دراسات شرق أوسطية

مشكلة الاردن في حلفائها – وليد عبد الحي

لا أعتقد ان هناك دولتان في العالم تتطابق اهدافهما ومصالحهما تطابقا تاما، ويمكن ان تجد تباينات استراتيجية في الأهداف والمصالح حتى بين الدول الاعضاء في حلف واحد، ويكفي التمعن في علاقات دول الناتو او في الاتحاد الاوروبي. ذلك يعني ان معيار العلاقات الدولية هو قياس المسافة السياسية بين الدول ومقارنتها ببعضها لتحديد الدول الاكثر قربا( وليس الاكثر تطابقا) من بعضها البعض.
لكن كيف يتم القياس؟ ولكل منهج قياس نقاط قوته ونقاط ضعفه، فليس هناك قياس يخلو من الثغرات، فمثلا هناك من وضع تسعة مؤشرات للقياس ، بينما اختصرها البعض في مؤشرين…الخ
عند النظر في تاريخ العلاقات الأردنية مع اهم حلفائها وهما بريطانيا والولايات المتحدة ، يمكن ان نلاحظ ان أبرز مشكلات الأردن الاستراتيجية ساهمت هاتان الدولتان في صنعها، ولنقف عند بعض المحطات:

1- من كان له الفضل في انشاء اسرائيل بكل ما تداعى عن هذا الموضوع من مشاكل للاردن، انها بريطانيا حليف الأردن، فكل توترات العلاقة بين الاردن وفلسطين وبقية الدول العربية في كل المراحل التاريخية ما كان له ان يحدث لولا الوجود الاسرائيلي الذي صنعه ورعاه وما زال حلفاء الاردن، فكل خلافات الاردن مع مصر الناصرية ومع سوريا والعراق البعثيين ومع ليبيا ومع الفلسطينيين ومع حركات سياسية من اخوان مسلمين وغيرهم من العلمانيين ..كل هذا سببه المركزي اسرائيل التي صنعها حليف الاردن…
2- من دمر العراق الذي كان حلا جذريا لمشكلة تأمين النفط بأسعار شبه مجانية للاردن
ناهيك عن انها كانت شريكنا التجاري الهام ، وكانت حدود الاردن مع العراق آمنة فلا داعش او غيرها؟ انها الولايات المتحدة حليف الاردن الاول حاليا .
3- من ساهم في الضغط على العرب ومنهم الاردن ليكونوا في صف الولايات المتحدة ضد ايران ، فهل كل عدو للولايات المتحدة وبريطانيا هو بالضرورة عدو للاردن؟ وهل يمكن ادارة العلاقة الايرانية الأردنية بطريقة مختلفة؟ هل تمت دراسة التداعيات الضارة والنافعة للسياسة الحالية تجاه ايران؟ هل هي الافضل؟ هل هي بحاجة لإعادة نظر كلية او جزئية؟ انها دعوة للمناقشة..
4- سؤال استراتيجي هام على الحكومة الاردنية ان تقدم له تفسيرا مقنعا: لماذا وطبقا لكل استطلاعات الرأي الاردنية والعربية والدولية تتخذ النسبة العليا من المجتمع الاردني موقفا معاديا وبقدر كبير تجاه الولايات المتحدة؟ اليس نتيجة لصورة ترسبت عبر التاريخ في الوعي والوجدان الأردني عن انحياز وسوء السياسة الامريكية في المنطقة العربية؟ هل غالبية المجتمع الأردني المعادي للولايات المتحدة هي غالبية ضالة؟ ومن جعل هذه الغالبية تفكر بهذه العدائية لأمريكا؟ أن حليف السياسة الرسمية الاردنية هو ذاته خصم المجتمع الأردني ؟ فهل هذا يدل على خلل ام لا؟ انها دعوة للتفكير.
5- تكاد ان تكون المساعدات الأمريكية للأردن تمثل كعب أخيل في الموقف الأردني، فمجموع هذه المساعدات من 1946 الى 2018( طبقا لدراسة صادرة عن الكونجرس الامريكي) هو حوالي 21 مليار دولار منها 8 مليار مساعدات عسكرية، أي بمعدل 292 مليون دولار سنويا( مع مراعاة مؤشرات القيمة الاقتصادية طبقا للفترة الزمنية )، ولكن هذه المساعدات ليست مجانا بل هي مقابل مواقف سياسية تجاه قضايا المنطقة، لكن هذه المواقف السياسية الاردنية لتقليص المسافة مع الولايات المتحدة لها ثمن اقتصادي تتحمله الاردن ، فمثلا تقارب الموقف الاردني تجاه الازمة السورية من الموقف الأمريكي كلف الاردني اغلاق الحدود الاردنية السورية لسنوات علما ان :
أ‌- كانت نسبة الصادرات الأردنية عبر سوريا قبل الأزمة السورية حوالي 17% من اجمالي الصادرات الاردنية وتصل الى 270 مليون دولار سنويا.
ب‌- ارتفعت نسبة البطالة في مناطق الحدود الاردنية السورية على الجانب الاردني لتصل الى حوالي 21.7%
ت‌- تراجع حجم التجارة الاردنية العراقية بين 2008 و 2019 باكثر من 300 مليون دولار.
ث‌- ان اضطراب سوريا والعراق وتدفق اللاجئين من البلدين وعودة الأردنيين والفلسطينيين من الكويت جعل معدل النمو الاقتصادي في الاردن يتراوح حول 2.3% علما انه قبل الربيع العربي وصل الى 5.5%
ذلك يعني ان نتائج تقاربنا مع السياسة الامريكية يكلفنا احيانا خسارة اقتصادية تفوق معدل المساعدة الأمريكية، ألا يستحق ذلك محاورة النفس؟
كل هذا ، ألا يستحق اعادة النظر في ” تحالفات الاردن” التاريخية ؟ وبالقطع التحالفات الجديدة المفترضة ليست دون ثمن ، وفي العلاقات الدولية لا يوجد لا بر ولا احسان، ولكن الا يستحق هذا السيناريو المقترح التفكير فيه بهدوء وتدريجيا وبعيدا عن الضجيج..انها دعوة للحساب الهادئ، ولكنها دعوة من منظور المجتمع والدولة ، اما الحساب الضيق فمسالة أخرى، فالقوى المتناحرة على منطقتنا لكل منها مشروع ، بعضها دولي ( امريكا، الاتحاد الاوروبي، الصين، روسيا ، اليابان) واقليمي ( تركيا ، ايران ، اسرائيل)…فلماذا لا نقيس المسافة المحتملة مستقبليا بيننا وبين الحليف التقليدي ونقارنها بالمسافة المحتملة بيننا وبين الحلفاء المفترضين..فان وجدنا النتيجة ذاتها فلا بأس ان نبقي على ما نحن عليه، ولكن ماذا لو تبين ان النتائج في حال تغيير خريطة التحالف هي الأفضل، هنا يبرز السؤال : من يعطل التفكير في هذا البديل الاستراتيجي؟ أما ان لا نختار لا الحليف التقليدي ولا المحتمل فقد يكون صالحا بعد عبور عنق الزجاجة وليس الآن لان الحليف التقليدي والمفترض هم المسيطرون على كل الطرق….ربما.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى