ملف شامل حول إستراتيجية الأمن الوطني للولايات المتحدة الأمريكية

إستراتيجية الأمن الوطني للولايات المتحدة الأمريكية

The National Security Strategy of the United States of America

 محاور الملف

  1. مقدمة (نص التقرير الذي وجهه الرئيس بوش إلى الكونجرس)
  1. نظرة شاملة إلى الإستراتيجية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية
  1. دعم التطلعات إلى تحقيق الكرامة الإنسانية
  1. تقوية التحالفات، لهزيمة الإرهاب العالمي، والعمل على منع الهجمات، علينا وعلى أصدقائنا
  1. العمل مع الآخرين لنزع فتيل الصراعات الإقليمية
  1. منع أعدائنا من تهديدنا، وتهديد حلفائنا وأصدقائنا، بأسلحة الدمار الشامل
  1. إطلاق حقبة جديدة من النمو الاقتصادي العالمي، عبْر التجارة الحرة وأسواقها
  1. توسيع دائرة التنمية الاقتصادية، بانفتاح المجتمعات، وإنشاء البنى التحتية للديموقراطية
  1. تطوير برامج عمل، للتعاون مع المراكز الرئيسية الأخرى للقوى العالمية
  2. توجيه مؤسسات الأمن الوطني الأمريكي إلى مواجهة التحديات، واغتنام الفرص، في القرن الواحد والعشرين.

نص التقرير الذي قدمه الرئيس بوش إلى الكونجرس

انتهت صراعات القرن العشرين الكبرى، بين الحرية والدكتاتورية، إلى نصر حاسم لقوى الحرية؛  واستقرار نموذج واحد للنجاح الوطني، قابل للديمومة: الحرية، والديموقراطية، والتجارة الحرة. وفي القرن الواحد والعشرين، تستطيع فقط الدول، التي تلتزم بحماية حقوق الإنسان الأساسية، وضمان الحرية: السياسية والاقتصادية، إطلاق قدرات شعوبها، وتأمين رخائها في المستقبل. ويتوق الناس، في كلّ مكان، إلى حرية الكلام والتعبير؛ واختيار من سيحكمهم؛ وحرية العبادة؛ وتعليم أولادهم، ذكوراً وإناثاً؛ وحماية ممتلكاتهم؛ والاستمتاع بفائدة جهدهم. إن قيمة الحرية هذه، صحيحة، وصادقة، لكلّ إنسان، وفي كلّ مجتمع؛ وواجب الدفاع دونها هدف مشترك، على مر العصور، وفي العالم أجمع، للشعوب المحبة للحرية، الساعية إليها.

تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم، بوضعٍ متفرد، قوامه القوة العسكرية، والنفوذ: الاقتصادي والسياسي العظيم. واتساقاً بما يمليه علينا تراثنا ومبادئنا، فإننا لا نستخدم قوّتنا في الضغط، من أجل استفادة أحادية؛ وإنما نسعى إلى خلق توازن في القوى، يساند حرية الإنسان، وإيجاد الظروف، التي يمكن كلّ الدول والمجتمعات، في ظلها، أن تختار لنفسها الفوائد والتحديات، الناجمة عن الحرية: السياسية والاقتصادية. ففي عالم آمن، يستطيع الناس جعْل حياتهم أفضل. سندافع عن السلام، من خلال محاربة الإرهابيين والطغاة. وسنحافظ عليه، ببناء علاقات جيدة بين القوى الكبرى. وسنوسّع أفقه، من خلال تشجيع المجتمعات: الحرة والمنفتحة، في كلّ قارّة.

إن الدفاع دون بلادنا، هو الالتزام الأول والأساسي للحكومة الفدرالية. وقد تغيّرت هذه المهمة، اليوم، تغيراً جذرياً؛ إذ كان الأعداء، في الماضي، يحتاجون إلى جيوش جرارة، وقدرات صناعية هائلة، كي يعرّضوا أمريكا للخطر. أمّا الآن، فتستطيع شبكات متوارية من الأفراد، ازدراع الفوضى والألم، إلى سواحلنا، بثمن يقل عن ثمن شراء دبابة واحدة؛ فقد أمسى الإرهابيون منظمين، لاختراق المجتمعات المنفتحة، مستغلين قوة التقنيات الحديثة ضدنا.

ودحراً لهذا التهديد، علينا استخدام كلّ ما يتوافر في ترسانتنا من قوة عسكرية، وأفضل أنظمة دفاع داخلية، وإنفاذ قوانين، واستخبارات، وجهود ناشطة، في قطع مصادر الدّعم المالي عن الإرهابيين. إن الحرب على هؤلاء الإرهابيين ذوي القدرات العالمية، هو مشروع عالمي شامل، ولا حدود زمنية له. والولايات المتحدة الأمريكية ستساعد الدول، التي تحتاج إلى مساعدتنا على محاربة الإرهاب. وستحاسب تلك التي تهادن الإرهاب، بما فيها الدول، التي توفر للإرهابيين الملاذ الآمن؛ لأن حلفاء الإرهاب، هم أعداء الحضارة. وينبغي للولايات المتحدة الأمريكية، والدول المتعاونة معنا، ألاَّ تسمح للإرهابيين بتطوير قواعد داخلية جديدة. سنسعى معاً إلى حرمانهم الملاذ الآمن، في كلّ مكان.

إن الخطر الأعظم، الذي تواجهه أمّتنا، يكمن في مِفرَقي طرق: الراديكالية والتكنولوجيا. وقد أعلن أعداؤنا، صراحة، أنهم يسعَون إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل؛ وتشير الدلائل إلى أنهم عازمون على مسعاهم، مصممون عليه. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح بنجاح هذا المسعى. سنبني دفاعات دون الصواريخ الباليستية. سنتعاون مع دول أخرى، على حرمان أعدائنا  واحتوائهم، وتقليص جهودهم في الحصول على تقنيات مدمرة. وبحكم البديهة السليمة، والحاجة إلى الدفاع عن النفس، ستسابق الولايات المتحدة الأمريكية، أيّ تهديدات ناشئة كهذه، قبل أن تتبلور في شكلها الكامل. ولا يمكننا حماية أمريكا وأصدقائنا فقط بتمني حدوث الأفضل؛ وإنما بالاستعداد لدحر خطط أعدائنا، مستخدمين أفضل وسائل الاستخبارات، والعمل بتروٍّ؛ ولن يرحم التاريخ أولئك، الذين رأوا الخطر الداهم، ولم يفعلوا شيئاً. إن مسار العمل في هذا العالم الجديد، الذي ولجناه، هو المسار الوحيد المؤدي إلى السلام والأمن.

ونحن ندافع عن السلام، سننتهز، كذلك، الفرصة التاريخية السانحة، للمحافظة عليه. فاليوم، تتأتى للمجتمع الدولي خير فرصة، منذ نشوء نظام الدولة الأمّة، في القرن السابع عشر، لبناء عالم، تتنافس فيه القوى العظمى بسلام، بدلاً من الاستعداد الدائب للحرب. واليوم، تجد القوى العظمى في العالم نفسها في جانب واحد، بعد أن وحّدتها الأخطار المشتركة للعنف الإرهابي والفوضى الإرهابية. وستراعي الولايات المتحدة الأمريكية هذه المصالح المشتركة، لتعزيز الأمن العالمي.

إننا، كذلك، نزداد وحدة بالقيم المشتركة؛ فروسيا، في خضم تحوّلها المأمول، تصبو إلى مستقبل ديموقراطي، وهي شريك في محاربة الإرهاب. أمّا الزعماء الصينيون، فقد تبيَّن لهم أن الحرية الاقتصادية هي المصدر الوحيد للثروة القومية؛ وسوف يتضح لهم، أن الحرية: الاجتماعية والسياسية، هي المنبع الوحيد للعظَمة القومية. وستشجع الولايات المتحدة الأمريكية، تقدم الديموقراطية والانفتاح الاقتصادي، في كلتا الدولتين؛ لأن هذَيْن المبدأين، هما أمتن أسس الاستقرار: الداخلي والدُّولي. وسنقاوم، بقوة، عدوان أيِّ قوى عظمى أخرى؛ مع الاستمرار في ترحيبنا بسعيها السلمي إلى تحقيق الازدهار، والتقدم: التجاري والثقافي.

وأخيراً، ستغتنم الولايات المتحدة الأمريكية هذه الفرصة، لنشر فوائد الحرية، في كلّ أرجاء العالم. وسنعمل، جادِّين، لِنَبْسط مبادئ الديموقراطية، والتطور الاقتصادي، والتجارة الحرة وأسواقها، في كل ركن من أركانه. لقد علمتنا أحداث 11 سبتمبر 2001، أن في مقدور الدول الضعيفة، مثل أفغانستان، أن تُشكِّل خطراً عظيماً على مصالحنا الوطنية، مثلها مثل الدول القوية. إن الفقر لا يحوّل الفقراء إلى إرهابيين وقَتَلة؛ إلا أن الفقر والمؤسسات، والفساد، هي التربة الخصبة لنشوء شبكات إرهابية، وعصابات المخدرات، في الدول الضعيفة.

وستؤازر الولايات المتحدة الأمريكية أي دولة، تعتزم بناء مستقبل أفضل، بجني ثمار الحرية، من أجل شعبها. لقد أثبتت التجارة الحرة، والأسواق الحرة، قدرتهما على انتشال مجتمعات برمتها، من حالة الفقر؛ ولذا، ستعمل الولايات المحتدة الأمريكية مع دول بمفردها، ومع مناطق بأسرها، ومع المجتمع التجاري العالمي قاطبة، لبناء عالمٍ، يمارس التجارة بحُرية، فينمو في رخاء. وستزيد مساعدتها الإنمائية، من خلال “حساب تحدي الألفية”، للبلدان التي تحكم بالعدل، وتستثمر قدرات شعوبها، وتشجع الحرية الاقتصادية. وسنواصل قيادة العالم، في جهوده، التي تهدف إلى الحدّ من الحصيلة المخيفة، لوباء الإيدز، وغيره من الأمراض المعْدية.

ومن أجل بناء توازن قوى، مساند للحرية، تستهدي الولايات المتحدة الأمريكية بإيمانها الراسخ، أن هناك مسؤوليات مهمة، تضطلع بها الدول كافة: فتلك التي تنعم بالحرية، ينبغي أن تكافح الإرهاب مكافحة فاعلة؛ وعلى التي تعتمد على الاستقرار الدولي، أن تساعد على الحؤول دون انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ أمّا الدول، الساعية إلى معونات دولية، فلا بدّ لها من الإنفاق الرشيد للمعونة، في مصارفها السليمة. ولكي تزدهر الحرية، لا مندوحة عن توقيع مبدأ المحاسبة وفرْضه.

كما سنسترشد بقناعتنا، أنه ما من دولة، يمكِنها، وحدها، بناء عالم أفضل وأكثر أماناً؛ فالأحلاف والمؤسسات المتعددة الأطراف، قادرة على مضاعفة قوة الدول المحبة للحرية. وتلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدعم مؤسسات ثابتة، مثل: الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الدول الأمريكية، ومنظمة حلف شمالي الأطلسي، وغيرها من التحالفات القائمة منذ زمن طويل؛ والائتلافات بين الراغبين في ذلك، تعزز تلك المؤسسات الدائمة. وفي كل الأحوال، ينبغي أن تؤخذ الالتزامات الدولية بجدٍ، وأن تنأى عن كلِّ التزام شكلي، لاستقطاب دعمٍ لمبدأ سامٍ، من دون السعي إلى تحقيقه.

إن الحرية مطلب من مطالب الكرامة الإنسانية، غير القابلة للتفاوض؛ إنها حق فطري لكلِّ إنسان، في كل حضارة. وقد تهددتها الحروب والإرهاب، على مدار التاريخ؛ ووقف في طريقها اصطدام رغبات الدول القوية، وخطط الطغاة الشريرة؛ وتعرضت للاختبار، بانتشار الفقر والمرض. واليوم، تواني البشرية فرصة، لتعزيز انتصار الحرية على كلِّ هؤلاء الأعداء. والولايات المتحدة الأمريكية، ترحِّب بمسؤوليتها؛ لتولي هذه المهمة العظيمة.

  جورج دبليو بوش

البيت الأبيض، 17 سبتمبر 2002

نظرة شاملة إلى الإستراتيجية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية

“كانت قضية أمّتناً دوما أكثر من قضية الدفاع عنها. إننا نُقاتل، كما كنا نُقاتل دوماً، من أجل السلام العادل ، سلام مساند للحرية. سندافع عن السلام دون تهديدات الإرهابيين والطغاة. وسنحافظ عليه، ببناء علاقات جيدة بين القوى العظمى. وسننشر السلام، بتشجيع قيام مجتمعات حرة، ومنفتحة، في كلِّ قارّة”.

الرئيس بوش – كلية ويست بوينت العسكرية، نيويورك، الأول من يونيه 2002

تملك الولايات المتحدة الأمريكية قوة ونفوذاً، لا سابق لهما، في العالم ولا مثيل. ويؤازرنا في هذا الموقع، الإيمان بمبادئ الحرية، وقيمة المجتمع الحر؛ كما يفرض علينا مسؤوليات وواجبات؛ ويتيح لنا فرصة فريدة. وينبغي استخدام القوة العظيمة لهذه الدولة، لإقامة توازن قوى مساند للحرية.

وخلال معظم حقبة القرن العشرين، قسّم العالمَ، صراعٌ عظيم حول الأفكار: رؤية شمولية مدمرة، مقابل أفكار الحرية والمساواة.

وقد انتهى هذا الصراع العظيم. كما اندحرت الرؤى المتشددة، للطبقة والأمّة والجنس، التي وعدت بالمجتمعات المثالية؛ ولم تحقق سوى التعاسة، فانهزمت وفقدت مصداقيتها. وتهديد أمريكا، اليوم، من دول غازية، هو أقل من تهديدها من دول فاشلة. إن تهديد الأساطيل والجيوش لنا، هو أقلّ من تهديد التقنيات المدمرة، في أيدي قِلة، تشعر بالمرارة. ولا بدّ أن نهزم هذه التهديدات، التي تحيق بأمّتنا، وبحلفائنا وأصدقائنا.

إن هذا التوقيت، كذلك، هو فرصة على أمريكا أن تستغلها. فسنعمل على تحويل لحظة النفوذ هذه إلى عقود من السلام والازدهار والحرية. إن إستراتيجية الأمن الوطني للولايات المتحدة الأمريكية ستستند إلى مبدأ العالمية الأمريكية المميزة، التي تعكس التوحيد بين قِيمنا ومصالحنا الوطنية. وهدف هذه الإستراتيجية، هو المساعدة، ليس على جعل العالم أكثر أمناً فحسب، بل جعله أفضل حالاً. وأهدافنا في مسار التقدّم واضحة: حرية: سياسية واقتصادية؛ وعلاقات سلميّة بالدول الأخرى؛ واحترام للكرامة الإنسانية.

وهذه الطريق، ليست قصراً على لأمريكا وحدها؛ وإنما هي مفتوحة للجميع. ولتحقيق هذه الأهداف، تنوي الولايات المتحدة الأمريكية الالتزام بما يلي:

    ·     دعم التطلعات إلى الكرامة الإنسانية.

    ·     تقوية التحالفات، لدحر الإرهاب العالمي، والعمل على منع الهجمات، علينا وعلى أصدقائنا.

    ·     التعاون على نزع فتيل الصراعات الإقليمية.

    ·     منع أعدائنا من تهديدنا، وتهديد حلفائنا وأصدقائنا، بأسلحة الدمار الشامل.

    ·     إطلاق حقبة جديدة من النمو الاقتصادي العالمي، عبْر التجارة الحرة وأسواقها.

    ·     توسيع دائرة التطور الاقتصادي، من خلال انفتاح المجتمعات، وإنشاء البنى التحتية للديموقراطية.

    ·     تطوير برامج عمل، للتعاون مع المراكز الرئيسية الأخرى للقوى العالمية.

    ·     توجيه مؤسسات الأمن الوطني الأمريكي، إلى اغتنام الفرص المتاحة، والتصدي لتحديات القرن الواحد والعشرين.

دعم التطلعات إلى الكرامة الإنسانية

“ثمّة قلق من أنه قد يكون من غير اللائق أو بعيداً عن الدبلوماسية، أن نتحدث بلغة الخطأ والصواب، بشكلٍ ما. وأنا لا أتفق مع ذلك؛ فالظروف المختلفة، تتطلب أساليب مختلفة؛ لكنها لا تستدعي أخلاقيات مختلفة”.

الرئيس بوش – ويست بوينت، نيويورك، الأول من يونيه 2002

في سعينا إلى تحقيق أهدافنا، ينبغي، أولاً، توضيح موقفنا: على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تدافع عن الحرية والعدالة؛ لأنهما حق للناس كافة، أنّى كانوا. فلا تستأثرنَّ دولة بهذه الطموحات، ولا تُستَثْنَيَنَّ أخرى؛ إذ الآباء والأمهات، في المجتمعات كلّها، يتوقون إلى تعليم أولادهم، والعيش أحراراً من الفقر والعنف. وما من شعب على وجه البسيطة، يتوق إلى الظلم، أو يطمح إلى العبودية، أو ينتظر قدوم زوار الفجر، من الشرطة السرية.

وعلى أمريكا، أن تؤيد، بحزم، متطلبات الكرامة الإنسانية، غير القابلة للتفاوض: حكم القانون؛ تقييد السلطة المطلقة للدولة؛ حرية التعبير؛ حرية العبادة؛ العدالة؛ احترام المرأة؛ التسامح: الديني والعِرقي؛ واحترام الملكية الخاصة.

ويمكن تحقيق هذه المتطلبات، وفق أساليب شتى؛ أسهم الدستور الأمريكي فيها بخدمات جيدة. ونجحت دول عديدة أخرى، ذات تاريخ وحضارة مختلفَيْن، وواجهت ظروفاً مختلفة، في اعتماد هذه المبادئ الأساسية، ضمن أنظمة حكْمها. ولم يرحم التاريخ البلدان، التي تجاهلت، أو ضربت عُرض الحائط بحقوق شعوبها وطموحاتها.

إن الخبرة، التي اكتسبتها الولايات المتحدة الأمريكية، من تحقيق ديموقراطية في دولة متعددة الأعراق، على نحو كبير، تؤكد قناعتنا بأن الشعوب، التي تنتمي إلى ثقافات ومعتقدات متعددة، تستطيع العيش، وتحقيق الازدهار، في سلام.

إن تاريخنا صراع طويل، في سبيل العيش وفق مبادئنا؛ ولكن حتى في أحلك لحظات تاريخنا، فإن المبادئ المتجسدة في إعلان الاستقلال، كانت دائما نُصب أعيننا وملهمة لنا. ولذا، لم تقتصر الولايات المتحدة الأمريكية على كونها المجتمع الأقوى فحسب، بل تجاوزته إلى التمتع، كذلك، بقسط أوفر من العدالة والحرية.

واليوم، تبقى هذه المُثل، هي طوق النجاة للمدافعين عن الحرية وحدهم. وحين تسنح الفرص، يمكننا تشجيع التغيير؛ كما فعلنا في أوروبا: الوسطى والشرقية، بين عامَيْ 1989 و1991؛ أو في بلجراد، عام 2000. وحين نرى سيادة العمل الديموقراطي بين أصدقائنا، في تايوان، أو في الجمهورية الكورية؛ ونرى قادة منتخبين مكان الجنرالات، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا؛ فإننا نرى أمثلة لكيفية تمكّن الأنظمة المتسلطة من التطور، لتجمع بين تاريخها المحلي وتقاليدها الوطنية ومبادئها، التي نحترمها جميعاً.

وتجسيداً للدروس، التي نستمدها من ماضينا؛ واغتناماً للفرصة السانحة لنا، اليوم؛ ينبغي أن تبدأ إستراتيجية الأمن الوطني الأمريكية من هذه المعتقدات الأساسية، وأن تتطلع إلى إمكانية توسيع نطاق الحرية. وستهتدي حكومتنا بمبادئنا، عند اتخاذ قراراتها، في شأن التعاون الدولي، وطبيعة المساعدات الخارجية وتوزيع الموارد. وسنسترشد بهذه المبادئ كذلك، في أفعالنا وأقوالنا، في الهيئات الدولية.

سوف نعمد إلى:

·    التحدث بأمانة، عن انتهاكات مبادئ الكرامة الإنسانية، غير القابلة للتفاوض؛ مساندين الحرية بصوتنا وتصويتنا، في المؤسسات الدولية.

·    استخدام المساعدات الخارجية، في تعزيز الحرية، ودعم أولئك، الذين يناضلون، سلماً، في سبيلها؛ مؤكدين مكافأة الدول السائرة نحو الديموقراطية، على الخطوات التي تتخذها.

·    جعْل الحرية، وتطوير المؤسسات الديموقراطية، عوامل أساسية في علاقاتنا الثنائية؛ والاجتهاد في تأييد ديموقراطيات وتعاون أخرى معنا؛ فضلا عن حثّ الحكومات، التي تتنكر لحقوق الإنسان، على السعي إلى مستقبل أفضل.

·    بذْل جهود خاصة، في تعزيز حرية الدين والمعتقد، وحمايتها من بطش الحكومات القمعية.

·    نصرة قضية الكرامة الإنسانية، ومعاداة من يقاومها.

تقوية التحالفات، لدحر الإرهاب العالمي، والعمل على منع الهجمات، علينا وعلى أصدقائنا

“بعد مرور ثلاثة أيام فقط على هذه الأحداث، لم يستوعب الأمريكيون، بعدُ، بعدها التاريخي. لكن مسؤوليتنا نحو التاريخ، أمست واضحة: الرد على هذه الهجمات، وتخليص العالم من الشر. لقد شُنت الحرب علينا، خلسة، وغدراً، وقتلاً. إن هذا الوطن محب للسلام؛ لكنه يتحول عنيفاً، حين يغضب. لقد بدأ الصراع، وفقاً لتوقيت وشروطٍ، حددها غيرنا؛ لكنه سينتهي، بالكيفية، وفي الوقت الذي نختاره نحن”.

الرئيس بوش – واشنطن، العاصمة (الكاتدرائية الوطنية)، 14 سبتمبر 2001

تشنّ الولايات المتحدة حرباً على إرهابيين، لديهم قدرات عالمية. إن العدوّ ليس نظاماً سياسياً واحداً، أو شخصاً، أو معتقداً، أو أيديولوجية؛ وإنما هو الإرهاب، العنف المتعمد، المدفوع سياسياً، المستهدف الأبرياء.

في مناطق عديدة، تحُول المآسي دون سلام دائم. وهذه المظالم، تستحق، بل تستوجب، أن تُعالج في إطار العملية السياسية. ولكن، ما من قضية، تبرر الإرهاب. لن تتنازل الولايات المتحدة الأمريكية، لمطالب الإرهابيين؛ ولن تعقد معهم أيَّ صفقات. ونحن لا نميز بين الإرهابيين ومن يؤوونهم على علم بهم، أو يقدمون إليهم المساعدة.

إن مكافحة الإرهاب الدولي، تخالف أيَّ حرب أخرى في تاريخنا. وسنخوضها، على جبهات عدة، ضد عدو مراوغ بشكل خاص، خلال فترة ممتدة من الزمن. وسيتحقق النصر، من خلال تراكم العمليات الناجحة، التي بعضها مرئي، وبعضها الآخر غير مرئي.

واليوم، رأى أعداؤنا نتائج ما يمكن أن تفعله الدول المتحضرة، وما ستفعله، ضد الأنظمة، التي تؤوي الإرهاب، وتدعمه، وتستخدمه، في تحقيق أهدافها السياسية. لقد تحررت أفغانستان؛ وتواصل قوات التحالف مطاردة الطالبان والقاعدة؛ بيد أن هذا ليس هو ميدان المعركة الوحيد، الذي نقاتل فيه الإرهابيين. فلا يزال آلاف الإرهابيين المدربين طلقاء، في خلايا، في أمريكا: الشمالية، والجنوبية، وأوروبا، وأفريقيا، والشرق الأوسط، وعبْر آسيا.

ستكون أولويتنا تفكيك المنظمات الإرهابية، ذات القدرات العالمية، وتدميرها؛ وضرب قياداتها وأنظمة التحكم والاتصالات المتوافرة لديها؛ وقطع الدعم: المادي ومصادر تمويلها؛ ما سيعطّل قدرات الإرهابيين على التخطيط والتنفيذ.

سنواصل تشجيع شركائنا الإقليميين على بذل جهود متناسقة، لعزل الإرهابيين. وبعد أن تحدد الحملة الإقليمية مصدر التهديد، في دولة معينة، فإننا سنساعد على إنجاز المهمة، بتوفير الأدوات العسكرية، وأجهزة إنفاذ القوانين، والقدرة: السياسية والمالية، اللازمة.

ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية العمل مع حلفائها، لتفكيك شبكة تمويل الإرهابيين. وسنحدد مصادرهم المالية، ونقطعها؛ وسنحجر عليهم، وعلى من يساندون إيداعاتهم كافة، ونحُوْل دون وصول الإرهابيين إلى النظام المالي العالمي؛ ونحمي الجمعيات الخيرية المشروعة من سوء استخدامهم إياها؛ ونمنع نقْل أموالهم عبْر شبكات تمويل بديلة.

غير أن هذه الحملة، ليس بالضرورة أن تكون متتالية، حتى تصبح فاعلة؛ إذ تأثيراتها المتراكمة في المناطق كلّها، من شأنها أن تساعد على تحقيق النتائج، التي نسعى إليها. سنفكك المنظمات الإرهابية، وندمرها، من خلال:

    ·    العمل المباشر، والمتواصل، مستخدمين كلَّ عوامل القوة: الوطنية والدولية. وسيكون تركيزنا المباشر في المنظمات الإرهابية، ذات القدرات الدولية؛ وفيِّ أي إرهابي، أو دولة، ترعى الإرهاب، وتحاول امتلاك أسلحة دمار شامل أو مكوناتها، أو استخدام تلك الأسلحة.

    ·    الدفاع عن الولايات المتحدة والشعب الأمريكي، وعن مصالحنا، في الداخل والخارج، من خلال تحديد مصدر التهديد، وتدميره قبل وصوله إلى حدودنا. وفيما ستعمل الولايات المتحدة، باستمرار، على حشد دعم المجتمع الدولي؛ فإننا لن نتردد في العمل بمفردنا، إذا اقتضى الأمر، لممارسة حقنا في الدفاع عن النفس، من خلال ما يحمينا من الإرهابيين، ويمنعهم من إلحاق الضرر بشعبنا ودولتنا.

    ·    حرمان الإرهابيين أيَّ رعاية، أو مساندة، أو ملاذ آمن إضافي؛ من طريق إقناع الدول أو إرغامها على تحمُّل مسؤولياتها السيادية. وسنشن، كذلك، حرب أفكار، لكسب المعركة ضد الإرهاب الدولي. ويشمل ذلك:

ـ استخدام نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية برمته، والعمل، عن كثب، مع حلفائنا وأصدقائنا، لتوضيح عدم شرعية الأعمال الإرهابية، حتى ينظر إلى الإرهاب النظرة نفسها إلى العبودية أو القرصنة أو الإبادة الجماعية؛ فالإرهاب سلوك لا تقبله حكومة محترمة، ولا تسانده؛ بل يعارضه الجميع.

ـ مساندة الحكومات المعتدلة، والعصرية، ولا سيما في العالم الإسلامي؛ حتى نضمن ألاَّ تجد الظروف والأيديولوجيات، التي تشجع على الإرهاب، أرضاً خصبة في أيّ دولة.

    ·    الحدّ من الظروف الكامنة، التي تفرّخ الإرهاب؛ وحثّ المجتمع الدولي على تركيز جهوده وموارده، في المناطق الأكثر تعرضاً للخطر.

    ·    استخدام دبلوماسية عامة فاعلة، تعزز حرية تدفق المعلومات والأفكار؛ فتنبعث آمال المجتمعات، التي يحكمها رعاة الإرهاب الدولي، وتذكي طموحاتها إلى الحرية.

وإذ ندرك أن أفضل طريقة للدفاع عن النفس، هي الهجوم في الوقت المناسب؛ فإننا سنستمر، في تعزيز الأمن الداخلي، لحمياته، وردع أيّ هجوم عليه. لقد اقترحت هذه الإدارة أكبر عملية، لإعادة تنظيم الحكومة، منذ أن أنشأت إدارة الرئيس ترومان مجلس الأمن القومي، ووزارة الدفاع. وفيما تتركز خطتنا الشاملة في إنشاء وزارة الأمن الوطني، التي تتضمن قيادة عسكرية جديدة موحدة، وإعادة تنظيم أساسي لمكتب التحقيقات الفدرالي؛ فإن خطة تحقيق الأمن الوطني، تشمل، كذلك، جميع المستويات الحكومية الأخرى، وتعاون القطاعَيْن: العام والخاص.

ستحوِّل هذه الإستراتيجية المحنة إلى فرصة سانحة؛ فستصبح أنظمة إدارة الطوارئ، مثلاً، أكثر قدرة على التعامل، ليس مع الإرهاب فقط؛ وإنما مع سائر أنواع الأخطار الأخرى. كذلك، سيتعزز النظام الطبي، ليكون قادراً، ليس على مواجهة الإرهاب البيولوجي فقط؛ وإنما على مواجهة جميع الأمراض المعْدية، والأخطار الأخرى، التي تسبب الإصابات الجماعية. ولن تسهم مراكز المراقبة، على حدودنا، في إيقاف الإرهابيين فحسب؛ بل سترفع كفاءة حركة المرور المشروع.

وفي حين نُوْلي حماية أمريكا اهتمامنا؛ فإننا نعرف أن دحر الإرهاب، في هذا العالم المعولم، يحتاج إلى مساندة حلفائنا وأصدقائنا. فستعتمد الولايات المتحدة الأمريكية، حيثما أمكنها ذاك، على المنظمات الإقليمية، وسلطات الدول؛ كي تفي بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب. وحيثما تجد الحكومات، أن مكافحة الإرهاب أمر يفوق قدراتها، فسوف نساعدها، نحن وحلفاؤنا، بما يضاعف مواردها وقوة إرادتها.

وإلى جانب ملاحقتنا الإرهابيين في أفغانستان، فإننا سنواصل العمل، مع المنظمات الدولية، مثل: الأمم المتحدة، والمنظمات الأهلية غير الحكومية، وبلدان أخرى، لتقديم المساعدة: الإنسانية، والسياسية، والاقتصادية، والأمنية، الضرورية لإعادة بناء تلك الدولة بناءً، لا تعود معه مطلقاً إلى الإساءة لشعبها، وتهديد جيرانها، أو توفير ملاذ آمن للإرهابيين.

في الحرب على الإرهاب العالمي، لن ننسى، أبداً، أننا نقاتل، في النهاية، من أجل قِيمنا الديموقراطية، ومنهجنا في الحياة. إن الحرية والخوف في حرب دائمة، ولن تكون ثمة نهاية سريعة أو سهلة لهذا الصراع. وفي قيادة الحملة على الإرهاب، سوف نقيم علاقات دولية بناءة جديدة، وسنعيد صياغة العلاقات القائمة، بطرق تلائم تحديات القرن الواحد والعشرين.

التعاون على نزع فتيل الصراعات الإقليمية

“إمّا أن نشيّد عالم العدالة، وإلا فسوف نعيش في عالم من الكبت. وإن عِظم مسؤولياتنا المشتركة، تجعل خلافاتنا تبدو من الصغائر”.

الرئيس بوش ـ برلين، ألمانيا، 23 مايو 2002

على الدول المعنية، أن تظل ملتزمة، على نحو إيجابي، تجاه معالجة الخلافات الإقليمية الخطرة؛ لتفادي تفاقمها وانفجارها، وللحدّ من المعاناة الإنسانية. ففي عالم تتوثق عُرى اتصاله، قد تتسبب أزمة إقليمية في توتر تحالفاتنا، وتؤجج العداوة، من جديد، بين القوى الكبرى، وتخلّف آثاراً مرعبة في الكرامة الإنسانية. عند اندلاع العنف، وتتعثر الدول، ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية، مع الأصدقاء والشركاء، لتخفيف حدة المعاناة، واستعادة الاستقرار.

ما من عقيدة، يمكن أن تتوقع كل الظروف، التي تستدعي تدخل الولايات المتحدة، المباشر أو غير المباشر. إن مواردنا؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية، لا تكفي أولوياتنا العالمية؛ لذا، سوف نواجه كل حالة في ضوء هذَيْن المبدأَيْن الإستراتيجيَيْن:

    ·     تسخير الوقت والموارد، لبناء علاقات دولية ومؤسسات، تساعد على إدارة الأزمات المحلية، عند نشوئها.

    ·     مراعاة الواقع، من حيث القدرة على مساعدة أولئك الذين لا يريدون، وغير مستعدين لمساعدة أنفسهم. ومتى وأين وجد المستعدون للاضطلاع بدورهم، سنكون مستعدين للتحرك بحزم.

إن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني صراع حرِج؛ نظراً إلى شدة المعانات الإنسانية الناجمة عنه؛ فضلاً عن علاقات واشنطن الحميمة بدولة إسرائيل، وبدول عربية مهمة؛ ناهيك بأهمية تلك المنطقة، بالنسبة إلى الأولويات العالمية للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يمكن أن يتحقق سلام لأيٍّ من الجانبَيْن، من دون تحقيق الحرية لكليهما. وتظل أمريكا ملتزمة بدولة فلسطين مستقلة، ديموقراطية، تعيش إلى جانب إسرائيل، في أمن وسلام. إن الفلسطينيين، مثلهم مثل بقية الشعوب، يستحقون حكومة، تخدم مصالحهم، وتستمع إلى أصواتهم. وستواصل الولايات المتحدة الأمريكية، حثّ الأطراف كافة، على الاضطلاع بمسؤولياتهم. وسنسعى إلى تحقيق تسوية عادلة وشاملة لهذا الصراع.

إن الولايات المتحدة، وجماعة الدول المانحة، والبنك الدولي، كلهم على أهبة الاستعداد للعمل مع حكومة فلسطينية، يُعاد تشكيلها للنظر في تنمية الاقتصاد، وزيادة المساعدات الإنسانية، ووضع برنامج لتأسيس نظام قضائي مستقل، فعلاً، وتمويله، ومراقبته. وإذا تبنّى الفلسطينيون الديموقراطية، وسيادة القانون، ومواجهة الفساد، ورفض الإرهاب رفضاً تاماً؛ فيمكنهم، حينئذٍ، الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، في مساندتهم لإنشاء دولة فلسطينية.

ولإسرائيل، كذلك، مصلحة كبيرة في نشوء دولة فلسطينية ديموقراطية؛ إذ الاحتلال الدائم، يهدِّد هوية إسرائيل ونظامها الديموقراطي. ولذا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، ستواصل دعوتها زعماء إسرائيل لاتخاذ خطوات ملموسة، تساعد على ظهور دولة فلسطينية، قابلة للحياة والنمو، وموثوق بها. ومع إحراز تقدُّم نحو الأمن، لا بدّ أن تتراجع القوات الإسرائيلية، تراجعاً كاملاً، إلى حيث كانت قبل 28 سبتمبر 2000. ووفقاً لتوصيات “لجنة ميتشل”، لا بدّ أن يتوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. ومع انحسار العنف، ينبغي استعادة حرية الحركة، بما يسمح للفلسطينيين الأبرياء باستئناف عملهم وحياتهم الطبيعية. وتستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تؤدي دوراً مهماً؛ غير أن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق، إلا حين يحلّ الإسرائيليون والفلسطينيون أنفسهم القضايا المعلقة بينهم، ويضعون حدّاً لهذا الصراع.

في جنوبي آسيا، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك، على ضرورة أن تحلّ الهند وباكستان الخلافات بينهما. وقد بذلت هذه الإدارة الموارد والوقت، لبناء علاقات ثنائية قوية، بكلّ منهما، أعطتنا دفعة قوية، في أداء دور بنّاء، حين ارتفعت حدة التوتر في المنطقة. وبالنسبة إلى باكستان، تعززت العلاقات الثنائية بيننا، باختيارها الانضمام إلى الحرب على الإرهاب، والتحرك نحو بناء مجتمع أكثر انفتاحاً وتسامحاً. وترى الإدارة الأمريكية، إمكانيات الهند في أن تصبح واحدة من أكبر القوى الديموقراطية، في القرن الواحد والعشرين. وقد اجتهدنا في جعْل عماد العلاقة بيننا هذه الرؤية. إن تعاملنا مع هذا النزاع الإقليمي، المبني على أُسُس استثماراتنا السابقة في إنشاء علاقات ثنائية ـ يتطلب، في أول الأمر، خطوات جادة، من جانب الهند وباكستان، تساعد على نزع فتيل المواجهة العسكرية بين الدولتَيْن.

أمّا إندونيسيا، فقد اتخذت خطوات شجاعة، لإنشاء نظام ديموقراطي فاعل، واحترام سيادة القانون. وبالتسامح تجاه الأقليات العرقية، واحترام سيادة القانون، وقبول مبدأ السوق الحرة، قد تتمكن من استغلال هذه الفرصة، التي ما برحت تساعد على انتشال بعض جيرانها من الفقر واليأس. والمبادرة الإندونيسية، هي التي تجعل المساعدة الأمريكية، أعمق أثراً في إندونيسيا.

وفي النصف الغربي من الكرة الأرضية، أنشأنا تحالفات مرنة مع الدول، التي تشاركنا الأولويات، خاصة المكسيك والبرازيل وكندا وتشيلي وكولومبيا. وسنعمل معاً لتعزيز منطقة ديموقراطية حقاً، حيث يدفع التكامل بيننا تقديم الأمن والرخاء والفرصة والأمل. سنعمل مع المؤسسات الإقليمية، مثل: قِمة عملية الأمريكتَين، ومنظمة الدول الأمريكية، ووزراء دفاع الأمريكتَين، لمصلحة المنطقة كلّها.

إن أجزاء من أمريكا اللاتينية تواجه صراعاً إقليمياً، ينشأ بصفة خاصة عن عنف عصابات المخدرات وشركائهم في الإجرام. وقد يعرّض هذا الصراع، وتجارة المخدرات، صحة مواطني الولايات المتحدة الأمريكية وأمنهم للخطر. ولذلك، طورنا إستراتيجية فاعلة، لمساعدة دول جبال الأنديز على إصلاح اقتصادياتها، وإنفاذ القانون، ودحر المنظمات الإرهابية، وقطع طرق إمداد المخدرات؛ في الوقت الذي نعمل فيه للحد من طلب المخدرات في بلادنا؛ وهو أمر لا يقلّ أهمية عن سابقه.

في كولومبيا، ندرك العلاقة بين الجماعات الإرهابية، والمتطرفة، التي تتحدى أمن الدولة، وبين أنشطة تهريب المخدرات، التي تساعد على تمويل عمليات تلك الجماعات. ونحن نعمل لمساعدة كولومبيا على حماية مؤسساتها الديموقراطية، ودحر الجماعات المسلحة غير الشرعية: اليسارية واليمينية؛ وذلك من خلال توسيع السيادة الفاعلة على الأراضي الوطنية كلّها، وتوفير الأمن الأساسي للشعب الكولومبي.

أمّا في أفريقيا، فالوعد والفرصة، يسيران جنياً إلى جنب، مع المرض والحرب والفقر المدقع؛ وهذا يهدد قيمة أساسية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، هي حفظ الكرامة الإنسانية؛ فضلاً عن تهديده أولويتها الإستراتيجية، في محاربة الإرهاب العالمي. ومن ثمَ، فإن المبادئ الأمريكية، والمصالح الأمريكية، تتماشيان، معاً، في الاتجاه نفسه: سنعمل مع غيرنا، من أجل قارّة أفريقية، تعيش في حرية وسلام، ورخاء متنامٍ. وعلينا، بالتعاون مع حلفائنا الأوروبيين، أن نساعد على تقوية الدول الأفريقية الهشة؛ وإنشاء قدرة ذاتية لديها، لضمان أمن الحدود غير المُحكمة؛ وإنشاء البنى التحتية، اللازمة لإنفاذ القانون؛ وجمع الاستخبارات، بُغية حرمان الإرهابيين الملاذ الآمن.

وثمة بيئة قاتلة في أفريقيا، تنبثق من امتداد الحروب الأهلية المحلية إلى خارج الحدود؛ حيث تخلق مناطق حرب إقليمية. ويعد تشكيل تحالفات بين الدول القادرة والراغبة في وضع ترتيبات أَمنية تعاونية، أمرَيْن مهمَّيْن لمواجهة هذه التهديدات الناشئة، العابرة لحدود الأوطان.

إن المساحة العظيمة لقارة أفريقيا وتنوُّعها الواسع، يتطلبان إستراتيجية أمنيّة، تُركز في التعامل الثنائي المشترك بين الدول، وفي عقد تحالفات فيما بينها. ستُولي هذه الإدارة اهتمامها ثلاث إستراتيجيات متشابكة للمنطقة:

    ·   دول ذات تأثير كبير في جيرانها، مثل: جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وكينيا، وإثيوبيا؛ وهي تُشكّل مرتكزات للتعامل الإقليمي، وتتطلب اهتماماً مركزاً.

    ·   ضرورة التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، والمؤسسات الدولية؛ للتوسط البنّاء في الصراعات، ونجاح عمليات السلام.

    ·   مساندة الدول الأفريقية القادرة على الإصلاح؛ والمنظمات شبه الإقليمية؛ كوسيلة أساسية لمواجهة التهديدات العابرة لتلك الدول.

وفي النهاية، يمثّل طريق الحرية: السياسية والاقتصادية، أكثر الطرق أماناً، نحو التقدم في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، حيث معظم الحروب ما هي إلاّ صراعات على موارد مادية، والوصول إلى السلطة السياسية؛ وهي تتسم بالمأساوية، وغالباً ما تكون منطلقاتها الاختلافات: العِرقية والدينية. ويقدِّم التحول إلى الاتحاد الأفريقي، الذي أعلن التزامه بأُسُس الحكم السليمة، والمسؤولية المشتركة، لإقامة أنظمة سياسية ديموقراطية، فرصاً لتعزيز الديموقراطية في القارّة.

منع أعدائنا من تهديدنا، وتهديد حلفائنا وأصدقائنا، بأسلحة الدمار الشامل

“يكمن أشد الأخطار، التي تتهدد الحرية، في مفترقي الطريق، الراديكالية والتكنولوجيا. إن انتشار الأسلحة: الكيماوية والبيولوجية والنووية؛ فضلاً عن تكنولوجيا الصواريخ الباليستية يتيح، حتى للدول الضعيفة، والجماعات الصغيرة، امتلاك قوة مروِّعة، قادرة على ضرب الدول الكبرى. لقد أعلن أعداؤنا هذه النية، وضُبِطوا وهم يَسْعون إلى الحصول على تلك الأسلحة الرهيبة. إنهم يطلبون القدرة على ابتزازنا، أو إلحاق الأذى بنا، أو إلحاق الضرر بأصدقائنا. وسنتصدى لهم بكلِّ ما أوتينا من قوة”.

الرئيس بوش – ويست بوينت، نيويورك، الأول من يونيه 2002

اقتضت طبيعة تهديد الحرب الباردة، من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن حلفائنا وأصدقائنا، على حدٍّ سواء، التركيز في ردْع العدو عن استخدام القوة؛ ما تمخّض عن إستراتيجية مروّعة للتدمير المتبادل المحتوم. ولكن بانهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة، تعرضت بيئتنا الأمنية لتحوُّل عميق.

فبعد الانتقال من المواجهة إلى التعاون، ما يعَد علامة مميزة في العلاقة، التي تربطنا بروسيا، أصبحت المكاسب الناتجة من ذلك جلية: انتهاء توازن الرعب، الذي فرّق بيننا؛ خفض تاريخي في ترسانات الأسلحة النووية، لدى الجانبَين؛ والتعاون في مجالات عدة، مثل: مكافحة الإرهاب، والدفاع الصاروخي، الذي لم يكن ممكناً التفكير فيه، حتى وقت قريب.

ولكن، ثمة تحديات جديدة مميتة، برزت من الدول المارقة والإرهابيين. ولا تضاهي قوة أيّ من هذه التهديدات المعاصرة، القوة التدميرية، التي كان يكدّسها الاتحاد السوفيتي. غير أن طبيعة الأعداء الجدد ودوافعهم؛ وعزمهم على امتلاك قوى تدميرية، لا تتوافر إلاّ لأقوى دول العالم؛ وازدياد احتمال استخدامهم أسلحة الدمار الشامل ضدنا ـ تجعل البيئة الأَمنية، اليوم، أكثر تعقيداً، وأشد خطراً.

في التسعينيات من القرن المنصرم، شهدنا ظهور عدد قليل من الدول المارقة، التي تشترك، على الرغم من الفوارق المهمة بينها، في عدد من السمات. فهي:

    ·   تمارس العنف ضد شعوبها، وتسخّر الموارد الوطنية لمكاسب شخصية لحكامها.

    ·   لا تُعير القانون الدولي أيَّ اهتمام، وتتهدد جيرانها. وتنتهك، في صلفٍ، المعاهدات الدولية، التي تشارك فيها.

    ·   تحرص على حيازة أسلحة الدمار الشامل، بجانب التقنية العسكرية المتقدمة الأخرى؛ لتهدد بها، أو لتنفذ بها مخططات عدوانية.

    ·   ترعى الإرهاب حول العالم.

    ·   ترفض القِيم الإنسانية الأساسية؛ وتبغض الولايات المتحدة الأمريكية، وكلَّ ما تعمل له أو تسانده.

خلال حرب الخليج، حصلنا على أدلة، لا يمكن دحضها، على أن مخططات العراق، لم تكن مقتصرة فقط على الأسلحة النووية، التي استخدمها ضد إيران، وضد شعبه؛ وإنما طاولت الحصول على أسلحة نووية، وعناصر كيماوية. وفي العقد الماضي، أصبحت كوريا الشمالية، هي الممون الرئيسي للصواريخ الباليستية، في العالم؛ وأجرت اختبارات على صواريخ ذات قدرات فاعلة؛ بينما كانت تطوِّر، في الوقت نفسه، ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل. وتسعى أنظمة مارقة أخرى إلى الحصول على أسلحة: نووية وبيولوجية وكيماوية. وقد أصبح النشاط في الحصول على تلك الأسلحة، والمتاجرة العالمية فيها، تهديداً متزايداً لدول العالم كافة.

علينا أن نكون مستعدين لوقف الدول المارقة، وعملائها من الإرهابيين، قبْل أن يتمكنوا من تهديدنا، أو استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائنا وأصدقائنا. وينبغي أن يحقق ردّ فعلنا الاستفادة الكاملة من التحالفات القوية؛ وعقد مشاركات جديدة مع أعداء سابقين؛ والابتكار في استخدام القوى العسكرية والتقنيات الحديثة، بما في ذلك تطوير نظام دفاع صاروخي فاعل، وزيادة التركيز في جمْع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها.

وتشمل إستراتيجيتنا الشاملة، لمقاومة أسلحة الدمار الشامل:

    ·   جهود وقائية، لمنع انتشار تلك الأسلحة: يجب أن نردع التهديد وندفعه، قبل تنفيذه. وعلينا التأكد من أن القدرات الرئيسية، مثل؛ وسائل الكشف، والدفاعات: السلبية والإيجابية، وقدرات القوة المضادة، قد تكاملت مع أنظمة أمننا الداخلي. وكذلك، لا بُدّ من تكامل الإجراءات المضادة لانتشار الأسلحة، في العقيدة القتالية، لقواتنا وقوات حلفائنا؛ وكذلك تدريبهما وتجهيزهما؛ لضمان تفوّقنا ضد أيِّ نزاع مع أعداء، يتسلحون بأسلحة دمار شامل.

    ·   تقوية جهود الحدّ من انتشار الأسلحة، لمنع الدول المارقة والإرهابيين من الحصول على المواد، والتقنيات، والخبرات، اللازمة لأسلحة الدمار الشامل: سنعزز الجهود الدبلوماسية، وإجراءات مراقبة التسلح، ومراقبة التصدير المتعددة الأطراف، والمساعدة على خفض التهديدات؛ ما يعوق عمل الدول والإرهابيين، الساعين إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل؛ فضلاً عن منع تصدير التقنيات، والمواد المعززة لتلك القدرات، إذا اقتضت الضرورة. وسنواصل تكوين التحالفات، وبرامج “الحدِّ من التهديد”؛ لمساندة هذه الجهود، وتشجيع زيادة مساندتها، سياسياً ومالياً؛ لمنع انتشار تلك الأسلحة. ويُعد الاتفاق الأخير، بين مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، على تخصيص 20 بليون دولار أمريكي للتعاون العالمي، ضد انتشار الأسلحة ـ خطوة رئيسية إلى الأمام.

    ·   إدارة فاعلة لنتائج التعامل مع آثار استخدام أسلحة الدمار الشامل، سواء استخدمها الإرهابيون أو الدول المعادية: إن تخفيف الآثار الناجمة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد شعبنا، من شأنه أن يردع أولئك الذين يملكونها. ويُقْنِع مَنْ يسعون إلى الحصول عليها، بأنهم لن يحققوا أهدافهم المنشودة. وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن تستعد للرد على عواقب استخدام تلك الأسلحة ضد قواتنا في الخارج؛ ولمساعدة الأصدقاء والحلفاء، إذا ما تعرضوا لهجوم بتلك الأسلحة.

وقد استغرقنا ما يقرب من عقد من الزمان، لنستوعب الطبيعة الحقيقية لهذا التهديد الجديد. وانطلاقاً من أهداف الدول المارقة والإرهابيين؛ لا يمكن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الآن، الاعتماد على سياسة ردّ الفعل فقط، كما كان الحال في الماضي؛ إذ إن عجزنا عن ردْع معتدٍ محتمل، وسرعة تهديدات اليوم، وحجم الضرر، الذي قد ينجم عن اختيار العدوّ للأسلحة، لا تسمح لنا بذلك الخيار. إننا لن نسمح لأعدائنا أن يضربوا قبلنا.

في الحرب الباردة، وخصوصاً بعد أزمة الصواريخ الكوبية، واجهنا عدوّاً، يبتغي المحافظة على “الحالة الراهنة”، ويتجنب المجازفة. كان الردع وسيلة دفاعية فاعلة. ولكن الردع، الذي يستند إلى التهديد بالرد الانتقامي فقط، لن يكون له النتائج نفسها، ضد زعماء دول مارقة، مستعدين للمخاطرة، والمقامرة بحياة شعوبهم، وثروات بلادهم.

في الحرب الباردة، كانت أسلحة الدمار الشامل، هي الملاذ الأخير؛ إذ قد يطاول دمارها مستخدميها أنفسهم. أمّا اليوم، فإن أعداءنا يرون أنها أسلحة، يمكن تحديد استخدامها وحصره. وهي بالنسبة إلى الدول المارقة، أدوات لإرهاب جيرانها والاعتداء العسكري عليهم؛ كما أن هذه الأسلحة قد تغري تلك الدول بمحاولة ابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائنا؛ لمنعنا من ردْع سلوكها، والتصدي له. وهذه الدول، ترى في هذه الأسلحة، كذلك، وسيلتها الأفضل، إلى تجاوز تفوّق الولايات المتحدة الأمريكية بالسلاح التقليدي.

إن مفاهيم الردع التقليدية، لن تجدي في مواجهة عدو إرهابي، تنصب كلّ خططه المعلنة على التدمير العابث، واستهداف الأبرياء؛ ويسعى من يسميهم جنوده إلى الموت استشهاداً؛ وإن المحاربة الأكثر فاعلية، لمثل هذا العدو، هو عدم تمكينه من إنشاء دولة له. إن التداخل بين الدول، الراعية للإرهاب، والساعية إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل، يفرض علينا مثل هذا التصرف.

لقد أقرّ القانون الدولي، من قرون، أن الدول، لا ينبغي أن تتعرض لهجوم حتى تقوم بعمل مشروع، دفاعاً عن نفسها، ضد اعتداء وشيك. ويرى علماء القانون والحقوقيون الدوليون شرعية العمل الوقائي عند وجود تهديد وشيك ـ يتمثل، في أحيان كثيرة، في تحركات واضحة للجيوش، استعداداً للهجوم.

علينا أن نكيّف مفهوم التهديد الوشيك، مع قدرات أعداء اليوم وأهدافهم. فالدول المارقة، والإرهابيون، لا يسعون إلى الهجوم علينا بوسائل تقليدية؛ إذ إنهم يعرفون أن اعتداء كهذا، سيفشل. فهُم يعتمدون، بدلاً من ذلك، على أعمال إرهابية، وإمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل؛ وهي أسلحة، يمكن إخفاؤها بسهولة، ونقلها سراً، واستخدامها دونما إنذار.

تستهدف هذه الهجمات قواتنا العسكرية، ومواطنينا المدنيين؛ ما يمثّل انتهاكاً مباشراً للمعايير الرئيسية لقانون الحرب. وقد أثبتت خسائر 11 سبتمبر، 2001، أن الخسائر الجماعية في أرواح المدنيين، كانت هي الهدف المحدد للإرهابيين؛ ولو أمكنهم الحصول على أسلحة الدمار الشامل، واستخدامها، لكانت الخسائر أفدح.

لقد احتفظت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أمد بعيد، بخيار الضربات الوقائية، في مواجهة خطر، يمْكِنه تهديد أمننا الوطني. وكلّما عظُم التهديد، ازداد خطر عدم العمل، وازدادت قوة القضية، التي تسمح باتخاذ إجراء مسبق، لحماية أنفسنا، حتى لو بقي الشك قائماً، في مكان هجوم العدوّ وزمانه. ولإحباط مثل هذه الأعمال العدائية أو منع حدوثها أصلاً، من جانب أعدائنا، لا بدّ للولايات المتحدة الأمريكية من اتخاذ إجراءات وقائية مسبقة، إذا اقتضت الضرورة.

لن تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية القوة، في جميع الحالات، بصفتها عملاً وقائياً ضد التهديدات الناشئة، كما ينبغي للدول عدم اللجوء إلى الإجراءات الوقائية، ذريعة للاعتداء. وعلى الرغم من ذلك، وفي عصر، يسعى فيه أعداء الحضارة، بجدّ، ومن دون مواربة، إلى الحصول على أشد التقنيات فتكاً في العالم، لا يمكن أن تظل الولايات المتحدة الأمريكية صامتة، بينما الأخطار تحْدق بها. سوف يكون عملنا، دوماً، بعد دراسة وتروٍّ، وتقدير عواقب ما نتخذه من إجراءات. ولدعم خيار الإجراءات الوقائية:

·    سنبني قدرات استخباراتية أفضل، وأكثر تكاملاً؛ لتوفير المعلومات الدقيقة، وفي الوقت الملائم، عن التهديدات، التي قد تبرز من أيِّ مصدر كان.

·    سننسق، عن كثب، مع حلفائنا، للوصول إلى تقييم مشترك لأشد التهديدات خطراً.

·    سنواصل تطوير قواتنا العسكرية، لتأكيد قدراتنا على تنفيذ عمليات عسكرية، سريعة، ودقيقة؛ لتحقيق نتائج حاسمة.

وسيكون هدفنا، دوماً، إزالة أيّ تهديد محدد، موجَّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائنا أو أصدقائنا. وسوف تكون مبررات أعمالنا واضحة، وقوّتنا المستخدمة مدروسة بدقة، وقضيتنا عادلة.

إطلاق حقبة جديدة من النمو الاقتصادي العالمي، عبْر التجارة الحرة وأسواقها

“حين تغلق الدول أسواقها، ويحتكر الفرص فيها قلة مميزة؛ فلن يكفي أيُّ قدر، مهما بلغ، من المعونات الإنمائية. وحين تحترم الأمم شعوبها، وتفتَح أسواقها، وتستثمر الأموال، من أجل صحة وتعليم أفضل، يكون كلُّ دولار من المعونات، وكل دولار من إيرادات التجارة، ورأس المال المحلي، قد استُثمر استثماراً أكثر فاعلية”.

الرئيس بوش ـ  مونتيري، المكسيك، 22 مارس 2002

إن قوة الاقتصاد العالمي، من شأنها أن تعزز أمْننا القومي، من خلال تعزيز الرخاء والحرية في بقية بلدان العالم. والنمو الاقتصادي، الذي تسنده الحرية والأسواق الحرة، يخلق فرص عمل جديدة، ودخولاً أعلى. كما يسمح بانتشال الناس من الفقر، ويدفع إلى الإصلاح: التشريعي والاقتصادي، ومحاربة الفساد؛ إضافة إلى أنه يعزز عادات ممارسة الحرية.

سنشجع النمو الاقتصادي، والحرية الاقتصادية، في مناطق بعيدة عن سواحل الولايات المتحدة الأمريكية. وجميع الحكومات مسؤولة عن وضع سياساتها الاقتصادية، وعن الاستجابة للتحديات، التي يواجهها اقتصادها. سوف نستثمر ارتباطنا الاقتصادي مع الدول الأخرى، في التشديد على فوائد السياسات، التي تدرّ إنتاجية أعلى، ونمواً اقتصادياً مستمراً؛ وتشمل:

·     سياسات: قانونية وتنظيمية، مساندة للنموّ؛ لتشجيع الاستثمار والابتكار والعمل الفردي.

·     سياسات ضريبية، خاصة خفض معدلات الضرائب الهامشية؛ لتحسين حوافز العمل والاستثمار.

·     سيادة القانون، وعدم التسامح مع الفساد؛ حتى يثق الناس، أنهم سيجنون ثمار جهودهم الاقتصادية.

·     أنظمة مالية قوية، تسمح بالاستخدام الأمثل لرأس المال.

·     سياسات مالية سليمة، تدعم نشاط الأعمال التجارية.

·     استثمارات في حقلَي الصحة والتعليم؛ لتحسين رفاهية ومهارات القوى العاملة، والسكان كافة.

·     تجارة حرة، تقدم مسارات جديدة للنموّ، وتعزز نشر التقنيات والأفكار، التي تزيد الإنتاجية والفرص المتاحة.

إن دروس التاريخ واضحة: اقتصاديات السوق، وليس اقتصاديات القهر والسيطرة، على يد حكومة متسلطة ـ هي الطريق الأفضل إلى تعزيز الازدهار، والحدّ من الفقر. والسياسات، التي تعزّز حوافز السوق الحرة ومؤسساته، هي التي تلائم الاقتصادات كافة، في الدول الصناعية، والأسواق الناشئة، ودول العالم النامي.

إن استعادة النمو الاقتصادي، في كلٍّ من أوروبا واليابان، أمر حيوي، لمصالح الأمن الوطني الأمريكي. فنحن نريد أن يكون لدى حلفائنا اقتصاديات قوية، لمصلحتهم ولمصلحة الاقتصادي العالمي، ولمصلحة الأمن العالمي، كذلك. كما تُعَدّ جهود أوروبا في إزالة الحواجز البنيوية في اقتصاداتها أمراً ذا أهمية خاصة، في هذا الصدد؛ ولا تقلّ عنه أهميةً المحاولات اليابانية، لوضع حدٍّ للانكماش الاقتصادي، ومعالجة مشكلات القروض غير المسددة، في النظام المصرفي الياباني. سنواصل المشاورات المنتظمة، مع اليابان، ومع شركائنا الأوروبيين، بمن فيهم مجموعة السبع الصناعية الكبرى؛ لبحث السياسات، التي ينتهجونها، لتعزيز نموّ اقتصاداتهم، ودعم النموّ الاقتصادي العالمي.

إنّ تعزيز الاستقرار في الأسواق الناشئة، شرط أساسي لنموّ الاقتصاد العالمي. فالتدفقات الدولية لرأس المال الاستثماري، ضرورة لتوسيع القدرة الإنتاجية لهذه البِنى الاقتصادية العالمية؛ إذ إنها تسمح للأسواق الناشئة، والدول النامية، بالاستثمارات، التي ترفع مستويات المعيشة، وتخفض مستوى الفقر. وينبغي أن يكون هدفنا، على المدى الطويل، إيجاد عالم، تحقق فيه جميع الدول معدلات تأمين من الدرجة الاستثمارية لأسواقها المالية، تتيح لها فرصة دخول أسواق رأس المال الدولية، والاستثمار فيها مستقبلاً.

إننا ملتزمون بانتهاج سياسات، تساعد الأسواق الناشئة على الوصول إلى تدفقات رأسمالية أكبر، بنفقة أقلّ. ولهذه الغاية، سنواصل السعي إلى تنفيذ إصلاحات، تهدف إلى الحدّ من عدم الضمان في الأسواق المالية. وسنعمل، بجدّ، مع دول أخرى، ومع صندوق النقد الدولي، ومع القطاع الخاص، لتطبيق خطة عمل الدول السبع الصناعية الكبرى، التي جرى التفاوض في شأنها، في بداية هذا العام، لمنع حدوث أزمات مالية، والأكثر فاعلية من ذلك، هو معالجتها، حال حدوثها.

إن أفضل السُبُل، للتعامل مع الأزمات المالية، هو منع حدوثها؛ وقد شجعنا صندوق النقد الدولي على زيادة جهوده، الرامية إلى تحقيق ذلك. وسنواصل العمل معه لتسهيل شروط سياسته الإقراضية، وتركيز إستراتيجيته الإقراضية في تحقيق النموّ الاقتصادي، من خلال سياسة مالية ونقدية سليمة، تشمل سياسة أسعار الصرف، وسياسة القطاع المالي.

لقد نشأ مفهوم “التجارة الحرة” بصفته مبدأ أخلاقياً، حتى قبل أن يصبح دعامة من دعائم الاقتصاد. فإذا تمكنت من صنع شيء قدر الآخرون قيمته، فمن المفترض أن تتمكن من بيعه لهم. وإذا صنع الآخرون شيئاً، قدرته أنت، فيفترض أن تكون قادراً على شرائه. هذه هي الحرية الحقيقية، حرية الفرد، أو الدولة، في تأمين المعيشة. ولتنمية التجارة الحرة، طورت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية شاملة، تهدف إلى:

·    اغتنام المبادرة العالمية: سيكون للمفاوضات الجديدة في شأن التجارة العالمية، التي ساعدنا على إطلاقها في الدوحة، في نوفمبر 2001، برنامج عمل طموح، خاصة في قطاعات: الزراعة، والصناعة، والخدمات؛ المستهدف استكمالها بحلول عام 2005. وقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية الجهود، لاستكمال انضمام الصين وتايوان الديموقراطية، إلى منظمة التجارة العالمية. وسنساعد روسيا كذلك، على استعداداتها للانضمام إليها.

   ·    الحثّ على إطلاق مبادرات إقليمية: وافقت الولايات المتحدة الأمريكية، وديموقراطيات أخرى في النصف الغربي من الكرة الأرضية، على إنشاء منطقة تجارة حرة للأمريكتَيْن، ستكتمل، بحلول عام 2005. في هذا العام، ستدعو الولايات المتحدة الأمريكية شركاءها إلى مفاوضات في شأن الوصول إلى الأسواق، تركز في الزراعة، والسلع الصناعية، والخدمات، والاستثمار، والمشتريات الحكومية. وسنتيح فرصة أكبر لأفريقيا ـ القارّة الأشد فقراً ـ بدءاً بالاستغلال الكامل للتفضيلات التجارية، التي يسمح بها “قانون النمو والفرص لأفريقيا”، والتي تقود إلى التجارة الحرة.

   ·    المضي قُدُماً في إبرام اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة: على غرار اتفاقية التجارة الحرة، المبرمة مع الأردن، عام 2001، ستعمل الإدارة الأمريكية، هذا العام، لعقد اتفاقيات مماثلة، مع كلٍّ من تشيلي وسنغافورة. وهدفنا أن نحقق اتفاقيات تجارة حرة مع عدد من الدول: المتطورة والنامية، في سائر مناطق العالم. وسنُوْلي تركيزنا الرئيسي دول أمريكا الوسطى، وأفريقيا الجنوبية، والمغرب، وأستراليا.

   ·    تجديد الشراكة، بين الإدارة التنفيذية والكونجرس: تعتمد كل “إستراتيجية تجارة” للإدارة الأمريكية، على شراكة فاعلة مع الكونجرس. بعد انقضاء ثماني سنوات، استعادت الإدارة، مجدداً، معظم ما كانت تتمتع به من مساندة في الكونجرس، لتحرير التجارة، من خلال التصديق على قانون إنشاء هيئة تشجيع التجارة، وغيره من تدابير فتح الأسواق أمام الدول النامية، التي نص عليها قانون التجارة، عام 2002. وستعمل هذه الإدارة مع الكونجرس، لإصدار قوانين، تتعلق باتفاقيات تجارية ثنائية: إقليمية، وعالمية، تُبرم بموجب قانون هيئة تشجيع التجارة، المُصدَّق عليه مؤخراً.

   ·    ترقية العلاقة بين التجارة والتنمية: يمكن للسياسات التجارية، أن تساعد الدول النامية على تعزيز حقوق الملكية، والمنافسة، وسيادة القانون، والاستثمار، ونشر المعرفة، وفتح المجتمعات، وتوزيع الموارد بكفاءة، والتكامل الإقليمي؛ ما سيسفر عن توفير الرخاء والتنمية والثقة في تلك الدول. وتطبق الولايات المتحدة الأمريكية “قانون النمو والفرص لأفريقيا”، لتأمين وصول معظم السلع، المنتجة في الدول الخمس والثلاثين، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إلى الأسواق. وسنلتزم أحكام هذا القانون التزاما أوسع؛ وكذلك نظيره القانون المتعلق بدول حوض الكاريبي؛ وسوف نواصل العمل مع المنظمات المتعددة الأطراف، والمنظمات الإقليمية، لمساعدة الدول الأشد فقراً على الاستفادة من هذه الفرص. وبخلاف دخول السوق، ثمة مجال أكثر أهمية، تتقاطع فيه التجارة والفقر، هو الصحة العامة. سنضمن مرونة أنظمة حقوق الملكية الفكرية، التي نصت عليها منظمة التجارة العالمية، بما ييّسر للدول النامية الحصول على أدوية مهمة، لأمراض معضلة، مثل: الإيدز، والسل الرئوي، والملاريا.

   ·    فرض تطبيق اتفاقيات التجارة والقوانين على الممارسات غير العادلة: تعتمد التجارة على سيادة القانون؛ وترتكز التجارة الدولية على اتفاقيات قابلة للتطبيق. ويأتي على قِمة أولوياتنا، حلّ النزاعات القائمة مع الاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك؛ وبذل جهود عالمية في التعامل مع التقنية الحديثة، والعلوم، والصحة، التي تعوق، بلا مبرر، الصادرات الزراعية، والزراعة المحسّنة. وكثيراً ما يُساء تنفيذ القوانين، التي تمنع الممارسات التجارية غير العادلة؛ ولكن، على المجتمع الدولي، أن يكون قادراً على التعامل مع المخاوف الحقيقية، الناجمة عن الدعم الحكومي والإغراق. وينبغي، كذلك، كشف حالات التجسس الصناعي وردعها؛ لأنها تقوِّض أُسس المنافسة العادلة.

   ·    دعم الصناعات المحلية، وتكيّف العمال معها: ثمة إطار عمل قانوني سليم، للتدابير الوقائية الانتقالية، التي اتخذناها في القطاع الزراعي، والتي سنعتمدها، هذا العام، لمساعدة صناعة الفولاذ الأمريكية. وتعتمد فوائد التجارة الحرة تطبيق الممارسات التجارية العادلة. وستحول هذه التدابير الآنفة دون أن تكون فوائد التجارة الحرة على حساب العمال الأمريكيين. إن المساعدة على التكيف التجاري، من شأنها أن تساعد العمال على التكيف مع تغيّرات الأسواق المفتوحة وديناميكيتها.

   ·    حماية البيئة والعمال: على الولايات المتحدة الأمريكية دعم النمو الاقتصادي، بطرائق تؤمّن حياة أفضل، مع التوسع في الازدهار. سنُدرج شؤون العمال والبيئة في المفاوضات التجارية للولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إنشاء “شبكة” سليمة، بين اتفاقيات البيئة المتعددة الأطراف مع منظمة التجارة العالمية، وسنعمد إلى منظمة العمل الدولية، وبرامج الأفضليات التجارية، والمباحثات التجارية؛ لتحسين ظروف العمل، متزامنة مع ضمان زيادة الحرية التجارية.

   ·    تعزيز أمْن الطاقة: سوف نعزز أمْن طاقتنا، والازدهار المشترك للاقتصاد العالمي؛ وذلك من خلال العمل مع حلفائنا، وشركائنا التجاريين، ومنتجي الطاقة، لتوسيع مصادرها العالمية وأنواعها، ولا سيما في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وأفريقيا، وآسيا الوسطى، ومنطقة بحر قزوين. وسنواصل العمل مع شركائنا، في تطوير تقنيات لإنتاج طاقة أنظف، وأكثر فاعلية.

يجب أن يصحب النمو الاقتصادي جهود عالمية، للتحكم في انبعاث الغازات، التي تولّدها ظاهرة الانحباس الحراري، والمرتبطة بالنمو الاقتصادي، والمحافظة عليها في مستوى لا يستدعي التدخل البشري في توازن المناخ العالمي. ويتمثل هدفنا، في خفض انبعاثات غاز الانحباس الحراري، في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يتناسب مع حجم اقتصادنا؛ وتخفيض حجم هذه الانبعاثات لكلّ وحدة من النشاط الاقتصادي، بنسبة 18%، على مدى السنوات العشر المقبلة، أيْ حتى عام 2012.

وسوف تتضمن إستراتيجيتنا لتحقيق هذا الهدف:

·    الالتزام باتفاقية إطار عمل الأمم المتحدة الأساسية للتعاون الدولي.

·    إبرام اتفاقيات مع الصناعات الرئيسية، للحدّ من انبعاثات الغازات القوية، الصادرة عن الانحباس الحراري؛ ومنْح امتيازات للشركات، التي تجري تخفيضات حقيقية.

·    تطوير معايير محسّنة، لقياس درجات خفض الانبعاثات وتسجيله.

·    تشجيع إنتاج الطاقة المتجددة، وتقنية الفحم النظيف؛ إضافة إلى الطاقة النووية، التي لا تولّد انبعاثات غازية؛ وتحسِّن، في الوقت نفسه، اقتصاد الوقود للسيارات والشاحنات، في الولايات المتحدة الأمريكية.

·    زيادة الإنفاق على البحوث والتقنيات الجديدة، للمحافظة على البيئة، إلى 4.5 بلايين دولار، وهو أعلى مبلغ، تنفقه دولة على بحوث التغير المناخي؛ وزيادة قدرها 700 مليون دولار أمريكي على ما كان عليه في ميزانية العام المنصرم.

·    مساعدة الدول النامية، خاصة الدول الأشد معاناة من انبعاث غازات الانحباس الحراري، مثل: الصين، والهند؛ لتتوافر لديها المعدات والموارد للانضمام إلى هذه الجهود، وحتى تصبح قادرة على النموّ، بصورة أكثر نظافة وفاعلية.

توسيع دائرة النمو الاقتصادي، من خلال انفتاح المجتمعات، وإنشاء البنى التحتية للديموقراطية

“حاربنا في الحرب العالمية الثانية، لنجعل العالم أكثر أماناً، ثم عملنا على إعادة بنائه. واليوم، إذ نعلن الحرب، لنبقي العالم آمناً من الإرهاب، فعلينا أن نعمل، كذلك، لنجعله أفضل لمواطنيه كافة”.

الرئيس بوش ـ  واشنطن العاصمة، بنك التنمية للدول الأمريكية، 14 مارس 2002

إن عالماً، يعيش فيه بعضهم في راحة ووفرة؛ بينما يعيش نصف الجنس البشري بدخل، يقلّ عن دولاريَن، في اليوم الواحد، للمرء ـ لهو عالم، ليس عادلاً، ولا مستقراً. إن إدخال فقراء العالم أجمعين، في دائرة رحبة، من التنمية والفرص ـ لهو واجب أخلاقي، جعلته الولايات المتحدة الأمريكية في أولويات سياستها الدولية.

لقد أخفقت عقود، من المساعدات الإنمائية الضخمة، في دفع التنمية الاقتصادية، في الدول الأشد فقراً في العالم. والأسوأ من ذلك، كان استخدام تلك المساعدات، في أحيان كثيرة، في دعم سياسات فاشلة؛ ما أدى إلى تخفيف الضغط على المطالب الإصلاحية، وإلى دوام البؤس. وتقاس نتائج المساعدات، عادةً، على أساس إجمالي المبالغ، التي ينفقها المانحون، وليس وفق معدلات النمو، وخفض مستوى الفقر، التي تحققها الدول المتلقية للمساعدات. وهذه، هي المؤشرات، التي تدل على الإستراتيجيات الفاشلة.

وستواجه الولايات المتحدة الأمريكية هذا الفشل، من خلال العمل مع دول أخرى. فقد حققنا إجماعاً جديداً، في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية، الذي عُقد في مونتيري، يؤكد ضرورة تغيير أهداف المساعدات، والإستراتيجيات الموضوعة لتحقيق تلك الأهداف.

إن هدف الإدارة الأمريكية، هو المساعدة على إطلاق قدرات الأشخاص الإنتاجية، في الدول كافة. ولا يمكن تحقيق النمو المستمر، وخفض مستوى الفقر، من دون وضع سياسات وطنية سليمة. وإذا طبقت الحكومات تغييرات حقيقية في سياستها، فإننا سنوفر لها مستويات جديدة مهمة من المساعدات. وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول المتقدمة، وضع هدف طموح، ومحدد: مضاعفة حجم اقتصادات الدول الأشد فقراً في العالم، خلال عقد من الزمن.

ولتحقيق هذا الهدف، ستتبع حكومة الولايات المتحدة الإستراتيجيات الرئيسية الآتية:

·    توفير الموارد للدول المؤهلة للمعونات، التي استجابت لتحدي الإصلاح الوطني: نقترح زيادة نسبتها 50 في المائة، على مساعدات التنمية الأساسية، التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الذي سنواصل فيه تنفيذ البرامج الحالية، بما فيها المساعدات الإنسانية القائمة على الحاجة فقط، سوف تُشكّل هذه البلايين الجديدة، من الدولارات، حساب “تحدي الألفية” Millennium Challenge Account، الهادف إلى الإنفاق على تنفيذ مشاريع في دول، تحكمها حكومات عادلة، وتستثمر قدرات شعوبها، وتشجع الحرية الاقتصادية. على الحكومات أن تحارب الفساد، وأن تحترم حقوق الإنسان الأساسية، وتطبق حكم القانون، وتستثمر في العناية الصحية والتعليم، وتتبع سياسات اقتصادية راشدة، وتوفر المقدرة على ممارسة المبادرات الاقتصادية الفردية. سيكافئ “حساب تحدي الألفية” الدول، التي أظهرت تغييراً حقيقياً في سياستها، ويناوئ تلك التي لم تطبق الإصلاحات المطلوبة.

·    تحسين فاعلية البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى، في رفع المستويات المعيشية: تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ برنامج عمل إصلاحي شامل، لجعل البنك الدولي، والبنوك التنموية الأخرى، المتعددة الأطراف، أكثر فاعلية، في تحسين مستوى معيشة فقراء العالم. لقد عكسنا اتجاه تخفيض المساهمات الأمريكية، واقترحنا زيادة هذه المساهمات بنسبة 18%، في رابطة التنمية الدولية، وهي صندوق البنك الدولي للدول الأشد فقراً في العالم؛ وفي بنك التنمية الأفريقي. إن مفتاح رفع مستويات المعيشة، وخفض مستوى الفقر، في العالم، يكمن في زيادة نمو الإنتاجية، خاصة في الدول الأشد فقراً في العالم. وسنواصل حثّ المصارف التنموية المتعددة الأطراف، على تركيز اهتماماتها في الأنشطة، التي تزيد الإنتاجية الاقتصادية، مثل: تحسين التعليم، والصحة، وسيادة القانون، وتطوير القطاع الخاص. وينبغي الحكم على كلّ مشروع، وكل هبة، وكلّ قرض، وفقا لما يحققه من زيادة، في نمو الإنتاجية في الدول النامية.

·    الإصرار على نتائج ملموسة، للتأكد من أن المساعدات الإنمائية، تحقق، بالفعل، تحولاً في حياة فقراء العالم: عندما يتعلق الأمر بالتنمية الاقتصادية، فإن المهم، فعلاً، هو حصول عدد أكبر من الأطفال على تعليم أفضل؛ وعدد أكبر من الناس على العناية الصحية، والمياه النظيفة؛ وعدد أكبر من العمال على وظائف، تحقق مستقبلاً أفضل لعائلاتهم. علينا واجب أخلاقي، أن نقيس نجاح مساعداتنا الإنمائية، بالنتائج التي حققتها. لهذا لن نتخلى عن المطالبة، بأن تكون لمساعداتنا الإنمائية، كما للمساعدات، التي تقدمها البنوك التنموية، المتعددة الأطراف، أهدافاً قابلة للقياس، ومعالم واضحة ملموسة، تبيّن تحقيق تلك الأهداف. وبفضل قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ستنشئ “اتفاقية زيادة توفير التمويل لمنظمة التنمية الدولية”، نظاماً للمراقبة والتقييم، يقيس مدى التقدم، الذي حققته الدول المتلقية للمساعدات. وسوف يستطيع المانحون ـ لأول مرة ـ ربط جزء من مساهماتهم في منظمة التنمية الدولية، بتحقيق نتائج حقيقية في التنمية: وقد رُبط، فعلاً، جزء من المساهمة الأمريكية، طبقاً لهذه الطريقة. وسنسعى، جاهدين، إلى ضمان اعتماد البنك الدولي، والبنوك التنموية الأخرى، المتعددة الأطراف، هذا النظام؛ فيكون الاهتمام بالنتائج جزءاً لا يتجزأ من كل عدم، تقدّمه هذه المؤسسات.

·    زيادة مقدار المساعدات التنموية، التي تقدَّم في شكل هبات، بدلاً من قروض: إن توسيع استخدام الهبات المستندة، إلى النتائج، هو الطريقة الأمثل، لمساعدة الدول الفقيرة على تحقيق استثمارات إنتاجية، خاصة في القطاعات الاجتماعية، من دون إرهاقها بأعباء ديون، تتعاظم يوماً بعد يوم. وبإيعاز القيادة الأمريكية، في هذا المجال، نصت أحكام اتفاقية منظمة التنمية الدولية، على زيادات مهمة في الهبات، الممنوحة للدول الأشد فقراً، وفي قطاعات: التعليم، ومكافحة مرض الإيدز، والرعاية الصحية، والتغذية، والمياه، ومجاري الصرف الصحي، والحاجات الإنسانية الأخرى. إن هدفنا هو الاستناد إلى هذا النظام، بزيادة استعمال الهبات، التي تمنحها البنوك التنموية الأخرى، المتعددة الأطراف. وسندعو الجامعات؛ والجمعيات، التي لا تهدف إلى الربح؛ والقطاع الخاص، إلى مواكبة جهود الحكومة، في استخدام الهبات لدعم مشروعات تنموية التي تحقق نتائج ملموسة.

·    المجتمعات المنفتحة للتجارة والاستثمارات: تعَد التجارة والاستثمار محركَيْن حقيقيَيْن للنمو الاقتصادي: وحتى في حالة زيادة المعونات الحكومية، فلا بد أن تأتي معظم الأموال للتنمية من التجارة، ورأس المال الوطني، والاستثمار الأجنبي. وينبغي أن تسعى الإستراتيجية الفاعلة إلى توسيع هذه المصادر. وتحتل التجارة الحرة وأسواقها قِمة أولويات إستراتيجية الأمن الوطني الأمريكي.

·    رعاية الصحة العامة: يتسع مدى أزمة الصحة العامة، في الدول الفقيرة، اتساعاً هائلاً. ففي الدول، التي تعاني أمراضاً، وأوبئة متفشية: مثل الإيدز، والملاريا، والسل الرئوي، سيظل النمو والتنمية مهددَيْن، حتى يمكِن السيطرة على هذه الكوارث. إن توفير العالم المتقدم للموارد ضرورة؛ ولكنها لن تُجْدي إلا في ظل نُظم حكم مخلصة، تدعم برامج الوقاية من الأمراض، وتهيئ لها البنية التحتية المحلية الفاعلة. لقد ساندت الولايات المتحدة الأمريكية، بقوة، الصندوق العالمي الجديد لمحاربة مرض الايدز، الذي أنشأه الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان. كما دعمت تركيز هذا الصندوق في إدماج مفهوم الوقاية في إستراتيجية عريضة، لمعالجة المرضى والعناية بهم. وتسهم الولايات المتحدة الأمريكية، حالياً، بأكثر من ضعف ما يسهم به أسخى المانحين. وإذا حقق الصندوق العالمي المأمول منه، فإننا سنكون على استعداد لمنح مبالغ أكبر.

·    التركيز في التعليم: إن محو الأمية، والتعليم، هما أساس الديموقراطية والتطور. ولا يخصص البنك الدولي التعليم بأكثر من سبعة في المائة فقط من موارده؛ ولا بدّ من زيادة هذه النسبة. وسترفع الولايات المتحدة الأمريكية إسهاماتها المالية، في مجال التعليم 20% على الأقل؛ مع التشديد على تحسين التعليم الأساسي، وتدريب المعلمين، في أفريقيا. ويمكِن الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك، توفير تقنية المعلومات للمجتمعات، التي دمر الإيدز كثيراً من أنظمتها التعليمية.

·    الاستمرار في دعم التنمية الزراعية: للتقنيات الحديثة، بما فيها التقنية الحيوية، قدرة كبيرة على تحسين عائدات المحاصيل، في الدول النامية، حتى لو خُفّضت كميات المبيدات والمياه المستخدمة. وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، باستخدامها العلم السليم، أن تدعم توفير هذه الميزات لنحو 800 مليون نسمة، منهم 300 مليون طفل، لا يزالون يعانون الجوع وسوء التغذية.

تطوير برامج عمل، للتعاون مع المراكز الرئيسية الأخرى للقوى العالمية

“تتهيأ لنا اليوم أفضل فرصنا، منذ نشوء الدولة الأمة، في القرن السابع عشر، لتشييد عالم، تتنافس فيه القوى الكبرى، على تحقيق السّلام، بدلاً من الاستعداد للحرب”.

الرئيس بوش، ويست بوينت، نيويورك، الأول من يونيه 2002

ستنفذ الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجياتها، بتنظيم تحالفات، واسعة قدر الإمكان، من دول، تعمل على تعزيز توازن القوى لمصلحة الحرية، وترغب في تحقيقه. ولا بدّ للقيادة الفاعلة، لمثل هذه التحالفات، من وضوح في الأولويات، وتقدير لمصالح الآخرين، وتشاور مستمر بين الشركاء، مع سيادة روح لين الجانب بينهم.

إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع تنفيذ إستراتيجياتها، من دون إنشاء تحالفات مع الدول الصديقة، في كندا وأوروبا؛ وخاصة الأخيرة، التي تحتضن أقوى منظمتَين عالميتَين: منظمة حلف شمال الأطلسي NATO، التي كانت، وما زالت، نقطة ارتكاز للأمن الأوروبي الداخلي؛ والاتحاد الأوروبي، شريك الولايات المتحدة الأمريكية في التجارة العالمية.

وقد تعرضت منظمة حلف شمال الأطلسي لهجمات 11 سبتمبر، كما تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت المرة الأولى، التي يلجأ فيها الحلف إلى المادة الخامسة، من المعاهدة المتعلقة بالدفاع عن النفس. ولا تزال المهمة الأساسية للحلف هي: الدفاع الجماعي لتحالف الديموقراطيات عبر الأطلسي؛ ولكن لا بدّ له من تطوير هياكل وقدرات جديدة، في سبيل النهوض بمهمته، في ظل الظروف الجديدة، التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر. لا بدّ أن يبني قدرة، تمكنه من أن يرسل، خلال فترة قصيرة، متى دعت الحاجة، قوات سريعة الانتشار، ومدربة تدريباً خاصاً؛ للتعامل مع أيّ خطر، يتهدد أيّ عضو من أعضائه.

وينبغي أن يكون التحالف قادراً على العمل في أيّ مكان، تتهدد فيه مصالحنا؛ بإنشاء تحالفات خاضعة له؛ والمشاركة في ائتلافات، تُشكّل على أساس مهمات محددة. ولتحقيق ذلك، علينا:

·    توسيع عضوية الحلف، لتشمل الدول الديموقراطية، الراغبة في المشاركة في تحمل عبء الدفاع عن مصالحنا المشتركة ودعمها، والقادرة على ذلك.

·    التأكيد من امتلاك القوات العسكرية لدول الحلف، المساهمات القتالية الملائمة، لاستنخدامها في حروب، يشارك فيها التحالف.

·    تطوير عمليات تخطيطية؛ لِجعْل تلك المساهمات قوات قتالية فاعلة، متعددة الجنسيات.

·    الاستفادة من الفرص التنكولوجية، والتوسع الاقتصادي، في إنفاقنا الدفاعي؛ لتأهيل قدرات القوات العسكرية للحلف الأطلسي، لتتمكن من السيطرة على المعتدين المحتملين؛ فتتقلّص إمكانية تعرضنا للأخطار.

·    تبسيط هيكليات القيادة وزيادة مرونتها، لتلبي الاحتياجات العملياتية الجديدة، وما يصحبها من متطلبات تدريبية، وتكامل، وتجارب، واختبارات للتشكيلات الجديدة.

·    المحافظة على القدرة على العمل والقتال معاً، كحلفاء، حتى أثناء اتخاذ الخطوات، اللازمة لإجراء التحول في قواتنا وتحديثها.

إذا نجح حلف شمال الأطلسي في إجراء هذه التغييرات، فستكون النتيجة نشوء مشاركة محورية، ترعى أمن الدول الأعضاء ومصالحها، كما كانت الحال، إبّان الحرب الباردة. وسنتبنى وجهة نظر مشتركة تجاه الأخطار، التي تتهدد مجتمعاتنا؛ وسنسعى إلى الارتقاء بقدرتنا على اتخاذ إجراء مشترك، دفاعاً عن دولنا ومصالحها. وفي الوقت نفسه، فإننا نرحب بجهود حلفائنا الأوروبيين، لإعداد سياسة خارجية أشمل، وهوية دفاعية أوسع، مع الاتحاد الأوروبي؛ وسنلزم أنفسنا بمشاورات وثيقة مع حلف شمال الأطلسي، لضمان فاعلية هذه التطورات. ونأمل ألاّ نفقد هذه الفرصة، لإعداد أسرة الدول الديموقراطية عبْر الأطلسي، لمواجهة التحديات المقبلة.

لقد عززت هجمات 11 سبتمبر التحالفات الأمريكية ـ الآسيوية. فكانت المعاهدة الأمنية، بين أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية ANZUS؛ بل عدّت أستراليا هجمات سبتمبر موجهة إليها، وساندت هذا القرار التاريخي، بإرسالها بعض أفضل القوات القتالية في العالم، للمشاركة في عملية “الحرية الدائمة”. وقدَّم كلٌّ من اليابان وجمهورية كوريا مستويات غير مسبوقة، من الإسناد اللوجستي العسكري، خلال أسابيع من الهجوم الإرهابي. وتعمّق تعاوننا على محاربة الإرهاب، مع شركائنا في التحالف، في تايلاند والفيليبين، وحصلنا على مساعدة، لا تقدر بثمن، من أصدقاء مخلصين، مثل سنغافورة ونيوزيلندا.

لقد أثبتت الحرب على الإرهاب، أن تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا، لا تساند أُسُس السلام والاستقرار الإقليميَّيْن فقط؛ وإنما يطاول استعدادها ومرونتها، أيَّ تحديات جديدة. ولتعزيز تحالفاتنا وصداقاتنا في آسيا، سنبادر إلى:

·    المحافظة على استمرار اليابان في الاضطلاع بدور قيادي في الشؤون: الإقليمية والعالمية، يستند إلى مصالحنا وقِيمنا المشتركة، وتعاوننا: الدفاعي والدبلوماسي، الوثيق.

·    التعاون مع كوريا الجنوبية على اتخاذ الحيطة والحذر تجاه كوريا الشمالية، وإعداد تحالفنا معها لمساهمات، في توفير استقرار أوسع للمنطقة، على المدى الطويل.

·    الاستفادة من خمسين عاماً من تعاون التحالف، الأمريكي ـ الأسترالي؛ ومواصلة العمل معاً، على حل المشاكل: الإقليمية والعالمية؛ كما فعلنا ذلك، مراراً، بدأً بمعركة بحر الكورال، ووصولاً إلى معركة تورا بورا.

·    الحرص على وجود قواتنا في المنطقة؛ بما يفرض التزاماتنا، تجاه حلفائنا، واحتياجاتنا، وتقدُّمنا التكنولوجي، والبيئة الإستراتيجية.

·    الاستفادة من الاستقرار، الذي توفره تحالفات، مثل: حلف جنوبي شرقي آسيا ASEAN، ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، لتطوير إستراتيجيات: إقليمية وثنائية، لإدارة التغيير في هذه المنطقة الحيوية.

إننا متنبّهون لاحتمال تجدُّد أنماط التنافس القديمة بين الدول العظمى. وتمر، حالياً، دول عدة بحالات مخاض مرشحة لأن تكون دولاً عظمى، بعمليات تحوُّل داخلية، في مقدمتها روسيا، والهند، والصين، حيث أنعشت تطوراتها الأخيرة آمالنا، أن يتكون إجماع عالمي حقيقي على مبادئ أساسية، ولو بطيئاً.

أمّا روسيا، فقد بدأنا بناء علاقة إستراتيجية جديدة بها، تستند إلى الحقيقة المحورية للقرن الواحد والعشرين، وهي اضمحلال العداء الإستراتيجي، بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. فمعاهدة موسكو لتخفيض ترسانة الأسلحة الإستراتيجية، ترمز إلى هذا الواقع الجديد، وتعكس تغييراً حاسماً في التفكير الروسي، يَعِد بعلاقات مثمرة وطويلة المدى، بين روسيا والجماعة الأوروبية ـ الأطلسية والولايات المتحدة الأمريكية. ولدى كبار القادة الروس تقييم واقعي لمَواطن الضعف الحالي، في بلادهم، وفي سياساتهم: الداخلية والخارجية، التي ينبغي أن تعكس اتجاه تلك المَواطن. كما يتزايد إدراكهم، أن أساليب الحرب الباردة، لا تخدم مصالحهم القومية؛ وأن المصالح الإستراتيجية: الروسية والأمريكية، متوافقة في مجالات عديدة.

تسعى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى استغلال هذا التحول في التفكير الروسي، في إعادة تركيز علاقتنا في المصالح المشتركة، والتحديات: الناشئة عنها والمحتملة. وفي الحرب العالمية على الإرهاب، سنوسع مجالات تعاوننا، الذي كان قد بدأ بالتوسع، فعلاً. وسنعمل لتسهيل انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، من دون خفض المعايير المحددة للانضمام؛ من أجل تعزيز التجارة الثنائية المفيدة، والعلاقات الاستثمارية بيننا. لقد أنشأنا مجلس حلف شمال الأطلسي ـ روسيا، بهدف تعميق التعاون الأمني بيننا وبين روسيا، وحلفائنا الأوروبيين. وسنستمر في دعم استقلال دول الاتحاد السوفيتي (السابق) واستقرارها؛ لاعتقادنا أن قياد دول تجاور روسيا، تنعم بالازدهار والاستقرار، من شأنه أن يعزز التزام روسيا المتنامي بالاندماج في المجموعة الأوروبية ـ الأطلسية.

في الوقت نفسه، نبقى واقعيين، في شأن الاختلافات، التي ما زالت تباعد بيننا وبين موسكو؛ وفي شأن الوقت والجهد، المطلوبيَن لبناء مشاركة إستراتيجية دائمة. إن الشعور بعدم الثقة، في دوافعنا وسياساتنا، الذي ما يزال قائماً لدى نخبة من القادة الروس، يُبطئ من إيقاع التحسن في علاقاتنا. ويبقى التفاوت في التزام روسيا بالقِيم الأساسية لديموقراطية السوق الحرة، وسجلّها المريب في محاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل، مصدراً مثيراً لاهتمامنا العميق. إن ضعف روسيا، يحدّ من فرص التعاون معها؛ غير أن هذه الفرص، أصبحت، اليوم، أعظم مما كانت عليه في السنوات، بل العقود الأخيرة.

أما مع الهند، فقد أجرت الولايات المتحدة الأمريكية تحولاً في علاقتها الثنائية بها، يستند إلى الاقتناع بأن المصالح الأمريكية، تتطلب علاقة قوية بالهند؛ إذ إننا أكبر دولتًيْن ديموقراطيتَيْن في العالم، ملتزمتين بالحرية السياسية، التي تحميها حكومة نيابية. وتتجه الهند، كذلك، نحو تحقيق حرية اقتصادية أوسع. ولدينا مصلحة مشتركة في التدفق الحر للتجارة، بما فيها التجارة عبْر الممرات البحرية الحيوية للمحيط الهندي. وأخيراً، فإننا والهند تجمعنا مصلحة في محاربة الإرهاب، وفي استقرار آسيا، إستراتيجياً.

ولكن، تبقى هناك اختلافات، منها أمور، تتعلق بتطوير الهند برامج الأسلحة النووية، والصواريخ، وإيقاع تقدُّم الإصلاحات الاقتصادية فيها. وإذ كان القلق يطغى على نظرتنا إليها، في الماضي، إلاّ إننا بدأنا نرى، اليوم، أن الهند قوة عالمية متنامية، تربطنا بها مصالح إستراتيجية مشتركة. ويمكننا، من خلال إنشاء مشاركة قوية، بيننا، معالجة أيّ اختلافات معالجة أنجع، وصياغة مستقبل حيوي، في علاقاتنا.

وتُشكّل علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالصين، جزءاً مهماً من إستراتيجيتنا لتشجيع الاستقرار والسلام والازدهار، في منطقة آسيا ـ المحيط الهادي. ونحن نُرحب بظهور “صين” قوية، ومسالمة، ومزدهرة. ويُعَدُّ تطورها الديموقراطي أمراً حاسماً، في مستقبلٍ كهذا. ولكن، بعد انقضاء ربع قرن على بدء عملية التخلص من أسوأ مظاهر الإرث الشيوعي، لم ينتقِ القادة الصينيون، حتى الآن، الخيارات الأساسية لطبيعة دولتهم. وفي سعيها إلى تأمين قدرات عسكرية متطورة، تتيح لها تهديد جيرانها في منطقة آسيا ـ المحيط الهادي، تتبنى الصين نهجاً، عفاه الزمن؛ ما سيعوق سعيها الى تحقيق العظمة القومية. وستكتشف الصين أن الحرية: الاجتماعية والسياسية، هي المصدر الوحيد لتلك العظمة.

إن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى إنشاء علاقة بناءة مع صين متغيّرة. ونحن، بالفعل، نتعاون معها، حيث تتوافق مصالحنا، بما في ذلك الحرب الدائرة ضد الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. ونسّقنا سياستَيْنا، في خصوص مستقبل أفغانستان؛ وبدأنا حواراً شاملاً، في محاربة الإرهاب؛ وغير ذلك من القضايا العابرة. إن التهديدات: الصحية والبيئية، التي تواجهنا معاً، مثل انتشار مرض الإيدز، هي حافز لنا، إلى تعزيز رفاهية مواطنينا.

وسوف يمثل التعامل مع هذه التهديدات المؤقتة، تحديات للصين؛ لتصبح أكثر انفتاحاً نحو توفير المعلومات، وتشجيع تطور المجتمع المدني، وتعزيز حقوق الإنسان. وقد بدأت انتهاج الطريق، المؤدية إلى الانفتاح السياسي؛ إذ سمحت بعدد من الحريات الشخصية، وإجراء انتخابات على مستوى القرى؛ بيد أنها لا تزال مستمسكة، بقوة، بنظام حكم الحزب الواحد، الحزب الشيوعي. وكي تصبح هذه الدولة قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها وتحقيق طموحاتهم، لا يزال أمامها كثير ممّا ينبغي عمله. ولن تتمكن من الوصول إلى قدْرتها الكاملة، إلاّ من خلال السماح للشعب الصيني بحرية التفكير والاجتماعات والعبادة.

ستستفيد علاقتنا التجارية المهمة، من انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية؛ إذ ستتوافر فرص التصدير؛ فتزداد استطراداً، فرص العمل للمزارعين، والعمال، والشركات الأمريكية. تحتل الصين المرتبة الرابعة بين شركائنا التجاريين، وتتجاوز القِيمة السنوية للتبادل التجاري بيننا، مائة بليون دولار. وسوف تدفع قوة مبادئ السوق الحرة، وشروط منظمة التجارة العالمية، المتعلقة بالشفافية والمحاسبة، في اتجاه الانفتاح الاقتصادي، وحكم القانون، في الصين، وذلك للمساعدة على وضع إجراءات حماية أساسية للتجارة وللمواطنين. وعلى الرغم من ذلك، ثمة مجالات أخرى، تعتريها اختلافات عميقة. أولها، التزامنا بتوفير وسائل الدفاع عن النفس لتايوان، بموجب قانون العلاقات بيننا وبينها. وثانيها، الحقوق الإنسانية. ونتوقع أن تتقيّد الصين بالتزاماتها بمنع انتشار الأسلحة. وسنسعى إلى تضييق الاختلافات، أينما وجدت، ولن نسمح لها بأن تعوق التعاون، حيثما اتفقنا.

لقد غيّرت أحداث 11 سبتمبر 2001، مفهوم العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز القوى الرئيسية الأخرى في العالم، تغييراً أساسياً؛ وفتحت مجالات مهمة أمام الفرص الجديدة. بالتعاون مع حلفائنا القدماء في أوروبا وآسيا، ومع القادة في روسيا، والهند، والصين، لا بدّ من تطوير برامج تعاون ناشطة، حتى لا تتحول هذه العلاقات إلى علاقات نمطية، غير منتجة.

إنّ جميع وكالات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، تُشارك في مواجهة التحديات. ويمكننا أن نرسي تقاليد للتشاور، والنقاش الهادئ، والتحليل الرصين، والعمل المشترك. وعلى المدى الطويل، سوف تكون هذه الممارسات، هي التي تحافظ على دوام تفوق مبادئنا المشتركة، وبقاء مسار التقدم مفتوحاً أمامنا.

توجيه مؤسسات الأمن الوطني الأمريكي إلى مواجهة التحديات، واغتنام الفرص، في القرن الواحد والعشرين

“انقض الإرهابيون على رمز من رموز الازدهار الأمريكي؛ لكنهم لم يمسّوا منبعه؛ فنجاح أمريكا سببه العمل الجادّ، والإبداع، ومبادرات شعبنا الفردية”.

الرئيس بوش، واشنطن العاصمة، الدورة المشتركة للكونجرس، 20 سبتمبر 2001

أُنشئت مؤسسات الأمن الوطني الأمريكي الرئيسية، في حقبة مختلفة، تلبية لمتطلبات مختلفة؛ فكل منها يحتاج إلى تطوير.

لقد حان وقت إعادة التشديد على الدور الأساسي، للقوة العسكرية الأمريكية. وعلينا أن نبني دفاعاتنا، وأن نحافظ عليها، بما يتجاوز التحديات. وقِمة أولوياتنا العسكرية، هي الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولتنفيذ ذلك، بفاعلية، على قواتنا العسكرية:

·    طمأنة حلفائنا وأصدقائنا.

·    العدول عن المنافسة العسكرية المستقبلية.

·    ردع التهديدات ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها، وأصدقائها.

·    دحر أيّ عدوّ، إذا فشل ردعه، دحراً حاسماً.

أسهمت القوة، التي لا مثيل لها، التي تتمتع بها القوات المسلحة الأمريكية، وموقعها المتقدم، في حفظ السلام في بعض المناطق الإستراتيجية، الأكثر حيوية في العالم. غير أن التهديدات، والأعداء، الذين ينبغي أن نواجههم، قد تغيروا؛ لذا، وجب على قواتنا أن تتغير. فالقوة العسكرية المعَدة، لردع الجيوش الحاشدة، في فترة الحرب الباردة، لا بدّ أن تحوِّل تركيزها إلى الطريقة، التي يمكن أن يقاتل بها العدوّ، بدلاً من التركيز على الزمان أو المكان، الذي قد تنشب فيه الحرب. سوف نوجه طاقاتنا للتغلب على مجموعة من التحديات العملياتية.

إن وجود قوات أمريكية في الخارج، هو أحد أهم الدالة على التزامات الولايات المتحدة الأمريكية، تجاه الحلفاء والأصدقاء. ومن خلال استعدادنا لاستخدام القوة في الدفاع عن أنفسنا، وعن الآخرين، تثبت الولايات المتحدة الأمريكية عزمها على الحفاظ على توازن القوى المناصرة للحرية. ولمواجهة التحديات الأَمنية الكثيرة، ستحتاج إلى قواعد ومراكز، داخل أوروبا الغربية وفي خارجها، وفي شمال شرقي آسيا؛ فضلاً عن الترتيبات المؤقتة، اللازمة لانتشار القوات الأمريكية لمسافات طويلة.

قبل حرب أفغانستان، كانت تلك المنطقة تأتي في ذيل اهتمام لائحة خطط الطوارئ الرئيسية. ولكن في فترة وجيزة جداً، كان علينا أن نعمل في تلك الدولة البعيدة، من شرقيها إلى غربيها، ومن شماليها إلى جنوبيها، مستخدمين كل فرع من فروع القوات المسلحة. علينا الاستعداد لأيّ انتشار من هذا النوع، بتطوير التجهيزات العسكرية، مثل: الوسائل المتقدمة للاستشعار من بُعد، والقدرات الدقيقة للقذائف البعيدة المدى، وقوات متطورة للمناورات والحملات العسكرية. ولا بدّ أن تتضمن هذه المجموعة الواسعة من القدرات العسكرية، كذلك، القدرة على الدفاع عن الوطن، وتنفيذ عمليات لجمع المعلومات، وضمان وصول الولايات المتحدة الأمريكية إلى مسارح القتال البعيدة، وحماية البنى التحتية الأمريكية الحساسة، وتجهيزاتها العسكرية في الفضاء الخارجي.

يعتمد الابتكار، في مجال القوات المسلحة، على تجريب مداخل حربية جديدة، وتقوية العمليات المشتركة، واستخدام ميزات الاستخبارات الأمريكية، والاستفادة الكاملة من العلم والتقنية. وعلينا، كذلك، أن نغير أسلوب الإدارة في وزارة الدفاع، وخاصة في مجالات الإدارة المالية، واجتذاب المجندين الجدد والحفاظ عليهم. وأخيراً، بينما نعمل على في المحافظة على الاستعداد القصير المدى، والقدرة على خوض الحرب على الإرهاب، لا بدّ أن يكون هدفنا، هو تزويد الرئيس بخيارات عسكرية أوسع، لمنع الاعتداء، أو أيّ شكل من أشكال الإكراه، للولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائنا، وأصدقائنا.

يعلِّمنا التاريخ، أن الردع قد يفشل؛ ونعرف من خلال التجربة، أن بعض الأعداء، قد يتعذر ردعهم. وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن تمتلك، وستمتلك، القدرة على دحر محاولة أي عدوّ،  سواء كان دولة أو غير ذلك، لفرض إرادته عليها، أو على حلفائنا، أو أصدقائنا. وسنمتلك القوات العسكرية، التي تكفي لدعم التزاماتنا، والدفاع عن الحرية. وستكون قواتنا قوية، بما يكفي لثني أيّ عدوّ محتمل عن السعي إلى حشد قدرات عسكرية؛ آملاً أن يفوق قوة الولايات المتحدة الأمريكية، أو مضاهاتها.

الاستخبارات، وطريقة استخدامها، هما خط دفاعنا الأول دون الإرهابيين وتهديد الدول المعادية؛ فالاستخبارات، التي أُنشئت، في الأساس، لجمع معلومات هائلة، عن هدف ضخم، وثابت، هو الكتلة السوفيتية، عليها، الآن، أن تتعامل مع تحديات هي أهداف شتّى، أكثر تعقيداً، وأشد مراوغة.

علينا تحويل قدراتنا الاستخباراتية، وبناء قدرات جديدة، تناسب طبيعة هذه التهديدات. ينبغي إدماج تلك القدرات، إدماجاً ملائماً، في نظامَي الدفاع وإنفاذ القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتنسيقها مع حلفائنا وأصدقائنا. لا بدّ لنا من حماية قدراتنا، حتى لا يمكِّن أعدائنا من معرفة أفضل السُبُل إلى مباغتتنا. إن الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بنا، إنما يسعون إلى الاستفادة من عنصر المفاجأة، كذلك؛ للحدِّ من خياراتنا المتاحة للوقاية والرد؛ وإلحاق أقصى الأضرار بنا.

لا بدّ أن نعزز قدرة التحذيرات والتحليلات الاستخباراتية؛ لتوفير التقييم المتكامل للتهديدات، الموجهة إلى الأمن الوطني. ونظراً إلى أن التهديدات، الآتية من حكومات أو جماعات أجنبية، يمكن أن تنفذ داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن علينا، كذلك، أن نضمن الانصهار الصحيح للمعلومات، بين أجهزة الاستخبارات وسلطات إنفاذ القانون.

ستتضمن المبادرات، في هذا المجال:

    ·   تقوية سلطة مدير الاستخبارات المركزية، كي يقود عملية التطوير والإجراءات، اللازمة لتقوية قدرات البلاد الاستخباراتية الأجنبية.

    ·   إنشاء إطار عمل جديد للتحذيرات الاستخباراتية، يقدم تحذيراً متكاملاً، من دون شوائب يتضمن التهديدات كافة، التي تواجه البلاد وحلفاءنا.

    ·   الاستمرار في تطوير أساليب جديدة، لجمع المعلومات؛ من أجل استدامة تفوقنا في مجال الاستخبارات.

    ·   الاستثمار في القدرات المستقبلية، مع استمرار العمل على حماية تلك القدرات، من خلال بذل جهد أقوى، للحؤول دون تعريض قدراتنا الاستخباراتية لخطر إفشاء سِريتها.

    ·   جمع المعلومات الاستخباراتية حول خطر الإرهاب، من الحكومة، ومن تحليل جميع المصادر.

وفي حين تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على القوات المسلحة، للدفاع عن المصالح الأمريكية، عليها أن تعتمد على الدبلوماسية، للتفاعل مع الدول الأخرى. وسنضمن حصول وزارة الخارجية على التمويل الكافي، لضمان نجاح الدبلوماسية الأمريكية؛ فوزارة الخارجية تؤدي دوراً قيادياً في إدارة علاقاتنا الثنائية بالحكومات الأخرى. وفي هذه الحقبة الجديدة، يجب على موظفيها ومؤسساتها التفاعل، بالبراعة نفسها، مع كلٍّ من المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الدولية. وعلى المسؤولين، المدربين، أساساً، على شؤون السياسة الدولية، توسيع نطاق عملهم كذلك، كي يشمل فهْم المسائل المعقدة للحكم المحلي، في سائر أنحاء العالم، بما في ذلك قطاعات الصحة العامة، والتعليم، وإنفاذ القوانين، والقضاء، والدبلوماسية العامة.

ويعمل دبلوماسيونا، على الخط الأمامي، في المفاوضات المعقدة، والحروب الأهلية، وغيرها من الكوارث الإنسانية. ومع تَفهُّم متطلبات الإغاثة الإنسانية فهْماً أفضل، علينا، كذلك، أن نكون قادرين على المساعدة على بناء قوات الشرطة، وأنظمة المحاكم، والقواعد القضائية، والمؤسسات الحكومية: المحلية والإقليمية، والأنظمة الانتخابية؛ فثمة حاجة إلى تعاون دولي فاعل، لتحقيق هذه الأهداف، يسانده استعداد أمريكا لأداء الدور المنوط بها.

كما ينبغي تكييف مؤسساتنا الدبلوماسية، كي نصل إلى الآخرين؛ فإننا نحتاج، كذلك، إلى نهج مختلف وأكثر شمولاً، للجهود الإعلامية العامة، التي يمكن أن تساعد الناس، في أرجاء العالم، على معرفة أمريكا وفهْمها. فالحرب على الإرهاب، ليست صراع حضارات؛ لكنها تنمّ عن الصراع داخل حضارة واحدة، معركة من أجل مستقبل العالم الإسلامي. إنه صراع أفكار، وهذا مجال لا بدّ أن تتفوق فيه أمريكا.

سنتخذ الإجراءات الضرورية، لضمان عدم تأثر جهودنا في الوفاء بالتزامات الأمن العالمي، وحماية الأمريكيين، بأي احتمالات لإجراء تحقيقات أو ملاحقات، على يد محكمة الجنايات الدولية، التي لا تشمل سلطتها القضائية الأمريكيين، ولا نقبل تلك السلطة. وسنعمل مع دول أخرى، لتجنّب التعقيدات في عملياتنا العسكرية، وفي تعاوننا؛ وذلك من خلال آليات، مثل الاتفاقات: الثنائية والمتعددة الأطراف، التي من شأنها أن تحمي مواطني الولايات المتحدة الأمريكية من محكمة الجنايات الدولية. وسننفذ قانون حماية الجنود الأمريكيين تنفيذاً كاملاً، لضمان حماية العسكريين والمسؤولين الأمريكيين، وتعزيزها.

سننتقي خيارات صعبة، في العامين القادمين لتأمين الاعتمادات المالية المناسبة، من الإنفاق الحكومي على الأمن الوطني. وعلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، تقوية دفاعاتها، كي تربح هذه الحرب. وستكون من أهم أولوياتنا، في الداخل، حماية الوطن، من أجل الشعب الأمريكي.

واليوم، يتضاءل التمييز بين الشؤون: الداخلية والخارجية. وفي عالم مُعَوْلَم، يكون لواقع الأحداث، خارج حدود أمريكا، تأثيراً أكبر منه في داخلها. وعلى مجتمعنا، أن ينفتح أمام الناس، والأفكار، والسلع، من مختلف أنحاء العالم. إن الخصائص،  التي نعتز بها: حريتنا، ومدننا، وأنظمة تحركنا، وحياتنا العصرية، هي عرضة للإرهاب. وسوف يستمر هذا الخطر، طويلاً، حتى بعد أن نقدِّم المسؤولين عن اعتداءات 11 سبتمبر إلى العدالة. وبمرور الزمن، قد يتمكن أشخاص من الوصول إلى وسائل تدمير، لم تتمكن من السيطرة عليها، حتى اليوم، سوى الجيوش والأساطيل والقوات الجوية النظامية. هذا ظرف جديد من ظروف الحياة. وسنتأقلم معه، ونزدهرـ على الرغم منه.

وفي ممارستنا لدورنا القيادي، سنحترم قِيم أصدقائنا، وشركائنا، وآراءهم، ومصالحهم. لكننا سنكون مستعدين للتصرف وحدنا، حينما تقتضي مصالحنا ومسؤولياتنا الفريدة ذلك. وحين نختلف في التفاصيل، سنشرح، بصراحة، أسباب موقفنا؛ وسنسعى، جاهدين، لتشكيل خيارات ممكنة. ولن نسمح لهذه الاختلافات، أن تضعف عزمنا، نحن وحلفاؤنا وأصدقاؤنا، على تأمين المصالح والقِيم الأساسية المشتركة.

وفي النهاية، تكمن أُسس القوة الأمريكية، في داخل الوطن؛ في مهارات شعبنا، وحيوية اقتصادنا، ومرونة مؤسساتنا. إن لدينا مجتمعاً متنوعاً، عصرياً، يملك طاقة ذاتية فطرية، طامحة، وجريئة في إقدامها. إن قوتنا تنبع مما نفعله بهذه الطاقة. ومن هنا يبدأ أمْننا الوطني.

 

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button