نظرية الفوضى – Chaos Theory

يعد مفهوم الفوضى مفهوما غامضا ، فمن جانب ، ترتبط الفوضى بميراث الأساطير فى العديد من الثقافات القديمه المختلفه. و من جانب آخر ، تشير إلى برنامج بحثى متعارف عليه فى دراسه التطور الزمنى للنظم غير المستقره. و قد تطورت نظرية الفوضى فى العلوم الطبيعيه ، ثم انتقلت إلى العلوم الإجتماعيه ، و هى تساعد فى فهم ديناميكيه النظم التى تتطور بصوره غير خطيه.

تختلف الفوضى عن العشوائيه Randomness ، فالنظام العشوائى لا يمكن التنبؤ بالخطوه التاليه فيه ، و كل شئ ممكن أن يحدث ، و لذا يمكن وضع سيناريوهات محدده حول ما سيحدث و لكنها لا تكون بلا نهايه. و فى حاله الفوضى ، فإن هناك مدى غير نهائى لإمكانيه التنبؤ بالمستقبل. و يمكن تطوير مجموعه من البدائل التى يمكن أن تتلائم معها ، فالفوضى لما نظام كامن. و تهدف نظرية الفوضى إلى وضع نموذج لكل نظام بالنظر إلى النماذج الكليه ، بدلا من عزل علاقات السبب و النتيجه لأجزاء محدده فى النظام. و يرتبط مسار تطور النظام فى ظل نظريه الفوضى بعنصر جذب attractor يحدد مسار التطور.

يتسم السلوط الفوضوى بحساسيته الشديده للشروط الأوليه ، و تمثل تلك الحساسيه الخاصيه الأكثر عقلانيه فى النظم الفوضويه. فعلى سبيل المثال ، تساعد نقطه معينه فى النظام الفوضوى على اكتشاف نقطه اخرى قريبه منها ، و تبعد بمسافه ما و قد تقود هذه النقطه النظام إلى مسار فى اتجاه نقطه ابعد من النقطه الأولى ، أى أن المسارات الخاصه بكل نقطه قد تكون مختلفه و يكون من غير الممكن التنبؤ بها. و هذه الخاصيه تجد المقابل لها فى مجال النظم السياسيه المقارنه ، فالقرارات السياسيه المصيريه تقيد العمليات و الأحداث التاليه بمجرد أنها حددت مسارا معينا للتطور السيالى ما يسمى حدود الفوضى. فقبل الوصول إلى هذه النقطه ، كان النظام يتصرف بطريقه يمكن التنبؤ بها. و لكن بعد وصوله لهذه النقطه ، لا يكون هناك التزام بمسار التصرف السابق ، و يصبح السلوك أقل قابليه للتنبؤ به ، و لذا تعتبر هذه النقاط مهمه لفهم تطور النظام.

و فى مجال العلوم السياسيه ، يتم استخدام مفهوم الفوضى لوصف السلوك السياسى و الظواهر السياسيه ، مثل الحروب و الثورات و عدم الإستقرار السياسى و المشكلات السياسيه البسيطه و المعقده. و يبرر البعض ذلك بأن العامه من الناس أصبحوا على وعى بالفوضى التى تحدث من حولهم عن طريق الإعلام ، فأصبحوا أكثر حساسيه للفوضى. فالأزمات و التغييرات الفجائيه و الأشياء خارج السيطره تنتشر فى عالمنا الملئ بالمنظمات الحديثه فى نظام كونى شديد التعقيد ، و من ثم يجب أن يستعد القاده السياسيون للتعامل مع الظواهر الفوضويه و إداره المنظمات المعقده. و قد تمت الإستفاده من نظرية الفوضى فى ابحاث السلام فى مجال العلاقات الدوليه ، حيث افترض المتخصصون فى أبحات السلام أن احتمال تحقق السلام يزداد كلما زادت العشوائيه و قل النظام ، و من ثم انخفضت القدره على التنبؤ. و بإستخدام هذه النظريه ، امكن التمييز بين النظم الإجتماعيه التى تكون منظمه فى بعض الأحيان و غير منظمه فى أحيان اخرى. لذلك ، فإن فكره الفوضى المستقره و العشوائيه المنظمه تمهدان الطريق لفهم جديد للسلام ، بإعتبار أن السلام هو تسلسل طبيعى للعشوائيه المنتظمه ، التى تظهر فى كل مستوى من التفاعلات الإنسانيه ، بدءا من العائله كوحده تحليل ، وصولا إلى الأمه. كما طبقت هذه النظريه فى مجال الأمن الدولى و الاستراتيجيه ، و نشر ريتشارد كى بيتس دراسه حول ذلك فى دوريه الأمن الدولى. و استنادا لدراسته تتعامل هذه النظريه مع الحرب على أنها ظاهره غير منتظمه ، تنتج سلوكا غير منتظم ، من خلال عدم التناسق فى العلاقه بين المدخلات و المخرجات ، التى لا يتساوى فها الكل مع مجموع الأجزاء. و ترجع أهميه هذه النظريه فى مجال العلوم السياسيه إلى أنها تمد الباحث بأدوات و طرق جديده قائمه على البيانات المتعاقبه ، لتحليل تطور أشكال المتغيرات المتنوعه فى النظم السياسيه. فالجانب الإبداعى للمنظور الفوضوى بيين كيفيه الوصف و التحليل القائم على تطور السياسات العامه ، و المؤسسات السياسيه ، و الفواعل و العمليات ، مثل العمليه الإنتخابيه.

نظرية الفوضى الخلاقة واستراتيجيات الهيمنة في العالم العربي

يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأميركي في التعامل مع قضايا العالم العربي حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد في المجال التداولي العربي لمفهوم الفوضى المثقل بدلالات سلبية من أبرزها عدم الاستقرار أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح “الفوضى الخلاقة” بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي.

يستند الأساس الأيديولوجي النظري لسيرورات الفوضى الخلاقة تاريخيا إلى الثورة الفرنسية باعتبارها مرجعا قابلا للدرس والمقارنة بشعاراتها المعروفة الحرية والعدالة والمساواة، وعلى الرغم من نبل المنطلقات النظرية للثورة الفرنسية وإيجابياتها إلا أنها ولدت آثارا جانبية ضارة تمثلت بسيطرة الرعاع من العامة التي حولت الأوضاع إلى فوضى عارمة تفتقر إلى التنظيم في ظل غياب مرجعيات فكرية وسياسية ساهمت في تآكل الثورة وكان من نتائجها عودة الملكية إلى فرنسا ونمو النزعة الشوفينية الفرنسية التي أرادت تصدير الفوضى الثورية إلى دول أوروبا دون الالتفات إلى الخصوصيات المكونة لهذه الدول.

حاولت الولايات المتحدة الأميركية استثمار حالة الفوضى تاريخيا في عدة أماكن من العالم كما فعلت في إيران أيام حكم مصدق وقد نجحت حينها بإعادة الشاه إلى سدة الحكم الأمر التي فشلت فيه عقب اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.

وانتهجت استراتيجية فوضى الاحتواء المزدوج في التعامل مع الثورة أثمر عن قيام الحرب العراقية الإيرانية، وعقب انهيار جدار برلين وسقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي اعتمدت إستراتيجية الفوضى البناءة في التعامل مع الجمهوريات المستقلة، وتعتبر رومانيا نموذجا مثاليا لتفجير الفوضى في بلدان أخرى، وبالرجوع إلى المظاهرات التي عمت جورجيا وأوكرانيا كان العنصر الحاسم في نجاح المظاهرات هو التهديد بالقوة من قبل الولايات المتحدة وذلك بعد تحول السياسة الخارجية الأميركية من الاحتواء المزدوج أيام الحرب الباردة إلى إستراتيجية أمركة العالم بالقوة والعمل على تغيير الأنظمة والجغرافيا عن طريق الفوضى الخلاقة، ولا مانع من اعتماد الاحتلال المباشر إذا لزم الأمر في ظل غياب استيراجيات الردع، وقد أفرزت المتغيرات البنيوية للواقع الدولي نمو وازدهار العولمة الأميركية بحيث أصبح القيام بواجبات الأمركة من صميم مهمات رؤساء الولايات المتحدة، ويعد الرئيس جورج بوش الابن الذي يعاني من وهم كونه المسيح المخلص الأكثر تطرفا في فرض سياسات الأمركة من خلال إطلاقه الفوضى الخلاقة في مختلف أنحاء العالم، وقد تأثر بوش بعدد من الكتابات التي تؤسس للفكر السياسي المنظم للفوضى الخلاقة واعترف بأن كتاب “قضية الديمقراطية يمثل الخريطة الجينية لرئاسته وهو من تأليف المنشق السوفييتي المهاجر إلى إسرائيل والذي شغل منصبا وزاريا في حكومة شارون ناتان شارانسكي، وتتلخص رؤية شارانسكي باعتبار الإسلام حركة إرهابية لا تهدد إسرائيل فقط وإنما العالم الغربي بأكمله، ويرى أن استئصال الإرهاب لا يتم باستخدام القوة وتجفيف المنابع فقط وإنما بمعالجة الأسباب العميقة للإرهاب التي تنبع من سياسات الأنظمة العربية الاستبدادية والفاسدة وثقافة الكراهية التي تنشرها، ويتفق شارانسكي بهذا الطرح مع الأطروحة الشهيرة لهانتنغتون التي تنص على أن الإسلام عدو حضاري للغرب.

