معارك الشرق الاوسط – وليد عبد الحي

منذ أن نشر Leon Carl Brown دراسته عام 1984 حول النظم الاقليمية المخترقة تزايدت أدبيات ” النظم الاقليمية المخترقة ” والتي وصلت كلها – حسب علمي- الى نفس النتيجة التي وصل لها براون وهي أن ” الشرق الاوسط هو أكثر نظم العالم الاقليمية المخترقة.
ما معنى النظم المخترقة؟ انها تعني غلبة استجابة النظام الاقليمي لمطالب البيئة الدولية الخارجية على حساب مطالب البيئة الاقليمية الداخلية، وهو الامر الذي لا يتم الا من خلال توفر آليات للقوى الخارجية لتكييف القرار الاقليمي طبقا لمصالح تلك القوى الخارجية.
ولفهم الحالة الجيواستراتيجية الشرق أوسطية لا بد من التوقف عند الملامح الكبرى لهذا الاختراق في اطار استراتيجيات البيئة الدولية:

أولا: معارك الاستراتيجيات الدولية:
1- معارك الاستراتيجيات الدولية:
أ‌- استراتيجية امريكية لتوسيع نطاق عمل حلف الناتو جنوبا وشرقا(الشرق الاوسط الكبير)، أي توظيف الناتو في تحقيق التمدد الأمريكي حول روسيا وفي طريق تمدد المشروع الصيني(الحزام والطريق)، ولعل مطالب ترامب بزيادة نصيب بقية الاعضاء في الناتو في نفقات الحلف الدفاعية هو مؤشر على الرغبة في تخفيف اعباء التمدد الأمريكي، والعامل المساعد في ذلك هو زيادة نصيب الدول الاوروبية(مما يخفف من العبء الامريكي) وزيادة شراء الاسلحة من دول الشرق الاوسط( الذي يحتل حاليا النسبة الاعلى بين اقاليم العالم في نفقات الدفاع قياسا لإجمالي الناتج المحلي ) وتحميل دول الشرق الاوسط أعباء تواجد القوات الامريكية في قواعد عسكرية في المنطقة.
ب‌- استراتيجية الحزام الواقي الروسية: تشير وثائق الرئاسة الروسية ووثائق الخارجية الروسية الى ان الشرق الاوسط( غرب آسيا بالتعبير الروسي والصيني) هو خط الدفاع الأول عن ما يسمة الجوار الروسي القريب ، وعن وحدود عمل منظمة شنغهاي التي تتحول تدريجيا باتجاه الدور الامني، ويعزز الوجود الروسي والصيني الضغط نحو ” التعدد القطبي”، ومنع الاسلام السياسي من التمدد للقلب الروسي في داغستان والشيشان وغيرهما ، ناهيك عن المنافسات حول طرق تمرير او استغلال الغاز والنفط لأوروبا ولآسيا.
ت‌- استراتيجية مبادرة الحزام والطريق الصينية: أي التمدد برا وبحرا باتجاه أوروبا عبر الجغرافيا الشرق اوسطية، وهو ما يستدعي تسوية النزاعات داخل الاقليم ومنها النزاع العربي الصهيوني وتفكيك الاسلام السياسي خوفا من تمدده لمناطق المقاطعات الغربية الصينية التي يغلب عليها اليغور المسلمون ، وتنمية البنيات التحتية لدول الشرق الاوسط في كل من الدول العربية وايران واسرائيل معا.
ث‌- استراتيجية الجوار القريب الاوروبية: تشكل أوروبا الشريك التجاري الاول لدول الشمال الافريقي العربي ، الى جانب انعكاس الاضطرابات العربية على البنية السكانية الاوروبية من خلال المهاجرين وانتقال العنف الى أوروبا وتنمية النزعات اليمنية المتطرفة، وهو ما يدفع اوروبا للعمل على ضبط ايقاعات التفاعلات في الشرق الاوسط
ج‌- الاستراتيجية الميركنتيلية اليابانية : تدرك اليابان ان النفقات الدفاعية في الشرق الاوسط تمتص القدرات المالية التجارية المدنية للمنطقة، وتدرك اليابان ان قدرتها على المنافسة مع القوى الكبرى الاخرى في مجال مبيعات السلاح تكاد ان تكون صفرا، وعليه ترى اليابان ان استراتيجية التسويات يتيح للمنطقة التوجه نحو السلع المدنية التي تستطيع اليابان ان تنافس فيها منافسة قوية لكل القوى الأخرى.

ثانيا:معارك الاستراتيجيات الاقليمية
2- معركة تحويل الصراع من اسرائيل الى ايران( الولايات المتحدة وبعض القوى الاوروبية)
3- معركة التخلص من سلاح المقاومة اللبنانية وسلاح قطاع غزة وتفكيك الحشد الشعبي في العراق(توجه غربي ومحاولة روسية صينية لاستثماره في حدود معينة)
4- معركة تصفية الاسلام السياسي المسلح في الدول العربية( نظرا لتهديده لحلفاء الدول الغربية أحيانا ونظرا لهوج هذا الاتجاه في إدارة تفاعلاته مع عالم معقد للغاية ، ونظرا لخوف روسي وصيني من التمدد نحوهما)
5- معارك التنوعات الاجتماعية ( القومية والمذهبية والطائفية) حيث يتم توظيف هذه التنوعات كذرائع للتدخل (امريكا واسرائيل وبعض الاوروبيين تجاه الاكراد) ومحاولة استنساخ ظاهرة جنوب السودان في المغرب العربي او المشرق العربي بل وفي تركيا وايران.
6- معركة دمج الشرق الاوسط في ميكانيزمات التكيف الرأسمالي( توظيفه في امتصاص الأزمات الدورية للنظام الرأسمالية)، فالاستثمارات العربية في الخارج (في الدول الراسمالية بشكل رئيسي ) يصل الى حوالي 2400 مليار طبقا لتقديرات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، بينما حجم التجارة العربية تجاوزت التريليون دولار في المعدل خلال العشر سنوات الأخيرة، وعليه فالتحديث والديمقراطية والتنمية السياسية هي آليات ستسعى الدول الكبرى الى تكييفها (كل بطريقته) لصالحها.

ثالثا: مصفوفة التفاعل المتبادل بين البعدين الدولي والاقليمي.
ما سبق يستدعي وضع مصفوفة تضم 11 مؤشرا ( الدولي والاقليمي) ثم دراسة تأثير كل مؤشر على المؤشر ات العشر الاخرى، ثم تحديد ما هي المؤشرات الاكثر ” تأثيرا ” على بقية المؤشرات ثم تحديد أكثر المؤشرا ” تأثرا”..عندها يمكن اعتبار المؤشر الاكثر تأثيرا والأكثر تأثرا هما قاعدة بناء السيناريوهات…ربما.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button