ملف شامل حول ماهية علم ادارة الازمات

   المقدمة
   الفصل الأول: المفاهيم العامة، والأسس النظرية لإدارة الأزمات
   المبحث الأول: مفهوم إدارة الأزمات
   المبحث الثاني: أنواع الأزمات، والمنهج العلمي لِسَبْرها
   الفصل الثاني: أُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه، وإستراتيجيات مواجهتها
   المبحث الثالث: أُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه
   المبحث الرابع: إستراتيجيات مواجهة الأزمات

المقدمة

إن ظاهرة الصراع، هي إحدى حقائق العلاقات، منذ فجر التاريخ. وعالم اليوم، يتميز بالمتغيرات السريعة، التي أسفرت عن توترات شتّى، تؤكد اتصافه بالكيانات الكبرى، والمصالح المتباينة. وعلى الرغم من التقدم الحضاري، وثبات الدعائم والأسس، التي تقوم عليها العلاقات؛ فإن العالم، يتسم بتعدد الأزمات، التي يواجهها، والناجمة عن اختلال توازنات القوى الكبرى، وتزايد أطماعها؛ مع سعي القوى الصغرى إلى تحقيق مزيد من الاستقلال والنمو؛ ما أدى صراعات عنيفة، وتحالفات متعددة التوجهات. وتمخض ذلك بأزمات، عالمية وإقليمية ومحلية، متعددة الوجوه، ذات طبيعة، زمانية ومكانية، مركبة، ومعقدة.

    لقد كان تفاعل العلاقات، بين القوى والكيانات المختلفة، وصراعاتها الخفية والعلنية، بهدف نقل مراكز السيطرة والهيمنة ـ من عوامل زيادة حدّة الأزمات، إذ بينما تعمل الدول المتقدمة على امتلاك عناصر القوة المختلفة، والارتقاء بوسائلها المادية؛ فإن الدول النامية، تختلف أزماتها، بسبب إفرازاتها المتناقضة، الناتجة من الحقبة الاستعمارية؛ فضلاً عن طموحات الاستقلال والتنمية؛ ما ينعكس على السلوكيات الاجتماعية. وإذا كانت الدول المتقدمة، تتعامل مع أزماتها بمناهج علمية؛ فإن الدول النامية، ترفض اِّتباع هذه الأساليب، في مواجهة أزماتها؛ ولذلك، تكون تلك الأزمات أشد عمقاً، وأقوى تأثيراً؛ بسبب التفاعل الواضح بين عدم اتِّباع المناهج العلمية، في التعامل مع الأزمات، بين الجهل بتلك لهذه المناهج، والتمسك بالأساليب، العشوائية والارتجالية؛ ما ينعكس إمكانيات الدولة وقدراتها.

    وإذا كانت الأزمات، تحدث في كلِّ زمان ومكان؛ فإن العالم المعاصر، بعد أن أصبح وحدة متقاربة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ـ بات أيّ من كياناته عرضة لأزمات، التي تعصف به، من وقت إلى آخر، وتؤثر في مجتمعاته تأثيرات متفاوتة. ولذلك، أصبح استخدام المناهج العلمية في مواجهة الأزمات، ضرورة ملحَّة؛ ليس لتحقيق نتائج إيجابية من التعامل معها؛ وإنما لتجنّب نتائجها المدمرة.

    وعلم إدارة الأزمات، يُعَدّ من العلوم الإنسانية حديثة النشأة. وأبرزت أهميته التغيرات العالمية، التي أخلت بموازين القوى، الإقليمية والعالمية، وأوجبت رصْدها وتحليل حركتها واتجاهاتها. ومن ثَم؛ يكون علم إدارة الأزمات، هو علم المستقبل؛ إذ يعمل على التكيف مع المتغيرات، وتحريك الثوابت وقوى الفعل المختلفة، ذات التأثير، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك الثقافي. وإذا كان ذلك العلم من العلوم المستقلة بذاتها؛ إلاّ أنه، في الوقت نفسه، يتصل اتصالاً مباشراً بالعلوم الإنسانية.

المفاهيم العامة، والأسس النظرية لإدارة الأزمات

    على الرغم من أن الأزمة هي وليدة مجتمعها؛ إلاّ أنها تؤثر فيه تأثيراً مباشراً، وتتفاعل مع معطياته وظروفه. والتفاعل المتبادل بين الأزمة والمجتمع، يحكمه، في الأساس، الفكر السائد في المجتمع؛ فكلما كان ذلك الفكر متقدماً، ازدادت قدرة المجتمع على تجاوز أزماته. وازدياد شدة الأزمة واستفحالها، لن يكونا سبباً كافياً لتدمير المجتمعات وانهيارها، وخاصة تلك والراغبة في مواجهتها. ولن يتحقق ذلك، إلاّ من خلال إدارة، تسيطر على ِقيم المجتمع ومُثُله العليا، وتكون قادرة على تنظيم مسيرته، وتعمل على تقوية دعائمه وروابطه؛ فضلاً عن المشاركة الفعالة، من أبناء المجتمع، في مواجهة ومقاومة التصدعات، التي تنعكس على قدراته، وتؤثر في إمكانياته.

    وإذا كان التأثير المتبادل، بين الأزمة والمجتمع، يتأطَّد بعلاقات متناقضة، ويتأتّى من المصالح المتعارضة للقوى، التي أوجدتها، تلك المضادة لها؛ إلاّ أن الأزمة ليست إلا مؤشر واضح، يؤكد خللاً ما، قد اعترى المجتمع، ويلزم مواجهته بالأساليب العلمية، حتى يمكن إعادته إلى توازنه الطبيعي.

وسواء حاقت الأزمات بشخص، أو مجتمع، أو دول؛ فإنها أصبحت جزءاً أساسياً من نسيج الحياة، وحقيقة من حقائقها، ومرحلة متقدمة من مراحل الصراع، ومظهراً من مظاهره، على أي نطاق أو مستوى؛ بدءاً من الصراع النفسي، والصراع بين الأشخاص، والصراع داخل المجتمع، بمستوياته المختلفة، والذي يشمل الأسْرة والقبيلة والعشيرة، حتى مستوى الدولة نفسها؛ وانتهاء إلى الصراع بين الدول المختلفة. وتتعدد أوجه الصراع وأشكاله، ففي العصور القديمة، كان الصراع بسبب الموارد المحدودة، أو الفرص المعنوية المفقودة، حيث بدأت الصراعات، بين الأشخاص والقبائل البدائية، على المياه والمراعي. وتطورت الأسباب، لتصبح احتلال أراضي الغير. ومنذ القرن السادس عشر، بدأ شكل جديد للصراع على الموارد الاقتصادية، وتوسيع التجارة؛ ما أدى تعارض المصالح. وأسفر الصراع على الأسواق، ومصادر الموارد الأولية، عن الظاهرة الاستعمارية، التي أثارت، في الوقت نفسه، صراعاً، فكرياً وأيديولوجياً بين النظُم الرأسمالية والاشتراكية؛ وتحوَّل، في إحدى مراحله، إلى صراعات مسلحة مديدة.

مفهوم إدارة الأزمات

    تتعدد أسباب الأزمات بتعدد الصراعات وتنوّعها. فقد تكون لعوامل، اقتصادية واجتماعية، ناجمة عن ازدياد الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع. وتكون عواملها سياسية، قوامها التفاخر، القومي والديني، في المجتمعات ذات الأعراق والديانات المختلفة، أو الصراعات، الحزبية والثقافية، وعدم المشاركة السياسية. كذلك، قد يكون سبب الصراع، في مجتمع ما، هو تباين قِيَمه ومبادئه، والذي يؤول إلى تنافر أيديولوجي، بين الطوائف الاجتماعية المتباينة، أو بين نظام الحكم والشعب. وبذلك، تتضح معالم الصراع الداخلي، وتأخذ شكلاً من أشكال المقاومة، حينما تفتقد تسويته الآليات الملائمة، والفاعلة؛ فضلاً عن القدرة على تحقيق التوازن الاجتماعي في الدولة؛ ما يُفْقِد الحكم شرعيته، ويُشعِر أبناء المجتمع بالتمزق، وفقدان الهوية، والاغتراب. وبذلك، تكون الأزمة مرحلة من مراحل الصراع، الذي تتسم به عمليات التفاعل الناشط، أينما وجدت الحياة، وفي أيّ صورة من صورها المختلفة.

تطوُّر مفهوم إدارة الأزمات

    يصعب تحديد مفهوم دقيق وشامل للأزمة، وخاصة بعد اتساع نطاق استعماله، وانطباقه على مختلف صور العلاقات الإنسانية، وفي مجالات التعامل كافة. إلا أن تطوره التاريخي، قد ظهر في الطب الإغريقي القديم، تعبيراً عن نقطة تحُّول مصيرية في تطور المرض، يرتهن بها شفاء المريض، خلال فترة زمنية محددة، أو موته ومن ثَم، تكون مؤشرات المرض، أو دلائل الأزمة، هي الأعراض، التي تظهر على المريض، والناجمة عن الصراع، بين الميكروبات والجراثيم ومقاومة الجسم لها؛ وليس عن الأزمة المرضية، التي ألمت به. وبعد أن شاع اصطلاح الأزمة، في المعاجم والكتب الطبية، بدأ استخدامه، مع بداية القرن التاسع عشر، في التعبير عن ظهور المشاكل، التي تواجهها الدول، إشارة إلى نقاط التحول الحاسمة، في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

    في عام 1937، عُرِّفت الأزمة بأنها خلل فادح، وفاجئ، في العلاقة بين العرض والطلب، في السلع والخدمات ورؤوس الأموال. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ التوسع في استخدام مصطلح الأزمة، في إطار علم النفس، عند الحديث عن أزمة الهوية. وكذلك، استخدمه الديموجرافيون، عند حديثهم عن أزمة الانفجار السكاني. وأسفر استخدامه عن تداخل، بين مفهوم الأزمة والمفاهيم المختلفة، ذات الارتباط الحيوي، والوثيق به.

مفهوم الأزمة، في العلوم الاجتماعية

    تعني الأزمة، في اللغة العربية: الشدة والقحط. وأَزَمَ عن الشيء: أمسك عنه. وأَزَمَ على الشيء أزْماً: عض بالفم كلِّه عضاً شديداً. وتأزم: أصابته أزمة. وفي اللغة الإنجليزية، تعريف الأزمة؛ فيعرّفها قاموس وبستر Crisis بأنها نقطة تحوُّل إلى الأحسن أو إلى الأسوأ، في مرض خطير، أو خلل في الوظائف، أو تغيير جذري في حالة الإنسان، وفي أوضاع غير مستقرة. وعرَّفها قاموس أمريكان هيرتيج بأنها وقت أو قرار حاسم، أو حالة غير مستقرة، تشمل تغييراً حاسماً، متوقعاً؛ كما في الشؤون السياسية. أمّا قاموس أكسفورد، فعرَّفها بأنها نقطة تحوُّل، أو لحظة حاسمة في مجرى حياة الإنسان، كالأزمة المالية أو السياسية. وكذلك عَرَّف قاموس جامعة أكسفورد الأزمة، بأنها نقطة تحوُّل في تطوُّر المرض، أو تطوُّر الحياة، أو تطوُّر التاريخ. ونقطة التحوُّل هذه، هي وقت، يتسم بالصعوبة والخطر والقلق من المستقبل؛ ووجوب اتخاذ قرار محدَّد، وحاسم، في فترة زمنية محددة. وجذور الكلمة، في الإغريقية، هي Krisis؛ وتعني: قرار Decision.

علم الإدارة، ومفهوم الأزمة

    اهتم علم الإدارة بتحديد مفهوم الأزمة، في علاقته بالجوانب كافة، الخاصة بالإدارة وشروط النجاح. ولذلك، تنوعت الدراسات في مجال إدارة الأزمات، وتعدد اهتماماتها؛ فمنها ما تناول إدارة الأزمات بعامة؛ وثمة ما تناول موضوعات التخطيط والاستعداد لمواجهتها؛ ودراسات اهتمت بعملية اتخاذ القرارات، أثناءها؛ وأخرى تخصصت بأسلوب توفير المعلومات، وعملية الاتصالات، إبّان الأزمة. ومن ثم، تعددت مفاهيمها، وتركز بعضها في موقف الأزمة، أو نتائجها، الإيجابية أو السلبية؛ وفي هذا الإطار، كان الاهتمام بالإجراءات الوقائية، أو الاستجابة المطلوبة. وتحدد مفهوم الأزمة، من وجهة نظر علم الإدارة، بأنه حالة أو موقف، يتسم بالتهديد الشديد للمصالح والأهداف الجوهرية؛ وكذلك، يتسم بضغط الوقت، أو الضغط الزمني. ولذلك، فإن الوقت المتاح لمتخذ القرار، قبل وقوع الأضرار المحتملة وتفاقمها، يكون محدوداً جداً، ويتأثر، أساساً، بخصائصه وسماته، ومستوى الضغط الذي يشعر به.

علم الاجتماع، ودراسة الأزمة

    اهتم علم الاجتماع بدراسة الأزمات، التي يتعرض لها البناء الاجتماعي، وتأثيرها في العلاقات الاجتماعية السائدة، وانعكاسها على الجماعات المختلفة. وتركز أبرز مساهماته في تحديد ردود الفعل الاجتماعية، والسلوك الاجتماعي ودراستها أثناء مواجهة الأزمات؛ وتمثَّل ذلك في ظهور علم سوسيولوجيا الأزمات. وأَوْلى علم الاجتماع اهتمامه الانحراف، أو الخروج عن المألوف، في العلاقات والنظُم الاجتماعية، والذي تسببه الأزمات، التي قد تكون سبباً أساسياً لتدمير العلاقات المستقرة، والضرورية للإنسان. وحديثاً، بدأ يركز في المخاطرة وارتباطها بالأزمة؛ إذ إنها تلفت الانتباه إلى ما يحْدِق بالمجتمعات من أخطار، تمثِّل، على سلبيتها مبدأً محركاً للمجتمع، الذي أحدث قطيعة مع التراث والطبيعة.

علم النفس، ودراسة الأزمة

    حرص علم النفس على دراسة الآثار النفسية للأزمة، والتي قد تتخذ أشكالاً متنوعة، كالارتباك والصدمة والقلق والتوتر وعدم التوازن. وغالباً ما تسبب الأزمة ارتباكاً كبيراً للناس، في حياتهم وأساليب تكيفهم مع الضغوط؛ وعادة ما تثير مشاعر الخوف والصدمة. وتستند نظرية الأزمة، في إطار علم النفس، إلى عدة فرضيات، تتمثل في الآتي:

  1. من الشائع، أن يمر الناس بحالة من عدم الاتزان، ومن تفكك النظام الاجتماعي، مع وجود عوائق ضاغطة، في غضون وقائع الأزمة.
  2. يُعَدّ الضغط الموقفي الحادّ خبرة حياة عادية، وليست جسيمة؛ يمكنها أن تطاول، في الغالب، كثيرين، وفي وقت واحد من حياتهم.
  3. أولئك الذين يمرون باضطرابات داخلية، يثابرون على استعادة اتِّزانهم.
  4. أثناء الصراع، لاستعادة الاتزان الداخلي، يكون الإنسان في حالة حادّة، محدودة الزمن، من الضعف النفسي.
  5. أثناء هذه الحالة من الضعف النفسي، فإن عامة الناس يكونون قابلين للتدخل النفسي.
  6. يمكن أن تتسم الاستجابة الداخلية للناس بمراحل عامة، لرد الفعل لأزمة، والذي يمكن أن يمروا به كلّهم؛ بغض النظر عن طبيعة الحدث الواقع.
  7. يمكن الأزمات أن تنمو وتتطور، كما يمكنها أن تنتج سلبيات.

    الأزمة، إذاً، من وجهة نظر علم النفس، ارتباك في العلاقات المستقرة، المطلوبة للإنسان. وهى تظهر عندما تكون تلك العلاقة مهمة له، وعندما يدرك الناس تحطم العلاقات أو تدهورها.

الأزمات وعلاقتها التبادلية

    على الرغم من أن الأزمات، قد بدأت مع بداية الخليقة؛ إلاّ أن إدارة الأزمات، لم تتبلور عِلماً، مفاهيمه وأصوله، إلاّ في النصف الثاني من القرن العشرين. ومرت دراسة الأزمات بمرحلتَين. انتهت أولاهما بعد الحرب العالمية الثانية، وتركزت دراساتها في السرد التاريخي للأحداث، واستخلاص دروسها المستفادة. أمّا المرحلة الثانية، فقد بدأت في ستينيات القرن العشرين، وتطورت فيها الدراسات، حتى شملت المناهج، وأدوات التحليل العلمي، والاقتراب التدريجي، والانتماء إلى العلوم السياسية؛ إذ ارتبط مفهوم الأزمة بالعديد من المفاهيم الأخرى، التي تتضح في الآتي:

  1. المشكلةProblem

    هي حالة من التوتر وعدم الرضا، الناجمين عن بعض الصعوبات، التي تعوق تحقيق الأهداف. وتتضح معالم المشكلة في حالة عدم تحقيق النتائج المطلوبة؛ ولذلك، تكون هي السبب الأساسي لحدوث حالة غير مرغوب فيها؛ بل تصبح تمهيداً لأزمة، إذا اتخذت مساراً معقداً، يصعب من خلاله توقُّع النتائج بدقة.

  1. الكارثةDisaster

    هي حالة، سببت العديد من الخسائر في الموارد، البشرية والمادية. وتتعدد أسباب الكوارث، فتكون طبيعية، مثل: الزلازل والبراكين والحرائق الطبيعية؛ أو تكون بشرية، مثل الصراعات الإدارية، أو تعدد المشكلات وتراكمها في كيان تنظيمي؛ وقد تكون صناعية ناتجة من استخدام معدات تكنولوجية، وأجهزة صناعية متخلفة.

    تتداخل المشكلة والكارثة والأزمة، إذا استعصى حل الأُولى، فتتحول إلى كارثة، تكون الأزمة إحدى نتائجها. ولئن كانت الأولى، تتحمل كثيراً من المرونة في التعامل معها؛ فإن الثانية، لا مرانة فيها، بل تتطلب الحسم السريع. وللكارثة، على آثارها السلبية العديدة، جوانبها الإيجابية؛ إذ إنها تعبئ المشاعر القومية، وتحفز أبناء المجتمع إلى التعاون، للتغلب على نتائجها؛ بل إنها قد توحِّدهم، على تضارُب مصالحهم، وتعارُض ميولهم. أمّا الأزمة، فتثير الشكوك، وتبيد الثقة في المجتمع.

المصطلحات المرتبطة بمفهوم الأزمة

  1. الحادثAccident

هو أمر فجائي، ينقضي أثره فور وقوعه؛ فلا يتسم بالاستمرارية، ولا بالامتداد. وإذا نجمت عنه أزمة، فإنها لا تمثّله، في الحقيقة؛ وإنما هي إحدى نتائجه؛ وقد تمتد فترة، بعد نشوئها والتعامل معها.

  1. الصدمةShock

هي الشعور المفاجئ الحادّ، الناتج من حادث غير متوقَّع؛ وهو يجمع بين الغضب والذهول والخوف. ومن ثم، تكون الصدمة هي أحد عوارض الأزمات، وإحدى نتائجها؛ ولذلك، فهي لا تمثّل إلا إطاراً خارجياً عاماً، يغلف أسباب الأزمة. ويتطلب التعامل معها استيعاب تأثيرها، في أقلّ وقت ممكن؛ حتى يمكن الوصول إلى جوهر ما نجم عنها؛ ما يخالف التعامل مع الأزمة، والذي يتركز في مواجهة جوهرها.

  1. الصراعConflict

يقترب مفهوم الصراع من مفهوم الأزمة، التي تجسد تصارع إرادتَين، وتضادّ مصالحهما. إلا أن تأثيره، ربما لا يبلغ مستوى تأثيرها، الذي قد يصل إلى درجة التدمير. كما أن الصراع، يمكن تحديد أبعاده واتجاهاته وأطرافه وأهدافه، التي يستحيل تحديدها في الأزمة. وتتصف العلاقة الصراعية، دائماً، بالاستمرارية؛ وهو ما يختلف عن الأزمة، التي تنتهي بعد تحقيق نتائجها السلبية، أو التمكن من مواجهتها.

  1. الخلافDispute

وهو يمثّل التعارُض والتضادّ، وعدم التطابق، سواء في الشكل، أو في الظروف والمضمون. وهو قد يكون أحد مظاهر الأزمة، أو وجهاً من وجوه التعبير عنها أو باعثاً على نشوئها واستمرارها؛ ولكنه لا يعبّر عنها تماماً.

التطور التاريخي لعلم إدارة الأزمات

انبثقت إدارة الأزمات، منذ القدم، من خلال الممارسة العملية؛ فكانت مظهراً من مظاهر تعامل الإنسان مع المواقف الحرجة، التي يواجهها، في إطار مسميات، أي مثل: الحنكة، والخبرة الدبلوماسية، و كفاءة القيادة. وكانت هذه الممارسات، هي الاختبار الحقيقي لقدرته على مواجهة الأزمات، وتعامله مع المواقف الصعبة، التي تتمخّض بتفجّر طاقاته الإبداعية. ولقد اهتدت الجماعات الإنسانية في وقت مبكر من تاريخها، إلى أسلوب آخر، غير الصراع والتنافس؛ يمكنها من المحافظة على بقائها واستمرارها وتطورها. وإذا كان مبدأ البقاء للأقوى، قد ساد المراحل الأولى لنشأة الإنسانية، وأودى ببعض الجماعات، المتصارعة على المراعي ومصادر المياه؛ فإن الإنسان، قد تبيَّن أن التعاون، واقتسام الموارد المتاحة، هما أفضل من الصراع، الذي يعرض الإنسانية لخطر الفناء.

ولقد نشأ اصطلاح إدارة الأزمات، في الأصل، من خلال علم الإدارة العامة؛ وذلك للإشارة إلى دور الدولة في مواجهة الكوارث المفاجئة، والظروف الطارئة، مثل: الزلازل والفيضانات والأوبئة والحرائق، والصراعات المسلحة، والحروب الشاملة. وما لبث أن نما، بصفته علماً، ولاسيما في مجال العلاقات الدولية؛ للإشارة إلى أسلوب إدارة السياسة الخارجية، في مواجهة المواقف الدولية المتوترة. وسرعان ما ازدهر في إطار علم الإدارة، بكونه أسلوباً جديداً، تبنته الأجهزة الحكومية، والمنظمات العامة؛ لإنجاز مهام عاجلة، وضرورية، أو لحل المواقف الطارئة. ومن خلال تحقيق تلك المهام، ظهرت إدارة المشروعات، أو فكرة غرفة العمليات، الرامية إلى إدارة المشاكل الحادّة، المتفجرة؛ فهي، إذاً، إدارة أزمات، وتمثِّل أحد فروع أو آليات الإدارة، مثل: الإدارة بالأهداف، أو الإدارة العلمية. وبتبلور أسلوب إدارة الأزمات، بدأت تتضح إمكانية تحويله إلى نمط متكامل، ذي وحدة وظيفية متكاملة؛ لمعالجة مواقف محددة، تتمثّل في الأزمات والمشاكل الصعبة؛ ليصبح، بذلك، نمطاً إدارياً محدد الخصائص، له آلياته الخاصة، لمواجهة تلك المتعددة، والمتتالية، والمتزامنة منها.

لقد كان هناك اهتمام بالغ، من جانب المتخصصين، وعلماء الإدارة العامة، في العصر الحالي، الذي يتسم بظاهرة المؤسسات؛ إذ تُبنَى السياسات العامة للنظُم السياسية المعاصرة، على الحفاظ على استمرارية سيادة الدولة، وضمان هويتها وأمنها القومي. كما يوجد دور أساسي للسياسات التنموية، في التخطيط والتطوير الإداري؛ لتأصيل سبُل النمو والرفاهية. ويكمل ذلك الدور السياسات العامة، المتعلقة بالتوجهات المستقبلية، واستقراء الأزمات المحتملة؛ إضافة إلى استنتاج التحديات، التي قد تفرضها الأزمة، سواء كانت تحديات سياسية أو إدارية.

طبيعة الأزمة الدولية وتطوُّرها التاريخي

  1. مفهوم الأزمة الدولية

    الأزمة الدولية، هي ظاهرة سياسية، عرفتها العلاقات بين المجتمعات، قبل أن تأخذ شكل الدول. ومن ثم، فهي تعني الحالة، التي تتسم بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة، تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول. وتشكل طوراً متقدماً من أطوار الصراع الدولي، الذي يبدأ بالمجادلات بين الأطراف، ويطّرد ليصل إلى درجة الصراع المسلح. فهي، إذاً، الطور الذي يسبق المواجهة العسكرية مباشرة. ويستمد مفهوم الأزمة الدولية معاييره العملية، من خلال أهمية التحديد الدقيق للحدود، الفاصلة بين المرحلة التي يمكن الدولة فيها، أن تسعى إلى وقف تدهور الموقف؛ والمرحلة التي يصعب فيها تدارك ازدياد حدّة الأزمة وتطُّورها إلى صراع مسلح. وكلاتا المرحلتَين آلياتها وتقنياتها.

    على الرغم من تعدُّد الاجتهادات في تحديد تعريف شامل، ودقيق، للأزمة الدولية، إلا أن تعريف مجمع سلوك الأزمة الدولية International Crisis Behavior ICB، وكان هو الأدق؛ إذ عرَّفها بموقف ناجم عن تغيير في البيئة، الخارجية أو الداخلية للقرار السياسي؛ يتسم بخصائص رئيسية، في تصور السلطة السياسية العليا، ويتمثّل في تهديد ِقيم المجتمع الأساسية، يواكبه أو يعقبه ترجيح المواجهة العسكرية، مع الإدراك الكامل، بأنه يوجد توقيت محدد للرد على ذلك التهديد.

  1. تطُّور طبيعة الأزمة الدولية

إن التعامل مع الأزمات الدولية، هو مجال بحث علمي حديث؛ فلم يكن هناك اهتمام به، إلا في عقب أزمة الصواريخ الكوبية، عام 1962. إلاّ أن دراسة تطوُّرها وتحليله يكشفان عن اختلاف في خصائصها وسماتها، في خلال المراحل الزمنية المتعاقبة، ينبثق من اختلاف مفاهيم الشرعية والأمن والقوة والردع، عبر التاريخ. فمنذ مؤتمر فيينا (1814-1815) حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، عام 1914، بُذلت محاولات لوضع ترتيبات أمنية إقليمية، استهدفت تحقيق توازن للقوى، وفّر لأوروبا أطول فترة سلام في تاريخها، عُرفت بقرن السلام الأوروبي؛ إذ لم يكن فيها صراعات مسلحة، إلاّ حرب القرم (1854-1856)، والحرب الفرنسية ـ البروسية (1870-1871). وفي نهاية هذه الحقبة من التاريخ، بدأت تتضح تداعيات أزمة الحرب العالمية الأولى، في إطار تنامي مطالبة القوميات الأوروبية المختلفة بالاستقلال، وتكوين تحالفات جديدة، تهدف إلى إعادة توازن القوى في أوروبا؛ حتى كان مصرع وليّ عهد النمسا، في مدينة سراييفو، ليكون سبباً لانهيار النظام الدولي، الذي كان قائماً قبل اندلاع تلك الحرب.

    حفزت الخسائر، البشرية والمادية، الناجمة عن الحرب العالمية الأولى، إلى البحث عن أسباب الصراع. واستُنتج أن سياسة القوة، هي السبب الرئيسي للصراعات المسلحة. ومن ثم، ظهرت النظرية النفعية، التي صِيغَت في إطار المفاهيم الليبرالية، وأقرت بوجود صراع دائم، وتعارض مصالح بين الدول. إلا أن المصلحة الكبرى لجميع الدول، هي تجنّب الصراع المسلح. وفي إطار هذا المفهوم، جسدت عصبة الأمم مبادئها، الرامية إلى تجنيب العالم صدامات أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فقد عاد تنامي الأزمات إلى الظهور، مع جموح طموحات هتلر القومية، التي لم تكتفِ بجمع أشلاء قومية ممزقة بين عدة دول؛ بل تجاوزته إلى إحياء الدور المفترض لهذه القومية، من تأكيد سموّها، وتحقيق سيادتها على كافة الأجناس؛ تحقيقاً لشعار “ألمانيا فوق الجميع”. وكان بدء هتلر بتحقيق أهدافه، بغزوه بولندا، في سبتمبر 1939، وإعلان بريطانيا الحرب عليه ـ إيذاناً باندلاع الحرب العالمية الثانية، وانهيار فكر المثالية السياسية.

    في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، اختفت ظاهرة تنامي الأزمات، بسبب وجود الرادع النووي. ولذلك، تميزت طبيعة الأزمات السياسية، في تلك الحقبة، بأنها محسوبة التصعيد والإدارة. بيد أن ذلك لم يحُل دون الحرب الباردة، التي تخللتها مواقف التصعيد والتهديد العسكري؛ إلاّ أن الرادع النووي، دفع بالقوّتَين العظميَين إلى اتفاق ضمني، تتفاديان به التدمير المتبادل. ولذلك، لم تبلغ أيّ أزمة بينهما حدّ الصراع المسلح؛ بل تجنبتا أيّ مواجهة مباشرة، ولو محدودة. والضوابط، التي فرضتاها على أصدقائهما وحلفائهما، وسمت الحرب الباردة بسِمة الخصومة العاقلة، وتجنُّب أيّ مواجهة نووية. فالعلاقة وثيقة،إذاً، بين الإدارة الناجحة للأزمات القطبية والخصومة العاقلة؛ إذ إنها بددت عوامل انفجار الأزمة القطبية،.فزادت من احتمالات إدارة الأزمات اللاحقة، والمرتبطة بها.

    على أثر سقوط الشيوعية، وتفكُّك المعسكر الشرقي وانهياره، في نهايات القرن العشرين، توقعت المثالية السياسية، أن يزول خطر المواجهة ويحل السلام. إلا أن هذا التصور المفرط في التفاؤل، قد تلاشى مع انتهاء نظام القطبية الثنائية. وانهار الانضباط الدولي، الذي كان يواكبها، وتهاوت الضوابط التي أرساها؛ ومن ثم، تفككت القيود، التي كانت مفروضة على تصعيد الصراع. فانتفت العوامل المحفزة إلى احتواء الأزمات الدولية، والحدّ من التطلعات الإقليمية المتعددة. وبدأت عمليات تسوية الحسابات التاريخية بين الدول، والخلافات الدينية والعرقية، من خلال الصراع المسلح؛ لكونه أقصر الطرق وأسرعها في تحقيق الأهداف. كذلك، بدأت الصراعات الداخلية، في العديد من الدول، التي دخلت دائرة العنف والعنف المضاد. وبذلك، يكون النظام العالمي الجديد، قد دخل إلى مرحلة أخرى، من زيادة حدّة الأزمات، المحلية والدولية، التي سيعانيها فترات طويلة مقبلة.

مفهوم الإدارة بالأزمات ـ علم صناعة الأزمة

    إذا كانت إدارة الأزمة، تعني كيفية التغلب عليها، بالأدوات العلمية الإدارية المختلفة، وتجنُّب سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها؛ فإن قوام الإدارة بالأزمات، هو افتعالها، واتخاذها قناعاً، لتغطية مشاكل الكيان الإداري، وإخفائها؛ فهي تفقد الاهتمام بها، إزاء نظيراتها المختلقة، والأشد تأثيراً. ولذلك، يطلق على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين. ولا تحقق الأزمة المفتعلة أهدافها، إلا إذا استوفت مواصفات، أهمها: الإعداد المبكر لها، وتهيئة مسرح التنفيذ، والتوزيع الدقيق للأدوار على منفذيها، وتحديد التوقيت الملائم للتنفيذ، وإيجاد مبرراته وذرائعه. وللأزمة المدبَّرة إيقاعها السريع، المتلاحق، الذي يتسم بتراكم الإفرازات والنتائج، وكلُّ منها تعمل على تحقيق الهدف المراد تحقيقه. وإذا لم يتحقق، فلن يخف التأثير المصاحب لإفرازات الأزمة؛ ولن تهدأ قوى صنع الأزمة، أو لن تتراجع حتى يتحقق ذلك الهدف، الذي يتمثل في الآتي:

  1. إخفاء المشاكل الرئيسية الموجودة بالفعل؛ إذ إن الأزمة المفتعلة، تصرف التفكير عنها.
  2. السعي إلى السيطرة والهيمنة على بعض المواقع، أو المناطق؛ تحت دعوى الحماية، أو الخوف من اعتداءات أطراف أخرى.
  3. السعي إلى إجبار الأشخاص، أو الجماعات، أو الكيانات، على اتخاذ مواقف دفاعية، بدلاً من مواقفها الهجومية، التي كانت تتخذها من قبل.
  4. الخروج من أزمات مزمنة، يعانيها المجتمع.
  5. منع الأطراف الأخرى من استمرار تحقيق نجاحاتها.

    على الرغم من أن الإدارة بالأزمة، ليست عملية إستراتيجية؛ وإنما عملية هامشية، تنتهي بسرعة، وتحتاج إلى إعلانها السريع؛ فإن كثرة اتِّباعها، أصيب الكيان بالضعف، وسيطرة القائد على الأمور سيطرة مستبدة؛ فضلاً عن أن ثورة الاتصالات والمعلومات، وازدياد الوعي، أفقدا هذا الأسلوب تأثيره؛ فبات استخدامه يحقق، لا النتائج المطلوبة منه، إلا في الكيانات، التي يسيطر فيها القائد سيطرة كاملة على المجتمع.

أسباب نشوء الأزمات

    الأزمة ما هي إلا فشل لمتخذي القرار، إما بسبب خلل إداري، أو خبرة محدودة، أو عدم المعرفة؛ وقد تكون بسبب تضافر هذه العوامل كلها، أو بعضها. ولذلك، فإن تكرار الأزمات وتعددها، يتطلبان تحديد أسباب نشوئها، وخاصة أن لها مقدمات، تدل عليها، وظواهر متعددة، ترافقها بداية من مرحلة نشوئها وحتى احتوائها وإيجاد حلولها الملائمة. ولمراحل الأزمة المختلفة تداعياتها، التي تُعَدّ مقدمة لأحداث ومتغيرات عديدة، تطرأ على الحاضر، وتطاول المستقبل، وتنتهي نتائجها إلى تغيير الموقف عمّا كان عليه قبل نشوء الأزمة. وتتعدد أسباب الأزمات، فتكون داخلية أو خارجية، أوتعارُض الأهداف والمصالح؛ وتتمثل في الآتي:

  1. سوء الفهْم

    الأزمات الناجمة عن سوء الفهْم، تكون دائماً عنيفة؛ إلا أن مواجهتها، تكون سهلة، وخاصة بعد تأكد سببها، الذي غالباً ما يرجع إلى المعلومات الناقصة، أو التسرع في إصدار القرارات. ولذلك، تتضح أهمية الحرص على الدراسة الكاملة للمعلومات، قبل إصدار القرار.

  1. عدم استيعاب المعلومات بدقة

    يشترط اتخاذ القرارات السديدة، استيعاب المعلومات وتفهُّمها بصورة صحيحة. إذ إن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية، سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة الشدة، للكيان الإداري، أو المشروع، أو الدولة، ناجماً عن انفصام العلاقة بين ذلك الكيان والقرارات المتخذة. وعندئذ ستتفشى الارتجالية والعشوائية، حتى تكوَّنا أزمة اضمحلال الولاء والانتماء؛ ويكون هناك مجال خصب لانتشار القِيم السلبية والقهر والتخاذل، ويعم الفساد؛ ما يؤدي انهيار الكيان.

  1. سوء التقدير والتقييم

    هو من أكثر أسباب نشوء الأزمات، وخاصة في حالة الاصطدام العسكري، الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بالتفوق؛ فضلاً عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه؛ ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته. وتزداد التوازنات اختلالاً إذا استغفل الطرف الآخر نظيره، فعمد إلى حشد طاقاته والاستعداد الجيد للمواجهة، التي يختار توقيتها الملائم، ويحقق المفاجأة، التي تصل إلى درجة الصدمة، التي تفقد الطرف الأول توازنه؛ فيختل تفكيره، يلجأ إلى أساليب ارتجالية، عشوائية، تتمخض بأزمة مدمرة، يصاحبها، غالبا،ً ضغوط عنيفة، تطيح الكيان.

  1. الإدارة العشوائية، الارتجالية

    هذا الأسلوب من الإدارة، لا يسبب الأزمات فقط؛ وإنما يساعد، كذلك، على تدمير الكيان نفسه، ويكون باعثاً على تحطيم قدراته وإمكانياته، واستعداده لمواجهتها. فالإدارة العشوائية، تنبثق من الجهل،وغياب النظرة العلمية، الإستراتيجية؛ وتشجع الانحراف والتسيب، والتكالب على المكاسب المرحلية قصيرة الأجل. ويجعل ذلك متخذ القرار شخصاً أجوف، لا يؤمن بالتخطيط وأهميته؛ كما يساعد على إشاعة الصراع، بين مصالح الإدارة ومصالح العاملين في الكيان الإداري. وتستبدل الإدارة العشوائية الرقابة الأمنية بالمتابعة العلمية الوقائية؛ ما يشيع الإرهاب والخوف والتطاحن والتشابك، ويصبح الكيان كلّه مرتعاً خصباً للفساد والإفساد واستباحة الموارد؛ فتتولد أزمات عديدة؛ من أهمها: انخفاض معدلات الإنتاج وتدنّي مستواه، وارتفاع معدلات دوران العمل. وتعتري هذه الأزمات بعامة دول العالم النامي، التي تفتقد الرؤية المستقبلية، العلمية.

  1. السيطرة على متخذي القرار

    يحمل على هذه الرغبة الابتزاز، وإيقاع متخذ القرار تحت ضغط، نفسي ومادي، واستغلال تصرفاته الخاطئة، التي كان قد اقترفها، وبقيت سِرّاً؛ لإجباره على اجتراح تصرفات أكثر ضرراً، تصبح هي نفسها مصدراً للتهديد والابتزاز. ويُعَدّ هذا الباعث جزءاً أساسياً من آليات صناعة الأزمة، التي تستخدمها الكيانات العملاقة في تدمير الكيانات الصغرى؛ لإجبارها على التخلي عن عقيدتها التنموية، لتتحول إلى تابع هامشي.

  1. اليأس

    اليأس أزمة، نفسية وسلوكية، تشكل خطراً داهماً على متخذي القرار؛ إذ تُحبطهم، وتُفقدهم الرغبة في العمل والتطور والتقدم، وتُسلمهم إلى حالة راتبة(الروتين). وتتفاقم الأزمة، لتكون حالة اغتراب بين الشخص والكيان؛ وتصل إلى قمّتها بانفصام مصلحتَيهما؛ ويتضح ذلك في الأزمات العمالية، الناتجة من ظروف العمل غير الملائمة وانخفاض الدخول، وعدم مراعاة الإدارة للظروف الإنسانية. وتتطلب مواجهة هذا النوع من الأزمات، إشاعة جو من الأمل، من خلال تحسين تلك الظروف، وتأمين مكاسب العاملين.

  1. الشائعات

    هي من أهم مسببات الأزمات وبواعثها، بل قد تكون مصدرها الأساسي، إن وُظِّفت، مقترنة بعدة حقائق ملموسة، وبأسلوب متعمد ومضلل، وفي توقيت ملائم، وفي إطار بيئة محددة. ويتضح ذلك، من خلال الأزمات التموينية، وتلك العمالية، الناجمة عن إشاعة تخفيض الأجور، أو الاستغناء عن عدد من العمال. وقد يسبب ذلك مظاهرات عمالية عنيفة، تتطلب معالجتها حكمة بالغة، تحّول دون تسببها بخسائر، مادية وبشرية، جسيمة.

  1. استعراض القوة

    تنتهج هذا الأسلوب الكيانات الكبيرة، الرامية إلى تحجيم الكيانات الصغيرة الصاعدة. وكذلك، تلجأ إليه الكيانات الأصغر، رغبة في قياس رد فعل الكيانات الأكبر حجما. وبذلك، تبدأ عملية استعراض القوة، من دون حساب مسبق للنتائج، فتولد الأزمة، وتتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج.

  1. الأخطاء البشرية

    وهي أحد أسباب نشوء الأزمات، سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل؛ بل قد تكون عاملاً من عوامل نشوء كارثة، تتوالد منها أزمات عديدة، تكشف عن خلل في الكيان الإداري.

  1. الأزمات المخطَّطة

    وهي الأزمات المختَلَقة؛ وقد تسمَّى، تجوُّزاً، في بعض الأحيان، أشباه الأزمات Semi-Crises. ومصداقها حادث خليج تونكين، حيث مَرّ زورقا طوربيد، تابعان للقوات البحرية لفيتنام الشمالية، بجوار مدمرتَين أمريكيتَين، كانتا ترابطان فيه؛ وعلى الرغم من أن ذلك لم يسفر عن أيّ تهديد، أو خسائر للمدمرتَين، إلا أن الرئيس الأمريكي، جونسون، تلقّفه، ليفتعل أزمة كبرى، تحمل الكونجرس الأمريكي على السماح له بالتدخل في فيتنام.

  1. تناقُض السُبل

    تنشأ الأزمة، في هذه الحالة، عن اختلاف طموحات منفذي القرار وأهدافهم، وتعدد توجهاتهم؛ فمنهم من يعمل على تنفيذ القرارات بسرعة؛ وآخرون يتباطئون فيه. وهو ما يُفقد متخذ القرار رؤيته لما يدور داخل الكيان الإداري، ويوقعه تحت تأثير تعارُضهم. لو حاول التوفيق بين الجانبَين، من خلال تغيير قراراته، لأمسى الكيان الإداري متخبطاً، مفتقداً وحدته الفكرية والعملية؛ للكيان الإداري، ما ينجم عنه أزمات غامضة، لا يمكن تحديد أسبابها؛ فتضمحل الثقة بمتخذ القرار. ومع استمرار محاولات التوفيق، تتسع دائرة عدم المصداقية، ويزداد الشك في القدرات، وتتفاقم الأزمة.

  1. تضارب المصالح

    يُعَدّ تضارب المصالح وتباينها، من الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمات، سواء على المستويَين المحلي أو الدولي، بل على مستوى الوحدات، الاقتصادية والإدارية، كذلك فإذا تضاربت المصالح بين الكيانات، أو الأشخاص، برز الدافع إلى نشوء الأزمة؛ إذ سيعمل كلُّ طرف على خلق الأزمات للطرف الآخر. وسيسعى كلُّ منهما لاستمرار استفحالها وضغطها على الجانب الآخر. وعلى الرغم من أنها تضر بكلا الطرفَين، إلا أن كّلاً منهما، يتوخّى أن يكون إضرارها بالآخر أشدّ وأفدح.

المبحث الثاني

أنواع الأزمات، والمنهج العلمي لِسبْرها

أنماط الأزمات الدولية

    هناك متغيران أساسيان، يحددان أنماط الأزمات الدولية وأبعادها؛ هما: قابليتها للتحكم، وإمكانية حلّها حّلاً وسطاً. وتزداد درجة قابليتها للتحكم، كلما كانت بسيطة وغير مركبة. أمّا الحل الوسط، فهو رهن المصالح المشتركة لأطرافها؛ وإن انتفت تلك المصالح، تكون احتمالات احتواء الأزمة وحلها محدودة. وتصنف الأزمات الدولية أربعة أنماط، هي:

  1. التلاعب

تتجسد أزمة التلاعب في مبادرة كلَّ من طرفيها إلى استكشاف المدى، الذي يمكن إجبار الطرف الآخر فيه على التخلي عن موقفه. وغالباً ما يكون أطراف الأزمات دولاً وحكومات ومنظمات، ذات مسؤولية دولية، توفر لها المقدرة على التحكم في مسارها؛ وفي هذه الحالة، يصعب تدخّل طرف ثالث في الأزمة، ولو كانت حادّة؛ إذ سيكون هناك إمكانية، للتراجع والتراضي على حل وسط؛ بل إن لم يتأتَّ ذلك الحل، فإنه سيُجْتَنَب الصراع المسلح بين الدولتَين.

  1. التوريط

ويتسم هذا النوع من الأزمات بمصالح مشتركة مهمة بين أطرافها، الذين يتصرفون في إطار عدة ظروف، يصعب التحكم فيها؛ ما قد يحملهم على ردود فعل، لم يستعدوا لها. وقد ينجم عن تعدد الأطراف الفاعلة في الأزمة، إيجاد نمط متغير للتحالفات، يسفر عن تغيير لتقدير أهمية المصالح المشتركة؛ فتزداد درجة التهديد. وعلى الرغم من أن أزمات التوريط، غالباً ما تمتد فترة زمنية طويلة نسبياً، إلا أنها لا تتسم بالحدّة؛ ومن ثم، يكون هناك دائماً حلّ وسط لها.

  1. حافة الهاوية

هي أشدّ الأزمات الدولية خطراً، من حيث مستوى التهديد، أو احتمال المواجهة المسلحة. وتتسم بدرجة حدّة مرتفعة، حيث لا توجد مصالح مشتركة، أو تكون قليلة. وتتصف، في الوقت نفسه، بدرجة كبيرة من القابلية للتحكم؛ إلا أن الواقع، يؤكد أهمية استعداد الطرف، الذي يزيد من حدّة التوتر، للدخول إلى مرحلة الصراع المسلح، وإلا سيفقد مصداقية أيّ تهديد، في المستقبل، ويفقد مكانته الدولية.

  1. التفاقم الجامح

تسبّبه عدة أزمات متعاقبة، ومترابطة، محركها الفاعل، الأساسي، أطراف غير رسمية، تتمثل في المنظمات السرية أو أصحاب المصالح، أو حتى الرأي العام. ويتسم هذا النمط من الأزمات بالتعقيد؛ نظراً إلى تعدُّد أطرافه، الذين يُعَدّ تغيير أحدهم لمواقفه ضغوطاً على الأطراف الأخرى. ومن ثم، فهو يتكون من عدة أزمات متزامنة، وغير مباشرة، تتصف بمحدودية المصالح المشتركة، وبعلاقات التنافس والتوتر؛ لذا، فإن أطرافها، عادة ما يكونون مستعدين لخوض نزاعات، قد تنتهي إلى صراعات مسلحة.

أدوات إدارة الأزمة الدولية

    تعتمد الدولة، في إدارة الأزمات، على عدة آليات، تتمثل في الآتي:

  1. الدبلوماسية

    وهي من أهم أدوات إدارة الأزمات، وخاصة في وقت السلم؛ وتعرَّف بأنها عملية التمثيل والتفاوض بين الدول، من خلال إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويتعدد استخدام الأساليب الدبلوماسية لأدوات الضغط الإكراهي، الذي قد تلجأ إليه الدولة، عند محاولة تحقيق مكاسب معينة؛ بيد أنها لا تتمادى فيه، حتى لا ينعكس على مصالحها؛ وهو يتمثل في كلِّ تحركاتها الضاغطة على الخصم، ليقبل مطالبها. ويمكن الدولة، كذلك، أن تلجأ إلى أدوات التعايش التوفيقي، الذي يشمل كافة إجراءاتها المعبِّرة عن رغبتها في تسوية الأزمة؛ فضلاً عن الإشارة إلى المصلحة المشتركة لأطرافها في تجنّب تفاقمها. ومزْج الضغط الإكراهي بالتعايش التوفيقي مزجاً مرناً، ومتزناً، قد يسوِّي الأزمة الدولية، ويحفظ على الدولة مصالحها الجوهرية.

  1. القوة العسكرية

    تُعَد القوة العسكرية، هي الأداة الرئيسية لفرض الإرادة على الغير. ولكي تحقق دورها في إدارة الأزمات، يجب أن يكون هناك استعداد كامل للدفاع عن أراضي الدولة ونظامها السياسي. ولا يتأتّى لها ذلك إلاّ بدقة المعلومات وتكاملها، الذَين يساعدانها على احتواء الأزمة، أو إنهائها وإزالة آثارها؛ ناهيك بمدى قدرة الدولة وأجهزتها، على التجاوب والتنسيق مع القوة العسكرية، في إدارة الأزمة.

  1. المساعدات الاقتصادية

    المساعدات الاقتصادية عامل من العوامل المهمة في العلاقات الدولية؛ ولذلك، فهي أداة مهمة في إدارة الأزمات الدولية؛ إذ يمكن التوسُّل بها إلى فرض الإرادة، وخاصة على الدول النامية، التي تحتاج إلى الدعم الاقتصادي الدائم.

  1. التجسّس

    لابدّ لإدارة الأزمات من أعمال الجاسوسية والاستخبارات، التي تتيح تحديد قدرات الخصم، السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ بل يمكنها، كذلك، إضعاف قدراته، ودعم معارضيه، وتخريب مَرافقه ومنشآته الحيوية؛ إضافة إلى تأثيرها في الرأي العام لشعبه.

  1. الحرب النفسية

    ساعد تطوُّر وسائل الاتصال، وأجهزة الإعلام، وفاعلية دورها المؤثر، على جعْل الحرب النفسية أداة من أدوات إدارة الأزمات، بتناسق متكامل بين مختلف آليات تلك الإدارة. فالدعاية قد تسبق العمل العسكري، وتمهد له، وتؤهل المجتمع الدولي لتدابيره، وإضفاء الشرعية عليه؛ بل تصاحب العمل، الدبلوماسي أو الاقتصادي، كذلك، لإثارة جبهة العدوّ الداخلية، أو تكثيف الحملات الإعلامية، لدفع الرأي العام إلى مناصرة موقف ما، أو التشكيك فيه.

مراحل تفاقُم الأزمات الدولية

    تصَّعَّد الأزمة الدولية، من خلال عدة مراحل، هي:

المرحلة الأولى:     مناورات ما قبل الأزمة، وتتضمن حالة الحرب الباردة؛ والتعريض، السياسي والاقتصادي والدبلوماسي؛ والتصريحات الرسمية.

المرحلة الثانية:      بداية الأزمة التقليدية، وتتضمن تشدد المواقف وتواجُه الإرادات، وإظهار القوة.

المرحلة الثالثة:      بلوغ الأزمة درجة الحدّة، وتتضمن تخفيض التمثيل الدبلوماسي؛ وتجميد العلاقات؛ وربما بعض الأعمال الحربية التقليدية، المحدودة.

المرحلة الرابعة: إعلان الحرب التقليدية، وإجلاء السكان من المناطق الحدودية، ورفع الاستعداد العسكري إلى أقصاه.

المرحلة الخامسة: تحُّول الحرب التقليدية إلى صراع مسلح مركزي، في مناطق محددة. وتكون العمليات العسكرية الهجومية على مناطق داخل الدولة، بهدف التأثير في قدراتها، البشرية والمادية.

المرحلة السادسة: إعلان الحرب الشاملة، وخلالها يكون هناك الصراع المسلح، قد بدأ بصورة بطيئة، وفي الوقت نفسه، يكون الصراع بين الجانبَين، قد وصل إلى درجة شديدة الضعف.

المرحلة السابعة: بداية حرب المدن، بلوغ التدمير أعلى درجاته. ويصبح الصراع المسلح حرباً شديدة الخطر، تُستخدم فيها الأسلحة كافة، تقليدية وغير تقليدية، وتُنفَّذ صور القتال.

إدارة الأزمات الدولية، في ظل النظام العالمي الجديد

    الغرض الأساسي لإدارة الأزمات الدولية، هو تجنّب وصولها إلى مرحلة الصراع المسلح؛ تطوُّرها إلى قتال، هو إيذان بفشل الإدارة في تحقيق أهدافها. وقوانين تلك الإدارة، تختلف كلية عن قوانين القتال ومبادئه؛ إذ هي وسيلة للردع Detervence؛ بينما هو فن استخدام الأسلحة، لمنع القتال، أو هو فن تجنّب القتال. ويكون متخذ القرار، في إدارة الأزمة، مجبراً على التعامل بمهارة؛ حتى يمكنه توجيه الضربة الأولى، وكذلك الثانية. وإذا كانت القدرة على توجيه الضربة الأولى متاحة وممكنة، فكلُّ دولة، تصبح قادرة على بداية القتال، في المكان الذي تريده، والوقت الذي تحدده، وبالطريقة التي تخطط لها؛ غير أنه يستحيل عليها أن توقفه في المكان الذي تريده، و الوقت الذي تحدده، وبالطريقة التي تأملها؛ لأن ذلك يتطلب حسابات دقيقة، ومعقدة، عن الضربة الثانية، التي تكون رداً على الضربة الأولى.

    مع البدء بتكوين نظام عالمي جديد، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تباينت الآراء في اختفاء الصراعات العقائدية، ليحل بدلاً منها المنافسات الاقتصادية. إلاّ أنه، في الوقت نفسه، اتسعت الفجوة بين الشمال والجنوب، وازدادت التفرقة بين دول العالم، الغنية القوية والفقيرة الضعيفة، واستمرار الاستخفاف بالقانون الدولي. وفي هذا الإطار، اتسمت الأزمات الدولية، في ظل النظام العالمي الجديد، بالآتي:

  1. انضمام الدول العظمى كلها، على خلافاتها، الرئيسية أو الفرعية، إلى تحالف دولي، في مواجهة أزمة الخليج. ويتكرر هذا التحالف، بصورة أخرى، لمواجهة الإرهاب؛ ولكن إدارة الأزمة الإقليمية، فقدت آليتها؛ إذ لم تقتصر على قوى متدخل، وأخرى مراقبة؛ بل أصبح لكلِّ الدول دور فيها، ولو بدرجات متفاوتة.
  2. سهولة استخدام القوة العالمية في إدارة الأزمة الإقليمية، بعد أن اختفى تحدي القوات العالمية الأخرى. وفي الوقت نفسه أصبح استخدامها أكثر صعوبة، ومحفوفاً بالأخطار؛ لأنه صار محكوماً، بطريقة أكثر انضباطاً، بقوى عالمية مستعدة للتدخل.
  3. إذا كان الغرض من إدارة الأزمة، في النظام العالمي ثنائي القطبية، هو منع استخدام القوة؛ فإن هذا الأسلوب، يظل قائما،ً في ظل النظام الدولي الحالي، مع استثناء أن وصول الأزمة إلى ذروتها، قد يمهد الطريق لتدخّل قوى عالمية، لحسم الموقف؛ الأمر الذي كان محفوفاً بالقيود، في السابق.
  4. ازدياد اللجوء إلى استخدام الشرعية الدولية في التحكم في بعض الصراعات الإقليمية، على الرغم من أنها تطبق بطريقة انتقائية. ففي النظام العالمي ثنائي القطبية، تضاءل دور الشرعية الدولية، وأصبحت الخلافات، الإقليمية والعالمية، تحل خارجها؛ خوفاً من استخدام حق النقض فيتقرر في مجلس الأمن والغالبية في اجتماعات الجمعية العامة، وهي تتكون من دول العالم النامي، وأصبحت التدخلات العالمية تتم تحت ستار الشرعية الدولية. وبموجب قرارات دولية أكثر سهولة ويسراً، ولذلك أصبح ما يطبق في حالات معينة لا يمكن تطبيقه في حالات أخرى مماثلة.
  5. نقل السلاح إلى مناطق التوتر، أصبح تجارة أكثر منه سياسة. وعلى الرغم من اتفاقيات الحدّ من انتشار السلاح، والقيود المفروضة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، إلاّ أنه ثمة سيولة في سوق السلاح العالمي؛ الأمر الذي قد يستمر فترة طويلة، في إطار التنافسات الاقتصادية المتصاعدة، وخاصة بعد حالات الركود الاقتصادي، التي يعانيها العديد من الدول الصناعية المتقدمة.

مبادئ إدارة الأزمات الدولية وأُسُسها:

    تتمثل المبادئ والأسس، التي يجب أن تُراعى في إدارة الأزمات الدولية، في عدة قواعد، هي:

  1. الحفاظ على الخيارات العسكرية والسيطرة الدائمة عليها، اختياراً وتوقيتاً. وقد تطاول تلك السيطرة المناورات التكتيكية، والعمليات، التي قد تكون سبباً لاصطدام مسلح غير مرغوب فيه.
  2. اختلاق بعض التوقعات، التي تساعد على التأني والتريث في معدل الأعمال العسكرية، حيث يكون ضرورة الإبطاء المتعمد لقوة الدفع في التحركات العسكرية؛ لتوفير الوقت الكافي لإجراء تقدير موقف، ومزيد من التحركات الدبلوماسية.
  3. التنسيق بين التحركات، الدبلوماسية والعسكرية، في إطار استراتيجية متكاملة، تستهدف حل الأزمة، من دون الدخول في صراع مسلح.
  4. تحديد التحركات العسكرية، لتكون في صورة واضحة تجاه الحل المرغوب فيه، وملائمة للأهداف المحددة من الأزمة.
  5. الإيقاف والحدّ من التحركات العسكرية، التي توحي للخصم بقرب نشوب الصراع المسلح؛ ما قد يجبره على توجيه ضربة إجهاض.
  6. الأخذ بالخيارات، الدبلوماسية والعسكرية، التي تترك للخصم مخرجاً ملائماً للأزمة، لا يتضارب مع مصالحه الرئيسية.
مقومات إدارة الأزمة الدولية

    إن أبرز ما يتسم به القرار السياسي، في ظروف الأزمة، هو الصعوبات الشديدة في تحليلها، والتي تواجه متخذي القرار، ولا سيما تحديد أهداف الخصم. فالضغط النفسي، ومحدودية الوقت، وتضارُب المعلومات، هي من العوامل، التي تنعكس على السَّبْر الموضوعي للأزمة، وحصر أهداف الخصم وتحديدها. ولتقليل الآثار السلبية للعوامل المصاحبة للأزمة، لابدّ من تحليل مقوماتها، في الإطار التالي:

  1. تقدير مدى التحكم في الأزمة، وتأكيد أن تداعياتها، لن تدفع الفاعلين إلى خطوات غير محسوبة، لا تتفق مع البُعد الحقيقي للخلاف. ويحدد مدى ذلك التحكم ثلاثة متغيرات، هي:

أ. عدد الفاعلين الرسميين في الأزمة.

ب. عدد الفاعلين غير الرسميين، وقدرتهم على الحركة والضغط.

ج. أهلية متخذ القرار ومركزه لدى كلِّ فاعل، يتعامل بصورة مستقلة مع الأزمة.

    وتتفق درجة التحكم في الأزمة مع إمكانية تسييرها نحو الحل السلمي، من خلال التفاوض، والمساومة بأشكالها المختلفة، والمدى المحتمل لها.

  1. تقدير المخارج المحتملة للأزمة، من خلال ثلاثة عوامل أساسية، هي:

أ. الأهلية النسبية للقيمة الكامنة في موضوع النزاع لكلِّ طرف.

ب. مدى اتساع المصالح المتبادلة الأخرى وعمقها، بين الطرفَين المتنازعَين.

ج. إمكانية المبادلة، بين القيمة موضوع النزاع، والقيمة الأخرى ذات الأهمية المماثلة لأحد جانبَيه.

    وتحليل أهداف الخصم يجب أن يكون دقيقاً ومتكاملاً؛ حتى يمكن تحديد رد الفعل المتوقع منه. وغالباً ما يمكن تكييف أهدافه في ثلاثة خيارات أساسية، تتمثل في الآتي:

أ. الصراع المسلح.

ب. المساومة في المطالب.

ج. الاستعداد للتخلي عن مطالبه؛ حتى يتجنب الصراع المسلح.

أنماط الأزمات المحلية وتصنيفها

    تعددت الآراء في تقسيم الأزمات المحلية، إلا أنه يمكن تصنيفها في مجموعات متمايزة(الشكل الرقم 1)، هي:

  1. تكرّر الأزمات

    يُعَدُّ التكرر من أهم الأسس في تصنيف الأزمات. وعلى الرغم من أن حدوثها الدوري، يتيح رصد مقدماتها وتجنّبها، فإن أيّ كيان إداري، سواء كان فرداً أو مؤسسة أو دولة، لا يستطيع تلافيها، على ما يملك من أجهزة وقائية. ويمكن تقسيمها إلى:

أ. أزمات دورية متكررة

    لئن سمح تكرر الأزمات بتوقع حدوثها، فإنه لا يتيح التنبؤ تنبؤاً دقيقاً بمداها وحجمها وشدتها واتساع مجالها. وهي تتمثل في الأزمات الاقتصادية، المرتبطة بالدورة الشرائية، والناجمة عن الكساد، والتي قد تنجم، كذلك، عن الانتعاش، نتيجة لخلل في قوى الإنتاج.

    ب. أزمات غير دورية

    وهي تتصف بالعشوائية، ولا يرتبط حدوثها بأسباب دورية؛ ولذلك، يصعب توقّعها. غير أن المتابعة الدقيقة، وملاحظة عوامل نشوئها، يساعدان على تلافيها. وتتمثل في الأزمات الناجمة عن سوء الأحوال الجوية، أو تغير الظروف المناخية، مثل الأمطار والأعاصير.

  1. حدَّة الأزمات

    يمكن تقسيم الأزمات، طبقاً لمدى تغلغلها وتمكنها من الكيان، الذي أصابته، إلى نوعَين أساسيَّين، هما:

أ. الأزمات السطحية

وهي أزمات، لا تشكل خطراً؛ إذ إنها تحدث فجأة، وتنقضي بسرعة، وخاصة إذا عولجت أسبابها. وهي تنجم عن الشائعات الكاذبة، مثل الأزمات التموينية المفتعلة.

ب. الأزمات العميقة

وهي الأشد خطراً؛إذ تكون شديدة الضرر والقسوة، لارتباطها ببنية الكيان الذي تعتريه، وقد تدمره، إن أهملت مواجهتها.

  1. تأثير الأزمات

    يتفاوت تأثير بتفاوت أسبابها

أ. أزمات محدودة التأثير

وهي وليدة ظروف معينة. ولا يكون لتأثيرها معالم واضحة في الكيان الذي تنتابه؛ ولذلك، فإن مواجهتها تتحقق من خلال تعديل سياساته وأساليب إدارته. وتتمثل في افتقاد سلعة تموينية معينة، مع توافر بدائلها.

ب. أزمات جوهرية

يؤثر هذا النوع من الأزمات تأثيراً واضحاً، مؤكدا،ًفي بنية الكيان الذي يحل به؛ ما ينعكس على أدائه ويفرض قيوداً على حركته، ويساعد على حرمانه حاجاته ومطالبه الأساسية، التي لا يمكنه الاستغناء عنها. ولذلك، فإنه لا يمكن تجاهل هذا النوع من الأزمات، أو إهمال مواجهتها؛ إذ إن استمرارها قد يسفر عن نتائج صعبة، وقد يلد أزمات أشد خطراً وتدميراً. وتتمثل تلك الأزمات في نقص المياه أو الوقود أو الغذاء.

  1. شدة الأزمات

    تراوح الأزمات بين نوعَين أساسيَّين من الشدة والضعف، هما:

أ. أزمات عنيفة

وهي بالغة الشدة والعنف، تؤثر في الكيان الإداري، بل تكاد تدمره. ولا سبيل إلى مواجهتها، غير إفقادها للقوة الدافعة، وتفتيتها إلى أجزاء؛ حتى يمكن معالجة كلِّ جزء على حدة. ويتمثل هذا النوع من الأزمات في الإضرابات العمالية، والامتناع عن العمل حتى تُستجاب المطالب؛ ما يسبب خسائر ضخمة.

ب. أزمات خفيفة

    يتمثل هذا النوع في الأزمات الناتجة من حوادث تخريب. وعلى الرغم من أنه قد يبدو عنيفاً، إلاّ أن تأثيره يكون محدوداً، ويسهل معالجته بسرعة، بعد معرفة الأسباب، والكشف الصريح عنها. وقد يُستعان عليه بالشعب، بتحويله من طرف خصم إلى طرف مشارك، وفعال، في علاج الأزمة.

  1. مستوى الأزمات

    أ. الأزمات الشاملة

تصيب الدولة، وتؤثر في المجتمع كلَه؛ فهي أزمات شاملة، سواء في أسبابها و نتائجها، وكذلك متطلبات علاجها. ولهذا النوع من الأزمات تداخلات وأبعاد مختلفة التأثير. ويشمل الأزمات المتصلة ببنية الدولة وأدائها الاقتصادي، ونظامها السياسي، أو وضعها الأمني، الداخلي أو الخارجي؛ فضلاً عن سيادتها واستقرارها، السياسي والاجتماعي. وهذه الأزمات، تتطلب مواجهتها جهداً كبيراً، بل تتطلب معونات دعماً خارجياً.

ب. الأزمات الجزئية

تتمثل في أزمات المشروعات أو الوحدات الإنتاجية. وينحصر تأثيرها فيها إلا أنه قد يمتد إلى المشروعات الأخرى المرتبطة بها؛ بل يطاول الدولة برمّتها، إن لم يكن السيطرة عليه. وهذا النوع من الأزمات يتميز بالتنوع والتعدد، طبقاً للكيان الذي قد ينشأ فيه؛ إضافة إلى التأثيرات المتباينة للأزمات، والمتمثلة في عوامل انتشارها وترابطها وتكاملها ونشوئها واختفائها. وفي هذا النوع من الأزمات، يجب تدخّل الدولة، لمواجهة الأزمة واحتوائها، إنْ لم يتمكن الكيان الإداري، الذي تأثر بها، من مواجهتها.

  1. أبعاد الأزمات

أ. أزمات عالمية، لها تأثير محلي

غالباً ما تنجح الدول الكبرى في نقل أزماتها إلى الدول التي تدور في فلكها، فيكون تأثير تلك الأزمات فيها أشد خطراً منه في الدولة المركز، فلو ساء محصول القمح الأمريكي، مثلاً، فإن تأثيره لن يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل سيكون أشد تأثيراً في الدول، التي يعتمد عليه غذاؤها؛ إذ يمكن واشنطن أن تؤمن حاجتها إلى القمح من مخزونها الإستراتيجي، أو أن تستبدل به سلعاً أخرى؛ وهو ما يتعذر على الدول التابعة لها اللجوء إليه. 

    ب. أزمات محلية، لها تأثير خارجي

يتضح مثل هذه الأزمات، كلما كانت الدول النامية مترابطة؛ إذ يمكنها ترابطها وعلاقتها التعاونية من جعل أزماتها تطاول العالم الخارجي، فتدفع الدول الكبرى إلى النهوض بمسؤولياتها تجاه تلك الأزمات. ويتحقق ذلك على مراحل، تتمثل في امتصاص ضغطها واستيعابه؛ ثم إفقادها تأثيرها الذاتي، وتحويله إلى باعث لضغوط أزمة جديدة، يمكن تصديرها إلى الخارج، ويكون ذلك استغلال ضغوط الأزمة الجديدة كرد فعل للتعامل مع الأزمة الأصلية وتحويل مسارها؛ ويلي ذلك المرحلة الأخيرة، وهي جني مكاسب تحويل مسار الأزمة إلى أطراف أخرى، وإجبارها على مواجهتها. ويتمثل ذلك في ما عمدت إليه الدول المنتجة للنفط، من نقل الأزمة النفطية إلى جميع الدول المستهلكة؛ وما بادرت إليه، في الوقت نفسه، الدول الصناعية الكبرى، من نقل عبء تلك الأزمة، مرة أخرى، إلى دول العالم كافة، التي تعتمد على منتجات تلك الدول النفطية.

    ج. أزمات محلية فقط

وهي الأزمات، التي لا يتعدى تأثيرها حدود الدولة، بل يقتصر على قطاع محدود منها؛ ولا يمكن ترحيلها إلى الخارج؛ ولذلك، فهي تعالج في إطار محلي داخلي فقط. ويتمثل ذلك في الأزمة، التي نشأت عن انقطاع خدمات الكهرباء عن معظم مناطق جمهورية مصر العربية، في أحد أيام أبريل 1990، بسبب صاعقة، ضربت خطوط كهرباء الضغط العالي، في أحد المواقع في الوجه القبلي؛ الأمر الذي نحم عنه زيادة التحميل، فجأة، على المحطات الأخرى، فانقطع التيار عن بعضها وأبقى العديد من أنحاء الجمهورية بلا كهرباء. ولقد أسهم ذلك في أزمات محلية للعديد من القطاعات، وخاصة بعض المستشفيات، ووسائل النقل التي تعمل بالكهرباء؛ إلا أنها بقيت محلية فقط، كما اختلفت درجات تأثيرها في القطاعات، الخدمية والإنتاجية.

  1. محاور الأزمات

    أ. أزمات مادية

وهي التي يكون تأثيرها ملموساً، مثل: أزمة الغذاء، وأزمة السيولة النقدية، وأزمة البطالة. ويمكن التعامل معها، مادياً وطبيعياً، بطرائق ومناهج مختلفة، ومتعددة. كما يمكن التحقق من مدى نجاح آليات التعامل معها، من خلال النتائج المترتبة على محاولات مواجهتها.

    ب. أزمات معنوية

وهي التي تدور حول محور غير موضوعي، له ارتباط بذاتية الأشخاص المحيطين بها. ويتمثل هذا النوع في أزمات الثقة أو المصداقية، أو أزمات الولاء. ويلاحظ أن محور هذه الأزمات معنوي، شخصي، غير ملموس؛ ولذلك، فإن مواجهتها تتحقق بإدراك مضمونها.

    ج. الأزمات المزدوجة

يتمثل هذا النوع في المشكلات، الدولية والمحلية، مثل أزمات الرهائن، وأزمة الإرهاب أو الاغتراب. وهي ذات جانبَين، أحدهما مادي، ملموس، هو الواقع المادي، الذي أحدثته أو نتجت منه، وهو الأشخاص المختطفون، أو الخسائر والأضرار المادية. والآخر معنوي، يتمثل في ردود الفعل العنيفة، المصاحبة للأعمال الإرهابية، وما تشيعه من عدم الإحساس بالأمن، والخوف من ردود الفعل الانتقامية. وهذا الشكل المزدوج من الأزمات، أصبح هو السائد، في العصر الحالي.

مراحل تكوُّن الأزمات وتفاعلاتها الداخلية

    الأزمة ظاهرة اجتماعية، تتكون خلال مراحل متتابعة، مختلفة، تشهد تفاعلات داخلية، تنبه لبداية تكوُّنها وأطوار النضج المتعاقبة( الشكل الرقم 3). وتمثل متابعة هذه المراحل أهمية خاصة لمتخذ لقرار، الذي يمكنه التنبه لوجودها وظهورها، وتكوُّن العوامل المساعدة على نضجها؛ فيكون أقدر على مواجهتها. وتمر الأزمة، من لحظة نشأتها وحتى اضمحلالها، بخمس مراحل، هي:

  1. النشوء

    في هذه المرحلة، يكون هناك إحساس مبهم بوجود شيء غير متوقع، يلوح في الأفق، وينذر بخطر غير محدد المعالم، أو الاتجاه، أو المدى الذي سيصل إليه. ويرجع اتساع نطاق المجهول في الأزمة إلى عدم وجود معلومات كافية عن أسبابها، واحتمالات تطورها، والأضرار التي ستسببها. لذلك، تكون خبرة متخذ القرار وكفاءته، من العوامل المهمة، والأساسية في التعامل معها ومواجهتها، إبّان مرحلتها المتقدمة.

  1. النموّ

    تبدأ هذه المرحلة، حينما لا يتنبه متخذ القرار لخطر الأزمة، في مرحلة نشوئها؛ إذ يَطَّرِد نموّها، معتمداً على محفزات ناتجة من الأزمة نفسها، وأخرى خارجية، استقطبتها، وتفاعلت معها؛ ما زادها قدرة على النموّ. وخلال هذه المرحلة، يتعاظم إحساس متخذ القرار وشعوره بوجود الأزمة، فتبدأ المحاولات الجادة لمواجهتها، وإلاّ فإنها ستنعكس، سلباً، خلال هذه المرحلة على الكيان كله، وتتفاقم لتبلغ مرحلتها التالية.

  1. النضج

    يدفع الأزمة إلى هذه المرحلة، عدم كفاءة الإدارة وجهلها وتخلفها. فتزداد عوامل تفاقمها، التي تمدّها بالقوة المؤثرة، اللازمة لبلوغها أقصى درجاتها شدة وعنفاً؛ ما يجعل السيطرة عليها أمراً مستحيلاً، إلاّ من خلال مصادمتها صِداماً عنيفاً، قد ينتهي إلى تدمير الكيان أو المشروع، الذي نشأت فيه.

  1. الانحسار

وهي المرحلة، التي تصل إليها الأزمة، بعد تحقيق أهدافها خلال الاصطدام العنيف؛ إذ تفقد قدراً كبيراً من قوّتها، فتبدأ بالانحسار. وإنْ فشل الاصطدام في تبديدها أو تقليصها، فقد تتجدد، وتأخذ شكل موجات متلاحقة، تزعزع استقرار الكيان، الذي يدخل مرحلة الانكماش والتقلص، حتى يصل إلى درجة الفناء أو الاختفاء.

  1. الاضمحلال

    حينما تفقد الأزمة قوة دفعها، تتلاشى مظاهرها. ويدفع اختفاؤها الكيان، الذي نشأت فيه، إلى إعادة البناء، وعلاج الآثار المترتبة عليها. ويستعيد فاعليته وأداءه، بعد اكتسابه الخبرة والمناعة، في التعامل مع مثل هذه الأزمات، التي ألمت به.

مناهج سَبْر الأزمات

    يُعَدّ السبْر السليم للأزمة، هو المدخل الصحيح لمواجهتها.وهو رهين عدة عوامل، تتمثل في توافر المعرفة والخبرة، ووجود بيانات كاملة، ودقيقة، لدى متخذ القرار. ويتضمن سبْر الأزمة تحديد أسبابها وعوامل نشوئها؛ إضافة إلى التحديد الدقيق لأسلوب معالجتها، وتوقيتها؛ فضلاً عن متطلبات إدارة الأزمة، من معلومات ووسائل اتصال، وإعداد خطط التعامل معها حتى يمكن إيقاف تفاقمها واحتواؤها. وتتمثل مناهج سبْر الأزمات، في الآتي:

  1. المنهج التحليلي

    في هذا المنهج، تُسبَر الأزمة، وفقاً للمرحلة التي وصلت إليها، فيحدَّد مظهرها وملامحها والنتائج التي أفرزتها وتأثيرها. وبذلك، يمكن توصيفها، وعرض أبعادها وجوانبها، وتحديد مداها، وأطرافها الفاعلة، وتداعياتها المحتملة.

  1. المنهج التاريخي

    يعتمد هذا المنهج على أساس التحليل التاريخي الكامل للأزمة، وكيفية تطورها؛ فهي لا تنشأ فجأة، وليست وليدة اللحظة؛ وإنما نتاج تفاعل أسباب وعوامل، نشأت قبل ظهورها، تاريخياً. وبذلك، يكون التعامل مع الأزمة قائماً على أساس المعرفة الكاملة بماضيها التاريخي وتطورها؛ وردّها إلى أصولها الحقيقية، هو الأساس لطرح وسائل مواجهتها. ووفقاً لهذا المنهج، تُقسم الأزمة إلى مراحل تاريخية محددة، تُسبَر كلُّ منها والعوامل التي أثرت فيها؛ لمعرفة تلك الباعثة لها، والأخرى المساعدة؛ حتى تتضح، في النهاية، الحقائق الكاملة، أمام متخذ القرار.

  1. منهج النظُم

    يرى هذا المنهج، أن الأزمة تدور في إطار نظام متكامل، يحتوي على أربعة مكونات أساسية، تتمثل في مدخلاته، التي يعتمد عليها في الأداء الملائم لوظيفته الأساسية. وبتحديد هذه المدخلات، يمكن الوصول إلى بواعث الأزمة، وأماكن القصور والضعف؛ إذ قد يكون نقص هذه المدخلات، أو عدم توافقها، من مسببات الأزمة. كذلك، يجب تحليل نظام تشغيل تلك المدخلات، ومدى توافقها مع مخرجاته؛ وعند وجود خلل في نظام التشغيل نفسه، تفرز الأزمات. ومن قصور نظام التشغيل، يظهر نظام خاص بالأزمة، له نتائج وآثار ومظاهر ملموسة. ولإحكام الرقابة الوقائية على العمليات السابقة، لا بدّ من وجود تغذية مرتدة للنظام التشغيلي، بهدف اكتشاف القصور، كي يمكن التعامل مع الأزمة، في جميع مراحلها، بفاعلية كاملة.

  1. المنهج البيئي

    هو يرى أن الأزمة، هي وليدة البيئة التي نشأت منها، وتفاعلت معها؛ ولذلك، يعتمد على تحليل القوى البيئية المؤثرة فيها، والتي تضم عوامل مستقلة، فاعلة، ومؤثرة في نموّها واتجاهها؛ وأخرى تتفاعل معها، وتتأثر بها، وتستجيب لضغوطها. وتحليل محددات تلك العوامل والقيود المفروضة على حركتها واتجاهها، سواء كانت مستقلة أو غير مستقلة ـ يتيح التعامل مع القوى البيئية، والتحكم فيها، والسيطرة عليها، والحد من خطر الأزمة. ويتحقق ذلك، من خلال تصنيف القوى البيئية ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: قوى بيئية، يمكن التحكم فيها، والسيطرة على مسارها واتجاهاتها وقوة عنفها.

المجموعة الثانية: قوى بيئية، لا يمكن التحكم فيها،ولا السيطرة عليها أو على اتجاهاتها.

المجموعة الثالثة: قوى بيئية، لا يمكن التحكم في قوة عنفها؛ وإنما يمكن توجيهها، والسيطرة على اتجاهاتها بقدر معين.

    ومن ثم، يمكن استخدام قوى المجموعَتين: الأولى والثالثة، في التأثير في قوى المجموعة الثانية؛ فيمكن الحدّ من خطر الأزمة.

  1. منهج السبْر المستقل للأزمات

    يدرس هذا المنهج كلَّ أزمة على حدة، لكونها حالة مستقلة، تتفرّد بخواص محدَّدة؛ فيَسْبُرها سبْراً متكاملاً، يشمل أسباب نشأتها، والعوامل المؤثرة فيها، والنتائج التي أفرزتها؛ إذ يعمد إلى تحديد الآتي:

أ. حجم الأزمة، الذي وصلت إليه، ونتائجها الملموسة.

ب. المناخ العام، الذي أحاط بها، منذ نشأتها.

ج. العوامل والأسباب الكامنة، التي تمخضت بها، ودوافع نشأتها.

ويحقق هذا المنهج الرؤية الأكثر دقة وشمولية؛ لدراسته العوامل والجوانب والمتغيرات والثوابت، المؤثرة والمتأثرة بالأزمة؛ ما يساعد على تحديد وسائط معالجتها، واتخاذ قرارات أكثر موضوعية، لمواجهة ضغطها، تستند إلى توافر المعلومات وتكاملها أمام متخذ القرار. إلاّ أن هذا المنهج، يصعب تعميم نتائجه على الأزمات كافة؛ نظراً إلى الخصوصية الشديدة لكلٍّ منها.

  1. منهج الدراسات المقارنة

    يعمد هذا المنهج إلى المقارنة بين الأزمات، الماضية والحالية؛ فيحدِّد أوجُه اتفاقها واختلافها، ويستنتج وسائل العلاج، التي نجحت سابقاً، أو يستحدث أخرى جديدة. وتكون المقارنة وفقاً لأحد الأسس التالية:

أ. مقارنة زمانية تاريخية.

ب. مقارنة مكانية جغرافية.

ج. مقارنة نشاط الناتج من الأزمة.

د. مقارنة حجم الأزمة.

  1. منهج الدراسات المتكاملة

    يمزج هذا المنهج مزجاً كاملاً، بين المناهج السابقة؛ إذ يَسْبُر الأزمة، ويتتبّعها تاريخياً، ويقارنها بالأزمات السابقة، وفقاً لرؤية عميقة لتاريخها، وتحديد أسباب نشوئها، والعوامل الباعثة لها، ومراحل تطورها، والمدى الذي وصلت إليه، والقوى المؤيدة والمعارضة لها. وفي إطار رؤية استشرافية، يمكن تحديد تطوراتها المستقبلية وأخطارها المحتملة، وحجم الخسائر المتوقعة. ويحقق هذا المنهج الأبعاد التالية:

أ. العمق: دراسة التطور التاريخي للأزمة، باستخدام أدوات المنهج التاريخي، في استقرائها وتتبّعها، سواء في إطارها العام الكلي أو الخاص الجزئي.

ب. الشمول: اعتماد أسلوب الدراسات المتكاملة الشاملة، في الاستقراء والتحليل للبيانات والمعلومات كافة، عن العوامل والمسببات والفروض والخيارات المتعلقة بالأزمة.

ج. الاتساق والتوازن: توفير قدرات بحثية، تتيح استخدام أدوات التحليل، الإحصائي والقياسي، بالقدر الذي تتطلبه دراسة الأزمة.

الفصل الثاني

أُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه، وإستراتيجيات مواجهتها

    تتعدد إستراتيجيات مواجهة الأزمات. ويحدَّد اختيار أيٍّ منها، وفقاً للإمكانيات المتوافرة والمتاحة، والتحديد الدقيق لمسارات الأزمة، والتحولات التي قد تطرأ عليها. والنجاح في التعامل معها، هو رهين الاختيار السليم لإستراتيجية المواجهة ومنهجها، والذي يجب أن يحقق القدرة على التكامل، بين مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والإدارية؛ ويوفر مناخ التفاهم والمشاركة الفعالة، لجميع المستويات والاختصاصات الوظيفية، في الكيان الإداري أو المؤسسة أو الدولة. وتستند الكفاءة، والفعالية في استقراء المستقبل، وبالقدر الذي يحقق الإدراك الكامل بطبيعة الأزمة، فإن ذلك يتوقف أساساً إلى الاستنتاج الدقيق لشتّى الخيارات الممكنة، في مواجهة أخطارها.

    ويُعَدّ تحديد الهدف الرئيسي، والأهداف الثانوية وأسبقيات تحقيقها، من المبادئ الأساسية للتعامل مع الأزمات؛ إذ في ضوئها، تحدَّد إستراتيجية المواجهة، التي قد تتسم بالعنف والقوة، بهدف القضاء علي الأزمة أو الحدّ من خطرها؛ وقد تهدف إلى تجزئتها ووقف نموّها، أو تغيير مسارها. ومن ثم، فإن لكلٍّ من الإستراتيجيات تكتيكاتها وأساليبها المختلفة، التي تنتهجها خلال مراحل تطور الأزمة، مع الأخذ في الحسبان الظروف، الزمانية والمكانية، التي يمكن أن تساعد على إضفاء مزيد من القوة، عند مواجهة الأزمات. ولا يمكن المفاضلة بين الإستراتيجيات مفاضلة مطلقة، عند التعامل مع الأزمات، بل مع الأزمة الواحدة، عند تكرارها؛ وإنما يحدد إستراتيجية التعامل مع الأزمة الهدف المطلوب تحقيقه، ومدى ملاءمته تلك الإستراتيجية، وما يتطلبه ذلك من تحرك داخلي، لتدعيم القدرات الذاتية؛ وآخر خارجي، لاستقطاب القوى اللازمة للمواجهة.

    كما يتطلب التعامل مع الأزمات الاستعداد الكامل، والدائم، من خلال توافر الاحتياطيات الملائمة لمواجهتها؛ إضافة إلى الفهْم الكامل لأبعادها. ولن يتحقق هذا اْلفهْم، إلاّ من خلال الوجود الدائم، والمستمر، في موقع الأزمة، حيث يمكن الحدّ من تناميها، وتحقيق التدخل السريع، والفوري، وبالقدر الذي يتطلبه الموقف. ولن يكون هذا الوجود المستمر ذا فاعلية، من دون تفويض السلطة إلى فريق إدارة الأزمات ما يرتئيه.

المبحث الثالث

قواعد وأُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه

    مواجهة الأزمات، منذ نشأتها، مروراً بمرحلة الحدّ من خطرها، وحتى يمكن التغلب عليها ـ تتطلب الالتزام بعدة مبادئ أساسية، هي بداية نجاحها؛ وتتمثل مواجَهَتها في الآتي(الشكل الرقم 4):

  1. تحديد الأهداف والأسبقيات

    يُعَدّ تحديد الأهداف تحديداً دقيقاً، من أهم عوامل النجاح في مواجهة الأزمات؛ ولا سيما الهدف الرئيسي، الذي كثيراً ما يكون غير واضح. بيد أن تحديدها، لا يشترط أن يكون هو قمة الأزمة؛ وإنما جزء ذو تأثير فعال في بنْيتها ومجرياتها، يمثل 50% من معالجتها ومواجهتها. ولابدّ من تنسيق الأهداف، وتحديد أسبقياتها؛ إذ إن الهدف الرئيسي، المتمثِّل في مواجهة الأزمة برمّتها، قد يكون غير ممكن أو خارج الإمكانيات والقدرات المتاحة، فيُعْمَد إلى تجزئته، أو تحديد أهداف ثانوية، ومواجهة أشدها خطراً. وتحديد الهدف، لا يعني انتفاء عامل المخاطرة، الذي قد ينطوي علي بعض الإخفاقات أو النجاحات.

  1. حرية الحركة وسرعة المبادأة

    حرية الحركة، هي أولى خطوات تحقيق الهدف؛ إذ تنأى بمتخذي القرار عن التأثر بالصدمات، وتتيح لهم المبادأة، التي تُخْضِع الأزمة لعامل رد الفعل العكسي؛ فيمكن السيطرة عليها والحدّ من خطرها.

  1. المباغتة

    تكاد المفاجأة تحقق السيطرة الكاملة على الأزمة، ولفترات ملائمة؛ إذ إن إعلان أسلوب مواجهتها، يمكن أن يسفر عن فشل الجهود المبذولة لحلها؛ بينما نتائج المفاجأة، تتيح الحدّ من خطرها والقضاء عليها. ولتحقيق المباغتة، لابدّ من الكتمان الشديد في حشد القوة المكلفة بالتعامل مع الأزمة (الإرهابيون مثلاً)، ولتوصيلها إلى أقرب ما يمكن من الهدف. كذلك، يجب التغطية على عملية حشد القوى، من خلال التفاوض الفعال، مع إرهاق الإرهابيين وعدم إعطائهم الفرصة للراحة؛ إلا أنه يجب، في الوقت نفسه، تحقيق مطالبهم كافة، من مأكل ومشرب ووسائل المعيشة. كما يفضل استغلال أول ضوء، لكونه الوقت الأكثر ملائمة لتنفيذ مهمة الاقتحام، مع مراعاة توفير الإضاءة الضرورية لمكان التنفيذ.

  1. حشد القوى وتنظيمها

    امتلاك القوة من عوامل النجاح في مواجهة الأزمة، وإحداث التأثير المطلوب في المحيط، المحلي والدولي، وفقاً لنطاقها. ويهدف تنظيم القوى إلى حشد الإمكانيات كافة، المادية والبشرية، وتعبئتها معنوياً تعبئة، تمكنها من مواجهة الأزمة والقضاء عليها. والقوة تتضمن مقومات متعددة، بعضها يرتبط بمكان الأزمة، والآخر يرتبط بزمانها والمرحلة التي بلغتها. ويتضمن حشد القوة خمسة جوانب أساسية، تتمثّل في القوة الجغرافية، الناتجة من تفاعل الإنسان مع المكان، والموارد البيئية؛ والقوى الاقتصادية، التي تتمثّل في الموارد المتاحة؛ والقوة العسكرية، من حيث حجمها، ونوع تشكيلاتها، وروحها المعنوية، إضافة إلى تسليحها ومعداتها. والقوة المعنوية، هي الجانب النفسي الإدراكي، والجانب الإعلامي التأثيري؛ ما يعني الجهد التأثيري المنظم في الرأي العام، في الداخل والخارج، بما يحد من قدرة الطرف الآخر وفاعليته، ويضعف قواه. ويجب ألاّ يكون الحشد وهمياً، فلا بدّ أن تراعى فيه التقنيات والخبرات البشرية، التي يمكن تفعيلها لمواجهة الأزمة.

  1. التعاون والمشاركة الفعالة

    قد تعجز القدرات المتاحة عن مواجهة الأزمة الناشئة، سواء كانت محلية أو دولية؛ فتتحتم الاستعانة عليها بمساندة خارجية، تضاعف الطاقات على مواجهتها، بل تساعد على اتساع الرؤية، وشمولية التخصص، وتكامل المواجهة؛ إضافة إلى السرعة والدقة، الناجمتَين عن تنوع الخبرات والمهارات والقدرات.

  1. السيطرة المستمرة على الأحداث

    يزيد التلاحق السريع، والمتنامي، لأحداث الأزمة، من حدّة آثارها السلبية، الناتجة من استقطاب عوامل قوة خارجية مدعمة لها. ولذلك، فإن التعامل معها، يتطلب التفوق في السيطرة على أحداثها، من خلال المعرفة الكاملة بتطوراتها، والإجراءات الفاعلة اللازمة لمواجهتها. كما تتطلب عملية السيطرة التحرك في ثلاثة اتجاهات، تتمثل في التعامل مع العوامل المسببة للأزمة، والقوى المدعمة لها، وكذلك العوامل ذات الصلة بها. ولذلك، فإن مواجهتها تستلزم تحقيق التفوق في السيطرة على أحداثها؛ ما يتأتّى من خلال الآتي:

أ. المعرفة الكاملة، والتفصيلية، بتطورات الأزمة، وما يتطلبه ذلك من حضور مستمر، وفعال، لمتابعة أحداثها.

ب. الاختراق الأمني للقوى الموجهة للأزمة، والصانعة لها، والمهتمة بها كذلك؛ وهو ما يطلق عليه الاختراق الثلاثي الأبعاد، ويتمثل في الآتي:

1- الاختراق الأمني للقوى الموجهة للأزمة: وهي القوى الحقيقية، التي عادة ما تكون غير واضحة، وتدير عملية صنع الأزمة إدارة، تحقق مصالحها، على المديَين: البعيد والقريب.

2- الاختراق الأمني للقوى الصانعة للأزمة: وهي القوى التي أُهدرت مصالحها، فاستغلت ذلك نظيرتها، التي تستطيع توجيه الأزمة، والتأثير في تحركات تلك القوى واتجاهاتها، والوصول بها إلى مرحلة المواجهة العنيفة.

3- الاختراق الأمني للقوى المهتمة بالأزمة: وهي القوى التي تجتذبها نظيرتها الصانعة للأزمة، بالتأثير فيها، وجعلها تنتقل، تدريجاً، من خارج محيط الأزمة إلى مركزها العنيف. تكوِّن القوى المهتمة بالأزمة، أداة فعلية، ترجيحية، تمكِّن من السيطرة على الطرف الآخر.

  1. التأمين الشامل للأشخاص والممتلكات والمعلومات

    يُعَدّ التأمين المادي للأشخاص والممتلكات والاحتياجات، ضرورة حتمية لمواجهة الأزمات؛ إذ يجب توفير الحد الأدنى من التأمين الطبيعي، لكلٍّ من الأشخاص والممتلكات والمعلومات، قبل حدوثها، وتوفير سبُل الوقاية منها. وكذلك التأمين الحيوي الإضافي، عند حدوث الأزمة فعلاً، والذي يتطلب مواجهة قواها بقوى أشد منها؛ لإيقاف تنامي آثارها، والحدّ من امتداد مجالاتها؛ وقوامه هو تكوين الاحتياطيات الفاعلة،التي قد يحتاج إليها الكيان، للتغلب على أزمته.

إن وجود نظام، يحُول دون اختراق الجانب المعادي، ويحجب المعلومات عنه، ويعزله داخلياً وخارجياً ـ هو بداية نهاية الأزمة، واحتوائها بنجاح. ولذلك، فإن عملية التأمين نفسها ضرورة حتمية لمواجهة الأزمات، وخاصة تلك التي يكون لها جوانب تدميرية، أو التي تكون قد اتخذت مظاهر تخريبية. وتستند عملية التأمين إلى عدة معايير:

أ. طبيعة الأزمة، حجماً ومدى، ومجالاً.

ب. حالة القوى الصانعة للأزمة، ومدى ترابطها وقدرتها على التشكل والتجمع السريع، وتماسكها في مواجهة الصدمات الأمنية المتتالية.

ج. حالة الاحتياطي العام المتاح للاستخدام، والقوى المساندة، والمؤيدة لتلك المواجهة للأزمة، والقوى التي تصنعها وتحركها.

د. مسرح الأزمة.

هـ. نوع الأدوات والوسائل والأساليب والموارد، المستخدمة في معالجة الأزمة، وفي صنعها؛ وحجم الإمكانيات المتاحة لكلِّ طرف، وقدرته على استخدامها، وقوّته على التأثير في مجريات الأزمة وأحداثها.

و. مرونة كلّ طرف وقدرته على الحركة والمناورة، وتلبية احتياجات الصراع، سواء كانت احتياجات المواجهة أو احتياجات التوسع.

    قوام عملية التأمين، إذاً هو الرؤية العلمية لاستخدام الموارد المتاحة، وفي إطار إدارة علمية متطورة، تحقق التكيف السريع، لمواجهة الأزمة بفاعلية؛ والسعي إلى ابتكار أدوات ووسائل جديدة، لمواجهة الأزمات والتصدي لها، ومعالجة آثارها.

  1. المواجهة السريعة لأحداث الأزمة ومراحلها

    كان للطفرة التكنولوجية، والتقدم العلمي، اللذَين شهدهما العالم، أثرهما البالغ في طبيعة الأزمات، التي أصبحت سريعة التطور والأحداث، فاستدعت التصدي السريع لها؛ ما يحتم وجود الكوادر العلمية، المدربة على مواجهة الأزمات؛ وتوافر إمكانيات وموارد، تحدّ من التدهور السريع للأحداث. وإذا كانت المواجهة السريعة أمر حيوي، فإنها يجب أن تتسم بالدقة، كي لا تتزايد حدّة الأزمة، وحتى يمكن تكبيد مسببها خسائر فادحة، تردعه عن التفكير في صناعة أزمة جديدة. ولذلك، فإن أول الأخطار، التي يواجهها صانع القرار، هو البطء أو التخاذل أو تجاهل الأزمة، أياً كان محورها أو طبيعتها؛ إذ إن تأثيرها سيزداد، وقد يكون مدمراً، إنْ لم تواجَه في الوقت الملائم. 

  1. الاقتصاد في استخدام القوة

    يجب أن يكون تحديد الإمكانيات والقدرات، المخصصة بها مواجهة الأزمة، خاضعاً لحسابات دقيقة. فالإسراف في استخدام القوة، يكون إهداراً للإمكانيات، من حيث نفقتها، مقارنة بمعدل الأمان الذي وفرته، ورد الفعل العكسي الناتج من الأزمة، وكذلك احتمالات وجود عمليات ارتداد خداعي للأزمات الهامشية؛ ما ينهك، في النهاية، قدرات الكيان. إضافة إلى أن الإفراط والمبالغة في استخدام القوة، يكون لهما رد فعل، وتحويل مظاهر الأزمة العلنية إلى ضغط مستتر، يصعب متابعته أو ملاحظة تطوره بشكل دقيق. ويضاف إلى ذلك، أن بعض الأزمات لها صفة التجدد الذاتي؛ إذ إنه كلما أمكن مواجهة الأزمة واحتواؤها والقضاء عليها، ظهرت مرة أخرى؛ وما ذلك إلاّ لأن الأسباب الحقيقة للأزمة، لم تعالج؛ وإنما اكتُفي فقط بحصرها في حدود معينة. ومن ثم، تتضح أهمية اقتصاد متخذ القرار في استخدام القوة إلى الحدّ المطلوب، وعدم إسرافه فيه.

  1. اتِّباع الأساليب غير المباشرة، في مواجهة الأزمة

    تُعَدّ الأساليب غير المباشرة، من أفضل الوسائل للتعامل مع الأزمة والتأثير في تطوراتها؛ نظراً إلى ما تتسم به من الشمول والتنوع، وخاصة أن التدرج في مواجهة الأزمات والتعامل معها سيكون أشد فاعلية، وعلى مراحل متفاوتة. وكذلك يمكن استخدام الأدوات المعالجة للأزمة بشكل متلازم، ومتتابع، بعكس الأساليب المباشرة، التي تحتاج إلى التعرض السريع للأحداث. كما يتطلب استخدام الأساليب غير المباشرة، قدراً كبيراً من التناسق؛ كي يصعب اختراقها. وتتمثل فاعلية الأساليب غير المباشرة في خبرة الجهاز الإداري للمنشأة وكفاءته، عند مواجهة الأزمات، المحلية والدولية، والتهديد بأخطار التدخل الخارجي. ومن ثم، تتضح أهمية خبرة القائد في امتصاص ضغط الأزمة واستيعابها، والالتفاف حولها، ريثما تمكن الفرصة الملائمة للقضاء عليها نهائياً.

وتحقق الأساليب غير المباشرة مبادئ التعامل الميداني الناجح مع الأزمات، والتي تتمثل في الآتي:

أ. تسمح الأساليب غير المباشرة بالتدرج في مواجهة الأزمات، والتعامل معها بفاعلية أكبر، وبدرجات متفاوتة، ومن دون أن تتنبه لها القوى الصانعة والمحركة للأزمة؛ بل يمكن خلال الأساليب غير المباشرة، استيعاب تفاعلات الأزمة وامتصاصها بشكل تدريجي، يلائم أحداثها وقوة إفرازاتها.

ب. يمكن استخدام مجموعة الأدوات والإمكانيات، في مواجهة الأزمة بشكل متلازم، ومتتابع، تبعاً للحاجة إلى كلٍّ منها، وفقاً لتراكمات النتائج، التي أفرزتها مرحلة المواجهة الأولى. وفي بعض الحالات، قد يستلزم وجود دعم خارجي؛ ما يوضح أهمية التنسيق لمواجهة تطورات الأزمة وتصاعدها أو الحدّ من خطرها، والبدء بمواجهتها، بما يحقق علاجها الملائم. وفي هذا الإطار، تسمح الأساليب غير المباشرة بالاستخدام المتكامل، والمتلازم، لأدوات مواجهة الأزمة؛ بعكس المواجهة المباشرة، التي تتطلب التعرض السريع للأحداث، والوصول بالموقف إلى قمته، والقضاء عليه، مهما كانت النفقات باهظة.

ج. يتطلب استخدام الأساليب غير المباشرة، توافر القدرة على استخدام مجموعة متكاملة من أدوات مواجهة الأزمات، بقدر كبير من التناسق؛ إضافة إلى أنها تحقق الترابط والتكامل، بما يصعب اختراقها من جانب صانعي الأزمة.

د. تستخدم الأساليب غير المباشرة، بفاعلية، في معالجة الأزمات الدولية الحادّة، وخاصة عندما تواجه الدولة أخطار التدخل الخارجي، أو الدخول في صراع دولي، لا تستطيع تحمّل نفقته أو التعامل معه بالرفض؛ فتعمد إلى الالتفاف حول الأزمة، بمبادرة ذكية، تتضمن عرضاً، لا يستطيع الطرف الآخر رفضه. والحقيقة أن هذا العرض، ما هو إلا محاولة لاستيعاب ضغط الأزمة، وتحويل مساره، وإفقاده دوافعه، ريثما تمكن مواجهته والقضاء عليه.

    وبصفة عامة، إن تطبيق هذه المبادئ، يعتمد، أساساً، على توافر روح معنوية مرتفعة، ورباطة جأش، وهدوء أعصاب، وتماسك تام خلال أحرج المواقف، وقدرة عالية على تحمّل الصدمات ذات الطابع العنيف، الناتج عن الأزمات شديدة التأثير. إضافة إلى ضرورة وجود جهاز استخبارات كفء، يوفر المعلومات، الكافية واللازمة والتفصيلية والدقيقة والحديثة، عن الأزمة وتطوراتها وعواملها؛ ليمكن التعامل معها في إطار معرفة شبه كاملة.

قيود التعامل مع الأزمة

    يتطلب التعامل مع الأزمات بصيرة استرشادية، تحيط بقيود التدخل في الأزمات، وفقاً لطبيعة الموقف، والظروف والإمكانيات والأدوات، والوقت المسموح به، والمحدد للتعامل مع الأزمة، لوقف تناميها. ولذلك، تتحدد لعملية التعامل مع الأزمات أهداف، يتعين الوصول إليها. وتتمثل في أهداف فورية عاجلة، لوقف تدهور الموقف، ووقف تصاعد الأحداث، والحدّ من الخسائر والنفقات؛ وأخرى نهائية، لمعالجة آثار الأزمة، وتطوير الأداء، لاستعادة الأوضاع، كما كانت عليه قبلها؛ ووضع نظام وقائي، يمنع تكرارها، ويحول دون الأزمات المشابهة، ولذلك، فإن التعامل مع الأزمة، يتضمن جانبَين أساسيَّين، هما:

  1. جانب علاجي

يتولّى معالجة الأضرار والخسائر، التي تسببت بها الأزمة، ومن خلال معرفة دقيقة، وخبرة كاملة بكيفية التعامل مع تلك الأضرار والخسائر. إلا أن الجانب العلاجي، هو جانب سلبي؛ إذ يعالج الآثار الناجمة عن الأزمة، بعد أن تكون قد انتهت.

  1. جانب وقائي

وهو يهدف إلى إيجاد نظام حماية، للوقاية من الأزمات، والتقليل، ما أمكن، من عواملها وعناصرها؛ واستطراداً، اجتناب الكثير من الخسائر والأضرار الشديدة، الناجمة عنها. 

    المدى الزمني للتعامل مع الأزمة، قصير الأجل إلى حدٍّ بعيد؛ ولذلك، يكون وقت التدخل المتاح محدوداً، والسرعة مهمة، لتحقيق إنجاز ملموس، أساسي للنجاح في مواجهة الأزمة.

قواعد التعامل مع الأزمات الدولية

    تعددت قواعد التعامل مع الأزمات، ونمت وتطورت، تدريجاً، على مر العصور، بعد أن اكتسبت مصداقيتها، من خلال التجربة؛ ولذلك، كانت للقراءة الواعية للتاريخ أهميتها في صقل بصيرة متخذي القرار. وإذا كانت التجارب التاريخية، هي أساس علم إدارة الأزمات، فإن الاستفادة منها، تخضع لمفهوم القياس، لا لمفهوم التكرار. ومن خلال هذا التصور، يمكن تقدير أن الأزمة، ليست كياناً مستقلاً، قائماً بذاته؛ وإنما حلقة من حلقات صراع، له جذوره، القريبة أو البعيدة. ولذلك، استُخلصت قواعد التعامل مع الأزمات الدولية، فكانت:

  1. مرحلية الأهداف

    يشترط النجاح في إدارة الأزمة، إدراك كلٍّ من طرفَيها أو أطرافها، أنه لا يمكنه أن يحقق كلَّ أهدافه، دفعة واحدة؛ إلا أن ذلك، لا يمنع وجود أهداف، يجب ألاّ يُتخلّى عنها، حتى لو تطلبت حمايتها الدخول في صراع مسلح، وتتمثل في المصالح الجوهرية. وإذا تحقق ذلك لكلا الطرفَين، وكان هدفهما المشترك هو تجنب القتال، فسيحرص كلُّ منهما على التصرف بعقلانية، بعيداً عن التشدد والمغالاة في مطالبه؛ ولذلك، فإن بلورة هدف واضح، ومحدد، تساعد على إيجاد الحل الملائم للأزمة الدولية وتسويتها. وبالعكس، فإن محاولة تحقيق أهداف انتهازية، هي من العوامل التي تصعد الأزمة. ومن ثَم، يجب توخي الحذر من مغبة الانزلاق في زيادة المطالب، أو التمادي في طلب التنازلات، نتيجة للاعتقاد بأن الخصم، لن يملك لها رداً؛ ما يتسبب بفشل جهود إدارة الأزمة، ويصل بها إلى مرحلة الصراع المسلح.

  1. الحرص على عدم إحراج الخصم

    ترى الأصول المستقرة في إدارة الأزمات، أن الخصم شريك في تلك الإدارة، وخاصة أنه أصبح غير مُجْدٍ حل الأزمات المعاصرة، باتباع ما يسمى بالمباراة ذات الحصيلة الصفرية[1]؛ وإنما صار من المسلم به اللجوء إلى ما يسمى بمباراة تبادل التنازلات. ولذلك، بات ضرورة، ألاّ يتسبب أيُّ من طرفَي الأزمة بإحراج الآخر؛ فيسدّ عليه المخارج، فيدفعه دفعاً إلى العنف.

  1. التصعيد التدريجي للردع، أو الخيارات المرنة

    وهذا الأسلوب، يوفر لمتخذ القرار، في الأزمة، اختيار بديل آخر، هو أقوى من ذاك الذي لم يُجْدِ تنفيذه؛ إذ إنه لا جدال في عدم جدوى اختيار بديل أضعف، إذا ما فشل البديل الأقوى في تطويع إرادة الخصم؛ واستخدام أقوى الخيارات في الضغط، في بداية الأزمة، وفشله، سيحرمان صاحب القرار بديلاً آخر من استخدام القوة. وهذه القاعدة، يلزم في تطبيقها مراعاة الحدود، التي لا يجوز التخلّي عنها، من مصالح حيوية للدولة، أو الأهداف غير القابلة للمساومة. أما إذا تقرر اللجوء إلى القوة العسكرية، للدفاع عن تلك المصالح والأهداف، فإنه من الأفضل البدء بأقلّ أساليب القوة عنفاً، شريطة أن تنطوي على قدر كافٍ من التأثير، بغية عدم إهدار أيِّ فرصة، تتيح للطرف الآخر مزيداً من الوقت، يراجع فيه مواقفه المتعنتة.

  1. إتاحة الوقت للخصم

    إن إهدار حرية الحركة، لا ينجم عن افتقاد الخيارات فقط؛ ولكنه قد يترتب على ضغط عامل الوقت، كذلك، الذي لا يسمح للخصم بالتدقيق في اختيار البديل الملائم، سواء كان ذلك بسبب ضيق الوقت، أو بسبب الضغوط النفسية، التي يفرضها حرج الموقف؛ ما يحدّ من قدرته على إدراك أكثر الخيارات المطروحة أمامه ملاءمة.

  1. توسيع نطاق المشاورات

    لا تقتصر فائدة تعدد الآراء على إدارة الأزمات فقط، بل تتعداها إلى رسم السياسة الخارجية للدولة؛ بما توفره عملية إفساح المجال أمام عرض الآراء، والحلول الخلاقة للأزمات، فتسهم في تعدد الرؤى وشمولها لجوانب الأزمة، وسُبُل حلها؛ ومن ثَم، يمكن التوصل إلى حسابات دقيقة لتبعات أيّ قرار.

  1. إحكام قبضة القيادة السياسية على القرار

    وهو من أكثر القواعد والقيود الأساسية رسوخاً، في إدارة الأزمات، وأقلّها تعرضاً للجدل؛ تجنباً للعواقب الوخيمة، التي قد يترتب عليها صراع عسكري؛ وضماناً لتسخير القوة العسكرية لخدمة أهداف سياسية، حدِّدت بدقة، وعدم تجاوزها. ومن ثَم، يكون هناك اتفاق عام على عدم استخدام خطط الطوارئ، بطريقة آلية، أثناء الأزمات الدولية؛ وإنما يمكن مراجعتها قبل التطبيق، وتعديلها في ضوء الظروف المصاحبة للأزمة.

  1. توسيع قاعدة الدعم اللازم للقرار

    يستمد قرار الأزمة معظم فاعليته، مما يتمتع به من تأييد الحلفاء والأصدقاء، ومدى توافر غطاء من الشرعية الدولية له. بيد أن أهمية الدعم الخارجي للقرار أو بديله، لا تلغي ضرورة دعمه الداخلي، الذي قد يصل إلى تحقيق إجماع قومي حوله؛ ويعني ذلك عدم وجود تعارض، بين البديل المقترح والقيم الجوهرية للمجتمع.

  1. تحصين قرار الأزمة

    تنبثق سلامة قرار الأزمة، من القدرة على عزله عن المؤثرات الداخلية، بقدر الإمكان؛ وبناء حساباته على أُسُس موضوعية خالصة، تتعلق بمواجهة الخطر الداهم، الذي يهدد إحدى القيم الجوهرية للدولة، أو ما يعرف بالمعطيات الذاتية للموقف، أو من خلال منظور محدود بطبيعة هذا الخطر.

  1. تعزيز نظام الاتصالات

    تتطلب إدارة الأزمات تعاوناً مشتركاً، بين طرفَي الأزمة، لوقف تداعيات الموقف. ولذلك، يجب الإبقاء على قنوات الاتصال بينهما متيسرة، ومتعددة، بقدر الإمكان، لتشمل:

أ. مصادر جمع المعلومات ورئاستها، وبين هذه الأخيرة ووحدة معالجة المعلومات.

ب. أعضاء وحدة معالجة المعلومات، لتفسيرها وتقويم الخيارات.

ج. وحدة معالجة المعلومات وتفسيرها، والجماعة المنوط بها اتخاذ القرار.

د. متخذ القرار، والدول الحليفة والصديقة، للتشاور في أمر القرار المتخذ.

هـ. متخذ القرار، والأجهزة التنفيذية، التي ستكلف بتنفيذه.

    لا تقتصر عملية الاتصال على توصيل القرارات والتعليمات فقط؛ وإنما يجب أن تحقق إمكانية معرفة النتائج، المترتبة على تلك العملية، والتي تتمثل في الآتي:

أ. وصول المعلومات أو القرارات بصورة سليمة.

ب. وصول المعلومات والقرارات بالكيفية، التي يريدها متخذ القرار.

ج. بدء المنفذين بتنفيذ القرارات.

        وبصفة عامة، تستند عملية الاتصال، أو شبكات الاتصال، إلى مجموعة من الوسائل، لنقل القرارات والتعليمات، من مراكز اتخاذ القرار إلى المنفذين. وتتمثل وسائل الاتصال في الآتي:

أ. الوسائل الشفهية

    تتضمن الأحاديث المباشرة، والاجتماعات، والمقابلات. وهي تُعَدّ من أفضل وسائل الاتصال؛ إذ تسمح بتفاهم عميق، في توصيل القرارات والتعليمات، المطلوب تنفيذها.

ب. الوسائل الكتابية

        تستخدم هذه الوسائل في عمليات الاتصال، بهدف الرجوع إليها؛ لارتباطها بالتقارير والقرارات والاقتراحات، التي تتطلب بلورتها وكتابتها قدراً من الدقة.

ج. الوسائل المصورة

    مع التقدم السريع لوسائل الاتصال المصورة، والتي تمثلت في التليفزيون، وأجهزة نقل الصورة، ازدادت أهمية استخدامها في نقل القرارات والتعليمات وتبادلها.

المتطلبات الإدارية للتعامل مع الأزمات

    يتطلب التعامل مع الأزمة اتِّباع عدة أساليب إدارية متقدمة، توفر له المناخ الملائم، ولفريق مواجهة الأزمة حرية الحركة. أبرزها (الشكل الرقم 5):

  1. تبسيط الإجراءات، يساعد على التعامل مع الأزمة، ومعالجتها بالسرعة المطلوبة، بالأسلوب الملائم.
  2. موافقة المنهجية العلمية، والابتعاد عن الارتجالية والعشوائية. ويقوم المنهج الإداري العلمي على وظائف أساسية، أهمها:

أ. التخطيط الدقيق، والتحديد المسبق لما يجب عمله، وكيفية تحقيقه، وتوقيته الملائم. والمسؤول عن تنفيذه. يراعي ذلك التخطيط الارتباط بواقع الأزمة وحقائقها وتطوراتها المستقبلية، والتوقع السليم للأحداث؛ وإعداد خطط طوارئ، كفيلة بمعالجة الأزمات.

ب. الجهود المختلفة وتنسيقها وتكاملها،لضمان الفاعلية في مواجهة الأزمات وخاصة تلك التي تتطلب جهداً جماعياً؛ إذ إنه كثيراً ما ينجم عن التعارض والتناقض ازدياد حدّة الأزمات، أو ظهور أزمات جديدة.

ج. التوجيه الصحيح للإمكانيات، المادية والبشرية، وفقاً للظروف البيئية المحيطة بالأزمة. ويتضمن التوجيه السليم شرح طبيعة المهمة، وتوصيف العمل نفسه، وتحديد نطاق التدخل، والغرض والهدف من التدخل، وحدود تفويض السلطة، وأساليب المناورة وحدودها. ويجب أن يتصف التوجيه بالآتي:

1- تكامل القرارات والتعليمات تكاملاً، يحقق تنفيذ المهام المطلوبة، كمّاً ونوعاً، ومكانه وتوقيت بدئه.

2- صدور القرارات عن السلطات المختصة، وكتابتها أو تسجيلها، وتضمّنها تحديد الصلاحيات وحدودها كافة؛ حؤولاً دون تجاوزها أو إساءة فهْمها، أو تعرّضها للنسيان أو الإهمال؛ وتسهيلاً للرجوع إليها، إذا ما اقتضت الضرورة.

د. مرحلية النتائج، وليس نهايتها؛ واستمرار المتابعة الدقيقة للأزمة وتطوُّر مراحلها، وخاصة مع وجود الأسباب الكامنة.

  1. الحرص على الحضور الدائم في موقع الأحداث، وتلافي أيّ خلل أو عجز أو قصور عن الحركة. فالأزمة تحتاج إلى الاستعداد الملائم وتوافر الاحتياطيات الكافية لأيّ تقصير. وتتطلب مواجهتها الناجحة الفهْم الكامل، الذي لا يتحقق بعيداً عنها، أو عن مواقع أحداثها، أو عن معرفة مديريها ومحركيها. فالحضور الدائم، إذاً، ضرورة، تتيح الفهْم العميق لأسباب الأزمة ومقوماتها وأبعادها؛ بل تُوقف تفاقمها، وتحدّ من تدهور مقوماتها. ومن ثَم، فإن للتدخل الفوري، وبالقدر الذي يمليه الموقف، نتائجه النفسية الملموسة، المؤثرة في الحركة وردود الفعل، للقوى المسببة للأزمة، ولحلفائها؛ بل لتلك المحايدة، كذلك، التي تُبذَل المحاولات لجذبها إلى أتون الأزمة. ولاشك أن وفرة الاحتياطي العام الملائم، تساعد على التصدي للأحداث، والحدّ من تناميها.
  2. محورية تفويض السلطة (الشكل الرقم 6)، سواء في إدارة الأزمات أو في نطاق عمل فريق مواجهتها، وخاصة إذا كانت ذات تشعبات مختلفة، ما تتطلب السرعة العاجلة في إيجاد القرارات الملائمة، التي يجب أن تتصف بالآتي:

 أ. تلاؤم القرار والحدث.

ب. إمكانية تنفيذ القرار وسهولته في حدود الإمكانيات المتاحة.

ج. وضوح القرار لكلّ مَن أُسند إليهم مهمة مواجهة الأزمة وإدارتها.

د. خلوّ القرار من أيّ غموض، للحيلولة دون أيّ لبس أو سوء فهْم، يؤدي نتائج عكسية.

هـ. سلامة القرار وخلوُّه من التعقيد.

و. انسيابية القرار إلى المستويات كافة، الإدارية والتنفيذية، من دون عوائق أو قيود.

ز. متابعة قريبة، كمّاً ونوعاً، وفقاً لنظام المتابعة المعمول به.

ح. صدور القرار في توقيت ملائم، يمكّن من مواجهة تصاعد الأحداث، والحدّ من آثارها.

    غير أن تفويض السلطة، على أهميته لمواجهة الأزمات، فإنه ليس مطلقاً، بل يكون في إطار المستويات الإدارية نفسها، التي تتحدد القرارات وتفويض السلطة في نطاقها، كالآتي:

 1- قرارات إستراتيجية: تصدر عن مستوى الإدارة العليا، وتكون بعيدة المدى، وذات تأثير هيكلي، تتسم بالثبات وعدم التغيير.

2- قرارات سياسية: تصدر عن مستوى الإدارة الوسطى، وتكون متوسطة المدى، ومؤثرة في نشاط الكيان الإداري، وتكون شبه ثابتة نسبياً.

3- قرارات تكتيكية: تصدر عن مستوى الإدارة التنفيذية، وتكون قصيرة الأجل، وسريعة التغيير، ولا ترتبط إلاّ بأحداث الأزمة.

  1. تحقيق الاتصالات المتعددة، واستمرارها مع أطراف الأزمة؛ لأنهما يوفران المعلومات الملائمة، والمتابعة المستمرة، والدائمة، لتداعيات الأحداث، وسلوكيات الأزمة. والاتصال الفعال، يوجه الجهود، ويوحد القدرات والإمكانيات وينظمها، لتحقيق الأهداف المحددة من مواجهة الأزمة، وخاصة في حالة عدم استقرار الأزمة، وتطورها المستمر.
  2. الوجود المستمر، والدائم، في مواقع الأحداث؛ إذ يساعد على توفير المعلومات الضرورية، واللازمة، لفريق مواجهة الأزمة. وهو نوعان:

أ. الوجود السريع، وغير المعلن، في مواقع الأحداث، وخاصة في حالة شح المعلومات عن الأزمة، وتضخم تأثيراتها، وتداعي أحداثها، وتزايد العداء المعلن. ويُستنهض له قوم أذكياء، مَهرة، واثقون بأنفسهم، قادرون على التوجه الذاتي؛ مهمتهم تحديد القوى المسببة للأزمة، داعميها، وأهدافهم، والأدوات والقدرات التي تتوافر لديهم؛ فضلاً عن تحديد مناطق القوة والضعف في بنْية الأزمة، واقتراح الوسائل المؤثرة في طرفها الآخر. وقد يعهد إليهم التغلغل في مواقع التحكم في مسارات الأزمة، والعمل على إفساد مخططاتها. كذلك، يمكن، من خلال الوجود السري في مواقع الأحداث، إعداد المسرح الملائم للتدخل في الأزمة، والسيطرة على المعوقات، التي قد تحول دون إدارة الأزمة بنجاح وفاعلية.

ب. الوجود العلني في مواقع الأحداث، وهو أسلوب المواجهة العنيفة، وخاصة إذا كانت الأزمة ذات أبعاد تدميرية. وفي حالة عدم مواجهتها بالسرعة الملائمة، فإنها قد تتفاقم، وتفرز نتائج غير متوقعة؛ ولذلك، يكون للوجود المعلن عدة أهداف، منها تأكيد المصادمة العنيفة لقوى صناعة الأزمة ومؤيديها؛ وتدمير المصالح والعلاقات، القائمة على القوى المتسببة بها، وإرهاقها بأقصى الخسائر. وينجم عن تحقيق تلك الأهداف احتواء الأزمة؛ بيد أنه احتواء، لا يقضي عليها، ولكنه عملية مرحلية؛ إذ إن معالجتها معالجة عنيفة، لا تئدها، ولكنها تخمدها فقط، فترة زمنية، قد تكون طويلة أو قصيرة؛ فلا تلبث أن تظهر، مرة أخرى.

التحدي، السياسي والإداري، للأزمة

    ينبثق التحدي السياسي من ظاهرة الأزمة وطبيعة تفاقمها المفاجئ، وما يرتبط به من صعوبة التنبؤ بتوقيتها وحجمها وأبعادها التدميرية، أما التحدي الإداري، فينجم عن تعدُّد الأنشطة وتداخل الاختصاصات والمسؤوليات، التي تفرضها إدارة الأزمات.

  1. التحدي السياسي

    يرتكز التحدي السياسي للأزمة على قضايا المجتمع، التي تمثل تحدياً للسياسات العامة، التي يجب أن تحددها الأجهزة، التشريعية والتنفيذية. وتتضمن تلك القضايا الآتي:

أ. دور الحكومة المركزية في إدارة الأزمات، مقارناً بالأدوار، التي ينبغي أن تنهض بها الإدارات المحلية الفرعية المختلفة.

ب. الإمكانيات التي يجب أن تُسَخَّر للإعداد والتحضير، لمواجهة الأزمات المختلفة.

ج. طبيعة التشريعات القومية الواجبة، للتخفيف من حدّة الأزمة، وكيفية تحقق الحكومة تطبيقها؛ والإجراءات والعقوبات، المترتبة على عدم التقيد بها، من قِبَل الإدارات المحلية أو الأشخاص.

د. تحديد أفضل الوسائل، التي يجب على الحكومة المركزية انتهاجها، لتقديم العون والمساعدة إلى المتضررين من الأزمات.

هـ. المجالات والدراسات والأبحاث العلمية، التي ينبغي للحكومة المركزية تشجيعها، ودعمها الدعم الملائم؛ بهدف التوصل إلى أفضل الخيارات في إدارة الأزمات وأكثرها ملائمة.

و. تحديد خير السبل إلى تنمية إعلام الرأي العام بأخطار الأزمات، وطرائق الحدّ منها.

  1. التحدي الإداري للأزمة

أ. تفرض الطبيعة المركبة لظاهرة الأزمة تحدياً إدارياً، ناجماً عن طبيعة التكوين المؤسسي، وتعدد النشاطات، وتداخل الاختصاصات والمسؤوليات، التي تفرضها خاصية إدارة الأزمة. ونظراً إلى أن السمة اللازمة للتكوين المؤسسي، بصفة عامة، هي الاعتماد على البنية الوظيفية للدولة؛ الأمر الذي يستدعي نشوء وزارات ومصالح وإدارات متعددة، لها وظائفها ومسؤولياتها، تحرص كلُّ منها، دائماً، على استقلاليتها وحدود اختصاصاتها؛ فإن التكوين المؤسسي للدولة، على المستوى المركزي، يقوم، أساساً على التقسيم الأفقي للسلطات؛ وتُحدَّد، في الوقت نفسه، درجات معينة من الاختصاصات، وفق علاقات رأسية بين الوزارات والمصالح، من جانب؛ والإدارات المحلية، من جانب آخر. ويظل التكوين المؤسسي، في كلِّ الحالات والظروف، متسماً بدرجة عالية من الاستمرارية والنمطية، القائمة على نُظُم معلومة، وتوقعات محددة في الأداء.

ب. في مقابل الدرجة العالية، من التجزئة والاستقلالية، في التكوين المؤسسي للدولة، وما يترتب عليها من استمرارية ونمطية، فإن ذلك الكيان، يكون غير ملائم إطلاقاً لإدارة الأزمات، وخاصة أن طبيعتها، تبرز تعدداً وتداخلاً، بين النشاطات والاختصاصات والمسؤوليات؛ إذ إن إدارتها ومواجهتها، تتطلبان إدارة حكومية، وقطاعات مختلفة النشاطات. ومن ثَم، ينتج ذلك التداخل تشابكاً وتكويناً مركباً في العلاقات التنظيمية، على المستويَين: الأفقي والرأسي في مؤسسات الدولة؛ فتظهر إشكالية التحدي الإداري، الذي تستوجبه طبيعة إدارة الأزمة؛ وهو ما يتطلب نسقاً تنظيمياً، يختلف اختلافاً جوهرياً عن سمات الإدارة لمؤسسات الدولة ووزاراتها المختلفة، في الظروف العادية، التي تكون الأوضاع فيها مستقرة.

المبحث الرابع

إستراتيجيات مواجهة الأزمات

أساليب مواجهة الأزمات

    على الرغم من تعدد أشكال الأزمات وأنواعها، إلاّ أن الهدف من مواجهتها، يتمثل في الحدّ من التدهور والخسائر؛ والاستفادة من الموقف المستجد، في الإصلاح والتطوير؛ ودراسة أسبابها وعواملها، كي يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة لمنع تكرارها. ولتحقيق ذلك، تُنتَهج عدة أساليب (الشكل الرقم 7)، أبرزها:

  1. الأساليب التقليدية

تتميز الأساليب التقليدية بطابعها الخاص، المستمد من خصوصية الأزمة. وتتعدد لتشمل الآتي:

أ. إنكار الأزمة وعدم إعلانها: وهذا الأسلوب، تستخدمه، غالباً، الإدارات المتسلطة، التي ترفض الاعتراف بوجود الخلل، وتسعى إلى عدم إعلانه، منكرة حدوث الأزمة. ومن خلال إصرارها على ذلك، يمكنها السيطرة على الموقف.

ب. تأجيل ظهور الأزمة: تمثّل هذه الطريقة نوعاً من التعامل المباشر مع الأزمة، يهدف إلى تدميرها، من خلال عنف التعامل والمواجهة، سواء مع إفرازاتها أو أسبابها.

ج. تكوين لجان لدراسة الأزمة: يُعتمد هذا الأسلوب، حينما تُفتقد المعلومات الكافية عن القوى الفاعلة في الأزمة. ويكون الهدف الأساسي من تكوين اللجان، هو تحديد الفاعلين الأساسيين في نشوئها، والمحركين لها، وإفقادها قوى دفعها.

د. التقليل من شأن الأزمة: بعد الاعتراف بوجود الأزمة، يُعمَد إلى الاستخفاف بها، والاستهانة بتأثيرها ونتائجها؛ وإنما يُتعامل معها بالأسلوب الملائم، لكي يمكن الكيان الإداري استعادة توازنه.

هـ. السماح بظهور الضغوط الداخلية للأزمة: كبت الضغوط الداخلية للأزمة يزيد من قوّتها وآثارها السلبية، وقد يؤدي انفجارها المدمر. ولذلك، يُبادر إلى معالجتها، من خلال الدراسة المتعمقة لقوى الضغط الداخلية؛ لتحديد مصادر تصارع المصالح والحقوق، فيمكن تعيين مكامن الضعف في بنْية الأزمة، والسعي إلى القضاء عليها.

و. تفريع الأزمة: لاشك أن تعدُّد مسارات الأزمة، يحدُّ من خطرها؛ ولذلك، تُفرَّع ثلاث مراحل أساسية. تشهد أولاها مواجهة عنيفة للقوى الدافعة للأزمة، وتحديداً لمدى تماسكها. أما المرحلة الثانية، فتُحدد خلالها أهداف بديلة لكلِّ اتجاه فرعي من اتجاهات الأزمة؛ ليسهل التعامل مع كلٍّ منها على حِدة. وفي المرحلة الثالثة، تبدأ عملية استقطاب كلِّ تلك الاتجاهات ومفاوضتها، في إطار رؤية شاملة.

ز. عزل القوى الفاعلة في الأزمة: يمهَّد لذلك بإرسال أشخاص، سراً، إلى نطاق عمل الأزمة؛ لتحديد القوى، التي سببتها، وعزلها عن مركز الأزمة، وعن مؤيديها.

ح. إخماد الأزمة: من خلال مصادمة قواها كافة مصادمة عنيفة، وعلنية، والقضاء عليها. ويُلجأ إلى ذلك، غالباً، حينما يشتد خطر الأزمة المباشر، ويهدد استمرارها بتدمير الكيان الإداري.

  1. الأساليب غير التقليدية

    توافق الأساليب غير التقليدية طبيعة التطورات، التي شهدتها الكيانات الإدارية، ولاسيما نوع الأزمات التي تواجهها وشكلها وطبيعتها. وتتمثل تلك الأساليب في الآتي:

أ. الفريق المتكامل: وهو أكثر الأساليب استخداماً، اقتضاه تشعّب عوامل الأزمة وتداخلها، اللذان حتما بإشراك متخصصين، في المجالات المختلفة، لمواجهتها مواجهة علمية، وعدم إغفال نقاطها، التي تُفتقَد الخبرة بها. وأصبح فريق مواجهة الأزمة، يضم الخبراء والمتخصصين بالموضوعات المتعلقة بالأزمة؛ لبحثها ودراستها، وتحديد سُبُل التعامل معها، وإعداد خطة العمل، التي تكفل تحقيق النجاح. وفريق العمل، قد يختص بالتعامل مع أزمة معينة، وقد يكون فريق عمل دائماً، قوامه أصحاب المهارات الخاصة، الذين يدرَّبون ويؤهَّلون، استعداداً للتعامل مع الأزمات، التي تخصصوا بها.

ب. ادِّخار الاحتياطات: تعمد إليه الكيانات الإنتاجية الصناعية، التي تحتاج إلى مواد خام لعمليات الإنتاج؛ وبذلك، يمكنها مواجهة أزمة النقص في المواد الخام.

ج. المشاركة الديموقراطية: هذا الأسلوب شديد التأثير، عندما تتعلق الأزمة بالعنف البشري. وعادة ما يُستخدم في المجتمعات، التي تتسم بالحرية الفردية، والسلوك، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الحر؛ حيث يُعلن مدى الأزمة وخطرها، وأسلوب مواجهتها؛ وتُحدَّد واجبات أبناء المجتمع ومسئولياتهم؛ تمهيداً للقضاء عليها.

د. احتواء الأزمة: وقوامه حصار الأزمة في نطاق محدود، واستيعاب الضغط المولد لها، وإفقادها قوّتها التدميرية. وغالباً ما يتَّبع هذا الأسلوب في الأزمات العمالية.

هـ. تصعيد الأزمة: يُلجأ إلي حينما تكون معالم الأزمة غير واضحة، بسبب تعدُّد التكتلات، عند تكوينها. ولإضعافها، لابدّ من تصعيد الأزمة حتى تصل إلى مرحلة تعارض المصالح، الذي ينجم عنه تفكك تكتلاتها. وغالباً ما يتَّبع هذا الأسلوب في الأزمات السياسية، بين الأحزاب ذات الدعم الجماهيري المتنافر التوجهات.

و. تفريغ الأزمة من مضمونها: وهو من أنجح الأساليب غير التقليدية. إلا أنه يجب تحديد ذلك المضمون، الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو الثقافي، لتفريغها منه؛ فتفقد هويتها، وقوّتها الدافعة. وبصفة عامة، يمكن تفريغ الأزمة من مضمونها إمّا بالتحالفات المؤقتة مع القوى المسببة لها، أو بالاعتراف الجزئي بالأزمة، ثم إنكارها.

ز. تفتيت الأزمة: وهو من أفضل الأساليب، للتعامل مع الأزمات الضخمة، وشديدة القوة، التي تنذر بأخطار عديدة. ويعتمد هذا الأسلوب على المعرفة الكاملة بالقوى كافة المسببة للأزمة، و تحديد مصالحها المتعارضة، ومنافعها المحتملة، وتحالفاتها القائمة. ثم التأثير في وحدة تلك التحالفات، وتحويل الأزمة الأساسية إلى أزمات محدودة الحجم، تُفقِدها ضغطها، الذي كان موجوداً في إطار التحالفات.

ح. تدمير الأزمة ذاتياً، من الداخل: وهو من أصعب الأساليب غير التقليدية. ويستخدم في الأزمات ذات الضغط العنيف، والمدمر، والتي يُفتقَر فيها إلى المعلومات. فيُتعامل معها بعنف، ويسعى إلى التأثير في مكامن الضعف فيها، واستقطاب بعض القوى ذات التأثير المباشر في قوى الدفع في الأزمة؛ بهدف التأثير في استقرارها، وإفقادها التماسك، وإيجاد حالة من الصراع الداخلي بينها؛ ما يؤدي تدميرها. ويلي ذلك القضاء على القوى المتزعمة للأزمة، وإفقادها مصداقيتها؛ والمساعدة على إيجاد زعامات جديدة، تكون أكثر اعتدالاً وتفهماً للموقف، يمكن من خلالها تكوين قوى، تتصف بالإيجابية، والفاعلية، داخل الكيان الإداري.

 ط. إعلان الوفرة الوهمية: وهو أحد الأساليب النفسية، التي تُنتهَج في الأزمات العنيفة، والسريعة، والمتلاحقة الأحداث، والتي يصاحبها عامل نفسي، يعمل على خلق حالة فزع، وخوف شديد، قد تجذب قوى جديدة إلى الأزمة. ويتضح ذلك في الأزمات التموينية، المتعلقة بالسلع الضرورية، التي يتدافع المستهلكون في الحصول عليها، مهما كانت أسعارها؛ فيُبادَر إلى الإيحاء بوفرتها، ونفي الأزمة.

ي. تحويل مسار الأزمة: يُستخدم هذا الأسلوب في الأزمة العنيفة، التي لا يمكن إيقاف تصاعدها؛ فيُعمَد إلى تحويل مسارها إلى مسارات بديلة أخرى، تتيح احتواءها، باستيعاب نتائجها، والخضوع لها، والاعتراف بأسبابها؛ ثم التغلب عليها، تغلباً، يحسر أضرارها إلى أدنى مستوى ممكن.

الأسلوب العلمي

هو الأسلوب الأكثر ضماناً للسيطرة على الأزمة. ويمر بمجموعة من الخطوات المتكاملة، والمترابطة (الشكل الرقم 8)، تتمثل في الآتي:

  1. تقدير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة

خلال تقدير الموقف، تُحدَّد تصرفات القوى، المسببة للأزمة والمضادة لها، ومكونات تلك التصرفات، ومدى ما وصلت إليه من نتائج وردود فعل. ويُحلَّل مضمون العلاقات ومكونات القوة، لكلا طرفَي الأزمة؛ وتُرتَّب العوامل المشتركة، والمؤثرة في الموقف، حسب خطرها.

  1. تحليل الموقف والدراسة التحليلية للأزمة

    يستهدف تحليل الأزمة استنتاج المصالح الكامنة فيها وأهدافها غير المعلنة، وصولاً إلى مكوناتها، التي يسمح تقسيمها بالتوصل إلى معلومات جديدة عن الموقف، والعوامل المساعدة على إيجاد الأزمة، ومدى تأثر كلٍّ منها وتأثيره فيه؛ ثم تحليل أسباب التوتر، على أساس تلك المعلومات، ومراحل الاستقرار، التي حققتها القوى المضادة للأزمة. فضلاً عن تحليل نقاط القوة والضعف في الأزمة والقوى المضادة لها؛ والوقوف على طبيعة الخطر، الذي تشكله الأزمة، وأعباء استمرارها، ومدى تأثيرها.

  1. التخطيط العلمي والمتكامل، للتعامل مع الأزمة

تعتمد هذه المرحلة على المراحل السابقة، إذ يتيح التحليل الكامل للبيانات المتحصلة كافة، إعداد الخطط والبرامج والقوى، اللازمة لمواجهة الأزمة. وتتطلب خطة المواجهة عدة إجراءات، لتوفير الحماية اللازمة لكلِّ مجالات الأزمة، وترتيب أسبقياتها؛ ما يساعد على تقليل الخسائر ووقف التدهور. كذلك تحديد حجم المساعدات الخارجية المطلوبة ونوعها؛ وإعادة هيكلة الموارد، البشرية والمادية، المتاحة؛ وتحديد المسؤوليات، من خلال إصدار التعليمات اللازمة إلى المشاركين في مواجهة الأزمة، بتنظيم عمليات الاتصال في داخل مجالها وخارجه. ويلي ذلك تأكيد استيعابهم لخطة المواجهة، والتتابع الزمني للمهام، وحشد كلّ الطاقات، وإمداد فريق المهام بما تتطلبه المواجهة، وتحديد التوقيت الملائم لبدء تنفيذ الخطة.

  1. التدخل العقلاني لمعالجة الأزمة

تتضمن معالجة الأزمة مهام أساسية، وأخرى ثانوية وتكميلية. تتمثل الأولى في المواجهة السريعة، والاستيعاب، وتحويل مسار القوى الصانعة للأزمة. بينما تتمثل المهام الثانوية في عمليات تهيئة المسارات، وتقديم التأييد المطلوب إلى الفريق المكلف بالمواجهة، سواء كان تأييداً علنياً مؤثراً أو خفياً، ووفقاً لما تمليه الحالة، وتقتضيه المعالجة. أما المهام التكميلية، فتتمثل في إزالة الآثار الناتجة من عملية المواجهة، ومحاولة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة.

إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها

تعتمد إستراتيجيات مواجهة الأزمات، على القدرات الشخصية لفريق المواجهة، والظروف الموضوعية المحيطة بالأزمة، والإمكانيات والقدرات المتاحة. ويمكن اختيار إحدى الإستراتيجيات، لاتباعها طوال عملية المواجهة؛ إلاّ أنه يمكن تغيير الإستراتيجية، طبقاً لمراحل تطور الأزمة. وتتمثل إستراتيجيات المواجهة، وكذلك التكتيكات التي توافقها، في الآتي (الشكل الرقم 9):

  1. التعامل العنيف مع الأزمة

غالباً ما تتبع هذه الإستراتيجية مع الأزمات المجهولة، التي لا معلومات كافية عنها. وكذلك الأزمات المتعلقة بالمبادئ. إضافة إلى اعتمادها في حالة تشعب الأزمة وانتشارها في عدة اتجاهات. وفي إطار هذه الإستراتيجية، تنفَّذ عدة تكتيكات متباينة، هي:

أ. التدمير الداخلي للأزمة: من خلال تحطيم مقوماتها، والتأثير في تفكير محركيها، والسعي إلى خلق صراع داخلي بين القوى المسببة للأزمة، ومحاولة استقطاب بعضها.

ب. التدمير الخارجي للأزمة: بالحصار الشديد للقوى المسببة لها، وتجميع القوى الخارجية، التي تعارضها، ومحاولة إقحامها في إطار الأزمة، سعياً إلى تدمير مقوماتها.

  1. الحدّ من نموّ الأزمة

في إطار هذه الإستراتيجية، يُقْبَل الأمر الواقع، ويسعى إلى منع تدهور الموقف؛ فهي، إذاً، إستراتيجية تلائم مواجهة القوى الكبرى المسببة للأزمات المتشعبة؛ إضافة إلى صلاحها لأزمات الرأي العام وقضاياه، والاضطرابات العمالية. أمّا تكتيكاتها، فهي:

أ. التعامل، بحرص، مع القوى المحركة للأزمة والمسببة لها.

ب. تلبية بعض متطلبات القوى المسببة للأزمة، من خلال التفاوض المباشر، وتقديم بعض التنازلات المحدودة.

ج. العمل على تخفيف حدّة الأزمة، من خلال النصح والتوجيه.

د. تقديم المساعدة والدعم إلى القوى المعارضة للأزمة.

  1. تقسيم الأزمة

قوام هذه الإستراتيجية، هو تقدير الموقف، بدقة؛ والدراسة التحليلية لمكونات الأزمة، والقوى المؤثرة فيها، والعلاقات الارتباطية بينها. وتُعتمَد في الأزمات الكبيرة، شديدة التهديد؛ إذ تُقسّم الأزمة إلى عدة أزمات ضعيفة الضغط، ما يسهل التعامل معها. وتركز هذه الإستراتيجية في فك الروابط المكونة للأزمة، وتحويلها إلى عوامل ومكونات متعارضة؛ ولذلك، تتبع عدة تكتيكات، أبرزها:

أ. إيجاد نوع من تعارض المصالح، بين مكونات الأزمة.

ب. عرض بعض المكاسب على بعض القوى المسببة للأزمة، ما يساعد على انهيار التحالفات القائمة.

  1. التأثير السلبي في الفكر المحرك للأزمة

يكوّن الفكر المحرك للأزمة مجموعة ِقيم واتجاهات، ذات تأثير شديد في قوة الأزمة؛ تحاول هذه الإستراتيجية إضعافها، تخفيفاً للضغط، الذي تسبب بظهور الأزمة وتناميها. ولتحقيق ذلك، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التشكيك في مبادئ القوى المكونة للأزمة وقِيمها.

ب. محاولة اجتذاب بعض القوى المرتبطة ارتباطاً ضعيفاً بفكر الأزمة.

ج. السعي إلى تضامن وهمي مع الفكر، الذي يحرك الأزمة؛ لإحداث انقسام داخلي فيه.

  1. دفع الأزمة إلى مرحلة متقدمة

تهدف هذه الإستراتيجية إلى دفع القوى المحركة للأزمة، إلى الدخول في مرحلة متقدمة، يظهر خلالها الصراع الداخلي، بين التكتلات غير المتجانسة للقوى المسببة لها. وتتمثل تكتيكاتها في الآتي:

أ. التظاهر بضعف المقاومة.

ب. استخدام الشائعات في إذاعة معلومات عن بعض الانهيارات، الناجمة عن الأزمة.

ج. تقديم بعض التنازلات، التي قد تثير الخلافات، بين القوى المسببة للأزمة.

  1. تغيير اتجاه الأزمة

تهدف هذه الإستراتيجية إلى التعامل مع الأزمات شديدة القوة والعنف، ذات التأثير المدمر، الذي يصعب مواجهته أو مقاومته؛ إذ يُبادَر إلى مسايرة الأزمة، أقصر مرحلة ممكنة؛ ثم العمل على تغيير اتجاهها إلى عدة اتجاهات فرعية، تساعد على المواجهة الفاعلة، وتحقيق نتائج إيجابية. ولتنفيذ هذه الإستراتيجية، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التنحي بعيداً عن الأزمة، والسماح لها بالظهور.

ب. التحرك مع الأزمة، وخاصة مع اتجاهها الأساسي الفعال.

ج. العمل على خفض سرعة اندفاع الأزمة.

د. إيجاد اتجاهات فرعية، وبديلة، تساعد على تفتيت الأزمة.

هـ. إبعاد الأزمة عن مجالها الأساسي.

و. إحكام السيطرة على اتجاه تحرك الأزمة.

الخصائص العامة للأزمات المحلية

    نظراً إلى السرعة الشديدة، التي تتسم بها تطورات الأزمات المحلية، فإنها تتميز بتعدد مصادر المعلومات، التي قد تتباين، فتسهم في اتخاذ قرارات غير سليمة، تزيد الأزمة تفاقماً. ولذلك، لابدّ من تغيير المعتقدات، القائلة بأن إدارة الأزمات، هي نوع من الرفاهية، يمكن الاستغناء عنه؛ والإيمان بأن نفقات إدارة الأزمات، هي إستراتيجية مهمة، توفر العديد من الميزات والفرص. ومن ثَم، يجب ألاّ ينصب الاهتمام على قضايا النجاح والنمو والتوسع فقط، بل يتخطاها إلى احتمالات الفشل والخسائر، وكذلك تطوير القدرات، لمواجهة الأزمات المحتملة. وبعد أن أصبحت المنظمات والمؤسسات كافة معرضة للفشل، بات ضرورة التفكير في تحديد التوقيت لهذا الفشل، وكيفية التعامل معه، والخطوات الممكن اتخاذها، لمنع الأزمات، في مراحلها الأولى. وعلى الرغم من أهمية أساليب الحؤول دون الأزمات، فإنها طالما أُغفلت؛ لأنها تُثير تساؤلات عن طبيعة الأسلوب الإداري، والثقافة التنظيمية اللازمة لمواجهة الأزمة وإدارتها. وعدم وجود الخطط الملائمة لإدارة الأزمات، قد يحمل على مواجهتها مواجهة غير علمية، وغير منظمة، ينجم عنها تضارب القرارات وازدواجها وتعارضها، في كثير من الحالات؛ ما يبدد الموارد والطاقات، ويظهر عدم كفاءة التنفيذ وضعف فاعليته.

الأزمات الصناعية

    على الرغم من تشابه الأزمات الصناعية والكوارث الطبيعية، في تأثيراتهما المدمرة إلاّ أنهما مختلفتان؛ إذ إن الأزمات الصناعية، هي كوارث، يتسبب بها العامل البشري، والنظام الاجتماعي؛ وقد تتعدى الحدود، الجغرافية والزمانية، فتؤثر في العديد من الدول، بل في أجيال متعاقبة[2]. والأزمات الصناعية ظاهرة، تنبع من داخل التنظيم، ويكون سببها إما الأشخاص أو نُظُم الاتصالات، أو التكنولوجيا المستخدمة. وقد تكون، في بعض الحالات، بين المنظمات والمنشآت. وتتمثل خصائصها في الآتي:

  1. تنذر بالأزمة الصناعية إشارات محدودة، وضعيفة، قد يُستخف بها؛ وأحداث بطيئة الإيقاع، متعددة الوجوه. قد تبدأ بالنظام الإنتاجي، أو البيئة، فيحل أثرها بالأشخاص؛ وقد تبدأ بالنظام الإداري نفسه، فتضر بالعاملين فيه، أو المجتمع المحيط به؛ و قد تتخذ شكل أمراض مهنية وأخطار في مكان العمل، ناجمة عن مخلفات الإنتاج، التي تسبب تلوثاً وأضراراً بيئية. وكذلك، يُعَدّ الاستخدام غير السليم للمنتجات، أو التخريب، أو محاولة استخدام المنتجات الفاسدة، هي كلّها من مسببات الأزمات الصناعية.
  2. تستدعي أضرار الأزمة الصناعية نفقات باهظة، تتمثل في التعويضات المطلوبة، سواء لمواجهة الأضرار، ومكافحة التلوث، وإعادة البناء، وسحب المنتجات المعيبة وإعادة تشغيلها.
  3. تكون الخسائر الاجتماعية، المصاحبة للأزمات الصناعية، فادحة؛ نظراً إلى تأثيراتها المتشعبة، في النواحي، الاجتماعية والسياسية. فقد ينجم عن الأزمات الصناعية ترحيل السكان من المناطق المتضررة، وإعادة تأهيل الأشخاص، الذين تأثروا بالأزمة؛ فضلاً عن التوتر السياسي، الناجم عن صراعات داخلية، يفجرها تحديد أسباب الأزمة والمسؤولين عنها.

 4.تتعدد أسباب الأزمات الصناعية، إلا أن التفاعل المركب، بين العوامل، البشرية والتنظيمية والتكنولوجية، يسفر عن بدايتها. فالعوامل البشرية، تتضمن أخطاء الإدارة والعمال؛ إضافة إلى أعمال التخريب والإرهاب. وتتمثل العوامل التنظيمية في العجز عن توفير الحماية الكافية؛ ما يزيد الأخطار، ويحُول دون خطط طوارئ دقيقة. أما العوامل التكنولوجية، فقد تشمل عيوب التصميم، والمعدات المعيبة، واستخدام مواد أساليب غير مطابقة للمواصفات. وتتفاعل هذه العوامل مع البيئة، الاجتماعية والمادية. وفي إطار الافتقار إلى ظروف ملائمة للعمل، من مياه وطاقة ومواصلات ونُظُم اتصال، قد تزداد أخطار الأزمات الصناعية، وتستفحل في حالة افتقاد خطط ملائمة لوسائل الدفاع المدني. مما يؤدي إلى آثار مدمرة للأزمات الصناعية.  

تصنيف الأزمات الصناعية

    تتخذ الأزمات الصناعية المحلية وجوهاً شتّى، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى مجموعات متباينة كما يلي:

  1. التهديد الخارجي للمعلومات الفنية، ذات الطبيعة السرِّية، والناجم عن هجوم المنظمات المتنافسة.
  2. تعطُّل معدات الإنتاج، أو عدم تمكن العاملين من الاضطلاع بمهامهم؛ إما بسبب الإجهاد، البدني والذهني، أو بسبب الأخطاء البشرية.
  3. الأزمات الناتجة من التهديد الخارجي.
  4. الأزمات الناتجة من الخسائر المادية، الناجمة عن الكوارث، التي تلحق أضراراً بالعاملين والسكان والبيئة.
  5. الأزمات الناتجة من الأمراض المهنية، التي تودي بمرضاها.

أزمات التغير الاجتماعي

    تتمثل أزمات التغير الاجتماعي في أزمات التنمية السياسية، التي تنشأ عن مركزية السلطة، وقصور الجهاز الإداري، والبيروقراطية المتزايدة؛ وتنعكس على المشاركة الشعبية؛ ما يُوجِد أزمات، محورها الشرعية السياسية لنظام الحكم. وتتعدد أزمات التغير الاجتماعي، لتشمل الآتي:

  1. ضعف المشاركة السياسية

    يُعَدّ النظام السياسي الفعال، هو الذي يمكنه التعبير عن القِيم الثقافية للمجتمع؛ وتعكس سياساته المصالح والأهداف لقوى الشعب وفئاته المختلفة كافة، التي يمكنها، من خلال قنوات الاتصال، أن تعبر عن نفسها ومطالبها تعبيراً ملائماً، ومنظماً. وفي هذا الإطار من التفاعل، يمكن النظام السياسي القائم استيعاب المتغيرات الجديدة، التي يمر بها المجتمع، وتحقيق الاستقرار السياسي.

    ولأزمات ضعف المشاركة السياسية، أسباب عدة، منها: استئثار أنظمة الحكم بالسلطة السياسية؛ وضعف المؤسسات السياسية القائمة وعدم فاعليتها؛ وارتفاع معدلات الأمية، وانخفاض الوعي القومي؛ وغياب الضمانات اللازمة لحرية التعبير. وتتمثل مظاهر تلك الأزمات في الآتي:

أ.    وحدانية الإدارة المسئولة عن اتخاذ القرارات.

ب. القيود الشديدة المفروضة على تأسيس الأحزاب السياسية.

ج.   نظام رقابي صارم على نشاط الأحزاب القائمة.

د.    فرض رقابة على كافة وسائل الإعلام، المرئي المسموع والمقروء.

  1. تأكُّل الشرعية السياسية

    تظهر هذه الأزمات، حينما يعجز النظام السياسي عن تحقيق التكامل والتناسق السياسيَّين، بين نظام الحكم وأبناء المجتمع؛ فتطَّرد التساؤلات عن الشرعية، التي تستند إليها السلطة، ودور الحكومة وأهدافها، وغموض العلاقات، بين أجهزة السلطة وفئات المجتمع المختلفة، وحدود دور المؤسسات العسكرية وأبعاده، في حياة المجتمع السياسية. وتصل الأزمة إلى ذروتها، عند انهيار المؤسسات الحكومية وعجزها عن تحقيق أهدافها، والناجَمين عن:

أ.    تضارب القواعد والأسس، التي يمكنها إعادة السلطة إلى المجتمع.

ب. فقْد النخبة الحاكمة مصداقيتها، في حالة تبرير تمسّكها بالسلطة.

ج.   الظهور العلني، والواضح، والمكثف، للتنافس في السلطة.

    وغالباً ما ينشأ عن أزمة تأكُّل الشرعية، حالة من العداء، بين مثقفي المجتمع ونظام الحكم أجهزته؛ ما يُفقِد السلطة الخبرة والمشورة والمشاركة الصادقة؛ وتُفتقَد الموضوعية، وينتهي الأمر إلى ما يُطلق عليه: “شخصانية السلطة”.

  1. انحسار السلطة

    إن عجز أجهزة السلطة عن التغلغل الإداري في أنحاء المجتمع كافة، سيحول دون قدرتها على تنفيذ القوانين، وفرض الأمن، وانتهاج سياساتها المختلفة؛ إذ إن التغلغل في أي كيان سياسي، ينمّ بقدرته على تنفيذ سياسات حكومته. وتتسم أزمة عدم الاختراق الإداري، بالضغوط المستمرة على نظام الحكم، لإجراء مزيد من التعديلات المؤسسية، ليمكنه تنفيذ سياساته المعلنة. وتسفر عن عجز الأجهزة الإدارية، المتخصصة والفنية، عن الوصول إلى أطراف المجتمع المترامية؛ ما يزيد من ضعف السيطرة الفعلية على أقاليم الدولة. وينجم عن ذلك اختلال التوازن المؤسسي، المتمثل في:

أ.    تمركز المؤسسات، وأجهزة السلطة، في العاصمة؛ ما يُضعِف السيطرة الإدارية على أطراف الدولة.

ب.  اقتصاد التوسع في الدعم على قدرات الأجهزة الحكومية، دون المؤسسات السياسية المختلفة؛ ما يضخِّم الجهاز الإداري، من دون تحقيق الفاعلية المطلوبة.

  1. التفكك القومي

    يتحقق التكامل في المجتمع، من خلال التجانس، السياسي والاجتماعي، الذي يحوِّل الولاءات المحدودة، الضعيفة، إلى ولاء للدولة ومؤسساتها المركزية. ونظراً إلى أن العديد من الدول النامية، تتكون مجتمعاتها من جماعات متعددة، ومتمايزة، في إطار من تعددية، عرقية ودينية ولغوية؛ لذلك، فهي تعاني أزمات التفكك القومي، حيث يسود تلك الجماعات شعور بعدم الانتماء إلى المجتمع الكلي؛ فضلاً عن تنافرها، وعدم سعيها إلى إيجاد رابطة تجمعها. والتجانس القوي، الثقافي والسياسي، عماد من عُمُد الكيانات السياسية، التي طالما كانت مشاكل التعددية الثقافية سبباً رئيسياً لانهيار العديد منها، من خلال سعي إحدى جماعاتها إلى الانفصال، والانضمام إلى دولة أخرى، أو تحقيق صورة من الاستقلال، أو الحكم الذاتي. وتتمثل أنماط عدم التجانس القومي في:

أ.    عدم التكامل السياسي، الناجم عن تباعد الجماعات، وانعزال بعضها عن بعض، في داخل المجتمع الواحد.

ب.  عدم التكامل القومي، المتمثل في وجود مناطق، في داخل الدولة، لا تستطيع أجهزة السلطة أن تتغلغل فيها؛ ما يساعد على وجود نوع من المقاومة فيها.

ج. عدم التكامل الثقافي، المنبثق من الافتقار إلى الحدّ الأدنى من قبول القِيم والمعتقدات السائدة في المجتمع؛ وهي من المقومات الأساسية للنظام المجتمعي.

  1. غياب الذاتية، وفقْد الهوية الحضارية

    تعبّر هذه الأزمة عن تخبط الجماعة السياسية وعجزها عن تحديد شعورها الجماعي بهويتها الحضارية. وتتضح معالمها في تردُّد تلك الجماعة في اختيار النموذج الحضاري، الذي تتوسم فيه الإحياء القومي، والتحديث الحضاري، والتنمية الشاملة للمجتمع؛ أهو التمسك بالأصالة؟ أم الأخذ بالمعاصرة؟ أم التوفيق بينهما؟ وغالباً ما تواجه الدول كافة، النامية والمتقدمة، أزمات هوية، خلال مراحل الانتقال، التي تمر بها، وخاصة عندما تخفق في تحديد هويتها الحضارية. وترجع أسباب تلك الأزمات إلى:

أ.    وجود سيطرة أجنبية وما يعقبها من تبعية، اقتصادية وسياسية.

ب.  أحادية النظرة إلى الظواهر والمواقف كافة، ورفض الحلول الوسط.

    إذاً، لابدّ للمجتمع، أن يستنبط أساليب الحوار، التي يختص بها، ويتسيد مؤسسات الرأي، ويمكّن جماعاته السياسية من الاختيار الحر، الواعي، للنموذج الحضاري، وتحديد هويتها؛ فضلاً عن التحديد الدقيق لموقع الدولة على الخريطة العالمية المعاصرة.

  1. اضطراب التنمية

    تواجه النظُم السياسية، ولا سيما في الدول النامية، في ظل محدودية الدخل القومي، وضآلة الثروات، أزمات مفاضلة بين ربط توزيع الدخل بالعمل والكفاية، أو التركيز في فكرة العدالة الاجتماعية؛ ما يلقي على عاتقها مهام صعبة، تتمثل في التنمية الاقتصادية، بصفتها ضرورة لإشباع الحاجات الأساسية لأبناء المجتمع؛ والاهتمام بمشكلة التوزيع العادل، والاتجاه نحو المساواة.

ويواجَه هذا النوع من الأزمات بتحقيق معدلات تنمية مرتفعة؛ إذ يثير انخفاضها عدة فضايا متباينة:

  1. القضايا العمرانية، ومن أهمها:

أ. الإسكان العشوائي للفقراء، والتكاثر الحضري للأغنياء.

ب. التباين في طاقة البني الأساسية، وحجم الخدمات الأساسية، في المناطق، الريفية والحضرية.

ج. عدم توافر المساكن الصحية والأمن.

  1. القضايا الاجتماعية، ومن أهمها:

أ. البطالة والفقر، والزيادة السكانية بمعدلات، تفوق معدلات التنمية.

ب. فقدان الانضباط الاجتماعي، وهبوط القِيم الاجتماعية.

  1. القضايا البيئية، ومن أهمها:

أ. الكوارث، التكنولوجية والطبيعية، وعجز الطبيعة عن استعادة توازنها.

ب. تدهور البيئة، وندرة المرافق والخدمات.

ج. استنزاف الموارد، باستخدام تكنولوجيا غير أصلية، ولا معاصرة.

  1. القضايا الاقتصادية، ومن أهمها:

أ. ندرة الموارد.

ب. عدم توافر فرص العمل المنتجة، في إطار بيئة آمنة.

ج. ازدياد الصناعات الحضرية، المسببة للتلوث البيئي، والحوادث الصناعية.

التلوث البيئي

أسفر التقدم، التكنولوجي والاقتصادي، عن تناقض الإنسان والطبيعة؛ وكذلك حاجات المجتمع العامة ومطالب إشباع التملك الفردي. وتفاقمت حدّة تلك التناقضات، مع الازدياد السكاني،واطَّراد النمط الاستهلاكي، الذي لم يراعِ ندرة الموارد وصعوبة الحصول عليها؛ فبدأ التحذير من تزايد التلوث، الجوي والبحري، وتكاثر المشاكل البيئية. ومع إضافة آثار الحروب والصراعات المسلحة، واستخدامات الأسلحة، الكيماوية والذرية؛ وانتشار حرائق الغابات؛ وزحف الصحاري على الأراضي الزراعية؛ وزحام المدن وضوضائها، التي تسببت بالتلوث السمعي، والصمم؛ إزاء كلّ هذه الأخطار المحدقة بالبيئة، أصبح ضرورة ماسة، أن يوْليها علم الإدارة العامة اهتماماً أكبر. ولاشك أن سَنّ سياسات واضحة، تستند إلى قانون، يسهل عملية إدماج الاهتمامات البيئية في التخطيط الإنمائي ـ يتيح مساندة إدارة حماية البيئة، من خلال إنشاء سلطة قانونية واضحة، لتنفيذ السياسات البيئية الوطنية.

قضايا البيئة المعاصرة

منذ الستينيات،ازداد الاهتمام بمشاكل البيئة الطبيعية، كماً ونوعاً. وتتمثل المشاكل البيئية الكمية، في الآثار السلبية لأنشطة الإنسان، في حجم الموارد الطبيعية المتجددة؛ مؤثرة بذلك في حجم الموارد المتاحة للتنمية. أمّا المشاكل البيئية النوعية، فهي تلك التي تؤثر في نوعية القدرات الطبيعية للأنظمة البيئية؛ مسببة بذلك أضراراً، مباشرة أو غير مباشرة، للإنسان وأنشطته الإنتاجية. ولذلك، فإن نضوب المعادن ومصادر الطاقة، وقطع الغابات، والتصحر، وتجريف التربة، وندرة المياه ـ هي من المشاكل البيئية الكمية؛ بينما تلوث البيئة الطبيعية، وارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي (الدفيئة)، وتأكُّل طبقة الأوزون ـ هي من المشاكل البيئية النوعية.

في بداية الثمانينيات، صُنِّفت المشاكل البيئية، وفقاً لمجال تأثيرها، محلياً وإقليمياً وعالمياً. ويقصد بالمشاكل البيئية، المحلية والإقليمية، تلك التي تقتصر آثارها على الإضرار بالأنظمة البيئية، في مكان أو إقليم محدود؛ ولذلك، يُعَدّ تلوث المياه والهواء، وتجريف التربة، في أيِّ بلد، مشاكل محلية؛ بينما تُعَدّ الأمطار الحمضية، أو تلوث البحار الإقليمية، من المشاكل التي تؤثر في البيئة الإقليمية. أما المشاكل البيئية العالمية، فهي فئتان: إحداهما، مشاكل منظومية النوع، تنشأ عن التداخلات، التي تظهر في منطقة ما؛ ولكن، يمتد تأثيرها إلى إضرار بالنظام البيئي العالمي. ويتمثل ذلك في مشكلة الدفيئة، التي تنجم عن انبعاث بعض الملوثات الغازية، من بعض المناطق الصناعية في العالم، وسوف تنعكس آثارها عليه كله. أما الفئة الثانية، فهي مشاكل تراكمية النوع، تسبّبها التغيرات المتراكمة، المتخلفة عن التدخلات البشرية المؤثرة في الأنظمة البيئية. ولذلك، فإن مشاكل التصحر، وإزالة الغابات، والنمو الحضري العشوائي، هي من المشاكل البيئية العالمية التراكمية.

وتتمثل الأزمات والمشاكل البيئية، التي تواجه العالم، حالياً، في الآتي:

  1. تصحُّر نحو 70% من الأراضي الزراعية، بسبب زحف الكثبان الرملية الصحراوية.
  2. معاناة أكثر من 40 دولة نقص الموارد المائية.
  3. تأكُّل طبقة الأوزون، خلال العقد الماضي تراوح بين نسبة 5 و 10%.
  4. توقُّع ارتفاع الحرارة في الغلاف الجوي، في القرن الحادي والعشرين.
  5. تهديد كثير من أنواع الحياة البيولوجية بالانقراض.
  6. تفاقم تلوث الهواء، وتخطيه المعدلات المسموح بها.
  7. النموّ السريع لسكان العالم، وخاصة في الدول النامية.

تحث هذه الأخطار على ضرورة، أن يشمل اهتمام الإدارة الدولية قضايا البيئة وأزماتها؛ فلا يقتصر على مناقشة العلاقات الدولية، السياسية والاقتصادية والأمنية، ولا سيما أن التحديات، التي ستواجه العالم، في العقود المقبلة، سيكون من أهمها الأزمات البيئية، التي سيمهد لها :

  1. ازدياد الاعتماد المتبادل، بين التنمية الاقتصادية والتنمية البيئية.
  2. حجم ما يحدثه النشاط البشري، من أثر في البيئة والموارد الطبيعية.
  3. تناقص الموارد البيئية، وتزايد الحاجة إليها.
  4. الارتباط الوثيق، بين قضايا البيئة العالمية، والمتمثلة في الاحتباس الحراري، والأمطار الحمضية، والفقر، وتنمية العالم النامي، وازدياد معدلات السكان، وإزالة الغابات.
  5. بروز ظاهرة اللاجئين البيئيين، عاملاً مؤثراً في الشؤون الدولية.

الأزمات الدولية

    تلاحقت الأزمات وتداخلت منذ بداية القرن العشرين؛ فبكرت حالة السيولة الدولية، الناجمة عن الوضع الانتقالي للنظام الدولي، واستمرت الصراعات الإقليمية، واستفحلت المنازعات القومية الداخلية، وتوالت المضاعفات في الدول النامية، على أثر خيبة تجاربها التحديثية؛ فضلاً عن تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية. وفي عالم متغير، يموج بالعديد من التقلبات، أصبحت إدارة الصراعات الدولية عملية معقدة؛ إذ تعددت عواملها، لتشمل:

  1. عامل الفردية: وهي تُعَدّ من أهم مصادر الصراع الدولي؛ لملابستها ميول متخذ القرار العدوانية المتطرفة، أو جموحه إلى الزعامة. على الرغم من دور تلك الخواصّ الفردية في الصراعات الدولية، إلا أن متخذ القرار، ليس إلا وسيط لإظهار صراع، اكتملت عوامله؛ وربما يسعى للحدّ منه.
  2. العامل التاريخي: يكون التاريخ، في بعض الحالات، مصدراً من مصادر الصراع؛ فالخبرة الصراعية المحدودة، يمكن أن تكون مصدراً للإخفاق في تجنّب الصراع، في بعض الأزمات؛ بينما تحفز الخلفية التاريخية الواسعة، إلى التعاون على تجنُّبه.
  3. العامل الجغرافي: التوسع الجغرافي، المتذرع بالحجج، الأمنية أو الزعامية، طالما انتهى إلى صراعات الدولية. وعلى الرغم من أن المتغيرات الجغرافية، تكاد تفقِد أهميتها في السياسة الدولية، وخاصة بعد استقرار الحدود بين الدول، إلى حدٍّ كبير؛ فإن العامل الجغرافي، لا يزال سبباً من أهم أسباب صراعاتها.
  4. العامل السكاني: تزايد عدد السكان، على نحو لا يلائم موارد الدولة، يوجِد فجوة بين الموارد المتاحة والمتطلبات الاجتماعية، من خلال تفاعلات سلمية؛ وقد تنعكس في صورة صراعات دولية، وخاصة إذا سمحت بذلك موازين القوى، الإقليمية والدولية، السائدة. إلاّ أن المتغير السكاني وحده، لا يصنع صراعاً، فلكي يكون عدد السكان أو توزُّعهم العمري مصدراً للصراعات الدولية، يجب توافر القدرات، الاقتصادية والتكنولوجية والتنظيمية، التي من خلالها يمكن استعمال العنف في إدارة الصراع.
  5. العامل الاقتصادي: على الرغم من وضوح خطر هذا العامل على الصراع الدولي، الذي بدا جلياً في السلوك الاستعماري، في مرحلة النمو الرأسمالي، والذي وصل إلى صراعات عنيفة، بين القوى الاستعمارية نفسها، حول المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية؛ إلاّ أنه بعد استقلال معظم دول العالم، تعددت أشكال المشاكل الاقتصادية، التي كانت سبباً رئيسياً للعديد من الصراعات الدولية، التي تعلقت بتنظيم العلاقات الاقتصادية التجارية الثنائية، وقضايا السيطرة على منابع النفط وتسعيره وتسويقه. كما ازدادت، في الآونة الأخيرة، الصراعات المتعلقة بمياه الأنهار.
  6. العامل الأيديولوجي: يسهم التعارض الأيديولوجي في عدم الاستقرار، وازدياد حدَّة الصراعات. ومصداق ذلك تصارع النظامَين: الرأسمالي والاشتراكي، والذي كان سبباً رئيسياً لصراعات فرعية أخرى، بين نُظُم حكم محافظة أو معتدلة، وأخرى تقدمية.
  7. العامل السياسي: وهو يتعلق بالنظام السياسي، الداخلي الدولي، حيث توجد علاقة ارتباط عكسية، بين استقرار النظام وتورط الدولة في سلوك صراعي. والمنطق الكامن في ذلك، هو أن تورط الدولة في صراع دولي، يمكن أن يحقق لها التماسك الداخلي المطلوب.

أزمات العنف السياسي والإرهاب

إن تحديد مفهوم العنف السياسي، ليس بالأمر الهين؛ إذ يداخل مصطلحات أخرى عديدة، منها: التعصب، والإرهاب، والأصولية، والفدائية، والتضحية، والاستشهاد، التي تتفاوت معانيها بتفاوت مستخدميها؛ ويندر أن يطلقها أحد على نفسه. إلا أن العنف بصفة عامة، يُعَدّ سلوكاً ظاهراً، يستهدف تدمير الأشخاص أو الممتلكات.

والعنف السياسي نوع من أنواع العنف، الذي تتداخل الحدود بين أطرافه، في إطار سلطة سياسية واحدة، يتمرد عليها بعضهم، ويتمسك بها بعض آخر؛ ويرفضها بعض ثالث، مشككاً في شرعيتها؛ وقد يدافع بعضهم عن شرعيتها. فهُم، إذاً، يمارسون نشاطهم في إطار يجمع بينهم؛ ما يؤكد خطر ظاهرة العنف السياسي، الذي يدور، أساساً، حول السلطة، أو على الأقل المشاركة فيها؛ ولذلك، فقد يلجأ إليه رموز السلطة أنفسهم، في مواجهة الطامعين فيها. ولا يستهدف العنف السياسي إيقاع الأذى بأشخاص لذاتهم، بل لصفاتهم، الاجتماعية أو الفكرية أو الدينية أو العرقية. ويلاحظ أن أطرافه يسارعون في إعلان مسؤوليتهم عنه، بل قد يتنافسون في ادِّعائه.

  1. أنواع العنف السياسي

ليس الدافع المعلَن للعنف السياسي، هو، بالضرورة،الدافع إليه الحقيقي. ويمكن التمييز بين أنواع العنف السياسي، كالآتي:

أ. العنف السياسي القومي: تتمايز جماعاته تمايزاً قومياً؛ إذ تكون السلطة في يد ممثلي قومية معينة، وتنازعها إياها قومية أخرى مختلفة.

ب. العنف السياسي الاقتصادي: ينشأ عن اختلال التنظيم، الذي يعتري إشباع الحاجات الاقتصادية للناس؛ ولذلك، فإن أطرافه، ينتمون إلى مجتمع واحد، تاريخياً وسياسياً.

ج. العنف السياسي الديني: وهو الأكثر انتشاراً، في العصر الحديث، وخاصة في المنطقتَين: العربية والإسلامية. ولا بدّ أن يكون ميدانه في داخل دولة واحدة، وهدفه السيطرة على السلطة؛ وإلاّ تحوَّل إلى حرب دينية.

وإذا كان العنف السياسي نوعاً من أنواع العنف الداخلي، فإن الإرهاب ظاهرة دولية، قد بلغت أقصى درجات خطرها في القرن العشرين، وخاصة في عقدَي السبعينيات والثمانينيات، في خلال الحرب الباردة. واضطلعت هذه الظاهرة بدور البديل من الحرب، في الصراع السياسي، بين القوّتين العظميَين؛ حتى إن أوروبا الغربية، وحدها، كان يعيش فيها 76 منظمة إرهابية، يدعم بعضها الاتحاد السوفيتي، وتساند الآخر الدول الغربية. إبّان المرحلة نفسها، عمد بعض منظمات التحرر الوطني إلى الإرهاب، لتحقيق أهدافها وإعلان وجودها. وفي العقد الأخير من القرن العشرين، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، بدأت تتقلص عمليات الإرهاب الدولي؛ إذ فقدت المنظمات الإرهابية اليسارية المتطرفة الدعم، الذي كانت تقدّمه دول أوروبا الشرقية؛ وانتشرت المنظمات، التي كانت تتخذ من الدين الإسلامي ستاراً لها.

  1. الأبعاد التكنولوجية للإرهاب

انعكس التقدم التكنولوجي على الأنماط والأهداف الإرهابية؛ إذ استخدمت الجماعات الإرهابية في تحقيق أهدافها، أدوات تكنولوجية متطورة، سواء كانت أسلحة أو معدات أو ذخائر. فاختلفت أساليبها التنفيذية، وتعددت، وأصبحت تتميز بالآتي:

أ. الكثافة العالية في مستوى التسليح المتاح للجماعات الإرهابية.

ب. تطوير وسائل وأدوات التنفيذ، التي أصبحت تحقق الأهداف الإرهابية بشكل أفضل.

ج. توجيه العمليات الإرهابية إلى أهداف جديدة، مثل: السياحة، والأجانب، والمنشآت الاقتصادية.

د. ازدياد كثافة العمليات الإرهابية ازدياداً غير مسبوق؛ حتى إن العمليات، أصبحت يومية.

هـ. اتساع قاعدة الجماعات الإرهابية، سواء من حيث عدد الجماعات أو تكوينها.

ارتبط المستوى التكنولوجى للإرهاب، بمجموعة محددة من المعطيات، التي أدت دوراً حاكماً في بلورة النمط المميز للعمليات الإرهابية؛ إذ تختلف تلك المعطيات، في مضمونها الداخلي، من دولة إلى أخرى، ومن حالة إرهابية إلى أخرى؛ إلاّ أنها تتسم بخصائص مميزة، تتمثل في:

أ. طبيعة الأهداف الإرهابية الموضوعة.

ب. مستوى التطور التكنولوجي العام في المجتمع.

المراجع والمصادر

المراجع العربية

  1. أحمد فؤاد رسلان، “نظرية الصراع الدولي”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.
  2. أحمد يوسف أحمد، “الصراعات العربية ـ العربية”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988.
  3. بول أثرتون، “مراكز المعلومات وتنظيمها”، مكتبة غريب، القاهرة، 1977.
  4. حامد أحمد مرسي، “نظرية المباريات ودورها في تحليل الصراعات الدولية”، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1984.
  5. حسن فوزي النجار، “أمريكا والعالم”، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1986، ص 198.
  6. حسن نافعة، “مصر والصراع العربي ـ الإسرائيلي”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1986.
  7. السيد أمين شلبي، “الوفاق الأمريكي السوفيتي 1963-1976″، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981.
  8. السيد عليوة، وآخرون، “العلاقات الدولية”، كلية التجارة وإدارة الأعمال، جامعة حلوان، القاهرة، 2001.
  9. السيد عليوة، “إدارة الأزمات والكوارث”، مركز القرار للاستشارات، القاهرة، 1997.
  10. السيد عليوة، “إدارة الصراعات الدولية، دراسة في سياسات التعاون الدولي”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988.
  11.  عباس رشدي العماري، “إدارة الأزمات في عالم متغير”، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1993.
  12.  عطية حسين أفندي عطية، “مجلس الأمن وأزمة الشرق الأوسط 1967-1977″، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.
  13.  عماد جاد، “حلف الأطلنطي، مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة”، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 1998.
  14.  قدري حفني، “ظاهرة العنف السياسي من منظور مقارن، رؤية نفسية”، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1995.
  15.  مجمع اللغة العربية، المعجم الوجيز، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1998.
  16. محسن أحمد الخضيري، “إدارة الأزمات”، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.
  17.  محسن أحمد الخضيري، “إدارة الأزمات: منهج اقتصادي إداري لحل الأزمات على مستوى الاقتصاد القومي والوحدة الاقتصادية”، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة، 1979.
  18. محمد إبراهيم الجارالله، “الإشعاع الذري”، مكتبة العبيكان، الرياض، 1995.
  19.  محمد رشاد الحملاوي، “إدارة الأزمات: تجارب محلية وعالمية”، دار أبو المجد، القاهرة، 1993.
  20.  محمد عبدالغني حسن هلال، “مهارات إدارة الأزمات”، مركز تطوير الأداء والتنمية، القاهرة، 1996.
  21.  محمد عبدالقادر حاتم، “دور الإعلام المصري في تحقيق المفاجأة الإستراتيجية في حرب أكتوبر”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001.
  22. محمد غريب جودة، “موجز تاريخ العالم”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000.
  23.  مروان بحيري، “النفط العربي والتهديدات الأمريكية بالتدخل”، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1980.
  24.  ممدوح حامد عطية، “إنهم يقتلون البيئة”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997.
  25.  منى صلاح الدين شريف، “إدارة الأزمات الوسيلة للبقاء”، البيان للطباعة والنشر،ط1، القاهرة، 1998.
  26.  نبيل محمود عبدالغفار، “السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1982.
  27.  هيثم الكيلاني، “الإستراتيجيات العسكرية للحروب العربية ـ الإسرائيلية 1948-1988″، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991.

الدوريات

  1.  أحمد مختار الجمال، “المفاوضات وإدارة الأزمات”، السياسة الدولية، العدد 107، يناير 1992.
  2.  أمين هويدي، “إدارة الأزمات في ظل النظام العالمي المراوغ”، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 112، أبريل 1993.
  3.  خالد محمد فهمي، “أبعاد اقتصادية لمشكلات البيئة العالمية”، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 110، أكتوبر 1992.
  4.  عباس رشدي العماري، “إدارة الأزمات الدولية المعاصرة”، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 90، القاهرة، 1987.
  5.  عثمان محمد العربي، “اتصالات الأزمة، مسح وتقييم للتطورات النظرية فيها”، المجلة لبحوث الإعلام، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، العدد الخامس، يناير ـ أبريل 1999.
  6.  عطية حسين أفندي، “الإدارة الدولية لقضايا البيئة”، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 110، أكتوبر 1992.
  7.  محمد إبراهيم عبدالمنعم، “أنواع الأزمات والتكنولوجيا المطلوبة لإدارتها”، مجلة لغة العصر، العددان السابع و الثامن، يوليه ـ أغسطس 2001، القاهرة.
  8.  مراد إبراهيم الدسوقي، “الأبعاد الإستراتيجية لقضايا البيئة”، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 110، 1992.

المؤتمرات والندوات

  1.  أحمد حسني البربري، “نظرية التدخل في الأزمات في محيط الخدمة الاجتماعية”، المؤتمر السنوي الثالث لإدارة الأزمات، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 3-4 أكتوبر 1998.
  2.  أحمد رفعت عبدالغفار، “كارثة إغماء طالبات المدارس المصرية، أبريل 1993″، المؤتمر السنوي لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، القاهرة، 1996.
  3.  إيمان أحمد الشربيني، “رؤية مستقبلية لإدارة الأزمات التمويلية للهيئات التي لا تهدف تحقيق الربح”، المؤتمر التمهيدي السنوي الثالث لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، 3-4 أكتوبر 1998.
  4.  عبدالله أحمد سليمان، “مقترح تنظيم مركز إدارة الأزمات”، المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، القاهرة، 1996.
  5.  عبدالوهاب الكيالي، وآخرون، “الموسوعة السياسية”، ج 2 و 5، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981، 1987.
  6.  محمد السيد سعيد، “أصول إدارة الأزمات”، ندوة مركز الدراسات الإستراتيجية، لندن، 1991.
  7.  منى صلاح الدين شريف، “التنبؤ بالمخاطر والأزمات المحتملة”، أعمال المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، وحدة بحوث الأزمات، القاهرة، 1996.

كتب مترجمة

  1.  إريك موريس، وآلان هو، “الإرهاب، التهديد والرد عليه”، ترجمة د. أحمد حمدي محمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  2.  تنتوني جيدنز، “الطريق الثالث، تجديد الديموقراطية الاجتماعية”، ترجمة أحمد زايد ومحي الدين، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999.
  3. روبرت ليكي، “حرب كوريا 1950-1953″، دار النهضة العربية، القاهرة، 1964.

المراجع الأجنبية

  1. A. S. Harnby, E. R. Gatenly and H. Inakefild, The Adranced Learner’s Dictionary of Current English, London, Oxford Univ., 1969.
  2. Allan Dowty, “Middle East Crisis”, USA Los Angeles, California Press, 1981.
  3. Conrad Smith, Media & Arocalypsa Greenwood Press, London, 1992.
  4. Denis Smith, Beyond Contingency Planing Towards a Model of Crisis Management, Industrial Crisis Quarterly, Vol. 4, No. 4, 1990.
  5. Fink, Crisis Management Planning for the Inevitable, AMACON, New York, 1986.
  6. Jonathan M. Roberts, “Decision Making During International Crisis, London, Macmillan Press Ltd., 1988.
  7. Laurnce Barton, Crisis in Organizations: Managing & Communicating in the Heat of Cheos South, Western Publishing Ohio, 1993.
  8. Mahmoud Mourad, The Terrorist Phenomenon, General Egyptian book organization, 1998.
  9. Russel R. Dynes, Eugene & E. L. Quarantelli, Administrative, Methodological & Theoretical Problems of Disaster Reprinted from Indian Sociological Bulletin, 4, July 1967.
  10. Webster’s Ninth New Collegiate Dictionary, MERRIAM, Webster Inc., Publishers, USA.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button