دراسات سياسيةمنهجية التحليل السياسي

منهج تحليل مبدأ الشرعية القانونية والشرعية السياسية والمشروعية

Legality and Legitimacy Analysis Approach

إعداد الأستاذ الدكتور/ كمال  محمد محمد الأسطل

التعريف بمبدأ الشرعية والتمييز بين الشرعية السياسية والشرعية القانونية :

يرى أستاذنا الدكتور  العلامة المرحوم حامد ربيع أن ،. في أوسع معانيه الشرعية تعني تأسيس الحركة على السند الذي يعطي الحق في تلك الحركة . بهذا المعنى كلمة الشرعية تصير في أو معانيها أن صاحب المزاعم إنما يستند إلى نص من التشريع أو قاعدة من القانون (أو الرضاء الشعبي) تبرر حقه في تلك المزاعم الشرعية بمعنى آخر تعني أن هناك تطابق بين الحركة والنظام القانوني . هذا المعنى العام الواضح رغم ذلك يثير التساؤلات :

(أولاً)- هل الشرعية تستمد مصادرها من النصوص والتشريعية والقواعد القانونية بغض النظر عن جوهر تلك النصوص أو بعبارة أخرى بغض النظر عن تقييم تلك القواعد القانونية من حيث أهدافها أو بعبارة أكثر دقة من حيث نظام القيم المتكامل . وإن شئنا أن نعبر عن هذا التساؤل بلغة الواقع فلنتصور أن التشريع خالف المبادئ الطبيعية وخالف القيم السائدة . فما هي نتيجة تلك المخالفة ؟ هل يظل المجتمع مقيد بتلك القواعد والقوانين  الصادرة من صاحب الاختصاص الشكلي ولكنها المعبرة عن تجريح ومغالطة وخلاف مع القواعد والتقاليد الثابتة في ذلك المجتمع ؟

(ثانياً)-وهنا يرتبط بهذا التساؤل تساؤل آخر أكثر وضوحاً أن التشريع له درجات والقواعد القانونية لها مراتب . ومنطلق الشرعية القانونية هي التدرج والتتابع ومعنى ذلك أن كل تشريع ينبع من إرادة لابد وأن تحترم الإرادة التي تعلوها . أن وضع القاعدة أيضاً نوع من الاختصاص . والاختصاص له قواعد تصاعدية يجب أن تحترم . فإذا لم تحترم فما هي نتائج ذلك ؟ التشريع قد يكون قانون وقد يكون أعلى منه باسم الدستور وقد يكون أقل منه باسم اللائحة أو العمل الإداري . فما هي نتائج مخالفة القانون للدستور أو اللائحة القانون ؟ وماهو الحكم على ممارسات سياسية وقانونية تخالف القانون والدستور؟ ماهو معيار الشرعية عندما تنتهي الشرعيات وتصبح بابا للمزايدات؟ الساحة الفلسطينية نموذج واضح في هذا المجال حيث انشغل الجميع بمحاربة الجميع باسم لشرعية وباسم القضية وباسم التوابت وباسم المصالحة العليا للشعب التي تداس تحت أقدام أصحاب الدكاكين السياسة؟

(ثالثا)- فإذا انتقلنا إلى الناحية السياسية لوجدنا أن المشاكل تصير أكثر تعقيداً وأكثر تنويعاً . أول ما نلاحظه أن الحركة السياسية وهي دينامية التفاعل والتعامل لابد وأن تصطدم بالتنظيم القانوني وعند ذلك أمها مسلك من أثنين :

(أ) أما أن تطوع القانون لإرادتها، (ب)  وأما أن تحطم القانون ولا تعبأ به . في كلا الحالتين هناك نوع من التلاعب بالنظام القانوني. فهل مثل هذا التلاعب مشروع ولو سياسياً أم أنه غير مشروع ولو أخلاقياً أو ما هو جزاء عدم المشروعة في كلا الحالتين ؟ أن الشرعية التي جعلت أفلاطون يقف من أرسطو موقف التناقض كانت تعني احترام القانون . واحترام القانون يعني أنه بمجرد صدوره يستقل وينفصل عن إرادة الحاكم ليسيطر عليه ويتحكم في حركته حتى لو كان القانون مصدره إرادة الحاكم ذاته . أفلاطون على العكس من ذلك يرى أن الحاكم لا يتقيد بأي قانون لأن إرادته هي القانون . الشرعية هي ضمان المحكوم وليست قيد على الحاكم . أفكار أفلاطون بهذا الشأن لم يعد لها موضع وأضحت فكرة الشرعية بهذا المعنى تعني ثبات الإرادة القانونية مع تجردها عن الإرادة التشريعية هي محور المجتمع المتمدين . بهذا المعنى عبر بن خلدون في مقدمته المشهورة بعبارات صريحة وقاسية . ولكن يظل التساؤل مطروحاً : هل من حق الرجل السياسي في سبيل إن يصل إلى القيادة أن يتلاعب بالقانون ، سواء من خلال التمويه والخديعة أو من خلال المواجهة الصريحة التي تعني تحطيم النظام القانوني القائم وبناء نظام قانوني جديد ؟

(رابعاً)- على أن المشكلة تزداد تعقيداً عندما يحدث تغير واضح في التصورات الجماعية لمفهوم الحركة السياسية . أن الشرعية القانونية التي تستمد مصادرها من مفهوم النظام القانوني في معناه الشكلي قد تصطدم بتطور أساسه اختلاف المعتقدات والتصورات التي تسيطر على الوعي الجماعي وتحدد قيمة وأهدافه فإذا بتلك التصورات ترفض النظام القائم بما يعنيه من امتيازات أو حقوق . فهل يصير من حق الرجل السياسي أن يستجيب إلى تلك الشرعية الجديدة أو التصور السياسي النابع من الوعي الجماعي ولو من خلال تحطيم النظام القانوني القائم ؟

هذه التساؤلات تفصح بوضوح عن حقيقة مبدأ الشرعية ، أن الشرعية في أوسع معانيها التي تعني تبرير الحركة تنطوي على تطبيقين :

أولا: الشرعية القانونية بمعنى المطابقة بن السلوك والنظام القانوني القائم ،

ثانيا: والشرعية السياسية التي تعني المطابقة بين الحركة والوعي والضمير الجماعي . إذا اتفقت الأولى مع الثانية فإن هذا لا يمكن أن يكون إلا نتيجة توازن واضح بين التنظيم القانوني أو الهيكل القانوني والشرعية السياسية أي الأهداف والقيم المجردة الثابتة والمرتبطة بالحقيقة المعنوية . ولكن في أغلب الأحيان يحدث تناقض وانفصال قد يكون جزئياً ولكن قد يرتفع إلى مرتبة التشقق الكامل . فهم هذه الحقائق لا يمكن أن يكون واضحاً إلا من منطلقين . تكوين الجماعة السياسية من جانب وطبيعة العلاقة بين الإرادة النظامية والتطور السياسي من جانب أخر .

الظاهرة السياسية ظاهرة مركبة . أي من تطبيقات الوجود السياسي يعني ثلاث مجموعات من العناصر والمقومات :

(1)   المقومات الهيكلية والنظامية التي تعبر عن الإطار الذي يضم ويحتوي الجسد الاجتماعي.

(2)   (2) ثم المقومات المادية التي تحدد خصائص الجسد السياسي من أبعاده الديموجرافيه والإقليمية والجغرافية ،

(3)  ثم مجموعة العناصر المعنوية المتعلقة بروح الجماعة في أوسع معانيها انطلاقاً من تراثها التاريخي الفكري بما في ذلك خصائص تصورها للأمن القومي إلي الأيديولوجيات السياسية التي تمثل الآمال والأماني الثابتة ولو على المدى البعيد في نطاق الحركة السياسية : مقومات هيكلية أو نظامية ، مقومات مادية أو موضوعية ، ثم مقومات معنوية أو روحية والتي تعني بلغة مبسطة نظام القيم السياسية Values system . التوازن يفرض علاقة انسجام واستقرار بين هذه المتغيرات الثلاث . اختلالها لابد وأن يؤدي إلي نوع من الاضطراب في خصائص الجسد السياسي ، وبالتالي إلي بعض التقلصات التي لابد وأن يسعى الجسد السياسي إلى التخلص منها وبسرعة . وبقدر التخلص منها دون تمزق وبقدر تخطيها دون تشقق يستطيع المجتمع السياسي أن يتحدث عن المثالية الحركية .

رغم ذلك فإن عملية التوفيق بين المجموعة الأولى من العناصر أي الإطار الهيكلي والمجموعة الثانية ، أي القيم السياسية ليست بتلك السهولة التي قد يتصورها الباحث لأول وهله ، ذلك أن النظام القانوني بطبيعته جامد وغير مرن لأن قواعده  متحجرة وثابتة . إنها تعبر عن الماضي ورغم ذلك فهي تحكم كلا الحاضر والمستقبل إنها تنبع من الخبرة التاريخية ولكنها تفرض على التطور القادم أن يتشكل بأبعادها وأن يتنوع تبعاً لخصائصها . العناصر المعنوية أو نظام القيم السياسية يمتاز على العكس من ذلك بالمرونة التي تنبع من طبيعته . أنه مثالية وككل مثالية لا يمكن أن تتحقق  ، وأن تحققت فإن ذلك التحقق دائماً جزئي ، وكلما أقبل المجتمع نحوها ساعياً لاحتضانها هربت منه فارضة على المجتمع المعنى من جديد : وهكذا مرونة تعكسها طبيعة تلك القيم وتطور لابد وأن تفرضه الحركة بحيث أنه من هذا الخليط غير المحدد وغير المقنن إذا بنا إزاء حقيقة قابلة لأن تتشكل ولو في بعض أجزائها تبعاً لكل موقف ولكل خبرة ولكل قائد هذه الطبيعة المتميزة تصير لكلا الناحيتين قوة وضعف في آن واحد :جمود الهيكل القانوني هو قوة النظام القانوني لأنه يعني وضوحه وثباته ولكنه من جانب آخر يفرض عليه عدم المرونة أي صعوبة مواجهة الواقع المتجدد . مرونة الشرعية السياسية تعني قدرة القيم على التطويع ولكنها من جانب أخر تجعل منها منطلقاً سهلاً للحاكم السياسي عندما يجمع بين القدرة على التلاعب والأنانية الذاتية .

من هذا نستطيع أن نفهم منذ الآن كيف أن طبيعة الوجود الاجتماعي تفرض خلطا معيناً بين الشرعية القانونية والشرعية السياسية . الأولى إشعاع من الماضي على الحاضر والثانية إشعاع من الحاضر على المستقبل . أن الخلاف بين الوضعين ضرورة تفرضها طبيعة التطور . ولكن عندما يصير ذلك الخلاف تشققاً بعيد المدى بحيث يخلق التناقض والصدام ، هنا تبرز المأساة . هل يصير من حق القائد السياسي أن يحطم الشرعية القانونية في سبيل الشرعية السياسية أم أن عليه أن يحترم الشرعية القانونية حتى لو ضحى بالشرعية السياسية ؟

سقراط ضحى بحياته لحماية الشرعية القانونية ، ولكن التاريخ لم يعرف سوى سقراط ، جميع الثورات التي غمرت ولا تزال تغمر التاريخ الإنساني ليست إلا تعبيراً عن تحطيم الشرعية القانونية في سبيل تأكيد عنفوان الشرعية السياسية .

ليس هذا موضع دراسة ظاهرة الشرعية التي هي في حقيقتها محور الحركة السياسية والتي تخرج عن نطاق ونظام القيم السياسية في معناه التحليلي . سوف نعود لتحليل الشرعية في معناها القانوني ونحن بصدد الرقابة الدستورية وفي معناه السياسي عندما نقف أمام الرقابة الشعبية وعلى وجه الخصوص عندما نتناول ظاهرة الثورة كصورة من صور الجزاء غير المنظم لحماية الرقابة السياسية . رغم ذلك فعلينا لإكمال هذا الإطار العام للقيم السياسية فلنحدد موضع الشرعية السياسية من نظام القيم أولاً ثم نتناول بإيجاز مطلق أدوات الشرعية السياسية تلك العناصر المساندة التي تسمح بخلق الترابط بين مختلف مختلف مراتب النظام الكامل للقيم السياسية.

 الشرعية السياسية : المصادر والأدوات

يمكن تعريف الشرعية السياسية بأنها تلك الخصائص التي تعبر عنها السلطة بحيث تصير مطابقة للتصور الذي ينبع من واقع الجماعة للنظام السياسي الذي يجب أن تعبر عنه الأداة الحاكمة . بهذا المعنى الشرعية السياسية تتمركز حول عناصر ثلاث :

أولاً : تصور عام للسلطة وممارستها .

ثانياً : نظام قائم للسلطة من حيث خصائصها .

ثالثاً : علاقة تقارب أن لم يكن تطابق بين التصور والواقع .

من ثم ففي مجتمع سياسي يعتقد بأن السلطة يجب أن تمارس من جانب ملك تنبع حقوقه من الميلاد الملكي فإن السلطة تصير معبرة عن الشرعية السياسية عندما تكون في أيدي شخص ينتمي إلى الأصل الملكي ويحمل الدم الأزرق . على العكس من ذلك ففي مجتمع سياسي يؤمن بالانتخاب الشعبي والسيادة الشعبية فإن الحاكم الذي لا يستمد وجوده من الإرادة المنتخبة ولا يؤسس سلطاته على مبدأ التصويت العام لا يمكن أن يوصف بأنه معبر عن الشرعية السياسية . هذه الجزئية ليست إلا نموذج يجب أن يتسع ليشمل كل ماله صلة بالسلطة السياسية .

من هذا المنطلق لابد وأن ينبع تساؤلان .

أ‌-      هل يستطيع الحاكم إن يظل في حكمه ولو في الأمد البعيد وقد تغير مفهوم الشرعية لسبب من الأسباب ؟ بمعنى آخر فكرة المساندة السياسية تفترض أن التغير في الشرعية يجب أن يحجبه تغير في الممارسة . ومعنى ذلك بعبارة أخرى أنه في الأمد البعيد لا يستطيع نظام سياسي مهما بلغ من قوة أن يستمر في البقاء وقد أضحى معبراً عن صورة من الشرعية تختلف عن الصورة المتربعة في الضمير والوعي الجماعي . ومن هنا تصبح واضحة أهمية متغير الثقافة في تطوير النظم السياسية بحيث تستطيع أن تخلق الإطار الدافع للتغيير الذاتي أو لخلق حركات الرفض بطريقة غير مباشرة ودون وعي من الحاكم ولو في الأمد البعيد .

ب‌-    وهذا  يقودنا إلى التساؤل عن مصادر الشرعية السياسية . إن الشرعية السياسية ضرورة لا يمكن التشكك في لزومها . ايستون  Eston David  يجعل منها أحد عناصر المساندة للنظام السياسي . ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو مصادر الشرعية السياسية . فالعرض السابق يسمح أولاً أن نؤكد على نظام القيمValues system  ولكننا نستطيع أن نضيف إلى ذلك الأيديولوجياتIdeologies  ومفهوم الأمن القومي National Security Concept  العناصر أساسية من مجموعها يتكون ذلك الإطار المتكامل الذي نستطيع أن نعبر عنه بكلمة الشرعية السياسية . ترى هل نفهم لماذا تصير الوظيفة العقائدية للدولة المعاصرة أحد الأدوات الحاسمة في تحقيق المساندة من خلال العملية الإتصالية ؟

أ‌-      ثم يكمل هذين التساؤلين تساؤل ثالث ذو طابع نسبي معين : أين موضع العقيدة الدينية من الشرعية السياسية ؟ قد يبدو لأول وهلة أن العقيدة الدينية تصير بهذا المعنى عامل من عامل الجمود ضد التطور لأن قواعدها جامدة ولأنها بطبيعتها من حيث تصوراتها تنتمي إلى الماضي أكثر من انتمائها إلى المستقبل ولكن لو تصورنا إن العقيدة الدينية تمثل مفاهيم مطلقة ومجردة تتصف بالعمومية والعالمية (الدين الإسلامي من النبع الصافي النقي من الشوائب)  لوجدنا أنها على العكس من ذلك تضفي على الشرعية صفة الديناميكية حيث تجعل مصادرة الشرعية مستقلة عن إرادة الحاكم بل وتعلو إرادته بحيث يمكن القبول إنها تصير بدورها قيد على قدرات الدولة في التأثير في مفهوم الشرعية بما يعكس مصالح الطبقة الحاكمة من محاولة التمسك بالحكم وممارسة السلطة .

بقى أن نتساءل عن ما معنى المصادر الأيديولوجية للشرعية السياسية ؟

يميز الستون بين ثلاثة أبعاد مستقلة:

(1)   الوظائف التي من خلالها السلطة في نظام معين يتم تنظيمها وتوزيعها ،

(2)    التوقعات الثابتة حول قواعد  استخدام السلطة ،

القيم والمبادئ التي تكون الإطار العام للمخرجات والتي تنصب في جميع أنواع التفاعل السياسي . على أن الواقع أن هذا التميز يعني القصور الواضح في فهم الوظيفة الأيديولوجية والذي سبق ولمسناها عندما تحدثنا عن تصوره لذلك الذي أسماه الإسناد الإكراهي لنظام القيم . يعنينا فقط أن نقف إزاء تأكيده كيف أن القيم والمبادئ تلعب دورها الأساسي في تحديد الشرعية السياسية : ليس فقط هذه المبادئ والقيم تستخدم كجسد من الالتزامات التي في حدودها يتوقع للسلطة إن تمارس اختصاصاتها .

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى