دراسات اقتصادية

نظريات التحديث الاقتصادية

اختلف الباحثون في تصنيف نظريات الفكر التنموي، فهناك من قسمها على أساس المنظور الذي انطلقت وحللت به ظاهرة التخلف، وسبل تحقيق التنمية، وهنا نجد المنظور الاقتصادي، المنظور الاجتماعي،المنظور النفسي، وهناك من قسمها على أساس الفترة الزمنية التي جاءت فيها النظرية إلى نظريات كلاسيكية، نيو كلاسيكية، وحديثة، وهناك من قسمها على أساس المدرسة التي ينتمي إليها المنظر إلى نظريات غربية سميت بنظريات التحديث ونظريات لمنظرين غير غربيين.

-نظريات التحديث :

وهي نظريات لمفكرين غربيين قدمت للدول النامية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد أخذت اتجاهين :

الاتجاه الأول: ركز على أسباب فشل الدول النامية في تحقيق التنمية.

أما الاتجاه الثاني: فركز على البحث عن العوامل الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية.

1-نظرية مراحل النمو الاقتصادي “لروستو”:

في هذه النظرية استخدم روستو المنهج التاريخي إذرأى أن الدولة تتطور من مرحلة إلى أخرى وتمر بخمسة (05) مراحل تاريخية خلال نموها الاقتصادي وبالتالي فان تقدم الدول النامية لا تعدو كونها مسألة وقت فقط :

1-1-مرحلة المجتمع التقليدي :

وأهم مميزاتها ما يلي :

مجتمع تقليدي يعيق استخدام التكنولوجيا .

اقتصاده زراعيا يعاني من التخلف الفني والإنتاجي .

دخل الفرد لا ينمو فيه بسبب قصور وسائل الإنتاج .

الدخل يصرف في مجمله في وسائل استهلاكية غير إنتاجية .

السلطة في يد ملاك الأراضي بدعم من الجيش.

ضعف مردود الهكتار الواحد بسبب ضعف التحكم في التكنولوجيا.

1-2-مرحلة ما قبل الانطلاق:

ومن أهم خصائصها :

يبدأ المجتمع بوضع القوانين العلمية المنظمة للظواهر، ويبدأ في تطبيقها لزيادة الإنتاج.

ارتفاع الاستيراد الذي يمول من صادرات المواد الأولية.

تطور المجتمع الذي يقبل إدخال التكنولوجيا الجديدة.

ظهور بعض القيادات التي تمتلك وتتصف بروح الابتكار والمغامرة

تطور النقل إذ يزداد فيه الاستثمار، ويتغلغل التقدم من الخارج عن طريق نقل التكنولوجيا.

ظهور البنوك وبعض المؤسسات الخاصة بالادخار.

1-3-:مرحلة الانطلاق :

وتتميز بما يلي :

قصرها عن بقية المراحل .

يرتفع فيها الإنتاج الحقيقي للفرد.

تغيرات كبيرة في التقنيات المستخدمة “مرحلة الثورة الصناعية «

تحديث النشاط الاقتصادي بسبب صعود قيادات سياسية تحدث ثورات في المجتمع (اجتماعية ،سياسية،اقتصادية).

يبدأ المجتمع في الإنتاج محل الواردات.

انتصار الطبقة المثقفة الجديدة على الطبقة التقليدية المحافظة.

انتقال معدل الاستثمار من 5%الى10%من الدخل القومي.

1-4مرحلة النضج الاقتصادي :

تعتبر الأطول نسبيا.

ارتفاع نسبة الاستثمارات من 10%الى20%من الدخل القومي.

كمية الإنتاج تفوق الزيادة السكانية .

السمة البارزة هو التحسن في فنون الإنتاج.

تبدأ الدولة في الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض في منتوجاتها .

ترتفع الأجور مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الاستهلاك .

القيادة الإدارية تنتقل إلى أيدي كبار المدراء أو المنظمين الأكفاء.

1-5-مرحلة الاستهلاك الوفير (الواسع)

تتميز بارتفاع الدخل الحقيقي للفرد إلى درجة التمتع بوفرة الاستهلاك من السلع المعمرة.

ازدياد الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.

لا يصبح التقدم التقني هدفا لأنه أصبح أمرا سهلا.

الانتقادات الموجهة لنظرية روستو:

يعتقد روستو أن “التاريخ يعيد نفسه “وذلك من منطلق انطباق النظرية على الكثير من الدول في الماضي مثل و.م.أ وأوروبا الغربية، واليابان لكن من الصعب التعميم .

فيمكن للدول المتخلفة إحقاق التنمية دون المرور بالمراحل السابقة (إحداث قفزة)، بالإضافة إلى اختلاف الظروف والعوامل المؤثرة على عملية التنمية من حقبة تاريخية إلى أخرى.

انه لم يعط تفسيرات واضحة ودقيقة لمعنى المراحل فالعملية متشابكة وبالتالي فما معنى إذن لكلمة مرحلة.

أنه يربط التقدم في الدول النامية بتخليها عن خصوصيتها وثقافتها وقيمها وإتباع القيم والثقافة والغربية.

2- نظرية الحلقة المفرغة لـ “راغنار نوركس “

حاول نوركس من خلال نظريته تفسير عوامل التخلف وأرجعها إلى عنصر الفقر وما نتج عنه من قلة الميل إلى الادخار وضآلة الاستثمارات المتاحة.

حيث يرى نوركس في نظريته انه “إلى جانب العرض توجد قدرة ضئيلة على الادخار ناشئة عن مستوى منخفض للدخل الفعلي المنخفض الذي يعكس إنتاجية عمل منخفضة التي تتحدد بفعل النقص الملحوظ لرأس المال، ونقص رأس المال ليس سوى نتيجة للقدرة الضئيلة على الادخار وهكذا فان الحلقة أغلقت على نفسها أي أنها تدور حول نفسها ”

الشيء الذي يؤدي إلى بقاء الدول النامية في حالة تخلف مستمر ويرى نوركس انه توجد العديد من الحلقات المفرغة.

وفيما يخص ندرة رؤوس الأموال يرى انه توجد حلقتين حلقة من ناحية العرض وحلقة من ناحية الطلب وفيما يلي أهم الحلقات المفرغة:

الانتقادات الموجهة لنظرية الحلقة المفرغة:

عدم صحة المقولة القائلة أن الدول المتخلفة تظل متخلفة دائما .فهناك دول كسرت هذه الحلقة وتحولت من دول بدائية إلى متقدمة ذات مشروعات كبيرة ومواصلات حديثة واستثمارات ناجحة .

يعتبر الربط بين العناصر التي جاء بها نوركس ربطا ميكانيكيا لكن هذه العملية ليست عملية مختبرية كيميائية بل هي ظاهرة اجتماعية تخضع لقوانين التطور الاجتماعي.

تتوفر في البلدان المتخلفة إمكانيات فعلية لرفع إنتاجية العمل بأدنى النفقات لرأس المال.

ü هناك من طرح حلقة مفرغة أخرى مغايرة للعناصر المفرغة التي طرحها نوركس بقوله “لو وجد الحد الأدنى من الإخلاص عند الاقتصاديين الغربيين الذين يدعون لهذه النظرية الموضوعية لقالوا أو لاستطاعوا أن يضعوا حلقات مفرغة فعالة بالاعتماد على العناصر التالية: التخلف ناتج عن نقص الأموال، الناتجة عن ابتزاز الاحتكارات الأجنبية للدخل القومي، الناتجة عن إسراف العناصر الطفيلية الحاكمة في صرف الموارد الداخلية التي تعود بنا إلى التخلف.

3- نظرية النمو المتوازن : (إستراتيجية النمو المتوازن )

يرى نوركس أن كسر الحلقة المفرغة لا يتحقق إلا بتوسيع حجم السوق والذي لا يتحقق إلا بإنشاء جبهة عريضة من الصناعات الاستهلاكية وبالتالي يتحقق بينهما التوازن بين القطاع الزراعي والقطاع الصناعي، حتى لا يمثل تخلف القطاع الزراعي عقبة أمام نمو القطاع الصناعي“.

ويهدف من هذه الإستراتيجية التركيز على السلع اللازمة لإشباع حاجات السوق المحلية وليس لغرض التصدير على الأقل في المراحل الأولى، وهذا لعدم قدرة السلع المنتجة على منافسة نظرائها من منتجات الصناعات المتقدمة في وجه صادرات البلاد المتخلفة.

ويشترط نوركس لنجاح هذه الإستراتيجية ضرورة تزامن جميع الصناعات والمشروعات، على اعتبار أن الاستثمارات في كل صناعة أو مشروع تخلق سوقا لغيرها من الصناعات أو المشروعات، بما توزعه من دخول، الأمر الذي يترتب عليه توسيع حجم السوق وبالتالي خلق حوافز للاستثمار.

وبالتالي ليس أمام الدول النامية من خيار سوى التنمية عن طريق الجبهة الداخلية .والاعتماد على الموارد الأولية المحلية، لعدم ثقته في الاعتماد على الشركات المتعدد الجنسيات،والتجارة الخارجية.

ويرى أن توفير الموارد المحلية ينبغي أن يأتي من موارد القطاع الزراعي، أو الاقتراض الخارجي.

ولقد واجهت عدة انتقادات لهذه الإستراتيجية أهمها:

1-عدم واقعية هذه الإستراتيجية اشتراطها ضرورة توافر موارد ضخمة لازمة لتنفيذ برامجها دون طاقة البلاد المتخلفة.

2-انتقد البعض هذه الإستراتيجية على أنها سوف تؤدي إلى عزل الدول النامية عن الاقتصاد الدولي بتركيزها على التنمية لأجل السوق المحلية.

3-انتقد البعض تأجيل إنماء صناعات السلع الإنتاجية لحساب دفعة قوية في إنشاء الصناعات الاستهلاكية الخفيفة، لان هذا الأسلوب سوف يظهر قصوره في تنمية المدخرات الحقيقية في الأجل الطويل وذلك لزيادة الاستهلاك على حساب الادخار.

4-إن تطبيق هذه الإستراتيجية يشجع على التضخم لأنها تتطلب موارد أكثر مما هو متاح لأكثرية الدول النامية.

5-أن الاستثمار على جبهة عريضة من صناعات الاستهلاك قد يتمخض في الوقت نفسه عنه صغر حجم المشروعات، مما يترتب عن ذلك من أنشاء مشروعات تقل عن الحجم الأمثل من الناحية الكفاءة الإنتاجية .

4- إستراتيجية النمو غير المتوازن:

إرتبطيت إستيرتتجية النمو غير المتوازن بالاقتصادي “هيروشمان” و كذلك “فرانسوبيرو«

أن المقدرة على الإدخار و الاستثمار الفردي منخفظة في الدول النامية بسبب ضعف المناخ من راس المال الإنتاجي كما أيد هيروشيمان ضرورة الدفعة القوية في التنمية معارضا إعطاء الأولوية للتنمية الريفية بهدف توفير في حجم الإنفاق الاستثماري و محبدا أن يبدأ التصنيع في المدن الكبرى لأن الاستثمار في صناعة في فترة ما سوف يجدب وراءه الاستثمارات في فترة تالية بسبب طبيعة التكامل بين الاستثمارات.

يتخذ أنصار هذه الإستراتيجية سندا لهم من التاريخ الاقتصادي، يقول “هيروشيمان”:”إن التاريخ الاقتصادي لا يعرف أمثلة للنمو المتوازن و إنما أتخذ النمو الاقتصادي شكل تقدم و نمو بعض القطاعات، و قيادتها لعملية النمو، وأدى نماء هده القطاعات القائدة الى حض القطاعات الاخرى على النماء”، و من هنا تاتي فكرة “القطاع القائد” لعملية التنمية الاقتصادية.

لكن المشكلة التي تثار عند الأخذ بهده الاستراتيجية هي كيفية تحديد الصناعات أو القطاعات التي تعطي لها الاولوية.

و يوضح هيروشيمان معالجة هده المشكلة على مستويين:

المستوى الاول: في المفاضلة بين أولوية الاستثمار في قطاع رأس المال الاجتماعي والاستثمار في قطاع الاستثمار الانتاجي المباشر.

والمستوى الثاني: في المفاضلة بين أولوية الاستثمار في الصناعات أو مشروعات قطاع الانتاج المباشر.

ـفي المفاضلة بين أولوية الاستثمار في قطاع رأس المال الاجتماعي (الطرق والجسور والسدود، ومحطات الكهرباء، السكك الحديدية، الموانىء، المطارات،…..) و الاستثمار في قطاع الانتاج المباشر يفضل الأول على الثاني.

وفي المفاضلة بين أولوية الاستثمار في صناعات أو مشروعات الانتاج المباشر يركز هيروشيمان على ضرورة التركيز على الاستثمار في النشاط الانتاجي “مشروع أو صناعة” الذي يتولد عند أكبر قدر ممكن من الترابطات والتشابكات الأمامية و الخلفية.

وقد تعرضت هذه الاستراتيجية كذلك لجملة من الانتقادات، فيرى بعض الاقتصاديين ان هذه الاستراتيجية تفترض أن عملية التنمية الاولى تجري بصفة أساسية عن طريق المبادأة (المبادرة) الفردية و بذلك تفقد استراتيجية النمو غير المتوازن مغزاها في ظل الأخد بالتخطيط الشامل كأسلوب للتنمية الاقتصادية.

كما أن تركيز هذه النظرية على رأس المال كمحرك وحيد للتنمية أغفل المتغيرات الاخرى التي لا تقل أهمية كالادارة ونمط الحكم، والمهارات والخبرات، والابتكارات.

بالاضافة لاهمالها للاستثمار في رأس المال البشري (شأنها شأن استراتيجية النمو المتوازن) واستمرار مظاهر الفقر، والبطالة، وعدم عدالة توزيع الدخل القومي..
المحاضرة الثالثة: نظريات التحديث – موقع الأستاذ :نبيل بويبية

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    يشرفني ان اتواصل معكم
    انا
    رئيس الاتحاد الجزائري للشباب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى