دراسات سياسية

مفهوم العقلانية السياسية

من بين المفاهيم الجديدة التي أفرزتها العولمة السياسية نجد مفهوم الجودة السياسية التي تعني بمعناها البسيط بناء نظام حكم يقوم على الأداء الفعال ، على العقلانية ، على الشفافية ، على الديمقراطية المشاركتية ، على حقوق الإنسان ، و يؤمن بالتداول على السلطة ، بالتعددية، بالمحاسبة و بالجزاء .

من بين عناصر الجودة السياسية المرتبطة بالديمقراطية المشاركاتية و الفعالية حسب المنطق العولمي لحقوق الإنسان نجد العقلانية السياسية التي تعني في معناها البسيط قدرة النظام السياسي الوصول إلى مجموعة عمليات اتخاذ القرارات و صناعة السياسات العامة حسب منطق اقتصادي- مادي قائم على اختزال الزمن و اقتصاد المال و صرفه بصفة تحقق أكبر قدر من الخدمة العامة من جهة ، كما ترتبط العقلانية السياسية من جهة أخرى بفتح مجال لمشاركة كل الفواعل الاجتماعية ، السياسية و المؤسساتية بصفة تخلق عدد من الخيارات و البدائل السياسية و القرارية للرفع من مستوى النجاعة الوظيفية و الفعالية السياسية .

فالعقلانية السياسية، من هذا المنظور، تقتضي توفر مجمل الشروط التالية:

-1- ضرورة توفر تصور توافقي حول حقوق الإنسان على المستوى الوطني بشكل يجعلها تشكل مصدرا محوريا للتشريع تبني من خلاله أسس فلسفة الدولة و المجتمع .

2- وجود تصور توافقي لمفاهيم الخدمة العامة و الصالح العام .

-3- قدرة الفواعل السياسية و الاجتماعية من أحزاب و مجتمع مدني في التأثير في صناعة السياسات العامة و اتخاذ القرارات بتحولها لمصادر خيارات سياسية و قرارية و فواعل لتقييم مخرجات النظام السياسي من أجل تحسين الأداء الوظيفي و السياسي لنظام الحكم.

-4- توفير الكفاءة السياسية و الحنكة الديمقراطية الكفيلتين بترشيد وظائف النظام السياسي حسب منطق الفعالية ، اقتصاد الزمن و المال العام و تمكين المواطنين من حقوقهم .

فالعقلانية السياسية من هذا المنطلق هي مجموعة العمليات التي تجعل النظام السياسي أكثر حركية و فعالية و تحقيقا لحقوق المواطنين و حاجاتهم حسب منطق الإدارة بالجودة و الأهداف، و حسب منطق استشراف المخاطر و التهديدات كلها قبل بروزها و تفاقمها. فالعقلانية السياسية هي من معايير تقييم وقياس درجة جودة النظام السياسي ، مستوى نجاعته و فعاليته و درجة شدته الديمقراطية. فالنظام السياسي العقلاني يضمن في النهاية درجات عالية من العدالة الاجتماعية و السياسية من جهة، و الاستقرار السياسي المزمن من جهة أخرى .

فالجودة السياسية إذن هي نمط جديد للحكم ينطلق من حقوق المشاركة السياسية بأشكالها الثلاثة:

مشاركة سياسية دائمة تؤسس لهيكلة حزبية تعددية لها دور التأطير السياسي للمجتمع ، كما تلعب دور الرقيب في المعارضة و داخل السلطات التشريعية و القرارية. أيضا كما تتكون المشاركة السياسية الدائمة من مجتمع مدني فعال ، مستقل سياسيا عن السلطة السياسية و الأحزاب و يملك ذمة مالية خاصة تمكنه من المبادرة

فهو مرتبط بالمشاركة السياسية الدورية التي تقوم على حرية الترشح و المشاركة في إنتخابات حرة ، نزيهة ، تعددية و منتظمة حسب منظومة انتخابية قانونية و إجرائية تحدد شروط الترشح و الانتخاب و مدة العهدة و تضمن شفافيتها و حريتها و نزاهتها

أما البعد الأخير للمشاركة السياسية فهو البعد التمثيلي الذي يقوم على مركزية السلطة التشريعية في النظام السياسي ، بدورها الرقابي و محوريتها في التشريع و دورها الفعال في المساهمة في صناعة السياسيات العامة و في مراقبة السلطة التنفيذية ، هذا على المستوى الوطني . أما على المستويين المحلي و الجهوي فتقوم المجالس التمثيلية المنتخبة بالمبادرة في صناعة سياسات التنمية المحلية و الجهوية بما يحقق الأولويات النفعية لسكان هذه المناطق مع احترام مبادئ المشاركة و العقلانية في التسيير.

فالجودة السياسية إذن هي حركية جامعة بين منطق المشروعية ، فلسفة التداول و عمليات الفعالية لبناء دولة الذكاء و الرشادة.

الرشادة السياسية

تقوم الرشادة السياسية على محتوى معرفي مركب بتركيزه على الحكم و التسيير في آن واحد و ذلك إنطلاقا من تعريف للمشروعية Legitimite يجمع بين بعد التوافق مع القيم الديمقراطية العالمية التي تنعكس في انتخابات حرة ،نزيهة تعددية و منتظمة من جهة، و مع وجود منطق حكم و تسيير يقوم على مبادئ العقلانية ، المشاركة و الشفافية و المحاسبة. فالمشروعية،من هذا المنظور، لا يجب النظر إليها كمجرد صفة معرفة بمدى قبول من يحكم من طرف المواطنين كما تطرحه نظريات علم النفس السياسي عند أمثال Merelman أو مجرد الاعتقاد بأحقية من يحكم بالنظر للتقاليد السياسية أو الخاصية الكاريزمية كما هو عند Max Weber بل التركيز أكثر على البعد العقلاني في الإختيار ( المصدر الثالث للمشروعية عند فيبر ) من خلال انتخاب أفضل المرشحين بحرية وحسب منطق القناعة بصلاحية و نفعية و نجاعة البرامج الانتخابية . هذا بالإضافة إلى تنفيذ السلطة السياسية لوعودها الانتخابية بشكل يبقى على هذا القبول و الرضى … لأن مشروعية النظام السياسي ، حسب هذا المنطق ، هي عملية مستمرة بدايتها الانتخابات الديمقراطية و حركيتها تحددها مستويات الفعالية السياسية.

بالإضافة لمنطق المشروعية ، تقوم الرشادة السياسية على ضرورة وجود مجتمع مدني فعلي و فعال يتمتع بإستقلالية الذمة المالية و القدرة على المبادرة الوظيفية في مجال تخصصي محدد (البيئة ، الصحة ، التعليم ، الشباب ، النساء ..إلخ) ليكون قناة معبرة عن مطالب و حاجات و تطلعات المجتمع . كما تشكل هذه الجمعيات أيضا آليات دعم و إيصال لهذه الهموم و الأولويات … فكلما كان التفاعل بين السلطة السياسية و المجتمع المدني ايجابيا زادت احتمالات الفعالية السياسية خاصة أن للمجتمع المدني دور أساسي آخر و هو المشاركة في عمليات فرض الشفافية و الحسبة في ظل وجود حق للإعلام مكفول دستوريا و قانونيا و مفعل واقعيا بوجود تعددية إعلامية بأبعادها المكتوبة ، السمعية و المرئية و الالكترونية ، على أن تكون قادره على أن تتحول من مجرد هيكلة إعلامية ذات وظيفة إخبارية إلى وظائف تكوين الرأي العام و توجيهه، و لكن أيضا إلى وظيفة التحري لكشف التجاوز ، التعسف و الفساد للمساعدة على الحسبة و المحاسبة و التقويم في عمل السلطة السياسية و مؤسسات الدولة عموما . فلا يمكن الحديث عن رشادة الحكم إلا بوجود هذا التفاعل الشفاف .

بالإضافة للشفافية السياسية للنظام السياسي ، يقتضي منطق الرشادة السياسية تبني من يحكم لمناهج عقلنة المصاريف العمومية و ترقية مفهوم الخدمة العامة بما يتوافق مع فهم توافقي لماهية الصالح العام لتمكين أغلب المواطنين بالانتفاع بأكبر قدر من الحاجات لأطول فترة ممكنة و بأقل تكلفة . إلا أن العقلانية السياسية تقتضي لأن تكون حركية فعلية في النظام السياسي أن يكون هناك عدد من العناصر التأسيسية :

1- نظام محاسبي وطني دقيق و لكن أيضا مرن .

2- نظام بيروقراطي فعال و ناجع مركب و لكن غير معقد ، لأن التعقيد الوظيفي يخلق الجمود مما يقلل من فعالية النظام السياسي و هذا من شأنه أن يقلص من احتمالات العقلانية .

3- تطوير آليات للتدقيق السياسي و الإداري audit politique et administratif من أجل التقييم و التقويم في الخيارات السياسية و القرارية للنظام السياسي و على كل المستويات .

4- نظام اتصالي تفاعلي شفاف و ذا مصداقية لتقريب الإدارة من المواطن لتفعيل عمليات التغذية الاسترجاعية feed back لتمكين المؤسسات السياسية و الإدارية من تصحيح أخطائها للرفع من جودة أدائها السياسي .

فمن خلال هذه المنطلقات ، يمكن تعريف الرشادة السياسية على أنها فلسفة الحكم (بالديمقراطية) و التسيير بالمشاركة ، بشفافية و أمانة …. إنها التعبير العملياتي بمنطق الجودة السياسية الذي يشكل لب فلسفة و منهجية الهندسة السياسية ( الديمقراطية ) .

و من أجل الوصول إلى ذلك ، يجب أن يقر النظام السياسي بالمصدر الحقوقي للقانون لبناء دولة حق و قانون بشكل يكون توازن بين منطق الدولة و حاجاتها و منطق الذات الإنسانية و بشكل يخلق معه عددا من الحركيات التأسيسية للرشادة السياسية و منها :

1- جعل حقوق الإنسان و منطق الديمقراطية المشاركاتية الأساس العملياتي و المعياري للتنشئة السياسية بتطوير مادة تربوية وإعلامية و توجيهية هادفة لإنتاج مجتمع يقوم على السلم الاجتماعي، الاختلاف الفكري و الحوار السياسي .

2- لتطوير هيكلة إدارية متكاملة (بإسم التعقيد المؤسساتي ) من مؤسسات تمثيلية محلية (مجالس بلدية أو مجالس جهوية منتخبة ) و المصالح الخارجية للوزارات مع تقريبها هيكليا من المواطن ربحا للمال و الوقت و ذلك أساس العقلانية .

3- تطوير آليات الرقابة المالية لتقييم مستوى توافق النفقات العمومية مع الأهداف البرماجية المصادق عليها انتخابيا ،سياسيا أو قراريا منعا لتبديد الأموال العمومية ، الاختلاسات أو الفساد .

4- تطوير نظام التدقيق الديمقراطي Democratic Audit لتحديد مستوى شفافية ، حسبة و مسؤولية النظام السياسي من أجل الوصول إلى المجتمع الديمقراطي الذي أساسه العدالة في التوزيع و التساوي في الفرص و الجزاء في ظل نظام تحكمه أبجديات الكفاءة و الاستحقاق .

5- العمل على تكوين لجان خبرة مستقلة وطنية أو عالمية من أجل تقييم السياسات العامة القطاعية أو الكلية بهدف الرفع من الأداء السياسي الكلي لنظام الحكم حسب منطق الخدمة العامة.

فمن هنا فالرشادة السياسية تقوم على الجمع الذكي بين الحاجة للاستقرار السياسي و ضرورة الاستجابة لحاجات و مطالب المجتمع. فالرشادة السياسية تقوم بالتالي على معادلة جامعة بين : المشاركة الديمقراطية +الفعالية السياسية +الحسبة + الشفافية .

العقلانية السياسية :

التي تعني في معناها البسيط قدرة النظام السياسي الوصول إلى مجموعة عمليات اتخاذ القرارات و صناعة السياسات العامة حسب منطق اقتصادي- مادي قائم على اختزال الزمن و اقتصاد المال و صرفه بصفة تحقق أكبر قدر من الخدمة العامة من جهة ، كما ترتبط العقلانية السياسية من جهة أخرى بفتح مجال لمشاركة كل الفواعل الاجتماعية ، السياسية و المؤسساتية بصفة تخلق عدد من الخيارات و البدائل السياسية و القرارية للرفع من مستوى النجاعة الوظيفية و الفعالية السياسية

فالعقلانية السياسية من هذا المنطلق هي مجموعة العمليات التي تجعل النظام السياسي أكثر حركية و فعالية و تحقيقا لحقوق المواطنين و حاجاتهم حسب منطق الإدارة بالجودة و الأهداف، و حسب منطق استشراف المخاطر و التهديدات كلها قبل بروزها و تفاقمها.

فالعقلانية السياسية هي من معايير تقييم وقياس درجة جودة النظام السياسي ، مستوى نجاعته و فعاليته و درجة شدته الديمقراطية. فالنظام السياسي العقلاني يضمن في النهاية درجات عالية من العدالة الاجتماعية و السياسية من جهة، و الاستقرار السياسي المزمن من جهة أخرى.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى