دراسات سياسية

منهجية تحليل ظاهرة الموضة السياسية

Approach of Political –Mode- Phenomenon- Analysis

الاستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل

ظاهرة الموضة: حامد ربيع  وتأصيل المفهوم

–  التعريف بظاهرة الموضة وخصائصها الاجتماعية والسياسية والأمنية

ينكر البعض – عن جهل أو قصد – وجود ظاهرة الموضة السياسية ، ورغم ذلك فقد شاءت الأقدار أن ندرس موضوع الموضة السياسية منذ عقود من الزمن على يد أستاذنا المرحوم العلامة حامد ربيع.

في عام 1974 تحدث أستاذنا المرحوم العلامة حامد ربيع عن ظاهرة الموضة كانعكاس لواقع حضاري  اجتماعي اقتصادي …حيث أن كلمة الموضة تثير في الذهن  لأول وهلة الرداء “الزي” وعندما تستخدم في المدلول المتداول ترتبط بالمرأة – على أن الواقع أن هذا تقييد لمفهوم اصطلاح أكثر اتساعا وشمولا . وهنا نقتبس من أستاذنا المرحوم  حامد ربيع الذي قام بأول عملية تأصيل فكري لظاهرة الموضة. وبعود الفضل إليه في تقديم هذه الدراسة. وان كان هذا لا يمنع أن الكلمة بهذا المدلول تعكس في حقيقة الأمر المتغيرات الأساسية للظاهرة .

ويرى حامد ربيع فظاهرة الموضة تمثل احد تلك التعبيرات الجماعية التي تقودنا الى صميم جوهر الخبرة الاجتماعية في أكثر معانيها شعبية وعمومية . وهي كذلك تفتح لنا بابا يتقابل فيه السلوك الفردي بالسلوك الجماعي فهي  من حيث جوهرها سلوك فردي ولكنها لا يمكن ان تفهم إلا إذا نظر إليها على أنها سلوك جماعي بل وعلى أنها ساسا فقط سلوك جماعي ، وان هذه الظاهرة هي التي تعلمنا كيف أن صورا سلوكية بعينها لمجرد انتمائها إلى الماضي وبغض النظر عن جوهرها أو عن أبعادها الوظيفية هي صور مرفوعة  وغير مقبولة ، وعلى العكس من ذلك تصير نماذج أخرى لنجرد انتمائها للحاضر ليس فقط محببة وجميلة بل ومنطقية واجتماعية .

ويتساءل حامد ربيع  ما الذي يقصد بكلمة الموضة في الاصطلاح العلمي ؟ يمكن أن تعرف الموضة بأنها تلك المجموعة من التقاليد والعادات المرتبطة بمظاهر وأساليب التعامل اليومي في العلاقات الاجتماعية ، بهذا المعنى ظاهرة الموضة تتصف بخصائص معينة :

أولا : أنها ليست قاصرة على الزي أو ما يتصل بالرداء ، أنها تتسع للتناول كل ما له صلة بالتفاعل الاجتماعي فالسكن والاستقبال وبصفة عامة كل مسارات التقابل الاجتماعي عامة أن الموضة ما هي إلا تعبير عن النظم الاحتفالية في أوسع معانيها .

ثانيا : أن ظاهرة الموضة لا تتضمن في الواقع حركة واحدة وإنما تتضمن حالتين متعارضتين : فريق يقبل على ظاهرة الموضة ليتشبه بالآخرين ، وفريق يتخلى عن موضة قائمة لأنه لم يعد يشعر بالراحة إزاء تشبه الآخرين بها ، وهكذا فان ظاهرة الموضة تعكس حركة نفسية مزدوجة ، من جانب التقليد والمحاكاة والرغبة في التشابه مع الآخرين ، ومن جانب أخر التحيز والمنافسة وعدم تقبل المفهوم الديمقراطي في أوسع معانية .

ثالثا : كذلك ظاهرة الموضة ظاهرة حضارية بل يومكن القول أن هذه الظاهرة تعكس الى حد معين بعض خصائص العقل الاجتماعي بل على الأقل يمكن إن توصف بأنها مظهر من مظاهر التعبير عن الطابع اليومي ، ورغم أن العالم المعاصر وقد ألقى الفوارق بين الشعوب وحطم الحواجز بين المجتمعات أضحى يتصف بعالمية الظواهر ، إلا أن دراسة المجتمعات القديمة في تقاليدها الاحتفالية يسمح باكتشاف بعض خصائصها الاجتماعية ، فالشعب الياباني مثلا يقدم نموذجا للتحجر في تقاليد الموضة لا مثيل له ، وهو يصل في هذا الحد إلى قوالب شكلية تكاد ترقى إلى مرتبة القواعد القانونية السلوكية ، فالفلاح الذي لم يمكن يملك أكثر من قسط معين من الأرض لم يكن يسمح له بأن يبني منزلا يزيد طوله عن اتساع معين بل ولم يكن يسمح له بأن يقدم السمك أو أي مأكولات مشوية في حفلة زواجه أو زواج ابنته وأبناء أسرته لم يكن يسمح لهم بلبس الأحذية الجلدية .

ظاهرة الموضة بهذا المعنى لم تخضع للدراسة العلمية إلا منذ  فترة قصيرة ، والذي يعنينا في تحليل الظاهرة ان تكشف تلك الأبعاد الديناميكية التي تسح بفهم وظيفتها كمظهر من مظاهر التعبير عن السلوك الاجتماعي ، لماذا تنتشر في لحظة معينة ؟ ولماذا موضة بعينها تنتشر بسرعة وتختفي بسرعة وأخرى تظل أكثر ثباتا وأكثر استقرارا ؟

المقومات السلوكية لظاهرة الموضة

يرى حامد ربيع أن ظاهرة الموضة كظاهرة سلوكية تبدو لأول وهلة ظاهرة سطحية لا تتضمن منطقا ذاتيا وإنما تعكس صورة من صور لسلوك المؤقت وغير المتكامل ، على ان هذا في الواقع غير صحيح ، أن هذه الظاهرة ترتبط بنظام كامل للقيم تؤدي وظيفة اجتماعية واضحة تنعكس طبقيا وتفترض نوعا من التنظيم للشخصية الفردية  والجماعية.

اولاً _  ظاهرة الموضة ليست أسلوبا من أساليب التعامل الفردي ، أنها ترتبط بنظام كامل للقيم ، رغم أن هذا النظام قد يكون خفيا وغير واضح بل قد يكون لا شعوريا إلا انه نظام جماعي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان ، ينبع من فكرة الجمال والرقة والنظام والتناسب والتناسق ، وهي مقاييس تختلف جميعها من حيث الزمان والمكان والمستوى الحضاري ، وهذا يفسر العلاقة الارتباطية بين الظاهرة والظواهر الأخرى التي قد تبدو مستقلة وسعيدة عن ظاهرة الموضة ولكنها في الواقع تقوم بوظيفة خاصة في عملية توجيه ان لم يكن خلق تلك النماذج الجديدة التي منها تنبع الظاهرة وتتطور مصالحها .

1- فظاهرة القيادة التي تتركز فيما يسمى بملوك الموضة تمثل طائفة تكاد تتحكم في هذه الظاهرة وفي مساراتها ، وليس من الأمور غير المنطقة ان نجد ملوك الموضة النسائية يتمركزون في باريس يتحركون من خلالها في جميع الأوساط العالمية ، أن هذه الظاهرة امتداد للقيادة الثقافية التي زاولتها العاصمة الفرنسية دون منازع حتى وقت قريب .

2- كذلك عملية الإيحاء الجماهيري تمثل عنصرا أخر يرتبط بالظاهرة وينبع من مقوماتها بحيث يفسر تقبل موضة معينة بسرعة وسهولة بل وانتشارها بشكل رهيب ورفض موضة أخرى ، موضة  الشوال “لم تستطع أن تعيش أكثر من عدة أعوام ولم يكن ذلك سوى نتيجة لعدم تقبل الوعي الجماهيري بتلك الموضة “

3- تعدد أشكال الموضة في العصر الراهن من أزياء إلى أفكار إلى معتقدات وقيم وكذلك موضات في الطبخ والملبس والمشرب واقتناء الأشياء من سيارات وأجهزة هاتف محمول وبناء مساكن وحدائق ..وقد وصل الأمر إلى ظاهرة الموضة السياحية حيث يذهب السياح إلى بلد معين فيتم تقليدهم من أوساط مختلفة ..مثل توجه السياحة من دول الخليج العربي إلى ماليزيا وتركيا وبريطانيا وتايلاند وفرنسا… وأخيرا إلى جورجيا..كلها موضات يتم تناقلها وتقليدها.

4- علاقة الارتباط الواضحة بين العناصر المنطقية والعناصر اللا منطقية والتي تفسر تغير الموضة وتنقلها المتتابع لأسلوب يكاد يكون دائريا ، اثبت تابع تاريخ أسلوب الزي بالنسبة للمرأة في أوربا الحديثة أن تطور الرداء من الاتساع إلى الضيق ومن القصر إلى الإطالة  اخذ صورة الحركة الدائرية التي استغرقت دائما حوالي قرن كامل من الزمان .

ثانيا : على أن ظاهرة الموضة تملك أيضا منطقها الخاص ، هذا المنطق ينبع من رغبة المجتمع السياسي في التغيرات النظامية السريعة دون قدرته على ذلك من ثم ، كما يلجأ من خلال الإشاعة التي تقييم الوجود السياسي نجد في ظاهرة الموضة وسيلة للتنفيس عن رغباته المكبوتة ، فالمجتمع السياسي يتكون من مجموعتين من المقومات إحداهما تأبى إلا التطور وهي العناصر البشرية وأخرى جامدة بطبيعتها ترفض التطور وهي القواعد النظامية سواء كان مصدرها القانون أم العرف والتقاليد ، الموضة أداة ووسيلة للتعديل والتغير في الإطار العام للعرف والتقاليد دون أن تعبر في جوهر العرف وتلك التقاليد ، ولتقدم نموذجا : حرية المرأة في حقوقها تخضع لقواعد ثابتة مردها القانون والتقاليد ولكنها إذا كانت لا تستطيع أن تحصل حقوقا معينة فان كمية ما عليها من ملابس أو أسلوب ارتداء “تلك الملابس تستطيع أن تجد فيه متنفسا للحصول على حقوق أو لتحقيق مساواة معينة لم يسمح بها القانون ” وهكذا نجد أن ظاهرة البذلة او البنطلون تصير أداة من أدوات تحقيق أهداف اجتماعية لم تستطيع المرأة أن تحققها بأسلوب مباشر .

ثالثا : كذلك فظاهرة الموضة ظاهرة طبقية ولو حللنا الظاهرة من حيث مقوماتها كحركة اجتماعية لوجدنا أنها تتكون من حركتين في آن واحد ، إحداهما من جانب الطبقة التي لم تستخدم أسلوب الموضة بعد فليسيطر عليها عامل التقليد والمحاكاة والرغبة في التشابه بالآخرين ، ان فكرة المنافسة والشعور بأن إتباع أسلوب معين يعني نوعا من المساواة تسيطر على هذه الطبقة وتجعلها تزداد إقبالا على الظاهرة بغض النظر عن تكاليفها المادية .

الموضة تعتبر في تلك اللحظة أسلوب من أساليب التغيير لمجرد حب التغيير ، من جانب أخر فالطبقة التي استقرت على تلك الموضة ومع انتشار الموضة تشعر في رغبتها في التخلي عنها لأنها تعتقد بأن تقبل والاستمرار في موضة أضحت شعبية يعني أن أولئك الذين هم اقل اجتماعيا أضحوا ينتمون إلى تلك الطبقة الاجتماعية ، هذا التناقض في الظاهرة لا يفسره إلا طبيعتها الطبقية ، لقد سبق أن رأينا أن الظاهرة تعكس تحولا ديمقراطيا ولكن هذه الدلالة يجب أن تقيد في معناها : فانتشار الموضة هو الذي يعني التحول الديمقراطي . أما وجود الظاهرة ذاتها فيعني الظاهرة الطبقية ، المجتمع الصيني لا يعرف ظاهرة الموضة وبدأنا نسمع بشكل واضح عن عروض الأزياء المتكررة والواقع أن الطبقة الاجتماعية المختارة تلعب دورا أساسيا في ظاهرة الموضة في جميع مظاهرها ، حتى القرن التاسع عشر كانت الطبقات الارستقراطية تتحكم في الظاهرة ، اليوم ملوك الموضة ويساندهم ملوك المال هم الذين يؤدون تلك الوظيفة .

رابعا – على أن ظاهرة الموضة يجب لفهمها على المستوى الفردي أن نتذكر أنها تتضمن أيضا عاملا من عوامل التنظيم للشخصية الفردية ، في احد الأبحاث الميدانية التي قام بها العالم الانجليزي فلوجل وبعض زملائه أثبتت ان اغلب النساء تقبل على ظاهرة الموضة لا فقط بقصد المحاكاة وإنما تحت تأثير الرغبة في التطابق والتجانس او بعبارة أخرى بأن المرأة العادية تريد ان تمر غير ملحوظة ، وهي لذلك لا تريد ان تخالف الآخرين ومن ثم تمسي الى التشابه مع الآخرين بحيث لا تكون موضعا للرفض من جانب الآخرين المتشابهين معها في الوضع الاجتماعي او الوظيفي .

خامسا : كذلك فظاهرة الموضة تتضمن من حيث طبيعتها تعبيرا عن علاقة الإغراء والاحتواء الجنسي ، فظاهرة الموضة وبصفة خاصة بالنسبة للرداء والزي تثير مشكلة مزدوجة ، الأجزاء التي يجوز أو يجب إبرازها من الجسد أو على العكس يجب إخفاؤها، ثم من جانب آخر مقاييس الجمال وما يستتبع ذلك من أسلوب التعبير عنه ، وإذا كان كلا العنصرين يخضع للقيم المتوارثة والمتداولة ، فان الموضة تصير وسيلة كما سبق ورأينا من وسائل الالتفاف حول تلك القيم ، والملاحظ في المجتمع المعاصر سيطرة نماذج معينة تعكس نوعا من الرغبة في الإغراء أو على الأقل خلق الانتباه ورفض التواضع السلوكي من جانب غالبية المجتمع في مواجهة أسلوب أخر يقوم على أساس مغاير بل ومختلف اختلافا تاما بالنسبة للطبقات المختارة ذات التقاليد المستقرة ، ساعد على ذلك تقدم الإعلام الجماهيري وبصفة خاصة السينما والفضائيات والإنترنيت وانتشار من خلالها الأذواق الأمريكية والغربية والشرقية وغيرها .

فالأحجام الممتلئة والألوان الزاهية والملابس المتحررة والمساحات المكشوفة المتسعة هي التي كانت قبل عدة عقود مذهبا خاصا من جانب الجماهير وتفسر شعبية ممثلات كجين روسل وجينا لولو بريجيدا وصوفيا لورين ، على ان الطبقات المختارة حقيقة تسير في اتجاه عكسي ، إنها تفضل تقديم صورة الجمال أكثر استقرارا وبالتالي صورة من الموضة اقل إثارة واقل تصنعا .وليس أدل على ذلك من أن الانتخاب الذي يجري سنويا لأكثر نساء العالم أناقة لم يتضمن خلال الأعوام العشرة الأخيرة أي امرأة تنتمي إلى هذا النموذج من نماذج التعبير عما نستطيع أن نسميه موضة المجتمع الجماهيري . .

وقد أوردت منى أبو رمضان بعضا من النماذج والموضات السياسية. وجميع هذه الموضات قد تؤثر سلبا على ظاهرة الأمن القومي وقد تشكل تهديدا حقيقيا للأمن القيمي والفكري والحضاري للمجتمع.

مفهوم الموضة السياسية :

 ترى منى أبو رمضان انه في الحقل السياسي إذا  أردنا أن نقول موضة سياسية ، تلك الأفكار والبرامج السياسية التي يكون لها شهرة في وقت وجيز دون تحقيق الاستمرارية لأسباب عدة ، الموضة  السياسية هي عبارة عن سلوك سياسي معين يتم تقليده وانتشاره في أكثر من مكان في العالم.

دورة الموضة: أن دورة الموضة قديما-كما ترى منى أبو رمضان)  كانت تستغرق من 30 إلى 32 عاماً، وأن دورة الموضة حديثا أصبحت لا تستمر أكثر من عشر سنوات، أما  ما  نراه في  عالم القرن الواحد والعشرين هي أن الموضة أصبحت اعتياد سنوي أو  فصلي أو شهري أو  موسمي. وتشمل جميع مناحي الحياة من موضة شراء أحذية متشابهة وحتى شراء طائرة مرورا بموضة الحلاقة وقصات شعر الرأس والكوافير وفساتين الزفاف والانقلابات العسكرية والخطب المنبرية وحتى موضات التسوق والترشح للانتخابات….الخ.

انتشار الموضة السياسية بين الدول بسرعة انتشار كالعدوى

تتميز  الموضة السياسية بكونها متحركة وغير إستاتيكية و هذا بالتالي ينعكس على انتشارها ما بين الدول  والشعوب وفي أوساط المجتمعات ودخل المجتمع الواحد بفعل وسائط الإعلام الإلكتروني والإعلام الجديد The Social Media  وبرامج الاتصالات ونقل المعلومات مثل فايبرViber  واتس اب Whats App تانجوTango توكري  Talkrayلاين Line والفيس بوك Facebook والماسينجر  Messenger  وغيرها من وسائل الإعلام والدعاية الجماهيرية المعروفة.  حيث ما تلبث الموضة في الظهور في مجتمع أو دولة معينة حتى تنتشر في دول أخرى و مجتمعات أخرى، و في الغالب تكون هذه الدول والمجتمعات في نفس المحيط الجغرافي  أو متباعدة و بطبيعة الحال في فترات زمنية متقاربة.

الموضة السياسية كانعكاس للحالة السياسية للمجتمع المحلي والدولي من فترة لأخرى

تمر المجتمعات والدول بفترات سياسية مختلفة متأثرة بذلك بالتغيرات الدولية والعالمية،  متأرجحة بين التجاذبات السياسية العالمية و كنتيجة أيضا للتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية أيضا داخل هذه المجتمعات..وتعكس الموضة السياسة القيم ولأفكار والمعتقدات  والعادات والتقاليد والوضع الحضاري للمجتمعات الذي يعاني من التهديد بعل العولمة.

نماذج للموضة السياسية

أولا : موضة الثورات السياسية الشبابية في الوطن العربي: ثورات 2011 -2013 موضة شباب العرب الجديدة

   كما هو متعارف عليه بين الفينة والأخرى تظهر موضة جديدة ترميها الدول الكبرى للعرب ليتسلوا بها في ظل البذخ والترف عند بعضهم والفراغ والبطالة وقله الوعي عند البعض الآخر..ولكن موضة عام 2011 وعام 2012 هي موضة من نوع آخر موضة الثورة على الظلم والاستبداد السياسي  وإزهاق الأرواح والمطالبة بتغييرات سياسية. إن ظاهرة الثورات و الاحتجاجات العربية التي ظلت تطوف معظم الدول العربية أطاحت بزعيمين عربيين بداية من تونس ومرورا بمصر  و ليبيا  واليمن ثم  اتجهت إلى سوريا  وعدد من الدول العربية التي طالبت بالإصلاح السياسي والإداري في الأردن والبحرين وبعد غد لا نعرف أين ستتجه هذه الموضة.

1- ثورات قادها الشباب العربي خلال الأعوام  2011 – 2013

الشباب العربي عاش ويعيش اليوم تجربة إثبات الذات بجدية ، فإما أن يكون سياسيا فاعلا يمارس الفعل السياسي بوعي عميق ، يتحرك في دهاليزها وكأنه يمشي على رؤوس الحراب ، أو أن يشفي غليل الذين يتهمون الشباب دائما بالطيش وأنه سيمارس السياسة اليوم كموضة عابرة .  لا شك أن ما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين وما حدث في اليمن والمغرب  والعراق والجزائر غالبا ما ينسب للشباب …وكثير من المحللين السياسيين يرفضون أن يكون الشباب وحدهم من قام  ويقوم بذلك ،  حيث أن الشعب يريد إسقاط الحاكم وتغيير الأوضاع للأفضل.  لاشك أن هناك أطراف من صنع أمريكي وغير أمريكي وتمول وتوجه وتقود  بعض حملات التغيير، وما وصفوه سابقا في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بضرورة العمل على تغيير الشرق الأوسط ( شرق أوسط جديد ) وبعد الحروب التي أنهكت الولايات المتحدة الأمريكية أصبح هناك قناعة لدى الأمريكان بان الحروب تنزف المزيد من الخسائر البشرية والمالية للولايات المتحدة وتم بدء بتنفيذ خطة الشرق أوسط الجديد والفوضى الخلاقة كما وصفتها كوندلايزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية التي هي اخطر من الحروب .من خلال “نظرية الفوضى الخلاقة”.

2-  موضة  الانتحار والموت حرقا كمقدمة للثورات:بيانات سياسية بحرق الأجساد (محمد البو عزيزي  في تونس مؤسسا)

     فعلها التونسي محمد البوعزيزى في مطلع 2011، وأضرم النار في نفسه، بدأت »عدوى« هذا الأسلوب تنتشر خارج تونس شرقاً وغرباً، وأصبحت محاولات » الانتحار حرقاً« خبراً »عادياً« فى نشرات أخبارنا. إن عملاً فردياً واحداً، قام به الشاب الجامعي التونسي محمد البوعزيزى، الذي لم تنفعه شهادته الجامعية بشيء، واضطرته الحاجة إلى أن يبيع الفجل والجرجير على ناصية الطريق، واسودت الدنيا في وجهه ولم يجد ما يفعله عندما  تلقى صفعه من أعوان الحرس البلدي رغم هذا البؤس المروع، فما كان منه إلا أن أشعل النار في نفسه.  هذا العمل الذي قام به فرد واحد كان بمثابة الشرارة التي أطلقت ثورة الشعب التونسي ضد واحد من أكثر النظم الحاكمة استبداداً وقسوة. ومع أنه لا يمكن القول بأن رد فعل »البوعزيزى« هو »سبب« الثورة الشعبية التي أجبرت الديكتاتور التونسي على الفرار والهرب من البلاد، فإنه بكل تأكيد كان »الشرارة« التي تفاعلت مع الكثير من العوامل الموضوعية، اقتصادية واجتماعية وسياسية، تراكمت علي مدار سنوات، وكانت تنتظر لحظة الانفجار ، و قد جاءت فعلا من الشاب التونسي .

3-موضة الشعارات الثورية المتشابهة: الشعب يريد إسقاط النظام
ربما أصبحت أكثر جملة مشهورة في العالم العربي …شقت طريقها كالصاروخ في كل شوارع وأفكار ويوميات كل مواطن عربي ، ثم ما لبثت أن أصبحت الشعب يريد إنهاء الاحتلال في فلسطين ، و قابلها شعارات مضادة أي مؤازرة للحكومة في ليبيا مرددة : الله و معمر .. ليبيا و بس ، على غرار شعار الثوار في سوريا : : الله و سوريا… حرية و بس !.  شعارات متعددة رفعت في الدول العربية مؤخرا، كلها تتغنَّى ب”الشعب يريد “، مطالب وأحلامُ يقَظةٍ أصدرت قراراً ذا تنفيذ مقدس ،حصدُ نتائجٍ لطالما طمحوا أن يُؤتوا أُكُلها ،عقدةٌ التفت في طريقٍ لشنق الرقاب ،تكبيل الأيدي ،تكميم الأفواه وإعدام الحريات العامة ،حاولوا قرع كل الأبواب بصرف النظر عن الخضوع للظلم ،الفقر ،البطالة ،الفساد ،الأنظمة المستبدة ،انتهاكات حقوق الإنسان وضياع الشعب بين الحاكم والجلّاد ،آخذين بعين الاعتبار أنَّ “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. شعارات اختفى منها اليسار واليمين والدين وسطعت فيها أفكار العدل والحرية والمحاسبة والكرامة والتداول. شعارات فيها النكتة المصرية والذكاء التونسي والدهاء الليبي والعراقة اليمنية وفيها فوق كل ذلك الحلم العربي الباحث عن التغيير من المحيط إلى الخليج.[i]

3- موضة خطابات الرؤساء الرتيبة ليلا

       كما و اعتقد البعض أن إلقاء الخطابات الرئاسية في الدول التي اندلعت فيها الثورات في وقت متأخر ليلا أصبحت موضة بين الرؤساء و لعل ابرز من كان مثلها هم الرئيس المصري حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة 25 يناير-كانون ثاني 2011  والرئيس الليبي معمر القذافي الذي أطاحت به ثورة 17 فبراير-شباط 2011 ، كما أن هذه الخطابات كانت رتيبة جدا ،  ان من أكثر ما يبعث على السآمة من الخطابات فهو «التكرار من دون داع» أو استخدام «مصطلحات منمقة» لحشو الخطاب. و حقا: «إننا نطيل الكلام عندما لا يكون لدينا شيء نقوله»! ولذا، فقد حددت الأمم المتحدة مدة زمنية لبيانات القادة والزعماء في القمة بخمس دقائق، تمدد قليلا.  هناك موضة الفصائل الفلسطينية التي تعيش على المسيرات والاحتفالات والمهرجانات الخطابية والشعارات الكبيرة.

4-موضة تسمية أيام الأسبوع بأسماء ثورية  (جمعه الصمود، أحد النفير، خميس الرحيل، أربعاء الحماية الدولية، جمعة تحقيق منجزات الثورة، سبت التحدي، أثنين التصدي، ثلاثاء الوحدة..)

     لاحظ الجميع أن الثورات أو ما كان سمى بالربيع العربي  والفوضى الخلاقة-  التي هي في حقيقتها هدامة -التي اندلعت في الدول العربية و بشكل خاص تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن ، كانت قد دعت إلى تجمعات مليونية من الشعوب حتى تطالب بإسقاط الأنظمة الحاكمة من خلال تحديد يوم معين للتجمع في ساحة عامة أو ميدان، و تسمية هذا اليوم باسم ثوري ، و من أكثر الأيام التي كانوا يدعون لها الشباب هي: يوم الجمعة، و الذي سمي في كل من مصر و سوريا و اليمن ب”جمعة الكرامة”،  جمعة الرحيل، جمعة الحماية، جمعة التحدي…و هذا كان فيه نوع من التقليد بين الدول المذكورة على التوالي.  وما لبثت موضة يوم الجمعة ان تقلت إلى باقي أيام الأسبوع فأصبح كل يوم له اسم خاص مثل : احد الصمود ، وسبت الإصرار  وغير ذلك. و لاحقا قامت مجموعات عديدة بالدعوة إلى تحرير فلسطين يوم 15-5-2011 في يوم ذكرى النكبة من خلال التجمع على الحدود الفلسطينية و الهجوم على إسرائيل، و قاموا بالدعوة لذلك من خلال التجمع في : جمعة النفير و سبت الزئير على غرار موضة تسمية الأيام بأسماء معينة. انتشرت مسميات للأيام أثناء فعليات الفوضى الهدامة في الوطن العربي التي سميت زورا وبهتانا “الربيع العربي” و”الفوضى الخلاقة”. أن شعارات ما يسمى بالثورات والربيع العربي تشبه برامج الطعام في البيوت والمطاعم  والفنادق وغيرها. سبت الفاصوليا والأرز المفلفل، أحد الفول والطعمية، أثنين العدس والكشري والمجدرة، ثلاثاء الحليب واللبن واليوغورت والسلطة بالخضار والمايونيز والكفتة والملوخية، أربعاء القدر والكبسة والفراخ المشوية، خميس الخرفان المحشية، جمعة المشاوي والمقالي… وهكذا رفعت شعارات أيام الأسبوع. سبت الصمود، أحد الرحيل، اثنين الوفاء، ثلاثاء الزحف، أربعاء الحشد، خميس التجمع، جمعة الغضب…الخ.

5 -موضة رشق الساسة بالأحذية: منتظر الزيدي ليس الأول

الواقع أن ما نسميه بدبلوماسية “البذاءة السياسية” ليست  ظاهرة جديدة في القرن الحادي والعشرين فقد اتبع المندوب السوفيتي أسلوب التلويح بالحذاء  في الجمعية العامة للأمم المتحدة . وانتشرت موضة رشق الساسة بالأحذية في كل مكان.. سلسلة النماذج المقلدة للموضة التي تتعلق برشق الساسة بالأحذية

  • الصحفي العراقي منتظر الزيدي  ليس المؤسس فقد سبقه الرئيس السوفيتي نيكيتا خروشوف عام 1960 برفع الحذاء على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أول ما ظهرت هذه الحادثة في القرن الحادي والعشرين كانت على يد الصحفي العراقي منتظر الزيدي نهاية عام2008، حيث فاجأ الجميع برشق حذائه باتجاه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ونعته بـ “الكلب” ، قائلا :”هذه قبلة الوداع يا كلب”، ولكن بوش تخطى هذه الضربات بمنتهى المهارة والخفة وكأنه يعلم بأنه مقذوف مقذوف ! بينما صدر الحكم ضد منتظر بالسجن مدة ثلاث سنوات.  وفي مصر :  وفي الشهر التالي لحادث حذاء الزيدي شهد مجلس الشعب المصري مشادات ومشاجرات عنيفة بين نواب الحزب “الوطني” و”الإخوان المسلمين” على خلفية الدور المصري في الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، لعب الحذاء بها دورا هاما، حيث رفعه النائب المعارض أشرف بدر الدين في وجه نواب في الحزب الحاكم خلال جلسة مجلس الشعب، مما دفع رئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور إلى إحالته إلى “لجنة القيم. السودان :  قام رجلا برشق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بحذائه خلال مؤتمر عام بالخرطوم 25-1-2010  و لقد كان الرجل قريبا من المنصة وقذف حذاءه لكنه لم يصل إليه (البشير”) وأضاف أن الواقعة صدمت عشرات المسئولين الذين تجمعوا للمشاركة في المؤتمر الخاص بالتخطيط الاستراتيجي لحكم السودان. وفي فلسطين : حذاء طفولي: وللأطفال نصيبا في الاعتراض باستخدام الأحذية، وهو ما قام به صبي فلسطيني حيث رشق سيارة رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض بحذائه. وذكرت تقارير صحفية إسرائيلية أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ألقت القبض على ساهر أحمد (15 عاما) من مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من بيت لحم بعد رشقه سيارة رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض بحذائه يوم 18 فبراير 2009. وفي إسرائيل تعرّضت رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا، دوريت بينيش، للرشق بحذاء أصابها في وجهها أمس، أثناء ترؤسها إحدى الجلسات. وقال صحافيون في قاعة المحكمة، إن حذاءين ألقيا على القاضية ولكن الحذاء الثاني أخطأها.

أما سفير إسرائيل في السويد بني داجان: فكان في انتظاره المزيد من الأحذية وضرباتها المباشرة التي لا تخطيء، حيث ألقاها البعض عليه خلال إلقاءه محاضرة في جامعة ستوكهولم حول الانتخابات الإسرائيلية، اعتراضا على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وأعلن التيار الشبابي في منظمة اليسار “النقابية” مسئوليته عن الهجوم على داجان وقال :”إن جامعة ستوكهولم دعت متحدثا رسميا لقوة الاحتلال الإسرائيلي ليحاضر حول الانتخابات الإسرائيلية .هذه الخطوة تشرعن الاحتلال الإسرائيلي وحصاره على غزة وتوسيع المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية والمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين”.

وفي تركيا :ضربة خاطئة،  وانتقلت موضة الحذاء من المنطقة العربي شمالا، ففي فبراير 2009 قامت قوات الأمن التركية بإلقاء القبض على مواطن قام بإلقاء حذائه على وزير التربية والتعليم حسين شيليك في مؤتمر جماهيري فى مدينة فان شرق البلاد، ولكن الحظ حالف الوزير حيث أخطأه الحذاء وأصاب أحد الصحفيين. وفي انجلترا،  كما حالف الحظ رئيس الوزراء الصيني وين جيابا في ختام زيارته إلى.. حيث تلقى ضربة لم تصبه من حذاء رياضي ألقاه متظاهر خلال إلقاء الأول كلمة في جامعة كامبريدج شمال لندن في الخامس من فبراير 2009. وفي إيران: أحمدي خليفة بوش: أما على المستوى الرئاسي .. فقد تعرض الرئيس الإيراني محمود أحمدي لحادث مشابه لما حدث للرئيس الأمريكي السابق، حيث ألقى مجهول الحذاء عليه خلال زيارته لمدينة أورومي بشمال غرب إيران.

 يذكر أن الرئيس الإيراني تعرض لحادث آخر مماثل في ديسمبر 2006 حيث تم قذفه بحذاء خلال مظاهرة طلابية بجامعة أمير كبير، حينما صدمت سيارة الرئاسة رجلا مسنا حاول تسليم رسالة لنجاد وأصابته بجروح. وشهدت استراليا : رشق رئيس وزراء استراليا السابق بالأحذية: لقد صار رئيس الوزراء الأسترالي السابق جون هوارد احدث ضحية لحوادث الرشق بالأحذية من الساسة، بعدما قذفه أحد معارضي الحرب على العراق بزوج من الأحذية-  أكتوبر 2010 في سيدني. كان ” هوارد” الذي فقد منصبه الحكومي ومقعده البرلماني عام 2007 يدافع في حديثه عن قراره المشاركة في غزو العراق عندما قام فرد من الجمهور الذي يحضر التصوير برشقه بالحذاء ، لم يصب الحذاء هدفه، وجرى إبعاد الرجل. أما في كولومبيا:  تعرض سياسي يطمح في الترشح للرئاسة في كولومبيا للرشق بحذاء في حادث أعاد إلى الأذهان احتجاجا ضد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.واستقبل الراغب في الترشيح عن الحزب المحافظ اندريس فيليب ارياس بصيحات استهجان “اخرج من هنا” و “أنت فاسد” عندما بدأ في الحديث في مناسبة بمدينة بارانكيلا الواقعة على الساحل الكاريبي لكولومبيا.

هذه الأنواع من الموضة قد تهدد –أو تشكل فرصة لتدعيم- بشكل مباشر وغير مباشر الأمن الوطني و القومي.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى