصار زنجبار سنة (1888)من قبل ألمانيا وإيطاليا، والبرتغال للقضاء على تجارة الرقيق.
ﺠ. حصار سلمي سياسي. ويهدفإلى تحقيق أغراض سياسية كحصار السواحل الروسية عام (1919) من قبل دول الحلف. وذلك بهدف إسقاط النظام الشيوعي الجديد.

د. الحصار الاقتصادي الحربي أو العسكري. هو منع دولة معينة من الحصول على الأسلحة أو قطع الغيار أو المعدات العسكرية عن طريق الالتزام الطوعي للدولة والأطراف التي تمتلك تلك الأسلحة والمعدات أو عن طريق اتخاذ إجراءات عمل لمنع وصول تلك الأسلحة بالمعدات إلى الدولة المعنية
هـ. الحصار السلمي العسكري. يذهب البعض إلى أن هذا النوع يمكن اعتباره خليطاً بين الحصار السلمي والحصار العسكري حيث إن حالة الحرب غير قائمة ولكنها وشيكة الوقوع وتستلزم فرض حظر على الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية كما حدث في أزمة الصواريخ الروسية في كوبا أيام حكم كاسترو.

أهداف الحصار الاقتصادي

أ. أهداف موضوعية. وهي تتركز أساساً في محاولة إحداث تغيرات في تصرفات حكومة الدولة التي صدرت هذه الإجراءات ضدها وذلك مع اختلاف التفاصيل بالنسبة لكل حالة
ب. الأهداف الثانوية. وهي الأهداف التي تتعلق بمركز وسمعة الحكومة الفارضة لهذا الإجراء ونفوذها

نبذة تاريخية عن تطور الحصار الاقتصادي

النبذة التاريخية في العصور السابقة

أشرنا سابقاً الأهداف الاقتصادية قديمة لكنها تتفاوت في درجة عمقها وشموليتها تبعاً للظروف الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية والبيئية والعقدية المحيطة بها، وقد شهدت ظاهرة الحرب تطوراً عبر تطور المسيرة البشرية في أهدافها ودوافعها ونتائجها، وشهدت الوسائل الاستراتيجية للصراع المسلح، كالوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية، تطوراً انعكس في تطورات ظاهرة الحرب الاقتصادية عبر العصور القديمة والعصور الوسطى وكذلك العصور الحديثة ، وقد يكون استخدامها قبل الحرب أو خلالها أو في زمن السلم وتستمر في زمن الحرب كونها عنصراً رئيساً في الحرب الشاملة , ولعل من الأجدى التطرق إلى مراحل تطور الحصار الاقتصادي عبر التسلسل الزمني للتوصل إلى الأشكال والحالات التي واكبت هذا النوع من الحروب ولعل استعراض بعض الأمثلة قد يفيد في إيضاح الصورة وهذه المراحل هي:

أ. العصور القديمة. يعكس تاريخ الحروب القديمة دور مضمون اصطلاح الحرب الاقتصادية المعاصرة من خلال وقائع الحرب في تقارير نتائجها ، فالقرن الخامس (ق.م) يشهد استخدام التعبير الأول للحرب الاقتصادية ممثلاً في حروب الإغريق من خلال الحصار البحري ، الذي فرضه الإسبارطيون على لاثينين وتم فيه تدمير القافلة البحرية العائدة للاثينيين التي كانت محملة بالحبوب وكان هذا التدبير الذي استخدمه الإسبارطيون كان سبباً أساسياً في حرمان الاثينيين من المواد الغذائية الأساسية لهم ثم خسارتهم الحرب وتحقيق نصر عسكري للإسبارطيين .
ب. العصور الوسطى. تتضح أهمية العوامل الاقتصادية كأسلحة واضحة إذ برزت في حروب المسلمين مع المشركين من قريش أبان بدء الدعوة الإسلامية حيث كانت التدابير التي اتخذها المسلمون الأوائل ضد قريش من خلال التعرض لقافلة ” أبو سفيان ” التجارية أثرها في تدعيم قوة المسلمين وإضعاف المشركين ومن هذا نلاحظ أن الحرب الاقتصادية بصيغة الحصار الاقتصادي اعتمدت في حروب المسلمين الأوائل، ومما يلاحظ في الحروب الواقعة في التاريخ القديم والوسيط أن الحرب الاقتصادية غالباً ما كانت تمارس في وجهها التعرضي بصيغة الحصار والقرصنة أكثر من وجهها الوقائي، ومما لاشك فيه أن أشد الحروب ضراوة كانت تعتمد على الفنون البدائية للقتال، ولا سيما التي تتطلب قوات محدودة العدد لكن القادة كانوا يعرفون أن شدة التأثير في الخصم تكمن في توجيه جهد التدمير إلى موارده الاقتصادية ومن أبرز الأمثلة على ذلك تلك الملاحم التي طرزها أبطال المسلمون إبان الفتوحات الإسلامية ومنهامايلي:

(1) حصار شعب أبو طالب. حاصرت قريش رسول الله وأهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ابن عبد مناف في الشعب، الذي يقال له شعب بني هاشم بعد ستّ سنين من مبعثه، فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين حتّى أنفق رسول الله ماله وأنفق أبو طالب ماله وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها،ثم نزل جبريل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إنّ الله بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كل ما فيها من قطيعة وظلم إلا المواضع التي فيها ذكر الله.

(2) حصار الطائف. انطلق الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف لمحاصرة المنهزمين الذين اعتصموا بحصونها المنيعة، وما إن اقترب من الطائف حتّى أمطرته ثقيف بوابل من النبال، فأصابت جماعة من المسلمين، ما دعا النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أن يبعد المسلمين عن مدى النبال التي كانت تنطلق من حصون ثقيف، وظلّ يحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ولكن ثقيفاً لـم تكن على استعداد للمواجهة بعدما لحقت بها الهزيمة في حنين، وفي المقابل، لـم يكن لدى المسلمين آلات الحصار الكافية لكي يرغموا ثقيف على الاستسلام، ولذلك اعتمدوا سياسة الانتظار التي قد تكون لصالحهم أكثر منها لصالح المسلمين وبذلك اتبع المسلمون ولأول مرة وسائل متنوعة في الحصار. أصبح المسلمون على أبواب ذي القعدة وهو من الأشهر التي حرّم فيها الإسلام القتال، فآثر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أن يرفع الحصار عنهم ويرجع بمن معه إلى الجعرانة حيث الأسرى والغنائم.

(3) حصار بنو قريضة. في السنة الرابعة للهجرة أمر النبي صلى الله علية وسلم بغزو بني قريضة وذلك بسبب نكثهم العهد وأنظمامهم إلى لمشركين يوم الأحزاب ولما أصبح صلى الله عليه وسلم من ليلة منصرف الأحزاب وكان وقت الظهر وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال وضعت السلاح والله ما وضعناه اخرج إليهم فقال صلى الله عليه وسلم فأين فأشار إلى بني قريضة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فحاصرهم صلى الله عليه وسلم ثم اتفقوا على أن يحكم فيهم سعد بن معاذ وكان سعد مريضا فحكم بقتل الرجال وقسمة الأموال وسبي الذراري فقال صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله.

نبذة تاريخية في الحروب العالمية

1. في الحرب العالمية الأولى. والتي شهدت تطوراً واسعاً لظاهرة الحرب ولوسائل الصراع الاستراتيجية وخاصة العسكرية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والنفسية وحيث أن الحرب الاقتصادية هي الأخرى شهدت تطوراً في أساليبها وفي أهدافها ونتائجها ، ومع تطور ظاهرة الحرب وفن الحرب ، اقتضت ظروف الحرب العالمية الأولى زيادة في الواردات من المواد اللازمة لصنع المعدات الحربية الحديثة ، كما أن الأهمية الكبيرة لزيت البترول التي برزت بفعل المعارك الجوية بسلاح الطيران واستخدام الدبابات في المعارك ، زاد هذا الأمر من فاعلية الحرب الاقتصادية بجانبيها الهجومي ، والدفاعي ، وخاصة وسيلة الحصار البحري التي فرضتها بريطانيا والتي لعبت دوراً حاسماً في تقرير نتائج الحرب وهزيمة ألمانيا ، ومن تدابير الحرب الاقتصادية التي استخدمتها بريطانيا أبان الحرب العالمية الأولى ما يلي :
أ. السيطرة على محطات التموين بالفحم ” الوقود ” وتلك المحطات التي كانت تعتمد على ما يصلها من إنتاج مناجم بلاد الحلفاء .
ب. الحظر على المواد ذات الأهمية الاستراتيجية ، الذي أعلنته بريطانيا في ( 3 آب 1914م) وذلك بعد أن أعلنته فرنسا وألمانيا في ( 3 تموز 1914م) .
ﺠ. القوائم السوداء والحصار المالي الذي أقدمت عليه بريطانيا ، والذي تجلى في قيامها بمنع رعايتها في نطاق حقوق السيادة من الاتجار مع تجار محايدين يشك أو يعرف أنهم يقومون بإعادة نقل المتاجر إلى دولة العدو ، كما وضعت في القوائم السوداء أسماء عدة مصانع وشركات حتى في الولايات المتحدة نفسها .

د. التموين في نطاق معين ومحدود ، حيث قامت بريطانيا بوضع نظام تم بموجبه تحديد مشتريات الدولة المحايدة في أوروبا من وراء البحار من المواد الخام والمواد الاستراتيجية الأخرى .

ﻫ. الحرب الاقتصادية وفقا لوقائع الحرب العالمية الأولى تعني التدابير المتخذة لتسهيل مواصلة الحرب بجانبيها الهجومي والدفاعي، وهي تتكون من سفن وتدابير عسكرية وخطوات دبلوماسية هدفها خلق نتائج ذات خاصية اقتصادية ضد العدو، تنعكس على مجمل ميادين الصراع لذلك فالحرب الاقتصادية كالحرب البرية، والجوية ، والبحرية يمكن أن تكون هجومية ودفاعية وقد تكون في مرحلة الاستعداد للحرب ، وهذا ما فعلته دول الحلفاء قبل الحرب العالمية الثانية ، وخاصة من خلال الحصار الاقتصادي لمواجهة ألمانيا النازية .

2. بعد الحرب العالمية الأولى. وضع تنظيم دولي في هذا الصدد وذلك في العاشر من أيلول عام 1919م بموجب اتفاقية سان جرمان، وعهد عصبة الأمم .

  1. في الحرب العالمية الثانية. أصبحت إمكانية تزايد فاعلية الحرب الاقتصادية في نتائج الحرب العالمية الثانية أكثر مما كانت عليه الحال في الحرب العالمية الأولى ، نتيجة للتطور الواسع في مجال الصناعة الحربية وانعكاسها على وسائل الحرب الاقتصادية .
  2. في العصر الحديث. والذي هو عصر النووي والتطور في أسلحة التدمير الشامل مما يؤدي إلى تدهور كبير لقدرات الحرب الاقتصادية وتدابيرها وخاصة في وجهتها الدفاعية .

5 . حصار العراق . وذلك نتيجة احتلالها لدولة الكويت في نهاية القرن الميلادي الماضي

6 . حصار غزة . من قبل الاحتلال الصهيوني والذي لا زال قائما حتى اليوم رغم عدم شرعيته القانونية والانسانية .

  1. حصار إيران . نتيجة عدم امتثالها للقرارات الدولية فيما يخص الجانب النووي وتوجهها للتصنيع الحربي النووي .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى