دراسات دوليةدراسات سياسية

موقف الجزائر الرسمي حول هوشة ماكرون أمن الاستراتيجي

الدكتور محمد مراح

النذالة الفرنسية الرسمية تزداد لحظة ولحظة على لسان رئيسها ، بدعوى {هِرَِية} الاستهزاء  بالرجل والرمز الأول لنحو ملياري مسلم فوق الأرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باتخاذ ذريعة قتل الأستاذ الفرنسي وهو فعل غير مقبول ، كان يمكن وضعه في إطاره الجنائي من الناحية القانونية، والعمل على معالجة أسبابه المباشرة التي يمثل مبدأ حرية  الرأي أبرز أسبابها، فقد تحول لدى كثيرين في الغرب إلى {هِرَِية } } مسعورة ، ولعل أقرب ما يدين هذه الممارسة المنحرفة لمبدأ فطري إنساني هو مقولتهم الفلسفية : {تبدأ حريتك عندما تنتهي حرية الأخرين } ، وعلى كل حال جذور المشكلة وأسبابها واضحة ومدروسة على كلُ الصُعُد .

لقد توالت ردود الفعل المستنكرة من الهيئات الشعبية والثقافية والدينية والسياسية من أرجاء العالم العربي والإسلامي، ووقاحة الرئيس الفرنسي تجعل الباب مقتوحا للمزيد من المواقف والدعوات الشاجبة المنددة، والإجراءات الاقتصادية المؤثرة في الاقتصاد الفرنسي المتراجع عالميا { المرتبة السابعة تقدمت عليها الهند مثلا : المرتبة السادسة فضلا عن سابقيها الكبار كالمعتاد } .

ونحن هنا نكتب عن أهمية الموقف الرسمي الجزائري، فنعده يندرج في إطار الأمن الاستراتيجي الوطني . فكيف ذلك ؟ نجيب في نقاط هي :

1 ــ تاريخيا فرنسا جزء رئيس مباشر أو غير مباشر في كل التحولات التي عاشتها الجزائر على مدى نحو قرنين .

2 ـــ فرنسا جزء مؤثر حد المسؤولية التاريخية والسياسية بل والجنائية فضلا عن الأخلاقية في كثير من الحوادث المأساوية التي عاشتها وتعيشها الجزائر منذ الاستقلال إلى حد {الفيمتو ثانية} الراهنة .

3 ــ الجزائر أكبر مستفيد أجنبي من ثروات الجزائر واقتصادها بطرق سليمة وأخرى تفضيلية بغير ميزات مؤهلة لهذه التفضيلات .

4 ــ فرنسا تدين ـــ دون شكر ولا اعتراف بفضل ما  ــ في تصنيف لغتها عالميا لدول المغرب العربي { الجزائر وتونس والمغرب } في المرتبة التي عليها عالميا، وكلما تقلص استعمال لغتها في التعليم والادارة والاقتصاد في هذه الدول كلما ارتفعت حظوظها في التقدم نحو هاوية الردم والانقراض .

5 ــ نادى باريس هو المفوض عالميا لكل عملية تفاوض دولى حول ديون هذه الدول . وعلى الرغم من أن الجزائر بفضل الله تعالى ، ثم ما يُحسب من إيجابيات الرئيس بوتفليقة دفع ديون الجزائر مستغلا الوفرة المالية الكبرى بسبب ارتفاع سعر البترول في العقد الأول  الألفي الحالي. وهنا ننبه إلى أننا قد نجد أنفسنا في أي لحظة وجها لوجه أمام المديونية الخارجية، رغم تطمينات الرئيس تبون، فكوفيد 19 صار لغزا عالميا يخبئ مقاجآته الرهيبة للأوقات المناسبة أوغير المناسبة !!!

6 ــ فرنسا الزاعمة بأنها أم ووصية اللائكية الأكبر والأحق بها في العالم ، هي وريثة االإرث الصليبي الأكبر في العالم ، خاصة إذا تعلق الأمر بالإسلام . وبالتالي فهي تستخدم ورقتي {الحرية} و{ الصليبية} في قضاياها ضمن عملة واحدة ذات وجهين . والنذالة والوقاحة الماكرونية الحالية أوضح دليل على هذه الخاصية الغريبة التناقض !!!

7 ــ فرنسا لعبت دورا محوريا ولا تزال في الوضع الجزائري الحالي منذ حراك 2019 : فقد اتسمت مواقفها على المستوى الرسمي بالتظاهر باحترام إرادة الشعب في اختياراته . لكن إعلامها ومنه الرسمي كان يمارس هواية الإعلام الغربي التاريخية وهو التضليل والممارسة وفق مصالح دوله الاستراتيجية . ولم يتمالك الموقف الرسمي نفسه لما انقسم الحراك إلى قسمين ، قسم مؤيد للحل الدستوري والتجاوب مع موقف القيادة العسكرية في مسعاها المرافق للمرحلة الخطيرة  فانحاز للقسم الثاني المنادي بالمجلس التأسيسي وحل كل مؤسسات الدولة ورحيل كل رموزها . وفي هذه الأثناء ، فوجه  كل أسلحته الإعلامية والحقوقية نحو المؤسسة العسكرية تنفث في كل نيران الناقمين عليها عن مبدأ وقناعة وعن ارتباطات بترتيبات خارجية دولية ضمن استراتيجيات عالمية لإعادة ترتيب العالم على ضوء مصالح الكبار، وفي المنطقة العربية مصلحة الكيان الصهيوني { الرقم الهام في ترابط مصالح الطرفين في المنطقة}،وقد فضح الموقف الرسمي نفسه بأسلوب التجاهل والتقليل من أهمية نتيجة الانتخابات الرئاسية في البداية. أما الإعلام غير الرسمي والجمعيات الحقوقية والأحزاب فقد أتشبت الأنياب كلَُُ حسب طول وحدَة نابه وسميته في جسد الأحداث .

8 ــ بوادر الهدوء في العلاقات الجزائرية والفرنسية ، على ما بدأ يبدو على الأقل من خلال الخطاب الجزائري الرسمي أنه إعادة بناء علاقات بينية سيادية متوازنة وفق أخلاقيات وأعراف العلاقات الدولية السليمة . وقد تجلى هذا الوضع  الجديد  ــ كما تصرح به السلطات الرسمية لدينا ــ على لسان  الرئيس تبون حد التقييم الايجابي لنية  الرئيس الفرنسي وتطمين الجزائريين لموقفه المُتَسمة   برؤية ومساعي وصفها بالجيدة  لآفاق العلاقات بين البلدين في إطارها السيادي . و أن الرئيس الفرنسي يواجه ضغوطا ومشكلات من جهات فرنسية تحتفظ بإرثها العدائي للجزائر . وقد تجسد هذا الترويج لهذا التوجه لدي البلدين بتكثيف الاتصالات الرئاسية المتعددة ، والزيارات الرسمية المكثفة خاصة من قبل وزير الخارجية لودريان المثير للجدل حول ارتباطات بجهات وأطراف  ليست بالضرورة موافقة على ما يُروج له هنا وهناك . وهنا نشير إلى الجسارة هذا الوزير أثناء زيارته الثالثة الأخيرة منذ الانتخابات الرئاسية   للجزائر في 14 أكتوبر 2020، إذ شجع على الانتخاب ايجابيا على الدستور المعروض للاستفتاء يوم 1 نوفمبر 2020 ، مما أثار استياء وعدم رضى وطني ، بوصفه تدخل في شأن جزائري خالص، وفي موضوع يثير جدلا كبيرا ومواقف متباينة بين الجزائريين ، والرأي العام الوطني الجزائري يُعكَر مزاجه الجسارة \ الوقاحة الفرنسية في الشأن الجزائري، ويعده موقف استيصاء خيرا لكن على قدر سعة خزائن فرنسا  !!!

9 ـــ إن فرنسا تضم شعبا جزائريا كاملا : عددا {نحو 5.5 مليون حسب إحصاء رسمي فرنسي سنة 2015 } .، وهو في تزايد إلى اليوم نظرا لأسباب كثيرة،وعُدَة وامتدادا يتنامى بخصائص وفيرة متنوعة . وقد تكون هناك عناصر غير التي ذكرنا مشمولة ضمنها لها الأهمية المُعتبرة في سياق الحديث ، إذ اكتفينا ببعد العلاقات البينية، اما العناصر التحليل الداخلية التي يأتي على على رأسها الإلزام الدستوري للسلطة الجزائرية كونها تعبر عن قيم الشعب الدينية والتاريخية والحضارية ، تغييرا متكاملا داخليا وخارجيا . فنتعامل معها على أنها بدهيات لا يجوز أن ينحرف عنها أي نقاش سياسي أو إعلامي تحت أي مبرر كان .

فكيف يندرج الموقف الرسمي الجزائري على ضوئها ؟

إن هذه العناصر بتفاصيلها وتشعباتها الكثيرة جدا ، تمثل مادة لرؤية يبنى عليها الموقف الجزائري الرسمي حيال الأزمة الأخلاقية والحضارية التي أنشأها الموقف الرسمي الفرنسي الذي وصفناه بالنذالة وولا أقول بالغباء، لأن خلفياته ومراميه الخفية قد تكون أخطر مما تعتمل بها الحوادث الجارية ، ونحسب الاتحاد الأوربي اليوم  في تصريح للمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إريك مامر،                               يرسل رسالة مكثفة الدلالات، حول جوانب من ملامح مستقبل العلاقات العربية الأوربية  بقوله :“المفوضية تدافع عن قيم الاتحاد والتي تشمل حرية الأديان وحرية التعبير. هدفنا أن نتعايش معا وأن نحترم حرية تعبير الآخرين”{ جريدة الشروق اليومي 26 أكتوبر 2020} . و القول مغالطة تعكس أزمة المفاهيم الانحيازية لدى الساسة الأوروبيين في القضايا التي تعاكس مصالحهم ورغباتهم القومية الضيقة .

أما الموقف الجزائري المطلوب فيجب ان يكون في مستوى الحدث ، عبر القنوات والأساليب الديبلوماسية الصريحة تحت سمع وبصر الرأي العام الوطني، إعلانا رسميا :{{ أن الجزائر تعبر عن رفضها و شجبها للموقف الرسمي الفرنسي من تمادي  إصرار على تشجيع المتهجمين على الرمز البشري الأول المقدس لدى نحو مليارين من المسلمين الذين يشكل الجزائريون جزءا عضويا من نسيجه الممتد على القارات الخمس .

وأن الجزائر ستُقَيم موقفها من العلاقات مع فرنسا على ضوء إعادة النظر في أدائها السياسي الرسمي من حفظ مقامات الرموز الدينية الكبرى لدى الجزائريين كباقي المسلمين على وجه الأرض .

قد يرى المُعَذَِرون من الجزائريين أننا في وضع هش سياسيا واقتصاديا فلا يصح فتح جبهة مع الطرف الدولي الذي يُعد الأكثر تأثيرا في أوضاعنا ؟

هنا وجب القول : إنَ الغرب وفيَُُ لروحه الاستعمارية، ومتى احس منك ضعفاا وهشاشة اهتبلها فرصة ثمينة ليحقق من وضعك ما أمكنه من مصالح .

كما أن ما يبدو هشاشة لبعضهم فإن مواقف ما في لحظة مميزة دخليا أو خارجيا قد تغير الأوضاع قيميا ونفسيا، وهي مسألة في غاية الأهمية، كونها تمثل رصيدا لدافعية الشعوب نحو احترام ذاتها،واسترجاع ثقتها بنفسها قدراتها الذاتية  والاندفاع الجاد نحو تطوير مستقبلها . وأول ما يبدو عليه هذا هو ارتفاع منسوب ثقة الشعب واحترامه لقيادته ، وهذا ما يمثل جوهر الوضع الوطني الحالي بعد إنتخاب الرئيس تبون في 12 \12  2019 ! الاستفتاء عن الدستور أي معضلة الثقة الخطير . وبداهة فإن أي موقف رسمي لا يرقي لمستوى الفعل الفرنسي الرسمي القبيح ستكون له أثار سلبية لدى الرأي العام الوطني، ويصعب تفهمه . وقد يستثمر للتعميق الأزمة الداخلية .

أما الطرف الفرنسي والمتوقع منه أن يضع الموقف الرسمي الجزائري

في إطاره، أي ضمن تساند المواقف العربية والإسلامية الرسمية من جهة ، وضمن إدراك جديد لعهد جديد ــ كما نتمنى ــ  تؤطره العناصر المذكورة وغيرها . فقد يضبط تقديراته على وفق المواقف ، لأنه في موقف هش ربما أكثر من هشاشة كثير من الدول العربية والإسلامية .

وختاما أود الإشارة إلى أمرين هما : أن أي موقف رسمي لا ينبغي أن تنزل درجة جهة الإصدار عن وزارة الخارجية { وحبذا لو يكون عن طريق استدعاء السفير الفرنسي لوزارة الخارجية، وبالمناسبة قد يُنبَه لجوسه خلال ولايات الوطن مطلقا رسائل سياسية تغيض الجزائريين كتصريحه مؤخرا في وهران بمستقبل التعاون العلمي بين جامعات فرنسا والجزائر، في سياق تنويم حكومي لوعود التوجه للغة العلم الأولى !!! .

أما الأمر الثاني : فهو تفعيل القانون بتقديم المهنيين للرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام  جهرا على مواقع {التفتيت الاجتماعي} . فتكون الدولة في موضع مريح، وانسجام في موقفها من الموضوع داخليا وخارجيا .

والله الموفق

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى