قضايا فلسفية

مقالة فلسفية: المشكلة والإشكالية – دراسة مقارنة

نص السؤال :قارن بين المشكلة والإشكالية طريقة المعالجة : مقارنة

مقدمة :طرح المشكلة

إن الكينونة البشرية بطبيعتها ، تعاني على الدوام حالة من الدهشة الفكرية . لذلك فالدهشة كما وصفها ” شوبنهاور” هي التي دفعت الناس إلى التفلسف ، ومن أجلها وضعت الأسئلة ، وتعددت أنساقها بتعدد المجالات المعرفية ، علما وفلسفة ، حتى أصبح كل سؤال يستدعي سؤالا جديدا للظهور ، غير أن ارتقاء هذه الأسئلة إلى درجة من التعقيد والحيلولة والانفعال ، جعل العارفين بها يربطون صياغتها بالجانب الإشكالي ، فظهرت للمعرفة عدة مفاهيم ، نذكر منها مفهومي الإشكالية والمشكلة . مادام أنهما أصبحا مجالا للاشتغال المعرفي . لكن محاولة معرفة العلاقة بينهما ، ستحيلنا بالضرورة إلى ملاحظة المصدر الاشتقاقي المشترك من جهة ، وإلى اختلاف المفكرين في التعامل معهما من جهة أخرى . ومن هنا صار من المشروع طرح المشكلة التالية : هل مواطن الاختلاف بين المشكلة والإشكالية تمنع من وجود إمكانية للالتقاء والتكامل ؟

محاولة حل المشكلة :

مواطن التشابه :

إن الملاحظة الفاحصة لكل من الإشكالية والمشكلة ، سيظهر لنا العديد من أوجه الاتفاق والتشابه ، إذ نلاحظ منذ الوهلة الأولى ، الاشتقاق اللغوي الواحد ، فكلتا الصيغتين منسوبة إلى الشكل ، كمصدر لفظي ، وكأصل يحتضن كل المشتقات ، وعلى سبيل المماثلة فالعلاقة بين المشكلة والإشكالية كالعلاقة بين العقلنة والعقلانية . كما نلاحظ من جهة أخرى أن كلا منهما ، تكون وليدة شعور بالجهل وتردد في الاتجاه واضطراب في السير، فكلما اتسع الوعي بالجهل كلما نشا الشعور بضرورة البحث عن أسباب المعرفة يقول “سقراط” :« كل ما أعرف هو أني لا أعرف شيئا » ، أي أن الخاصية الانفعالية تحكمهما كمعاناة نفسية تجاه تساؤل تجاوز الابتذال والوضعيات العملية المعروفة بالبساطة .

إن المشكلة لا بد لها من طرح لغوي مضبوط ، قد يكون هذا الطرح في شكل استفهامي ، كما قد يندرج ضمن أطروحة تكون مثارا لدهشة العقل . وكذا الأمر بالنسبة للإشكالية فليس الاستفهام من جواهرها بل المهم فيها هو توليد التفلسف ولو بغير السؤال . كما أن الانفعال فيهما لا ينتهي ، لأن حل التساؤل ، ينهيه ويفقده مبررات وجوده كمشكلة أو إشكالية ، وبالتالي لا يمكن الحديث فيهما عن جواب ، بل المهم هو الحديث عن معالجتها والتفكير العميق فيها ، وهذا ما يفسر استمرارية الأسئلة في الفلسفة عبر الزمان فعوض أن يمتص السؤال الجواب ، فإنه يصبح منطلقا لسؤال جديد . يقول ” إتيان سوريو ” : « الفلسفة هي فن طرح السؤال ، وتأجيل الجواب باستمرار » .

إن كلا من المشكلة والإشكالية ، تتضمن قضية فكرية عالمية ، وتأملية إنسانية ، حيث يجد فيهما كل مفكر ، مهما كان أصله ، متنفسا للتفكير وجانبا معرفيا مهما من حياته ، أي أنها لا تكون حكرا على فئة دون أخرى ، فمثلا كل قضايا التجديد في الفكر العربي المعاصر ، تم البحث فيها وفق مناهج ومذاهب فلسفية غربية .

لكن هل مواطن التشابه هذه ة، تمنع من وجود نقاط اختلاف .

مواطن الاختلاف :

إن مواطن التشابه السابقة لم تمنع من وجود نقاط اختلاف بين المشكلة والإشكالية ، إننا نلاحظ أن الإشكالية هي المعضلة التي تطرح طرحا عاما ، والتي تثير نتائجها الشكوك وتحمل على الارتياب والمخاطرة ، أي أنها خطة مفرغة نهايتها الحيلولة والانسداد . فلا نصل فيها إلى حل نهائي مطلق .أما المشكلة فهي مسالة تتضمن صعوبة معينة سرعان ما تستدرك حلا ، حيث تكون محصورة ، يحدها مجال معين ، فنقول مثلا مشكلة دينية . ومن هنا يمكن القول أن المشكلة تنتهي بنا إلى الدهشة كانفعال فكري يتولد عنه الفضول ، ويحرك الفكر كي يستدرك حلا تجريبيا أو مذهبا فلسفيا نسبيا باختلاف المشكلة ، كموقف المعتزلة مثلا من مشكلة خلق القرآن. أما الإشكالية فهي تنتهي بنا إلى الإحراج الفكري الذي يمثل حالة انفعالية تضيق فيها السبل وتنحصر الحلول ، وتغلق المنافذ .

الإشكالية قضية واسعة ، تعبر عن نفسها في مجموعة مترابطة من الأسئلة ، لا يمكن معالجة أحدها منعزلا عن الآخر فمثلا إشكالية الجمال، تنقسم إلى أسئلة متعددة ، تكتسب في اجتماعها كامل قوتها ، كقولنا : ما الجمال ؟ وما الفرق بين الجمال والجميل ؟ هل الجمال في الشيء ؟ أم في نظرتنا للشيء ؟ وهل الجمال واحد أم متعدد ؟ . أما المشكلة فهي ضيقة لا تنقسم إلى أسئلة جديدة بل تنبثق منها مباشرة أطروحات تجمع بينها علاقة التناقض والمفارقة ، كقولنا : هل الحتمية مبدأ مطلق ؟ .ومن هنا فالإشكالية تحتاج إلى أكثر من زاوية طرح ووجه مقاربة ، فهي واسعة كبحث في المبدأ الذي يشمل عدة مجالات وأنساق . بينما تظهر المشكلة ضيقة لأنها جزئية ، تقتضي جزئيتها طرحها ضمن إطار واحد ومن زاوية فريدة .إن المشكلة تختلف عن الإشكالية من حيث أنها تتنوع بين ما هو علمي وماهو فلسفي ، فإذا كانت الصعوبات متعلقة بالجزئيات تكون مشكلة علمية أو دينية ، لأن البحث العميق فيها يكون عن طريق التجربة العملية كتساؤلنا : كيف يمكن التعامل مع يمكن تحقيق العلاج الجيني؟ ، أو عن طريق البرهنة والاستدلال الرياضي أو الفقهي ، أما إذا كانت الصعوبات تتعلق بالمبادئ والأسس تكون فلسفية ، أي على درجة عالية من التجريد ، والبحث النظري كتساؤلنا هل يمكن اعتبار المجتمع مصدرا للأخلاق ؟ . أما الإشكالية فهي وحيدة الجانب لأنها ، لا ترد إلا بصيغة فلسفية معالجة للوجود الميتافيزيقي . لكن كيف يمكن تصور طبيعة العلاقة بين المشكلة والإشكالية انطلاقا مما سبق ؟

التداخل :(طبيعة العلاقة بينهما)

مما سبق تظهر لنا العلاقة واضحة بين المشكلة والإشكالية ، فإذا كانت كلمة إشكالية تعني وجود مشكلة ، فنستدل بهذا على وجود علاقة وطيدة بين المفهومين . فإذا قلنا إشكالية فإننا سنتوصل إلى وجود مشكلات جزئية تنطوي تحتها إذن فالعلاقة بينهما هي علاقة الكل بالجزء أو المجموعة بعناصرها ، نقول عندئذ أن الرغبة في معالجة أي إشكالية عامة ، يقتضي الاشتغال بما يندرج ضمنها من مشكلات نسقية ، فمثلا ، إذا حاولنا دراسة إشكالية الفلسفة والعلم ، فإنه يجب بالضرورة أن نعالج مشكلات جزئية تندرج ضمنها ، فما مفهوم الفلسفة ؟ وما مفهوم العلم ؟ فيمَ يشتبهان وفيمَ يختلفان ؟ . إننا نضع على رأس كل قضية فلسفية أساسية ، سؤالا جوهريا يقوم مقام الإشكالية ، ثم نفصل هذا السؤال الجوهري إلى عدد من الأسئلة الجزئية ، تقوم مقام المشكلات .ولهذا فالفصل بينهما هو مجرد فصل بين الكل وأجزائه .

خاتمة :

في الأخير ، نستنتج أنه مهما بدا لنا الاختلاف بين المشكلة والإشكالية فإنه مجرد فصل تقتضيه الضرورة المنهجية بين المجموعة وعناصرها ، وبالتالي فالإشكالية هي المظلة المفتوحة التي تنضوي تحتها كل المشكلات التي تناسبها . ومادام أن المشكلات والإشكاليات هي مجال للاشتغال الفلسفي ، فإن « تناول الفيلسوف لمشكلة ما ، يشبه علاج أحد الأمراض » ، كما يقول “فتجنشتين” ، فالفلسفة فكر تساؤلي إشكالي نقدي ، يجعل من كل شيء موضوعا للتساؤل والمناقشة والسجال ، لذلك فإننا بطرحنا للإشكاليات و المشكلات ، نكون قد وضعنا أنفسنا أمام باب الفلسفة الباحثة عن المعرفة والحقيقة .

ويظهر لنا أن كلا من المشكلة والإشكالية على حد سواء ، وسيلتان مهمتان في العلم ، لأن السؤال مهما كان إشكالية أو محض مشكلة ، تكمن أهميته في إرجاع المجهول إلى المعلوم ، فجميع العلوم الحاصلة الآن ترتد في أصلها إلى مشكلات فلسفية ، ولهذا قيل « العلم ربيب الفلسفة » . ثم إن الفكر الإشكالي الفلسفي يعد خاصية بشرية مميزة عبر العصور لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمارس الدهشة . والدهشة بدورها ، تتطلب درجة عالية من العقل .

2/5 - (1 صوت واحد)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى