مشكلة تندوف ـ حرب الرمال عام 1963م

    أثار التوجه الاشتراكي الذي اعتمده الرئيس احمد بن بيلا استياء الحكومة المغربية خوفاً من إثارة قوى المعارضة في المغرب([1]) , فبعد قرار التأميم الحاسم في الجزائر بدأت مطالبة الوطنيين المغاربة بالإصلاح في المملكة المغربية  ولذلك تأزمت العلاقة بين الحكومة المغربية والجزائر كان من نتائجها مشكلة الحدود كوسيلة ضغط ضد حكم الرئيس بن بلة ونظامه الاشتراكي([2]) .

      حاولـت المغـرب بعـد استقـلال الجزائر إيجاد حل لمشكلة الحدود بينهما([3]) , مستخدمـة أسلـوبين الأول العسكـري , والـذي حاول أعطاء عناصر ضغط للمـوقف المغـربي أثناء المفاوضات مـع الجزائر , إذ حاولت القـوات المغربيـة احتـلال ( كولومب بيشار , وحساس بيدا وتنجوب )

والتي تقـع ضمـن الحـدود الجزائريـة , والأسلوب الثاني , التفاوض فقد عمدت المغرب إلـى التفاوض  مـع وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقه([4])

من اجل تسوية النزاع اجتمع الطرفان يوم الخامس من تشرين الأول عام 1963م في مدينة وجدة في المغرب وقدَّم الطرفان مجموعة من خرائط ووثائق المعهد الجغرافي الفرنسي , وأكَّد كل منهما بأحقية تندوف الغنية بالحديد لاستغلالها لصالحه , إلا أن تلك المفاوضات فشلت وتصدعت العلاقات بينهما بسبب اختلاف الرؤية والاتجاه فالمغرب دولة ليبرالية تميل إلى الكتلة الغربية مدعومة من قبلها  أمّا الجزائر فهي ذات اتجاه اشتراكي كما ورد سابقاً([5]) إلا أن ظروف الجزائر لم تكن ملائمة لمناقشة تلك الادعاءات المغربية , التي ادعى فيها المغرب بضم منطقة غار جبيلات التي عدَّت أغنى مناجم الحديد في العالم إلى الجزائر من قبل فرنسا([6]) .

      بدأت القوات المغربية باجتياح الأراضي الجزائرية يوم الثامن من تشرين الأول 1963م بجيش نظامي مجهز بالآليات , ووقع الاعتداء على مناطق برج لطفي وحاسي منيروبونو, وحاسي بيضا وتنجوب([7]) وكان الاعتداء معداًً له مسبقاًً بدليل الحملات الصحفية التي سبقت الاعتداء في كل من فرنسا وأمريكا والمغرب  والتهيؤ والتمركز العسكري على طول الحدود بين البلدين([8]) بالمقابل قامت القوات الجزائرية بالهجوم على حاميتين  مغربيتين , وقتلت جميع جنودها وحرقت معداتها , وحاصرت فيجيج وأيش بدعم مصري([9]) واستمر القتال بين الطرفين بعد أن تلقت الجزائر مساعدات مصرية عبارة عن طائرات , وأسلحة لارتباط الرئيس بن بيلا بمصر , وأرسلت له كوبا ثلاث سفن محملة بالسلاح يوم التاسع عشر من تشرين الأول من العام نفسه ولكنها لم تستعمل بل لإعادة توازن القوى بين البلدين المتنازعين([10]) .

      تخلَّلَ تلك الفترة الساخنة العديد من المبادرات العربية والإفريقية فقد تدخل الأمين العام لجامعة الدول العربية ، واتصل بسفير المغرب بالقاهرة , والقائم بالأعمال الجزائري في القاهرة , وطالبهما باسم التضامن العربي وقف القتال فوراً ودعوة الحكومتين إلى سحب قواتهما المسلحة والمبادرة إلى وقف الحملات الصحفية والإذاعية ضماناً لإيجاد جو هادئ([11]) .

