بعد 6 جولات قام بها المبعوث الأمريكي إلى اليمن “تيم ليندر كينج” للمنطقة، شملت السعودية والإمارات وسلطنة عمان والأردن، وخلص ليندر كينج إلى أن المليشيا الحوثية تعرقل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتتحمل المسئولية عن استمرار الحرب في مأرب، وأن واشنطن لا يزال لديها المزيد من أوراق الضغط على الحوثيين بعد فرضها عقوبات على قيادات عسكرية مليشياوية مسئولة عن إدارة العمليات العسكرية في مأرب الشهر الماضي، كما حملها مسئولية عرقلة التوصل إلى اتفاق مع الأمم المتحدة بشأن أزمة ناقلة “صافر” النفطية التي تحولت إلى قنبلة موقوتة، إما قابلة للانفجار في ظل تقارير عن نشر الحوثيين ألغامًا في محيط الناقلة لمنع الوصول إليها، أو قنبلة بيئية في ظل مخاوف تسريب حمولتها قريبًا بسبب سوء حالتها المتردية في ظل عدم صيانتها لسنوات طويلة، بينما تُصرّ المليشيا الحوثية على التوصل لاتفاق ثنائي مع الأمم المتحدة أولًا يسمح لها ببيع حمولتها النفطية قبل الشروع في الموافقة على صيانتها؛ إلا أن مجلس الأمن دعا المليشيا إلى السماح من دون تأخير لفريق الخبراء الأممي بالوصول إلى الناقلة، تمهيدًا لاتخاذ قرار بشأن إصلاحها أو إفراغها قبل وقوع الكارثة.
المعطيات الراهنة
يعكس الموقف الأمريكي إجمالًا نوعًا من التردد بين تقديم حوافز جديدة للمليشيا الحوثية يمكن أن تدفعها إلى تغيير موقفها، فبعد أن وصل ليندر كينج إلى طريق مسدود مع المليشيا، في ضوء إعلانه فشل مباحثات الجولة السادسة، والتي واكبها أيضًا فشل مباحثات المبعوث الأممي مارتن جريفث الذي أجرى لقاءات مع قادة المليشيا في صنعاء لم تسفر عن نتائج ملموسة؛ ليقوم بعد ذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بإجراء اتصال مع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، اتفقا خلاله على مواصلة الجهود من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، بينما وجّه أعضاء في الكونجرس انتقادات للإدارة الأمريكية كونها رفعت تصنيف المليشيا الحوثية من على قائمة الإرهاب بشكل متسرع ودون الحصول على مقابل حقيقي من الحوثيين، بدا الهدف منه هو مخالفة توجهات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في حين أن مستوى التصعيد العسكري الحوثي على جبهة مأرب تصاعد أكثر مما كان عليه في السابق.
وعلى العكس من ذلك، على الجانب الآخر يبدو أن هناك تفاؤلًا بشأن قرب توصل واشنطن وطهران إلى صيغة جديدة للعودة إلى العمل باتفاق العمل المشترك الخاص بالملف النووي الإيراني (5+1) وهو ما أشار إليه تقرير “بوليتكو” الأمريكية عقب الجولة الخامسة الأسبوع الماضي، والاتفاق على خوض جولة سادسة لمعالجة النقاط العالقة، حيث وضع الطرفان مسودة مشتركة تناولت كيفية معالجة تلك النقاط، لا سيما مسألة العقوبات الأمريكية، ومصير أجهزة الطرد المركزي، وآلية الرقابة والتفتيش للمنشآت النووية، كما تضمنت بندًا إضافيًا خاصًا بمعالجة برنامج إيران الصاروخي في ملحق للاتفاق النووي.ويُعتقد على نطاق واسع أن الجولة السادسة من المباحثات المقبلة في فيينا قد تشهد نقلة نوعية في الاتفاق، لا سيما مع إعلان الخارجية الأمريكية أن واشنطن تسعى قدمًا إلى التوصل لاتفاق مع إيران بشكل جدي.
وعلى الدرب ذاته من التفاؤل، قالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، إن الولايات المتحدة باتت مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي شرط الامتثال الكامل من جانب إيران له، واصفة المباحثات بــ”المثمرة”. وفي أعقاب حديث جرينفيلد حول “شرط الامتثال”، رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتغريدة على حسابه في تويتر (الجمعة 4 يونيو 2021) أعلن فيها أنه أجرى اتصالًا مع نظيره البريطاني دومينيك راب حول “ضرورة الالتزام الكامل بالاتفاق النووي”.وبين إخفاق الجولة السادسة في زيارة ليندر كينج والتقدم المحتمل في الجولة السادسة المرتقبة في فيينا، هناك هامش ارتباط وتشابك في ظل الدور الإيراني في الملف اليمني، من زواية احتمال أثر الانفراجة في الملف النووي على الأزمة اليمنية، وهو ما يُعيد تسليط الضوء على مشروع “الحل الإقليمي” للأزمة اليمنية، خاصة في ضوء المباحثات (السعودية – الإيرانية) في العراق التي انطلقت أولى جولاتها في أبريل المنقضي. وعلى الرغم من أنها كانت استكشافية، لكنها وضعت أساسًا كاشفًا عن نوايا الطرفين للمضي في هذا المسار، ويدلل على ذلك ما أشار إليه مصدر دبلوماسي إيراني لموقع “اعتماد أونلاين” الإيراني بقوله إن “الخلافات بين البلدين ليست قليلة، ونحن بحاجة إلى الكثير من الوقت لدراسة تلك الخلافات، وإيجاد حل موضوعي لها”.
وتشير تصريحات المبعوثَيْن الأممي جريفث والأمريكي ليندر كينج إلى أن الحوثيين رفضوا المبادرة السعودية، وهو سياق كان متوقعًا منذ طرحها، فالمليشيا تسعى في الأخير إلى إبرام اتفاق أمريكي يُلغي مسار الاتفاقيات السابقة بناء على المرجعيات المعتمدة للتسوية (قرار الأمم المتحدة 2216، المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني). وفي واقع الأمر فإن أي طرف لن يكون بمقدوره تقديم حوافز أكثر مما يقدم في المبادرة السعودية (مارس 2021) والتي تضمنت وفق تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تخفيف حصار ميناء الحديدة، وتوجيه إيرادات الضرائب من الميناء إلى حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي. كما سيسمح بإعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة، ووقف إطلاق النار بمجرد موافقة الحوثيين على المبادرة، مما يمهد لإعادة إطلاق المحادثات السياسية على أرضية المرجعيات المشار إليها سلفًا.سيناريوهات محتملةفي إطار ما سبق، يبدو أن هناك أكثر من سيناريو يتوقع حدوثه في هذا السياق، كالتالي:
١. سيناريو الأثر المتتالي: على الأرجح سيكون هناك متغير في الأزمة اليمنية في سياق نتائج المباحثات بشكل نهائي، ستسعى طهران إلى بدء نوع من المرونة في الملف اليمني، على أن تبدأ الحكومة الإيرانية الجديدة التي ستتشكل في أعقاب الانتخابات في التعامل في الملفين، في إطار الحل الإقليمي، فالمباحثات السعودية الإيرانية تضمنت ملفات اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لكن يعتقد أن مستوى التقدم في المباحثات سيتربط على الجانب الآخر بمستوى التقدم في إنجاز استحقاق الملف النووي، وخطة إيران تجاه التعامل مع الملفات الإقليمية، وما إذا كانت ستسعى إلى مقايضة ملفات بالملف اليمني، ومدى المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها الحوثيون في المفاوضات المقبلة، خاصة وأنه أصبح هناك نوع من الاعتراف بدور المليشيا الحوثية في المستقبل السياسي لليمن. وقد يؤدي إخفاق المليشيا الحوثية في حسم معركة مأرب بشكل نهائي إلى دفعها للتراجع بالإضافة إلى الموقف الإيراني بالطبع إذا ما قررت إيران التعامل مع الأزمة اليمنية بتحسين وضع المليشيا في إطار مسار التسوية عبر الاتفاق على الشراكة السياسية مع الحكومة الشرعية خلال مرحلة انتقالية تشرف عليها الأمم المتحدة وبرعاية أمريكية وإقليمية، والتراجع عن المسار العسكري.
٢. سيناريو التسوية التكتيكية: الذي قد يبدأ بهدنة تمهد لعملية وقف إطلاق النار، مع تقديم حوافز جديدة للحوثيين مقابل إبداء المليشيا مرونة في خفض التصعيد على الجبهة الداخلية، ومحاولة حلحلة ملف أزمة ناقلة “صافر”، والسماح بدخول فريق الخبراء الأممي لتقييم وضعها قبيل التوصل إلى قرار بشأن مصير حمولتها، والذي قد يخضع للتفاوض هو الآخر بالقبول بحصول المليشيا على حصة نفطية، أو الحصول على الحصة كجزء من تخفيف القيود التي يفرضها التحالف على المليشيا.٣. سيناريو التأزم: وهو متربط أيضًا بالموقف الإيراني-الأمريكي بشأن ربط الملفات اللاحقة للاتفاق النووي بمسار “الحل الإقليمي” من عدمه، فإشارة “جرينفيلد” حول الملاحق التالية للاتفاق تضمنت فقط “البرنامج الصاروخي” دون أن تشير إلى الملفات الإقليمية، على خلاف ما أعلنته واشنطن قبيل إطلاق مباحثات فيينا. بالإضافة إلى احتمالات اتساع هامش المناورة الإيرانية في هذا الملف بمضيّ الوقت، فدخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ دون الاتفاق بالتوازي في ملف الأزمات الإقليمية، أو حتى الاتفاق على تأجيل هذا الملف لما بعد الانتهاء من صيغة الاتفاق الصاروخي؛ سيؤدي إلى تبريد الحراك الذي يمكن استثماره في حال نجاح التوصل إلى الاتفاق النووي، وبالتالي يعود الموقف مرة أخرى إلى التأزم، خاصة وأن واشنطن لا تزال تلوح بزيادة الضغوط على المليشيا الحوثية.
في الأخير، يمكن القول إن هناك فرصة محتملة لتجاوز الإحباط المتوالي في ملف الأزمة اليمنية قد يشهد متغيرًا في حال توصل طهران وواشنطن إلى اتفاق، لكن لا يزال من المبكر التعرف على مستوى تلك الانفراجة، فلا شك أن طهران تمتلك القدرة على توجيه مسار المليشيا، والتأثير على قرارها السياسي، إلا أن ذلك سيخضع لمساومات في ملفات أخرى، خاصة وأن سيناريو “الحل الإقليمي” أصبح هو التوجه الذي تعتمده القوى الإقليمية المنخرطة في تلك الملفات، لا سيما السعودية وإيران، بالإضافة إلى نتائج الحسابات الميدانية على الأرض، ومدى قدرة المليشيا على حسم الوضع العسكري لصالحها أو العكس، بالإضافة إلى المكتسبات السياسية المتعلقة بمستقبل المليشيا السياسي.