وتمثل كتابات اليوت كوهين أحد المصادر المهمة لنظرية الفوضى الخلاقة وخصوصا كتابه “القيادة العليا، الجيش ورجال الدولة والزعامة في زمن الحرب” ويرى كوهين أن الحملة على الإرهاب هي الحرب العالمية الرابعة باعتبار أن الحرب الباردة هي الثالثة، ويؤكد بأن على الولايات المتحدة أن تنتصر في الحرب على الإسلام الأصولي.

ومن المساهمات الرئيسية في صياغة نظرية الفوضى الخلاقة ما قدمته المراكز البحثية الكبرى في الولايات المتحدة وعلى رأسها مؤسسة “أميركان انتربرايز” للدراسات وتعتبر كتابات راوول مارك غيريشت وهو منظر المحافظين الجدد والمختص في الشأن العراقي والشيعة أبرز من يمثل هذا المركز، ويؤكد غيريشت أن إدارة الرئيس بوش بلورت مشروع “الشرق الأوسط الكبير” بالاعتماد جزئيا على أبحاث مؤرخين نافذين أمثال برنارد لويس من جامعة برنستون وفؤاد عجمي من جامعة جونز هوبكنز، ومن المعروف أن لويس أحد المناصرين لإسرائيل وكان قد أعلن عقب حرب الخليج الثانية عام 1991 عن موت العالم العربي ككيان سياسي واقترح استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” بدلا من “العالم العربي”، وتقوم مؤسسة “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” بدور لا يقل أهمية عن المؤسسة السابقة في صياغة نظرية الفوضى الخلاقة، ويمثل روبرت ساتلوف المدير التنفيذي المعروف في المؤسسة أحد أقطاب هذه النظرية، وهو من أشد المعجبين بأفكار برنارد لويس ولا يفتأ يردد آراءه المتعلقة بالعالم العربي، وكان قد اقترح إقصاء مصطلحي العالم العربي والإسلامي من القاموس الديبلوماسي الأميركي وطالب بالتعامل مع العالم العربي من خلال مقاربة خاصة بكل بلد على حدة ومحاربة الأصولية الإسلامية بلا هوادة والتي تسعى برأيه إلى إلغاء الحدود الجغرافية والطبقية.

أما فؤاد عجمي وهو من أنصار الليكود والمحافظين الجدد فيعتبر الناطق الرئيسي للرؤية الطوائفية للواقع الاجتماعي والسياسي في العالم العربي، وتحظى رؤيته بقبول واسع الانتشار في صفوف الإدارة الأميركية ويمارس تحريضا متطرفا في مجمل القضايا المتعلقة بالعالم العربي والإسلامي.

وتمثل الأطروحة الرئيسية لنظرية الفوضى الخلاقة على اعتبار الاستقرار في العالم العربي عائقا أساسيا أمام تقدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولذلك لا بد من اعتماد سلسلة من التدابير والإجراءات تضمن تحقيق رؤيتها التي تطمح إلى السيطرة والهيمنة على العالم العربي الذي يمتاز بحسب النظرية بأنه عالم عقائدي وغني بالنفط الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة، وينادي أقطاب نظرية الفوضى الخلاقة باستخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة كما حدث في أفغانستان والعراق، وتبني سياسة التهديد بالقوة التي تساهم في تفجير الأمن الداخلي للعالم العربي وتشجيع وتأجيج المشاعر الطائفية وتوظيفها في خلق الفوضى كما هو الحال في التعامل مع الوضع اللبناني والسوري والعراقي.

كاتب المقالة:
حسن أبوهنية
المصدر: Dar Al-Fikr

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button