دراسات عسكرية

مهام ودور الدفاع الجوي في الحرب والسلام

المقدمة

أجمعت مراكز الدراسات الإستراتيجية بعد حرب أكتوبر 1973، على أن الدفاع الجوي العربي قد نجح في تحييد القوات الجوية الإسرائيلية، على الرغم مما تمتعت به هذه القوات من إمكانيات هائلة، كمَّاً، ونوعاً، وتسليحاً، وتدريباً، وتخطيطاً.

ولمَّا كان الدفاع الجوي العربي قد خاض تلك الحرب كفرع رئيسي من أفرع القوات المسلحة، فقد زاد اهتمام كبار القادة العسكريين  بهذا الموضوع للأسباب الآتية:

  1. المهمة الصعبة والحيوية الملقاة على عاتق الدفاع الجوي في الحرب الحديثة، في مواجهة عمليات الهجوم الجوي التي تُحقِّق نتائج حاسمة ومضمونة.
  2. التطور الهائل في أسلحة ومعدَّات الهجوم والدفاع الجوي.
  3. فاعلية الأسلحة أرض/ جو (الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات) والتي ظهرت بجلاء في حرب أكتوبر.

وتتبلور وجهات النظر حول هذا الموضوع في مفهومين عسكريين:

المفهوم الأول: تكليف القوات الجوية بمهام الدفاع الجوي إضافة إلى مهامها.

المفهوم الثاني: تنظيم كل أسلحة ومعدات الدفاع الجوي في قوة قائمة بذاتها، أي  كقوة رابعة ولكن وفق أسلوبين:

الأسلوب الأول: يقضي هذا الأسلوب بتنظيم كافة عناصر الدفاع الجوي في منظومة موحدة تتكون من شبكة الاستطلاع والإنذار العام، ومراكز العمليات، وشبكة الاتصالات، وأسلحة الدفاع الجوي بما فيها المقاتلات الإعتراضية، إضافة إلى الوحدات الإدارية والفنية والمنشآت التعليمية. [ وتضع قيادة هذه القوة، وتُنِّفذ خطة موحدة متكاملة لإعداد هذه القوات للقتال، وإدارة عملياتها].

الأسلوب الثاني: يقضي هذا الأسلوب بتنظيم عناصر من الدفاع الجوي في منظومة واحدة تتكون من منظومة قيادة وسيطرة واتصالات، أسلحة دفاع جوي أرض/جو (صواريخ، مدفعية) وعناصر بشرية.

أما الاختلاف بين الأسلوبين فهو كالتالي: في الأسلوب الأول تضع قيادة قوات الدفاع الجوي وتنفذ خطة موحدة متكاملة لإعداد هذه القوات للقتال، والسيطرة على عملياتها.

أما الأسلوب الثاني، فالطائرات الاعتراضية، وطائرات الإنذار المبكر تتبع للقوات الجوية، أي أن دور قوات الدفاع الجوي بناء وإعداد عناصر الدفاع الجوي. وأما السيطرة العملياتية عليها فتتم من قبل القوات الجوية.

وتأخذ بعض الدول بالمفهوم الأول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية عموماً. بينما وجدت بعض الدول مثل الاتحاد السوفيتي تأخذ بالمفهوم الثاني وفق الأسلوب الأول والبعض الآخر تأخذ المفهوم الثاني وفق الأسلوب الثاني.

والواقع أن لكلٍ من هذين المفهومين مؤيديه ومعارضيه.

وتحتاج مناقشة هذا الموضوع إلى إلقاء بعض الضوء على النقاط الآتية:

  • المفهوم الأول، والمفهوم الثاني (الأسلوب الأول، والأسلوب الثاني).
  • مهمة ووظائف الدفاع الجوي.
  • دور الدفاع الجوي في السلم.
  • عناصر الدفاع الجوي وطبيعة معركته.
  • أهم سمات معركة الدفاع الجوي
  • خصائص التهديد الجوي المعاصر.
  • 3 نقاط تحتاج إلى بحث.
  • دور المقاتلات في معركة الدفاع الجوي.
  • دور المقاتلات في معركة الهجوم الجوي (في عمليات الهجوم الجوي).
  • مهام القوات الجوية.
  • طائرات الإنذار المبكر (الأواكس AWACS) والقيادة والسيطرة.
  • حماية الطائرات من نيران الأسلحة أرض/ جو الصديقة.
  • الاعتبارات المؤثرة على القرار.

المفهوم الأول

يقضي بأن تتولى القوات الجوية مسؤولية الدفاع الجوي كاملة عن الدولة بما فيها من أهداف حيوية. أما مسارح العمليات فتشاركها القوات البرية والقوات البحرية في هذه المهمة. وقد تتولى القوات البحرية الدفاع الجوي عن مسارحها وحدها.

ولتحقيق هذه المهمة يشتمل تنظيم القوات الجوية على المقاتلات الاعتراضية، والأسلحة أرض/ جو، ومنظومة الاستطلاع والإنذار.

ويكون على قيادة القوات الجوية، أن تُخطِّط لاستخدام هذه الأسلحة والمعدات، وأن تجهيزها للحرب، ثم تقود عملياتها أثناء القتال، كما تتولى كافة مسؤوليات التأمين الإداري والفني لها سلماً وحرباً. إضافة إلى مهامها الأساسية الأخرى، التي تشمل الهجوم الجوي، والاستطلاع، والنقل الجوي… الخ.

أما القوات البرية والبحرية فلكل منها نظامه الخاص لتحقيق الدفاع الجوي المباشر عن هذه القوات، ويشتمل على الأسلحة التي تتمركز على الأرض، أما فوق القطع البحرية.

وقد يشتمل على المقاتلات الاعتراضية، إذا سمحت إمكانيات الدولة بذلك، كما هو مُتَّبع في القوات البحرية الأمريكية.

وهذا يعني إلقاء العبء الرئيسي للدفاع الجوي ـ وليس كل العبء ـ على عاتق القوات الجوية.

ويلاحظ أن الدول التي تأخذ بهذا المفهوم تعتمد اعتماداً أساسياً على المقاتلات الاعتراضية، بينما يكون دور الأسلحة أرض/ جو ثانوياً.

المفهوم الثاني

  1. الأسلوب الأول

يقضي هذا الأسلوب بتنظيم كافة عناصر الدفاع الجوي كافة في منظومة موحدة. تتكون من شبكة الاستطلاع والإنذار العام، ومراكز العمليات، وشبكة الاتصالات، وأسلحة الدفاع الجوي بما فيها المقاتلات الاعتراضية. إضافة إلى الوحدات الإدارية والفنية، والمنشآت التعليمية.

وتضع قيادة هذه القوة، وتُنفذ خطة موحدة متكاملة لإعداد هذه القوات للقتال، وإدارة عملياتها.

وتُعد وحدات الدفاع الجوي في القوات البرية والبحرية، إحدى مكونات هذه المنظومة، وتعمل في إطار خطة عامة، تضعها قيادة القوة الرابعة، وتحتوي على خطط فرعية لتوفير الوقاية للقوات البرية، والقواعد الجوية والبحرية، جنباً إلى جنب مع الخطط الفرعية الأخرى، للدفاع عن المناطق الحيوية والنقاط الحساسة بالدولة.

وتربط كل تشكيلات ووحدات الدفاع الجوي شبكة قيادة وسيطرة مُوحَّدة. يوجد على قمتها مركز عمليات الدفاع الجوي الرئيسي، وتتفرع منه جميع مراكز عمليات تشكيلات ووحدات دفاع جوي الدولة، والقوات البرية، والقوات البحرية. (اُنظر شكل شبكة مراكز العمليات)

  1. الأسلوب الثاني

تنظيم أسلحة ومعدات الدفاع الجوي الأرضية في منظومة موحدة تتكون من شبكة القيادة والسيطرة والاتصالات والصواريخ أرض/ جو، والمدفعية المضادة للطائرات إضافة إلى المنشآت الإدارية والفنية والتعليمية.

وتضع قيادة هذه القوة وتُنفِّذ خطة مُوحَّدة متكاملة لإعداد هذه القوات للقتال بينما إدارة المعركة الجوية تتولاها قيادة القطاع المعني.

وتجمع كل تشكيلات ووحدات الدفاع الجوي الأرضية شبكة قيادة وسيطرة موحدة يوجد على قمتها مركز قيادة قوات الدفاع الجوي ويتبع في سلسلة القيادة لمركز الدفاع الوطني وتتفرع منه جميع مراكز عمليات تشكيلات ووحدات الدفاع الجوي والتي تكون تحت السيطرة العملياتية للقوات الجوية.

أولاً: مهمة ودور الدفاع الجوي في السلام

  1. مهمة ووظائف الدفاع الجوي

أ. مهمة الدفاع الجوي

تأمين الحماية الجوية لأجواء الدولة التي تعلو أراضيها ومياهها الإقليمية ضد أي تهديد جوي معادي وذلك بتدمير وسائله أو منعها من تحقيق أهدافها.

ب. وظائف الدفاع الجوي

(1) الاكتشاف والإنذار

تبدأ مسؤوليات الدفاع الجوي من اللحظة التي يدخل فيها أي هدف طائر معاد إلى المجال الجوي. هذا يتطلب استخدام نظم خاصة بالاكتشاف السريع وعلى مدى بعيد. أتاح العلم الحديث وسائل و أساليب عديدة لهذا الغرض، ومنها طائرات الإنذار المبكر التي يصل مدى الكشف لبعضها إلى مئات الكيلومترات وعلى ارتفاعات منخفضة جداً، وحيث تقوم بتحديد مكان الهدف واتجاه تحركه وسرعته.

(2) تمييز الهدف

ويقصد به تحديد ما إذا كان هذا الهدف معادياً أو صديقاً، وتجرى هذه العملية بواسطة أجهزة التعارف الإلكترونية بمجرد التقاط الهدف. فإذا تعذر لسبب ما تحديد هوية الهدف، تجرى مقارنة بين بيانات خط سير الهدف، والبيانات المُدوَّنة في جداول التحركات الجوية المدنية، والعسكرية الصديقة، وقد تصدر الأوامر للمقاتلات باعتراض الهدف المجهول وتحديد هويته، أو تدميره. طبقاً للوقت المتيسر، والموقف القتالي، ومسافة الهدف. وفي وقت السلم تتميز عملية تمييز الطائرات المجهولة بالحرص الشديد.

(3) الاعتراض

عندما يتم التأكد من أن الهدف المقترب معاد، فلا بد من قيام سلاح مناسب باعتراضه والتصدي له وتدميره وهذا السلاح هو أحد أسلحة الدفاع الجوي الأرضية أو طائرة اعتراض.

(4) الاشتباك والتدمير

تعمل تشكيلات الدفاع الجوي على التصدي للعدو الجوي المهاجم لتدميره أو على الأقل تشتيت جهوده وإبعاده لحرمانه من تحقيق هدفه، وتمتلك قوات الدفاع الجوي من الأسلحة والأجهزة ما يجعل تحقيق مهامها شبه مؤكد، وبالرغم من أن أسلحة الدفاع الجوي ووسائله تُكلِّف الدولة مبالغ باهظة إلا أنها أفضل كثيراً من أن تتمكن طائرة معادية من الوصول إلى هدفها وإحداث خسائر جسيمة به. فالطائرات الآن قادرة على حمل كميات ضخمة من القذائف والقنابل الشديدة التأثير وقد يكون من بين ما تحمله هذه الطائرات المعادية أنواعاً من أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة النووية أو الكيماوية أو غيرها. لذا فإن عائلة أسلحة الدفاع الجوي ينبغي أن تكون دائماً على أعلى درجات الاستعداد للدفاع عن المناطق الحيوية العسكرية والمدنية وكذلك التشكيلات الميدانية .

  1. دور الدفاع الجوي في السلام

الواقع أن الدفاع الجوي لا يعرف السلام بمفهومه السائد. فهو دائماً في أوضاع استعداد، وإن كانت تُخفَّف أثناء السلام، ولكن الوحدات لا تعود إلى ثكناتها بعد أن تضع الحرب أوزارها. فالحقيقة أن ثكناتها هي مواقعها القتالية. قد تُسحب الوحدة إلى ميادين التدريب والرماية، أو إلى ورش الإصلاح والصيانة. كما يذهب الضباط والجنود للتدريب في المعاهد العسكرية. ولكنهم يعودون ثانياً إلى مواقعهم، لتنفيذ حالات وأوضاع الاستعداد اليومية. وذلك باستثناء بعض وحدات المدفعية المضادة للطائرات.

أما شبكة الاستطلاع والإنذار، فإنها تتناوب فيما بينها مع المجال الجوي على مدار الساعة، وإمداد مراكز العمليات بالموقف الجوي باستمرار، أولاً بأول.

ومن ثمّ فإن مراكز عمليات الدفاع الجوي تظل في حالة عمل مستمر. والفرق الوحيد بين الحرب والسلام هو أن هذه المراكز تعمل بالأطقم المخفضة. ومع ذلك فكثيراً ما ترتفع حالات الاستعداد، عند أية بادرة توتر في الموقف السياسي.

أي أن السلام بالنسبة للدفاع الجوي، ما هو إلا حالة استعداد مخففة، لا أكثر ولا أقل.

ومن البديهي أن هذا يحتاج جهاز قيادة يقظ دائماً. وعلى وعي تام بأن الطائرة المعادية يمكن أن تصل إلى هدفها في دقائق.

ثانياً: عناصر الدفاع الجوي

قد يختلف المفهوم الذي تُفضِّله الدول، ولكن العناصر الرئيسية للدفاع الجوي لا تختلف من مفهوم إلى آخر، وهي:

  1. منظومة القيادة والسيطرة و الاتصالات

هي الوسيلة التي من خلالها يتمكن القادة من ممارسة القيادة والسيطرة على وحداتهم وتتكون من معدات وأجهزة مصممة لتمرير الأوامر وتبادل المعلومات والتبليغـات وعرض البيانات وطاقة بشرية مؤهلة لاستخدام تلك المعدات وفق إجراءات عمل مكتوبة ومعتمدة من قبل القادة المعنيين. وقد صُمِّم نظام القيادة والسيطرة بحيث يتمشى مع الهيكل التنظيمي والارتباط القيادي والعملياتي لقوات الدفاع الجوي ضمن القوات المسلحة. ويعمل هذا النظام على مدار الساعة بحيث يزاول المراقبة الجوية ويتابع حالة وحدات الضرب بصورة مستمرة، وهذا يحتاج إلى استخدام نوعيات مختلفة من أجهزة الرادار تشمل الآتي:

أ. أجهزة رادار بعيدة المدى مثل:

(1) الجهاز الأمريكي AN/FPS – 130. مدى 470 كم.

(2) الجهاز الأمريكي AN/TPS – 32. مدى 556 كم.

ب. أجهزة رادار لقياس الإحداثيات الثلاثة (المسافة والاتجاه والارتفاع)، مثل:

(1) الجهاز الفرنسي TRS – 2230. مدى 510 كم.

(2) الجهاز الأمريكي HADR. مدى 320 كم.

وواجب هذه الأجهزة الإرشاد بصفة عامة عن موقع الطائرات المعادية.

ج. أجهزة رادار لقياس المسافة والاتجاه فقط، مثل:

(1) الجهاز الصيني JLP – 40. مدى 200 كم.

(2) الجهاز الأسباني IRS – M.

د. أجهزة رادار مخصصة فقط لقياس الارتفاع، مثل:

(1) الجهاز الأمريكي- 6  AN/FPS. مدى؟

(2) الجهاز الصيني JLG – 43. مدى 200 كم

هـ. أجهزة رادار لقياس إحداثيات الأهداف التي تُحلِّق قريباً من الأرض، مثل:

  • الجهاز الفرنسي TRS – 2140. مدى 145 كم.

و. أجهزة الرادار المحمولة جواً في طائرات AWACS:

ويمكنها اكتشاف مئات الطائرات، وتحديد كافة بياناتها، ومعالجتها، وإرسالها فوراً إلى مراكز العمليات المختلفة.

ومن أشهرها الطائرة E – 2C Hawkeye التي تعمل مع البحرية الأمريكية، والطائرة E – 3 Sentry. وقد قدمت هذه الطائرات حلاً جذرياً للمشكلة التي عانت منها أجهزة الرادار، لما يزيد عن عشرين عاماً. وهي مشكلة اكتشاف الطائرات التي تُحلِّق قريباً من الأرض. وتختلف ترددات هذه الأجهزة، وطرق مقاومتها للإعاقة الإلكترونية. وبهذا فقد يتعرض بعضها لإعاقة شديدة، تمنعه من رؤية الهدف كليةً. بينما يتعرض البعض الآخر لإعاقة متوسطة الشدة. ولكن عدد من الأجهزة لن يتأثر بها. لأنها ليست مؤلفة على نطاق الترددات الذي تعمل عليه هذه الأجهزة. وعن طريق الاتصال بين كل كواقع الشبكة، وتبادل المعلومات فيما بينها، يمكن الاستمرار في اكتشاف الأهداف المعادية، وتحديد المعلومات اللازمة للاعتراض والاشتباك، بواسطة الأسلحة الإيجابية، وكذا المعلومات، التي تحتاجها مراكز العمليات لممارسة مهامها.

وعادة ما يتكون موقع الرادار الواحد من أكثر من جهاز، ليس فقط لتنويع نطاقات التردد، وإنما أيضاً لكي يستمر الموقع في تنفيذ مهامه، إذا تعرض أحد أجهزته للقصف. وهذا يمنع من حدوث ثغرة في الحقل الراداري. ويجب أن يدافع عن مواقع الرادار بواسطة المدفعية المضادة للطائرات، والصواريخ الخفيفة، إن أمكن. خاصة وأن كثيراً من هذه المواقع تنتشر في أماكن نائية خارج تجميعات الدفاع الجوي الرئيسية.

ومما سبق يتضح أن شبكة الاستطلاع والإنذار تحتوي على أعداد كبيرة من الأجهزة، وتنتشر في شتى بقاع الدولة. ومن البديهي أن هذا العدد ينظم في مجموعات، ويسيطر على كل مجموعة مركز عمليات مجَّهز بكافة المعدات الإلكترونية الحديثة، التي تقوم بجمع، وتصفية، وتحليل، وعرض هذا الكّم الهائل من البيانات، وتحويله إلى معلومات مفيدة، ثم إرساله إلى الجهات التي تحتاجها. وهذه العملية تحتاج إلى تحديد مستويات الإنذار. أي إلى من؟ ومتى؟

ومن هذا يتضح مدى الجهد الخارق، الذي يحتاجه تنظيم وإدارة هذه الشبكة.

  1. أنظمة الدفاع الجوي الجوية والأرضية

المقصود بها الأسلحة المكلفة بصد الهجوم الجوي، وهي:

أ. المقاتلات الاعتراضية.

ب. الصواريخ الموجهة أرض/ جو.

ج. المدفعية المضادة للطائرات.

وكل منها عبارة عن عائلة متكاملة، متعددة النوعيات، وخاصة في الصواريخ والمدفعية. والسبب في هذا التنوع هو أن السلاح الواحد لا يمكن أن يؤدي كل العمل. فكل سلاح له مواطن قوته، ولكن يعيبه أن به بعض نقاط الضعف الذي يعرفها العدد، بلا شك، ويستطيع أن يستغلها، ليس فقط لكي يتسلل آمنا إلى هدفه، وإنما أيضاً لتدمير هذا السلاح، أو شل فاعليته، على الأقل. كما أن أي سلاح له إمكانيات محددة ومحدودة، من حيث المدى والارتفاع. ويظهر هذا جلياً في الصواريخ أرض/ جو، والمدفعية المضادة للطائرات.

أ. المقاتلات الاعتراضية

يمكن القيام بمهمة الاعتراض إما بوضع الطائرات الاعتراضية على الأرض في حالة تأهب قصوى للاشتباك مع الطائرات المعادية، أو عن طريق توجيه طائرات دوريات المقاتلة للاشتباك مع الطائرات المعادية.

يمكن تنفيذ الاعتراض بمساعدة (الرادارات) الأرضية أو الجوية، وفي حالة عدم توفر هذه (الرادارات) فإن الطائرات يجب أن تكون جاهزة للقتال باستخدام (راداراتها) الخاصة حسب تدريبها القتالي، وتخضع فعالية المقاتلات الاعتراضية للآتي :

(1) أداء الطائرات المعادية.

(2) أداء المقاتلات الاعتراضية ويشمل ذلك المدة اللازمة للإقلاع والقدرة على البقاء في الجو وفي تأهب على الأرض لفترات طويلة وقدرة الطائرات على التسارع والصعود والمناورة .

(3) نوعية أنظمة أسلحة المقاتلات الدفاعية.

(4) مدى فعالية الاتصالات.

(5) قدرة (الرادارات) على اكتشاف الأهداف على مستوى منخفض.

(6) المسافة التي تقطعها الطائرة المعادية عبر منطقة الدفاع الجوي الصديقة قبل إطلاق قذائفها.

(7) مواقع قواعد المقاتلات الدفاعية.

(8) مدة تجاوب النظام الدفاعي وهي الفترة ما بين اكتشاف الطائرات المعادية وإقلاع المقاتلات الاعتراضية.

ب. الصواريخ أرض/ جو

يستخدم الدفاع الجوي نوعيات مختلفة من الصواريخ، تشترك في صفة واحدة، وهي أنها جميعاً موجهة، مع اختلاف طرق التوجيه. فأغلبها يُوجَّه بالطاقة الكهرومغناطيسية، مثل الصاروخ Patriot والصاروخ Hawk والصاروخ SAM – 2, 3, 6 مع اختلاف طرق التوجيه، مع أنها جميعاً تُوجَّه بالطاقة الكهرومغناطيسية. والبعض الآخر يُوجَّه بالليزر مثل الصاروخ ADATS والصاروخ RBS – 70، والصاروخ Starburst. كما أن هناك صواريخاً موجهة بالأشعة دون الحمراء، مثل الصاروخ Stinger، والصاروخ Strela، والصاروخ Chaparral، وغيرها.

واختلاف طرق التوجيه تجعل من الصعب على العدو خداع، أو إعماء كل هذه النوعيات بالإعاقة الإلكترونية. قد ينجح في شل فاعلية أحدها، ولكنه لن يستطيع التغلب عليها جميعاً.

أما من حيث المدى فهناك الصواريخ قصيرة المدى، التي تُطلق من الكتف، ومن أشهرها الصاروخ Stinger الأمريكي، والصاروخ SAM – 7 الروسي، وكلاهما يُوجَّه بالأشعة دون الحمراء. وهذه النوعية فعَّالة جداً ضد الطائرات التي تُحلِّق قريباً من الأرض. فضلاً عن سهولة إخفاء الموقع.

كما يسهل استخدامها في كمائن لاصطياد طائرات العدو، التي تفاجأ بنيران من حيث لا تتوقع. ويمكن للرامي تغيير موقعه بعد كل اشتباك بسرعة. وقد جرى تحميل أعداد من هذه الصواريخ على عربات لزيادة قدرتها على المناورة، مثل منظومة Avenger، وهي عبارة عن ثمانية صواريخ Stinger محملة على عربة
4 × 4.

غير أن منطقة قتال هذه الصواريخ محدودة بمداها الذي لا يتجاوز 5 كم، وبارتفاع الاشتباك (في حدود
3 كم). ومن ثمّ تستطيع الطائرات المعادية أن تتفاداها بالالتفاف حولها.

ولهذا يجب استخدام نوعيات أخرى من الصواريخ، ذات إمكانيات أكبر في المدى والارتفاع مثل الصاروخ Crotale، مدى 10 ـ 11 كم. وارتفاع 6 كم. ثم الصاروخ SA – 3، مدى 18 كم، وارتفاع 18 كم، والصاروخ Hawk، مدى 17 ـ 18 كم، وارتفاع 17 كم، ثم الصاروخ  SA – 2، مدى 35 كم، وارتفاع 22 كم. وهكذا.

ولكن يعيب هذه الصواريخ عدم قدرتها على الاشتباك بالطائرات التي تُحلِّق قريباً من الأرض، كما يحيط موقع الصاروخ دائرة قد يصل قطرها إلى عدة كيلومترات، لا يمكنها الاشتباك فيها، تسمى المنطقة الميتة Dead Zone. وهنا تظهر أهمية المدفعية المضادة للطائرات.

ج. المدفعية المضادة للطائرات

عند مقارنة المدفعية المضادة للطائرات بالصواريخ أرض/ جو، يتضح أن الصواريخ تتميز بمدى أطول، وبقدرة عالية على الاشتباك بالطائرات المناورة، لأن الصاروخ يظل متابعاً للطائرة أينما ذهبت، أما مقذوف المدفعية فلا يُوجَّه أثناء سيره، ولا يمكن التحكم فيه بعد الإطلاق. ومع ذلك فهناك بعض القيود التي تحد من كفاءة الصواريخ في ظروف معينة، مثل الطائرات التي تظهر فجأة، على مسافات قريبة. لأن زمن رد الفعل للصواريخ  . أكبر من الزمن اللازم للمدافع، كما أن سرعة الصاروخ تكون بطيئة في مرحلة طيرانه الأولى. وعلى العكس فإن سرعة مقذوف المدفع تكون أكبر ما يمكن في بداية انطلاقه. ومن ثمّ فإن قوة الصدام، وبالتالي قدرة التدمير تكون أكبر. وبفضل معدل النيران العالي، تستطيع المدافع أن تغمر الهدف بوابل من النيران يصل إلى 4000 طلقة في الدقيقة (المدفع ZSU – 23 – 4). وعلاوة على ذلك، فإن المدافع التي تستخدم أجهزة التسديد البصري، لا تؤثر فيها أي صورة من صور الإعاقة الإلكترونية. ويمكن للمدافع الاشتباك بكفاءة عالية بالطائرات التي تُحلق على ارتفاع منخفض.

ولقد أُدخلت تحسينات كثيرة على المدفعية المضادة للطائرات، أدت إلى زيادة السرعة الابتدائية للمقذوف، وكذا قدرته التدميرية، كما زُودت بوسائل تسديد ساعدتها على سرعة تحريك المدفع في الاتجاه والارتفاع (أفقياً، ورأسياً)، وبالتالي سرعة الاشتباك بالأهداف المفاجئة.

وعلاوة على ذلك فإن المدفعية المضادة للطائرات، تتميز برخص التكلفة، وبساطة الاستخدام، وسهولة التدريب والصيانة، والقدرة على الاشتباك أثناء التحرك.

ولهذا أصبح من المفيد إيجاد نوع من التلاحم بين الصاروخ والمدفع. وبالفعل أنتجت بعض الشركات بطارية تجمع بين الاثنين. ومن أمثلتها منظومة Sky Guard، حيث تجمع وحدة النيران بين الصواريخ Sparrow والمدافع عيار 35 مم. وكذلك منظومة سيناء – 23 (إنتاج مصري/ فرنسي)، وتحتوي وحدة النيران على 4 ـ 6 صاروخ عين الصقر ومدفع مزدوج 23 مم. علاوة على أجهزة قيادة النيران، في كلا المنظومتين.

  1. الدفاع الجوي كمنظومة[1]

يعمل الدفاع الجوي الحديث بأسلوب المنظومة System، ولهذه المنظومة مدخل Input، ومخرج Output، وتتم فيها مجموعة من العمليات Processing، لتحويل ما يدخل (اُنظر شكل منظومة الدفاع الجوي)

يوضح العرض السابق حقيقة لا تقبل الجدل، وهي:

إن هذا العدد الكبير، والتنوع من الوحدات، والأسلحة والمعدات، الذي تجمعه مهمة واحدة، وخطة استخدام واحدة، وعدو مُجمّع (مُوحَّد)، هو القوات الجوية المعادية. لا بد له من قيادة قادرة على التخطيط، والإعداد وإدارة أعمال القتال، تطبيقاً لمبدأ وحدة القيادة.

ويصبح السؤال هو: لمن تتبع هذه القيادة؟

هل تتبع مباشرة للقيادة العامة للقوات المسلحة؟ وبذلك يصبح الدفاع الجوي قوة رابعة قائمة بذاتها، مثل القوات البرية والبحرية والجوية؟

أو تتبع لقائد القوات الجوية؟ ويتحمَّل بذلك هذه الأعباء الضخمة، إضافة إلى ما لديه من أعباء؟

وهل تتفق طبيعة عمل الدفاع الجوي مع طبيعة عمل القوات الجوية، حتى يمكن جمعها معاً؟

ثالثاً: طبيعة معركة الدفاع الجوي

تنفرد معركة الدفاع الجوي بمجموعة من السمات، تشمل الأتي:

  1. تتميز بأنها معركة خاطفة وسريعة الإيقاع، ومشحونة بكمِّ هائل من المواقف المتغيرة. تتواجد فيها الطائرات المعادية في مجال الأسلحة الدفاعية لدقائق أو ثوان. وخلالها تتم مراحل المعركة بكل دقائقها، في تلاحق وتزامن مذهل. ولا يفصل بين المعركة والأخرى سوى دقائق معدودة، لأن الهجمات الجوية في الحرب الحديثة، لا تتوقف ليلاً أو نهاراً.
  2. يشترك في القتال أعداد كبيرة ومتنوعة من الأسلحة والمعدات الهجومية والدفاعية، إضافة إلى معدات الحرب الإلكترونية. وجميعها يتمتع بمستو عال من التقدم التقني، وكثير منها يدخل في فئة الأسلحة الذكيةSmart Weapons، مثل الصواريخ الطوافةCruise. وقد يتوقف على كسب هذه المعركة أو خسارتها مصير الحرب.
  3. يتسع مسرح العمليات ليشرح المجال الجوي، أفقياً ورأسياً. وهذا يعني أنه يغطي مساحة الدولة بالكامل، بل ويتعداها إلى أقصى مدى يستطيع أن يصل إليه شعاع الرادار، المتمركز على الأرض، أو المحمول جواً. لأن معركة الدفاع الجوي تبدأ من اللحظة الأولى لاكتشاف الطائرة المعادية. هذا عن المستوى الأفقي. أما المستوى الرأسي فيبدأ من قمم الأشجار، ويرتفع إلى حيث تستطيع الطائرة أن تُحلق (حوالي 30 كم).
  4. تُعد تشكيلات الدفاع الجوي من أهداف الأسبقية الأولى في أي خطة هجومية. وعادة ما تبدأ الحرب بقصف هذه التشكيلات، تمهيداً لطريقٍ آمن أمام باقي الطائرات لقصف أهدافها بُحرِّية.

وحتى عهد قريب، كانت القوات الجوية الأمريكية تُخصِّص سربين (48 طائرة) من طائرات الفانتوم F – 4 Phantom لمهمة واحدة فقط، هي إخماد الدفاع الجوي SEAD Suppression of Enemy Air Defense. وكانت تُطلِق على هذه الأسراب اسم ابن عرس المتوحش Wild Weasel. وسُلِّحت هذه الطائرات بأحدث الصواريخ المضادة للرادار، وهو الصاروخ HARM High Speed Anti – Radiation Missile. وتُطلق هذه الصواريخ صوب أي جهاز يشع طاقة كهرومغناطيسية، وتظل راكبة شعاعه، إلى أن تصل إليه وتُدمِّره، هذا إذا استمر في الإشعاع، إما إذا توقف عن البث، فإنه لن يكتشف الطائرات المعادية.

والنتيجة واحدة في الحالتين.

وبعد أن تقادمت هذه الطائرات تبنَّت القوات الجوية الأمريكية برنامجاً جديداً لتسليح الطائرات F – 16، وغيرها بهذا الصاروخ.

أما بريطانيا، فتستخدم الصاروخ ALARM. ويتميز بأنه يُصر على تدمير جهاز الرادار، حتى لو توقف عن البث، إذ أنه عند ذلك يصعد إلى أعلى، ويفتح مظلة خاصة، ويحوم فوق المنظمة، مراقباً لها، إلى أن يبدأ أحد الرادارات في الإشعاع فينقض عليه. وقد استخدمه الطائرات Tornado البريطانية، لأول مرة في حرب تحرير الكويت. ويصل مدى الصاروخ إلى 90 كم. أي أن الطائرة تطلقه من خارج مدى جميع الأسلحة أرض/ جو.  

  1. يواجه الدفاع الجوي حالياً نوعاً جديداً من التهديدات، وهي القنابل والصواريخ جو/ أرض التي تطلقها الطائرات من خارج مدى الأسلحة أرض/ جو. وتسمىStand – offمثل الصاروخ Popeye (مدى 80 ـ 100 كم، وجاري تطويره ليصبح مداه 200 كم). والقنبلة AGM – 130 (مدى حوالي 200 كم).

وسوف تكون هذه الأسلحة من أصعب التحديات التي سيواجهها الدفاع الجوي في القرن القادم.

والحل الأمثل لمواجهة هذا التحدي، هو اعتراض هذه الطائرات، على مسافات بعيدة، بواسطة مقاتلات مسلحة بصواريخ ذات مدى مناسب، مثل الصاروخ AMRAAM Advanced Medium Range Air to Air Missile.

  1. تُعاني أنظمة الدفاع الجوي مشكلة عدم الاكتشاف المبكر للطائرات المعادية. لأن الطائرة هدف صغير، ومساحة سطحها العاكس للرادار (المقطع الراداريRadar Crosection Area) صغيرة جداً. ويمكن للطائرة الاقتراب من أي اتجاه، وعلى أي ارتفاع، بسرعات تفوق سرعة الصوت. ويجيد الطيار استخدام الهيئات الأرضية للاقتراب المخفي، وتسانده مجموعة متنوعة من معدات الحرب الإلكترونية.
  2. يواجه الدفاع الجوي حالياً، ومنذ عام 1983، مشكلة أكثر تعقيداً، وهي الطائرات الخفية، والتي يكاد يتعذر اكتشافها رادارياً أو بأجهزة الاستشعار التي تعمل بالأشعة دون الحمراء، وتُعرف هذه الطائرات باسمStealthأي المتسلسلة، أو المباغتة.وقد أُنتج منها حتى الآن طرازان: الأول هو القاذفة الخفيفة F – 117A، التي استخدمت في حرب تحرير الكويت. والثاني هو القاذفة الإستراتيجية B – 2[1].  واشتراك كلاهما في عمليات حلف الناتو NATO ضد يوغسلافيا.

وتراوح مساحة السطح العاكس لأي من الطائرتين بين 0.001 ـ 0.1 م2، علماً بأن مساحة السطح العاكس للقاذفة الإستراتيجية B – 52 تبلغ 100م2 (مائة متراً مربعاً). والاتجاه السائد حالياً، هو تعميم فكرة الإخفاء هذه في جميع طائرات القتال الجاري إنتاجها، إضافة إلى الصواريخ الطوافة Cruise.

  1. تُجهز الطائرات الهجومية، منذ أواخر الستينات، بأجهزة إنذار عن الدفاع الجوي المعادي. ويتكون الجهاز من مُستقبِل راداريReceiver، وحاسب إلكتروني، يعمل وفقاً لبرنامج خاص. وعندما يدخل الطيار في مجال الكشف الراداري المعادي، يستقبل الجهاز الطاقة الكهرومغناطيسية، وينذر الطيار بذلك. وعندما يُطلق الدفاع الجوي صاروخاً صوب الطائرة، فإن جهاز الإنذار يستقبل النبضات التي تحمل أوامر التوجيه للصاروخ، ويحوِّلها إلى الحاسب، وفي نفس الوقت يُبلِّغ الطيار بأن صاروخاً قد أُطلق نحوه، ويجري الحاسب مجموعة من العمليات، تشمل سرعة واتجاه الصاروخ والطائرة، والخواص الإيروديناميكية لكل منهما. وفي اللحظة المناسبة يُصدر أزيزاً معيناً، وتظهر على شاشة الطيار مجموعة من البيانات، يجري الطيار على أساسها مناورة حادة يتخلص بها من الصاروخ المضاد. وعلى الرغم من أن الدفاع الجوي المصري استطاع تضليل هذه الأجهزة في أواخر حرب الاستنزاف، وأثناء حرب أكتوبر، فإن هذه المُعدات تتطور باستمرار، وتساهم بسقط كبير في تعقيد وصعوبة الاشتباك بالطائرات المعادية، وتُقلِّل من احتمالات تدميرها.
  2. يجب على الدفاع الجوي أن يكون جاهزاً باستمرار للاشتباك الفوري، بأي طائرة معادية.

ويذكر التاريخ بعض الكوارث التي كان سببها عدم جاهزية الدفاع الجوي. ففي صباح يوم 7 ديسمبر 1941، هاجمت 360 طائرة يابانية الأسطول الأمريكي في قاعدة بيرل هاربور Pearl Harbor، وأحدثت به خسائر فادحة، بلغت 2433 قتيلاً، 1187 جريحاً، وتدمير 182 طائرة، وكان بالقاعدة 94 بارجة، غرقت منها أربع بوارج هي أريزونا Arizona، وأوكلاهوما Oklahoma، وكاليفورنيا California، ووست فرجينيا West Virginia وأصيبت كل البوارج الأخرى بأضرار، ما عدا البارجة بنسلفانيا Pennsylvania. علماً بأن القاعدة كان بها 1017 مدفع مضاد للطائرات و 152 مقاتلة اعتراضية. (لم تكن الصواريخ قد أُنتجت).

كما يذكر التاريخ حادثاً طريفاً، رغم خطورته، وهو هبوط فتى ألماني وصديقته بطائرة رياضية في الميدان الأحمر، بجوار سور الكرملين، في موسكو، يوم 29 مايو 1987، وكان قادماً من هلسنكي، وطار ألف كم فوق الأراضي السوفيتية، دون أن يقول له الدفاع الجوي السوفيتي قف من أنت؟

وهذا يؤكد أنه ما دام هناك احتمال ـ مهما ضعف ـ اختراق للمجال الجوي، فلا بد أن يكون الدفاع الجوي جاهزاً لمواجهته.

ونظراً لأن المبادأة، أو المفاجأة تكون في يد العدو المهاجم، فإن الاستعداد الفوري يستلزم تشغيل أجهزة الرادار، ومعدات الصواريخ والمدفعية، وتشغيل مراكز العمليات، واستعداد طياري المقاتلات الاعتراضية للإقلاع بعد لحظات من صدور الأمر. وهذا كله انتظاراً لطائرة، لا أحد يعلم متى تأتي، ومن أين؟ وقد لا تأتي.

ولكن التشغيل المستمر للمعدات، والتحفز الدائم للأطقم، أمر بالغ الصعوبة، ويؤدي إلى استنزاف متواصل لطاقات الضباط والجنود، واستهلاك مستمر للأسلحة والمعدات، وخاصة الإلكترونية، ومن ثم تكثر أعطالها، وتنتهي أعمارها في زمن قصير. وعلى الدفاع الجوي أن يجد حلاً لهذه المعادلة الصعبة، التي يُمثِّل الاستعداد الفوري للاشتباك أحد طرفيها، بينما يأتي على طرفها الآخر، المحافظة على صلاحية المعدات، وطاقات الضباط والجنود.

ولحل هذه المعادلة، تجري قيادة الدفاع الجوي دراسات متعمقة، لمجموعة من العوامل، تشمل الآتي:

  1. الموقف السياسي والعسكري.
  2. العدو، ونواياه، وإمكانياته، وقواعده الجوية، ودرجات استعداده، واتجاهات الاقتراب المحتملة، وخبرات طياريه، والإعاقة الإلكترونية، وكل التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع.
  3. الزمن اللازم لأسلحة الدفاع الجوي للتحول من حالة ما، إلى وضع الاستعداد الفوري للاشتباك.
  4. قدرات شبكة القيادة والسيطرة والاتصالات على اكتشاف الطائرات المعادية، والإنذار عنها، في جميع الحالات.

وغالباً ما تُنظَّم حالات الاستعداد (التأهب)، وفق الأسلوب الأول من المفهوم الثاني في ثلاث حالات هي القصوى، والزائدة، واليومية. ويُحدَّد داخل كل حالة نِسَبْ، أو أعداد الأسلحة والمعدات التي تكون جاهزة فوراً، وتلك التي يُسمح لها بفترة زمنية محددة، تكون بعدها جاهزة للاشتباك. (اُنظر شكل حالات وأوضاع الاستعداد)

رابعاً: التهديد الجوي المعاصر ومهام القوات الجوية

  1. التهديد الجوي المعاصر

يتميز التهديد الجوي المعاصر بعِدَّة خصائص تحتم على وسائل الدفاع الجوي العمل على مجاراته . هذه الخصائص هي:

أ. السرعة SPEED

تسير المعركة الحديثة بصورة سريعة جداً، مما جعل من عملية صنع القرارات عملية آنية متى ما أريد لها أن تكون مؤثرة وفعالة. كما أن التقنيات الحديثة الخاصة بالتهديد الجوي في شتى صوره خصوصاً السرعة والمدى، والمسافة التي تنطلق منها الذخائر نحو الأهداف، قد جعلت من سرعة الاستجابة أمراً ضرورياً لوحدات ومنظومات الدفاع الجوي.

ب. الحشد والاستمرارية

يستمر زخم العمليات العسكرية بضراوة وشدة بالغتين، وذلك لأن الغارات الجوية، والحرب الإلكترونية ستبقى متصلة على مدار الساعة الأمر الذي لا يتيح لقوات الدفاع الجوي أي وضع للاسترخاء العسكري، مما يؤثر على كفاءة عمل المعدات، ويحدث تأثيرات نفسية شديدة الوقع على الطاقة البشرية لقوات الدفاع الجوي.

ج. التزامن SYNCHRONIZATION

التهديدات الجوية الحديثة في الحرب المعاصرة تتسم بكونها عبارة عن جهد متصل من جهود ومعارك الأسلحة المشتركة، لأن معظم العمليات تتم في آن واحد، الأمر الذي يولد حالة من ضغط العمل على قوات الدفاع الجوي نتيجة لتعاملها مع أكثر من تهديد في وقت واحد.

د. المفاجأة SURPRISE

أثبتت التجارب السابقة بأن الحروب لا تندلع فجأة، ومن هنا فإن إمكانية تحقيق التهديد للمفاجأة الإستراتيجية قد أخذت في التضاؤل، إلا أن ذلك لا يلغي إمكانية تحقيقه للمفاجآت التكتيكية، كاستخدام أساليب جديدة في الهجوم، أو الحرب الإلكترونية، أو أنواع الذخائر والمقذوفات المستخدمة في تحطيم أنظمة الدفاع الجوي.

هـ. اقتران الأعمال العسكرية الحديثة بالتهديد بأسلحة الدمار الشامل. ليس هناك أدنى شك في أن التهديد بأسلحة الدمار الشامل قد أضاف أعباء إضافية على عاتق وحدات قوات الدفاع الجوي الأرضية، تتطلب التخطيط لعمليات الدفاع الجوي سلباً وإيجاباً لامتصاص الآثار النفسية، والتدميرية الناتجة عن أسلحة الدمار الشامل.

  1. مهام القوات الجوية

تُكلَّف القوات الجوية بالمهام الآتية:

أ. قصف وتدمير الأهداف الحيوية المعادية، وبخاصة تشكيلات مراكز القيادة والسيطرة والاتصالات ووحدات الدفاع الجوي، والقواعد الجوية والبحرية، ووحدات الحرب الإلكترونية، والمستودعات الرئيسية، والأهداف الإستراتيجية في العمق مثل الجسور، ومحطات توليد الكهرباء، ومحطات الإذاعة والتلفاز، والمصانع الحربية… الخ.

ب. عزل مسرح العمليات، وشل القوات المعادية داخله.

ج. اكتشاف وقصف مواقع الصواريخ أرض/ أرض.

د. توجيه هجمات جوية ضد الاحتياطيات الإستراتيجية والعملياتية المعادية، أثناء تقدمها على المحاور والطرق، وقبل دفعها للاشتباك.

هـ. إسناد القوات البرية في جميع مراحل المعركة.

و. الإبرار الجوي في العمق التعبوي والتكتيكي، والنقل الجوي، وإمدادات القوات المتوغلة، أو المنعزلة. وعمليات الإخلاء الجوي، وإنقاذ الطيارين الذين يقفزون بالمظلات في أرض العدو.

ز. مساندة العمليات البحرية، وتشمل الاستطلاع، وتوجيه النيران، وتدمير الوحدات البحرية المعادية، وحماية ومساندة عمليات الإنزال البحري، ومهاجمة خطوط المواصلات البحرية المعادية.

ح. الاستطلاع الجوي لمواقع العدو وأهدافه الحيوية وأنشطة قتاله … الخ.

ط. تصحيح نيران مدفعية الميدان.

  1. دور المقاتلات في معركة الدفاع الجوي

ولكي ينجح الدفاع الجوي في تنفيذ مهامه، يجب أن يجري اعتراض الطائرات المعادية على مراحل أو نطاقات متتالية، تبدأ على خطوط الاقتراب البعيدة لهذه الطائرات.

ونظراً لأن المقاتلات تتميز بطول المدى، فإنها تُدفع على الفور لاعتراض الطائرات المعادية على مسافات بعيدة. ولكن دورها لا يقتصر على ذلك، إذ أنها تُكلَّف أيضاً بالاشتراك مع الأسلحة أرض/ جو في اعتراض الطائرات المعادية في منطقة واحدة، إذا كانت هذه الأسلحة غير كافية لصد الهجوم الجوي وحدها.

وإذا كان الهدف الحيوي الذي تدافع عنه الأسلحة أرض/ جو ذا أهمية خاصة، فإن العدو يركز هجماته الجوية لإسكات هذه الأسلحة، لفترة تكفي لقيام القاذفات بقصف وتدمير الهدف الحيوي. وعند ذلك لا يكون أمام القائد إلا أن يدفع بالمقاتلات الاعتراضية للدفاع عن هذا الهدف، إلى أن يتيسر له استعادة موقف الأسلحة أرض/ جو، سواءً بالإصلاح، أو بدفع وحدات جديدة. وهذا وذاك يحتاج إلى وقف يُقدَّر بالساعات. وهي فترة كافية للطائرات المعادية لتكرار القصف مرات ومرات. أما دفع المقاتلات الاعتراضية فلا يحتاج سوى دقائق.

ولقد تطورت المقاتلات الاعتراضية، وزادت قدرتها على البقاء في الجو لفترات طويلة نسبياً، كما جُهِّزت بأسلحة موجهة بعيدة المدى، وبمعدات إلكترونية تمكِّنها من الاشتباك ليلاً بدقة عالية، وهذا فضلاً عن السرعة العالية ومعدل التسلق الكبير.

ومن ثم فإن دور المقاتلات الاعتراضية في معركة الدفاع الجوي رئيسي، ومهم. ويتحقق بالتعاون الوثيق مع باقي الأسلحة أرض/ جو.

وتتعدد صور هذا التعاون بناءً على مجموعة من العوامل، تشمل الآتي:

أ. درجة خطورة العدائيات، أي كثافة، واستمرارية الهجمات الجوية، ونوع وتسليح الطائرات، والإعاقة الإلكترونية، وما إلى ذلك.

ب. الإمكانيات القتالية للأسلحة أرض/ جو، والنسبة بينها وبين المقاتلات.

ج. عُمق الإنذار عن الطائرات المعادية، الذي تحققه شبكة القيادة والسيطرة والاتصالات.

وبناءً على ذلك يأخذ التعاون بين المقاتلات الاعتراضية، والأسلحة أرض/ جو الصور الآتية: (اُنظر شكل تنظيم التعاون بالارتفاعات والقطاعات) و(شكل تنظيم التعاون بالأهداف)

(1) التعاون بالمناطق

وهو أبسط صور التعاون بين المقاتلات والأسلحة أرض/ جو، حيث يعمل كل منهما في منطقة خاصة به. وفيه تتولى المقاتلات اعتراض الطائرات المعادية على خطوط الاقتراب البعيدة، أو في المناطق غير المدافع عنها بالأسلحة أرض/ جو، أو للدفاع عن أجناب تجميعات الصواريخ أرض/ جو.

(2) التعاون في المنطقة الواحدة

وهذه المنطقة هي منطقة التدمير لوحدات الصواريخ. ومنطقة التدمير هي المنطقة التي يلتقي فيها الصاروخ أرض/ جو بالطائرة المعادية، وتُحدد بأربعة خطوط هي الحد القريب، والحد البعيد، والحد السفلي، والحد العلوي. وينفذ التعاون في المنطقة الواحدة بالصور الآتية:

(أ) التعاون بالقطاعات

وفيه يُخصَّص قطاع عمل داخل المنطقة لكل من المقاتلات والأسلحة أرض/ جو، ويحدث هذا عندما تفقد الأسلحة أرض/ جو كفاءتها في هذا القطاع. فتُخصَّص للمقاتلات مهمة تغطية هذه الثغرة.

(ب) التعاون بالارتفاعات

وفي هذه الحالة تُقسَّم السماء إلى شرائح بالارتفاعات ويُخصَّص لكل سلاح الارتفاع المناسب له ليعمل فيه.

(ج) التعاون بالأهداف

وفيه يُخصَّص كل هدف للسلاح الأكثر ملاءمة له.

(3) التعاون بالوقت

وهذا يعني تكليف كل من المقاتلات والأسلحة أرض/ جو بمسؤولية الدفاع الجوي عن منطقة ما لمدة معينة.

خامساً: طائرات الإنذار، وحماية الطائرات من نيران الأسلحة الصديقة

  1. طائرات الإنذار المبكر والقيادة والسيطرةAirborne Warning and Control System AWACS

طائرات الأواكس لها دور في غاية الأهمية، في كل من العمليات الهجومية، والعمليات الجوية الدفاعية. ولذلك يقولون أنها تضاعف القوة القتالية Force Multiplier.

ففي العمليات الدفاعية، تتميز بقدرات كبيرة على اكتشاف الطائرات على الارتفاعات المختلفة من مسافات تصل إلى 500 كم، وهي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها اكتشاف الطائرات التي تُحلِّق قريباً من الأرض. كما تقود المقاتلات أثناء عمليات الاعتراض، وتسيطر عليها، وتنظم عملها عند وجودها في مناطق المظلات الجوية (الدوريات الجوية المقاتلة Combat Air Patrol CAP)[1].

أما في الهجوم، فهي تقود العملية من البداية إلى النهاية، ويسيطر طاقم القيادة الموجود في الأواكس على مجموعات الطائرات المشتركة في العملية، مستخدماً الأجهزة والمعدات الموجودة بالطائرة لاستطلاع المجال الجوي، وتحديد إحداثيات الأهداف المعادية، وتقدير الموقف، واتخاذ القرار، وإصدار المهام لكل مجموعة، وتنسيق عمل المجموعات، وتحذير الطائرات من أي عدائيات تواجهها، ومتابعة أعمال قتالها، وتصحيحها عند الضرورة.

أما أين تتمركز هذه الطائرات؟ ولمن تتبع؟ فهذا أمر، يتقرر بناءً على مجموعة من العوامل، والاعتبارات، في مقدمتها العقيدة العسكرية للدولة، هل هي هجومية، أو دفاعية؟

  1. حماية الطائرات من نيران الأسلحة أرض / جو الصديقة

تُكلَّف الطائرات أثناء الحرب بالعديد من المهام. تشمل القتال الجوي، وإسناد القوات البرية، ومعاونة القوات البحرية، وعمليات الإبرار، والنقل وكل المهام التي ذكرت من قبل. وعليها عند تنفيذ هذه المهام أن تعبر مناطق نيران الأسلحة أرض/ جو، أو تتعاون معها في صد الهجوم الجوي في منطقة واحدة. وفي جميع الأحوال تكون معرضة لنيران هذه الأسلحة، ما لم يوضع نظام دقيق وحازم لحمايتها.

ولذلك فعند إعداد القوات المسلحة للحرب، في الدول التي تتولى فيها القوات الجوية مسؤولية الدفاع الجوي، تُركِّز قيادة هذه القوات على موضوع تأمين طائراتها من نيران الأسلحة أرض/ جو في التشكيلات البرية، وفي القوات البحرية. وعند التخطيط لأي عملية جوية ـ أثناء القتال ـ تُحدد قيادة القوات الجوية توقيت الطلعة، والزمن الذي ستستغرقه، ومطارات الإقلاع، وممرات الذهاب والعودة، والارتفاعات التي ستُحلق عليها هذه الطائرات، وتخطر بها القيادات التي لديها أسلحة أرض/ جو.

ومن الواضح أن هذا يحتاج إلى الآتي:

أ. شبكة اتصالات موثوق بها.

ب. وقف كاف للإخطار، قبل تنفيذ الطلعة.

ج. دقة في تحديد الأسلحة التي ستمر فوقها الطائرات، وهذا أمر صعب في العمليات المتحركة.

وإذا أمكن تنفيذ هذه الشروط أثناء القتال، فإن هذا الأسلوب يصلح لتأمين الطلعات الجوية المخططة، قبل تنفيذها بوقت كاف. ولكنه غير قابل للتنفيذ مع المقاتلات الاعتراضية التي تشترك في صد الهجمات الجوية، فليس لها توقيت، أو اتجاه أو ارتفاع محدد من قبل، ولا يمكن تحديد مطارات الإقلاع مسبقاً، لأن هذا يخضع لأبعاد الهجوم الجوي الذي يحددها العدو. وعندما تشترك المقاتلات مع الأسلحة أرض/ جو في صد الهجمة الجوية، فإن أسلوب التعاون بينهما، سواء كان بالمناطق أو في منطقة واحدة، يحدد لحظياً. أما التعليمات المسبقة، فهي عبارة عن مبادئ عامة، تُحدِّد إطار التعاون بين المقاتلات والأسلحة أرض/ جو.

وهناك مواقف أخرى عديدة يصعب، وربما يتعذر فيها على القوات الجوية الإخطار المسبق عن موقف طائراتها في الجو.

فمثلاً عندما تصاب المقاتلة القاذفة، أو تضطر إلى الدخول في معركة جوية، أثناء عودتها بعد قصف هدفها، فإن عودتها إلى القاعدة المحددة لها تكون عملية محفوفة بالخطر، إذ أنها تتأخر عن الموعد المحدد لتقييد نيران الأسلحة أرض/ جو، وقد لا تتمكن  من الالتزام بممرات وارتفاعات العودة. وقد يتعطل جهاز التعارف الموجود بها، أو يتغير كود التعارف[2] دون أن يعلم الطيار، وقد لا يسمح الوقود المتبقي لدى الطيار بالعودة إلى القاعدة التي حُدِّدت له، وقد يعود في توقيت غير مناسب، أثناء قيام العدو بمهاجمة قاعدته.. وقد.. وقد.

وهذا كثيراً ما يحدث أثناء الحرب.. وعند ذلك تصبح الطائرة فريسة لنيران الأسلحة أرض/ جو.

من الواضح أن هذا يحتاج إلى شبكة قيادة وسيطرة واتصالات تعرض الموقف في السماء بكل تفاصيله على شاشات العرض في مراكز القيادة والعمليات،، حسب الأسلوب الأول من المفهوم الثاني وكذلك إجراءات إدارة المعركة الجوية في الأسلوب الثاني المشار إليها في السابق، فلا شك أن هذا يحقق حماية أكثر، وأيسر في التنفيذ للطائرات الصديقة.

وهنا تجدر الإشارة إلى تقرير قديم عن مناورات حلف شمال الأطلسي، التي أجريت في نوفمبر 1974. وفيه أعلن الأدميرال بيتر هيل نورتون Peter Hill – Norton، رئيس اللجنة العسكرية للحلف، آنذاك، أمام اجتماع عُقد في بروكسل Brussels، وضم وزراء دفاع دول الحلف، أن وسائل الدفاع الجوي لقوات الحلف، أسقطت ما يربو على 60 طائرة صديقة.

سادساً: الاعتبارات المؤثرة على القرار

خاض الدفاع الجوي المصري ـ كقوة رابعة ـ حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973، وحقق نجاحاً أدهش الخبراء العسكريين، وما زال العالم يذكر أسبوع تساقط الفانتوم، وما سُمي بحائط الصواريخ.

وخاض الدفاع الجوي العراقي حربين، وهو أحد أفرع القوات الجوية، ولم ينجح في أيهما، رغم أنه كان يمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة والمعدات الحديثة.

ومع أن الاختبار العلمي، هو خير برهان على صحة أو خطأ أي من المفهومين موضوع الدراسة فإن هذا لا يعني أن الدول التي تتولى فيها القوات الجوية مسؤولية الدفاع الجوي، على خطأ. فما يصلح لدولة ما، قد لا يصلح لأخرى، وذلك بسبب مجموعة من الاعتبارات، وتشمل الآتي:

  1. العقيدة العسكرية للدولة

تُركِّز الدول التي تعتنق العقيدة العسكرية الهجومية، على امتلاك قوات جوية قادرة إخراج قوات العدو الجوية، ودفاعه الجوي من القتال، من بداية الحرب إلى نهايتها. وبذلك تتمكن طائرات المهاجم من السيطرة على مسرح العمليات طوال الحرب.

وتصبح أراضي الدولة، وقواتها المسلحة غير معرضة لأي هجمات جوية مؤثرة. كما حدث في حرب تحرير الكويت، التي أوضحت أن من يملك السماء، يملك الأرض.

وفي هذه الحالة يخف العبء المُلقى على عاتق الدفاع الجوي، ولا تكون هناك حاجة ماسة إلى وجود قوات دفاع جوي كبيرة الحجم والإمكانيات، اكتفاءً بالمقاتلات الاعتراضية، وبعض أسلحة الدفاع الجوي المباشر (صواريخ ومدافع)، في كلٍ من القوات البرية والقوات البحرية، إضافة إلى عدد قليل من الأسلحة أرض/ جو ضمن تنظيم القوات الجوية.

أما إذا كانت العقيدة العسكرية للدولة دفاعية، وكان العدو المحتمل قادراً على توجيه ضربات جوية مؤثرة ضد أهدافها الحيوية، وضد قواتها المسلحة، من بداية الحرب إلى نهايتها. فإن الدفاع الجوي يجب أن يكون قادراً على صد هذه الهجمات، وأن يوفر للقوات البرية مظلة حماية تهيئ لها الظروف المناسبة للقتال، كما يجب أن يوفر حماية فعالة لكافة الأهداف الحيوية، بالدولة، حتى تتمكن من الاستمرار في الحرب.

وفي هذه الحالة، لا يمكن للمقاتلات الاعتراضية أن تتحمل العبء وحدها، أو بمشاركة محدودة من الأسلحة أرض/ جو. ولهذا يتحتم وجود مجموعات كثيرة ومتنوعة من أسلحة، ومعدات الدفاع الجوي، تتكامل في منظومة موحدة، تكون فيها الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات بمثابة عمودها الفقري، والمقاتلات ساعدها الأيمن.

ونظراً لكِبر العدد، وصعوبة المهام، والحاجة إلى جهود خارقة لإعداد هذه القوات، والسيطرة على أعمال قتالها… الخ يكون من الطبيعي أن يصبح الدفاع الجوي قوة قائمة بذاتها.

  1. الموقع الجغرافي

يؤثر الموقع الجغرافي على اختيار الدولة لأي من المفهومين موضوع البحث في هذه الدراسة.

وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية أوضح مثال على ذلك. فهي تشغل الحيز الأكبر من قارة أمريكا الشمالية، التي تبعد آلاف الأميال عن عدوها السابق (الاتحاد السوفيتي)، وعدوها الأسبق (اليابان). ولا يمكن لأي طائرة أن تصل إليها من دون التزود بالوقود جواً عِدَّة مرات، أو تُقلع من حاملة طائرات. ولم تتعرض الولايات المتحدة الأمريكية، طوال تاريخها لأي هجوم جوي، باستثناء الهجوم الياباني على قاعدتها البحرية في بيرل هاربور Pearl Harbor التي تقع في وسط المحيط الهادي، وتبعد آلاف الأميال عن القارة الأمريكية.

وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية معرضة لأي هجوم بالطائرات. وإذا حدث، فإن لديها شبكات إنذار عديدة، بالأقمار الصناعية، وبأجهزة رادار بعيدة المدى، وأجهزة رادار فوق الأفق OTH Over The Horizon، تؤمن لها إنذار كافياً جداً، لكي تُقلع المقاتلات من قواعدها الأرضية، أو من حاملات الطائرات، وتعترض موجات الهجوم مرَّات ومرَّات، من مسافات بعيدة، وتُجهض الهجوم الجوي، قبل أن يصل إلى أراضيها.

وفي هذه الحالة يكون من الطبيعي أن تتكفل القوات الجوية الأمريكية بالدفاع الجوي عن قارة أمريكا الشمالية، بما في ذلك كندا، من مركز عملياتها في كولورادو Colorado، المعروف باسم نوراد NORAD North American Airospace Defense Command. 

  1. مصالح الدولة ومسارح عملياتها

عندما تنتشر مصالح الدولة في أنحاء كثيرة من الكرة الأرضية، فإن حماية هذه المصالح تحتاج إلى تدخل الدولة في الصراعات الإقليمية سياسياً، وعسكرياً.

ويحتاج التدخل العسكري إلى نقل قوات جوا بسرعة، ثم تدعيمها بقوات أخرى تُنقل بحراً. والوسيلة المُثلى للدفاع عن هذه القوات، أثناء عمليات النقل، هي المقاتلات الاعتراضية التي تصاحب هذه القوات، وتحرسها طوال الرحلة، أو في المناطق الحرجة. وتتمركز هذه المقاتلات عادة في قواعد جوية متحركة، هي حاملات الطائرات.

ومن البديهي أن العمليات العسكرية، ستكون دفاعية، في البداية، أثناء حشد القوات، لفترة محدودة، تتعاون فيها المقاتلات مع الأسلحة أرض/ جو، لتوفير الدفاع الجوي. ولكن الاعتماد الرئيسي يكون على المقاتلات. وبعدها تبدأ العمليات الهجومية بالافتتاحية التقليدية، المتمثلة في توجيه ضربات صاروخية، وجوية متتالية ضد الدفاع الجوي المُعادي لفتح طرق اقتراب آمنة للقاذفات، والمقاتلات القاذفة لقصف قواعد العدو الجوية، وإخراج قواته الجوية من المعركة منذ البداية. ويكون دور المقاتلات في هذه المرحلة هو حماية القوات الجوية الضاربة من أي تدخل جوي مُعادي محتمل.

وبعد نجاح هذه الضربات، يتقلص، أو ينعدم التهديد الجوي المعادي. وتصبح المقاتلات كافية للدفاع عن مسرح العمليات، وتعاونها وحدات الصواريخ أرض/ جو، والمدفعية المضادة للطائرات.

وما دام الاعتماد الرئيسي سيكون على المقاتلات، فليس هناك داع لأن ينفصل الدفاع الجوي عن القوات الجوية.

  1. مساحة الدولة وعلاقاتها بالجوار

عندما تكون مساحة الدولة صغيرة، وتحيط بها دول معادية، فإنها تعاني من عدة مشاكل تتعلق بالدفاع الجوي، وهي:

أ. أن الزمن الذي توفره أجهزة الإنذار عن الطائرات المعادية، لا يكون كافياً لاتخاذ إجراءات الاشتباك بالأسلحة أرض/ جو، نظراً لقرب القواعد الجوية المعادية من حدود الدولة.

ب. أن المساحة الصغيرة لا تسمح بإنشاء نطاقات متتالية من الأسلحة أرض/ جو، ومن ثمّ يكون الدفاع هشاً، ويسهل تدميره.

ج. أن كثافة السكان تكون كبيرة، وبالتالي تزداد الخسائر في الأرواح، من جراء القصف الجوي، وما يعقب ذلك من ارتباك في مؤسسات الدولة.

د. وأخيراً فإن الأهداف الحيوية تكون مُكَّدسة إلى حدٍ ما، وفي مرمى طائرات العدو.

وتدرك مثل هذه الدول أن انتظار الهجوم الجوي، وصده فوق أراضي الدولة، هو خطر مؤكد. ومن ثمّ فعليها أن تنقل معركة الدفاع الجوي إلى أبعد ما يمكن، خارج مجالها الجوي. ووسيلتها في ذلك هي المقاتلات الاعتراضية، ولهذا توليها الاهتمام الأكبر، من حيث العدد، والنوع، والتسليح، ومعدات وقيادة النيران، وأجهزة الرؤية الليلية، وتوفير أكبر عدد من الطيارين الأكفاء.

أما الأسلحة أرض/ جو فتكون مهمتها اعتراض الأعداد القليلة من الطائرات، التي قد تنجح في الإفلات من المقاتلات الاعتراضية.

المصادر والمراجع

المراجع العربية

  1. خبرات شخصية في الدفاع الجوي لأكثر من 30 عاماً. منها 15 عاماً عندما كان الدفاع الجوي للقوات الجوية، والباقي في القوة الرابعة، وشملت حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973.
  2. دورة قادة تشكيلات دفاع جوي في أكاديمية الدفاع الجوي السوفيتي (1965 ـ 1968).
  3. كتاب الحرب العالمية الثانية، الجزء الأول، ص274، ريمون كارتييه، ترجمة وإصدار مؤسسة نوفل للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، سبتمبر 1966.
  4. كتاب العسكرية الصهيونية ـ المجلد الأول ـ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ـ مؤسسة الأهرام، 1972، القاهرة.
  5. كتاب المذهب العسكري الإسرائيلي ـ هيثم الكيلاني ـ إصدار وزارة الدفاع السورية، 1969.
  6. مذكرات ونستون تشرشل، الجزء الرابع، ص40، سلسلة اخترنا لك ـ إصدار الدار القومية للطباعة والنشر ـ القاهرة مصر.

المراجع الأجنبية

  1. Aviation Week & Space Technology, April 21, 1986.
  2. Aviation Week & Space Technology, September 11, 1989.
  3. JANE’s All The World Aircraft, 1990 – 91.
  4. JANE’s C4 I, 1998 – 99.
  5. JANE’s Land – Based Air Defence, 1998 – 99

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى