دراسات سياسية

مفاهيم سياسية: تطور مفهوم الهوية (الجزء الأول)

 الهوية لغة واصطلاحا

1- الهوية لغةً

جاء في (المعجم الفلسفي) أن مصطلح “الهوية ليست عربيا في أصله ، وإنما اضطر إليها بعض المترجمين، فاشتق هذا الاسم من حرف الرباط، أعني الذي يدل على ارتباط المحمول بالموضوع في جوهره، وهو حرف (هو)”([1]). وهناك من يميّز بين (الهَوية- بفتح الهاء) و(الهُوية- بضم الهاء)، حيث يرى احد الباحثين بأن معنى (الهَوية- بفتح الهاء) يختلف اختلافاً بيّناً عن معناها (بضم الهاء)([2])، فالهَوية (بفتح الهاء) تعني على الصعيد المعجمي العربي القديم، وكما جاء في (لسان العرب)، “المَزيّة” البئر بعيدة المهوان، والهُوّة، البئر أو الحفرة البعيدة القعر([3]). أما كلمة (الهُوية) (بضم الهاء)، فهي كلمة “جديدة طارئة على اللغة العربية”، حيث إن مصطلح (الهُوية) لا يمت في حد ذاته بصلة إلى جوهر اللغة العربية “فهو طارئ عليها”. إن المعاجم العربية القديمة تخلو من كلمة (الهُوية- بضم الهاء)، ولا نجد هذه الكلمة لا في المعاجم الحديثة مع ذلك فإنها قد استقرت كاصطلاح له تعريفاته التي تعكس مفهوم المعرفين له”([4]).

ويشرح لنا (فتحي المسكيني) طبيعة التمايز والتشابه بين (الهَوية والهُوية) وأصلهما في اللغة العربية، فيقول بأن “فلاسفتنا القدامى قد استعملوا لفظة (هُوية) المتحولة من الضمير المفرد المذكر الغائب (هو)، بوصفه مقابلاً للفظة (إسنين) في اليونانية و(هسسن) في الفارسية، للدلالة على وجوه المعنى الذي أقره أرسطو لمفهوم الوجود، وأن لفظة (الهُوية) مستعملة في ترجمة (مابعد الطبيعة)، التي فسرها (ابن رشد) للدلالة على معنى (الوجود) في اليونانية”([5]). ويضيف قائلا :”ان الانزياح من لفظة (هُوية) من المعنى الانطولوجي (الوجودي) الدال على معنى الوجود، كما استعمله الفارابي وابن رشد، إلى المعنى الابستمولوجي (المعرفي) الحديث للأنا معمول به منذ ديكارت إلى كانط، هو واقعة فلسفية”(، وبذلك ثم التحول من “(الهُوية) الوجود (الانطولوجيا) إلى (الهُو) الفينومينولوجي (الظاهراتي) الذي استكشفه المحدثون، وأيضاً إلى الطرح الانثروبولوجي (علم الاناسة- الإنسانيات) والثقافي لمسألة (الهَوية) كما صار شائعاً اليوم”. فإذن حسب رأي (فتحي المسكيني) فإن “لفظة الهَوية- identite” في مستوى اللغة العادية العربية الحديثة  (غير الفلسفية)  تشير إلى (نحن) انثروبولوجية وثقافية،  يختلف عن (الهُوية ipsete) التي تقع في مستوى اللغة الفلسفية، نحن نشكل لفظة (الهَوية- بفتح الهاء)، حتى نميزها عن لفظة (هُوية- بضم الهاء)، وإن كان هذا مجرد استحداث للفصل، كما في الفرنسية بين مصطلحي (identite وipseite) فهو اختيار له دلالة تأويلية”([6]). إذاً هناك عدة تحولات (انزياحات) من (هُو) نحوي (ضمير مفرد مذكر غائب هو) إلى (هُو) منطقي إلى (هو) انطولوجيا (وجودي)، ومن ثم إلى (هُوية) أنطولوجية في الفلسفة العربية إلى (هَوية) أنثروبولوجية وثقافية في نظام الخطاب السوسيولوجي- التاريخي([7]).

وجاء في (لسان العرب) حول الهوية هوية (فلسفية)، منطقياً: الوجود الفردي المتعين في مقابل الماهية، صوفياً: تدل على الذات العلية على أنها هي دون حاجة إلى بيان صفة، والغيبية: هنا في مقام الحضور والشهود، الهوية، حقيقة الشيء التي من حيث تميزه عن غيره ، وتقال الهوية بالترادف “على المعنى الذي ينطبق عليه اسم الموجود وهي مشتقة من الهو كما تشتق الإنسانية من الإنسان، وإنما فعل ذلك بعض المترجمين لأنهم رأوا أنها أقل تغليظاً من اسم الموجود إذ كان شكله شكل اسم مشتق، و(مبدأ الهوية) صيغته (أن الموجود هو ذاته)، أو (هو ما هو)، هذا المبدأ يهيمن على الأحكام والاستدلالات الموجبة، وشأنه أن يجعلنا نحرص على ألا نخلط بين الشيء وما عداه، (أن نضيف للشيء ما ليس له) ([8]). هكذا تكون لفظة (الهُوية) قد دخلت إلى اللغة العربية كترجمة لـ(الوجود) ، وهي “اسم مرادف لاسم وحدة الوجود، قال الفارابي: هوية الشيء هو غيبته وتشخصه وخصوصيته ووجوده المنفرد له، كلُ واحد، وقولنا إنه هو إشارة إلى هويته وخصوصيته ووجوده المنفرد له الذي لا يقع فيه اشتراك”([9]).

والهوية عند بعضهم “هي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق، وتطلق الهوية على الشيء من جهة ما هو واحد، وتطلق الهوية على الشخص، إذا ظل هذا الشخص ذاتاً واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده”([10]).

ويعرف (الجرجاني)، الهوية “هو الأمر المتعقل من حيث امتيازه عن الأغيار، والامتياز هذا بمعنى الخصوصية والاختلاف لا يعني التفاضل، وعلى هذا فانتفاء خصوصية الشيء هو انتفاء لوجوده ونفيه” ([11]).

ويذهب رأي آخر إلى تحديد معنى مغاير للهوية، حيث يقول إنها “تضاف إلى الكلمة (بطاقة)، أو توصف بالنعت (الشخصية)، لتجعلنا نحصل على المصطلح (بطاقة الهوية أو البطاقة الشخصية) المتداولين حديثاً، فيذكر أن الهوية بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله”([12]). وجاء في (دليل أكسفورد للفلسفة) حول الهوية، بأن “الهوية بوصفها حالة الكينونة المتطابقة بإحكام أو المتماثلة إلى حد التطابق التام أو التشابه المطلق، والكينونة، هنا تتعلق بالشيء المادي أو بالشخص الإنساني”. إن الأمر يتعلق بالتطابق التام بين باطن الشيء وظاهره، أو بتماثل الشكليات الظاهرة لأية كينونة مع جوهرها العميق بلا انفصام أو انشطار مهما كان ضئيلاً”([13]).

والهوية في اللغة الإنكليزية هي (Identity) المشتقة من (ident أو idem) اللاتينية، وتعني الشيء ذاته (Sameness) أو (Likeness)([14]). وتعني في المعاجم اللغوية الإنكليزية عدة معاني منها ؛ حقيقة بقاء الشيء كما هو عليه وتحت أي ظروف مختلفة، وتعني أيضاً كينونة الذات أو الشيء وتميز هذه الذات عن غيرها، والخاصية التي تجعل شخصاً ما معروفاً أو متعيناً، أو حقيقة بقاء شيء معين ثابتاً ومعروفاً، كما تدل ايضاً على التشابه التام في الطبيعة أو النوعية والمماثلة التامة([15]). و يشار أيضاً إلى (الهوية) كـ(بطاقة الهوية- Identity Card) بأنها تلك البطاقة الرسمية التي تحمل البيانات الشخصية حول الشخص الذي يحملها([16]). وتعني كلمة (identity) أيضاً تعيين أو تأسيس الهوية عن طريق إثبات أن الشخص أو الشيء المعين هو ماهو عليه، كما تعني التساوي أو التطابق، وتعني أيضاً التماهي أو تقمص الهوية (هوية ما)([17]).

2–  الهوية اصطلاحاً

        تعاني المفاهيم، وكما هو الحال في العلوم الإنسانية بصورة عامة والعلوم الاجتماعية والسياسية بصورة خاصة، من إشكالية في التعريف وتحديد المعنى باختلاف الزمان والمكان أو اختلاف المنطلقات الفكرية التي تتناول هذا المفهوم أو ذاك، أو المجال المعرفي والعلمي في البحث والدراسة. ومفهوم الهوية كما يقول هنتنغتون “لا يستغنى عنه، وفي الوقت نفسه غير واضح، إنه متعدد الأوجه، تعريفه صعب، ويراوغ العديد من طرق القياس العادية”([18]). وعلى الرغم من البساطة الظاهرية التي يتبدى فيها هذا المفهوم فإنه وعلى خلاف ذلك “يتضمن درجة عالية من الصعوبة والتعقيد والمشكلة، وذلك لأنه بالغ التنوع في دلالاته واصطلاحاته”([19]). ويقول رأي آخر بأن مفهوم الهوية ” على قدر كبير من الأهمية، والذي أثار ولا يزال جدلاً واسعاً في صفوف المثقفين، ليس فقط فيما يختص بتعريف المفهوم بل حتى فيما يتعلق بوجوده”([20])، ويقول هذا الرأي أيضاً بأنه يتبادر إلى الذهن أن الهوية شيء محسوس يمكن وضع آلية عليه وصياغته ضمن تعاريف محددة، وأن هناك شيئاً محدداً يمكن أن نسميه الهوية لمجتمع ما ولكن الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى، فما أن تحاول وضع تعريف للهوية حتى تقف أمامك تساؤلات تجبرك على إعادة النظر في ذلك التعريف حتى لتكاد تنتهي إلى أمور هي من فئة تحصيل حاصل([21]).

        ويقول (أمين معلوف) حول مفهوم الهوية “لقد علمتني حياة الكتابة أن أرتاب من الكلمات، فأكثرها شفافية غالباً ما يكون أكثرها خيانة، وإحدى هذه الكلمات المظللة هي كلمة (هوية) تحديداً، فنحن جميعاً نعتقد بأننا ندرك دلالتها ونستمر في الوثوق بها وإن راحت تعني نقيضها بصورة خبيثة”([22]). إذاً مفهوم الهوية مثل معظم مفاهيم العلوم الاجتماعية مفهوم هلامي وواسع يحتمل الكثير من المعاني والتفسيرات وكثيراً ما يتم خلطه مع مفاهيم أخرى مثل (الثقافة، الخصوصية، القومية، الأصالة)، أو يستخدم بدلاً من هذه المفاهيم، وذلك لتداخلها وتشابهها مع تلك المفاهيم([23]). إذاً يعتبر مفهوم الهوية من المفاهيم الحديثة التي ترتبط بالوجود والذات والتراث الثقافي، مثلما ترتبط بالتعدد والتنوع والاختلاف والتغيير، أو بالتشابه والتماثل والثبات الاجتماعي في صيغها المختلفة ومستوياتها المعرفية المتنوعة وكذلك في سياقاتها المتعددة التي تنتج وعياً اجتماعياً يثير تساؤلات تقترب بالهوية من حيث دلالاتها وأبعادها ومكوناتها الأساسية وعلاقاتها بما هو ثابت ومتغير من عناصرها، ومن حيث هي وعي متوتر وملتبس في علاقتها مع مكوناتها من جهة ومع الآخر من جهة ثانية ([24]). ووصف الباحث البارز في الهوية في القرن العشرين (إريك إريكسون) هذا المفهوم بأنه منتشر في كل مكان، لكنه غامض ولا يسبر غوره أيضاً([25])، وهناك من يقول بأن الهوية كالإثم لا نستطيع النجاة منه مهما عارضناه([26]).

        ولكن كل هذه التصورات والآراء المتخوفة من مفهوم الهوية ومع كل ما يحيط بهذا المفهوم من التعقيدات والغموض، يجب ألا تمنع من السعي لتحديده وتعريفه في العلوم الاجتماعية والسياسية بعد أن حددناه وعرفناه لغوياً وقاموسياً كضرورة حتمية للبحث العلمي للتعرف على خصائصه وانواعه ومكوناته وعناصره. وعن سؤال (كيف نعرّف الهوية؟) نجد لدى الباحثين أجوبة مختلفة، لكنها تتفق على فكرة واحدة مركزية تفيد بأن الهوية هي: إحساس الفرد أو الجماعة بالذات إنها نتيجة وعي الذات، بأنني أنا أو نحن نمتلك خصائص مميزة ككينونة تميزني عنك وتميزنا عنهم([27])، فالطفل الجديد قد يمتلك عناصر هوية ما عند ولادته بالعلاقة مع اسمه وجنسه وأُبوته وأمومته ومواطنيته، وهذه الأشياء في كل حال، لا تصبح جزءاً من هويته حتى يعيها الطفل (الإنسان) ويعرف نفسه بها، وهنا يتم التركيز على الوعي والإدراك في مسألة الهوية لأن العناصر والخصائص المعينة لا تصبح هوية معينة حتى يعيها الإنسان ويدركها ويستخدمها للتعبير عن هويته، ويطرح هذا التساؤل حول متى وكيف يتم تحديد هوية ما؟، إن الهوية كما عبرت عنها مجموعة من الباحثين “تشير إلى صور الفردية والتمييز الذاتية يحملها ويخططها ممثل ويشكلها ويعدلها مع مرور الزمن عبر العلاقات مع الآخرين”([28]). هكذا تكون الهوية على المستوى الفردي، ولكن يمكن تطبيق ذلك على المستوى الجماعي أيضاً، لتصبح في هذه الحالة صورة الجماعة وتميزها واختلافها عن الآخرين، وتكون الهوية في هذا التعريف في حالة التغير والتحول والتكون المستمر.

ويعرفها (اليكسي ميكشيللي) بأنها مركب من العناصر المرجعية المادية والاجتماعية والذاتية المصطفاة التي تسمح بتعريف خاص للفاعل الاجتماعي، والهوية بالنسبة للفاعل الاجتماعي “مركب من العمليات والأطروحات المتكاملة التي تفسر العالم وتأخذ صيغة تعبيرية خاصة تطلق عليها النواة الهوياتية، وتضرب الهوية الذاتية للفاعل الاجتماعي جذورها في غمار الإحساس بالهوية الذي يمنح الكائن الاجتماعي التماسك والتوجه الدينامي على نحو شمولي”([29]). ويمكن الاستنتاج مما تقدم بأن الهوية مجموعة من السمات المادية والمعنوية التي تسمح لنا بتعريف موضوع أو شيءِ معين، وتتكون من جانبين (موضوعي وذاتي)، الموضوعي؛ هو وجود مجموعة من السمات والعناصر، والذاتي؛ هو اصطفاء واختيار أي جزء من هذه السمات والعناصر. ويعرف (أنتوني غدنز) هذا المصطلح بأنه “السمات المميزة لطابع الفرد أو الجماعة بماهيتهم وبالمعاني ذات الدلالة العميقة لوجودهم”([30]). ويشير إلى أن مفهوم الهوية في علم الاجتماع متعدد الجوانب ويمكن مقاربته من عدة زوايا، فالهوية بشكل عام تتعلق بفهم الناس وتصورهم لأنفسهم ولما يعتقدون أنه مهم في حياتهم، ويتشكل هذا الفهم انطلاقاً من خصائص محددة تتخذ مرتبة الأولوية على غيرها من مصادر المعنى والدلالة، ومن مصادر الهوية؛ الجنوسة*، التوجه الجنسي، الجنسية، المنطلقات الإثنية، والطبقة الاجتماعية… الخ([31]). ويعرف (عز الدين المناصرة) الهوية عبر علاقتها بالسلوك واللغة والثقافة بأنها “مجموع قوائم السلوك واللغة والثقافة التي تسمح لشخص أن يتعرف على انتمائه إلى جماعة اجتماعية والتماثل معها، غير أن الهوية لا تتعلق فقط بالولادة، أو بالاختيارات التي تقوم بها الذات، لأن تعيين الهوية سياقي ومتغير”([32]).

وهناك مجموعة أخرى من تعريفات الهوية منها تعريف (محمد عابد الجابري) الذي يقول إن “الهوية وجود وماهية، وفي المجال البشري، مجال الحياة الاجتماعية على الأقل، الوجود سابق للماهية دوماً، الشيء الذي يعني أن الماهية ليست معطى نهائياً بل هي شيء يتشكل، يشيء، يصير”([33]).

ويعرفها (رشاد عبد الله الشامي) بأنها “الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والتي عن طريقها يتعرف عليه الآخرون باعتباره منتمياً إلى تلك الجماعة، وهي شفرة تتجمع عناصرها المكونة لها على مدار تاريخ الجماعة وتراثها الإبداعي وطابع حياتها”([34]). وحسب رأي (الشامي) فإن الملامح الحقيقية للهوية هي تلك التي تنتقل بالوراثة داخل الجماعة، وتظل محتفظة بوجودها وحيويتها مثل الأساطير والقيم والتراث الثقافي، وتحدد الهوية الشعور العميق الوجودي الأساسي للإنسان، ولكن على الرغم من وجود تأثير الوراثة في تحديد هوية ما، يجب أن لا ننسى الإضافات والتحولات التي تطرأ على عناصر هوية ما، وأيضاً دور الاختيار والاصطفاء للعناصر المستحدثة كانت أو وراثية للهوية. ويعرفها (ديفيد ميللر) بأنها “أنماط السمات التي يمكن ملاحظتها أو استنتاجها والتي تميز شخصاً في نظر نفسه ونظر الآخرين”([35]). ويقول (أمين معلوف) حول الهوية، بأنها مسألة فلسفية جوهرية منذ قول سقراط الشهير (اعرف نفسك بنفسك) وصولاً إلى فرويد مروراً بفلاسفة كثيرين آخرين، والتصدي مجدداً لهذا التحديد في أيامنا الراهنة، يحتاج إلى كفاية أكثر مما أملك، ولذلك نرى (أمين معلوف) يسعى إلى التبسيط في تحديد مفهوم الهوية بقوله بأن “هويتي هي التي تعني أنني لا أشبه أي شخص آخر”([36])، وهذه نزعة فردانية في النظرة إلى الهوية. ويقول (سليم مطر) إن مفهوم الهوية واسع وشامل لكل الخصوصيات، فرداً أو مجموعة، إن هوية الشيء تعني ماهيته وشخصيته الموحدة والدائمة التي تميزه عن باقي الهويات التي يتكون منها الوجود بكل معانيه”([37]). وباستقراء العينة السابقة من تعاريف الهوية، نلاحظ أن أغلبها يؤكد على أن هوية الإنسان هي حقيقته التي تميزه عن إنسان آخر، وأنه بالرغم من أن كل البشر متساوون، فإنه يمكن القول أن هوية الإنسان يحددها إنتماءه، حيث نلاحظ أن بعض التعاريف تربط بين الهوية والإنتماء مما يجعل الهوية محصلة الإنتماءات ويتجلى الإنتماء في تحديد عناصر وخصائص محددة ومصطفاة بوعي أو بغير وعي لتعريف الإنسان سواء كان فرداً أو جماعة.

واستخلاصاً من التعاريف السابقة لمفهوم الهوية لغوياً واصطلاحياً يمكن تعريف الهوية بأنها، (منظومة من الخصائص والعناصر المادية والمعنوية المكونة لوجود شيء ما والتي تميزه عن الأشياء الأخرى بصورة عامة على الرغم من وجود عناصر وخصائص متشابهة). وتكون العناصر والخصائص المحددة لهوية شيء ما على نوعين (عناصر وخصائص عامة قد تشترك معها الهويات الأخرى، وعناصر وخصائص خاصة ينفرد بها هذا الشيء). وبتطبيق هذا التعريف على الإنسان (الفرد)، تكون الهوية هي (كل ما يحدد وجود الإنسان وكينونته من العناصر والخصائص المادية والمعنوية)، وتكون هوية الجماعة هي كل ما يحدد وجود الجماعة البشرية وكينونتها من العناصر والخصائص المادية والمعنوية التي تميزها بصورة عامة عن الجماعات الأخرى بالرغم من وجود التشابه الجزئي بين الجماعات البشرية ولكن وجود كينونة متمايزة ومنفردة عن الآخرين لا يكفي في حد ذاته لتحديد هوية الجماعة ما لم يصاحبه وعي الجماعة بهذه الخصائص والعناصر المكونة لذاتها وإدراكها لها، وهنا يتدخل عنصر الإرادة البشرية في تحديد هويتها. ولكن الإرادة والوعي ليسا مايحسم مسألة الهوية بالمطلق لأنهما يعتمدان على ماهو موجود من العناصر والخصائص المكونة للذات سواء أكانت جماعية أو فردية، وتختار منها ما يناسب تصوراتها ومصالحها، نستطيع أن نقرر اذاً بأن (العناصر المادية والمعنوية) تعطي خصائص معينة وتحدد صورة عامة عن جماعية معينة، والوعي والإرادة والوعي يختاران ويصطفيان ما تعتقد الذات بأنه يمثلها ويعبر عنها وفق أسس ومعايير متنوعة تلعب فيها المصلحة دوراً بارزاً في اختيار واصطفاء عناصر الهوية (الفردية كانت أم الجماعية) بالإضافة إلى الظروف التاريخية وعوامل خارجية وداخلية (ذاتية وموضوعية)، أي البيئة الداخلية والبيئة الخارجية المحيطة بالجماعة وخاصة على الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية. وتلعب الهوية بالنسبة للذات للفردية أو الجماعية دوراً ذا بعدين أو اتجاهين من حيث إنها؛ تميز الذات عن غيرها وتكون موضع اعتزازها، أي أنها تعمل على الصعيد الخارجي. وتعمل أيضاً، على تحقيق التشابه والتجانس والاندماج داخل الذات الجماعية وبين أفرادها. وعلى المستويين الداخلي والخارجي، تستبعد الهوية كل الصفات والخصائص التي لا تعتز بها، وهنا تلعب المعتقدات والأفكار والأيديولوجيات دورها في تحديد العناصر والخصائص التي هي موضع الاعتزاز وما هو غير ذلك. وإذاً فإن الهوية تبنى على أساس الصورة التي تراها الجماعة لنفسها ولكن هذا أيضاً يحتاج إلى اعتراف الآخرين بهذه الصورة عن الذات، وهنا تبرز أهمية ودور الآخر في مسألة الهوية. وفي كل أنواع الهويات الجماعية تتعلق الهوية بالشعور بالإنتماء المشترك بين أعضاء المجتمع السياسية إلى شيء يعتبرونه مشتركاً بينهم. سواء كان هذا المشترك أرضاً (إقليماً جغرافياً)، أم ثقافة، أم دولة (كيان سياسي- الهوية الوطنية)، والرغبة في التفاني والتضحية في سبيله، ويعني هذا أن الهوية تقع فيما يطلق عليه الجانب الرمزي من السياسة، وتؤثر من خلاله من كافة الجوانب الأخرى في حياة الجماعة. وهذا مايقوله (سعد الدين إبراهيم) عندما يؤكد بأن مسألة الهوية تنطوي في الأساس على معانٍ رمزية وروحية وحضارية جماعية، تعطي الفرد إحساساً بالإنتماء إلى جسم أكبر، وتخلق لديه الولاء والاعتزاز بهذا الجسم الأكبر([38]).

مستويات الهوية وعناصرها

1- مستويات الهوية

        هناك عدة أنماط من تصنيفات للهوية، سواء تلك التي تقوم على أساس أنواعها أو على أساس مستوياتها، ولكننا في هذا المطلب نعتمد تصنيف الهويات إلى مستوياتها و سنتطرق لاحقاً إلى أنواعها.

        يحدد (محمد عابد الجابري) ثلاثة مستويات للهوية الثقافية؛ فردية وجمعوية ووطنية قومية، وتتحدد العلاقة بين هذه المستويات أساساً بنوع آخر الذي تواجهه، وهو يقول أن الهوية تتحرك في اطار ثلاث دوائر متداخلة ذات مركز واحد:- ([39])

  • الفرد داخل الجماعة الواحدة، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية (حزباً أو نقابة… الخ)، وهي عبارة عن هوية متميزة ومستقلة، أي عبارة عن (أنا) لها (آخر) داخل الجماعة نفسها، أنا تضع نفسها في مركز الدائرة عندما تكون في مواجهة مع هذا النوع من (الآخر).
  • الجماعة داخل الأمة، وهي كأفراد داخل الجماعة ولكل منها ما يميزها داخل الهوية العامة الكلية المشتركة، ولكل منها أنا خاصة بها و(آخر) من خلاله وعبره تتعرف على نفسها.
  • الأمة، وهو هوية جماعية ولكن أوسع من المستوى الثاني (الجماعة داخل الأمة)، إذ أنها أمة واحدة داخل الأمم الأخرى، غير أنها أكثر تجريداً وأوسع نطاقاً وأكثر قابلية وتنوعاً واختلافاً.

إذاً هناك ثلاثة مستويات للهوية الثقافية للإنسان، وهي الهوية الفردية الشخصية والهوية الجمعوية (الجماعة المحلية) والهوية الوطنية أو القومية، والعلاقة بين هذه المستويات ليست ثابتة، بل هي في مد وجزر دائميين يتغير مدى كل منهما اتساعاً وضيقاً بحسب الظروف وأنواع الصراع والتضامن و اللا تضامن التي تحركها المصالح الفردية والجمعوية والوطنية القومية([40]). ويبدو أن (محمد عابد الجابري) ينسى أو يهمل مستويات أخرى للهوية الجماعية لأن الجماعات البشرية، ومهما تمايزت كشعوب أو قوميات عن بعضها البعض توجد فيها مستويات أخرى للهويات الجماعية قد تتجاوز الشعوب والقوميات لتشمل عدة شعوب وأمم، وقد تكون هناك هوية جماعية ولكن بين القوميات والأمم،  كجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان أو الدفاع عن البيئة مثلاً، أو جماعات فنية وثقافية أو اقتصادية متعددة الجنسيات مابين الأمم والدول، وقد تكون هناك هوية جماعية ما فوق الأمم والقوميات أي عالمية إنسانية (أممية) كالهويات الدينية الهوية الإسلامية على سبيل المثال تجمع قوميات وأعراق وإثنيات وشعوب ودول مختلفة، ويكون الآخر في هذه الحالة الأديان والثقافات المسيحية أو البوذية أو الكونفوشيوسية، ونستطيع أن نحدد مستوى أوسع من الهوية الدينية وهو مستوى الهوية الإنسانية الكونية في مقابل الآخر غير الإنساني (الحيواني مثلاً)، وهذا المستوى قد يكون هو المستوى الأوسع للهوية الجماعية البشرية التي تشمل كل البشرية مهما كان بينها من اختلافات وتمايزات بحكم الهويات الفردية أو الجماعية (محلية كانت أو قومية أو ثقافية ودينية)التي يجمعها كونها إنسانية وهذا المستوى هو المعتمد في المواثيق والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان*، وهو أساس فكرة المساواة بين البشر أو الأفكار والفلسفات والنزعات الإنسانوية (Humanism).

وبقدر تعلق الامر بمفهوم الجماعة فهناك من يحددها بأنها وحدة جمعية حقيقية قابلة للملاحظة بشكل مباشر، وتقوم على أساس مواقف جمعية مستمرة ونشطة وتسعى إلى تحقيق هدف مشترك، وهي وحدة من المواقف والمهمات والسلوك، وفأنها تشكل إطاراً اجتماعياً بنيوياً يتجه نحو تحقيق تماسك نسبي لمظاهر الحياة الاجتماعية، وبهذا يمكننا أن نتحدث عن نظام ثقافي للجماعة وذهنية جماعية([41]). ويعرف (انتوني غدنز) (الجماعة الاجتماعية Social group) بأنها “مجموعات من الأفراد الذين يتفاعلون بأساليب منظمة بعضهم مع البعض، وقد تتفاوت الجماعات من حيث الحجم، فتتراوح بين روابط بالغة الصغر وتنظيمات كبيرة، ومهما كان حجمها، فإن الملمح المحدد للجماعة هو وعي أعضائها بوجود هوية مشتركة بينهم”([42]). ولكنه يعرف (المجتمع Society) بأنه “مجموعة من الناس يعيشون في حيز معين، ويخضعون لنظام معين واحد من السلطة السياسية، وهم على وعي بأن لهم هوية تميزهم عن الآخرين”([43]). وهذا التمييز بين الجماعة وبين المجتمع يقوم على وجود سلطة سياسية وإطار من النظام في المجتمع وانعدام وجودها في الجماعة. ويشير (شاكر مصطفى سليم) إلى أن المجتمع عبارة عن مجموعة من الأشخاص تعيش وتعمل سوية لفترة من الزمن تكفي لخلق تنظيم خاص بها، ولأن تعتبر نفسها وحدة اجتماعية مميزة، والأسس التي يقوم عليها المجتمع هي: وجود مجموعة من الأفراد، وتعايشهم مع بعض في إقليم محدد كوحدة ذات كيان ووجود ثقافة خاصة بهم واستمرارها زمنياً فترة طويلة كمجموعة، ووعيهم وإحساسهم بشعور جمعي وملكيتهم لروح الجماعة([44]). أما الجماعة المحلية أو الجماعة الاجتماعية (Social group) (Community)، فلا يوجد اتفاق بين علماء الانثروبولوجيا حول هذا المصطلح، ولكن التمييز بين الجماعة Community أو الجماعة الاجتماعية (Social group) وبين المجتمع Society. سيقوم على أن الجماعة أو الجماعات المحلية هي جزء من المجتمع، الذي يتكون عادة من عدد كبير من الجماعات([45]).

وبتطبيق هذا التصنيف على مستويات الهوية، فستكون الهوية الجماعية (جماعة محلية أو غيرها)([46]) مستوى متوسطاً بين الهوية الفردية والهوية المجتمعية (جماعية واسعة). ويحدد (اليكسي ميكشيللي) ثلاثة مستويات للهوية ولكن بصورة مختلفة عن (محمد عابد الجابري) وهي (الثقافية، الجماعية، الفردية) ومن ضمن الثقافية يمكن أيضاً أن نضيف الهوية الجماعية مافوق القومية والوطنية([47]). وهناك من يصنف الهوية إلى ثلاثة مستويات ايضاً ولكن بأسلوب آخر (الفردي، الجمعي، المؤسساتي):

  • المستوى الفردي: هو شعور الفرد بالإنتماء إلى الجماعة في إطار إنساني أكبر يشاركه في منظومة من القيم والمشاعر والاتجاهات، والهوية بهذا المعنى حقيقة فردية نفسية ترتبط بالثقافة السائدة وعملية التنشئة الاجتماعية، وبرز هذا المستوى بصورة أوضح مع بروز النزعة الفردانية([48]).
  • المستوى الجمعي: وهو تمثل أو تجسد الهوية في شكل تنظيمات وأحزاب وهيئات شعبية ذات طابع تطوعي واختياري هذا الى جانب الهوية القومية التي تتصدر ككل هوية قومية من منابع كيان الإنسان من حيث هو فرد في جماعة يشاركها لغتها وتقاليدها وآمالها وآلامها، وهناك ايضاً الهوية الدينية والهوية الأممية في هذا المستوى([49]).
  • المستوى المؤسساتي والقانوني: أو مايسمى (مأسسة الهوية)، أي خضوعها لمؤسسة، سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، مثلاً (نادي رياضي، حزب سياسي أو دولة معينة، أو مؤسسات دولية متعددة الجنسيات)([50]).

ويبدو أن المستوى الأول (الفردي) والمستوى الثاني (الجمعوي) أو (الجماعي) أكثر قرباً للواقع، ولكن يجب أن لا ننسى أن المستوى الثاني الجمعوي بذاته يمكن تصنيفه إلى مستويات مختلفة ومتعددة، وهي المستوى الجماعي الصغير الحجم أو الثانوي والمحلي، والجماعي المتوسط، والجماعي الواسع والكبير الحجم. وتكون أهم نقطة في تحديد أي مستوى من مستويات الهوية هو نوع آخر، لأن هذه المستويات تتواجد وتتزامن معاً لدى كل فرد (الإنسان) أو مجموعة بشرية ولكن ما يدعو إلى إبراز أي مستوى هو نوع الآخر وموقعه وتوقعاته وطموحاته، فإن كان هذا الآخر داخلياً في دائرة الجماعة، فإن الهوية الفردية هي التي تفرض نفسها كـ(أنا)، وإن كان يقع في دائرة الأمة (أو الجماعة الواسعة) فإن الهوية الجمعوية (الجماعية المحلية أو الثانوية) مثل (الحزبي، المناطقي، الطائفي أو القبلي والعشائري) هي التي تحل محل (الأنا) الفردي، أما إن كان الآخر خارجياً، أي يقع خارج الأمة والدولة والوطن، فإن الهوية الوطنية أو القومية هي التي تملأ مجال (الأنا)([51])، وهكذا بالنسبة للمستويات الدينية أو الثقافية للهوية.

2- عناصر الهوية

بناءً على التحديد السابق  لمفهوم الهوية يمكن القول ان تحديد هوية جماعية أو فردية معينة يقتضي العودة إلى جملة من العناصر يحددها (اليكس ميكشيللي) ويصنفها ضمن المجموعات التالية([52]):

أولاً- عناصر مادية وفيزيائية، تشتمل على:-

  • الحيازات: الأمم، الآلات، الموضوعات، الأسواق، السكن، أو الممتلكات…الخ.
  • القدرات: القوة الاقتصادية والمادية والعقلية (المعرفية).
  • التنظيمات المادية: التنظيم الإقليمي، نظام السكن، نظام الاتصالات الإنسانية.
  • الانتماءات: الفيزيائية، الانتماء الاجتماعي، والتنوعات الاجتماعية والسمات المورفولوجية (الشكلية) المميزة.

ثانياً- عناصر تاريخية، وتتضمن:

  • الأصول التاريخية: الأسلاف، الولادة، الأمم، الاتحاد والقرابة، الخرافات الخاصة بالتكوين، الأبطال الأوائل.
  • الأحداث التاريخية المهمة: المراحل المهمة في التطور، التحولات الأساسية، الآثار الفارقة.
  • الآثار التاريخية: العقائد والتقاليد، القوانين والمعايير التي وجدت في المراحل الماضية ولها آثارها.

ثالثاً- عناصر ثقافية نفسية، وتشتمل على:

  • النظام الثقافي: المنطلقات الثقافية، العقائد، الأديان والرموز الثقافية، الايديولوجيات، ونظام القيم الثقافية، ثم أشكال التعبير المختلفة، فن وأدب بكل أنواعه.
  • العناصر العقلية: النظرة إلى العالم، نقاط التقاطع الثقافية، الاتجاهات المغلقة، المعايير الجمعية، العادات الاجتماعية.
  • النظام المعرفي: السمات النفسية الخاصة، اتجاهات نظام القيم.

رابعاً- عناصر نفسية اجتماعية، وتتضمن:

  • الأسس الاجتماعية، المركز، العمر، الجنس، المهنة، السلطة، الواجبات والأدوار الاجتماعية، الانتماءات الاجتماعية.
  • القيم الاجتماعية، الكفاءة النوعية والتغيرات المختلفة.
  • القدرات الخاصة بالمستقبل، القدرة، الإمكانية، الاستراتيجية، التكيف، ونمط السلوك.

وعندما يريد فرد أو جماعة ما أن يعرف أنفسهم أو الجماعة التي ينتمون إليها أو أن يعرفوا شخصاً آخر أو جماعة ما، يجب أن يختاروا بعض السمات والعناصر الموجودة في الفئات السابقة وأخذها بعين الاعتبار، ملاحظين في ذلك كلاً من السمات الأساسية المتجانسة من جهة، والسمات الخاصة التي يمكنها التأكيد على خاصية التمايز من جهة أخرى أي على مستويين التماثل والتشابه من جهة والتمايز والاختلاف من جهة أخرى ويكون العامل الأساس في هذا الاختيار والانتقاء للعناصر والسمات المحددة لهوية ما، هو نوع الآخر الذي تواجهه مما يعني أن الآخر يلعب الدور المحوري في هذا الأمر من خلال المقارنة، ولكن هذا بذاته يعتمد على تصور المصالح الذاتية وفق معتقدات أو أيديولوجيات أو تصورات واقعية سائدة، وهناك من يقول حول دور الآخر في تحديد الذات “لعل السؤال الأكثر حضوراً هو كيف يمكن التعرف على الهوية؟ مع الذات أم مع الآخر: والإجابة تندرج في موضوعة منطقية قوامها أن المطابقة لا تؤدي إلا إلى توسيع حقل الاختلافات، في حين أن شرط الاستمرار في الزمن لابد أن يؤدي إلى التفكير بالجوهرية الذاتية من خلال الانفتاح على الآخر، وهكذا يمكن أن نخلص إلى نتيجة مفادها؛ عدم وجود هوية مع الذات لانعدام عامل المقارنة والتمييز”([53]). ويتساءل (محمد عابد الجابري) بصدد دور (الآخر) في تحديد هوية (الأنا أو النحن) قائلاً “وهل الهوية شيء آخر غير رد فعل ضد الآخر، ونزوع حالم لتأكيد (الأنا) بصورة أقوى وأرحب”([54]). وبذلك يكون الآخر ضروريا لوجودي، لأن (الأنا) لا يتحدد إلا عبر الآخر، وفي بحثه عن آلية أو طريقة الاختيار بين العروبة أو الإسلام كهوية جماعية للعرب، يقول (الجابري)، فلم يكن الاختيار المطروح أن نختار العروبة أو أن نختار الإسلام، بل كان أي (الآخر) يجب أن نقاوم أولاً، وبالتالي أي من السلاحين يجب أن نحرك في البداية، سلاح العروبة، أم سلاح الإسلام؟ والآخر أيضاً كان ثنائياً، (الآخر- التركي) والآخر الأوربي)([55])، وبذلك فإن نوعان من الآخر أديا إلى إبراز عنصرين أو جانبين أساسيين من سمات وخصائص وعناصر الهوية الجماعية للعرب، القومي الإثني بوجه الأتراك، والديني والثقافي بوجه الغرب المسيحي. وهكذا تدخل الآخر في إبراز نوع أو وجه أو عنصر معين من الهوية الذاتية، ولهذا (الآخر) دور مهم أيضاً في الفكر الغربي، ولكن حسب (محمد عابد الجابري)، فإن الآخر في الفكر الغربي هو (عدو) أو (خصم) للمنافسة والصراع وحتى النزاع، ولكن في الفكر الإسلامي (الآخر) هو الآخر المغاير المختلف وليس عدواً([56])، ولكن الواقع التاريخي يشير الى ان الفكر الأسلامي لم يتعامل مع الآخر بهذا الشكل المثالي وانما صنف الاخر الى ( المشركين والوثنيين، وألخ…) وهذا متجسدة في مفاهيم دار الحرب و دار السلم .

        وهناك من يعتقد بأن صورة الآخر ليست هي الآخر بذاته، لأن الصورة هي بناء في الخيال وفي الخطاب، الصورة ليست الواقع حتى وإن كان الصراع حولها من رهانات الواقع، ولأنها كذلك فإنها اختراع([57]). ويقول (منذر الكيلاني)، أن نرفض واقع أن الآخر حاضر في ذاتنا، وأن الهوية تنبني على تفاعل الاثنين (الذات والآخر) يؤدي بنا إلى تقييم البعد الابستمولوجي (المعرفي) الذي تقوم عليه مقاربة العلوم الاجتماعية، وتتمثل هذه المقاربة في الأخذ بالمرجعية الكونية والبحث كيف أن نحقق داخلها تمفصل العلاقة التراتبية بين الذات والآخر([58]). وهناك من يعتقد أن اختراع الآخر، اختراع متأخر نسبياً لارتباطه باكتشاف الوعي بالذات، وهذا يتجلى في انشطار (شرق/غرب) الذي تقرر فقط في نهاية القرن الخامس عشر ثم تمّ اسقاطه على العصر القديم الذي لم يعش هذا الانشطار بما هو كذلك، إذاً ميلاد الشرق كـ(الآخر) للغرب اختراع غربي نبع (نتج) من المراحل البطيئة التي مرّ بها ميلاد الغرب ومرّ به وعيه بذاته([59]). ويقول (صموئيل هنتنغتون) بأن تعرف الهويات تعرف بذات المرء، لكنها إنتاج تفاعل بين الذات والآخرين، حيث تؤثر طريقة فهم الآخرين لفرد أو لمجموعة على تعريف ذات الفرد أو المجموعة لذاتهما. ولذلك يحتاج الناس لتعريف أنفسهم إلى (الآخر) ويتساءل (هنتنغتون) فهل يحتاجون إلى عدوٍ أيضاً؟ ويضيف بأن بعض الشعوب تحتاج إلى ذلك بوضوح. وقدم باحثون آخرون في علم النفس والعلاقات الإنسانية براهين مشابهة([60])، إذ قال (فاميك فولكان)، هناك حاجة ليكون لديك أعداء وحلفاء، ويظهر هذا الميل في منتصف المراهقة عندما تأتي المجموعة الأخرى لينظر إليها كعدو بالتأكيد، والنفس هي خالق تصور العدو، طالما أُبقيت مجموعة العدو بعيدة بعض الشيء، فإنها تعطينا العون والراحة، وتعزز التحامنا وتجعلنا نتصالح مع أنفسنا، يحتاج الأفراد إلى احترام الذات والاعتراف والاستحسان، والتنازع مع العدو يعزز تلك الخصال في المجموعة([61]).

        ان عناصر وسمات الهوية، تعتبر نسق المعايير الذي يعول عليه في تحديد هوية ما، وهي يعمل كنظام متكامل، تتداخل عناصره جميعاً من أجل تحديد دلالة كل عنصر من عناصره الخاصة، وتتحدد الهوية الجماعية في إطار تنظيم متكامل، وتمثل وحدة كلية تشتمل على عناصر متقاربة ومتكاملة لتشكل عبر ذلك كله حقيقة اجتماعية، تنطوي على العناصر التالية حسب رأي (اليكس ميكشيللي):- ([62])

1) البنية الحيوية    2) التاريخ    3) الديموغرافيا (التركيبة السكانية)

4) النشاطات والفعاليات الإنسانية  5) التنظيم الاجتماعي   6) الذهنية

        ويقول (ميكشيللي) حول دور الذهنية كعنصر محدد للهوية الفردية أو الجماعية؛ يمكن ارجاع السمات الأساسية الخاصة بتعريف الذهنية إلى نسق المعلومات الأخرى، ويشتمل على تحليل لمحتوى كل أشكال التعبير الجمعي الذي يسمح بتعريف العناصر البنائية العقلية، وهناك دراسات تسمح بتفسير الرموز ومعايير السلوك، كما تسمح بمعرفة النماذج المضادة والتصورات الجمعية، وأنظمة الآراء والعقائد، والاتجاهات نحو المسائل المعقدة المعنية بالتعريف، ويشتمل هذا على تقويم ذاتي للقدرات، وتشكل كل هذه العناصر جزءً من صورة الذات، وانطلاقاً من هذه المعايير والعناصر المختلفة يمكن تحديد الاتجاه العام للذهنية الجمعية، وهي العناصر التي تنظم إلى حد كبير بين مجموعة من النشاطات الأخرى وتمنحها دلالتها ومعناها، وذلك في حدود علاقتها بالوسط الذي توجد فيه، وانطلاقاً من ذلك كله، تشكل أسس الهوية أنظمة إدراكية وتقويمية وتنعكس كصدى للحياة والسلوكيات الجمعية وتتجسد هذه الأنظمة في بنى سيكولوجية ثقافية([63]).  ويغطي مفهوم الذهنية  وعلى نحو شمولي مفهوم الثقافة المستبطنة، الذهنية هي الخبرة المكتسبة التي يشترك فيها جميع أعضاء الجماعة، وحال هذه الخبرة كحال الثقافة المستبطنة، تأخذ وضعية مرجعية مستمرة ولاشعورية من أجل إدراك الأشياء وتحديد الأحداث وتوجيه السلوك وتشير الذهنية باللغة الدارجة إلى حالة نفسية داخلية، والى طريقة للنظر إلى الأشياء تنطلق من مبادئ أساسية، وهي طريقة في النظر إلى الأشياء ترتبط عفوياً مع آداب سلوكية قابلة للملاحظة، فالذهنية تنطوي في ذاتها على رؤية خاصة للعالم وعلى طريقة للتعامل مع الأشياء أو على مواقف خاصة بعناصر الوسط الذي يحيط بالإنسان ونقصد بالعناصر الأساسية للهوية. التي تنطلق منها الرؤية الخاصة بالوجود؛ المنطلقات الأساسية للهوية وتشكل هذه العناصر الهامة التي تأخذ فيه الجماعة موقعها للعناصر العقدية والغالب الأساس الذي تتشكل فيه هوية الجماعة وأسسها، إذن يتدخل النظام المرجعي للذهنية على نحو دائم كشبكة لتحليل رمزية العالم، وكنظام المعلومات يؤدي دوراً تفسيرياً، وتعرف هذه الوظيفة من خلال دراسة أيديولوجيات الجماعة، وذلك لأن الأيديولوجيات تقدم تفسيراً دائماً للأحداث وذلك في إطار نظامها الخاص. ومهما تكن صورة الذهنية كنظام منطقي، أو نظام مرجعي، أو نظام للتصورات أو مصدر لتفسير العالم أو ينبوع للتعبيرات الخاصة بالجماعة فإنها في نهاية الأمر تشكل نواة الهوية الجماعية([64]).

        ويحدد (هنتنغتون) مجموعة من المصادر المحتملة للهوية، ويعتبرها أساساً ومنطلقاً لتصنيف الهوية وهي([65]):-

  • السمات الشخصية: العمر، السلالة، الجنسوية، القرابة (قرابة الدم)، الإثنية (القرابة البعيدة)، العرق.
  • السمات الإقليمية: مثل الجوار والقرية، البلدة، المدينة، المنطقة.
  • السمات الثقافية: الإثنية كطريقة للحياة، اللغة، الدين.
  • السمات السياسية: الحركة، الحزب، الأيديولوجية، الدولة.
  • السمات الاقتصادية: مجموعة العمل، المستثمر، الصناعة، الطبعة، العمل، القطاع الاقتصادي.
  • السمات الاجتماعية: المكانة والأدوار الاجتماعية والنادي والصداقات الاجتماعية.

ويعتقد هنتنغتون بأن من المحتمل أن يكون أي فرد مرتبطاً بكثيرٍ من هذه المجموعات، ولكن ذلك لا يعني أنها مصادر الهوية النهائية، فقد يجد الشخص مثلاً عمله، أو بلده مقيتاً ويرفضه برمته، بالإضافة إلى ذلك فالعلاقات بين الهويات ذاتها معقدة، وتوجد العلامة المميزة عندما تكون الهويات منسجمة في المطلق، لكن أحياناً قد تفرض هوية ما كهوية الأسرة وهوية العمل، متطلبات متنازعة على الفرد، أما الهويات الأخرى كالهوية الإقليمية أو الثقافية فهي ذات مراتب تسلسلية([66]).

وفي ضوء ما سبق، نستنتج بأن مستويات الهوية  وعناصرها، متداخلة ومتشابكة ولا يمكن أن يوجد أحدها بدون الآخر، إذ يتواجد ويتزامن أكثر من مستوى ونوع للهوية في حالة واحدة، ولا يمكن أيضا أن تحدد عناصر مستقلة لكل مستوى على حدة، إذ تكون مجموعات العناصر مترابطة ومتشابكة مع بعضها البعض، فعلى سبيل المثال؛ عندما أنا كفرد أواجه الآخر كفرد، ولكن من مجموعة بشرية أو من شعب آخر مختلف عني على المستويات الفردية والجماعية والثقافية والدينية والقومية، تصبح كل مستويات الهوية في هذه الحالة ومعها عناصرها ومكوناتها ومصادرها المتعددة حاضرة لتحديد هويتي (الأنا) مقابل الآخر (أنا ككردي وكطالب وكمسلم عندما أواجه الآخر الفرنسي المسيحي المهندس الغربي) على سبيل المثال تتداخل في الحالة السابقة المستويات المختلفة للهوية وتتجمع لتشكل هويتي بعناصرها المتنوعة والمتعددة.

 الهوية والثقافة

يعد مفهوم الثقافة أحد المفاهيم المقاربة لمفهوم الهوية والمتداخلة معها  إلى درجة هناك من يقول بأنهلا وجود للهوية خارج إطار الثقافة، أو لا معنى لمفهوم الهوية خارج إطار الثقافة([67]). وتتم الإشارة إلى الثقافة في معظم الدراسات والأبحاث حول الهوية باعتبارها مرادفاً لمفهوم الهوية، ولذا نرى من الضروري أن نحدد ونعرف مفهوم الثقافة ونعرف مدى علاقتها بالهوية وموقعها فيها.

1- الثقافة لغةً

        لم تشهد كلمة ازدهاراً وانتشاراً ككلمة الثقافة، وليس هناك مفهوم أكثر تداولاً واستخداماً كمفهوم الثقافة، ومع ذلك يبقى الغموض والالتباس متلازمين كلما طرح الموضوع للنقاش([68]). وهناك بحوث ومؤلفات تخصصت في رصد نشأة المفهوم واشتقاقته اللغوية*، الثقافة في العربية مشتقة من (ثقف) وجاء في المعاجم العربية القديمة والحديثة بمعانٍ مترادفة تقترب كثيراً من المفهوم الحديث، ففي (لسان العرب) جاء “ثقف الشيء ثقفاً وثقافة، حذقه، ورجل ثقف، حاذق الفهم، ويقال ثقف الشيء بمعنى تعلمه بسرعة، وثقف : ذو فطنة وذكاء والمراد به أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه”([69]).ويشار إلى ثقف في المعاجم الأخرى بمعانٍ مماثلة أو قريبة على الأقل ، ففي  (المصباح المنير) جاء “تثقفت الحديث، فهمته بسرعة وتثقفته، أقمت المعوج منه”([70]). وجاء الكلمة في أساس البلاغة بمعنى طلب العلوم والمعارف،تشير الكلمة أيضا إلى الذكاء والفطنة والمهارة والدقة والسعي لتحصيل المعرفة وتهذيب الفكر وصقله وتقويم الاعوجاج والبحث والتقصي([71]). فالثقافة إذن تحمل في طياتها مستوى إدراكياً ومعرفياً كما تحمل مستوى عمليا وتطبيقياً.

        والثقافة في اللغة الإنكليزية هي استعارة لكلمة (Culture) اللاتينية التي كانت تستخدم للتعبير عن الفعاليات الزراعية والعناية بالأرض أي (تنمية المزروعات داخل الأرض)، والتي انتقلت إلى التعبير عن الواقع الاجتماعي (أي تنمية الأفكار داخل الإنسان)([72]).

2– تعريف الثقافة

        لاشك أن أقدم تعريفات الثقافة وأكثرها ذيوعاً حتى الآن هو تعريف الانثروبولوجي (إدوارد تايلور E.B.Taylor- 1832-1917)، والذي قدمه في كتاب (الثقافة البدائية- 1871). والذي يذهب فيه إلى أن  “الثقافة أو الحضارة، بالمعنى الإثنوغرافي الواسع: هي كل مركب يشتمل على المعارف أو المعتقدات والفن والقانون والأخلاق والتقاليد وكل القابليات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع معين”([73]). ويقول (جان بيير فارنييه J.P.Warnier) في مناقشته لتعريف (تايلور)، إن الثقافة هي العنصر المتحرك في الهوية، لأنها البنية الحاكمة لجميع البنيات الفرعية، ولأنها تكتسب وتتطور وتتعدل (فلا يوجد في العالم مجتمع لا يملك ثقافته الخاصة، أما عن علاقة اللغة بالثقافة فيقول: اللغة والثقافة تتبادلان صلات وثيقة ذلك أن بعض المسائل التي يعبر عنها جيداً في لغة ليس لها مقابل في لغة أخرى، واستيعاب ثقافة يعني في المقام الأول استيعاب لغتها، ويؤكد (فارنييه) أن اللغة والثقافة تقعان في قلب ظاهرات الهوية([74]). ومن هذا المنطلق تتحدد الهوية بصفتها مجموعة قوائم السلوك واللغة والثقافة التي تسمح لشخص ما أن يتعرف على انتمائه إلى جماعة اجتماعية ويتماثل معها، غير أن الهوية لا تتعلق فقط بالولادة أو بالاختيارات التي تقوم بها الذوات، لأن تعيين الهوية سياقي ومتغير فالواقع أن التقاليد التي تُنقل الثقافة عبرها، تبصم الإنسان منذ طفولته جسداً وروحاً بكيفية غير قابلة للمحو.

        وماعدا هذا التعريف، يمكن أن نعد أكثر من مائة وستين تعريفاً للثقافة لعلماء ينتمون إلى تخصصات مختلفة منها الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والسياسة والجغرافيا، ومن الطبيعي أن يركز كل عالم يمثل تخصصاً معيناً على محكات معينة، وأن يعطي نقلاً لظواهر من الثقافة دون أخرى بحسب ماينصرف إليه اهتمامه النابع من تخصصه([75]). وهناك من يقول بأنه عندما يستخدم العلماء الاجتماعيون مصطلح الثقافة، فإنهم يتحدثون عن مفهوم أقل تحديداً مما يشيع في الحديث اليومي، ففي العلوم الاجتماعية تعني الثقافة كل ما هو موجود في المجتمع الإنساني، ويتم توارثه اجتماعياً وليس بيولوجياً، بينما يميل الاستخدام الشائع للثقافة إلى الإشارة إلى الفنون والآداب فقط، فالثقافة –إذن- مصطلح عام يدل على الجوانب الرمزية والمكتسبة في المجتمع الإنساني([76]).

3- ثنائية الثقافة والحضارة

        وحسب التعريف الانثروبولوجي للثقافة،والذي يعتمد بصورة أساسية على تعريفها عند  (إدوارد تايلور) ، وإن الثقافة والحضارة شيء واحد، ولكن المماثلة إن كانت ممكنة في الاستخدام اللغوي الإنكليزي والفرنسي، إلا أنها متعذرة  في اللغة الألمانية التي تميز  بين الثقافة (Kultur) والحضارة (Zivilisation)، حيث يشير مصطلح الثقافة إلى الرموز والقيم بينما يشيرمصطلح الحضارة إلى تنظيم المجتمع([77]). لقد وضع مفكرو القرن التاسع عشر الألمان  تفرقة صارمة بين الحضارة التي تضمنت الميكنة والتقنية والعوامل المادية، والثقافة التي احتوت على القيم والمثاليات والخصائص العقلية، والفنية والأخلاقية العليا للمجتمع، وقد سادت هذه التفرقة في ألمانيا ولكنها لم تحظ بالقبول في أماكن أخرى([78]). إن الثقافة تعارض الحضارة في الفكر الألماني، لأن الثقافة تمثل الروح والفضيلة والحضارة تمثل المادة والاقتصاد والمجتمع المالي، الحضارة هي عالم التهذيب والذات الرفيع، ولكنها أيضاً عالم التجارة والمجتمع المدني وهي مادية وسطحية وكان الفرنسيون خير مثال في نظر الألمان على الحضارة، الثقافة تمثل الروحانية والفضيلة([79]).وقدً استقطبت هذه الثنائية كتابات كثيرة، احتلت فرنسا وألمانيا صفوفها الأمامية، وعندما ظهر كتاب الفيلسوف الألماني (أوزوالد شبنغلر Spengler) (انحطاط الغرب) حظي بنجاح فوري، والفكرة الأساسية في هذا الكتاب هي أن الغرب قد تحظى مرحلة (الإبداع في الثقافة) إلى مرحلة التفكير العلمي والرفاه المادي المسمى (الحضارة)، ولذا فإن مستقبل الغرب لن يكون سوى الانحطاط([80])،والحضارة عند( شبنغلر) هي “المصير المحتوم للثقافة، وهي أكثر الحالات الظاهرية والاصطناعية التي تكون أجناس من البشرية المتطورة قادرة عليها، إنها عصارة الشيء في حالة الكينونة يتبعه الشيء في حالة الصيرورة”([81]).

        ولكن الفرنسيون والإنكليز رفضوا هذه الفكرة القاتمة. فقد ميز (ارنولد توينبي) بين الثقافات الكبرى التي هي حضارات والثقافات التي هي ينبوع الحضارات، وذهب دونزو كورتيز            (D. Cortes) في أسبانيا منذ منتصف القرن الماضي إلى أن الثقافة والحضارة تمثلان مرحلتين، والثقافة هي التي تسبق الحضارة، لكن الحضارة لا يتبعها انحطاط كما كان يرى( شبنغلر)، بل على العكس، الحضارة صعود نحو الحضارات، وقد فرّق متبع صيغة (سوسيولوجية الثقافة) (ألفريد فيبر) (A. Veber) بين (الحضارة) على أنها جملة المعارف النظرية والتطبيقية غير الشخصية وبين (الثقافة) على أنها جملة من العناصر الروحية والمشاعر والمثل المشتركة التي ترتبط في خصوصيتها بمجموعة وزمن معينين.ويعتمد بعض علماء الاجتماع والانثروبولوجيا المعاصرين التمييز القائم على استخدام مصطلح الحضارة لأشارة إلى مجموعة من الثقافات الخاصة التي بينها تشابه أو أصول مشتركة وبهذا المعنى يتحدث البعض عن الحضارة الغربية التي تنضوي تحتها الثقافات الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والأمريكية..الخ، وهكذا يرتبط مفهوم الثقافة  وفق هذا الاستعمال بمجتمع معين ومحدد الهوية، في حين أن مصطلح حضارة يستخدم ليشير إلى مجموعات أكثر اتساعاً وأكثر شمولاً في المكان والزمان([82]).

        ولكن بعض العلماء الانثروبولوجيين عكسوا العلاقة بنظرهم إلى الثقافات على أنها خصائص للمجتمعات البدائية غير المتغيرة وغير المتمدنة (لاينتشر فيها التمدن)، بينما المجتمعات الأكثر تعقيداً، والمتقدمة، والمتمدنة والديناميكية تمثل الحضارات. ويذهب ( برودل) إلى أن من المضلل أن نأمل على الطريقة الألمانية في فصل الثقافة من أساسها الحضارة، إن كلاً من الحضارة والثقافة يشيران إلى نمط الحياة العام للبشر، وما الحضارة إلا ثقافة كتبت بحروف كبيرة، كلاهما يتضمن (القيم والمبادئ والمؤسسات وأنماط التفكير والتي تعطي لها الأجيال المتعاقبة في مجتمع ما أهمية أولية)([83]( الثقافة عند (برودل) فضاء مساحة ثقافية، إنها توليف من خصائص وظواهر ثقافية، ويعرفها والرشتاين بأنها سلسلة من العادات والبناءات والثقافية ذات الذيوع الواسع، الثقافة بشقيها المادي والمعنوي والتي تشكل نوعاً من الكيان التاريخي والذي يتعايش في آن واحد، إن لم يكن دائماً طبيعياً، مع مظاهر أخرى متنوعة من هذه الظاهرة([84]).وحسب رأي (هنتنغتون)، فإن الحضارة –أيّة حضارة- هي كيان ثقافي في أوسع معانيه، الجماعات القروية، والإقليمية، والعرقية، والقوميات، والجماعات الدينية، جميعها تمتلك ثقافات متميزة عند مستويات متباينة من التنوع الثقافي، والحضارة هي أعلى تجمع ثقافي للبشر وأوسع مستوى من الهوية الثقافية يكاد يكون شعب ما قد وصل إليها والتي تميز البشر عن الأنواع الأخرى. والحضارة هي أوسع مستوى من الهوية التي تقع ضمن مستويات متعددة من الهوية أو الكيان الذاتي لأي شعب على الأرض، الحضارة هي أوسع (نحن)، والحضارات ليس لها حدود قاطعة ولا بدايات ونهايات دقيقة، فإن بنية الحضارات وأشكالها تتغير مع مرور الزمن، ومع ذلك فإن الحضارات هي كيانات ذات معنى، وبينما نادراً ما تكون الفواصل فيما بينها حادة، إلا أنها حقيقية([85]).وفي تمييزه بين الثقافة والحضارة يقول (علي حرب)، الحضارة تميل إلى مكان والحاضرة، أما الثقافة فتحيل إلى الزمان والذاكرة، والحضارة تقنية وأداة، فيما الثقافة قيمة ومعيار، والحضارة سوق ومبادلة يغلب فيها الإنتاج المادي، أما الثقافة فهي إنتاج للرموز والنصوص، والحضارة تنتج المجانسة والمشاكلة، في حين أن الثقافة تخلق التنوع والغنى والفرادة([86]).ولكن (برهان غليون) ينتقد الخلط الدارج بين الثقافة والحضارة ويقول؛ إن أحد مصادر الفهم الخاطئ للثقافة هو الخلط الدارج بينها وبين الحضارة، ولهذا الخلط عدة أشكال تبدأ بخلط المعنيين بحيث تصبح الثقافة رديفاً للحضارة، وعندئذ تستخدم للتمييز بين الشعوب البدائية التي تفتقد إلى الثقافة بمعنى الكلمة والشعوب التي تشكل الثقافة بعداً أساسياً من حياتها السياسية والمادية والروحية، والخلط الثاني هو اعتبار الحضارة الترجمة المادية للقيم الأساسية الكامنة في كل ثقافة، واستخدامها في هذه الحالة كمؤشر على صلاحية هذه الثقافة أو أهليتها. وفي هذه الحالة الأخيرة لا تكون الحضارة إلا امتداداً للثقافة وتجسيداً تاريخياً لها([87]).ويعتقد (برهان غليون) بأن الحضارة بعكس الثقافة ظاهرة عالمية بالضرورة شرطها الأساس تجاوز الثقافات وامتزاجها وانفتاحها بعضها على البعض الآخر. وهي عكس الثقافة أيضاً لا تقوم على توازنات روحية وعقلية ثابتة، إنما تنطلق بحصول دينامية تراكمية ومنتجة تنقل هذه التوازنات القلقة التي تعيش عليها الثقافة إلى توازنات ومؤسسات مادية وموضوعية والى نظم متميزة تؤسس لتحرر الفرد من قيود التماهي الآلي مع الجماعة وتحرر الجماعة من التماهي مع الطبيعة والخضوع لها، فإذا كانت الثقافة هي الفهم، فالحضارة هي العلم بما هو تنظيم للمعارف أي وضعها وصياغتها في نظام لا يخضع لحدس الفرد العالم لا لنفاذ بصيرته، وإنما لأسس تسمح لكل متعلم أن يدركه ويستفيد منه. وفي العلم تجاوز عظيم للمعرفة من الخاص إلى العام، ومن الذاتي إلى الموضوعي، وللجماعة القومية الضيقة إلى الإنسانية الواسعة، وهذا ما يسهل انتقال المعارف عبر الثقافات وانتشار الخبرة وتعميمها على نطاق المعمورة([88]).ويعني ذلك ان الحضارة هي ثقافة عالمية واسعة تشمل وتنبثق من الثقافات المتنوعة وخاصة ما يسميها (برهان غليون) (ثقافة الحضارة)([89])، أي ثقافة منفتحة وقادرة على التجدد.

        وحسب رأي (هنتنغتون) الحضارة هي أوسع من الثقافة، ولكنها ليست موحدة لكل ثقافات العالم، وسواء كانت هناك حضارة عالمية واحدة وموحدة لكل الثقافات، وثقافات متنوعة ومتعددة، أو مجموعة محددة (صغيرة أم كبيرة) من الحضارات لكل مجموعة من الثقافة، نصل إلى أن الثقافة تمثل الخصوصية والهوية لجماعات بشرية بشكل أضيق أو أكثر تحديداً مما تمثلها الحضارة.ويرى احد الباحثين أن تعريفات  الثقافة على اختلافها تنتهي بنا إلى أن الثقافة هي  المعايير المشكلة لنظام العقل والسلوك في مجتمع ما، أو لدى جماعة ما، والتي تحدد نظرة الفرد والجماعة لنفسها والآخرين، والكون من حولها([90]).و يشير إلى ذلك (أنتوني غدنز) في تعريفه للثقافة بأنها “تعني أسلوب الحياة الذي ينتهجه أعضاء مجتمع ما أو جماعة ما داخل المجتمع”([91])، وتعني الثقافة في نظر علماء الاجتماعيات جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة، ويشترك أعضاء المجتمع بعناصر الثقافة تلك التي تتيح لهم مجالات التعاون والتواصل، وتشمل هذه العناصر السياق الذي يعيش فيه أفراد المجتمع. وتتألف ثقافة المجتمع من جوانب مضمرة غير عيانية مثل: المعتقدات والآراء والقيم التي تشكل المضمون الجوهري للثقافة، ومن جوانب عيانية ملموسة مثل: الأشياء والرموز التي تجسد هذا المضمون، والقيم والمعايير من العناصر الجوهرية في جميع الثقافات، منظومة الأفكار التي تحدد ما هو مهم ومرغوب في المجتمع، وهذه الأفكار المجردة أو القيم هي التي تضفي معنى محدداً، وتعطي مؤشرات إرشادية لتوجيه تفاعل البشر مع العالم الاجتماعي. أما المعايير فهي قواعد السلوك التي تعكس وتجسّد القيم في ثقافة ما، وتعمل القيم والمعايير سوياً على تشكيل الأسلوب الذي يتصرف به أفراد ثقافة ما إزاء ما يحيط بهم([92]).إن النظام الثقافي يمثل بنية من التصورات والتفسيرات الخاصة بإدراك العالم، وهو يحتوي على شبكة إدراكية تتضمن معايير ونماذج ورموز ثقافية، ويتضمن النظام الثقافي سلسلة من الصور والأفكار المشتركة بين أفراد الجماعة([93]). وهناك من يشير إلى مجموعة من الخصائص العامة لكل الثقافات رغم تمتع كل ثقافة من الثقافات بخصوصية تميزها عن غيرها، والخصائص العامة للثقافات هي([94]):

  • إن الثقافة نتاج اجتماعي.
  • إن الثقافة مكتسبة عن طريق التفاعل حيث يكتسب الإنسان الثقافة منذ مولده، وليس عن طريق الوراثة، ولكنها تتكون من خلال التنشئة أو الاستعارة أو الانتشار أو التثاقف.
  • إن الثقافة كل ونسيج متداخل، في هذا النسيج تداخل وتساند، فليس هناك استقلال لعناصر أو سمات ثقافية داخل المجتمع.
  • إن الثقافة نامية ومتغيرة.
  • إن الثقافة أفكار وأعمال.
  • إن الثقافات متباينة في المضمون، متشابهة في الشكل.
  • إن الثقافة مثالية رئيسة.
  • إن الثقافة انتقائية وتراكمية.

ومن كل هذه الخصائص والتعاريف المتنوعة، يمكن أن نستخلص أن ثقافة الجماعة هي هويتها، أو هوية الجماعة هي ثقافتها، لأن الثقافة هي معايير للعقل والسلوك وتحدد معنى الحياة التي لا معنى لها بدون هذه المعايير ورموز تحدد غايات الحياة التي لا غاية لها بدون تلك الرموز، بمعنى أن الثقافة هي إجابة لسؤال الفرد والجماعة عن كيف ولماذا والى أين، أي الغاية من الوجود، وكل ذلك يسم نشاط الفرد والجماعة بميسمه (الفن، الأخلاق، العرف، قواعد الأدب، العلاقة بين الفرد والجماعة، الفرد والسلطة، الجماعة والسلطة… الخ)، فالثقافة، في خاتمة التحليل، هي التي تقف وراء النشاط الحضاري للإنسان، وهي التي تجعل الحضارات الإنسانية تختلف عن بعضها نتيجة اختلاف المعايير (الثقافية) المحددة للنشاط الإنساني عامة([95]). ولكن (تركي الحمد) يقول بأن الهوية جزء من النسيج الثقافي للجماعة، بمثل ما أن الشخصية جزء من النسيج النفسي للفرد، والذي هو (أي النسيج) متفاعل أو يفترض أن يكون متفاعلاً، مع متغيرات الحياة إجمالاً([96])، ولكن (هنتنغتون) يعتبر الهوية جزءً أو عنصراً أساسياً من عناصر الهوية للجماعة البشرية بمعناها الشمولي العام عندما يحدد الهوية الأمريكية ويصنفها الى هوية إثنية وهوية ثقافية وهوية أيديولوجية([97])، ويشير إلى أنه يقصد بالثقافة “لغة الشعب، ومعتقداته الدينية، وقيمه الاجتماعية والسياسية، ومسلماته في ما هو صح وخطأ ومؤسساته الموضوعية ونماذجه السلوكية التي تعكس تلك المبادئ الذاتية الأساسية”([98]).

وهكذا يبدو أنه مهما كان مفهوم الثقافة شمولياً إلا أنها تبقى جزءً من الهوية، التي تشير إلى كينونة ووجود شيء ما، وبذلك فإن هوية الإنسان كفرد أو كجماعة ، تشير إلى كينونته ووجود هذا الفرد أو هذه الجماعة، والثقافة هي جزء من الكينونة والوجود الإنسانيين على كافة المستويات الفردية والجماعية، ولكنها الجزء الأساس والجوهري من هذا الوجود بالإضافة إلى الجوانب والأجزاء الأخرى المكونة له مثل الجوانب الفيزيقية (الطبيعية) و(البيولوجية) التي لا تحسب ضمن ثقافتها حتى لو كان لها تأثيرها على الثقافة. ولكن التعبير عن الهوية يقع ضمن آليات الثقافة إذ تعبر مجموعة بشرية عن وجودها وهويتها من خلال الثقافة، وبذلك فإن الثقافة جزء أساس للهوية، ولكنها أيضا وسيلة لتجسيد هذا الوجود (الهوية) والتعبير عنه. فللإنسان هويات (عرقية، أثنية، طائفية، سياسية، دينية، أيديولوجية… الخ)، ولكن التعبير عن كل هذه الهويات يكون عبر الثقافة، فعلاقة الثقافة بالهوية هي مثل علاقة اللغة بالثقافة. إن الثقافة هي لغة وواجهة الهوية. ولأن الثقافة تدخل كعامل مؤسس للحضارة وللقومية، فإن ذلك يجعل من الثقافة عنصراً من عناصر الهوية أساساً، وعنصراً من عناصر بلورة القومية التي هي –بدورها- عنصر أساس لتكوين الهوية والحفاظ عليها. والثقافة تستند إلى اللغة، فلا ثقافة بدون لغة أساس تكون وسيلة التفكير ومنطلقه، وتميز الأمة بقوميتها الواضحة. ومن جانب آخر الوطن أساس لتحديد الهوية، فلا هوية بدون الانتماء الوطني، والفكر المشترك لقيادة المنتمين بعقلية متوحدة نحو هدف مشترك أساس الهوية، وللتاريخ المشترك –المضيء منه والمظلم على السواء الدور نفسه الذي تلعبه القومية واللغة والفكر في تحديد الهوية والانتماء إليها([99]).

([1]) جميل صليبا، المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، ج2،م س ذ , ص530. وينظر أيضا ما يؤيد هذا الراي في كل من : ناظم عبد الواحد الجاسور، موسوعة علم السياسة، ط1، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2004، ص384. ؛ عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، ط3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2000، ص911؛ محمد علي التهانوي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة: رفيق العجم، ج2، ط1، مكتبة لبنان، بيروت، 1996، ص1745-1746؛ المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1997، ص654.

([2]) سعيد التل، هوية الإنسان في الوطن العربي (تعريف الهوية)، عن الانترنت- شبكة النبأ الإخبارية:

http://www.annabaa.orgnbanews62503.htm/ 1/آيار/2007

([3]) ابن منظور، لسان العرب، المجلد 15، ط3، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 2004، ص116-117.

([4]) سعيد التل، هوية الإنسان في الوطن العربي (تعريف الهوية)، عن الانترنت، م.س.ذ.

([5]) للتفصيل ينظر: فتحي المسكيني، الهُوية والزمان (تأويلات فينومينولوجية لمسألة –النحن-)، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 2001، ص6.

([6]) المصدر السابق، ص8.

([7]) المصدر السابق، ص9.

([8]) ابن منظور، لسان العرب ، إعداد وتصنيف: يوسف خياط ونديم مرعشلي، مجلد 1، ط1، دار لسان العرب، بيروت، 1970، ص189

([9]) جميل صليبا، المعجم الفلسفي، م.س.ذ، ص530.

([10]) المصدر السابق، ص531.

([11]) الجرجاني، التعريفات، نقلاً عن: عامر رشيد مبيض، موسوعة السياسة الاجتماعية الاقتصادية العسكرية (مصطلحات ومفاهيم)، ط1، دار المعارف، مكتبة الأسد، الجمهورية العربية السورية، 1999، ص1380.

([12]) عبد الرحمن بسيسو، الثقافة والهوية (الثقافة ومعركة الدفاع عن الهوية)، ضمن مشروع: الخطة الاستراتيجية للثقافة الوطنية، ورشة عمل خاصة لمناقشة مسودة الخطة، غزة، 16/5/2005، من الانترنت:

http://home.birzeit.edu/dsp/arabic/news/other/2005/april-16/abd.do.c.

([13])تد هوند رتش, دليل أكسفورد للفلسفة، ج2، من حرف (ظ إلى ي)، ترجمة: نجيب الحصادي، ط1، المكتب الوطني للبحث والتطوير، دار الكتب الوطنية، بنغازي- ليبيا، 2005، ص995-996.

([14])  The Oxford English Dictionary, Volume V, Oxford University Press, Ely House, London, W.I, Clarendon Press, 1970, P.951.

([15]) للتفاصيل ينظر:

Webster’s Third New International Dictionary of the English Language, Volume II (H to R), By G and C. Merriam, Inc., Encyclopedia Britannica, 1971, P.1123.

([16]) المصدر السابق، ص1123. Opcit, P.1123.

([17]) قاموس أكسفورد الحديث لدارسي اللغة الإنكليزية (إنكليزي- إنكليزي- عربي).

Oxford English Dictionary, Eleventh Impression 2004, Oxford University Press, New York, P.377.

([18]) صموئيل ب. هنتنغتون، من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية، ترجمة: حسام الدين خضور، ط1، دار الرأي للنشر، دمشق، 2005، ص37.

([19]) إليكس ميكشيللي، الهوية، ترجمة: علي وطفة، ط1، دار الرسيم للخدمات الطباعية، سوريا، 1993، ص7.

([20]) أميرة كشغري، الهوية الثقافية بين الخصوصية والتبعية (مقاربة معرفية- اجتماعية)، ورقة عمل مقدمة في برنامج الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، 22/فبراير-3/مارس/2006.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=113330

([21]) المصدر السابق.

([22]) أمين معلوف، الهويات القاتلة، ترجمة: نهلة بيضون، ط1، دار الفارابي للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، 2004، ص17.

([23]) حول ذلك ينظر: سليم مطر، الهوية الوطنية بين الفرد والجماعة، عن موقع الحوار المتمدن، 28/11/2003، من الموقع:

http://www.rezgar.com/debate/show.art.asp?ad=12079#

وأيضاً: محمد صالح الهرماسي، مقاربة في إشكالية الهوية: المغرب العربي المعاصر، دار الفكر، دمشق، 2000، ص ص19، 35.

([24]) إبراهيم الحيدري، إعادة إنتاج الهوية العراقية (محاولة أولية لمعرفة الذات ونقدها)، من موقع الثقافة الجديدة، (الانترنت):

http://www.althakafaaljadeda.com/317/19.htm.

([25]) صموئيل هنتنغتون، من نحن؟، م.س.ذ، ص37.

([26])المصدر السابق، ص37.

([27])نقلاً عن ليون ويستليه، ضد الهوية،:المصدر السابق، ص37.

([28]) المصدر السابق، ص38.

([29])اليكسي ميكشيللي، الهوية، م.س.ذ، ص169.

([30]) انتوني غدنز، علم الاجتماع، م س ذ , ص766.

* يقصد (انتوني غدنز) بـ(الجنوسة- Gender)؛ التوقعات الاجتماعية حول السلوك الذي يعتبر مناسباً للأفراد من الجنسين، ويشير إلى السمات التي وضعها أو أسبغها المجتمع على الرجولة والأنوثة، ينظر: المصدر السابق، ص747.

([31]) المصدر السابق، ص90.

([32]) عز الدين مناصرة، الهويات والتعددية اللغوية (قراءات في ضوء النقد الثقافي المقارن)، ط1، دار مجدلاوي للطباعة والنشر، عمان-الأردن، 2004، ص24.

([33]) محمد عابد الجابري، مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997، ص10.

([34]) رشاد عبد الله الشامي، إشكالية الهوية في إسرائيل، نقلاً عن: خالد جمعة، قراءة في كتاب (إشكالية الهوية في إسرائيل-رشاد عبد الله الشامي)، من الانترنت:

http://www.sis.gov.ps/arabic/roya/3/page16/html.

([35]) خالد جمعة، المصدر السابق.

([36]) أمين معلوف، الهويات القاتلة،  م . س . ذ   ، ص17.

([37]) سليم مطر، مقالات في الهوية: مفهوم الهوية بين التعميم والتخصيص، من موقع الحوار المتمدن، العدد 666، 28/11/2003، من الانترنت:

http://www.rezgar.com/debat/she.art.asp?o.d=12070#

([38]) سعد الدين إبراهيم وآخرون، المجتمع والدولة في الوطن العربي ، م س ذ, ص332.

([39])محمد عابد الجابري، العولمة والهوية الثقافية (عشر أطروحات)،في أسامة أمين الخولي،(محرر)  ندوة (العرب والعولمة)، مركز دراسات الوحدة العربيةط3،بيروت-لبنان،2000، ص297-298.

([40]) المصدر السابق، ص299.

* مهما كان الأمر في الواقع، نحن نقصد هنا على المستوى المبدئي على الاقل.

([41]) للتفصيل ينظر: اليكس ميكشيللي، الهوية، م.س.ذ، ص38.

([42]) انتوني غدنز، علم الاجتماع، م.س.ذ، ص747.

([43]) المصدر السابق، ص761.

([44]) شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا (انكليزي-عربي)، ط1، جامعة الكويت، 1981، ص ص898، 903.

([45]) للتفصيل ينظر: جوردن مارشال، موسوعة علم الاجتماع، مجلد 1، ترجمة: محمود الجوهري وآخرون، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، ليبيا، 2000، ص550.

([46]) جماعة صغيرة ولكن تتكون من عناصر داخلية وخارجية لأية مجتمع (أمة)، أي بين الأمم ولكن ليس فوقها.

([47]) اليكس ميكشيللي، الهوية، م.س.ذ، ص ص27، 53.

([48]) ينظر: ناظم عبد الواحد جاسور، موسوعة علم السياسة، م.س.ذ، ص384.

([49]) علاء عبد الرزاق مطلك، أزمة الهوية في الفكر العربي المعاصر بين الأصالة والمعاصرة، اطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2000، ص ص24، 29.

([50]) المصدر السابق، ص29.

([51]) محمد عابد الجابري، العرب والعولمة والهوية الثقافية، م.س.ذ، ص299.

([52]) اليكس ميكشيلي ، الهوية ، م . س . ذ المصدر السابق، ص ص18، 22.

([53]) اسماعيل نوري الربيعي، التاريخ والهوية: إشكالية الوعي بالخطاب التاريخي المعاصر، م.س.ذ، ص53.

([54]) محمد عابد الجابري، مسألة الهوية (العروبة والإسلام- والغرب)، م.س.ذ، ص7.

([55]) المصدر السابق، ص ص36- 47.

([56]) للتفصيل ينظر: المصدر السابق، ص184 ومابعدها.

([57]) مجموعة باحثين، مقدمة كتاب: صورة الآخر (العرب ناظراً ومنظوراً إليه)، تحرير: الطاهر لبيب، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999، ص21.

([58]) منذر الكيلاني، الاستشراق والاستغراب (اختراع الآخر في الخطاب الانثروبولوجي)، في: مجموعة باحثين، صورة الآخر (العرب ناظراً ومنظوراً إليه)، م.س.ذ، ص82.

([59]) أسماء العريف بياتريكس، الآخر أو الجانب الملعون، المصدر السابق، ص93.

([60]) صموئيل ب. هنتنغتون، من نحن؟، م.س.ذ، ص39-40.

([61]) نقلاً عن: المصدر السابق، ص41.

([62]) اليكس ميكشيللي، الهوية، م.س.ذ، ص ص22- 26.

([63]) المصدر السابق، ص26.

([64]) المصدر السابق، ص ص38-41.

([65]) صموئيل هنتنغتون، من نحن؟، م.س.ذ، ص43.

([66]) المصدر السابق، ص43.

([67]) أميرة كشغري، الهوية الثقافية بين الخصوصية والتبعية (مقاربة معرفية- اجتماعية)، ورقة عمل مقدمة في برنامج الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، من الانترنت، م.س.ذ.

([68]) عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الثقافة: المفاهيم والإشكاليات… من الحداثة إلى العولمة، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 2006، ص25.

* يمكن الإشارة إلى: محمد نصر عارف، الحضارة- الثقافة- المدنية، دراسة لمسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، ط1، المعهد العالي للفكر الإسلامي، فرجينيا- الولايات المتحدة الأمريكية، 1994.

([69]) ابن منظور، لسان العرب، مجلد 3، م.س.ذ، ص28.

([70]) المصباح المنير، نقلاً عن: محمد علي داهش، سعد غالب، موضوعات مادة الثقافة القومية والاشتراكية لمرحلة الصفوف الرابعة، ط1، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل-العراق، 1987، ص16.

([71]) المصدر السابق، ص16.

([72]) المصدر السابق، ص ص16، 7، وللتفصيل حول الاشتقاق اللغوي لـ(Culture) في الإنكليزية والفرنسية ينظر:

The Oxford English Dictionary, Volume II, At the Clarendon Press, Oxford University Press, London, 1967, PP.1248, 1247.

([73]) إدوارد تايلور، الثقافة البدائية، نقلاً عن: عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الثقافة: المفاهيم والإشكاليات… من الحداثة إلى العولمة، م.س.ذ، ص31.

([74]) نقلاً عن: عز الدين مناصرة، الهويات والتعددية اللغوية، م.س.ذ، ص25-26.

([75]) عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الثقافة، م.س.ذ، ص31.

([76]) جوردن مارشال، موسوعة علم الاجتماع، مجلد 1، م.س.ذ، ص511.

([77]) المصدر السابق، ص512.

([78])صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ترجمة: مالك عبيد أبوشهيوه و محمود محمد خلف، ط1، الدار الجماهيرية الليبية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا، 1999، ص103.

([79])آرثر هيرمان، فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي، ترجمة: طلعت الشايب، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، ليبيا، 2000 ، ص290.

([80]) عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الثقافة، م.س.ذ، ص33.

([81]) المصدر السابق، ص104.

([82]) المصدر السابق، ص35.

([83]) صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات، م.س.ذ، ص103.

([85]) المصدر السابق، ص106-107.

([86])علي حرب، حديث النهايات (فتوحات العولمة ومآزق الهوية)، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، 2000 ، ص109.

([87])برهان غليون، اغتيال العقل (محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية)، ط3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990 ص119.

([88]) المصدر السابق، ص121-122.

([89]) المصدر السابق، ص123.

([90])تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة، ط3، دار الساقي، بيروت-لبنان، 2003، ص15.

([91]) انتوني غدنز، علم الاجتماع، م.س.ذ، ص79.

([92]) المصدر السابق، ص82-83؛ وللتفصيل أكثر ينظر: هادي نعمان الهيتي، الثقافة العربية أمام تحديات الفضائيات الوافدة، في: مجموعة باحثين، العولمة والهوية، تحرير ومراجعة: صالح ابو اصبع وآخرون، ط1، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2002، ص ص311، 329.

([93]) اليكس ميكشيللي، الهوية، م.س.ذ، ص38-39.

([94]) كما أوردها: عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الثقافة…، م.س.ذ، ص ص115- 122.

([95]) تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة، م.س.ذ، ص16.

([96]) المصدر السابق، ص17.

([97]) صموئيل ب. هنتنغتون، م.س.ذ، ص13.

([98]) المصدر السابق، ص46.

([99])عبد الكريم غلاب، أزمة المفاهيم وانجراف التفكير، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 1998، ص39.

 

ملاحظة: المصدر الاصلي للدراسة لم يضع فيها اسم الناشر
https://bouhoot.blogspot.com/2017/04/blog-post_68.html

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى