دراسات سياسية

مشاركة مراكز البحوث والدراسات في صناعة القرار

بقلم :  أ.م.م. علاء عريبي غانم – المركز الديمقراطي العربي

حظيت مراكز البحوث والدراسات باهتمام واسع المدي والنطاق وبشكل كبير في العقود الأخيرة من القرن العشرين حيث باتت تمثل أحد البدائل المهمة في عملية تطور الدولة وتقييمها للبحث العلمي واستشرافها آفاق المستقبل العلمي وذلك وفقاً للمنظور العلمي المعرفي لتطور المجتمعات الإنسانية عموما، وقد أصبح للمراكز البحثية دوراَ هاما ورائداَ في قيادة السياسات العالمية مؤخراَ، وصارت أداة رئيسية لإنتاج العديد من المشاريع الاستراتيجية الفعالة، كما أصبحت جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي التنموي في العديد من البلدان المتقدمة، كما أنها ارتقت إلي مكانة أصبحت فيها أحد الفاعلين الرئيسيين في رسم التوجهات السياسية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية للدول وأحد المؤثرين فيها، وتسمى مستودعات الفكر ، وعليه، فإن مؤسسات الفكر والرأي رسمت دوراَ محوريا في صياغة السياسة الخارجية للدول المتقدمة بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص، فالولايات المتحدة الاميركية انموذجا وليس ترويجاً وهنا نضرب مثل والامثال تضرب ولا تقاس….

يوجد في الولايات المتحدة الاميركية ما يقارب (2000 ) مركز دراسات بحثية في مختلف الاختصاصات ، اذ يقدم الكونغرس دعوات  لبعض الخبراء فيها ويمثلون أمامه ويدلون بشهادتهم كخبراء للكونغرس شهرياً  لعدد من المراكز للمشاركة في صناعة القرار ووضع الاستراتيجيات للدولة وتقدم المشورة لرئيس الجمهورية وصناع السياسة ، والحقائق والأرقام الضرورية للصحافيين والإعلاميين ، والبعض من هذه المراكز يختص بقارات او دول معينة ، وللعلم ان الولايات المتحدة تعتمد هذا الأسلوب لان الذين أسسوها هم ” الآباء المؤسسون وكانوا مفكرين”.

والمراكز البحثية المهمة والتي تنبه صناع القرار في الدول لكيفية صناعة القرار بعيدا عن الارتجال الذي يفضي للوقوع في الاخطاء . ان المعلومات التي توفرها هذه المعاهد والمراكز البحثية تمر عبر فلاتر حساسة مكلفة بصناعة القرار السياسي والاستراتيجي الامريكي ، والتي يطلق عليها اجمالا المؤسسات وهي : مؤسسة الرئاسة ، والدفاع والخارجية والكونغرس، والشؤون الداخلية ممثلة بوزارات الداخلية والاقتصاد والصحة ، ويأتي الخط الثاني الداعم لهذه المؤسسات الرئيسة وهم: جهاز المخابرات ، ومجلس الامن القومي ، والسلك الدبلوماسي ، والقواعد العسكرية المنتشرة بجميع انحاء العالم ، ثم الاعلام .وبذلك يتم عرض دراسات المراكز البحثية كمورد من موارد مؤسسات صناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية ، ان الكثير من البحوث التي تعتمدها مراكز البحوث تتحول الى استشارية عندما تتعارض مع الموارد الاخرى. اما تلك التي تتطابق مع الموارد الاخرى فأنها تحال للتطبيق.

يُعتبر البحث العلمي من أهم النشاطات التي يمارسها العقل البشري؛ فمن المعروف أن تقدم الأمم و نهضتها الحضارية مرهونة برعايتها و اهتمامها به و بتطبيقاته. و من هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته و أدواته، كالجامعات و مراكز الأبحاث و الدراسات، سواء الحكومية منها أو الخاصة؛ لما لها من دور أساسي في عملية صنع القرار، و إعداد السياسات العامة للدول.

ومن هنا اقترح على الحكومة العراقية التوجه نحو مراكز البحوث والدراسات ، وتوجد لدينا الكثير ، لتعمل في بودقة واحدة لخدمة المصالح الوطنية العراقية ، وتكون من بين الأطراف المؤثرة في تركيبة السياسة الخارجية العراقية ، ويعد دور مراكز البحوث والدراسات الأهم والأكثر فعالية، حيث ممكن ان ترسم هذه المراكز سياسات وخطط اقتصادية واجتماعية ، وتحدث في المجتمع  ضجيجًا بالنقاش في مواضيع مختلفة، حيث يعلو صوت الآراء حول كيفية إدارة شؤون البلاد ، ولتمتلك الدولة سياسة خارجية فاعلة، وتعتبر نفسها معنية بشكل جاد بما يحصل خارج حدودها بحيث تؤثر وتتأثر فيه، فقد لجأت تلك الدول إلى إتاحة المجال لمراكز الدراسات والأبحاث برفدها التحليلات والاستشارات والتوصيات التي تمثل نتيجة عمل الخبراء في الميادين المختلفة الواقعة محل اهتمام القيادة، بحيث تحول بعض تلك المراكز في بعض الفترات إلى وزارة خارجية في “الظل”، تمارس دورًا وتأثيرًا كبيرين.

أنّ مراكز الدراسات تقوم بسد الفجوة بين النطاق الأكاديمي من جهة، وبين مؤسسات الحكومة من جهة أخرى. ففي الجامعات يتم القيام بالأبحاث بخلفية نظرية ومنهجية بعيدًا عن المشكلات السياسية اليومية. أما في داخل الأجهزة الحكومية، يغرق الموظفون في المتطلبات اليومية لصناعة السياسات، بما يصعّب عليهم العودة خطوة إلى الوراء للأخذ بعين الاعتبار المشهد الواسع للسياسة الأمريكية. فتقوم المراكز بدور سد الفجوة بين الفكر والتطبيق.

أنّ الأفكار المطروحة من قبل مراكز الدراسات تقوم بدور بناء مفاهيم جديدة للمصالح القومية ، التأثير في ترتيب الأولويات، توفير خرائط الطريق اللازمة لتنفيذ السياسات، وبناء تصميم جديد للمؤسسات المتهاوية.

ولابد على المراكز، ان تسعى خلف توسيع مدى تأثيرها ليشمل النخب والرأي العام ووسائل الاعلام المعاصرة والمختلفة والمتنوعة، إلى نشر جزء كبير من إنتاجها الفكري والسياسي، مع الإبقاء على جزء آخر تحت درجة السرية،  ومراكز الدراسات لها دورًا كبيرًا في بناء الرأي العام النخبوي وغير النخبوي، وبالتالي تشكل قوة ضغط كبيرة وفعالة في توجيه القرار.

وان تكون عنصر لجذب انتباه صانعي السياسات المشغولين دائمًا والمغرقين أصلًا في سيل المعلومات ، مراكز الدراسات إلى النفاذ في القنوات العديدة للإعلام والاعتماد على استراتيجيات تسويقية لطروحاتها من قبيل: نشر المقالات والكتب والأبحاث المتزامنة مع طرح القضايا، الظهور بشكل دوري على قنوات التلفاز، الكتابة في صفحات الرأي العام، والظهور في المقابلات الصحافية، وإنتاج أوراق بحثية سهلة القراءة وأوراق العمل، وإنشاء مواقع الانترنت، وكذلك تقديم المحاضرات العلمية أمام مؤسسات الحكومة ، وتكون المراكز بفعل سعي قوى الضغط وتجمعات المصالح نحو منهجية تأثيرها في السياسات الداخلية والخارجية للدولة.

إذن مراكز الدراسات بنية مركبة من السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والإيديولوجية في المجتمع، ولذلك فإنّ تقييم ما يصدر عنها يحتاج إلى مجموعة من المحددات التي تأخذ بعين الاعتبار ذلك التركيب، وكذلك ما يفرض نفسه من معايير بنيوية ترتبط بقدرات كل مركز على حدة  ، ويحتاج ذلك الى تعاون بين الحكومة وتلك المراكز، إن ازدياد دور مراكز الأبحاث هو تعبير عن انتقال البحث العلمي من مرحلة “الباحث الفرد” إلى مرحلة “ الباحث – المؤسسة” فالتاريخ الفكري الإنساني مر بهاتين المركزيتين، إذ كان البحث والفكر يتمحور في مرحلة من المراحل حول الفرد، ثم انتقل العالم إلى مركزية المؤسسة أو بمعنى آخر التفكير الجماعي أو العمل الجماعي في الفكر، والذي يستعين فيها الباحث بالخبرات التي تقدمها له المؤسسة، بما في ذلك تنوع التخصصات التي تشملها، دون أن تلغى رأيه الفردي أو اجتهاده الشخصي.

علاوة على ذلك اقترح على الحكومة العراقية استحداث منصب وكيل في وزارة الخارجية للتخطيط السياسي والاستراتيجي ، يضع الخطط السياسية والاستراتيجية ، واضع مقالتي هذه بين ايدي الجهات المعنية ، فضلا عن ذلك اعرض خدماتي المتواضعة في هذا الجانب في خدمة الدولة العراقية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى