مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 2، المجلد 9، العدد ( 8 ) اکتوبر 2020، الخريف 2020، الصفحة 100-132
من اعداد حنان کمال أبوسکين المرکز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.
المستخلص
إن تغير المناخ فى الأساس قضية تنمية فهو يهدد بتفاقم معدلات الفقر ويضر بالنمو الاقتصادى وتؤثر التغيرات المناخية سلباً على مختلف الدول وليس عدلاً أن يتحمل الأعضاء جميعهم الأعباء بذات القدر. لقد کان للدول الصناعية السبق التاريخى فى التصنيع وبالتالى الإضرار بالغلاف الجوى وتتحمل معظم المسؤولية عن توليد الانبعاثات، في حين تعتبر الدول النامية الأکثر عرضة لتبعات ارتفاع درجة حرارة الأرض والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتکنولوجيا للتکيف مع عواقب التغيرات المناخية، ومن ثم ينبغى أن تتحمل الدول المتقدمة عبء أکبر من الفقيرة فى التصدى لتغير المناخ وهو ما يعرف بمبدأ المسؤولية المشترکة لکن المتباينة. ولا يوجد اتفاق دولى حتى الآن على کيفية ترجمة هذا المبدأ لتوزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشکل عادل ومنصف، وتطرح العدالة المناخية بعض المقاربات والرؤى بشأن کيفية الاستجابة لتغير المناخ سواء عن طريق خفض الانبعاث (التخفيف) أو عن طريق التکيف معه بطريقة منصفة مما يتطلب معرفة کيف تتحقق العدالة المناخية.
تطرح الورقة تساؤلات حول ما المقصود بالعدالة المناخية وما أسسها النظرية؟ وهل تتحقق فقط بين الدول وبعضها أم تنسحب إلى الأشخاص، والنوع والأجيال؟، کيف تقبل البلدان المتقدمة الالتزام الأخلاقى لتحقيق العدالة المناخية؟ هل العدالة تتحقق فى وضع سياسة المناخ أم فى المخرجات؟
وتتناول المحاور التالية :
أولاً: الاتفاقيات الدولية بشأن المناخ.
ثانياً: مبادئ ومقاربات العدالة المناخية
أ- تداعيات تغير المناخ وطرح مفهوم العدالة المناخية
ب- مقاربات نحو العدالة المناخية.
تشکل التغیرات المناخیة التى یواجهها العالم الیوم تحدیًا هائلاً للتنمیة، وشهدت جمیع القارات خلال الخمسة العقود الماضیة تقلبات مناخیة کبرى کانت ولا تزال موضوعاً للعدید من الدراسات حول حدتها واستمرارها. لقد صاحب ظاهرة الاحتباس الحرارى انعکاسات طالت مختلف المجالات والأبعاد الإنسانیة فى ظل الاستهلاک المفرط للموارد الطبیعیة وزیادة حجم الغازات السامة المنبعثة من المصانع والنفایات مما یعمل على إضعاف التنمیة. وأصبحت الأرض تخضع لیس فقط للتغیرات المناخیة الطبیعیة ولکن أیضا للتغییرات الناتجة عن الأنشطة البشریة بما یزعزع استقرار الأنظمة البیئیة ویتسبب فى عدة کوارث طبیعیة مدمرة کالأعاصیر، وذوبان الجلید، واختلال معدل الهطول المطرى، والفیضانات، والانهیارات الأرضیة والجفاف الحاد ….إلخ[i].
لقد لعبت الثورة الصناعیة القائمة على الوقود الأحفورى فى القرنین الماضیین دورًا خطیرًا فى إحداث حالة من التلوث لم یسبق أن تعرض کوکب الأرض إلیها. قامت هذه الثورة على عصب مهم وهو البترول والفحم والغاز وذلک کمصدر طاقة أساس للحرکة أو الإضاءة أو التدفئة وعمل القطاعات الصناعیة والتجاریة والزراعیة والنقل والخدماتیة الأخرى. وقد نتج عن تلک الأنواع غازات تعمل على حبس الحرارة وتمنع عودتها إلى الفضاء الخارجى کما یوجهها النظام الطبیعى مثل ثانى أوکسید الکربون وهذا من أهم أسباب تغیر المناخ المعروفة حالیاً[ii]. وعملت تلک الغازات على رفع حرارة الکوکب درجة مئویة واحدة مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعیة، مما تسبب فى تغیرات عمیقة فى النظم البشریة والطبیعیة[iii].
إن تغیر المناخ فى حد ذاته قضیة غیر عادلة لثلاثة أسباب أولا : لیس کل شخص مسئول بنفس القدر عن تغیر المناخ، والبلدان ذات الناتج المحلى الإجمالى الأکبر والأفراد ذوى المستوى الأعلى هم الأکثر مساهة فى انبعاثات غازات الدفیئة، وثانیاً: لیس کل البشر عرضة للخطر على قدم المساواة أولئک الذین کانوا أقل مسئولیة هم من یتحملون العبء الأکبر من الآثار السلبیة، ثالثاً: لیس کل شخص على قدم المساواة لتمکینه من المشارکة فى عملیة صنع القرار التى ستؤثر على کیفیة توزیع الموارد المحدودة للتکیف[iv].
المشکلة البحثیة:
إن تغیر المناخ فى الأساس قضیة تنمیة فهو یهدد بتفاقم معدلات الفقر ویضر بالنمو الاقتصادى وتؤثر التغیرات المناخیة سلباً على مختلف الدول ولیس عدلاً أن یتحمل الأعضاء جمیعهم الأعباء وبالحدة نفسها. لقد کان للدول الصناعیة السبق التاریخى فى التصنیع وبالتالى الإضرار بالغلاف الجوى وتتحمل معظم المسؤولیة عن تولید الانبعاثات، فی حین تعتبر الدول النامیة الأکثر عرضة لتبعات ارتفاع درجة حرارة الأرض والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتکنولوجیا للتکیف مع عواقب التغیرات المناخیة، ومن ثم ینبغى أن تتحمل الدول المتقدمة عبء أکبر من الفقیرة فى التصدى لتغیر المناخ وهو ما یعرف بمبدأ المسؤولیة المشترکة لکن المتباینة. ولا یوجد اتفاق دولى حتى الآن على کیفیة ترجمة هذا المبدأ لتوزیع المنافع والأعباء المرتبطة بتغیر المناخ بشکل عادل ومنصف، وتطرح العدالة المناخیة بعض المقاربات والرؤى بشأن کیفیة الاستجابة لتغیر المناخ سواء عن طریق خفض الانبعاث (التخفیف) أو عن طریق التکیف معه بطریقة منصفة مما یتطلب معرفة کیف تتحقق العدالة المناخیة.
التساؤلات:
ما المقصود بالعدالة المناخیة وما أسسها النظریة؟ وهل تتحقق فقط بین الدول وبعضها أم تنسحب إلى الأشخاص، والنوع والأجیال؟، کیف تقبل البلدان المتقدمة الالتزام الأخلاقى لتحقیق العدالة المناخیة؟ هل العدالة تتحقق فى وضع سیاسة المناخ أم فى المخرجات؟
المنهجیة
تعتمد الورقة على التحلیل الثانوى للأدبیات وتحلیل الدراسات التى تتناول الموضوع مع مراعاة تنوع المصادر لمعالجة المحاور التالیة :
أولاً: الاتفاقیات الدولیة بشأن المناخ.
ثانیاً: مبادئ ومقاربات العدالة المناخیة
أ- تداعیات تغیر المناخ وطرح مفهوم العدالة المناخیة
ب-مقاربات نحو العدالة المناخیة
أولاً: الاتفاقیات الدولیة بشأن المناخ
کانت قمة الأرض أومؤتمر ریو Rio Earth summitلعام 1992 أول محاولة کبرى للتصدى للشواغل البیئیة العالمیة، ومحاولة تصمیم سیاسات وتخصیص أموال لمعالجة هذه المخاوف باعتبارها تهدیداً عالمیًا وضم ممثلى 178 دولة وصدر عنه إعلان ریو المعروف بشأن البیئة والتنمیة، ووضع جدول أعمال القرن الحادى والعشرین. وقد نتج عنه أیضاً اعتماد اتفاقیة الأمم المتحدة للتنوع البیولوجى 1992، واتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة التصحر، والاتفاقیة الإطاریة الخاصة بالتغیرات المناخیة، والاتفاقیة الخاصة بصید الأسماک فى أعالى البحار. ومن جهتها عقدت الجمعیة العامة للأمم المتحدة سنة 1997 دورة استثنائیة عرفت بـ” قمة الأرض +5″ لاستعراض تنفیذ جدول أعمال القرن الحادى والعشرین وتقدیم توصیات لمواصلة العمل به کما أوضحت من خلالها أن البیئة فى تدهور مستمر، وتم فى نفس العام اعتماد البروتوکول البارز المعروف ببروتکول کیوتو للتغیرات المناخیة[v].
ومع بدایة الألفیة الثالثة عقد قادة الدول والحکومات فىنیویورک قمة الألفیة والتى تمخضت عنها الأهداف الإنمائیة للألفیة حیث یرمى هدفها السابع إلى کفالة الاستدامة البیئیة، ثم عقدت قمة جوهانسبورغ للتنمیة المستدامة بجنوب إفریقیا سنة 2002 وأصدرت قرارات هامة أسست للعدید من المبادئ البیئیة ومن أهمها الوقایة البیئیة کجزء رئیسى فی التنمیة. وقد أصدرت الأمم المتحدة عام 2007 تقریر بالى الذى تناول أثر التغیرات المناخیة على الأمن فى أرجاء العالم؛ وأشار إلى أن عدم التحکم فى مشکلة التغیرات المناخیة سیؤدى إلى غرق بعض المناطق فى العنف والصراعات والحروب وظهور وانتشار اللاجئین البیئیین[vi].
لقد حالت الانقسامات الدولیة واختلاف المواقف على هامش انعقاد مؤتمر کوبنهاجن فى 2009 دون التوصل إلى نتائج ملموسة وملزمة فیما یخص تخفیض انبعاثات الغازات الدفیئة وتحدیث بروتوکول کیوتو الذى حدد حصص التلوث لکل دولة. وتواصلت مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بتغیر المناخ التى عملت على وضع إجراءات وآلیات لتنفیذ بروتوکول کیوتو وتحدیثه. وفى هذا السیاق التقت الأطراف المعنیة فى قمة کانکون بالمکسیک عام 2010، ثم فى دیربان بجنوب إفریقیا سنة 2011، ثم فى قمة الدوحة 2012، وتلتها قمة وارسو ببولندا فى 2013، ثم قمة لیما بالبیرو سنة 2014، ثم قمة باریس 2015، وعلقت الآمال على الأطراف المجتمعة من أجل ضرورة الانتقال من مستوى التصریحات إلى الأفعال فیما یخص مسألة التغیر المناخى الذى یتطلب إطاراً قانونیاً قویاً یتضمن قواعد والتزامات واضحة[vii].
بناء على ذلک، عقد الأمین العام للأمم المتحدة أنطونیو جوتیریش قمة المناخ فى 23 سبتمبر 2019 لتوحید قادة العالم من الحکومات والقطاع الخاص والمجتمع المدنى من أجل دعم العملیة المتعددة الأطراف وزیادة وتسریع العمل والطموح المناخى. ورکزت القمة على القطاعات الرئیسة التى من الممکن أن تحقق الفرق الأکبر کالصناعات الثقیلة والحلول القائمة على الطبیعة والمدن الخضراء والطاقة والمرونة وتمویل العمل المناخى. وقدم قادة العالم تقاریر عما یقومون به وما الذى یعتزمون فعله عندما یجتمعون عام 2020 فى مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ حیث من الممکن تجدید الالتزامات وزیادتها[viii]. ومن المتوقع أن یستمر ذلک الجهد وتعقد الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف فى اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ فى الفترة من 9-19 نوفمبر 2020 ، فى المملکة المتحدة[ix].
1-اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ 1992
انضمت 153دولة فى عام 1992إلى اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ، بهدف تثبیت ترکیزات الغازات الدفیئة فى الغلاف الجوى عند مستوى یحول دون تدخل خطیر من جانب الإنسان فى النظام المناخى، ودراسة ما یمکن فعله للحد من معدل الزیادات فی درجة الحرارة العالمیة وتغیر المناخ والتعامل مع آثار ذلک، وضعت هذه الوثیقة للقوى الصناعیة وتلک فى طریق النمو مبدأ المسؤولیة المشترکة والمتباینة على أساس الانصاف[x]. ودخلت حیز التنفیذ فى مارس 1994، وأصبح عدد الدول الاعضاء حالیاً 196 دولة ( 195 دولة بالإضافة الى الاتحاد الاوربی).
وبحلول عام 1995، أدرکت البلدان أن شروط الخفض من انبعاثات غازات الدفیئة فی الاتفاقیة لم تکن کافیة، فأطلقت البلدان مفاوضات لتعزیز الاستجابة لتغیر المناخ، واعتمدت بعد ذلک بعامین بروتوکول کیوتو الذى یلزم البلدان المتقدمة قانونًا بأهداف الحد من انبعاثات الغازات الدفیئة. وبدأت فترة الالتزام الأولی للبروتوکول فى عام 2008 وانتهت فى عام 2012، أما الفترة الثانیة فقد بدأت فى 1 ینایر 2013 وتنتهى عام 2020. وهناک 195 طرف فى الاتفاقیة و192 طرف فی بروتوکول کیوتو. وتدعم الأمانة العامة لاتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ کافة المؤسسات المشترکة فی المفاوضات الدولیة لتغیر المناخ، وتحدیدًا مؤتمر الأطراف (COP)، بصفته اجتماع الأطراف (CMP)، وجهات الدعم التی تقدم المشورة إلى مؤتمر الأطراف/اجتماع الأطراف.
2-بروتوکول کیوتو
یمثل بروتوکول کیوتو الذى تم التوقیع علیه من قبل 195 دوله فى عام 1997، ودخل حیز النفاذ عام 2005 بعد التصدیق علیه من 175 دولة الخطوة التنفیذیة الأولى لاتفاقیه الأمم المتحده الإطاریه بشأن تغیر المناخ، وقد رفض الکونجرس الأمیرکی التصدیق على بروتوکول کیوتو لأنه استثنى الصین ودول نامیة أخرى من تخفیض الانبعاثات[xi]. یلزم البروتوکول الدول الموقعة علیه بقائمة محدده من الالتزامات الأولى لا یتم التفرقة فیها بین الدول المتقدمة والدول النامیة مثل : تخفیض انبعاثات الغازات الدفیئة بنسب تختلف من دولة لأخرى على أن یجرى هذا التخفیض خلال فتره زمنیه محدده تبدأ فی عام 2008 وتستمر حتى عام 2012 . وبلغت نسبه التخفیض المقررة فى حاله الاتحاد الاوروبى 8% أقل من مستوى عام1990، وفى حین بلغت هذه النسبة فى حاله الولایات المتحدة و الیابان 7%، 6% على التوالى وتشمل غازات محدده هى: ثانى اکسید الکربون، المیثان, أکسید النیتروجین، بالإضافه إلى ثلاث مرکبات فلوریة. یضاف إلى ذلک الحفاظ على الغابات من أجل امتصاص انبعاثات الغازات الدفیئة، والعمل على إنتاج وتطویر تکنولوجیات صدیقة للبیئة. أما الثانیة فهى التزامات تتعهد بها الدول المتقدمة وحدها منها: تمویل وتسهیل أنشطه نقل التکنولوجیا الصدیقة للبیئة منها إلى الدول النامیة والأقل نمواً، التعاون المشترک مع الدول النامیة والأقل نمواً فى ” آلیة التنمیة النظیفیة” أى مساعدتها على الوفاء بمتطلبات التنمیة المستدامة[xii]. وقد ضم البروتوکول آلیة للمرونة تسمى” سوق أرصدة الکربون” من خلال السماح بنقل أرصدة الانبعاثات بین الفاعلین الاقتصادیین، وقد نشأ سوق الکربون الأوروبی أو نظام الاتحاد الأوروبى لتجارة الانبعاثات ویسمح لـلملوثین الأوروبیین الرئیسیین أى الدول الأکثر تلویثًا والشرکات الخاصة بشراء حقوقهم فی التلوث[xiii].
3-اتفاقیة باریس 2015
کانت نظرة العالم لاتفاقیة باریس نظرة متفائلة مستبشرة، لأن قادة العالم قد تجاوزوا الخلافات وتمکنوا من التوصل إلى اتفاق عالمى وقع علیه ممثلو 195 دولة ودخل حیز النفاذ فى نوفمبر 2016 بعد تصدیق 55 دولة علیه – مسئولة عن أکثر من 55 % من انبعاثات غازات الدفیئة[xiv] -، وکانت بنود اتفاق باریس تتسم بعدالة مناخیة وأمن غذائى ومراعاة لمصالح الجمیع، فضلاً عن نحو نصف تریلیون دولار سوف تخصص لمحاربة التغیر المناخى حتى العام2020، وقامت بتحدید الاحترار العالمی بدرجتین بحلول عام 2050 والحد من انبعاثات الکربون بنسبة 50٪، و 100٪ بحلول عام 2100. ویقدر هذا النص الحد الأدنى للتمویل العالمى بمائة ملیار دولار سنویاً لمجموعة ال 77 وتمت المصادقة على هذه الاتفاقیة بالإجماع من قبل الوفود المشارکة[xv]. ولا تلزم الاتفاقیة أى دولة بکمیات محددة من الانبعاثات لکنها تلزم کل الدول بتقدیم “مساهمات قومیة” لتخفیض الانبعاثات تحددها طواعیة بما یعکس قدرات کل دولة ومسئولیتها، وتلتزم الدول بتجدید مساهماتها کل خمس سنوات تبدأ فى 2025على أن تکون المساهمات أکثر طموحًا کل دورة، وأن تکون على أعلى ما یمکن تحقیقه ویتم تسجیلها فى سجل عام لدى سکرتاریة اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة. وفیما یتعلق بالمعلومات عن أنشطة الدول لتنفیذ الاتفاقیة وسیاستها تجاه تغیر المناخ وتقدیم قوائم الجرد الوطنیة للغازات الدفیئة، فهناک عدة أنواع من التقاریر تم اعتمادها فى الاتفاقیة وهى: البلاغات الوطنیة، والتقاریر التى یتم تحدیثها باستمرار کل سنتین[xvi].
جاء فى الاتفاقیة بوضوح أن تقلیل الانبعاثات الذى تعهدت به الدول المختلفة غیر کاف؛ حیث تشیر التقدیرات العلمیة إلى أن مستوى الانبعاثات العالمیة للغازات الدفیئة سیصل فى 2030 إلى 55 جیجا طن (= 55 ملیار طن) سنویاً، رغم أنه یفترض ألا یتجاوز العالم مستوى 40 جیجا طن کی یستطیع تحقیق هدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض بما لا یتجاوز درجتین مئویتین، بالمقارنة مع ما قبل العصر الصناعى. وقد تلقت تلک النظرة الطموحة التى صاحبت توقیع الاتفاقیة انتکاسة تمثلت بإعلان الرئیس الأمریکى دونالد ترامب عن انسحاب بلاده منها لأنها فى رأیه تؤدى لخسائر اقتصادیة ولم ینظر لأى خلفیة سیاسیة أو تداعیات بیئیة[xvii]، وتعتبر الولایات المتحدة الأمریکیة ثانى أکبر بلد باعث للکربون بعد الصین[xviii]. ویتبین أن اتفاق باریس لا یمنح المجتمعات التى تواجه التغیرات المناخیة نقلة حقیقیة لأن التزام الدول وبخاصة الرأسمالیة الغربیة التى أوصلتنا إلى حافة الخطر غیر کاف وضعیف نسبیاً لکن تشکل تلک الاتفاقیة تحسناً هاماً فى المواقف کانت معظم دول العالم قبل التوقیع علیها معفاة من العمل على تقلیل الانبعاثات، لأنها مشمولة ضمن مجموعة الدول النامیة لذا فإن مجرد التوصل إلى اتفاق یعد خطوة هامة فى قضیة التغیرات المناخیة[xix].
ثانیاً: مبادئ ومقاربات العدالة المناخیة
أ- تداعیات تغیر المناخ وطرح مفهوم العدالة المناخیة
تعرف اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة تغیر المناخ أنه” یعنى تغیراً فى المناخ یعزى بصورة مباشرة أو غیر مباشرة إلى النشاط البشـرى الـذى یفضى إلى تغیر فى تکوین الغلاف الجوى العالمى والذى یُلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبیعى للمناخ على مدى فترات زمنیة متماثلة.”[xx] ویُطلق مصطلح تغیر المناخ على الاختلالات والتغیر الملموس وطویل الأثر الذى یطرأ على معدل حالة الطقس لمنطقة ما شاملاً معدلات الهطول المطرى، ودرجات الحرارة، وحالة الریاح، وتُعزى أسباب حدوث هذه الظاهرة إلى عملیات دینامیکیة للأرض أو قوى خارجیة أو إثر النشاط الإنسانى.وإذا لم یتم خفض الانبعاثات بشکل کبیر وسریع ، فقد نصل إلى “نقاط التحول” الرئیسیة ونواجه تغیر أسرع وهذا یعنى ارتفاعًا کبیرًا فی متوسط درجات الحرارة أعلى من المتوسط العالمى[xxi]. من ناحیة أخرى، فإن التغیر المناخى یؤثر سلبیاً على الصحة لسوء التغذیة والإجهاد وسهولة التعرض للمرض وانتقاله مما یهدد التنمیة المستدامة.
تتفق کثیر من الأدبیات على أن الأشخاص فى الدول التى تعتمد اقتصاداتها بشکل کبیر على الزراعة مثل الدول الأفریقیة وفى جنوب آسیا وأمریکا اللاتینیة وتلک المعتمدة على السیاحة مثل الدول الجزریة الصغیرة هم الأکثر عرضة للتداعیات السلبیة للتغیر المناخى فالاضطرابات المناخیة تؤدى إلى تراجع الإنتاج الزراعى وارتفاع أسعار المحاصیل، أما الدول الهشة أو التى بها توترات داخلیة فالضغط البیئى بسبب المناخ سیعقد من إمکانیة التغلب على مشکلاتها مما یؤدى غالباً لعدم الاستقرار[xxii]. وستکون القارة الأفریقیة من أکثر المناطق التى ستتضرر من التغیر المناخى من خلال زیادة الحرارة وارتفاع منسوب میاه البحر، والنقص الحاد للمیاه، ومن ثم التنوع البیولوجى وزیادة التصحر رغم أنها لا تشارک إلا بنسبة أقل من ٥ %من الانبعاثات الإجمالیة لکن لا تملک البنى التحتیة اللازمة للتکیف مع ذلک التغیر، وهذه الملاحظة تنطبق أیضاً على غالبیة الدول العربیة [xxiii].
یُعتبر تغیر المناخ فى أغلب الأحیان أکبر تحد للبشریة فى القرون القادمة بالنظر إلى حجم المشکلة وتأثیراتها على حیاة الإنسان فقد نشرت الهیئة الحکومیة الدولیة المعنیة بتغیر المناخ (IPCC) أول تقریر تقییم لها فى عام 1990، وقد اتُهمت آنذاک بتضخیم الأسباب البشریة -التى هى من صنع الإنسان- وکذلک الآثار المحتملة للاحترار العالمى، وعلى الرغم من عدم الیقین إلا أن الأساس العلمى لتغیر المناخ راسخ الآن ویشیر إلى أن التغییر یحدث بسرعة أکبر من التقدیرات السابقة، ولم یعد بالإمکان اعتباره تهدیدًا بعیدًا[xxiv]. وأصبحت الأحداث السریعة مثل العواصف والفیضانات تؤثر على الهجرة بشکل مباشر وبشکل ملموس وأصبحت هذه الأحداث السبب الرئیس للهجرة القسریة وخاصة النزوح الداخلى، ومن المتوقع أن تکثف آثار تغیر المناخ مثل هذه الکوارث وتسرع معدلات النزوح فی العقود المقبلة. لقد زاد عدد الأحداث السریعة مثل العواصف والفیضانات بمقدار الثلاثة أضعاف على مدى السنوات الثلاثین الماضیة وتعد آثارها على الضعفاء المجتمعات المحلیة مدمرة لا سیما فى العالم النامى. وتشیر التقدیرات أنه منذ عام 2008 تم تشرید ما یقرب من سبعة وعشرین ملیون شخص سنویاً بسبب الطبیعة. أما الأحداث بطیئة الحدوث مثل الجفاف، وندرة المیاه، وارتفاع مستوى سطح البحر، التصحر والتآکل الساحلى أکثر تعقیدًا وتترکز آثارها على الضعفاء، مثل الشعوب الأصلیة، والنساء، والأطفال وقد تکون هذه المجموعات أکثر اعتماداً على الموارد الطبیعیة مما قد یؤدى إلى تفاقم التوترات السیاسیة والاجتماعیة القائمة [xxv].
من ناحیة أخرى، تتطلب معالجة تغیر المناخ شکلاً من أشکال الاتفاق والعمل الجماعى ومن غیر المرجح أن یتم التوصل إلى ذلک ما لم ینظر إلیه جمیع اللاعبین الرئیسیین على أنه “عادل”، فلا یمکن للشمال أن یستقر دون الالتزام الکامل من الجنوب، ولا یمکن للجنوب الالتزام بذلک إذا کان ذلک سیهدد بتقویض تنمیته، وتدرک اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ مشکلة عدالة المناخ لکنها کانت غامضة بشأن تفاصیل کیفیة معالجتها[xxvi]. أما اتفاق باریس فهو غیر ملزم کما سبق التوضیح. إذن تؤثر التغیرات المناخیة سلباً على مختلف الدول ولیس عدلاً أن یتحمل الأعضاء جمیعهم الأعباء بالحدة نفسها. ولا یوجد اتفاق دولى حتى الآن على کیفیة ترجمة هذا المبدأ لتوزیع المنافع والأعباء المرتبطة بتغیر المناخ بشکل عادل ومنصف، سواء عن طریق خفض الانبعاث ویعرف بالتخفیف ویشمل الاهتمام بالنقل النظیف، وإعادة تدویر النفایات ومعالجتها، والحد من استهلاک الوقود الأحفورى وتعویضه بالطاقة المتجددة.. إلخ، أوعن طریق التکیف معه مثل تحســین إدارة المیــاه، وتطویــر محاصیــل تتحمــل الملوحـة والجفـاف، وبناء قدرات الأسر المتضررة، ونقل السکان من المناطق المنکوبة إلى أخرى آمنة… إلخ[xxvii].
لقد اسُتلهمت العدالة المناخیة من مبادئ العدالة البیئیة، لکنها أکثر تعدداً فى الأبعاد وانتشاراً من حیث المکان، لأن تغیر المناخ سیؤثر على السکان فى مسافات مادیة أکبر من مصادر انبعاثات الوقود الأحفورى بینما ترکز العدالة البیئیة على التدهور البیئى على المستوى المحلى. وظهرت العدالة المناخیة لمعالجة الأسباب الجذریة للظلم الاجتماعی والدمار البیئى والهیمنة الاقتصادیة عام 2014 خلال مسیرة “مسیرة مناخ البشر” بحضور أکثر من 300ألف متظاهر فى نیویورک، وتمت تعبئة العدالة المناخیة کمفهوم وحرکة من جانب نخبة من المنظمات الدولیة غیر الحکومیة والمجموعات الشعبیة والأکادیمیینوقد بدأ المفهوم یتبلور بصفة تدریجیة داخل المنظمات غیر الحکومیة وخاصة فى الغرب[xxviii]وحملت بعض المنظمات الاسم ذاته، کـالعدالة المناخیة الآن Climate Justice Now ، ومبادرة العـدالة المناخـیـة Climate Justice Action،والشبکة الدولیة للعمـل المناخـی International CAN، ومؤسسة العدالة البــیئیة Environmental Justice Foundation؛ والقاسم المشترک بینهم الاعتقاد أن کل أعضاء المجتمع الدولى لهم حق إشباع حاجاتهم الفردیة وعلیهم أداء التزاماتهم المادیة لإنقاذ کوکبالأرض من الدمار وهذا هو الرهان الحقیقى للعدالة المناخیة، حیث یتم الانتقال إلى عدالة التوزیع، والمساواة بین الأجیال والدول فى المنافع والتکالیف[xxix].
إن أولئک الذین استفادوا ومازالوا یستفیدون من الانبعاثات فی شکل تنمیة اقتصادیة مستمرة وزیادة الثروة فى البلدان الصناعیة علیهم التزام أخلاقی بتقاسم المنافع مع من یعانون الیوم من آثار تلک الانبعاثات، ومن ثم تسلط العدالة المناخیة الضوء على الطرق والأسالیب التى یکون بها تغیر المناخ قضیة أخلاقیة وکیفیة ربط أسباب تغیر المناخ وآثاره بالعدالة البیئیة والاجتماعیة، وتشیر إلى مبادئ المساءلة الدیمقراطیة والمشارکة، والاستدامة البیئیة، والعدالة الاجتماعیة وقدرتهم جمیعاًعلى تقدیم الحلول لتغیر المناخ[xxx]. إن أکثر الفئات عرضةً لتغیر المناخ هى أفقر مجموعات العالم، لأنها تفتقر إلى الموارد والوسائل اللازمة لمواجهة آثارها کما تختلف تأثیرات التغیرات المناخیة بین النساء والرجال، حیث من المحتمل أن تتحمل النساء العبء الأکبر فى حالات الفقر، ومن ثم یمکن تعریف العدالة المناخیة بشکل عام أنها: “معالجة العبء غیر المتناسب لتأثیرات تغیر المناخ على المجتمعات الفقیرة والمهمشة والسعى إلى تعزیز توزیع أکثر عدالة لأعباء هذه الآثار على المستویات المحلیة والوطنیة والعالمیة من خلال المبادرات الاستباقیة التفاعلیة التى تعتمد على نظریات حقوق الإنسان الدولیة والعدالة البیئیة المحلیة[xxxi].
ب- مقاربات نحو العدالة المناخیة
تتعدد المقاربات التى یطرحها الباحثون والمنظرون بشأن الوصول لسیاسات مناخیة عادلة، لقد اهتم الأشخاص من جنوب الکرة الأرضیة بشکل عام بتوزیع الأعباء والعدالة الإجرائیة من خلال إشراک جمیع الأطراف المعنیة للوصول لاتفاق بما فى ذلک نقل الموارد من الدول ذات الانبعاثات العالیة إلى المنخفضة للتکفیر عن الانبعاثات التاریخیة الزائدة، بمعنى أنه ینبغى السماح للعدید من البلدان الأکثر فقراً بالانبعاث أکثر مع خفض أغنى البلدان لانبعاثاتها إلى مستویات آمنة وهو مایعرف باسم “الانکماش والتقارب” وتتحمل الدول الغنیة نسبیاً الانتقال إلى اقتصاد منخفض الکربون. بحسب مؤشر المسؤولیة والقدرة فالولایات المتحدة یجب أن تتحمل ثلث العبء العالمى للتخفیف، ویأتى الاتحاد الأوروبى بنسبة 25,7%، والصین بنسبة 5,5 % (أقل بکثیر من حصتها من الانبعاثات الحالیة) والهند فقط0,5 % وفقاً لحساب الانبعاثات التاریخیة [xxxii]. بینما اهتم سکان الشمال العالمى بتطویر المسار الاقتصادى الأکثر کفاءة مما یبین أن عدم المساواة العالمیة تؤثر على کیفیة صیاغة الأفراد للمواقف حول المناخ، فأکثر ما یقلق علماء هو “تفسیر القیم ما بعد المادیة” والذى یفترض أن البشر لا یمکنهم البدء فی التفکیر حول البیئة إلا بعد أن یتم تلبیة احتیاجاتهم المادیة وهو مدعوم بأدلة تجریبیة من المسح العالمى للقیم[xxxiii]. والکثیر من أطروحات اـلعدالة المناخیة مستمدة إلى حد کبیر من الرؤى التفسیریة المناهضة للعولمة، وتسهم فى الوقت نفس فى إعادة تشکیلها. وذلک على النحو التالى:
- عدالة سیاسات التکیف
إن التکیف الفعال فى الوقت الراهن أمر ملح، ویمکن أن یقلل بشکل کبیر من تکلفة الأضرار المستقبلیة خاصة فى الدول النامیة لأنها الأقل قدرة . ویتطلب التکیف العادل أربعة مبادئ أساسیة: هى تجنب التغیر الخطیر فى المناخ، والتطلع لحمل المسؤولیة، إعطاء الأولویة للفئات الأکثر ضعفا،ً والمساواة للجمیع. تلزم (المادة4) من اتفاقیة الأمم المتحدة الأطراف بالتعاون فى التخطیط للتکیف ودمج اعتبارات تغیر المناخ فى سیاساتهم الاقتصادیة والاجتماعیة والبیئیة للحد من الآثار السلبیة على الصحة العامة، ومطلوب من البلدان المتقدمة مساعدة الفئات الضعیفة بشکل خاص البلدان النامیة فى التکیف والمشارکة بالتمویل والتکنولوجیا. ولا تولى اتفاقیة الأمم المتحدة اهتمامًا کافیًا بمفهوم الضعف وحساسیة الفئات الضعیفة تجاه آثار تغیر المناخ وقدرتها على التکیف رغم أنه أمر أساسى لفکرة العدالة المناخیة. وتظل المشارکة والتمثیل من القضایا المتنازع علیها فى مناقشة تغیر المناخ حتى فى الاتفاقیات الدولیة لا تتمتع البلدان النامیة بنفس مستویات المشارکة الفعالة البلدان المتقدمة.
المفارقة أنه بینما یحدث تغیر المناخ عالمیاً یکون التکیف محلیًا والمطلوب هو مساحة سیاسیة تسمح بالابتکارات على المستوى المحلى للحفاظ على مبادئ الإنصاف والعدالة [xxxiv]. وهناک حاجة إلى الترابط بین سیاسات تغیر المناخ والسیاسات الاقتصادیة والاجتماعیة والبیئیة الأوسع نطاقا مثل تعلیم الفتیات وتمکین المرأة والشباب وهذا التکامل إحدى السمات الممیزة للعدالة المناخیة. إن تحمیل الحکومات المحلیة مسئولیة العدالة والتکیف المستدام دون تعزیز قدراتها المالیة والتقنیة یعزز فقط الاختلافات بینها فى قدرتها على التکیف ومن الضرورى الحصول على الموارد، إلى جانب المشارکة الهادفة للمهمشین والمجموعات الضعیفة فی القرارات التی تؤثر بشکل مباشر على سبل عیشهم وذلک لضمان عدم تفاقم عدم المساواة والظلم.
تتمثل المشکلة فى أن العدید من البلدان النامیة لم تحدد بعد أولویاتها فى التکیف مع تغیر المناخ، وحتى تلک التى حددت الأولویات فإنها تطبق نهج واحد للجمیع دون مراعاة للاختلافات بین الجماعات أو المناطق المتضررة. ویمکن الاستشهاد بمثال من زنجبار، وتنزانیا ، حیث کانت التدخلات من أعلى إلى أسفل لم تقم بزیادة المشارکة أو العدالة ، ولا الاستخدام المستدام للموارد وقامت الحکومة بتوزیع المعدات والمشاریع البدیلة المدرة للدخل مما خلق الصراع والظلم داخل القرى وفیما بینها بسبب عدم کفایة الموارد والتى لم تستهدف المحتاجین فعلیاً. مما یدل على أن المشارکة الفعالة من قبل جمیع الجهات المحلیة أمر لا بد منه لخلق مقایضات عادلة[xxxv].
جدیر بالذکر أن بعض الدول المتقدمة أیضاً قد تخفق فى التکیف مثل الأمیرکیین الأفارقة فى الولایات المتحدة وکثیر منهم یواجه الظلم المناخى فقد ارتفع مستوى سطح البحر على الشاطئ الشرقى لخلیج تشیسابیک فى ولایة ماریلاند عام 1991 وتکرر حدوث الفیضان مرة أخرى فى السنوات الأخیرة، وتعرضت العدید من المجتمعات الساحلیة الشرقیة الأخرى لخطر الغمر والترحیل بسبب فقدان الأرض، وکانت تعانى من العنصریة التاریخیة. لقد واجه السکان صعوبات لعدة أسباب: ضعف التخطیط على المستوى المحلى، ونقص الشفافیة والمعلومات وکثیر من السکان لم یتم إخبارهم بقدوم العاصفة وخطط الإخلاء، والنقص النسبى فى تمثیل المجتمعات الأمریکیة الإفریقیة فی کل من الحکومة والمنظمات غیر الحکومیة، ومحدودیة رأس المال الاجتماعى الذى یتکون من السمات الاجتماعیة مثل الثقة والشبکات والقیادة والمشارکة ویلعب دورًا مهمًا فى التعافى بعد الکوارث[xxxvi]. یعتبر التمکین عنصراً رئیسیا لخلق المساواة فى صنع القرار ومع ذلک یجب أن یقترن بمفاهیم العدالة الإجرائیة ومعالجة عدم المساواة فی التوزیع على جمیع المستویات.
- تجارة الکربون
تُعد تجارة الانبعاثات إحدى الوسائل المهمة التى لجأت إلیها العدید من الدول لتلبیة الالتزامات المحددة ببروتوکول کیوتو لتقلیص الانبعاثات الضارة، فی محاولة لتخفیف وخفض خطر التغیر المناخى فى ظل مبدأ “الملوث یدفع والمستفید یدفع” [xxxvii]. وتنقسم هذه التجارة إلى عدة أنواع، أوسعها على الإطلاق هو تجارة الانبعاثات الکربونیة التى تستهدف ثانى أکسید الکربون. ویمکن لکل دولة أو مؤسسة لها أنشطة تزید من التلوث أن تشترى حق إنتاج انبعاثات ضارة من الکربون أکثر من الحدود المسموح بها من الدول والمؤسسات التى تنتج انبعاثات أقل من تلک الحدود. مما یشجیع جمیع المتعاملین على تغییر أنماط إنتاجهم، وتطویر تکنولوجیات جدیدة لتقلیص الانبعاثات وقد نتج عن ذلک إنشاء “بورصة” للکربون تحافظ على الحدود القصوى للتلوث على مستوى العالم وتم العمل بالفعل بسیاسات تجارة الانبعاثات فى عدة دول، منها: دول الاتحاد الأوروبى، والولایات المتحدة الأمریکیة، والصین[xxxviii].
تقوم تجارة الکربون على طرفین أساسیین الأول: البائع والذى یکون من الدول أو المصانع والشرکات ذات الانبعاث الکربونى المنخفض أو قد یکون من الدول النامیة، والثانى: المشترى وهو صاحب الانبعاثات المتزایدة ، أما السلعة وهى الکربون یخضع سعرها للعرض والطلب فقد یکون سعر الطن الواحد 20 دولار وقد یرتفع إلى 50 دولار فى الیوم التالى فهو غیر ثابت[xxxix].
وما یمکن الإشارة إلیه أن الدول قد اختلفت حول آلیة الاتجار فى وحدات خفض الانبعاثات، فالدول المتقدمة کالولایات المتحدة الأمریکیة واسترالیا وکندا تشجع اعتماد آلیة الاتجار فى وحدات خفض الانبعاثات ولا تستثنى أى طرف من المشارکة. أما موقف الاتحاد الأوروبى فیرفض مشارکة الدول النامیة فى هذه الآلیة لأن نسبة انبعاثاتها قلیلة بالمقارنة مع الدول المتقدمة وما تزال فى إطار التنمیة، أما موقف الدول النامیة فقد اشترطت أن تکون مشارکتها فى هذه الآلیة بصفة طوعیة وحسب الظروف الاقتصادیة والاجتماعیة لکل طرف[xl].
تعتبر تجارة الکربون طریقة ناجحة للحد من الانبعاث الکربونى إذا ماتم إتباع سیاسات متناسقة فی تسعیر الکربون وفرض الضرائب، وزیادة الجهود الدولیة فى مجال المشاریع النظیفة وتسهیل تطبیقها[xli]. فى المقابل، ثمة تخوف من تحول تجارة الکربون إلى مصدر للربح بدلاً من أداة لتحسین المناخ بعد وقوعها فى قبضة الشرکات الکبرى وهى موضع شک فى مسار العلاقة بین مصالحها الاقتصادیة وحمایة البیئة[xlii] علاوة على الصعوبة البالغة فى تقدیر قیمة الکربون، وأنها تخلق ملکیة حق التلویث وتعد من الناحیة العملیة خصخصة للهواء وهى مشکلة أخلاقیة نظراً للفروق الکبیرة فى الثروة بین الشمال والجنوب، وأن الرابح الحقیقى هو الوسطاء والمضاربون والممولون الذین ربحوا ملایین الدولارات من بیع اعتمادات حفض الانبعاثات[xliii].
- قیام الدولة بفرض قیود على حجم الانبعاثات للمواطنین
إن الدولة لدیها أهمیة کبیرة فى تشکیل التوقعات حول المستویات المستقبلیة للانبعاثات المسموح بها وطرق الحیاة النموذجیة من خلال وضع حوافز لتغییر سلوک المواطنین وأن یخططوا حیاتهم على هذا الأساس، یمکن للدولة إنشاء أنظمة نقل عام مستدام وعلیها أن تحدد الحد الأعلى للانبعاثات الشخصیة المسموح بها وبالتالى یؤثر ذلک بشکل أکبر على توقعات الأفراد وإدارة نمط حیاتهم بطریقة تأخذ المناخ فى الاعتبار. فى هذه الحاله تستخدم الدولة سلطتها الشرعیة لفرض قیود على الانبعاثات الشخصیة مثل تخصیص حصص الکربون للأفراد بحیث یحصل کل فرد على مخصصات کافیة من الانبعاثات لتحقیق مستوى ما من تلبیة الاحتیاجات الأساسیة ومن یرید أکثر یمکنه الشراء[xliv]، وإکراه المواطنین على هذا النمط لا یمس العدالة لأن حکم الشخص على السلطة یکون بناء على تقییم شامل کما أنه یختلف من مواطن لآخر ومن قضیة لأخرى. وهنا یطرح المنظرون تساؤل ما الذى یجعلنا نفکر أن سلوک معین غیر عادل؟ بعبارة أخرى لماذ رأى البعض أن القیود على الانبعاثات غیر عادلة؟ الإجابة أولاً أن حکم الأشخاص على العدالة هو توقع یتفق أو یختلف وفق خلفیاتهم عن البنیة العادلة، وثانیاً هو محتوى أو مضمون هذا الإجراء وما یحمله من قیم. ولا یوجد تعریف واضح وحاسم لما تتطلبه العدالة فیما یتعلق بتغیر المناخ بشکل عام والانبعاثات الشخصیة على وجه الخصوص [xlv].
فى المقابل، یرفض علماء آخرون مثل جون بروم هذه المعاملة المتناظرة لتقاسم الأعباء المتعلقة بالمناخ على مستوى الأفراد. فهو یمیز بین الأخلاق العامة التی یجب أن توجه السیاسة الحکومیة والأخلاق الخاصة التى یجب أن توجه الأعمال الفردیة، ومن ثم یجب تطبیق مبادئ عدالة مختلفة فى کل حالة بدلاً من تطبیق تحلیلات مماثلة لأن الأفراد لدیهم “واجب العدالة بعدم الإضرار بالمناخ، ولیس هدف تحسین العالم”. ومن الأفضل أن یقوم الأفراد بجهود التخفیف طوعیاً بدلاً من العمل الملزم أو الجماعى[xlvi].
- مسؤولیة فردیة ولیست مسؤولیة وطنیة
یتمیز الخطاب السائد حول العدالة المناخیة بأنه یرکز على الدولة وثمة مقاربة أخرى أن تکون مسؤولیات التخفیف داخل الدول بدلاً من بینهما سواء الشرکات، أوالأفراد، ومن ثم صیاغة القضیة باعتبارها مسؤولیة فردیة ولیست مسؤولیة وطنیة. ویجادل هاریس (Harris) بأن التکالیف العالمیة للتکیف مع تغیر المناخ یجب ألا یتم تقاسمها بین الدول ولکن یجب إعادة توزیعها بین الأغنیاء فى العالم القادرین على المساهمة، والفقراء الأکثر تضررًا وأقل قدرة على المساهمة. على سبیل المثال فمتوسط انبعاثات الهند أقل من طنین للفرد ، بینما أفقر الناس فى البلاد ینبعثون أقل من ذلک بکثیر، فی حین أن عددًا کبیرًا من العائلات الثریة والطبقة المتوسطة لدیها أنماط استهلاک وانبعاثات مماثلة لتلک فى البلدان المتقدمة[xlvii]. وفقًا لهذا المنطق، تلعب الدولة دورًا مهمًا باعتبارها “وسیطًا” حیث تتدفق الأموال بشکل أساسی من القادرین إلى الضعفاء عبر الحدود. ولا یزال من الصعب تصور ما هو شکل العدالة المناخیة التى قد تنطبق على الفاعلین من غیر الدول بدون الرجوع إلى الدول التى یقیمون فیها والتى تقع فیها مسؤولیاتهم وربما یعد ذلک غیر مرجح أو على أقل تقدیر غیر عملى فى المفاوضات لأن الدول سترفض تدفق أموال مواطنیها للخارج[xlviii].
- دور القطاع الخاص
من أبرز المناقشات التى تثیر الخلاف موضوع الشراکة بین القطاعین العام والخاص وترى الأوساط اللیبرالیة أن القطاع الخاص یؤدى دوراً حیویاً فى تمویل برامج ومشاریع المناخ، بینما تعتقد الأوساط المعارضة للیبرالیة أن تلک الشراکة تغلب مصالح القطاع الخاص على حساب متطلبات المجتمع فى حمایة الموارد ؛ فالموارد الطبیعیة لیست موارد اقتصادیة فحسب بل هى موارد مجتمعیة لا تخضع لآلیات العرض والطلب[xlix]. وثمة انتقاد للنظام الرأسمالى وآلیات السوق لأنها لا تضع الأضرار البیئیة فى الاعتبار وینظر إلیها أنها آثار خارجیة أى خارجة عن حسابات السوق[l].
فى هذا الإطار، یظهر مفهوم “العیش الجید” الذى یعکس المخاوف المناخیة ویهدف لفتح الطریق نحو نموذج جدید ومقاربة جدیدة للطبیعة، ویأتى فى مقابل مفهوم “العیش الأفضل” بمعنى التراکم المادى الذى یمثل منطق النظام الرأسمالی لأنه مفهوم یعکس تلاقى الأزمات التی نمر بها، وقد عانینا من أزمة الحداثة الغربیة التى أدت إلى فقدان التوازن بین البشر والطبیعة. وفقاً لها المنطق حتى یعیش عدد قلیل من الناس على نحو أفضل فإن الغالبیة العظمى من سکان العالم محکوم علیهم بالعیش بشکل سیء من أجل تلبیة احتیاجاتهم من المواد الخام والعمالة الرخیصة أکثر، وبالتالى فان “العیش الجید” یدعو إلى إنهاء التراکم من أجل التراکم والزیادة فی الثروة المادیة والاستهلاک اللامتناهى للسلع والخدمات ویجب علینا اجراء تغییرات عمیقة والبحث عن توازن جدید والخروج من أیدیولوجیة الفردانیة التى لا یستفید منها سوى عدد قلیل من الناس، فلا ینبغى أن یکون محرک المجتمع هو منطق السوق وتسلیع العالم ولکن تحسین نوعیة الحیاة والتضامن والمساواة وتلبیة احتیاجات الناس “الکافیة” والدفاع عن التنوع الجماعى والثقافى، والحفاظ على الأرض- الأم. لذلک نحن بصدد بناء فکر منهجى یعتمد مقاربة جدیدة للطبیعة تختلف عن العقلانیة الحدیثة التى اتبعها الغرب[li].
- عدالة المدخلات
تتحقق العدالة فى وضع سیاسة المناخ أو المدخلات ولیس فى المخرجات المعنیة بتقییم النتائج أو الآثار العملیة، وتنادى تلک المقاربة بمشارکة أکثر وضوحاً من جانب أطراف البلدان النامیة مما یعزز الاتفاق على نتائج أکثر عدلاً، من خلال زیادة الثقة بین الأطراف اللازمة للاضطلاع بجهود التخفیف وتعزیز التفاهم لاتخاذ إجراءات تعاونیة متبادلة المنفعة فى صیاغة رؤیة محددة للعدالة.
لقد حظت الأبعاد الإجرائیة للعدالة أو مدخلات السیاسة باهتمام أقل نسبیًا من جانب العلماء، وحالیاً تتطلب اللجنة الدولیة للتغیرات المناخیة ( (IPCC من کل فریق عامل أن یشترک فى رئاسته العلماء من البلدان المتقدمة والنامیة وذلک لتحقیق عدالة فى المدخلات من خلال تعزیز الفهم المتبادل. وتمثلبرامج تعویض الکربون أیضاً مثل إعادة زرع الغابات أحد أشکال تحقیق عدالة المدخلات شریطة ألا تکون على حساب السکان الأصلیین ونقلهم من أراضیهم لیتمکن أصحاب مشاریع الکربون من تحویل مزارع الأشجار إلى أرصدة کربون[lii].
- حقوق الأجیال
لقد ألهمت غریتا ثونبرغ وغیرها من نشطاء المناخ الکثیر من النشء والشباب حول العالم للمشارکة فى الإضرابات المدرسیة فى أکثر من 150 دولة –حتى عام 2019- وحظیت باهتمام واسع النطاق من الجمهور ووسائل الإعلام وتلقوا التشجیع من الأکادیمیین والمعلمین وبعض السیاسیین وأعاد ذلک تنشیط خطاب الأجیال بشأن رؤیتهم للعدالة فى مکافحة تغیر المناخ [liii]. تتأسس شرعیة نظریة الإنصاف بین الأجیال بحسب إدیث براون ویس (Edith Brown Weiss) على قواعد القانون الدولى، ودیباجة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حیث تم الاعتراف بــتوریث أو انتقال الکرامة والمُساواة والحق فى الأسرة الإنسانیة الواحدة کقاعدة أساسیة هدفها إرساء الحریة والعـدالة والسلـم فى العالم أجمع. ویرکز هذا المنظور على ثلاثة اعتبارات أولاً: تشجیع الإنصاف ما بین الأجیال، فلا نسمح للجیل الحالى باستغلال الموارد وحرمان الأجیال المقبلة منها، ولا یتم فرض قیوداً غیر معقولة على الجیل الحالى لمواجهة الحاجات المستقبلیة غیر المحددة؛ وثانیاً، یجب ألا نطلب من أحد الأجیال التنبؤ بتفضلیات الأجیال المقبلة بل من واجبنا أن نمنح مرونة للأجیال المقبلة لتحقیق غایاتها انسجاماً مع قیمها، وثالثاً الاعتراف باختلاف التقالید الثقافیة، وأهمیة البحث عن المبادئ التى تجتذبُ الجمیع[liv].
ترکز المقاربة الجیلیة على ما نحن مدینون به تجاه الأجیال القادمة والحالیة الأصغر سناً، ویمنع نقص التمویل الشباب من الاستفادة من الفرص المتاحة على سبیل المثال یقوم المتطوعون بتمویل مشارکتهم ذاتیًا ، على الرغم من أن اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ هی عملیة حکومیة دولیة فقد شارک بها مجموعات من الشباب وأظهر تحلیل الوثائق المنتجة من الشباب المشارکین فى مؤتمرات الأطراف – التى انبثقت عن الاتفاقیة- فى الفترة من 2015 وحتى 2018 خوفهم من أن یؤثر تغیر المناخ على مستقبلهم، وأنهم الأکثر عرضة لتلک الآثار على مدى حیاتهم، وعلى هذا الأساس طالبوا بالعدالة التوزیعیة، والاهتمام بحقوق الفئات الضعیفة بما فی ذلک الشعوب الأصلیة والنساء، وأجیال المستقبل، ثمة نجاح قد تحقق وهو إدراج المساواة بین الأجیال فى دیباجة اتفاق باریس لکن انتقدوا محدودیة تأثیرهم مقارنة بأصحاب المصالح والحکومات القویة التى تسعى إلى وضع تغیر المناخ کمشروع مستقبلى بدلاً من سوء التوزیع التاریخى الذى یکرسه التمییز والرأسمالیة لتجنب مناقشة مسئولیتها عن ذلک[lv].
- المنظور النسوى
یسعى لإلقاء الضوء على الظروف الاجتماعیة وعلاقات القوة فى السیاق الخاص وتمکین النساء الواقعات تحت السلطة الأبویة وهو مایعرف بالایکولوجیا السیاسیة النسویة، فمشروع التنویر لم یمتد على قدم المساواة لجمیع البشریة – فقد حدث استبعاد حسب الطبقة، والجنس، والعرق، والتحکم فى الموارد ویمکن أن تتقاطع تلک العوامل معاً. والنساء هن أکثر الضحایا لتغیر المناخ خاصة فى الدول النامیة بسبب عدم المساواة التى یتحملونها فى علاقات القوة الاجتماعیة [lvi]. تعتمد حیاة المرأة بشکل مباشر على البیئة الطبیعیة فى البلدان الفقیرة والنامیة فهى من یتحمل المسئولیة الرئیسیة لتزوید المنزل بالماء والحطب للطهى و التدفئة بالإضافة إلى المشارکة فى الزراعة ویتنوع الضرر الذى یصیبهن من تغیر المناخ والکوارث الطبیعیة لا سیما فى المناطق الریفیة وبین المسنات مثل التشرد، وانعدام الأمن الغذائى، اعتلال الصحة أو الوفاة .. إلخ وذلک لعدة أسباب منها: الاختلاف بین قدرة الرجل والمرأة على التأثر بتغیر المناخ، عدم اتقان للسباحة، عدم استطاعتهم الخروج بمفردهن من المنزل وترک الأطفال، احتمالیة المعاناة من التهمیش على أساس النوع، انخفاض دخلهن وضعف المهارات والقدرات. من جانب آخر، تزداد مسؤولیات المرأة و أعبائها عند وجودعوائقتحولدون الحصول على المتطلبات الأساسیة من الغذاء والماء والوقود حیث تؤدى موجات الجفاف وإزالة الغابات وسقوط الأمطار المتقطع إلى ضرورة أن تبذل المرأة جهد أکبرلتوفیر سبل العیش علاوة على تزاید احتمالات تعرضهن للعنف والتسرب من التعلیم وخلال الکوارث الطبیعیة وأثناء الهجرة[lvii].
- حقوق الإنسان وحمایة الفئات الضعیفة
یجب أن تعتمد العدالة المناخیة نهجًا ثابتًا قائمًا على حقوق الإنسان خاصة الفئات الضعیفة، کالفقراء والنساء والأشخاص الملونین فى جمیع أنحاء العالم التى تتضرر من الآثار المناخیة مثل الأمریکیون الأفارقة سکان نیو أورلیانز فی أعقاب إعصار کاترینا. هذه الفوارق الطبقیة والعرقیة فى المناخ والآثار السلبیة للتغییر موجودة داخل البلدان وفیما بینها. فقد خلص عدد کبیر من الأبحاث إلى أن الآثار السلبیة لتغیر المناخ ستؤثر بشکل کبیر على الفئات الأکثر فقراً وضعفاً، والأکثر اعتماداً على الموارد الطبیعیة بسبب محدودیة الآلیات المالیة والمؤسسیة، وانخفاض مستویات التنمیة الاقتصادیة، وارتفاع مستویات الفقر، إلى جانب الافتقار إلى شبکات الأمان، فى أفریقیا مثلاً یمکن أن تنخفض محاصیل الزراعة المعتمدة على الأمطار بنسبة 50٪ على الأقل[lviii].
یتم حمایة تلک الفئات من خلال أولاً: تحدید حقوق الإنسان بدقة لمن یتأثر وکیف، فضلاً عن الإجراءات التى ینبغى اتخاذها لتوفیر الإنصاف لهؤلاء الأشخاص، ثانیاً: یکون صنع السیاسات المتعلقة بقضایا العدالة المناخیة أکثر استدامة وعدالة فقط إذا کان السکان المتضررون والفئات الضعیفة تتوفر لهم إمکانیةعرض آرائهم حول القرارات التى یتعین اتخاذها بطریقة حقیقیة ودیمقراطیة. وهذا یعنى أنه لا یمکن تحقیق العدالة المناخیة إلا إذا کانت حقوق الإنسان مضمونة وفق المعاییر العالمیة لکل من یتأثر بأى شکل من الأشکال بتغیر المناخ ویتم احترامها [lix].
- حمایة الثقافات المحلیة
یغفل الترکیز فقط على الأضرار التى تلحق بالممتلکات بسبب تغیر المناخ جزء مهم هو الثقافة؛ فبعض الناس یتخوفون من أن تغیر المناخ سیحرم أعضاء بعض الفئات الاجتماعیة من فرصة الاندماج فى مجتمعاتها التى نشأت فیها نتیجة التغیرات المناخیة وفى العدید من المواقف ستضطر ثقافات بأکملها إلى الانتقال لمناطق أخرى من أجل البقاء وقد یختفى بعضها کلیاً مثل الجماعات التى تعیش فى الجزر المعرضة للغرق[lx].
یلاحظ غیاب الضمانات لحقوق ومصالح الشعوب الأصلیة والمحلیة المجتمعات المقیمة بالقرب من الغابات ولم تتناولها اتفاقیات المناخ. إن إدماج أصحاب الشأن من المواطنین والمجتمعات المحلیة فى سیاسات المناخ یخدم ضرورات العدالة مباشرة عن طریق أخذ مصالح ووجهات نظر المتضررین على محمل الجد. وعندما یشعر المواطنون بأن مخاوفهم قد تم تناولها والسعى لحلها سیکون لدیهم ثقة ودعم لقرارات الحکومة. فأحد أهم مرتکزات العدالة المناخیة وفق ذلک الاقتراب هو حلول تضمن سیادة السکان المحلیین الأصلیین على مواردهم وتملکهم الفعلى للقرار السیاسی وتحکمهم فی مصیرهم[lxi].
- الاقتراب الجزائى
یهتم بالضرر الذى لحق بالنظام البیئى أو تدمیره إلى حد أن التمتع بجزء من تلک البیئة سینخفض إلى حد کبیر فتغیر المناخ إلى جانب النمو السکانى والدمار الواسع النطاق للأنظمة البیئیة الطبیعیة تؤدى لتغیرات لا رجعة فیها، ومن ثم هناک حاجة إلى مجموعة من الآلیات الفوریة والفعالة لحمایة حقوق الأجیال القادمة، ولکن أیضًا حقوق الطبیعة نفسها ضد الإبادة الجماعیة مما یتطلب توقیع الجزاء والعقوبات وحتى الآن لم تتم إدانة أى طرف بمخالفة جریمة الحرب البیئیة. والمبدأ أنه لا توجد عقوبة بدون قانون وثمة العدید من التفسیرات لهذا المبدأ فى القانون الدولى للبیئة لکن الصعوبات العملیة وعدم وجود محکمة للبیئة یحول دون التطبیق، وبینما أحرزت السلطات القضائیة الوطنیة تقدماً فى معالجة جرائم ضد البیئة لا یزال هناک فراغ داخل القانون الدولی ویؤثر على قدرة السلطات القضائیة المحلیة لمواجهة المشاکل الخطیرة لتغیر المناخ [lxii].
استخلاصات ختامیة
یفرض تغیر المناخ تحدیات أساسیة على النظام البیئى من حیث انعدام الأمن الغذائى، والتدهور البیئى، والتنازع على الموارد الطبیعیة یجب أن یکون 2020عام الاهتمام بالعدالة المناخیة کما کان 2019 هو العام الذى احتلت فیه أزمة المناخ مکان الصدارة وحصلت حرکة المناخ على القوة. وستدرج القضیة على جدول مؤتمرات وأنشطة أعمال السیاسة الدولیة لیس بوصفها قضیة سیاسیة مستقلة إنما نتیجة لتغیر المناخ[lxiii]. ولا یمکن إغفال واقع القوة والمصالح العالمیة لکن مازال النضال لاتخاذ سیاسات مناخیة أکثر عدالة قائماً، ورغم تعدد المقاربات فإن العدالة لا تتحقق فقط بتوزیع الأعباء ولکن أیضا فى الاعتراف بمصالح المهمشین والمواطنین المحلیین ومشارکتهم فى صیاغة السیاسات. ویعتبر التوصل لرؤیة متفق علیها ضرورة لتجنب تزاید أعداد مهاجرى ولاجئ المناخ، فقد أشارت عدة دراسات إلى الارتباط بین تغیر المناخ والهجرة.
ویظل تحقیق العدالة المناخیة رهناً بإرادات الدول فمن الصعب على أى حکومة اتخاذ سیاسات من شأنها تقــویض تنافسیة قطاع ما مهم لاقتصادها وإن کان على حساب المناخ والبیئة. على سبیل المثال تعتبر الولایات المتحدة أکثر الدول انکاراً لظاهرة تغیر المناخ بل ومعارضة لها، فقد رفضت التوقیع على بروتکول کیوتو من منطلق أنها تفرق بین الدول الصناعیة وغیر الصناعیة مستندة فى ذلک إلى النظریة اللیبرالیة التی تحمل المسؤولیة لجمیع الدول فى العالم بغض النظر عن کونها صناعیة أم لا. وقد اعتبر بعض أعضاء مجلس الشیوخ حدیثا أن الظاهرة لا تعدو کونها خدعة کبرى، والدور الذى یلعبه النشاط البشرى فى هذه القضیة ما زال مجهولاً یفسر ذلک الموقف جماعات الضغط فى صناعة وتجارة الوقود الأحفورى وقادة المؤسسات الصناعیة الکبرى، والمحافظون، خصوصا فى مؤسسات ومراکز الفکر الیمینى[lxiv].
لقد أثار انسحاب الولایات المتحدة من اتفاقیة باریس لمکافحة تغیر المناخ والذى یترتب علیه ارتفاع درجات الحرارة العالمیة بواقع 0.3 درجة بحلول نهایة القرن وفقاً لتقدیرات منظمة الأرصاد العالمیة تساؤلات بشأن إمکانیة تحقیق العدالة المناخیة خاصة أن الولایات المتحدة تعد من أهم المساهمین فى الحد من تلک الأزمة. یرى الرئیس ترامب أن اتفاقیة باریس مخادعة خانقة للاقتصاد الأمریکى وغیر عادلة تماماً. وهو تنصل واضح من المساهمة فى التصدى للتغیر المناخى من جانب آخر یبدو أن شعار “أمیرکا أولاً” یقوض الالتزام بأى معاهدة أو اتفاق.
فى المقابل، تعهدت الصین وأوروبا بتوحید جهودهما لإنقاذ کوکب الأرض[lxv]. أما الصین فتعتمد بشکل عام فی مفاوضات المناخ الدولیة موقفًا إحصائیًا بشأن تغیر المناخ ، لا سیما التأکید على حقها السیادى فی التنمیة الاقتصادیة وأن الانبعاثات التاریخیة للدولة الصینیة کانت منخفضة وتم التأکید على وجهة النظر هذه فى عام 2010 من قبل یو تشینغتاى الممثل الخاص للصین لمفاوضات تغیر المناخ وصرح: “لا یمکن للصین أن تلتزم بأکثر مما تتطلبه مسؤولیتها التاریخیة وخلال المفاوضات یجب أن تضع مصالحها الوطنیة أولاً” وبقدر ما تعترف نظریات العدالة المناخیة بعدالة هذا الموقف المبدئى الذى اتخذته الصین لکن هناک عدم توافق بین المسؤولیة التاریخیة والانبعاثات الحالیة فلا یمکن للعالم معالجة تغیر المناخ بشکل فعال دون المزید من الإجراءات من الصین مما یبین مدى الصعوبة.
فى کل الأحوال، لن تکون الدول الصناعیة الکبرى الراعى الأنسب لتحقیق مصالح الدول النامیة التى تعد سوقاً رائجاً لمنتجات الدول الصناعیة ومخزناً إستراتیجیاً للمواد الأولیة التى تعتمد علیها الصناعات فى الدول المتقدمة لذا تبذل الدول الکبرى جهوداً کبیرة لإبقاء الوضع الراهن[lxvi]. من جانب آخر، ترى الدول المنتجة للنفط فى العالم أن الانتقال إلى الطاقات المتجددة والاقتصاد العالمی “الأخضر” غیر عادل لمواطنیها الذین یعتمدون فى معیشتهم على عائدات النفط وبالتالى طالبوا بتعویضهم عن خسائرهم وهذا أیضًا جزء من خطاب العدالة المناخیة، ومن الواضح أن العدالة المناخیة هی مفهوم متنازع علیه بطبیعته.
التوصیات
– النظر إلى ما هو أبعد من الدولة وتجاه منظور عالمی للعدالة المناخیة.
– الحث على الوفاء بالالتزامات القانونیة لمکافحة تغیر المناخ.
– الاعتراف بتغیر المناخ کجریمة ضد السلام .
– تعزیز نهج قائم على حقوق الإنسان فى قضیة العدالة المناخیة وحمایة أولئک الذین شردوا من آثار تغیر المناخ.
– تعزیز التعددیة فى إدارة المناخ من حیث المستویات وتضمین أصحاب المصلحة[lxvii].
– عقد الشراکة المناخیة: وذلک من خلال تنسیق وربط الجهود بین الدول النامیة والدول المتقدمة لنقل الخبرات والاستفادة من الکفاءات فی مجال إدارة المخاطر المناخیة وابتکار الأدوات اللازمة لدمج استراتیجیات فاعلة للتکیف مع التغیرات المناخیة وإفادة الدول الإفریقیة بالتکنولوجیا النظیفة وانجاز وتوسعة مشاریع الطاقات المتجددة والنظیفة ونقلها[lxviii].
– تقوم الدول المتقدمة بمساعدة الدول النامیة فى التحول نحو الاقتصاد الأخضر والزراعة الذکیة مناخیاً ودعم المزارعین وتمکینهم من استخدام الممارسات المستدامة لإدارة الأراض.
– التوسع فى استخدام الطاقة النظیفة مثل الطاقة الشمسیة، المائیة، طاقة الریاح.
تأسیس أنظمة الإنذار المبکر ورصد المناخ.