      واصدر مجلس الجامعة بعد اجتماعه يوم التاسع عشر من تشرين الأول قراراً بدعـوة حكومتي المغرب والجزائر إلى وقف أطلاق النار فـوراً , واصدر

قراره الثاني يوم العشرين من تشرين الأول بتأليف لجنة وساطة من رؤساء وفود لبنان وتونس والجمهورية العربية المتحدة , ولكن أي من القرارين لم يوضع موضع التنفيذ بسبب عدم جدية الجامعة العربية في حل النزاع , ولم يتجاوز كونـه حبراً على ورق لرفض المغرب تلك القرارات([12]) .

      إن إخفاق الجامعة العربية جاء بسبب عدم وجود أجهزة فنية قادرة على تولي تلك المهمة([13]) والارتباط المصري الجزائري اضعف إمكانية الجامعة من القيام بدور ايجابي من اجل التسوية([14]) وتدخلت منظمة الوحدة الأفريقية([15]) لحل المشكلة بين الطرفين وعقد مؤتمر قمة رباعي في باماكو([16])  ضمَّ إمبراطور أثيوبيا  والملك الحسن الثاني , والرئيس المالي والرئيس احمد بن بيلا يوم التاسع والعشرين مـن تشرين الأول عام  1963م واصدر بياناً كانت الوثيقـة الوحيـدة التي قامت عليها تسوية  النزاع بين الدولتين وتم الاتفاق على وقف إطـلاق النـار ابتداءً من يوم الثاني من تشـرين الثاني مـن العـام نفسـه , وتكوين لجنـة عسكريـة مـن ضباط الـدول الأربع لتحديد  المناطق التـي تنسحب منها القوات المغربية والجزائرية

وتأمين سلامة وحياد المنطقة مع تكوين لجنة مراقبة وقوة عسكرية محايدة ترابط في المنطقة المنزوعة السلاح وامتناع الطرفين المتنازعين من مهاجمة كل منهما الآخر , وبحث مشكلة الحدود موضوعياً وإنهاء الحملات الإعلامية بين الدولتين فضلاً عن التأكيد على ضرورة اللجوء لحل المنازعات المستقبلية عن طريق المفاوضات .

      وعقد مؤتمر آخر في ابيدجان للفترة من الثاني إلى السادس عشر من كانون الأول لتذليل العقبات إلى حد كبير بجهود الدبلوماسية الأفريقية([17]) .

      لقد اظهر الجيش المغربي نفسه بصورة جيدة أنَّهُ قادر على التعامل مع الهجمات الجزائرية ضد العنف الموجه ضده من الجزائر والقاهرة وأثبتت الحكومة المغربية صلابتها تجاه المشكلة وامتلاكها التقنية والمهارة العالية والتفاهم الفعلي بين المسؤولين المغاربة([18]).

      إن السبب الحقيقي والرئيسي لذلك الصراع بين المغرب والجزائر يكمن في أسباب عدة أهمها اقتصادية بسب ظهور الحديد بكميات كبيرة في المناطق الحدودية بين البلدين وأخرى سياسية فالمغرب كانت له دوافع لتعديل الحدود منها ضم موريتانيا إلى المملكة المغربية كونها جزءاً لا يتجزأ منها وإيواء الرئيس احمد بن بيلا للمعارضة المغربية([19]) وخوف الملك الحسن الثاني من تنامي قوة المعارضة في بلاده([20]) أمّا عن نتائج الحرب فقد كان النجاح العسكري المغربي واضحاً في تلك الحرب لأسباب عدة منها :

  1. لأن المغرب نالت استقلالها قبل الجزائر فأصبحت ذات نظام مؤسساتي قوي وإن الجيش المغربي كان أكثر تنظيماً وأحسن استعداداً من الجيش الجزائري .
  2. استخدم الجيش الجزائري لحرب العصابات دون الحرب النظامية سبب خسارته لأن المنطقة الصحراوية لا تصلح ألا للحرب النظامية .
  3. إن المنطقة المتنازع عليها كانت اقرب إلى تمركز القوات المغربية منها إلى تمركز القوات الجزائرية فكانت عملية نقل الجيوش والمعدات أسهل بالنسبة إلى المغرب([21]) .
  4. النزاعات الداخلية التناحر في الحكومة الجزائرية بين القوات المسلحة والقيادات السياسية الأخرى .

      لقد ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية لأن لها مصالح هناك على الملك الحسن الثاني باتجاه القيام بحل سريع لحل المشكلة مع الجزائر , بعد وصول الإمدادات المصرية والطائرات خوفاً من اتساع نطاق الحرب([22]) .

      لقد انعكست آثار تلك الحرب المحدودة على مسالة الصحراء الغربية وولَّدت شعوراً خفياً بالعداء بين النظامين , ومحاولة كلا الدولتين الاستعداد للتوسع والكسب السياسي على حساب الدولة الأخرى ونتج عن ذلك تحويل الطاقات الشعبية من النضال للوحدة إلى التعصب للنزعة القطرية والإقليمية الضيقة([23]) .

      نجم عن تلك الحرب واختلافات الحدود التي وضعها المستعمر الفرنسي أن توترت العلاقات وصعدت المواقف بين البلدين الشقيقين([24]) , بينما وقفت فرنسا موقف المتفرج , والتزمت الحياد من النزاع على الحدود , وهو تأكيد لوجهة النظر الجزائرية التي خرجت بالقسم الأكبر من الصحراء الكبرى([25]) .

      يتضح ممّا سبق أن من إفرازات الحرب تجاه كلا الدولتين توجههما إلى أحلاف مختلفة , فالمغرب اتجهت إلى المعسكر الرأسمالي كلياً , بالمقابل اتجهت الجزائر إلى الدول الشيوعية وانتهاء الحرب دون إلقاء اللوم على احد البلدين .

 (1)محمود عبد الرحيم , أسرار العدوان المغربي على الجزائر , (د,م) , (د.ت) , ص34

  (2)المصدر نفسه,ص53-54

  (3)إن الحدود بين البلدين حددتها اتفاقية (لامارينا ) عام 1845 , إذ بموجبها رسمت الحدود بحيث تمتد حوالي (100) ميل بين البحر المتوسط , ومنطقة تنيه الساس في جبال الأطلس , وقد حدَّدت الاتفاقية أسماء القبائل التابعة لكلا البلدين , تاركة الصحراء المشتركة بين المغرب والجزائر , تحت ممارسة سلطات الاحتلال طبقاً لاختصاصات السيادة كل على رعاياه في تلك الصحراء بحجة خلو ذلك الإقليم من المساكن ممّا جعل أمر تحديد الحدود عديم الجدوى , وبعد استقلال المغرب كانت الجزائر تكافح في سبيل  التخلص من الاستعمار , اتفقت المغرب والجزائر على تأجيل قضية الحدود بينهما إلى ما بعد انتهاء الحرب مع فرنسا وبلقاء الملك الحسن الثاني والرئيس فرحات عباس تم إقرار المعاهدة فيما بينهما بخصوص قضية الحدود التي جرت يوم السادس من تموز 1961 لم تنشر نصوصها إلا يوم الثاني من أيلول بعد اشتداد النزاع على الحدود بين البلدين . بطرس بطرس غالي  الدبلوماسية العربية في مواجهة النزاعات الإقليمية , ص23

(4) عبد العزيز بو تفليقة : ولد يوم الثاني من آذار عام 1937 بمدينة وجده قرب تلمسان غرب الجزائر , لم يكمل تعليمـه الثانوي , وانضم إلى جيش التحرير الوطني عام 1956 , أصبح قائد احد الكتائب في الجبال كان الرجل الذي اتصل بأحمد بن بلة في فرنسا قبل الاستقلال للتحالف مع قيادة الأركان لإسقاط الحكومة المؤقتة , شغل منصب وزير الشباب والرياضة ووزير السياحة , ثم منصب وزير الخارجية في حكومة الرئيس احمد بن بيلا , واستمر في منصبه إلى عام 1979 , تولّى رئاسة الجمهورية الجزائرية عام 1999 . Alf Andrew Heggoy , op cit , p, 94

 (1)وسام طه علوان , المصدر السابق , ص89

(2)  نبيه الأصفهاني , التطورات الجديدة فـي مشروع المغرب الكبير , مجلـة السياسة الدولية , القاهرة , مجلد(6) , العدد(22) , السنة (6) , 1970 , ص101

 (3)تقع مناطق حاسي منيروبونو , وحاسي بيضاء وتنجوب شمال تندوف لا يفصل احدهما عن الأخر 40 كم2

  (4)محمود عبد الرحيم , المصدر السابق , ص33

 (5)عبد الوهاب بن منصور , ملف الصحراء الغربية , الرباط ,1984 , ص23

  (6)احمد منصور , الرئيس احمد بن بلة , يكشف أسرار ثورة الجزائر , بيروت ,2007 , ص257

   (7)بطرس  بطرس غالي , الدبلوماسية العربية في بمواجهة النزاعات الإقليمية ,  ص25

  (1)بطرس بطرس غالي , المنازعات الأفريقية وتسويتها بالطرق السلمية  , مجلة السياسة الدولية , القاهرة , مجلد (4) , العدد (13) , السنة (4) , 1968 , ص127

  (2)نص ميثاق الجامعة العربية بمادتـه الخامسة علـى فض المنازعات بالطرق السلمية بالقول (( لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة )) كما نصت المادة التاسعه عشره من الميثاق نفسه على (( لجعل الروابط بين الدول الأعضاء امتن وأوثق يجب إنشاء محكمة عدل عربية )) وكان مشروع إنشاء محكمة عدل عربية موضـوع قرارات عدة واجتماعات مختلفـة لم تظهر إلـى حيز الوجـود . بطرس بطرس غالي , العمل العربي المشترك في أطار الجامعة العربية , مجلة السياسة الدولية , القاهرة , المجلد (6) , العدد (20) , السنة (6) , 1970 , ص17

(3)  بطرس بطرس غالي , العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية  , ص18

 (4)منظمة الوحدة الأفريقية : عقد مؤتمر القمة الأفريقي التأسيسي في أديس أبابا بإثيوبيا يوم الثالث والعشرين من أيار عام 1963 , وانبثق عنه ميثاق  المنظمة والذي تضمن ديباجة و(33) مادة والذي أكد على التسوية السلمية للمنازعات  الأفريقية – الأفريقية عن طريق  التفاوض والوساطة والتحكيم من خلال الفقرة (4) من المادة (3) وجاء انبثاق المنظمة لحل المنازعات بين الدول المستقلة حديثاً والحاملة لتبعات الإرث الاستعماري ونتائجه , بطرس بطرس غالي  , منظمة الوحدة الأفريقية , القاهرة , 1964 ص61-62 ؛ احمد نجم فليجه , المصدر السابق , ص 122

 (5)باماكو عاصمة جمهورية مالي

(1) Samir Amin , op , cit , p, 216 .

(2)  Nevill   Barbour , op , cit , p, 217 .

 (3)منهم : عبد الرحمن اليوسفي ,  وسعيد بن عبلات , وحسن الأعرج , والبصري  , احمد منصور , المصدر السابق , ص261

  (4)محمود عبد الرحيم , المصدر السابق , ص34 ؛ المهدي بن بركة , الاختيار الثوري في المغرب , بيروت , 1965 , ص160 – 163

(5)  بطرس بطرس غالي الدبلوماسية العربية في مواجهة المنازعات الإقليمية , ص24

  (1)احمد منصور , المصدر السابق , ص258

(2)  محمد تاج الحسيني , المغرب العربي بين واقع التجزئة  وآمال الوحدة , مجلة الوحدة ,  الرباط , العدد (53) السنة (5) , 1989 , ص127

  (3)يوسف حمدان , الصحراء الغربية إقليم مغربي وإشكالية وطنية داخلية , مجلة دراسات وبحوث الوطن العربي , بغداد , العدد (8) , 2000 , ص298

 (4)صلاح العقاد , العلاقات الدولية بين الجزائر وفرنسا , مجلة السياسة الدولية , القاهرة , مجلد(7) , العدد (23) , لسنة(7) , 1971 , ص54

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button